اضواء علی الصحیحین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اضواء علی الصحیحین - نسخه متنی

محمد صادق النجمی؛ مترجم: یحیی کمالی البحرانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


2 ـ واخرج البخاري كذلك باسناده عن سعد بن ابي وقاص قال : استاذن عمر على رسول اللّه (ص ), وعـنده نسا من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية اصواتهن , فلما استاذن عمر قمن يبتدرن الحجاب ,
فـاذن له رسول اللّه (ص ) ورسول اللّه (ص )يضحك فقال عمر:اضحك اللّه سنك يا رسول اللّه قال :

عجبت من هؤلا اللاتي كن عندي , فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب , قال عمر: فانت يا رسول اللّه
كنت احق ان يهبن , ثم قال : اي عدوات انفسهن , اتهبني ولا تهبن رسول اللّه (ص )؟ قلن : نعم , انت افظ
واغلظ من رسول اللّه (ص ) ((820)) .

اقـول : لـقد امتلات الكتب والمصادر المعتبرة وفاضت بذكر الطبيعة الخشنة ,والغلظة الخلقية التي
كـان الخليفة عمر بن الخطاب يتصف بها حتى قيل : اذا غضب الخليفة عمر لم يسكن حتى يعض على
انامله ويجرحها.

يقول الزبير بن بكار بعد ان روى هذه الامور: ان جارية اتت عمر بن الخطاب ايام خلافته تشتكي من
احد ابني الخليفة , فما رام الخليفة الا ان اخذ يده فعضها.

وزاد ابـن بـكار: ولشدة هذه الصفة والغلظة التي كانت في الخليفة اضمر عبداللّه بن عباس مخالفته
لـلخليفة في مسالة العول , ولما مات اظهر ذلك , فقيل له : هلا قلت هذا في ايام عمر؟ قال ابن عباس :

هبته وكان اميرا مهيبا ((821)) .

الامامة والعلم بالاحكام .

الـصـفـة الثانية من الصفات التي تلزم توفرها في الامام هي الاحاطة التامة بالاحكام , والالمام الكامل بالتعاليم الدينية , فالذي لم يعرف جزئيات الاحكام الدينية ,ولم يعلم اطراف المسائل , لابد انه يرجع
الـى الاخـريـن ويـاخذ منهم حين تداهمه الحوادث والقضاياوهذا الفرد لا يليق له ان يتقلد الامامة
والـقـيـادة , لانـه قد يفتي باحكام مضادة ومتناقضة مع الواقع , ويسوق الناس الى التيه والضلالة او
التحير والترديد.

ولـو تـفـحصنا التاريخ وكتب الحديث بمنظار التحقيق والبحث , لوجدنا ان الخلفاومتقلدي الخلافة
الاسـلامـيـة , لـم تكن لديهم المعرفة الكاملة باحكام الدين كلياتهاوجزئياتها, وكانوا يلتمسون حل
الـمـسـائل والاحـكـام من سائر المسلمين وصحابة الرسول (ص ), وما اكثر ما افتوا بفتاو متضادة
ومناقضة ومخالفة للواقع واصدروا احكاماغريبة حتى قال عنهم اميرالمؤمنين علي (ع ):.

ترد على احدهم القضية في حكم من الاحكام فيحكم فيها برايه , ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره
فـيحكم فيها بخلاف قوله , ثم يجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوب آراهم جميعا,
والـهـهم واحد ونبيهم واحد, وكتابهم واحد, افامرهم اللّه تعالى بالاختلاف فاطاعوه , ام نهاهم عنه
فـعـصوه , ام انزل اللّه دينا ناقصا, فاستعان بهم على اتمامه , ام كانوا شركا فلهم ان يقولوا وعليه ان
يرضى , ام انزل اللّه تعالى دينا تامافقصر الرسول عن تبليغه وادائه , واللّه سبحانه يقول : (ما فرطنا
في الكتاب من شي ) ((822)) و(فيه تبيان كل شي ) ((823)) ؟ ((824)) .

ولـكـي نـقـوم باثبات هذه المسالة وانهم كيف افتوا الناس بفتاو مناقضة بعضها بعضا,ومباينة للواقع
ولـمـاذا انـتـقد اميرالمؤمنين (ع ) سيرتهم فى الافتا واستنكرها عليهم نشيرالى احد عشر فتوى
مـخـالـفـة لـلنص القرآني الصريح من الموارد المذكورة في الصحيحين ,واما ما في كتب الحديث
والتاريخ وغيرها فهي كثيرة ومتضافرة :.

1 ـ التيمم : نصت الايات القرآنية ((825)) والاحاديث على ان الانسان اذا اجنب ,ولم يجد ماا, او
ان الغسل بالما فيه ضرر عليه يجب عليه ادا الفرائض بالتيمم حتى يرتفع العذر.

يـروى انه طرحت مسالة الجنابة وفقد الما في مجلس الخليفة عمر بن الخطاب ,ولكنه جهل الحكم
المنصوص في القرآن والسنة , فافتى بترك الصلاة وتعطيلها فاعترض الصحابي عمار بن ياسر على
حـكم الخليفة , وذكره بالحكم : التيمم وادا الصلاة ,لكن الخليفة عمر بن الخطاب لم يقنع بجواب عم
ار, وهدده , فقال عمار: ان شا الخليفة لم احدث بهذا بعد.

واليك نص حديثين وردا بهذه المناسبة :.

1 ـ عـن سـعيد بن عبدالرحمن , عن ابيه : ان رجلا اتى عمر فقال : اني اجنبت , فلم اجد ما؟ فقال : لا
تصل .

فـقـال عمار: اما تذكر يا اميرالمؤمنين اذ انا وانت في سرية , فاجنبنا, فلم نجد مافاما انت فلم تصل
وامـا انا فتمعكت في التراب وصليت فقال النبي (ص ): انما يكفيك ان تضرب بيديك الارض , ثم تنفخ ,
ثم تمسح بهما وجهك وكفيك فقال عمر: اتق اللّه يا عمارفقال : ان شئت لم احدث به ((826)) .

