اضواء علی الصحیحین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اضواء علی الصحیحین - نسخه متنی

محمد صادق النجمی؛ مترجم: یحیی کمالی البحرانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


وقال ابن الاعثم : فهم ابو بكر بقتل المقاتلة وقسمة النسا والذرية , فمنعه عمر عن ذلك فامر بهم ابو بـكـر فـحـبـسـوا, ولـما صار الامر الى عمر قال لهم : انطلقوا فانتم احرار لوجه اللّه فلا فدية
عليكم ((885)) .

نـعم , هكذا كان المسلمون يقتلون وتضرب اعناقهم وتسبى نساؤهم وذرياتهم ,بامر من الخليفة , وما
ذنـبهم الا انهم امتنعوا عن ادا الزكاة الى الخليفة , وكانوا يسحبون والاغلال في اعناقهم الى مركز
الحكومة الاسلامية .

ولـكـن لما مات ابو بكر وحل محله خليفته عمر بن الخطاب استنكر ما كان يراه ابوبكر صحيحا,
واول عـمـل قام به ان اطلق سراح الاسرى والسبايا وارجعهم الى قبائلهم كماقرانا معا خلاصة ما
نقله الشيخان في صحيحيهما في الاسطر السابقة .

واخرج مسلم في صحيحه باسناده عن ابي هريرة قال :.

ان رسـول اللّه (ص ) لما اعطى الراية يوم خيبر لعلي بن ابي طالب (ع ) قال له : امش ولا تلتفت حتى
يـفـتح اللّه عليك , قال : فسار علي (ع ) شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ : يارسول اللّه على ماذا اقاتل
الناس ؟.

قـال : قـاتلهم حتى يشهدوا ان لا اله الا اللّه وان محمدا رسول اللّه (ص ), فاذا فعلواذلك فقد منعوا
منك دماهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على اللّه ((886)) .

هـذه هـي سـيـرة الرسول وسنته وانقياد الامام علي (ع ) لاوامره , وهذه هي سنة الاسلام ونهجه
الصحيح .

وتلك كانت طريقة الخلفا ومنهجم في اجرا الاحكام الدينية والسنة النبوية .

2 ـ قصة فدك وارث الرسول (ص ):.

المورد الثاني من مخالفة الخلفا لرسول اللّه (ص ) واحكام الشريعة , والتي وقعت في عهد الخليفة ابي بـكـر هـو مـسـالة غصبه فدك وارث رسول اللّه (ص ) من فاطمة الزهرا(س ), وانه آذى بضعة
الرسول (ص ) واغضبها.

ولما كانت هذه الواقعة وبعض جوانبها قد وردت مجملة ومختصرة في الصحيحين في موردين فقط,
نـقـلاها عن عائشة بنت ابي بكر, راينا لزاما ان ننقل النص منهما ومن ثم ندرس هذه القضية دراسة
محق قة على نحو الاختصار.

1 ـ عـروة بن الزبير: ان عائشة ام المؤمنين (رض ) اخبرته ان فاطمة (س ) ابنة رسول اللّه (ص )
سالت ابا بكر الصديق بعد وفاة رسول اللّه (ص ) ان يقسم لها ميراثها مما ترك رسول اللّه مما افا اللّه
عليه .

فـقـال لـهـا ابو بكر: ان رسول اللّه (ص ) قال : لا نورث , ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة بنت رسول
اللّه (ص ), فهجرت ابا بكر, فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول اللّه (ص ) ستة اشهر
.

قـالت : وكانت فاطمة (س ) تسال ابا بكر نصيبها مما ترك رسول اللّه (ص ) من خيبروفدك وصدقته
بالمدينة , فابى ابو بكر عليها ذلك ((887)) .

2 ـ عـن عروة , عن عائشة : ان فاطمة (س ) بنت النبي (ص ), ارسلت الى ابي بكر,تساله ميراثها من
رسـول اللّه (ص ) مما افا اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبرفقال ابو بكر: ان رسول
اللّه (ص ) قال : لا نورث ما تركنا صدقة , انما ياكل آل محمد(ع ) في هذا المال , واني واللّه لا اغير
شيئا من صدقة رسول اللّه (ص ) عن حالها التي كان عليها في عهد رسول اللّه (ص ), ولاعملن فيها بما
عمل به رسول اللّه (ص ).

فـابـى ابـو بـكـر ان يدفع الى فاطمة (س ) منها شيئا, فوجدت فاطمة (س ) على ابي بكرفي ذلك ,
فـهجرته فلم تكلمه حتى توفيت , وعاشت بعد النبي (ص ) ستة اشهر, فلما توفيت دفنها زوجها علي
ليلا, ولم يؤذن بها ابا بكر وصلى عليها, وكان لعلي (ع ) من الناس وجه حياة فاطمة (س ), فلما توفيت
استنكر علي وجوه الناس , فالتمس مصالحة ابي بكرومبايعته , ولم يكن يبايع تلك الاشهر, فارسل الى
ابي بكر ان ائتنا ولا ياتنا معك احد ((888)) .

اقـول : هـذان الـحـديثان اخرجهما الشيخان باسنادهما عن عائشة , ولما كان الحديث طويلا انتقينا
الفقرات الاولى منها حيث انها بيت القصيد.

وعـلـى الـرغـم من ان كلام عائشة قد اعطت القضية نوعا من الجدل والمصالحة ,وصبغتها بصبغة
الـصـلـح والـمسالمة , الا انها تحتوي على نقاط هامة , وتكشف عن حقائق كانت مستورة نشير اليها
باختصار:.

1 ـ يـظـهر بعد البحث والتحقيق ان ميراث النبي (ص ) وتركته المتنازع عليها, والتي صودرت من
قـبـل الـخـليفة , لم تنحصر بفدك كما هو المشهور, لان النبي (ص )كان يملك اموالا وقرى خارج
المدينة غير فدك كما اثبته المحققون والعلما ((889)) .

