عقائد الإسلامیة جلد 4

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عقائد الإسلامیة - جلد 4

علی الکورانی؛ مصحح: السید علی السیستانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




الفصل الخامس عشر

النواصب مطرودون من الشفاعة والجنة



حكم النواصب في الفقه الإسلامي


عقدنا هذا الفصل لاستعراض الأحاديث التي رواها الجميع في قرار الحرمان
الالَهي من الشفاعة والجنة ، لمن أبغض أهل البيت النبوي عليهم السلام ، أو نصب العداوة
والبغضاء ، لهم أو لمن أحبهم ، أو حمل في نفسه غلاً عليهم ، أو كرهاً أو حسداً.. ولو
بمقدار ذرة !!

فقد اتفقت مذاهب السنيين على أن من يعادي علياً ، أو أهل البيت النبوي عليهم السلام ،
فهو منافق.

أما في فقهنا فمبغض أهل البيت عليهم السلام الناصب لهم ، كافرٌ نجس..

ويسمى المبغض والمعادي في الفقه الإسلامي ( الناصب والناصبي )

وهو اسم مشتق من : نصب له العداوة ، أي أبغضه ، وتكلم عليه ، أو عمل ضده ،
شبيهاً بقولك : نصب له الحرب !

والمبغض والمخالف والمعادي والناصب ، كلمات متقاربة ، ولكنها متفاوتة..
فالمخالف ناظرةٌ الى مخالفة الشخص في الرأي والمسلك.

[80]

والمبغض ناظرة الى حالة النفرة النفسية المضادة للحب.

والمعادي ناظرة الى الموقف النفسي والعملي المضاد.

والناصب تزيد عليهما بأن البغض والعداء يصير هم الناصب !

هذا في أصل اللغة ، أما في الشرع فقد وردت استعمالاتها بمعنى واحد وكأن
المصطلح الإسلامي للمبغض يشملها جميعاً.

والذي يدخل في بحثنا من أحكام النواصب ، أن الشفاعة النبوية الكبرى على
سعتها يوم القيامة لا تنالهم ، بل يؤمر بهم الى النار !!

وهذا يعني أن بغض أهل البيت جريمةٌ كبرى في نظر الإسلام ، جزاؤها الطرد من
الرحمة الالَهية والنبوية ، واستحقاق العذاب في جهنم !

ونورد فيما يلي عدداً من أحاديث هذه المسألة ، وفيها أحاديث صحيحةٌ عند
الجميع :



علي عليه السلام ميزان الإسلام والكفر والايمان والنفاق


روى الحاكم : 3 | 129 :


عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله ، والتخلف
عن الصلوات ، والبغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. هذا حديث صحيح على شرط
مسلم ، ولم يخرجاه.

ورواه أحمد في فضائل الصحابة : 2 | 639 ، والدارقطني في المؤتلف والمختلف :
13763 ، والهيثمي في مجمع الزوائد : 9 | 132


وروى الترمذي : 4 | 327 ، و: 5 | 293 و298 ـ باب مناقب علي :


عن أبي سعيد الخدري قال : إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم
علي بن أبي طالب. هذا حديث غريب. وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي ،
وقد روى هذا عن الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي سعيد.

[81]

وروى النسائي في : 8 | 115 :


عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحب علياً
منافق ، ولا يبغضه مؤمن. وقال : هذا حديث حسن.

ورواه النسائي أيضاً في خصائص علي 5 | 137


وابن ماجة : 1 | 42


والترمذي : 4 | 327 وج 5 | 594


وأحمد في مسنده : 2 | 579 و639 وفي فضائل الصحابة : 2 | 264


وعبد الرزاق في مصنفه : 11 | 55


وابن أبي شيبة في مصنفه : 12 | 56


والحاكم في المستدرك : 3 ص 129 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه ! ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك.

ورواه الطبراني في الاوسط : 3 | 89

والهيثمي في مجمع الزوائد : 1299 ، وقال : رجال أبي يعلى رجال الصحيح.

ورواه الخطيب في تاريخ بغداد عن صحابة متعددين في : 2 | 72 و4 | 41 و13 | 32
| 153 و14 | 426 و2 | 255

والبيهقي في سننه : 5 | 47

وابن عبد البر في الاستيعاب : 3 | 37

وفي الترمذي : 5 | 601 :


عن الأعمش : إنه لا يحبك إلا مؤمن. وقال : هذا حديثٌ حسنٌ صحيح.

وفي الطبراني الكبير : 1 | 319 و23 | 380 :


عن أبي الطفيل قال : سمعت أم سلمة تقول : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول : من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض
علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله.

ورواه الهيثمي في الزوائد : 9 | 132

[82]

وفي فردوس الأخبار : 3 | 64 :


عن ابن عباس أن النبي ( ص ) قال : علي باب حطة ، من دخل منه كان مؤمناً ،
ومن خرج منه كان كافراً.

عن أبي ذر أن النبي ( ص ) قال : علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من
بعدي. حبه إيمانٌ ، وبغضه نفاق ، والنظر اليه رأفة ومودة وعبادة.

**

وفي صحيح مسلم : 1 | 60 ،

تحت عنوان : باب حب علي من الايمان.

عن زر بن حبيش قال قال علي عليه السلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي
صلى الله عليه وسلم إليّ ، أن لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق.

ورواه ابن ماجة : 1 | 42

والنسائي في سننه : 8 | 115 و117 وفي خصائص علي : 1375

وأحمد في مسنده : 1 | 84 و95 و128 وفي فضائل الصحابة : 2 | 264

وابن أبي شيبة في المصنف : 12 | 56

وعبد الرزاق في المصنف : 11 | 55

وابن أبي عاصم في السنة : 5842

وابن حبان في صحيحه : 9 | 40

والخطيب في تاريخ بغداد : 2 | 255 و14 | 426

وابن عبد البر في الاستيعاب : 3 | 37

وأبو نعيم في حلية الأولياء : 8 | 185

وابن حجر في الاصابة : 2 | 503

والحاكم في المستدرك : 3 | 139

والبيهقي في سننه : 5 | 47

وابن حجر في فتح الباري : 7 | 57

[83]

وفي مسند أبي يعلى : 1/237 :


عن الحارث الهمداني قال : رأيت علياً جاء حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى
عليه ، ثم قال : قضاء قضاه الله على لسان نبيكم النبي الأمي صلى الله عليه و( آله )
وسلم إليّ : إنه لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق ، وقد خاب من افترى.

وفي فتح الباري : 7 | 72 :


وفي كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه يقول : لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي
هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجمانها على المنافق على أن
يحبني ما أحبني ! وذلك أنه قضي فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه و
( آله ) وسلم أنه قال : يا علي لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبك منافق.

وهو في نهج البلاغة : 2 | 154 ،

شرح محمد عبده ، وقال ابن أبي الحديد في شرحه
2 | 485 : في الخبر الصحيح المتفق عليه أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ،
وحسبك بهذا الخبر ، ففيه وحده كفاية :

وقال ابن أبي الحديد في موضع آخر كما في

هامش بحار الأنوار : 39 | 294

:

قال شيخنا أبو القاسم البلخي : قد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب عند
المحدثين فيها أن النبي قال له : لا يبغضك إلا منافق ولا يحبك إلا مؤمن.

وفي بشارة المصطفى للطبري الشيعي | 107 :


أخبرنا الشيخ الفقيه المفيد أبو علي الطوسي رحمه الله بقراءتي عليه في شعبان سنة
إحدى عشرة وخمسمائة بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال :
أخبرنا السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسين الطوسي رحمه الله قال : أخبرنا أبو عبد
الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رحمه الله قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر
الجعابي قال : حدثنا علي بن العباس بن الوليد قال : حدثنا ابراهيم بن بشير بن خالد
قال : حدثنا منصور بن يعقوب قال : حدثنا عمرو بن ميمون ، عن ابراهيم

[84]

بن عبدالأعلى ، عن سويد بن غفلة قال : سمعت علياً عليه السلام يقول : والله لو صببت
الدنيا على المنافق صباً ما أحبني ، ولو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن لأحبني ،
وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يا علي لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا
منافق ! انتهى.

ورواه محمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين ( ع ) : 2 | 484 ، والفتال النيسابوري في
روضة الواعظين | 295

**

وفي فردوس الأخبار : 5 | 316 :


قال النبي ( ص ) : يا علي محبك محبي ، ومبغضك مبغضي.

ونحوه في الطبراني في الأوسط : 3 | 89 ، عن عمران بن حصين.

وأحمد في فضائل الصحابة : 2 | 639 ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

والحاكم في : 3 | 130 ، عن سلمان الفارسي. وفي : 3 | 129 ، عن أبي ذر الغفاري

والهيثمي في مجمع الزوائد : 9 | 129 ، عن أبي يعلى ، عن أبي رافع.