هذه الرواية اخرجها البخاري ومسلم عن سعيد بن عبدالرحمن .

ولـكن البخاري خان الامانة واسقط جواب الخليفة عمر ((لا تصل )) من الحديث واشرنا في الجز
الاول ان هذا هو داب البخاري في تقطيع الحديث وتعصبه ((827)) .

2 ـ عن شقيق بن سلمة قال : كنت عند عبداللّه بن مسعود وابي موسى الاشعري فقال له ابو موسى : يا
ابـا عبدالرحمن اذا اجنب المكلف فلم يجد ما, كيف يصنع ؟ قال عبداللّه : لا يصلي حتى يجد الما فقال
ابـو مـوسى : فكيف تصنع بقول عمار,حين قال له النبي (ص ): كان يكفيك ؟ قال : الم تر عمر لم يقنع
بذلك ؟فقال ابو موسى : دعنامن قول عمار فما تصنع بهذه الاية ـ وتلا عليه آية المائدة ((828)) ؟
قال : فما درى عبداللّه ما يقول ((829)) .

اخـرج هـذا الـحـديـث الـبخاري ومسلم , ولكن بعض علما اهل السنة بادر الى تعديل هذه الرواية
والـدفـاع عـن الـمـرتبة العلمية للخليفة , فبرر قول عمر: ((لا تصل )) بانه نوع من الاجتهادات
الخاصة لعمر, وبرر آخرون بان فتوى عمر كانت على حساب السهووالنسيان .

قال ابن حجر: لا تصل حتى تجد الما مقصور على راي عمر, وهذا مذهب مشهور عن عمر ويستفاد
من هذا الحديث وقوع اجتهاد الصحابة في زمن النبي (ص ) ((830)) .

واما ابن رشد الفيلسوف والفقيه المعروف في كتابه الاستدلالي بداية المجتهد بعدان برر حكم عمر
بالسهو والنسيان , فيحسم القضية بقوله :.

لـكـن الجمهور راوا ان ذلك وجوب التيمم والصلاة على المجنب يثبت من حديث عمار وعمران بن
حصين , اخرجهما البخاري , وان نسيان عمر ليس مؤثرا في وجوب العمل بحديث عمار ((831)) .

2 ـ حد شرب الخمر: عن قتادة يحدث عن انس بن مالك : ان النبي (ص ) اتي برجل قد شرب الخمر,
فجلده بجريدتين , نحو اربعين قال : وفعله ابو بكر, فلما كان عمر استشارالناس فقال عبدالرحمن :

اخف الحدود ثمانين فامر به عمر ((832)) .

رواه مـسـلـم فـي صحيحه بهذا المضمون بعدة اسانيد, والبخاري ايضا اخرجه في موردين ولكنه
اسقط آخر الحديث : فاستشار الناس ((833)) .

وطبقا للاسلوب المتخذ في هذا الكتاب نقلنا الرواية عن البخاري والا فالحق : ان حد شرب الخمر
فـي عهد الرسول (ص ) كان ثمانين جلدة وليس اربعين , ولما كان المسلمون الاوائل ملتزمين بالعمل
بـاحـكام الدين , ومنشغلين بالحروب والفتوحات فقليلا ما اجري حد الخمر في ذاك الزمان , ولذلك
ترى ان النسيان بالحكم قد اعترض الخليفة عمر.

ولـكـن فـي عـهـد الخليفة عمر حيث انفصل الناس عن المعنويات , وغمروابالماديات وظل شرب
الخمر يشيع شيئا فشيئا, فاصبح الحكم فيه من الموارد الكثيرة الابتلا.

وقد ذكرنا آنفا ان اميرالمؤمنين الامام علي (ع ) هو الذي اشار على عمربحدالشارب خمرا ثمانين
جلدة وليس عبدالرحمن بن عوف .

فابن رشد الاندلسي يذكر الاختلاف الحاصل عند فقها اهل السن ة في حدشارب الخمر وبعده يذكر
الراي المشهور على ان ه هو ثمانين جلدة ثم يقول :.

فـعمدة الجمهور تشاور عمر والصحابة لما كثر في زمانه شرب الخمر, واشارعلي (ع ) عليه بان
يجعل الحد ثمانين قيادا على حد الفرية ((834)) .

وعلى اي حال , فالمستفاد من مجموع ما ذكرناه هو سوا كان الذي اشار عليه بذلك الامام علي (ع ) او
عـبدالرحمن بن عوف ان الخليفة عمر بن الخطاب عرف الحكم في حد شارب الخمر بعد المشورة
والاستشارة مع الاخرين .

3 ـ دية الجنين : عن المسور بن مخرمة قال : استشار عمر بن الخطاب الناس في املاص المراة فقال
المغيرة بن شعبة : شهدت النبي (ص ) قضى فيه بغرة عبد او امة قال :فقال عمر: ائتني بمن يشهد معك
قال : فشهد له محمد بن مسلمة ((835)) .

اقول : هذا الحكم كما يشهد به الصحيحان اصح كتب اهل السنة هو من الاحكام التي افتى بها الخليفة
عمر بن الخطاب باستناد الاستشارة , وفي الحديث ان الخليفة قداخذ براي المغيرة بن شعبة الجاني
الزاني وشهادة رجل آخر.

4 ـ الاسـتـئذان : ابـا سعيد الخدري يقول : كنت جالسا بالمدينة في مجلس الانصار,فاتانا ابوموسى
فـزعـا او مذعورا قلنا: ما شانك ؟ قال : ان عمر ارسل الي ان آتيه , فاتيت بابه فسلمت ثلاثا فلم يرد
عـلـي , فـرجـعـت فقال : ما منعك ان تاتينا؟ فقلت : اني اتيتك فسلمت على بابك ثلاثا فلم يردوا علي ,
فرجعت وقد قال رسول اللّه (ص ): اذا استاذن احدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع .

فقال عمر: اقم عليه البينة والا اوجعتك .

فـقـال ابـي بـن كـعـب : لا يـقوم معه الا اصغر القوم قال ابو سعيد: قلت : انا اصغرالقوم قال : فاذهب
به ((836)) .