وهذا ما نستفيده من كلام عائشة حيث قالت : بان فاطمة طالبت ابا بكر بعد وفاة النبي بموارد متعددة ,
مثل فدك والخمس من غنائم خيبر والصفايا والصدقات خارج المدينة .

ولعل اشتهار فدك من بين كل تلك الموارد, لاهميتها الخاصة وموقعها كما يقول ابوداود في سننه : ان
اربـاح فـدك الـسـنوية في عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز كانت تبلغ اربعين الف دينار وقد ردها
الخليفة لبني الحسن ((890)) .

2 ـ ان ابا بكر عندما امتنع من ان يرجع ميراث النبي (ص ) الى اهل بيته (ع ) عمد الى تزويرو جعل
حديث ونسبه الى رسول اللّه (ص ) بانه قال : لا نورث .

3 ـ ان فاطمة الزهرا(س ) انكرت هذا الحديث المزيف وانتقدته , وهجرت ابابكرولم تكلمه , حتى
تـوفـيـت فغسلها وكفنها ودفنها وصلى عليها زوجها علي بن ابي طالب (ع )ليلا, ولم يخبر الخليفة
بوفاتها والصلاة عليها.

4 ـ كـانـت فـاطـمة (س ) في المدة التي عاشتها بعد ابيها الرسول ستة اشهر ((891)) اقوى حام
ومدافع لاميرالمؤمنين (ع ) في مقابل مخالفيه , ولذا نقرا انه ما بايع اميرالمؤمنين (ع ) ابابكر ما دامت
فاطمة (س ) حية , وعندما توفيت فاطمة (س ) وتغير اسلوب الخليفة واصحاب رسول اللّه (ص ) في
معاملتهم لاميرالمؤمنين الامام علي (ع ), ارسل الى ابي بكر وبايعه , كماقالت عائشة : استنكر وجوه
الناس فالتمس مصالحة ابي بكر ومبايعته .

ابداع مادة قانونية :.

امـا مـا يـرتبط من هذه الموارد الاربع المذكورة ببحثنا هو الموردين الاوليين اي مصادرة ميراث النبي وغصبه , والاخر وضع حديث مزيف بحيث صار قانونا لمن ياتي بعده ولما كان موضوع مصادرة
الارث وغـصـب فدك من مسلمات الحوادث التاريخية المتفق عليها عند السنة والشيعة , لذلك لم نر
لزوما للبحث فيها, فعلى هذا فان البحث منحصر في المورد الثاني .

كان الخليفة ابوبكر في تلك اللحظات الحساسة بحاجة ماسة الى ذريعة قوية ووسيلة شرعية , حتى
تـمـكـنـه مـن الـوصول الى ما نواه من مصادرة ميراث النبي واخراج ماكان عليه يدي الزهرا ابنة
الـرسـول (ص ) من ملكيتها, ويجعلها جزا من الانفال العامة المتعلقة ببيت المال , وهو في نفس الوقت
كـان يـفكر ان لا يواجه هزيمة في منازعته مع الجانب الاخر يعني فاطمة الزهرا(س ) ويكون هو
المنتصر عند الراي العام , فما كانت ذريعة اقوى وادحض لمطالبة الجانب الاخر من ان يضع ويختلق
حديثا وينسبه الى النبي (ص ) اذ يقول : نحن معاشر الانبيا لا نورث , ما تركناه صدقة .

هـذا الـحديث في معارضته ومناقضته للنصوص القرآنية صريح وواضح , وزد على هذه المخالفة ما
فيه من معاكسته لكثير من الحقائق الاخرى التي سنذكرها:.

فلو كان الحديث المنسوب الى النبي صحيحا فلم لم يرويه احد من اهل بيته (ع )واصحابه سوى ابي
بكر, وحتى ابنته وصهره (ع ) وكذا ازواجه لم يسمعوا بمثل هذا الخبرمن النبي (ص )؟.

الـم تـكـن وظـيفة الرسول (ص ) وفقا للاية (وانذر عشيرتك الا قربين ) ((892)) ان يخبربه
ابـنـتـه (س ) صـاحـبـة الـحق وصهره الامام علي (ع ) الذي كان ملازما له دائما لكي لا تطالب بعد
وفاته (ص ) بالارث وكذا يصنع من حدوث الاختلاف بين اهل بيته (ع ) واصحابه ؟.

هل الرسول (ص ) كان يجهل انه سيحدث بعد وفاته اختلاف ونزاع حول مسالة الارث ؟.

ولـو كان هذا الحديث صحيحا لماذا لاثت فاطمة الزهرا(س ) وهي من اصحاب الكسا ومعصومة من
الذنوب والخطا ((893)) , خمارها, واشتملت بجلبابها, واقبلت في امة من حفدتها ونسا قومها, تطا
ذيـولـهـا, مـا تـخـرم مشيتها مشية رسول اللّه (ص ), حتى دخلت على ابي بكر, وهو في حشر من
المهاجرين والانصار وغيرهم , فنيطت دونها ملائة ,فحنت ثم انت انة اجهش القوم لها بالبكا, فارتج
المجلس , ثم امهلت هنيهة , حتى اذاسكن نشيج القوم , وهدات فورتهم , افتتحت الكلام وبدات خطبتها
التاريخية واحتجاجهاالخالد.

وبـعد الحمد والثنا ذكرتهم بمتاعب ابيها رسول اللّه (ص ), وقضية خلافة بعلها,مستدلة بالبراهين
الجلية , والدلائل الواضحة , ثم توجهت الى ابي بكر, وقالت : يا ابن ابي قحافة , افي كتاب اللّه ان ترث
اباك ولا ارث ابي ؟ وبعد ذلك توجهت الى قبر رسول اللّه (ص )وقالت :.

قد كان بعدك انبا وهنبثة ـــــ لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب .

ابدت لنا رجال نجوى صدورهم ـــــ لما قضيت وحالت دونك الكثب .