وفي تاريخ بغداد : 9 | 72 ، وفي : 4 | 41 ، وفي : 13 | 23 ، عن ابن مسعود ، وفي
ص153 ، عن ابن عباس.

ورواه أيضاً في : 9 | 72 ، وروى فيها : عن عمار بن ياسر قال سمعت رسول الله يقول
لعلي : يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب فيك.

وروى الحاكم في المستدرك : 3 | 128 :


عن ابن عباس قال : نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال : يا علي أنت
سيدٌ في الدنيا وسيدٌ في الآخرة ، حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك
عدوي وعدوي عدو الله ، والويل لمن أبغضك بعدي !! صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه.

ورواه في تاريخ بغداد : 4 | 41 ، وفي فردوس الأخبار : 5 | 324


[85]

وفي الطبراني الأوسط : 3 | 89 :


عن عمار بن ياسر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : إن
الله تبارك وتعالى زينك بزينة لم يزين العباد بزينة مثلها ! إن الله تعالى حبب اليك
المساكين والدنو منهم ، وجعلك لهم إماما ترضى بهم ، وجعلهم لك أتباعاً يرضون
بك ، فطوبى لمن أحبك وصدق عليك ، وويلٌ لمن أبغضك وكذب عليك.

فأما من أحبك وصدق عليك فهم جيرانك في دارك ، ورفقاؤك من جنتك.

وأما من أبغضك وكذب عليك ، فإنه حق على الله عز وجل أن يوقفهم مواقف
الكذابين.

**

وفي مستدرك الحاكم ص 138 :


عن علي بن أبي طلحة قال : حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ، ومعنا
معاوية بن حديج ، فقيل للحسن : إن هذا معاوية بن خديج الساب لعلي ، فقال علي
به ، فأتي به فقال : أنت الساب لعلي ؟!

فقال : ما فعلت !

فقال : والله إن لقيته ، وما أحسبك تلقاه يوم القيامة ، لتجده قائماً على حوض
رسول الله صلى الله عليه وآله ، يذود عنه رايات المنافقين ، بيده عصاً من عوسج.. حدثنيها الصادق
المصدوق ، وقد خاب من افترى. هذا حديث صحيح الاسناد ، ولم يخرجاه. انتهى.

وفي مسند أبي يعلى : 6 | 174 :


عن علي بن أبي طلحة مولى بني أمية قال : حج معاوية بن أبي سفيان وحج معه
معاوية بن خديج ، وكان من أسب الناس لعلي ، قال : فمر في المدينة وحسن بن علي
ونفرٌ من أصحابه جالسٌ فقيل له : هذا معاوية بن خديج الساب لعلي ! قال : عليّ
بالرجل ، قال : فأتاه رسول فقال : أجب.

[86]

قال من ؟

قال : الحسن بن علي يدعوك ، فأتاه فسلم عليه.

فقال له الحسن : أنت معاوية بن خديج ؟

قال : نعم.

فرد ذلك عليه ، قال : فأنت الساب لعلي بن أبي طالب ؟!

قال : فكأنه استحيا.

فقال له الحسن : أما والله لئن وردت عليه الحوض ، وما أراك ترده ، لتجدنه مشمر
الازار على ساق ، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل. قول الصادق
المصدوق ، وقد خاب من افترى.

ورواه أبو يعلى في مسنده : 12 | 139 ، والطبراني في الأوسط : 3 | 22 ، وفي الكبير :
913 ، وفي مجمع الزوائد : 9 | 130 ، و272


وفيه : قال يا معاوية بن خديج إياك وبغضنا ، فإن رسول الله قال : لا يبغضنا ولا
يحسدنا أحدٌ إلا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار.

ورواه في مختصر تاريخ دمشق : 12 جزء 24 | 393 ، وفي كفاية الطالب | 89 ، عن أبي
كثير ، ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : 8 جزء 15 | 18 ، عن المدائني

.

**

وفي شواهد التنزيل للحسكاني : 1 | 551 ح 585 :


بسنده عن جابر وأنس قالا قال رسول الله ( ص ) : يا علي ، لو أن أمتي أبغضوك
لأكبهم الله على مناخرهم في النار.

وفي شواهد التنزيل : 1 | 550 ح 583 :


بسنده عن جابر قال : قال رسول الله ( ص ) يا علي ، لو أن أمتي صاموا حتى
صاروا كالأوتاد ، وصلوا حتى صاروا كالحنايا ، ثم أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم
في النار ! !

[87]

وفي شواهد التنزيل : 1 | 496 ح 524 :


بسنده عن جابر قال : خطبنا رسول الله ( ص ) فسمعته يقول : من أبغضنا أهل
البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً.

وفي شواهد التنزيل : 1 | 550 ح 584 :


بسنده عن أبي سعيد قال : قتل قتيل بالمدينة على عهد النبي ( ص )... فقال :
والذي نفس محمد بيده لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أكبه الله عز وجل في النار
على وجهه.

وفي بشارة المصطفى للطبري الشيعي | 204 :


قال حدثنا الهيثم بن حماد ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : رجعنا مع
رسول الله صلى الله عليه وآله قافلين من تبوك فقال في بعض الطريق : ألقوا إلى الأحلاس والأقتاب
ففعلوا ، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله فخطب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال :
معاشر الناس مالي أراكم إذا ذكر آل ابراهيم تهللت وجوهكم ، فإذا ذكر آل محمد
كأنما يفقأ في وجوهكم حب الرمان !!

والذي بعثني نبياً لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال ، ولم يجيء
بولاية علي بن أبي طالب لأكبه الله عز وجل في النار !!

**



محاولة ابن حجر تجريد علي من هذه الفضيلة !!


قال في فتح الباري : 1 | 63 :


وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي ( ص ) قال له : لا يحبك إلا مؤمن
ولا يبغضك إلا منافق. وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الاكرام ،
لما لهم من حسن الغناء في الدين !

قال صاحب المفهم : وأما الحروب الواقعة بينهم ، فإن وقع من بعضهم بغض
فذاك من غير هذه الجهة ، بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة ! ولذلك لم يحكم

[88]

بعضهم على بعض بالنفاق ، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام ،
للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد !! والله أعلم.

وقال في فتح الباري : 7 | 72 ، في شرح رواية البخاري : 1 | 525 )

: لأعطين الراية
غدا رجلاً يحب الله ورسوله : وقوله في الحديثين إن علياً يحب الله ورسوله ويحبه
الله ورسوله : أراد بذلك وجود حقيقة المحبة ، وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في
مطلق هذه الصفة.

وفي الحديث تلميح بقوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ،
فكأنه أشار الى أن علياً تام الاتباع لرسول الله ( ص ) حتى اتصف بصفة محبة الله له ، ولهذا
كانت محبته علامة الايمان وبغضه علامة النفاق ، كما أخرجه مسلم من حديث علي
نفسه ، قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي ( ص ) أن لا يحبك إلا مؤمن ،
ولا يبغضك إلا منافق. وله شاهد من حديث أم سلمة عند أحمد. انتهى.

فقد حاول ابن حجر أن يميع شهادة النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام في خيبر ، وشهادته له
بأن حبه وبغضه ميزان الايمان.. ويجعلهما شهادتين عامتين لكل الصحابة !!

أما في خيبر فقد حاصر المسلمون خيبر وفتحوا عددا من حصونها ، ولكنهم
عجزوا عن فتح أهم حصن فيها ( حصن السلالم ) !

وكانت آخر محاولتين لفتحه حملتان ، قاد المسلمين في الأولى منهما أبو بكر ،
وما أن اقتربوا من الحصن حتى واجهتهم دفاعات اليهود من أعلى الحصن بوابل
السهام والأحجار.. فانهزموا راجعين الى مقر قيادة النبي صلى الله عليه وآله !!

وفي اليوم التالي قاد الحملة عمر بن الخطاب فتكرر نفس المشهد وأشد ، فانهزم
المسلمون ورجعوا ، وهم يجبنون عمر وهو يجبنهم !!

عندها غضب النبي صلى الله عليه وآله وقال كلمته الخالدة ( لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله
ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ) وكان
علي مريضاً برمد العينين ، فأحضره النبي صلى الله عليه وآله ومسح بريقه على عينيه فشفاه الله

[89]

تعالى ، وأعطاه الراية ، فتقدم علي أمام المسلمين وصعد في جبل الحصن قبلهم ،
وهو يدفع السهام والأحجار حتى تكسر ترسه ، وتمكن من الصعود الى باب الحصن
وبه جراحات ، فاستعان بالله تعالى ودحا الباب الحديدي الضخم فانفتح ، فدخل
عليهم وحده وقتل فارسهم مرحباً ، ورفع صوته بالتكبير ، ففهم المسلمون أنه النصر ،
فدخلواالحصن على أثره وأكملوا تحريره !!