اخـرج مسلم هذه المسالة في صحيحه فمن تسعة احاديث باسانيد ومتون مختلفة , ورد عقيب واحدة
منها تبرير الخليفة عمر لجهله بهذا الحكم البسيط قال :.

خفي علي هذا من امر رسول اللّه (ص ), الهاني عنه الصفق بالاسواق ((837)) .

وجـا في حديث آخر ان ابي بن كعب هو الذي شهد لابي موسى , وقال بعدهامستنكرا عمل الخليفة :

فلا تكن يا بن الخطاب عذابا على اصحاب رسول اللّه (ص ) ((838)) .

اقـول : ان مسالة الاستئذان التي اخرجها الشيخان في صحيحيهما, والتي كانت تعتبر مشكلة ومعضلة
واجـهـت الـخـلـيـفة عمر, حتى استدعت ان يشهد عليها الاخرون ويغلظ عليهم , هي من المسائل
الاخـلاقـيـة والانسانية الفطرية وكل من كان ملتزما بمثل هذه الاخلاقيات يدرك حكمها بالفطرة
والوجدان .

وهذا الحكم فضلا عن ان الرسول (ص ) قاله وبينه للمسلمين , فقد ورد في القرآن ايضا, على نحو
امر ارشادي قال تعالى : (يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستانسوا وتسلموا على
اهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فان لم تجدوا فيها احدافلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ) ((839))
.

وامـا قـول ابـي بن كعب : لا يقوم معه الا اصغر القوم فيه تعريض وتقريع للخليفة ,ومعناه ان حديث
الاسـتـئذان مشهور ومعروف يعرفه الكبار والصغار, وهو غير خفي على احد من المسلمين ولكن
الـصـفق بالاسواق كما اعترف بذلك الخليفة بنفسه الهاه عن معرفة ابسط الاحكام , ومن هذا الحديث
يمكننا ان نعرف مرتبة الخليفة العلمية وحله للمعضلات .

5 ـ الـكـلالـة : عـن سـالم بن ابي الجعد, عن معدان بن ابي طلحة : ان عمر بن الخطاب خطب يوم
الـجـمعة , فذكر نبي اللّه (ص ) وذكر ابا بكر ثم قال : اني لا ادع بعدي شيئا اهم عندي من الكلالة ,
ومـا راجـعت رسول اللّه (ص ) في شي ما راجعته في الكلالة , وما اغلظلي في شي ما اغلظ لي فيه ,
حتى طعن باصبعه في صدري , وقال : يا عمر الا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النسا؟ واني
ان اعش اقض فيها بقضية , يقضي بها من يقراالقرآن ومن لا يقرا القرآن ((840)) .

آيـة الـصـيف التي اشير اليها في هذا الحديث هي آخر آية من سورة النسا, وتبين ارث الكلالة قال
تـعـالـى : (يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة ان امر هلك ليس له ولدوله اخت فلها نصف ما ترك
وهـو يـرثـهـا ان لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وان كانوا اخوة رجالا ونساا
فللذكر مثل حظ الا نثيين يبين اللّه لكم ان تضلواواللّه بكل شى عليم ) ((841)) .

ولما كانت هذه الاية قد نزلت في الصيف سميت بية الصيف .

قـال الـعـلا مـة الاميني (قدس سره ) عقيب هذا الحديث : ما اعضلت الكلالة على الخليفة وما ابهمها
وابهم حكمها؟ وهي شريعة مطردة سمحة سهلة , حتى يعلن على منبره ((اني لا ادع بعدي شيئا اهم
عـنـدي من الكلالة )), وهل هو حين اكثر السؤال عنها, اجاب عنه الرسول (ص ) ام لا؟ فاذا اجاب
عـنه الرسول , فلماذا لم يحفظه الخليفة ؟ او قصر فهمه عن معرفته ؟ واذا لم يجبه الرسول وابقى
الـمـسـالـة مبهمة عليه وحاشاه ان يؤخر البيان عن وقت الحاجة ؟ وزد فكيف تخفى على احد معنى
الـكلالة وهي بين يديه وفيها قوله تعالى :(يبين اللّه لكم ان تضلوا)؟ فكيف يتصور ان اللّه بين حكم
الـمـسـالـة , والخليفة يقول لم تبين ؟وكيف يرى النبي آية الصيف كافية في البيان لمن جهل الكلالة
وتبقى هذه المسالة معضلة بدون حل للخليفة ((842)) .

اقول : بعد بيان كل هذه المسائل فماذا هو مراد الخليفة عمر من قوله : وان اعش اقض فيها بقضية ,
يقضي بها من يقرا القرآن ومن لم يقرا القرآن ؟ فهل هناك قضا وراي فوق القرآن ؟ افليس هذا يعني
ان الخليفة يريد ان يجتهد في مقابل النص القرآني ؟.

6 ـ رجم المجنونة : عن ابن عباس قال : اتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيهااناسا, فامر بها ان
تـرجـم , فـمر بها علي (رض ) فقال : ما شان هذه ؟ فقالوا: مجنونة بني فلان زنت فامر بها عمر ان
تـرجـم فـقـال : ارجعوا بها ثم اتاه فقال : يا اميرالمؤمنين , اما علمت ان رسول اللّه قال : رفع القلم عن
ثـلاث : عن الصبي حتى يبلغ , وعن النائم حتى يستيقظ,وعن المعتوه حتى يبرا؟ قال : بلى : قال : وان
هـذه مـعـتـوهـة بـنـي فـلان لـعـل الـذي اتـاها اتاهاوهي في بلائها, فخلى سبيلها, وجعل عمر
يكبر ((843)) .

اخـرج الـبـخـاري هـذه الرواية في موضعين من صحيحه , وحفظا لرتبة عمر العلمية الحديث مقدمته ومؤخرته وابقى هذا الوسط منه , قال علي لعمر: اما علمت ان القلم رفع عن المجنون
حتى يفيق , وعن الصبي حتى يدرك , وعن النائم حتى يستيقظ.