تجهمتنا رجال واستخف بناـــــ اذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب ((894)) ـــــ فلو كان ما نسبه
ابو بكر الى الرسول (ص ) صحيحا لماذا غضبت عليه فاطمة الزهرا(س )التي قال عنها الرسول : من
اغضبها فقد اغضبني ((895)) ولم تكلم ابابكر حتى توفيت (ع )؟ ((896)) .

فـلو كان ادعا ابي بكر صحيحا لما وقف اميرالمؤمنين والحسن والحسين (ع )الذين نزلت فيهم آية
التطهير والمباهلة الى جانب الزهرا(س ) في احتجاجها مع ابي بكر؟.

وهـل يـعقل ان ياخذ الامام علي وفاطمة والحسن والحسين (ع ) الصدقات وهي محرمة عليهم وهي
مـخـتصة بفقرا المسلمين , ويصيرونها ملكا لهم ؟ هذه الامورتدل بوضوح بان اميرالمؤمنين وفاطمة
وابـناهما(ع ) كانوا ينكرون على ابي بكر في جعله لهذه الرواية , وقالوا بانه قانون موضوع مختلق
لا اساس له ولا اعتبار.

اصحاب النبي (ص ):.

قـلنا: انه ليس في اصحاب النبي (ص ) من سمع هذا الحديث من النبي (ص )الا ابابكر, وهذه المسالة مـن الـمسائل التي ما وسع علما العامة ومحققيهم الا ان يصرحواوينوهوا على انها من منفردات ابي
بكر, وعلى سبيل المثال نذكر ثلاثا منهم :.

1 ـ قـال ابن ابي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة : انه لم يرو هذا الخبر الا ابوبكر وحده ,
ذكـر ذلك اعظم المحدثين , حتى ان الفقها في اصول الفقه اطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر
برواية الصحابي الواحد ((897)) .

وقـال ايـضـا في موضع آخر تاييدا لقول السيد المرتضى : صدق المرتضى رحمه اللّه فيما قال , فلم
يرو الخبر نفي الارث الا ابو بكر وحده ((898)) .

2 ـ قـال الـسيوطي : واختلف الاصحاب في ميراثه النبي فما وجدوا عند احد من ذلك علما فقال ابو
بكر: سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : انا معشر الانبيا لا نورث , ما تركناه صدقة ((899)) .

3 ـ قـال ابـن حـجر: اختلف الاصحاب في ميراث النبي فما وجدوا عند احد من ذلك علما فقال ابو
بكر: سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : انا معاشر الانبيا لا نورث ((900)) .

زوجات النبي (ص ):.

ذكـرنا سابقا ان اسطورة نفي الارث من الانبيا, والتي ولدت بعد وفاة النبي على انها حديث نبوي لم يـسمعه اي احد من اصحاب النبي (ص ) ولا عترته (ع ) وحتى زوجاته لم يسمعن من النبي مثل هذا
الحديث .

ولـو كـان هـذا الـحـديـث صـدر مـن النبى حقيقة لاخبرهن بذلك , لان لهن نصيب وسهم معين في
ميراثه (ص ), وهن اولات حق في تركة النبي (ص ), وهذا البخاري يروي في صحيحه عن عائشة
تقول : بان زوجات النبي (ص ) طالبن ابا بكر ارثهن وسهمهن من تركة الرسول (ص ) الثمن , وارسلن
اليه عثمان لكي يطالبه بالثمن من الارث .

وهذه القصة فيها دلالة واضحة على ان ازواج النبي قد انكرن على ابي بكروكذبنه , واثبتن بعملهن
هـذا ان هـذا القانون منع ارث النبي (ص ) هو من القوانين الموضوعة ولم يكن له وجود شرعي في
الخارج وضعه ابو بكر ونسبه للنبي (ص ).

اخرج البخاري حديثا عن عائشة تشير الى حكاية هذه المطالبة :.

عـن عـروة بن الزبير قال : سمعت عائشة زوج النبي تقول : ارسل ازواج النبي (ص )عثمان الى ابي
بكر يسالنه ثمنهن مما افا اللّه على رسوله (ص ), فكنت انااردهن فقلت لهن : الا تتقين اللّه , الم تعلمن
ان الـنبي (ص ) كان يقول : لا نورث , ما تركناصدقة , يريد بذلك نفسه , انما ياكل آل محمد(ص ) في
هذا المال ((901)) .

وقـد اشرنا فيما سبق بان هذا الحديث لم ينقله احد غير ابي بكر ولم ينسبه المحدثون الى عائشة ,
وان عائشة نفسها في احتجاجها على سائر ضراتها وازواج النبي (ص ) تروي الحديث عن ابيها ابي
بكر ايضا.

والـجدير بالذكر ان الخلفا كانوا يعطون كل واحدة من ازواج رسول اللّه (ص )مايجبر حرمانها من
ارث النبي (ص ) واما عائشة فقد كان لها نصيب الاسد, وهي اكثرهن حظا من تلك العطايا ((902)) .

والحق ما قاله ابن الفارقي استاذ المدرسة الغربية ببغداد كما يحدث ابن ابي الحديد عنه فقال :.

سالت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له : اكانت فاطمة (س )صادقة ؟ قال : نعم .

قلت : فلم لم يدفع اليها ابو بكر فدك وهي عنده صادقة ؟.

فـتـبـسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته , قال : لواعطاها اليوم فدك
بمجرد دعواها, لجات اليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه , ولم يمكنه الاعتذار
والموافقة بشي , لانه يكون قد سجل على نفسه انهاصادقة فيما تدعي كائنا ما كان من غير حاجة الى
بينة وشهود.

وهذا كلام صحيح وان كان اخرجه مخرج الدعابة والهزل ((903)) .

3 ـ صلح الحديبية :.