فانظر كيف حاول ابن حجر توسيع هذه الشهادة النبوية لتشمل كل الصحابة ،
ويغمض عينيه عن خصوصياتها المتعددة ، التي لا تنطبق إلا على علي ؟!

والأعجب من ذلك أنه عمد الى الميزان الالَهي لإيمان الأمة ، والذي هو ميزان
منصوص ، لشخص مخصوص ، فجعله ميزاناً واسعاً ضائعاً مائعاً متناقضاً ! فقال :

وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة ، لتحقق مشترك الاكرام ، لما لهم من حسن
الغناء في الدين !

يعني بذلك أن حب كل واحد من الصحابة علامة على الايمان ، وبغض أي واحد
منهم علامة على النفاق ، لأنهم جميعاً شاركوا في نصرة النبي صلى الله عليه وآله !

يفعل ابن حجر ذلك وهو يعلم أن غرض الإسلام من التأكيد على حب علي
عليه السلام أن يضع للأمة خطاً ومقياساً ليعرف به هدى المهتدين به ، وكذب المنافقين في
ادعائهم الإسلام.

وكيف يعقل ابن حجر أن يكون الصحابة جميعاً مقياساً لذلك ، وعددهم عنده
أكثر من مئة ألف ، وقد كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وآله مختلفي المشارب والاتجاهات
والمستويات ، وصاروا بعده أكثر اختلافاً وعداوة وبغضاء.. حتى انقسمت الأمة
بسببهم الى محب لهم ومبغض ، وقامت بينهم الحروب !!

فلو جعلنا بغضهم مقياساً للنفاق ، فقد نفينا وجود منافقين في الأمة !

لأن المنافقين في زمنه وبعده ، إما صحابة أو يحبون أحداً من الصحابة !

وذلك تكذيب للقرآن حيث أخبرا بوجود منافقين في حياة النبي صلى الله عليه وآله.

[90]

كما أن مقياس ابن حجر يسبب مشكلة عقيدية على الصحابة أنفسهم.. لأنه لا
يكاد يوجد صحابي إلا وأبغض صحابياً آخر ، فيكونون جميعاً بهذا المقياس
( الحجري ) منافقين !!

**

وقد حاول ابن حجر أن يخلص من هذه الورطة فنقل عن صاحب المفهم كلاماً
غير مفهم ، مفاده أن الصحابة قد أبغضوا بعضهم ، وقد اشتهر بغض معاوية لعلي ،
ولكن هذا البغض بزعمه ليس نفاقاً ! لأن قصد النبي صلى الله عليه وآله أن علامة النفاق هو بغض علي بسبب نصرته للنبي فقط.. وأما بغضه لسبب آخر فهو حلالٌ زلال ، لا يوجب
نفاقاً ولا هم يحزنون !!

وهي حيلةٌ وجدها علماء الخلافة القرشية قبل ابن حجر ، فحللوا بها بغض علي ،
وزعموا أن التأكيد النبوي المطلق مخصوص بمن أبغضه لنصرته للنبي صلى الله عليه وآله فقط ! فلا
يشمل الذين يبغضونه لأسباب أخرى غير النصرة !!

وقد تشبثوا بتلك الحيلة لرفع حكم النفاق عن معاوية ، وتبرير أمره بلعن علي
عليه السلام على منابر الإسلام في خطب الجمعة عشرات السنين ، وتشريد أهل بيت النبي
صلى الله عليه وآله ومطاردتهم في كل صقع ، وتقتيل شيعتهم وهدم بيوتهم ، وتقريب مبغضيهم
ولاعنيهم ، وإعطائهم مناصب الدولة !!

وقد تمسك بهذه الحيلة بعض فقهاء النواصب في عصر ابن حجر ، ودافعوا بها
أمام القضاة السنيين ، الذين أصدروا حكمهم على ابن تيمية ، بأنه ناصبي منافق
مبغض لعلي عليه السلام ! فقال المدافعون : إن بغضه لعلي الذي ليس بسبب نصرته
للنبي صلى الله عليه وآله فهو مثل معاوية يبغض علياً لأسباب أخرى ، فبغضه له حلالٌ لا يصير
بسببه من المنافقين ، كما أن معاوية لم يصر من المنافقين !!

ولكنه منطق متهافت :

أولاً ،

لأن كلام النبي صلى الله عليه وآله صريح في الاطلاق والعموم.. فأين دليلهم على
التخصيص ، وأين المخصص والمقيد من عقل أو نقل ؟

[91]

وثانياً ،

أنهم بذلك جوزوا للمسلمين أن يصيروا كلهم رافضة ، وأن يبغضوا الصحابة
ويلعنوهم لأسباب أخرى غير نصرتهم للنبي صلى الله عليه وآله !!

فما دام بغض معاوية والنواصب ولعنهم علياً حلالٌ ، وهم مصدقون في ادعائهم
أن بغضهم له لسبب آخر غير النصرة ! فكل مسلم يجوز له أن يبغض من شاء من
الصحابة ويلعنهم ، ويكفي لتبرئته أن يزعم أن ذلك لسبب آخر غير النصرة !!

والواقع أن ابن حجر وأمثاله يعرفون أن علياً هو المقياس النبوي الالَهي للايمان
في الأمة في حياة النبي وبعده ، ويروون في الصحاح قصة بغض بريدة وخالد
وغيرهما لعلي وغضب النبي صلى الله عليه وآله عليهم لذلك !

ولكن علماء الخلافة يجادلون نبيهم ، ويحتالون على أحاديثه تخصيصاً وتوسيعاً
وتمييعاً ، لمصلحة مبغضي أهل بيت نبيهم من قبائل قريش الأخرى ، التي أشربوا
حبها على حساب أهل بيت نبيهم !! ولله في خلقه شؤون.

**


قصة بريدة وحدها حجة بالغة


روت الصحاح السنية قصة بريدة ، ولكنها اختصرتها وحذفت منها !!

وما بقي منها عظيم ! وخلاصتها :

أن الصحابي بريدة الأسلمي اعترف بأنه كان مع عدد من الصحابة القرشيين في
زمن النبي صلى الله عليه وآله يبغضون علياً عليه السلام ويعملون ضده !

وذات يوم أرسل النبي صلى الله عليه وآله جيشين الى اليمن ، أحدهما بقيادة علي ، والآخر
بقيادة خالد بن الوليد ، فاختار بريدة أن يذهب مع جيش خالد ، لأن خالداً على خطه
في بغض علي عليه السلام.

وتوغل جيش علي داخل اليمن ، وأنجز الجيشان مهماتهما العسكرية ، كل في
جبهته ، وانتصرا وغنما ثم التقيا ، فصار القائد عليهما علياً كما أمر النبي صلى الله عليه وآله.

[92]

وكان خالد ومبغضو علي يراقبون حركات علي وسكناته ، لعلهم يجدون عليه
مأخذاً ينتقدونه به ، ويضعفون شخصيته عند المسلمين ، أو عند النبي صلى الله عليه وآله !

وعندما وزع على الغنائم وعزل منها الخمس للرسول وآله صلى الله عليه وآله ، اختار منه جارية
فقوم قيمتها وحسبها من سهمه من الخمس ، ولعله تزوجها.

فرأى خالد في ذلك نصراً عظيما على علي وكتب رسالة الى النبي صلى الله عليه وآله وأرسلها
مع وفد من ثلاثة أشخاص ، وأرسل معهم بريدة شاهداً مصدقاً للرسالة !

ومفاد الرسالة أن علياً خان غنائم المسلمين وأخذ جارية لنفسه ، وتزوج على
بنت النبي صلى الله عليه وآله !

ووصل بريدة الى المدينة ، واتصل بمبغضي علي وبشرهم برسالة خالد ضد علي
ففرحوا بها ، وأوصوه أن يقدم معها تقريراً شفهياً قوياً ضد علي ، حتى تسقط مكانته
عند النبي صلى الله عليه وآله ويرتاحوا من شره في المستقبل !!

وقام بريدة بالمهمة كما أرادوا ، ولكن النتيجة كانت معكوسة عليهم تماماً !

فقد غضب النبي غضباً شديداً من رسالة خالد وتقرير بريدة ، ومن حركة الصحابة
الذين يقفون وراءهما ضد علي.. وكشف لهم حقائق تتعلق بعلي ، تضمنتها أحاديث
بريدة الصحيحة في مصادر السنة والشيعة ، ومن أهم نقاطها ما يلي :

أولاً

: أن علياً بأمر الله تعالى خليفة النبي صلى الله عليه وآله وولي المسلمين من بعده.