وقد رويت هذه القصة بكاملها في مختلف كتب الحديث والتراجم ((844)) .

وقال ابن عبدالبر بعد ان اخرج هذه الحكاية : ان عمر قال : لولا علي لهلك عمر ((845)) .

7 ـ القراة في صلاة العيد: عن عبيد اللّه بن عبداللّه : ان عمر بن الخطاب سال اباواقد الليثي : ما كان
يـقـرا بـه رسـول اللّه (ص ) في الاضحى والفطر؟ فقال : كان يقرا فيهما (ق والقرآن المجيد), و
(اقتربت الساعة وانشق القمر) ((846)) .

اخـرجـه كـل من مسلم في صحيحه , ومالك في الموطا, والترمذي وابو داود في سننهما, واما ابن
ماجة اخرجه في سننه بنحو آخر:.

عن عبيداللّه قال : خرج عمر(رض ) يوم عيد, فارسل الى ابي واقد الليثي : باي شي كان النبي (ص )
يقرا في مثل هذا اليوم ؟ فقال : بقاف واقتربت ((847)) .

قـال الـعـلا مة الاميني (قدس سره ) تعقيبا على هذه الرواية : فهلم معي نسائل الخليفة عن انه لماذا
عزب عنه العلم بما كان يقراه رسول اللّه (ص ) في صلاة العيدين ؟ او كان ناسياله فاراد ان يستثبت
كما اعتذر به السيوطي في تنوير الحالك ج 1 ص 147؟ او انه الهاه عنه الصفق في الاسواق ؟ كما
اعتذر به هو في غير هذا المورد ويبعد النسيان ان حكمامطردا كهذا يكرر في كل عام مرتين على
رؤوس الاشهاد ومزدحم الجماهير لا ينسى عادة ((848)) .

اقول : فالقضية نفسها وبما هي هي , تومي الى ان الخليفة كان في حالة اضطراب هائل لجهله بالسورة
الـتي تقرا في صلاة العيد وهو في تلك الحالة قاصدا للذهاب الى صلاة العيد, اذ يرسل نفرا الى دار
ابي واقد الليثي يساله عن كيفية المسالة وما يقرا في صلاة العيد.

8 ـ حلي الكعبة : اخرج البخاري حديثا في صحيحه في موردين وباختلاف يسيرفي الفاظهما:.

عن ابي وائل قال : جلست الى شيبة في هذا المسجد قال : جلس الي عمر في مجلسك هذا.

فـقـال : هممت ان لا ادع فيها صفرا ولا بيضا, الا قسمتها بين المسلمين قلت : ماانت بفاعل قال : لم ؟
قلت : لم يفعله صاحباك قال : هما المرآن يقتدى بهما ((849)) .

ولـكن يبدو للمحقق المدقق ان هذه القضية لم تحدث للخليفة مرة واحدة في عهده وخلافته فقط بل
وقـعـت لـه مرات وقصد الكعبة كرات , وفي كل مرة كان يواجه مخالفة كبار الصحابة اياه , ومن ثم
يـرتـدع ويـتـراجـع عن قصده , فمرة يخالفه شيبة ويتراجع واخرى يشاور اميرالمؤمنين الامام
علي (ع ) فينكر عليه ذلك , ويردعه بالادلة والبراهين القاطعة , واليك نص كلام اميرالمؤمنين (ع ):

.

روي انـه ذكر عند عمر بن الخطاب في ايامه حلي الكعبة وكثرته فقال قوم : لواخذته فجهزت به
جـيـوش الـمـسـلـمـيـن , كـان اعظم للاجر وما تصنع الكعبة بالحلي ؟ فهم عمربذلك , فسال عنه
امـيـرالـمـؤمـنين (ع ) فقال : ان هذا القرآن انزل على محمد(ص )والاموال اربعة : اموال المسلمين
فـقسمها بين الورثة في الفرائض , والفي فقسمه على مستحقيه ,والخمس فوضعه اللّه حيث وضعه ,
والصدقات فجعلها اللّه حيث جعلها, وكان حلي الكعبة فيها يومئذ, فتركه اللّه على حاله , ولم يتركه
نـسيانا ولم يخف عنه مكانا, فاقر ه حيث اقره اللّه ورسوله , فقال له عمر: لولاك لافتضحنا, وترك
الحلي بحاله .

قال ابن ابي الحديد بعد ان نقل الخطبة : هذا استدلال صحيح ويمكن ان يورد على وجهين :.

احـدهـمـا: ان يـقـال : اصل الاشيا الحظر والتحريم , كما هو مذهب كثير من اصحابنا,فلا يجوز
التصرف في شي من الاموال والمنافع الا باذن شرعي , ولم يوجد اذن شرعي في حلي الكعبة , فبقينا
فيه على حكم الاصل .

والـوجـه الـثاني : ان يقال : حلي الكعبة مال مختص بالكعبة , وهو جار مجرى ستورالكعبة , فكما لا
يـجـوز الـتـصرف في ستور الكعبة وبابها الا بنص , فكذلك حلى الكعبة والجامع بينهما الاختصاص
الجاعل كل واحد من ذلك كالجز من الكعبة , فعلى هذا الوجه ينبغي ان يكون الاستدلال ((850)) .

اقول : ونقل الزمخشري هذه الخطبة في كتابه ربيع الابرار في الباب الخامس والسبعون ((851)) .

9 ـ مـعـنـى ابـا: اخـرج البخاري في صحيحه : ان رجلا سال عمر بن الخطاب عن قوله : (فاكهة
وابا) ((852)) ما الاب ؟ قال : نهينا عن التعمق والتكلف ((853)) .

فـقـد اشـرنا فيما سلف , ان البخاري قد اسقط الشق الاول من الحديث واكتفى بالشق الاخير منه من
قـولـه : نـهـينا عن ولكن ما اخفاه البخاري اظهره غيره في كتب الحديث والتفسير, وكذا شروح
صحيح البخاري فذكروا القصة بالتفصيل حتى ان بعض شراح صحيح البخاري اذعنوا واعترفوا بما
قام به البخاري من التقطيع والاسقاط ((854)) .