قال ابو وائل : كنا بصفين حيث اعلن وقف الحرب بين جند الامام علي (ع ) وجيش معاوية , فقام بعض جند الامام مخالفا فقام سهل بن حنيف وسط جند الامام فقال : ايهاالناس اتهموا انفسكم ولا تدعوا انكم
تـعـلـمـون كـل شي فانا كنا مع رسول اللّه (ص ) يوم الحديبية , ولو نرى قتالا لقاتلنا فجا عمر بن
الـخـطـاب فقال : يا رسول اللّه السنا على الحق وهم على الباطل ؟ فقال (ص ): بلى فقال عمر: اليس
قتلانا في الجنة , وقتلاهم في النار؟قال (ص ): بلى قال عمر: فعلى ما نعطى الدنية في ديننا, انرجع
ولما يحكم اللّه بيننا وبينهم ؟فقال (ص ): يابن الخطاب اني رسول اللّه ولن يضيعني اللّه ابدا.

فرجع عمر متغيظا فلم يصبر اي انه لم يقنع بكلام النبي (ص ) حتى جا ابا بكرفقال :يا ابا بكر السنا
عـلـى الحق وهم على الباطل ؟ قال : يابن الخطاب انه رسول اللّه ولن يضيعه اللّه ابدا, فنزلت سورة
الفتح ((904)) .

وقد ورد في ذيل احدى الروايات , الفقرة التالية :.

فنزلت سورة الفتح فقراها رسول اللّه (ص ) على عمر الى آخرها, فقال عمر: يارسول اللّه او فتح
هو؟ قال : نعم ((905)) .

اقـول : يـتضح من هذا الموضوع وما يليه موضوع الوصية الذي سنبحثه في الفصل الاتي مدى جراة
الـخـلـيفة عمر على النبي (ص ) وتجاسره عليه (ص ), ومن هذين الموضوعين يمكننا ان نعلم مدى
درجة ايمان عمر واعتقاده بالنبوة , واعتماده على اقوال وكلام الرسول الذي لا ينطق عن الهوى ان
هو الا وحي يوحى ((906)) , ومخالفته لاوامرالنبي (ص ) واعتراضه على النبي (ص ).

4 ـ الوصية التي لم تكتب :.

عن عبيداللّه بن عبداللّه بن عتبة , عن ابن عباس قال : لما حضر رسول اللّه (ص ), وفي البيت رجال , فـيـهـم عـمر بن الخطاب فقال النبي (ص ): هلم اكتب لكم كتابا لا تضلون بعده فقال عمر: ان رسول
اللّه (ص ) قـد غلب عليه الوجع , وعندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه ,فاختلف اهل البيت , فاختصموا,
فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول اللّه (ص )كتابالن تضلوا بعده , ومنهم من يقول ما قال عمر.

فلما اكثروا اللغو والاختلاف عند رسول اللّه (ص ), قال رسول اللّه (ص ): قوموا.

قـال عـبـيداللّه : فكان ابن عباس يقول : ان الرزية ما حال بين رسول اللّه (ص )وبين ان يكتب لهم ذلك
الكتاب من اختلافهم ولغطهم ((907)) .

وعن ابن عيينة , عن سليمان الاحول , عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس انه قال :يوم الخميس وما يوم
الـخميس , ثم بكى , حتى خضب دمعه الحصبا فقال : اشتد برسول اللّه (ص ) وجعه يوم الخميس فقال :

ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا,فتنازعوا, وما ينبغي عند نبي تنازع وقالوا: ما شانه
اهجر؟ استفهموه فذهبوا يردون عليه .

قـال (ص ): دعـونـي فـالذي انا فيه خير اوصيكم بثلاث : اخرجوا المشركين من جزيرة العرب ,
واجيزوا الوفد بنحو ما كنت اجيزهم , قال : وسكت عن الثالثة او قالهافانسيتها ((908)) .

اقـول : اخـرج مـسـلـم الحديث الثاني بطريقين وسندين الى ابن عباس , الاول عن سعيد بن جبير,
والاخـر عـن عـبـيـداللّه بـن عـتـبـة , وذكـره البخاري في صحيحه في سبعة مواردوباسانيد
مختلفة ((909)) .

فـاما الحديث فقد مدت اليه يد المحرفين بالتحريف والتغيير فحرفت بعض متنه والفاظه , الا انه لم
يخل من احتوائه على نكات مهمة , راينا لزاما ان نشير اليها والى التحريفات فيه :.

1 ـ الـنـكـتـة الاولـى التي تجب الاشارة اليها والتمحيص فيها هي : انه قد ذكر اسم الخليفة عمر
صريحا في ثلاثة موارد من الاحاديث السبعة بانه هو الذي خالف النبي (ص )وصده عن كتابة الوصية
فقال عمر: ان رسول اللّه (ص ) قد غلب عليه الوجع ((910)) .

وفـي الاربـعة الاخرى لم يذكر اسم المتكلم الخليفة عمر بالصراحة بل جا في مورد واحد منها :

فـقال بعضهم : ان رسول اللّه (ص ) قد غلبه الوجع ((911)) , وجا في الثلاثة الباقية : فقالوا: هجر
رسول اللّه (ص ) ((912)) .

ولـكـن مـضـامـيـن جميع هذه الاحاديث السبعة تصرح بان المبتكر والمبدع للمخالفة هو عمر بن
الخطاب الذي اوجد الشبهة هجران النبي (ص ) واما العبارات الاخرى فقال بعضهم او فقالوا: هجر
رسول اللّه (ص ) لا يمكن ان تشكك في الحقيقة وتشوهها وتحرف المسالة عن واقعيتها.

وان الاخـتـلاف والـنـزاع الذي حدث للحاضرين عند الرسول (ص ) لم يكن الا ردا اواثباتا لقول
الـخـلـيفة هجر الرسول (ص ) وعندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه الذي مال اليه فئة من الحاضرين ,
وخالفه آخرون كما جا في النص :.

فقال عمر: ان رسول اللّه (ص ) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه , فاختلف اهل
الـبيت فاختصموا فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول اللّه (ص ) كتابالن تضلوا بعده , ومنهم من
يقول ما قال عمر.