ثانياً

: أنه لا يتصرف من عنده أبداً ، حتى عندما يكون في اليمن بعيداً عن النبي
صلى الله عليه وآله بل كل تصرفات إما أن تكون بأمر الرسول ، أو بإلهام الله تعالى !!

ثالثاً

: أن علياً مع النبي وآله ، هم أصحاب الخمس الشرعيون في الغنائم وغيرها ،
فحق علي في الخمس أكثر من جارية.

رابعاً

: أن خبر زواج علي أو تسريه على زوجته فاطمة الزهراء عليهما السلام ، خاصة عندما
يكون في سفر ، لايؤذيها ولا يؤذي أباها ، لأنهما لايخالفان شرع الله ، ولأنهما على ثقة
منه ، ومن مقامه الذي خصه به الله تعالى.

[93]

خامساً

: أن مبغضي علي إما منافقون أو كفار.. وعلى مبغضيه من الصحابة أن
يتوبوا من ذلك ويجددوا إسلامهم ، ويستغفروا الله تعالى ويستغفر لهم الرسول صلى الله عليه وآله ،
عسى أن يغفر نفاقهم أو ارتدادهم ، ويقبل توبتهم وإسلامهم !!

وبالفعل فقد جدد بريدة إسلامه ، وتاب من بغض علي وأخذ يحبه ، وطلب من
النبي صلى الله عليه وآله أن يستغفر له !

أما الباقون فلم نسمع بتوبتهم !

وفيما يلي نستعرض عدداً من نصوص القضية ، التي تحتاج من الباحث والقارئ
الى تأمل لكي يفهم مداليلها ، ويعرف هدف الرواة من صياغاتهم لها بأشكال مخففة ،
ويفهم معنى تعليقات الحاكم في مستدركه على رواياتها الصحيحة على شرط
البخاري ومسلم ، اللذين تجاهلاها أو بتراها !!

ولنبدأ بإحدى روايات مسند أحمد المتعددة ، قال في : 5 | 356 :


عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين
الى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد فقال : إذا
التقيتم فعلي على الناس ، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده ، فلقينا بني زيد
من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين ، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية
فاصطفى على امرأة من السبي لنفسه.

قال بريدة : فكتب معي خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخبره
بذلك !

فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقريء عليه ، فرأيت الغضب
في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يارسول الله هذا مكان العائذ بعثتني
مع رجل وأمرتني أن أطيعه ، ففعلت ما أرسلت به.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقع في علي ، فإنه مني وأنا منه ، وهو
وليكم بعدي ، وإنه مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي ! !

[94]

وقال الحاكم في المستدرك : 2 | 129 :


عن عبد الله بن بريدة الأسلمي قال إني لأمشي مع أبي إذ مر بقوم ينقصون
علياً رضي الله عنه يقولون فيه ! فقام فقال : إني كنت أنال من علي وفي نفسي عليه شيء ، وكنت
مع خالد بن الوليد في جيش ، فأصابوا غنائم ، فعمد علي الى جارية من الخمس
فأخذها لنفسه ، وكان بين علي وبين خالد شيء ، فقال خالد هذه فرصتك ! وقد عرف
خالد الذي في نفسي على علي ، قال فانطلق الى النبي صلى الله عليه وآله فاذكر ذلك له ، فأتيت
النبي صلى الله عليه وآله فحدثته ، وكنت رجلاً مكباً وكنت إذا حدثت الحديث أكببت ، ثم رفعت
رأسي فذكرت للنبي صلى الله عليه وآله أمر الجيش ، ثم ذكرت له أمر علي ، فرفعت رأسي وأوداج
رسول الله صلى الله عليه وآله قد احمرت ! قال قال النبي صلى الله عليه وآله : من كنت وليه فإن علياً وليه. وذهب
الذي في نفسي عليه.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ، إنما أخرجه
البخاري من حديث علي بن سويد بن منجوف ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه
مختصراً ، وليس في هذا الباب أصح من حديث أبي عوانة هذا ، عن الأعمش ، عن
سعد بن عبيدة.

وهذا رواه وكيع بن الجراح ، عن الأعمش ، أخبرناه أبو بكر بن اسحاق الفقيه ، أنبأ
موسى بن اسحاق القاضي ، ثنا عبد الله بن أبي شيبة ، ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن
سعد بن عبيدة ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، أنه مر على مجلس... ثم ذكر الحديث بطوله
. انتهى.

وقال عنه في مجمع الزوائد : 9 | 108

: ورجاله رجال الصحيح. وورد فيه ( فقلت لا
أسوؤك فيه أبداً ).

وروى الحاكم القصة أيضاً : 3 | 110 :


وفيها أن مبغضي علي كانوا أربعة ، وأنهم تعاقدوا فيما بينهم على شكايته الى
النبي صلى الله عليه وآله ، قال الحاكم :

[95]

عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سرية ، واستعمل عليهم علي
بن أبي طالب رضي الله عنه ، فمضى علي في السرية فأصاب جارية ، فأنكروا ذلك عليه ،
فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا لقينا النبي صلى الله عليه وآله أخبرناه بما صنع علي !

قال عمران : وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله صلى الله عليه وآله ، فنظروا اليه
وسلموا عليه ثم انصرفوا الى رحالهم ، فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال أحد الأربعة فقال :

يا رسول الله ، ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا !!

فأعرض عنه !

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه !

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه !

ثم قام الرابع فقال : يا رسول الله ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا !

فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله والغضب في وجهه فقال :

ما تريدون من علي ! إن علياً مني وأنا منه ، وولي كل مؤمن. هذا حديث صحيح
على شرط مسلم ولم يخرجاه. انتهى.

وروى نحوه آخر ، وصححه على شرط مسلم أيضاً.

**

أما البخاري فهو على عادته في أمثال هذا الحديث ، إما أن يحذفه كلياً ، أو يحذف
منه ولاية علي عليه السلام ويرويه مبتوراً !

قال في صحيحه : 5 | 110 :


عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً
الى خالد ليقبض الخمس ، وكنت أبغض علياً ، وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى الى
هذا ؟

[96]

فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له ، فقال : يا بريدة أتبغض
علياً ؟

قلت : نعم.

قال : لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك. انتهى.

بل نلاحظ أن البخاري زهد في بريدة بسبب أحاديثه في فضل علي ، وطبق عليه
مذهبه في الاقلال من الرواية عن الصحابة والرواة الذين يحبون علياً ، ومنهم بريدة
الاسلمي !! فقد رووا عنه في الصحاح وغيرها أكثر من مئتي حديث ، ولكن البخاري
لم يرو منها في صحيحه بعدد أصابع اليد الواحدة !!

كما أنه في تاريخه ، ترجم لعشرات النواصب ومدحهم بمدائح كبيرة ، ولكنه
اختصر في ترجمة بريدة جداً ، لأنه لا يحبه ولا يحب الاطالة في ترجمته !

والحديث الوحيد الذي ذكره في ترجمته حديث عام سيأتي !

قال البخاري في تاريخه : 2 | 141 :


بريدة بن حصيب الأسلمي له صحبة ، نزل البصرة ، قال لي عياش : حدثنا عبد
الأعلى قال : ثنا الجريري عن أبي نضرة قال : كنت بسجستان فإذا بريدة الأسلمي
فجلست اليه ، قال لي محمد بن مقاتل : أخبرنا معاذ ، حدثنا عبد الله بن مسلم
السلمي من أهل مرو ، سمعت عبد الله بن بريدة يقول : مات والدي بمرو وقبره
بجصين. وقال : هو قائد أهل المشرق يوم القيامة ونورهم.

وقال ابن بريدة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل من أصحابي مات
ببلدة فهو قائدهم ونورهم يوم القيامة ، فقال : مات في خلافة يزيد بن معاوية ، ومات
بعده الحكم بن عمرو الغفاري ، ودفن الى جنبه. انتهى.

وهذه الترجمة المختصرة من البخاري ، لا تناسب شخصية بريدة ، وكثرة أحاديثه
في المصنفات والصحاح.

بل نلاحظ أن البخاري يروي عن عبد الله بن بريدة ، ولكن عن غير أبيه.. مع أن

[97]

روايات عبد الله عن أبيه كثيرة ، ومنتشرة في المصادر !!

والسبب في ذلك : أن عبد الله مقبولٌ عند الخلافة القرشية أكثر من أبيه ، وكان
قاضياً عندهم على مرو ، وكثيراً ما نراه يحذف من أحاديث أبيه بريدة ما يتعلق بولاية
علي عليه السلام وفضائله ! وهذا ما يريده البخاري !

وقد وجدت للبخاري رواية واحدة من روايات بريدة في حق علي عليه السلام ، وهي
( فلتةٌ ) ، ذكرها تاريخه في ترجمة أبي ربيعة الأيادي !