10 ـ فتوى عثمان في الجنابة : وفقا لما نصت عليه الايات القرآنية والاحاديث المتظافرة المتواترة
في الصحاح الستة بان الجنابة تتحقق باحد الطريقين :.

1 ـ خروج المني .

2 ـ التقا الختانين , سوا خرج المني ام لا وهذا هو المقصود في حد الزنا والنكاح .

قال الامام الشافعي : فاوجب اللّه عزوجل الغسل من الجنابة , فكان معروفا في لسان العرب ان الجنابة
الـجـماع , وان لم يكن مع الجماع ما دافق , وكذلك ذلك فى حدالزناوايجاب المهر وغيره , وكل من
خـوطب بان فلانا اجنب من فلانة عقل انه اصابها وان لم يكن مقترفا, ودلت السنة على ان الجنابة ان
يـفضي الرجل من المراة حتى يغيب فرجه في فرجها الى ان يواري حشفته , او ان يرمي الما الدافق
وان لم يكن جماعا ((855)) .

وورد فـي الـصـحـيحين البخاري ومسلم وسائر مصادر اهل السنة احاديث متظافرة على وجوب
الـغسل بمجرد التقا الختانين وافرد مسلم لهذه المسالة بابا وعنونه نسخ الما من الما ووجوب الغسل
بالتقا الختانين ((856)) .

وتـرى الـخـليفة عثمان لما سئل عن الرجل يجامع زوجته ولا يمني ؟ يقول : لا يجب الغسل ويكفي
الوضؤ وغسل الفرج .

واخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما باسنادهما عن , ابي سلمة ان عطا ابن يسار اخبره ان زيد بن
خـالد الجهني اخبره انه سال عثمان بن عفان فقال : ارايت اذا جامع الرجل امراته فلم يمن قال عثمان :

يـتوضا كما يتوضا للصلاة ويغسل ذكره قال عثمان :سمعته من رسول اللّه (ص )فسالت عن ذلك علي
بن ابي طالب (ع ) والزبير بن العوام وطلحة بن عبيداللّه وابي بن كعب , فامروه بذلك ((857)) .

هذا هو فتوى الخليفة عثمان في الجنابة .

وقـول الخليفة انه سمع هذا الحكم من النبي (ص ), والامام علي (ع ) وطلحة والزبيروابي بن كعب
ايـدوا مـا سمعه من الرسول (ص ), اما ان تكون هذه فرية لا اصل لهاوموضوعة على لسان الخليفة
حـفظا لسمعة الخليفة كما نرى امثاله ونظائره بكثير واما ان تكون الرواية على فرض صحتها مما
ترتبط بالسنوات الاولى من البعثة النبوية حيث قال الرسول (ص ): ((الما من الما)) ((858)) .

وهذا ان سلم قبول الرواية , فان ابن عباس ينكر ذلك ويقول بان المسالة الما من الما تتعلق بالاحتلام ,
وعـلـى كـل حـال فـان هـذه الـمـسـالـة مـن الـمـسـائل الـتي كثر الابتلا بهاولا تمت بالجماع
والـمـقـاربـة ((859)) وورد فيها احاديث كثيرة نحو عن عمرو ابنه وعائشة قالوا : اذا جاوز
الختان وجب الغسل , فكيف تخفى على الخليفة ويفتي بخلافها ويقول : لايجب الغسل ما لم يمن .

ولـعـل الـخـلـيفة حفظ هذا الحكم منذ اول ما سمعه عندما اسلم , حتى ايام خلافته ,وفي هذه المدة
الطويلة لم يكن يعلم انها نسخت فافتى وفقا للحكم المنسوخ الذي كان في ذهنه .

11 ـ الـمـصاحف الشريفة : روى البخاري باسناده عن انس بن مالك قال : ان حذيفة بن اليمان قدم على
عـثمان وكان يغازي اهل الشام في فتح ارمينية وآذربيجان مع اهل العراق , فافزع حذيفة اختلافهم
فـي الـقراة فقال حذيفة لعثمان : يا اميرالمؤمنين الـيـهـود والـنصارى , فارسل عثمان الى حفصة ان ارسلي الينا بالصحف , ننسخها في المصاحف , ثم
نردها اليك , فارسلت بهاحفصة الى عثمان .

فـامـر زيـد بـن ثـابـت وعـبداللّه بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام
فـنـسخوها في المصاحف , وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : اذا اختلفتم انتم وزيد بن ثابت في
شـي مـن الـقـرآن فـاكـتـبوه بلسان قريش فانما نزل بلسانهم , ففعلوا حتى اذا نسخوا الصحف في
المصاحف رد عثمان الصحف الى حفصة , وارسل الى كل افق بمصحف مما نسخوا, وامر بما سواه من
القرآن في كل صحيفة او مصحف ان يحرق ((860)) .

قـال احـد الـعـلما المعاصرين : اما ان عثمان جمع المسلمين على قراة واحدة وهي القراة التي كانت
متعارفة بين المسلمين , والتي تلقوها بالتواتر عن النبي (ص ), وانه منع عن القراات الاخرى , اما هذا
العمل من عثمان فلم ينتقده احد من المسلمين وذلك لان الاختلاف في القراة كان يؤدي الى الاختلاف
بـين المسلمين , وتمزيق صفوفهم , وتفريق وحدتهم , بل كان يؤدي الى تكفير بعضهم بعضا, وقد منع
الـنـبـي (ص ) عن الاختلاف في القرآن , ولكن الامر الذي انتقد عليه هو احراقه لبقية المصاحف ,
وامـره اهالي الامصارباحراق ما عندهم من المصاحف , وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من
المسلمين حتى سموه بحراق المصاحف ((861)) .

اقـول : ان للقرآن في الاسلام الحرمة الفائقة والمكانة العظيمة , وورد في تكريمه واحترامه احكام
كثيرة كحرمة مسه من دون طهور, وحرمة قراة العزائم للجنب والحائض في راي الشيعة واما اهل
السنة فانهم يقولون بحرمة قراة اي سورة من القرآن لهما, وحرمة تنجيسه .