نـقل ابن ابي الحديد رواية مفصلة من حوار جرى بين ابن عباس والخليفة عمروقداعترف الخليفة
فيه بحقيقة هامة :.

فقال : ان النبي (ص ) في مرضه اراد ان يصرح باسمه ـ الامام علي (ع ) فمنعت من ذلك .

وذكر هذا الخبر احمد بن ابي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في تاريخه مسندا ((913)) .

2 ـ ان جـمـلـتـى ((هـجر رسول اللّه )) و((غلب عليه الوجع )) وان كانتا متغايرتين لفظاالا ان
مفهومهما واحد وهو نسبة الهجر والهذيان الى النبي (ص ).

الا ان رواة الـحديث وحفاظ اهل السنة لما شاهدوا بان هذا البهتان العمري وهذه النسبة التي نسبها
خـليفتهم عمر الى رسول اللّه تخالف صريح الايات القرآنية التي تصف النبي (ص ) وخاصة آية (ما
ضل صاحبكم وما غوى ) ((914)) سوف تعرضهم للنقد وتوقعهم في المؤاخذات والانتقادات , قاموا
وكدابهم الدائم بتحريف وتغيير الحديث باشكال مختلفة .

فـفـي الاحاديث التي لم يرد فيها اسم الخليفة عمر صراحة , ونسبوا فيها القول المذكور الى بعض
الحاضرين عند النبي (ص ), ذكرت جملة هجر رسول اللّه (ص )صريحة .

وامـا الاحـاديـث الـتي ورد فيها اسم عمر او جا فيها كلمة بعض والتي هي اشارة لامحالة الى ان
الـبعض هو عمر, فترى محدثو العامة اتوا بجملة ((غلب عليه الوجع )) بدلا عن كلمة هجر, ولا
ريب ان تلك الجملة تعبير كنائي عن هذه الكلمة ومفهومهما واحد لاغير ((915)) .

وقـد اشـرنـا فـيـما سلف الى ان المبدع للمقولة , والمخترع الاول للشبهة , والمبادر في القائها هو
الخليفة عمر ذاته , ولا احد غيره , واذا تلفظ ونطق الاخرون بها وقالوا: ((هجر))لم ياتوا بها من
تلقا انفسهم بل انهم تعلموا ذلك من الخليفة .

3 ـ النكتة الثالثة الهامة هي ما يرتبط بالشق الاخير من الحديث اذ ان بعض الرواة والحفاظ اسقطوا
ذلـك , وقـطـعـوا ذيله , ولكن آخرين غيرهم ذكروا الرواية بكاملها, وفيهاان النبي (ص ) في تلك
الـلـحـظة الحساسة , وبعدما امتنع من كتابة الوصية اوصى بثلاث وصايا, فنقل الراوي اثنتين منها,
ونسي الثالثة فقال : واوصى عند موته بثلاث ونسيت الثالثة .

وهنا يتبادر سؤال : ما هي الوصية الثالثة التي نسجت العنكبوت اوتار نسيانهاعليه ؟.

والـحق ان نسيان الوصية الثالثة من وصايا النبي كانت فيه مصلحة ومنفعة لان تنسى ولا شك ان هذه
الوصية الثالثة المنسية هي نفس الموضوع المهم والمصيري الذي اهتم النبي به وامر باحضار الكتف
والدواة ليكتبه والذي يكون سدا منيعا امام ضلالة المسلمين وغيهم .

والمهم ان الوصية التي اراد النبي (ص ) ان يوصي بها كانت من الاهمية والخطورة بحيث استدعت ان
يقوم احد الحاضرين في مجلس النبي بالمعارضة والمخالفة ويلفق على النبي بهتان الهجر والهذيان .

وهـذه الـوصـيـة الـتي بها تسد ابواب الضلالة والانحراف ما زالت باقية في ذهن النبي (ص ) حتى
اسـتـدعـت ان يـكتبها بعد ان اكدها وكررها شفاها, وذكرها صراحة , ولاشك في ان الراوي كان
يـعلمها ويدري تلك الوصية الا ان مصلحة النظام ومنافعها هي التي الزمته ان يكتم وصية النبي (ص )
ويدفنها تحت اكمام النسيان والتناسي كما قال : ((ونسيت الثالثة )).

والـجدير بالعجب والدهشة ان ابن عباس وسعيد بن جبير الراوي الاول والثاني لوصية النبي (ص )
الثالثة قد نقلاها , ولكن ما ان تصل سلسلة سند الرواية الى سليمان الاحول حتى طغى عليه عفريت
الـنـسيان فغابت تلك الوصية عن باله وصرح البخاري بان سفيان بن عيينة الراوي الرابع من سلسلة
سند الحديث المبتور قال بان جملة ((ونسيت الثالثة )) هي كلمة سليمان الاحول وليست كلمة سعيد
بن جبير او عبداللّه بن عباس , وهكذا اعترف قائلا: قال سفيان : هذا من قول سليمان ((916)) .

فـتـعسا وسحقا لهذه السياسة التي تحول بين المر وبين الحقائق المصيرية , وتقوم بتحريف الحقائق
وتزويرها, وتودع الكثير من الحلول الضرورية في قفص النسيان والتناسي .

سؤال وجواب :.

استشكل بعض العلما من اهل السنة قائلا:.

فـلـو كـانـت كتابة الوصية ذات اهمية قصوى , فلماذا اعرض النبي (ص ) عن ذلك على اثر مخالفة
شرذمة قليلة ؟.

فـلـو كانت الوصية بهذه المكانة من الاهمية لماذا استسلم النبي (ص ) لمخالفة الفئة المعارضة , وهو
يرى ان هذا الامر هو نجاة للامة ومصلحة لها؟.

واما الجواب : فنكتفي بما قاله المرحوم العلا مة السيد شرف الدين الموسوي بهذاالصدد اذ يقول :.