ولكن البخاري ألف تاريخه في شبابه قبل صحيحه ، ولعله كان أحسن حالاً على
علي يومذاك ،

قال في : 9 | 31 :

حدثنا محمد بن الطفيل قال : نا شريك ، عن أبي ربيعة الأيادي ، عن ابن بريدة ،
عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أمرني بحب أربعة من
أصحابي ، وأخبرني أنه يحبهم.

فقلنا يا رسول الله من هم ، فكلنا نحب أن نكون منهم ؟

فقال : إن علياً منهم ، ثم سكت ساعة ، ثم قال : إن علياً منهم ، وسلمان الفارسي ،
وأبا ذر ، والمقداد بن الأسود الكندي. انتهى.

وهذا الحديث يدل على أن هؤلاء الأربعة هم صفوة الله تعالى من الصحابة ، وهو
بالحقيقة اصطفاء لعلي وحده عليه السلام ، لأن هؤلاء الثلاثة هم كبار شيعة علي وأتباعه في
زمن النبي صلى الله عليه وآله وبعده ! خاصة مع ملاحظة تأكيد النبي صلى الله عليه وآله على علي من بينهم.

ويدل حديث بريدة الذي فلت به قلم البخاري ، على أن بقية الصحابة لم يبلغوا
مستوى أن يأمر الله تعالى رسوله والمسلمين بحبهم !

وقد روى هذا الحديث الحاكم في : 3 | 130 ،

وصححه على شرط مسلم ، وفي نصه
تأكيد أكثر على علي ،

ورواه الترمذي : 5 | 299

ولا يبعد أن يكون هذا الحديث جزءاً مما قاله النبي صلى الله عليه وآله لبريدة عندما جاء
بالرسالة من اليمن ، أو جواباً نبوياً آخر لخطط مبغضي علي التي تواصلت ضده !

[98]

كما روى الترمذي حديثاً آخر عن بريدة في : 5 | 360

، جاء فيه أن علياً وفاطمة أحب
الناس الى النبي على الإطلاق.

على أن هناك سبباً آخر لاقلال البخاري من أحاديث بريدة ، قد لا يقل عند محبي
قبائل قريش عن أحاديث بريدة في فضائل علي عليه السلام.

وهو موقف بريدة من السقيفة وبيعة أبي بكر ! فقد ذكرت الروايات أنه كان مسافراً
الى الشام ، ورجع الى المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بقليل ، وتفاجأ ببيعة أبي بكر ،
فأعلن عدم شرعية السقيفة ، وذهب الى قبيلته القريبة من مكة ونصب الراية في
وسطهم ، وأعلن الاعتصام والنفير ، حتى يأمرهم علي بأمره !

فاستجابت له قبيلته ، وكانت أول تهديد مسلح ضد أهل السقيفة ! ولذلك صرح عمر
أنه بقي متخوفاً من عدم نجاح بيعة السقيفة ( حتى بايعت أسلم فأيقنت بالنصر ! )

وقد استمرت مشكلة بريدة وقبيلته حتى أرسل اليهم علي عليه السلام أن الوقت فات ،
وأن أكثر قريش والأنصار قد بايعوا أبا بكر.. والاختلاف والحرب بعد وفاة النبي
صلى الله عليه وآله مباشرة ، ليس في مصلحة الإسلام..الى آخره.

**

هذا ، وقد عقد الهيثمي في مجمع الزوائد فصلاً كاملاً ، أورد فيه عدداً من روايات
قصة بريدة وصحح بعضها ،

قال في : 9 | 127 :

باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه :

عن بريدة يعني ابن الحصيب قال : أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً قط !

قال : وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا على بغضه علياً رضي الله عنه ، قال فبعث ذلك
الرجل على جيش فصحبته ، ما صحبته إلا ببغضه علياً رضي الله عنه.

قال : فأصبنا سبايا ، فكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم إبعث الينا من
يخمسه ، قال : فبعث علياً رضي الله عنه ، وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي ، قال : فخمس
وقسم ، فخرج ورأسه يقطر ، فقلنا يا أبا الحسن ما هذا ؟

[99]

قال : ألم تروا الى الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت وخمست فصارت
في الخمس ، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم صارت في آل
علي ، فوقعت بها.

قال : فكتب الرجل الى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إبعثني مصدقاً.

قال : فجعلت أقرأ الكتاب وأقول : صدق !

قال : فأمسك يدي والكتاب ، وقال : أتبغض علياً ؟!

قال : قلت نعم.

قال : فلا تبغضه : وإن كنت تحبه فازدد له حباً ، فوالذي نفس محمد بيده لنصيب
آل علي في الخمس أفضل من وصيفة !

قال فما كان أحد من الناس بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من
علي.

قال عبد الله يعني ابن بريدة : فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي صلى الله عليه
وسلم في هذا الحديث إلا أبو بريدة.

قلت : في الصحيح بعضه ، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ، غير عبد الجليل
بن عطية وهو ثقة ، وقد صرح بالسماع ، وفيه لين.

وعن بريدة قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين الى اليمن ، على
أحدهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعلى الآخر خالد بن الوليد ، فقال : إذا التقيتم فعلي
على الناس ، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده.

قال فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا ، فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا
المقاتلة وسبينا الذرية ، فاصطفى على امرأة من السبي لنفسه.

قال بريدة : فكتب معي خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره
بذلك ، فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقريء عليه ، فرأيت
الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت :

[100]

يا رسول الله هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ، ففعلت ما
أرسلت به.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقع في علي ، فإنه مني وأنا منه ، وهو
وليكم بعدي.

قلت : رواه الترمذي باختصار ، رواه أحمد والبزار باختصار ، وفيه الأجلح الكندي
وثقه ابن معين وغيره ، وضعفه جماعة ، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.

وعن بريدة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً أميراً على اليمن ،
وبعث خالد بن الوليد على الجبل ، فقال : إن اجتمعتما فعليٌ على الناس ، فالتقوا
وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله ، وأخذ علي جارية من الخمس ، فدعا خالد بن
الوليد بريدة فقال : اغتنمها ، فأخبر النبي ما صنع !

فقدمت المدينة ودخلت المسجد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله ،
وناسٌ من أصحابه على بابه ، فقالوا : ما الخبر يا بريدة ؟

فقلت : خيراً فتح الله على المسلمين.

فقالوا : ما أقدمك ؟

قلت : جارية أخذها علي من الخمس ، فجئت لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

فقالوا : فأخبر النبي ، فإنه يسقط من عين النبي !! ورسول الله يسمع الكلام ، فخرج
مغضباً فقال :

ما بال أقوام ينتقصون علياً ؟!!

من تنقص علياً فقد تنقصني ، ومن فارق علياً فقد فارقني.

إن علياً مني وأنا منه ، خلق من طينتي ، وخلقت من طينة ابراهيم ، وأنا أفضل من
ابراهيم ، ذريةٌ بعضها من بعض ، والله سميع عليم.

يا بريدة : أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ ، وأنه وليكم بعدي ؟

فقلت : يا رسول الله بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً !!

[101]

قال : فما فارقته حتى بايعته على الإسلام !!

رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه جماعة لم أعرفهم ، وحسين الأشقر ضعفه
الجمهور ، ووثقه ابن حبان.

وعن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي
بن أبي طالب وخالد بن الوليد ، كل واحد منهما وحده ، وجمعهما فقال : إذا
اجتمعتما فعليكم علي ، قال فخذا يميناً ويساراً ، فدخل علي وأبعد ، وأصاب سبياً ،
وأخذ جارية من السبي.

قال بريدة : وكنت من أشد الناس بغضاً لعلي ، قال : فأتى رجلٌ خالد بن الوليد
فذكر أنه أخذ جارية من الخمس ، فقال : ما هذا ؟ !

ثم جاء آخر ثم جاء آخر ، ثم تتابعت الأخبار على ذلك ، فدعاني خالدٌ فقال :

يا بريدة ، قد عرفت الذي صنع ، فانطلق بكتابي هذا الى رسول الله !

فكتب اليه فانطلقت بكتابه حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ
الكتاب بشماله ، وكان كما قال الله عز وجل لا يقرأ ولا يكتب ، وكنت إذا تكلمت
طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي ، فطأطأت رأسي فتكلمت فوقعت في علي
حتى فرغت ، ثم رفعت رأسي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضباً لم
أره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير !!

فنظر إليّ فقال : يا بريدة أحب علياً ، فإنما يفعل ما أمر به !!!

فقمت وما من الناس أحد أحب إليّ منه.

رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه ضعفاء وثقهم ابن حبان.

وعن أبي سعيد الخدري قال : اشتكى علياً الناس ، فقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم فينا خطيباً ، فسمعته يقول :

أيها الناس لا تشكوا علياً ، فو الله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله.