وملخص القول : قد تظافرت الاحاديث بحرمة كل عمل يكون موجبا لتوهين القرآن عرفا.

قال الترمذي في سننه بعد ان اخرج حديث ((لا تقرا الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن )): المنقول
عـن الـنبي (ص ) ما نصه , وهو قول اكثر اهل العلم من اصحاب النبي (ص )والتابعين ومن بعدهم مثل
سـفـيـان الثوري , وابن المبارك , والشافعي , واحمد,واسحاق قالوا: لا تقرا الحائض ولا الجنب من
الـقـرآن شـيـئا الا طـرف الايـة والـحـرف ونحوذلك , ورخصوا للجنب والحائض في التسبيح
والتهليل ((862)) .

نـعم , ان هذه التاكيدات والاوامر والنواهي لم تصدر الا لبيان حرمة القرآن ورعاية شانه واهميته
فكيف جاز للخليفة عثمان ان يامر باحراق هذه المصاحف ؟ وباي دليل ومستند شرعي استساغ لنفسه
ان يـشـعل النار في كثير من الايات القرآنية , سوا التي كانت في المدينة او سائر البلاد الاخرى ؟
وكـيـف يـمكن الجمع والتطبيع بين هذه الفتوى والحكم الخليفي وبين عظمة القرآن والاحكام التي
جات فيها؟.

فـلو كان الخليفة عثمان بن عفان قد قصد باحراق المصاحف الشريفة ليتقي الاختلاف المحتمل , فان
هـناك طرقا اخرى غير الاحراق يمكنه ان يدفع الاختلاف بها,ولا توجب الاهانة بكرامة القرآن
والاساة الى قدسيته , فمثلا كان بامكانه ان يضع المصاحف في بئر او بحر ويحفظ قداسته .

والاجابة على هذه الاسئلة نحيلها الى القارئ النبيه ليجيب عليها.

بين الخلفا والشريعة .

لا ريب ان اهم شروط الامامة والتي تعتبر المفهوم الواقعي والحكمة العالية في الخلافة في الاسلام هو: ان يكون الامام والخليفة حافظا للدين , وصائنا للشريعة , ومنفذالقوانين القرآن وتشريعاته .

هـذا مـا اوضـحه اميرالمؤمنين (ع ) في ضمن بيانه لشروط الامامة فقال : ولا المعطل للسنة فيهلك
الامة .

ولـكـن الـتاريخ يروي لنا عكس هذا تماما, ويستفاد مما احتوته احاديث الصحيحين , ان بعض حكام
الـشـريـعـة , وقوانين الدين , قد تعرضت للتزوير وتطاولت اليهاايدي التشويه والتحريف في عهد
الـخـلـفـا, وانـهـم كـانـوا يغيرون التعاليم والاحكام الدينية حسب ما تقتضيه مصالحهم ونزعاتهم
الشخصية , وكل واحد منهم كان يفسر الشريعة والسنة وفقا لرايه وكيفما شات اهواؤهم .

لـمـا ارادوا ان يـبرروا هذا العمل ـ ويصبغوا هذه التحريفات والتغييرات بالصبغة الدينية والطابع
الـشـرعـي , ويـظهروا باطلهم ومخالفاتهم للنصوص في كسوة الحق سموه الاجتهاد, وخلف ستار
الاجـتهاد وباسمه دسوا تحريفاتهم ومخالفاتهم في اوساطالمجتمعات الاسلامية , بينما الاجتهاد في
الواقع امر, ومخالفة التعاليم القرآنية الصريحة والسنة النبوية امر آخر.

وبهذه المناسبة يقول امير المؤمنين الامام علي (ع ):.

قد عملت الولاة قبلي اعمالا خالفوا فيها رسول اللّه (ص ), متعمدين بخلافه ,ناقضين لعهده , مغيرين
لسنته , ولو حملت الناس على تركها, وحولتها الى مواضعها, والى ما كانت في عهد رسول اللّه (ص ),
لـتفرق عني جندي , حتى ابقى وحدي , او مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي , وفرض امامتي من
كتاب اللّه وسنة رسوله (ص ) ((863)) .

وقال ايضا: لو قد استوت قدماي من هذه المداحض لغيرت اشيا.

وعـلـق ابـن ابي الحديد في شرحه على هذه الكلمة : لسنا نشك انه كان يذهب في الاحكام الشرعية
والـقـضايا الى اشيا يخالف فيها اقوال الصحابة , نحو قطعه السارق من رؤوس الاصابع , وبيعه امهات
الاولاد, وغـيـر ذلـك , وانـمـا كـان يـمـنـعـه مـن تـغيير احكام من تقدمه اشتغاله بحرب البغاة
والخوارج ((864)) .

اقول : ان عدد الاحكام التي غيرت وحرفت واحصا المخالفات التي وقعت في قبال اوامر النبي (ص )
واحـكـامـه سوا في حياته او بعد وفاته من قبل الصحابة , فهي كثيرة العدد مستخرجة ومروية في
كتب الحديث والتفسير بكثرة .

الا انـنـا نذكر هنا بعض تلك الاعمال ـ وقد نقلها الشيخان في صحيحيهما التي خالف فيها الاصحاب
اوامر الرسول (ص ) وسننه , وحرفوها:.

1 ـ القتل والفتك .

تحريف الاحكام :.

مـن الاحكام الضرورية في الشريعة الاسلامية حرمة الانسان المسلم الذي يقربالشهادتين شهادة ان
لا الـه الا اللّه وان مـحـمـدا رسـول اللّه (ص ) فاهراق دمه واستباحة ماله حرام , ولا يحق لاحد
التعرض لهما الا من الناحية الحقوقية الفردية .

قال النبي (ص ): امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا: لا اله الا اللّه , فمن قال : لا اله الا اللّه , فقد عصم
مني ماله ونفسه الا بحقه , وحسابه على اللّه ((865)) .