وانـما عدل عن ذلك لان كلمتهم تلك ((هجر رسول اللّه )) التي فاجاوه بها اضطرته الى العدول , اذ
لـم يبق بعدها اثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده , في انه هل هجر فيما كتبه والعياذ
بـاللّه او لم يهجر؟ كما اختلفوا في ذلك واكثروا اللغو واللغطنصب عينه , فلم يتسن له يومئذ اكثر
من قوله لهم : ((قوموا)) كما سمعت , ولو اصر فكتب الكتاب للجوا في قولهم : ((هجر)), ولاوغل
اشـياعهم في اثبات هجره والعياذ باللّه فسطروابه اساطيرهم , وملاوا طواميرهم , ردا على ذلك
الكتاب وعلى من يحتج به .

لـهـذا اقـتـضـت حكمته البالغة ان يضرب (ص ) عن ذلك الكتاب صفحا لئلا يفتح هؤلا المعارضون
واولـيائهم بابا الى الطعن في النبوة نعوذ باللّه ونستجير به , وقدراى (ص )ان عليا واولياه خاضعون
لـمـضـمـون ذلـك الـكتاب سوا عليهم , اكتب ام لم يكتب ؟ وغيرهم لا يعمل به ولا يعتبره لو كتب ,
فـالـحـكـمـة والـحـال هذه توجب تركه اذ لااثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى
والسلام ((917)) .

وخـلاصة المقال : ان النبي (ص ) احس بان المعارضين الذين بهتوه بالهجر والهذيان وهو ما زال حيا,
فلا ريب انهم يصرون ويلحون في اثبات ذلك عليه حتى يشككوااشياعهم في اصل النبوة ويشطبوا
على اعتبارها فكان ما فوجئ به كافيا, فلو كان يصرلكانت النتيجة اطم .

ولذلك اقتضت حكمته ان يعرض عن الكتابة ويسد بالنتيجة باب الطعن على النبوة ذاتها.

5 ـ حج التمتع :.

ومن الاحكام الدينية والتعاليم الاسلامية التي تم تحريفها وتغييرها في عهد عمربن الخطاب وبدلت , عـما كانت عليه في عهد رسول اللّه (ص ) مسالة حج التمتع وان هذاالتحريف العملي كحكم رسول
اللّه جـوبـه فـي عهد عثمان بن عفان بالمخالفة الشديدة من قبل اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (ع )
حتى ارجع الى حكمه الاول الذي كان في عهدرسول اللّه (ص ) وحسب ما امر به رسول اللّه والغيت
بدعة عمر بن الخطاب بعد ان عملوا بهابرهة من الزمن .

وامـا اهـل الـسنة وعلماؤهم فقد اطبقوا على الافتا في العمل بحج التمتع الذي كان جائزا في عهد
النبي وتركوا الاقتدا والالتزام ببدعة الخليفة الذي حرم حج التمتع ((918)) .

وقـبـل الخوض في المسالة ارى من الضروري ان نستلهم مجرى هذا الحكم وكيفيته ومتعلقاته من
كتب الحديث والصحيحين .

تعريفه :.

هـو ان يحرم المتمتع بالعمرة الى الحج في احد اشهر الحج شوال , ذي القعدة وذي الحجة ويلبي بها
من الميقات ثم ياتي مكة , ويطوف بالبيت سبعا, ثم يسعى بين الصفاوالمروة سبعا, ثم يقصر ويحل من
احرامه ليحل له جميع ما حرم عليه بالاحرام , حتى ينشئ في تلك السنة نفسها احراما للحج من مكة ,
ويـخـرج لـعـرفـات , ثم يفيض الى المشعرالحرام , ومنها الى منى , ثم ياتي بباقي المناسك من رمي
الجمار والهدي والحلق اوالتقصير والطواف وغيرها مما هو مفصل في الكتب الفقهية .

وسـبـب تـسميته بحج التمتع هو ان فيه متعة والتذاذ باباحة المحظورات التي حرمت بالاحرام في
المدة التي تخللت بين الاحرامين احرام العمرة واحرام الحج يعني ان المتمت ع له ان يتمتع ويلتذ بما
حرم عليه بسبب احرام التمتع وما حرم عليه بسبب احرام الحج .

وهـذا فـرض لـمـن يـسـكن خارج مكة مسافة ثمانية واربعين ميلا اي ثمانية وسبعين كيلومترا,
ووجوبه ثابت بالادلة القرآنية الصريحة والسنة النبوية قال تعالى :.

(فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذا
رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجدالحرام واتقوا اللّه واعلموا ان اللّه
شديد العقاب ) ((919)) .

واما الاحاديث في ذلك فمتواترة ومتظافرة , ونذكر هنا بعضها:.

الرسول يتحدى السنن الجاهلية :.

كانت العمرة في اشهر الحج في الجاهلية قبل الاسلام تعتبر من اكبر الذنوب وافجرالفجور, وقد شـرعـهـا الـرسول (ص ), وامر باتيانها في هذه الاشهر الثلاثة شوال ذي القعدة وذي الحجة وهو
بتشريعه هذا الامر تحدى قريش الجاهلية في تبليغ دعوته .

ولما كان هذا الامر على خلاف سنة الجاهلية وعادتهم , فلذلك كان تشريعه (ص )له في بداية الدعوة
امـرا صـعـبا وعسيرا على بعض المسلمين ان يقبلوه ويؤمنوا به , ولذلك تعاظم عليهم وخالفوا امر
رسول اللّه (ص ) وتشريعه لمتعة الحج .

وفي هذا المورد اخرج البخاري ومسلم باسنادهما عن ابن عباس قال :.

كـانـوا يـرون ان الـعمرة في اشهر الحج من افجر الفجور في الارض , ويجعلون المحرم صفرا,
ويقولون : اذا برا الدبر وعفا الاثر, وانسلخ صفر, حلت العمرة لمن اعتمر.

قـدم الـنـبي (ص ) واصحابه صبيحة رابعة من ذي الحجة مهلين بالحج , فامرهم ان يجعلوها عمرة ,
فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول اللّه اي الحل ؟ قال : ((حل كله )) ((920)) .