رواه أحمد.

[102]

وعن عمرو بن شاس الأسلمي ، وكان من أصحاب الحديبية قال : خرجت مع
علي عليه السلام الى اليمن فجفاني في سفري ذلك ، حتى وجدت في نفسي عليه ، فلما
قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد ، حتى سمع بذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ
في ناس من أصحابه ، فلما رآني أبدى لي عينيه ـ يقول حدد إليّ النظر ـ حتى إذا
جلست قال : يا عمرو والله لقد آذيتني !!!

قلت : أعوذ بالله من أذاك يا رسول الله.

قال : بلى ، من آذى علياً فقد آذاني.

رواه أحمد والطبراني باختصار ، والبزار أخصر منه ، ورجال أحمد ثقات.

وعن أبي رافع قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً أميراً على اليمن ،
وخرج معه رجلٌ من أسلم يقال له عمرو بن شاس ، فرجع وهو يذم علياً ويشكوه ،
فبعث اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :

إخسأ يا عمرو !!! هل رأيت من علي جوراً في حكم ، أو أثرة في قسمة ؟!

قال : اللهم لا.

قال : فعلام تقول الذي بلغني ؟!!

قال : بغضه ، لا أملك.

قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجهه ، ثم قال :

من أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله !! ومن أحبه فقد أحبني
ومن أحبني فقد أحب الله تعالى.

رواه البزار ، وفيه رجال وثقوا على ضعفهم.

وعن سعد بن أبي وقاص قال : كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين معي ، فنلنا
من علي ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان يعرف في وجهه الغضب ،
فتعوذت بالله من غضبه فقال :

[103]

ما لكم وما لي ؟!!

من آذى علياً فقد آذاني !!!

رواه أبو يعلى والبزار باختصار ، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ، غير محمود بن
خداش وقنان ، وهما ثقتان.

وعن أبي بكر بن خالد بن عرفطة ، أنه أتى سعد بن مالك فقال : بلغني أنكم
تعرضون على سب علي بالكوفة ، فهل سببته ؟!

قال : معاذ الله ، والذي نفس سعد بيده لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول في علي شيئاً ، لو وضع المنشار على مفرقي ما سببته أبداً.

رواه أبو يعلى وإسناده حسن.

وعن أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على أم سلمة فقالت لي :

أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ؟!

قلت : معاذ الله ، أو سبحان الله ، أو كلمة نحوها.

قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سب علياً فقد سبني !!!

رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ، غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة.

وعن أبي عبد الله الجدلي قال : قالت لي أم سلمة :

يا أبا عبدالله ، أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ؟!

قلت : أنى يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!

قالت : أليس يسب علي ومن يحبه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه !!

رواه الطبراني في الثلاثة ، وأبو يعلى ، ورجال الطبراني رجال الصحيح ، غير أبي
عبد الله ، وهو ثقة.

وروى الطبراني بعده باسناد رجاله ثقات الى أم سلمة ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : مثله.

وعن كعب بن عجرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

[104]

لا تسبوا علياً فإنه ممسوسٌ في ذات الله.

رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وفيه سفيان بن بشر أو بشير ، متأخرٌ ليس هو
الذي روي عن أبي عبد الرحمن الجيلي ، ولم أعرفه ، وبقية رجاله وثقوا ، وفي بعضهم
ضعف.

وعن أبي كثيرة قال : كنت جالساً عند الحسن بن علي فجاءه رجل فقال لقد سب
عند معاوية علياً سبا قبيحا رجل يقال له معاوية بن خديج... الخ. انتهى.

وقد تقدم ذلك من حديث الإمام الحسن عليه السلام. ورواه الهيثمي هنا بروايتين ، وقال :

رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما علي بن أبي طلحة مولى بني أمية ، ولم
أعرفه. وبقية رجاله ثقات ، والآخر ضعيف... الخ.

وفي مجمع الزوائد : 9 | 108 :


عن بريدة قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فاستعمل علينا
علياً ، فلما جئنا قال : كيف رأيتم صاحبكم ؟

فإما شكوته ، وإما شكاه غيري ، قال فرفع رأسه وكنت رجلاً مكباباً فإذا النبي صلى
الله عليه وسلم قد احمر وجهه يقول : من كنت وليه فعلي وليه.

فقلت لا أسوؤك فيه أبداً.

رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

وعن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب.

من تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله عز وجل.

ومن أحبه فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله تعالى.

ومن أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد وغض الله عز وجل.

رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا.

وعن وهب بن حمزة قال : صحبت علياً الى مكة فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت

[105]

لئن رجعت لأشكونك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدمت لقيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقلت : رأيت من علي كذا وكذا.

فقال : لا تقل هذا ، فهو أولى الناس بكم بعدي.

رواه الطبراني ، وفيه دكين ذكره ابن أبي حاتم ، ولم يضعفه أحد ، وبقية رجاله وثقوا
. انتهى.

وفي الصراط المستقيم للبياضي : 2 | 59 :


وروى ابن حنبل أيضاً أن علياً أخذ في اليمن جارية فكتب خالد مع بريدة الى
النبي صلى الله عليه وآله فأعلمه فغضب وقال : يا بريدة لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه.

وأورده ابن مردويه من طرق عدة وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وآله قال لبريدة : إيهاً
عنك ، فقد أكثرت الوقوع في علي ، فوالله إنك لتقع في رجل أولى الناس بكم بعدي.

وفي بعضها إنه طلب من النبي صلى الله عليه وآله الاستغفار ، فقال له : حتى يأتي علي ، فلما أتى
علي قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي : إن تستغفر له فاستغفر.

وفي بعضها أن بريدة امتنع من بيعة أبي بكر لأجل النص الذي سمعه من
النبي صلى الله عليه وآله بالولاية بعده.

وفي بعضها أن بريدة بايع النبي صلى الله عليه وآله على الإسلام جديداً ، ولولا أن الانكار على
علي يوجب تكفيراً لم يكن لبيعة بريدة ثانياً معنى.

وهذا شيء لم يوجد لغيره من أصحابه قطعاً.

فهذه كتب القوم التي هي عندهم صادقة ، بولاية علي عليه السلام ناطقة ، إذ في جعله من
بدنه مثل الرأس ، دليل تقديمه على سائر الناس. انتهى.



من دلالات قصة بريدة

أولاً

: أن الفائدة العملية لهذا الميزان في حياة النبي صلى الله عليه وآله كانت اختباراً للمسلمين
في قبولهم تحدي الإسلام لقريش والمشركين الذي مثله علي عليه السلام بصفته سيف الله
تعالى ، وعضد رسوله صلى الله عليه وآله.

[106]

كما كانت اختباراً لقبول المسلمين الحقيقي للنبي صلى الله عليه وآله بقبول عترته الذين نص
على أنهم امتداده في الأمة..

ولكن فائدة هذا الميزان الالَهي كانت في مرحلة ما بعد النبي أكثر منها في حياته !
ولهذا ركز عليها صلى الله عليه وآله في أحاديث ومناسبات عديدة !

ثانياً :

هذه النصوص النبوية القوية ، تجعل المسلم يتيقن بأن الله تعالى جعل حب
علي بن أبي طالب ميزاناً للاسلام والكفر ، ومقياساً للايمان والنفاق ، وجعل ولايته
فريضة مع حب الرسول وولايته صلى الله عليه وآله.

وهو مقامٌ لم يجعله الله تعالى لأي واحد من الصحابة !!

وبذلك يتضح ضعف محاولة السنيين أن يجعلوا ولاية بعض الصحابة غير علي
جزءا من الوحي الذي نزل على محمد صلى الله عليه وآله في الوقت الذي ما زالوا متحيرين في
العثور على صيغة فقهية تثبت شرعية خلافتهم للنبي صلى الله عليه وآله !

بل ما زالوا يبحثون عن نص صحيح يسمح لهم بإدخالهم في صيغة الصلاة على
النبي ليجوز لهم القول ( صلى الله عليه وآله وصحبه ) فيضيفون صحبه الى آله الذين
أوجب الله الصلاة عليهم معه !!

ثالثاً :

إن هذا المقام الرباني لعلي عليه السلام ، وأمره المسلمين بحبه وتحريمه بغضه..
تكليفٌ موجه الى الصحابة أنفسهم ، ومن بعدهم الى أجيال الأمة.. فحب علي
فريضةٌ على الصحابة قبل غيرهم ، وميزانٌ لإيمان الصحابي أو نفاقه قبل غيره !

وبهذه الأحاديث الصحيحة ينحسم الأمر ، ولا يبقي معنى لمقايسة أحد من
الصحابة بعلي عليه السلام.