فبعد وفاة الرسول ابي بعض المسلمين المعتقدين بوجوب احكام الدين وضرورياته كالزكاة ان يدفع
الـزكـاة الـى ابـي بكر, والحق لانهم ما كانوا يعترفون بخلافة ابي بكر على انها خلافة شرعية ,
ولذلك حاربهم ابو بكر فقتل رجالهم وسبى نساهم واطفالهم ((866)) .

ولـما راوا فضاعة ما فعلوه عمدوا الى الباسه لباس الشرعية ليحصنوا بذلك شرف الخليفة من النقد
والاسـتـنـكـار, ويبرؤونه من وصمة العار, ولذلك سموا مانعي دفع الزكاة الى الخليفة بالمرتدين ,
وبذلك اشتهروا, وصيروا في قائمة الكفار مثل مسيلمة ((867)) وطليحة ((868)) اللذان حاربا
الاسلام في عهد رسول اللّه (ص ).

بـينما الروايات والتاريخ يدفعان هذا الاتهام والوصمة بالارتداد عن هذه الفئة وينفيانه عنها وتبرئ
اولئك من هذه الفرية .

ومـن الاحـاديـث الـتـي تكشف عن واقعية هذه القضية وحقيقتها هو ما اخرجه البخاري ومسلم في
كـتـابيهما, حيث كشفا عن جوانب جزئية من هذه القصة نتطرق الى نقل خلاصة القضية من الناحية
التاريخية .

اخـرج الـشيخان عن ابي شهاب , اخبرني عبيداللّه بن عبداللّه بن عتبة ان ابا هريرة قال : لما توفي
النبي (ص ) واستخلف ابوبكر, وكفر من كفر من العرب , قال عمر: يا ابا بكر قـال رسول اللّه (ص ): ((امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا: لا اله الا اللّه , فمن قال : لا اله الا اللّه
عصم مني ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على اللّه ))؟.

قال ابو بكر: واللّه لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة , فان الزكاة حق المال واللّه لومنعوني عناقا
كانوا يؤدونها الى رسول اللّه (ص ) لقاتلتهم على منعها.

قـال عـمـر: واللّه مـا هـو الا ان رايـت ان قـد شـرح اللّه صـدر ابـي بـكـر لـلـقـتال , فعرفت
انه الحق ((869)) .

اقـول : ان الجملة الاولى من هذه الحكاية وكفر من كفر من العرب كما يظهر من ظاهرها ليست الا
كـذبا وتدليسا, وما هي الا ذريعة التمسوها لتوجيه القتل والغارات والتنكيل بالمسلمين , التي وقعت
بامر من الخليفة ابي بكر, وما يشهد على زيف دعواهم ما جا في الفقرات الاخيرة من القصة البخارية
.

1 ـ ورد فـي جـواب ابي بكر لعمر: ((انى اقاتل من فرق بين الصلاة والزكاة )) وهذه العبارة انما
تدل بوضوح على ايمانهم واقامتهم الصلاة وليس فيها ما يمت الى كفرهم .

2 ـ فلو فرضنا انهم مرتدون فان اعتراض عمر على الخليفة حينئذ يكون باطلا,حيث انه استنكر
عـمـل الـخليفة وانتقده , واستدل في استنكاره بحديث يبين فيه تعاليم الاسلام في بيان مصونية مال
المسلمين ودمائهم .

قـال ابـن رشـد: وقـد بـقـى من احكامه حكم مشهور, وهو ماذا حكم من منع الزكاة ومن لم يجحد
وجوبها؟.

فذهب ابو بكر (رض ) الى ان حكمه حكم المرتد, وبذلك حكم في مانع الزكاة من العرب , وذلك انه
قـاتـلـهـم وسـبـى ذريـتـهـم , وخالفه في ذلك عمر, واطلق من كان استرق منهم وبقول عمر قال
الجمهور ((870)) .

وكـانـت حـروب الردة كما يصطلحون عليها منحصرة في جبهتين : في جبهة حضرموت ضد قبائل
كـندة ومارب وكان اميرالعسكر الخليفي عكرمة بن ابي جهل وفي جبهة اطراف المدينة ضد قبائل
عبس وذبيان وبني كنانة وغيرها بقيادة خالد بن الوليد.

وهـؤلا الـرجـال الـذين قتلوا بسيف المسلمين بقيادة عكرمة وخالد لم يرتدوا ولم يكونوا منكري
وجوب الزكاة , بل هم مسلمون وكانوا يقولون :.

اطعنا رسول اللّه مادام وسطنا.

فيا قوم ما شاني وشان ابي بكر ((871)) .

بـعـضـهـم كـانـوا يـقـولـون لممثل الخليفة : انك تدعو الى طاعة رجل لم يعهد الينا ولااليكم فيه
عهد ((872)) .

وتـارة كـانـوا يقولون ((873)) لهم : انظروا في شان عترة النبي (ص ) فما كان من امرهم ,وهم
الاولـى بتسنم خلافة الرسول فاقصيتموهم واللّه تعالى يقول : (واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض
في كتاب اللّه ) ((874)) .

قال ابن كثير: وجعلت وفود العرب بعد خلافة ابي بكر تقدم المدينة , يقرون بالصلاة ويمتنعون عن
ادا الزكاة , ومنهم من امتنع عن دفعها الى الصديق ابي بكر ((875)) .

وقـال الـعـقـاد: اما القبائل ورا ذلك , فكان لكل منها نصيب من التقلقل يناسب نصيبها من القرب والبعد
والمودة والجفا, فاقربهم الى مهد الاسلام كانوا يخلصون للنبي (ص ) ويخرجون على من ولى الحكم
بعده :.

اطعنا رسول اللّه مذ كان بينناـــــ فيا لعباد اللّه ما لابي بكر.

واناس منهم آمنوا بالزكاة ولم يؤمنوا بمن يؤدونها اليه ((876)) .

وقـال الاسـتـاذ محمد حسنين هيكل : جمع ابو بكر كبار الصحابة يستشيرهم في قتال الذين منعوا
الزكاة , وكان راي عمر بن الخطاب وطائفة من المسلمين معه الا يقاتلواقوما يؤمنون باللّه ورسوله ,
وان يستعينوا بهم على عدوهم , ولعل اصحاب هذا الراي كانوااكثر الحاضرين , في حين كان الذين
اشاروا بالقتال هم القلة .