واخرج ابن ماجة في سننه باسناده عن جابر بن عبداللّه قال :.

اهـلـلـنـا مـع رسول اللّه (ص ) بالحج خالصا, لا نخلطه بعمرة , فقدمنا مكة لاربع ليال خلون من ذي
الـحجة , فلما طفنا بالبيت وسعينا بين الصفا والمروة , امرنا رسول اللّه (ص ) ان نجعلها عمرة , وان
نحل الى النسا, فقلنا: ما بيننا ليس بيننا وبين عرفة الا خمس فنخرج اليها ومذاكيرنا تقطر منيا فقال
رسول اللّه (ص ): اني لابركم واصدقكم ولولا الهدي لاحللت .

فقال سراقة بن مالك : ا متعتنا هذه لعامنا هذا ام لابد؟.

فقال (ص ): ((لا لابد الاباد)) ((921)) .

ورواه ايضا البخاري ((922)) ومسلم ((923)) بتفاوت يسير عما اخرجه ابن ماجة .

وروى مسلم في صحيحه باسناده عن جابر بن عبداللّه قال :.

اهـلـلـنا مع رسول اللّه (ص ) بالحج , فلما قدمنا مكة امرنا ان نحل , ونجعلها عمرة فكبرذلك علينا,
وضاقت به صدورنا, فبلغ ذلك النبي (ص ), فما ندري اشي بلغه من السما ام شي من قبل الناس ؟ فقال :

((ايها الناس , احلوا فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم .

قال : فاحللنا حتى وطئنا النسا, وفعلنا ما يفعل الحلال , حتى اذا كان يوم التروية ,وجعلنا مكة بظهر,
اهللنا بالحج ((924)) .

فـامـا هـؤلا الـذيـن هم حديثو عهد بالاسلام , والذين ما زالت السنن الجاهلية مترسخة في عقولهم
وقـلـوبـهـم , وكـانـوا يعتقدون بان الحاج اذا احرم في اشهر الحرم لايحق له ان ياتي بمحظورات
الاحـرام , وخـاص ة اتـيـان الـنـسا, الا ان يتم المناسك ويحل من احرام الحج , تراهم قد اظهروا
استنكارهم لامر الرسول بان قالوا: اننطلق ومذاكيرناتقطر منيا؟.

ولـمـا كـان هـذا الـبـعض الذين كبر عليهم امر رسول اللّه (ص ) وتشريع حج التمتع ,وضاقت به
صدورهم , فلم يسعهم قبول ذلك وظلوا مترددين حتى اغضبوا بفعلهم رسول اللّه (ص ) وآذوه .

تقول عائشة :.

قـدم رسـول اللّه (ص ) لاربـع مـضـين من ذي الحجة او خمس , فدخل علي وهوغضبان فقلت : من
اغضبك يا رسول اللّه قال (ص ): او ما شعرت اني امرت الناس بامر فاذا هم يترددون ((925)) .

تحريم حج التمتع :.

اشرنا في ما سبق ان هذا التشريع الذي ثبت وجوبه بالنص من الكتاب والسنة , قدعمل به المسلمون في عهد الرسول (ص ) وعهد الخليفة ابي بكر الصديق الذي دام سنتان كما كان في عهد النبي (ص ) ,
ولـكـن لـمـا استخلف الخليفة عمر بن الخطاب منع من حج التمتع , ونهى عنه , وشدد في تحريمه ,
واغلظ عليه وهدد مخالفيه القائلين بوجوب التمتع باشد المجازاة .

ونـقل اصحاب الصحاح والسنن والمسانيد والتاريخ والتراجم روايات متواترة في كتبهم هذا المنع
والتحريم , ونكتفي بذكر طرفا منها مما اخرجه الصحيحان .

قـال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة في كتاب اللّه ((926)) يعني متعة الحج وامرنابها رسول
اللّه (ص ) ثـم لـم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج , ولم ينه عنه رسول اللّه (ص )حتى مات , قال رجل
برايه ما شا ((927)) .

عـن ابـي نـظـرة قال : كنت عند جابر بن عبداللّه , فاتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبيراختلفا في
الـمـتعتين متعة الحج ومتعة النسا فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللّه (ص ) ثم نهانا عنهما عمر, فلم
نعد لهما ((928)) .

وعـن مـطـرف قـال : بـعث الي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال : اني كنت محدثك
بـاحاديث , لعل اللّه ان ينفعك بها بعدي , فان عشت فاكتم عني , وان مت فحدث بها ان شئت , انه قد سلم
عـلي , واعلم ان نبي اللّه (ص ) قد جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب اللّه ولم ينه عنها نبي
اللّه (ص ).

قال رجل فيها برايه ما شا ((929)) .

اقـول : حـسـبـك لما في هذا الحديث من تحريم الخليفة عمر لمتعة الحج ونهيه اياها,فان فيه ايضا
حقيقتين مهمتين لابد من الاشارة اليهما:.

1 ـ ان عـمران بن حصين اخبر مطرف احاديث ومسائل كثيرة مما كان مكرهاعلى اخفائها في هذه
الـمدة , وامتنع من اعلانها حتى دنت السويعات الاخيرة من حياته ,ولكن لم يذكر في الحديث من تلك
المسائل الكثيرة سوى مسالة التمتع في الحج وباقي المسائل ظلت منسية .

2 ـ ان وصـيـة عمران الى مطرف فيها تاكيد وتصريح على ان الاشخاص قد سلبت عنهم حرياتهم ,
وكانوا ممنوعين عن كشف الحقائق وبيانها ورواية المطالب الحقة وفي قبال هذا فانهم كانوا ملزمين
ومـكـرهـين على ان يكرروا ما تهواه الهيئة الحاكمة , ولايبدون عكس ذلك ابدا, ويكتموا الحقائق
حـفظا لمصالح الخلفا, ولذلك تسمع عمران بن حصين يقول : ان عشت فاكتم عني , وان مت فحدث بها
ان شئت , انه قد سلم علي .