وهل يقاس الميزان بالموزون ؟!

والدليل الالَهي بالمدلول عليه ؟!

والمنار الرباني بمن يحتاج الى شهادة علي بأن فيه شيئاً من نور الايمان ؟!

وهل يقاس الانسان الكامل بمن لا تعرف درجة إنسانيته وكماله إلا به ؟!

[107]

فعلي عليه السلام بنص هذه الصحاح هو : المسلم الرباني الكامل ، الذي جعل الله حبه
وبغضه ، ورضاه وغضبه ، مختبراً للامة ، وجعل شخصيته قدوة للعالمين ، بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله.

رابعاً :

بعد أن أذعن جميع المسلمين بصحة هذه الأحاديث القاطعة في علي
عليه السلام فإن قولهم بتفضيل غيره عليه ، ونسبتهم ذلك الى النبي صلى الله عليه وآله ، يكون اتهاماً للنبي
بالتناقض ، وأنه أمر بحب علي وجعله ميزاناً ، ثم ناقض نفسه وفضل التابع على
المتبوع ، وجعل غير علي أفضل منه ، وأوصى الأمة بحبه واتباعه بدل علي !!

وهو أمر لا يرتكبه رئيس عادي ، ولا أمير قبيلة حكيم ، ولا رب أسرة عاقل في
أولاده !!

وبعد صحة هذه الأحاديث وصراحتها في مصادر السنيين ، وعلو حجتها ، لا
نحتاج الى روايتها من مصادرنا ، إلا لتكميل صورة الموضوع ، أو لبيان جوانب أخرى
لم تتعرض لها النصوص السنية ، من قصة هذا الصحابي المؤمن ، ورواياته الأخرى
لفريضة حب علي واتباعه على الأمة ، وتحريم كرهه ومخالفته !



لمحة عن بريدة وأحاديثه في مصادرنا


بريدة الأسلمي صحابيٌ مميز ، بشخصيته وأحاديثه.. لم يعط حقه في مصادر
السنيين ، لأنه أطاع النبي في علي وأهل بيته صلى الله عليه وآله.

وبريدة واحدٌ من مجموعة فرسان الصحابة ، كان لهم دورٌ رياديٌ قيادي هام في
حروب الردة ، ثم في الفتوحات الاسلامية ، ولكن جزاءهم كان طمس أدوارهم
وإعطاء منجزاتهم الى أشخاص آخرين ، تبنتهم السلطة القرشية ثم الأموية ، لأنهم
أطاعواالخلافة ، ووقفوا في وجه علي وأهل البيت النبوي !!

ومن هؤلاء الأبطال الشيعة : عمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، والمقداد بن عمر
وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وأخوه أبان ،

[108]

وسعد بن عبادة ، وابنه قيس بن سعد ، وأبو أيوب الأنصاري... وآخرون يصلون الى
نحو مئة صحابي ، كان لهم أدوارٌ هامة في حروب الردة والفتوحات ، وقد وقفوا من
أول الأمر مع علي عليه السلام أو انضموا اليه فيما بعد ، أو قاتلوا معه في حروبه ، واستشهدوا
بين يديه ، أو ثبتوا بعد شهادته على ولائه..

وكل واحد من هؤلاء يستحق دراسة جادة ، لشخصيته وأحاديثه.. فهم ظاهرةٌ يقل
مثيلها في الأديان الأخرى ، تمثل الوجه الآخر لما قالته الحكومات القرشية ودونته
عن إجراءات النبي صلى الله عليه وآله وأقواله عن مستقبل الإسلام ومسيرته من بعده.. الى أن
يبعث الله الإمام المهدي الموعود على لسانه بعده.

ونكتفي هنا بإيراد مقتطفات عن بريدة من مصادرنا :

قال أبو جعفر الطوسي في أماليه : 1 | 249 :


أبو العباس قال : حدثنا الحسن بن علي بن عفان قال : حدثنا الحسن ـ يعني ابن
عطية قال : حدثنا سعاد ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عبدالله بن بريدة ، عن أبيه ، قال :
بعث رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد كل واحد منهما وحده ،
وجمعهما فقال : إذا اجتمعتما فعليكم علي.

قال : فأخذنا يميناً أو يساراً.

قال : وأخذ علي فأبعد ، فأصاب سبياً فأخذ جارية من الخمس.

قال بريدة : وكنت أشد الناس بغضاً لعلي وقد علم ذلك خالد بن الوليد ، فأتى
رجل خالداً فأخبره أنه أخذ جارية من الخمس فقال : ما هذا ؟ ثم جاء آخر ، ثم أتى
آخر ، ثم تتابعت الأخبار على ذلك ، فدعاني خالد فقال : يا بريدة ، قد عرفت الذي
صنع ، فانطلق بكتابي هذا الى رسول الله فأخبره ، وكتب اليه.

فانطلقت بكتابه حتى دخلت على رسول الله وأخذ الكتاب فأمسكه بشماله ،
وكان كما قال الله لا يكتب ولا يقرأ ، وكنت رجلاً إذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ
من حاجتي ، فطأطأت وتكلمت ، فوقعت في علي حتى فرغت ، ثم رفعت رأسي

[109]

فرأيت رسول الله قد غضب غضباً شديداً لم أره غضب مثله قط إلا يوم قريظة
والنضير ، فنظر إليّ فقال :

يا بريدة إن علياً وليكم بعدي ، فأحب علياً فإنما يفعل ما يؤمر.

قال : فقمت وما أحد من الناس أحب إليّ منه.

وقال عبد الله بن عطاء : حدثت بذلك أبا حرب بن سويد بن غفلة ، فقال : كتمك
عبد الله بن بريدة بعض الحديث أن رسول الله قال له : أنافقت بعدي يا بريدة ؟!!

وقال السيد شرف الدين في المراجعات | 221 :


وكذلك حديث بريدة ولفظه في ص 356 من الجزء الخامس من مسند أحمد
قال : بعث رسول الله بعثين الى اليمن... الخ.

ولفظه عند النسائي في | 17

من خصائصه العلوية : لا تبغضن يا بريدة علياً ، فإن
علياً مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي.

ولفظه عند ابن جرير : قال بريدة : وإذا النبي قد أحمر وجهه ، فقال : من كنت وليه
فإن علياً وليه ، قال : فذهب الذي في نفسي عليه ، فقلت لا أذكره بسوء.

والطبراني قد أخرج هذا الحديث على وجه التفصيل ، وقد جاء فيما رواه : أن
بريدة لما قدم من اليمن ، ودخل المسجد ، وجد جماعة على باب حجرة النبي صلى الله عليه وآله ،
فقاموا اليه يسلمون عليه ويسألونه فقالوا : ما وراءك ؟

قال : خير فتح الله على المسلمين.

قالوا : ما أقدمك ؟

قال : جارية أخذها علي من الخمس ، فجئت لأخبر النبي بذلك.

فقالوا : أخبره أخبره ، يسقط علياً من عينه ، ورسول الله صلى الله عليه وآله ، يسمع كلامهم من
وراء الباب ، فخرج مغضباً فقال :

ما بال أقوام ينتقصون علياً ؟ من أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن فارق علياً فقد
فارقني ، إن علياً مني وأنا منه ، خلق من طينتي ، وأنا خلقت من طينة ابراهيم ، وأنا
أفضل من ابراهيم. ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم.

[110]

يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ. وأنه وليكم بعدي.

وهذا الحديث مما لا ريب في صدوره ، وطرقه الى بريدة كثيرة ، وهي معتبرة
بأسرها ، ومثله ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس ، من حديث جليل ، ذكر فيه عشر
خصائص لعلي فقال : وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت ولي كل مؤمن بعدي.

ومثله ما أخرجه ابن السكن ، عن وهب بن حمزة قال ، كما في ترجمة وهب من
الإصابة : سافرت مع علي فرأيت منه جفاء ، فقلت لئن رجعت لأشكونه ، فرجعت
فذكرت علياً لرسول الله فنلت منه ، فقال : لا تقولن هذا لعلي ، فإنه وليكم بعدي...

وقال المفيد في الارشاد : 1 | 148 :


وكان أميرالمؤمنين عليه السلام قد اصطفى من السبي جارية ، فبعث خالد بن الوليد بريدة
الأسلمي الى النبي صلى الله عليه وآله وقال له :

تقدم الجيش اليه فأعلمه بما فعل علي عليه السلام من اصطفائه الجارية من الخمس
لنفسه ، وقع فيه.

فسار بريدة حتى انتهى الى باب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلقيه عمر بن الخطاب فسأله عن
حال غزوتهم وعن الذي أقدمه ؟ فأخبره أنما جاء ليقع في علي عليه السلام ، وذكر له
اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه ، فقال له عمر :

إمض لما جئت له ، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي !

فدخل بريدة على النبي صلى الله عليه وآله ومعه كتاب من خالد بما أرسل به بريدة ، فجعل
يقرأه ووجه رسول الله صلى الله عليه وآله يتغير ، فقال بريدة : يا رسول الله إنك إن رخصت للناس
في مثل هذا ذهب فيؤهم !

فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ويحك يا بريدة أحدثت نفاقاً !!

إن علي بن أبي طالب يحل له من الفيء ما يحل لي ، إن علي بن أبي طالب خير
الناس لك ولقومك ، وخير من أخلف بعدي لكافة أمتي.

يا بريدة ! إحذر أن تبغض علياً فيبغضك الله !

[111]

قال بريدة : فتمنيت أن الأرض انشقت لي فسخت فيها ، وقلت : أعوذ بالله من
سخط الله وسخط رسول الله ، يا رسول الله استغفر لي فلن أبغضن علياً عليه السلام أبداً ، ولا
أقول فيه إلا خيراً ، فاستغفر له النبي صلى الله عليه وآله.

وفي الشافي للشريف المرتضى : 3 | 243 :


وروى الثقفي قال : حدثني محمد بن علي ، عن عاصم بن عامر البجلي ، عن نوح
بن دراج ، عن محمد بن اسحق ، عن سفيان بن فروة ، عن أبيه قال : جاء بريدة حتى
ركز رايته في وسط أسلم ، ثم قال : لا أبايع حتى يبايع علي ، فقال علي عليه السلام : يا بريدة
أدخل فيما دخل فيه الناس ، فإن اجتماعهم أحب إليّ من اختلافهم اليوم.

وروى ابراهيم ، عن يحيى بن الحسن بن الفرات ، عن ميسر بن حماد ، عن موسى
بن عبد الله بن الحسن قال : أبت أسلم أن تبايع وقالوا : ما كنا نبايع حتى يبايع بريدة ،
لقول النبي صلى الله عليه وآله لبريدة : علي وليكم من بعدي.

فقال علي عليه السلام : يا هؤلاء إن هؤلاء خيروني أن يظلموني حقي وأبايعهم ، أو
ارتدت الناس ، حتى بلغت الردة أحداً ، فاخترت أن أظلم حقي ، وإن فعلوا ما فعلوا.

وقال في هامشه : بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي ، صحابي
أسلم هو وقومه ـ وكانوا ثمانين بيتاً ـ عند مرور رسول الله صلى الله عليه وآله بهم في طريقه إلى
المدينة ، وبقي في أرض قومه ، ثم قدم المدينة بعد أحد ، فشهد بقية المشاهد ،
وسكن البصرة أخيراً ، ثم خرج غازياً الى خراسان فأقام بمرو ، وأقام بها حتى مات ،
ودفن بها

( اُسد الغابة 1|175 )

.

وفي الاحتجاج للطبرسي : 1 | 97 :


وعن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام : جعلت
فداك هل كان أحدٌ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه
مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله ؟

[112]

قال : نعم ، كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلاً. من المهاجرين : خالد بن
سعيد بن العاص ، وكان من بني أمية ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد
بن الأسود ، وعمار بن ياسر ، وبريدة الأسلمي.

ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان ، وسهل ، وعثمان ابنا حنيف ، وخزيمة بن ثابت
ذو الشهادتين ، واُبيّ بن كعب ، وأبو أيوب الأنصاري.

قال : فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم ، فقال بعضهم لبعض : والله لنأتينه
ولننزلنه عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله.

وقال آخرون منهم : والله لئن فعلتم ذلك إذاً أعنتم على أنفسكم ، فقد قال الله
عزوجل : ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة ، فانطلقوا بنا الى أمير المؤمنين عليه السلام
لنستشيره ونستطلع رأيه.

فانطلق القوم الى أمير المؤمنين بأجمعهم ، فقالوا يا أمير المؤمنين تركت حقاً أنت
أحق به وأولى به من غيرك ، لأنا سمعنا رسول الله يقول : علي مع الحق والحق مع
علي يميل مع الحق كيف ما مال.

ولقد هممنا أن نصير اليه فننزله عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، فجئناك لنستشيرك
ونستطلع رأيك فما تأمرنا ؟

فقال أمير المؤمنين : وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حرباً ، ولكنكم كالملح
في الزاد وكالكحل في العين ، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم
مستعدين للحرب والقتال ، وإذا لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك ، فلابد لي من أدفع
القوم عن نفسي ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وأله أوعز إليّ قبل وفاته وقال لي
: يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي ، وإنك مني بمنزلة
هارون من موسى ، وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه ، والسامري ومن اتبعه !

فقلت : يا رسول الله ، فما تعهد إليّ إذا كان ذلك ؟

[113]

فقال : إذا وجدت أعواناً فبادر اليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً كف يدك
واحقن دمك ، حتى تلحق بي مظلوماً... الخ.

فانطلقوا بأجمعكم الى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ، ليكون ذلك أوكد
للحجة وأبلغ للعذر ، وأبعد لهم من رسول الله صلى الله عليه وآله إذا وردوا عليه.

فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يوم الجمعة ، فلما صعد أبو
بكر المنبر ، فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص... قال : إتق الله يا أبا بكر فقد
علمت أن رسول الله قال ونحن محتوشوه يوم بني قريظة حين فتح الله له...الخ.

ثم قام اليه بريدة الأسلمي فقال :

إنا لله وإنا اليه راجعون ، ماذا لقي الحق من الباطل ! يا أبا بكر أنسيت أم تناسيت
وخدعت أم خدعتك نفسك أم سولت لك الأباطيل ، أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله
من تسمية علي بإمرة المؤمنين والنبي بين أظهرنا ، وقوله له في عدة أوقات : هذا
علي أمير المؤمنين وقاتل القاسطين ؟!

إتق الله وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها ، وأنقذها مما يهلكها ، واردد الأمر الى من
هو أحق به منك ، ولا تتماد في اغتصابه ، وراجع وأنت تستطيع أن تراجع ، فقد
محضتك النصح ، ودللتك على طريق النجاة ، فلا تكونن ظهيراً للمجرمين...الخ.

وفي تأويل الآيات | 465 :


ويؤيده ما ذكره في تفسير الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام قال : إن رسول
الله صلى الله عليه وآله بعث جيشاً وأمر عليهم علياً عليه السلام ، وما بعث جيشاً قط وفيهم علي عليه السلام إلا
جعله أميرهم ، فلما غنموا رغب علي عليه السلام أن يشتري من جملة الغنائم جارية وجعل
ثمنها من جملة الغنائم ، فكايده فيها حاطب بن أبي بلتعة وبريدة الأسلمي وزايداه ،
فلما نظر إليهما يكايدانه ويزايدانه انتظر الى أن بلغت قيمتها قيمة عدل في يومها
فأخذها بذلك.

فلما رجعا الى رسول الله صلى الله عليه وآله تواطآ على أن يقولا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله فوقف

[114]

بريدة قدام رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : يارسول الله ألم تر الى علي بن أبي طالب أخذ
جارية من المغنم دون المسلمين ؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فجاء عن يمينه
فقالها ، فأعرض عنه ، فجاء عن يساره فقالها ، فأعرض عنه.

قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضباً لم ير قبله ولا بعده غضباً مثله ، وتغير لونه وتربد
وانتفخت أوداجه ، وارتعدت أعضاؤه ، وقال :

مالك يا بريدة آذيت رسول الله منذ اليوم ؟!

أما سمعت قول الله عز وجل : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا
والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً. والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا
فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا.

فقال بريدة : ما علمت أني قصدتك بأذى.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أو تظن يا بريدة أنه لا يؤذيني إلا من قصد ذات نفسي ؟ أما
علمت أن علياً مني وأنا منه ، وأن من آذى علياً فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ،
ومن آذى الله فحق على الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم !

وفي اختيار معرفة الرجال : 1 | 308 :

وبهذا الاسناد : عن أبان ، عن فضيل الرسان ، عن أبي داود قال : حضرته عند
الموت ، وجابر الجعفي عند رأسه ، قال فهم أن يحدث فلم يقدر ، قال ومحمد بن
جابر أرسله ، قال فقلت : يا أبا داود حدثنا الحديث الذي أردت.

قال : حدثني عمران بن حصين الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر فلاناً وفلاناً أن
يسلما على علي عليه السلام بإمره المؤمنين ، فقالا : من الله ومن رسوله ؟! ثم أمر حذيفة
وسلمان فسلما ، ثم أمر المقداد فسلم ، وأمر بريدة أخي وكان أخاه لأمه.

فقال : إنكم قد سألتموني من وليكم بعدي ، وقد أخبرتكم به ، وقد أخذت عليكم
الميثاق !!

**


/ 21