واغـلـب الـظن ان المجادلة بين القوم في هذا الامر البالغ الخطر طالت , واحتدمت ايما احتدام , فقد
اضطر ابوبكر ان يتدخل بنفسه فيها, يؤيد القلة ولقد اشتد في تاييد رايه في ذلك المقام يدل على ذلك
قوله : واللّه لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه الى رسول اللّه (ص )لقاتلتهم على منعه ((877)) .

اقـول : وقـصـة التشاور بين ابي بكر وبلاطه نقلها السيوطي ((878)) والبلاذري وابن الاعثم
الكوفي ((879)) , وقال الاعثم :.

وان جـمـلة ((واللّه لو منعوني عقالا)) قالها ابوبكر في جواب عمر عندما رآه يعارض فكرة قتال
المسلمين .

وعـلـى اي حـال يـتضح مما ذكرناه ونقلناه عن ابن كثير وسائر المؤرخين , ومن كلام ابي بكر ان
السبب والباعث الرئيسي ورا قتاله لهؤلا القوم لم يكن ارتدادهم وتراجعهم عن الاسلام , او انكارهم
لاحـدى الضروريات الدينية اي الزكاة ـ , بل الباعث في قتالهم هو انهم امتنعوا عن ادا الزكاة لابي
بكر كما كانوا يؤدونها لرسول اللّه (ص ).

مالك بن نويرة عامل النبي (ص ) على الصدقات :.

الحروب التي شنت على القبائل المختلفة , وقتل فيها رجالها وسبيت النساوالاطفال , لم يكن سببها في الـواقـع هـو ارتـدادهم عن الدين وخروجهم عن الاسلام كمااتهموا بها, وانما السبب الواقعي هو
امتناعهم عن ادا الزكاة للخليفة لابي بكر.

ولـمـا كـان اسـتـعـراض كـل الجزئيات المكنونة في تلك الحروب الردة وشرحها ممايستدعي
ويـسـتـوجـب الاطـالـة والاطـنـاب , فلذلك اكتفينا بذكر قصة قتل مالك بن نويرة ورجال قبيلته
خاصة ((880)) .

قـال ابـن حـجر في ترجمة مالك بن نويرة : وكان النبي (ص ) استعمله على صدقات قومه قبيلة بني
تميم ((881)) .

وقـال ابـن الاعـثـم الكوفي : ثم ضرب خالد عسكرا بارض بني تميم , وبث السرايافي البلاد يمنة
ويـسـرة , قـال : فوقعت سرية من تلك السرايا على مالك بن نويرة فاذا هو في حائط له ومعه امراته
وجماعة من بني عمه .

قـال : فلم يرع مالك الا والخيل قد احدقت به , فاخذوه اسيرا واخذوا امراته معه ,وكانت مسحة من
جمال , واخذوا كل من كان معه من بني عمه , فاتوا بهم الى خالد بن الوليد حتى اوقفوا بين يديه .

قال : فامر خالد بضرب اعناق بني عمه بديا.

فـقال القوم : انا مسلمون , فعلى ماذا تامر بقتلنا؟ قال خالد: واللّه لاقتلنكم , فقال له شيخ منهم : اليس قد
نهاكم ابو بكر عن ان تقتلوا من صلى للقبلة ؟ قال خالد: بلى قد امرنابذلك , ولكنكم لم تصلوا ساعة ق
ط .

قال : فوثب ابو قتادة الى خالد بن الوليد فقال : اشهد انك لا سبيل لك عليهم , قال خالد: وكيف ذلك ؟ قال :

لاني كنت في السرية التي قد وافتهم , فلما نظروا الينا قالوا: من اين انتم ؟ قلنا: نحن مسلمون قالوا:

ونـحن مسلمون ثم اذنا وصلينا فصلوا معنا فقال خالد:صدقت يا ابا قتادة , ان كانوا قد صلوا معكم فقد
منعوا الزكاة التي تجب عليهم ولابد من قتلهم قال : فرفع شيخ منهم صوته وتكلم , فلم يلتفت خالد اليه
والى مقالته , فقدمهم فضرب اعناقهم عن آخرهم .

قال : وكان ابو قتادة قد عاهد اللّه انه لا يشهد مع خالد بن الوليد مشهدا ابدا بعدذلك اليوم .

قـال : ثـم قدم خالد مالك بن نويرة ليضرب عنقه , فقال مالك : اتقتلني وانا مسلم اصلي الى القبلة ؟ خالد: لو كنت مسلما لما منعت الزكاة ولا امرت قومك , واللّه مانلت ما في مثابتك منامك حتى اقتلك .

قـال : فالتفت مالك بن نويرة الى امراته فنظر اليها ثم قال : يا خالد بـرجـوعـك عـن دين الاسلام , وجفلك لابل الصدقة , وامرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة
اموالهم قال : ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا فيقال : ان خالد بن الوليد تزوج بامراة مالك , ودخل بها,
وعلى ذلك اجمع اهل العلم ((882)) .

قـال الـيـعـقـوبـي المؤرخ : وكان متمم بن نويرة اخو مالك شاعرا فرثى اخاه بمراث كثيرة ولحق
بـالـمـدينة الى ابي بكر, فصلى خلف ابي بكر صلاة الصبح , فلما فرغ ابو بكرمن صلاته , قام متمم
فاتكا على قوسه ثم قال :.

نعم القتيل اذا الرياح تناوحت .

خلف البيوت قتلت يابن الازور.

ادعوته باللّه ثم غدرته .

لو هو دعاك بذمه لم يغدر.

فقال ابوبكر: ما دعوته ولا غدرت به ((883)) .

وقـال الـيـعـقـوبـي ايـضا: وكان اول ما عمل به عمر لما ولي الخلافة ان رد سبايا اهل الردة الى
عشائرهم ((884)) .



/ 22