وذكـر الـمـؤرخون والمحدثون والمفسرون في كتبهم ان عمر بن الخطاب خطب الناس ذات يوم ,
فقال وهو على المنبر بكل صراحة :.

مـتـعـتـان كـانـتـا عـلـى عهد رسول اللّه (ص ) وانا انهى عنهما واعاقب عليهما, متعة الحج ومتعة
النسا ((930)) .

ولـكـن الامام احمد بن حنبل كما هو دابه في الاسقاط والتقطيع جملة ((وانا انهى عنهما)) ((931)) .

علل تحريم عمر متعة الحج :.

قد يتبادر سؤال الى ذهن القارئ العزيز عن السبب والداعي الى تحريم متعة الحج والنهي عنه خاصة بعد وفاة النبي (ص ), وما هي الغاية من هذا الفعل والهدف من المنع ؟.

والاجـابة على هذا السؤال تكمن في مضامين الاحاديث التي اخرجها الصحيحان وغيرهما من الكتب
المعتبرة عند اهل السنة والجماعة .

لان البحث والتحقيق في هذه المصادر المعتبرة والموثوقة تكشف لنا بان الغاية من هذه المخالفة لامر
القرآن والسنة النبوية , وتحريم ما كان حلالا مثل حج التمتع لم تكن الا بسبب تلك الكلمة التي تفوه
بـها بعض المسلمين عندما استكبروا حين نزوله فاغضبوا بها رسول اللّه وآذوه , وعللوا تحريمهم
فيما بعد بان قالوا: اننطلق ومذاكيرنا تقطرمنيا وشبعوا مخالفتهم العلل السخيفة الناجمة من سوابقهم
الذهنية والمعهودة من العهدالجاهلي .

نعم , هذه الاهداف والتوجيهات هي التي كانت سببا في تحريمهم لحج التمتع بعدوفاة الرسول , والتي
جـعلتهم يعارضون نص القرآن ويخالفون امر الرسول (ص )الصريح الذي اراد بتشريعه هذا الحكم
محو احدى العادات والسنن الجاهلية .

وهذا التعليل الباطل ورد بالتفصيل في صحيح مسلم واكثر مصادر اهل السنة .

مـنـها : عن ابراهيم بن ابي موسى , عن ابي موسى انه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل : رويدك ببعض
فـتياك , فانك لا تدري ما احدث اميرالمؤمنين عمر بن الخطاب في النسك بعد, حتى لقيه بعد فساله ,
فـقـال عـمـر: قـد علمت ان النبي (ص )قد فعله واصحابه ,ولكن كرهت ان يظلوا معرسين بهن في
الاراك , ثم يروحون في الحج تقطررؤوسهم ((932)) .

قـال احـد الـمـحـشين على صحيح مسلم في بيان وتوضيح كلمة عمر ((تقطررؤوسهم )): وهذا
الـتعبير احسن من قول بعضهم : ((تقطر مذاكيرنا المني )), فبين سيدنا عمرالعلة التي لاجلها كره
التمتع , وكان رايه كما قال الزرقاني : عدم الترفه للحاج بكل طريق ,فكره قرب عهدهم بالنسا لئلا
يستمر البلل الى ذلك الحين يوم عرفة ((933)) .

وقـال الامـام الـسـندي في بيان كلام عمر ((تقطر رؤوسهم )): يريد ان الافضل للحاج ان يتفر ق
شعره ويتغير حاله , والتمتع في حق غالب الناس صار مؤديا الى خلافه فنهيتهم لذلك ((934)) .

اقـول : وعلى كل حال فالهدف هو الذي اشرنا اليه , فالهدف واحد والتعابير في ذلك متعددة كما قيل :

تعددت الاسباب والموت واحد.

وامـا الـجـواب الـقـاطع لكل هذه التبريرات والمخالفات هو ما قاله رسول اللّه (ص )لهم : انا اتقاكم
واصدقكم وابركم ((935)) .

وقـال تعالى : (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم
ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) ((936)) .

عثمان وحج التمتع :.

اشـرنا سابقا ان اميرالمؤمنين الامام علي (ع ) راى المؤمنين على عهد عثمان ومعاوية يسعون جادين في اقامة هذه السنة النبوية واحيائها, كما كانت على عهد رسول اللّه (ص ), كانوا يجهدون في اماتة
بـدعـة عـمـر, حتى ادرك علما اهل السنة وفقهاؤهم بطلان بدعة عمرو افتوا بجواز متعة الحج
والعمل بهذه السنة النبوية وتطبيقها من جديد بعد تلك الفترة من التحريم والمنع رغم فتوى عمر.

والـيـك بعض الاحاديث التي تومئ الى هذه المثابرة والمعارضة لتحريم عمر كمانقلتها مصادر اهل
السنة والجماعة وخاصة الصحيحان .

اخرج البخاري ومسلم باسنادهما عن مروان بن الحكم :.

شـهـدت عثمان وعليا(ع ), وعثمان ينهى عن المتعة وان يجمع بينهما, فلما راى علي (ع ) اهل بهما
لبيك بعمرة وحجة قال : ما كنت لادع سنة النبي (ص ) لقول احد ((937)) .

وكذلك اخرج هذا الاختلاف بين عثمان والامام علي (ع ) باسنادهما عن سعيد بن مسيب قال :.

اجـتمع علي وعثمان بعسفان , فكان عثمان ينهى عن المتعة او العمرة فقال علي (ع ):ما تريد الى امر
فعله رسول اللّه (ص ) تنهى عنه ؟ فقال عثمان : دعنا منك فقال (ع ): اني لااستطيع ان ادعك , فلما ان
راى علي ذلك اهل بهما جميعا ((938)) .

ورواه مسلم بسنده عن عبداللّه بن شقيق وفيه : فقال عثمان لعلي كلمة خشنة وتعسف ((939)) .



/ 22