فاطمة الزهراء و ترفی غمد نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فاطمة الزهراء و ترفی غمد - نسخه متنی

سلیمان کتانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


الاختلاط و الامتزاج و الالتحام، مما اضفى على العروبه اطارا موحدا لكل هولاء الذين اندمجوا فى خط تاريخى بعيد الغور، سحيق المدى، و ثيق التفاعل.

لهذا جاء الفتح قى صدر الاسلام- تحمله القرابه- سهلا هينا. و حيث كانت القرابه اكثر و فره كان القبول بالاسلام اكثر يسرا.

على الخط الذى كان يصل مكه بالشام كانت القافله الكبيره تسير- قافله خديجه ....

اكبر القوافل


و كانت على الخط قافله خديجه- لم تكن الاولى بين القوافل، لا بجوده رحالها و لا بانتظام سمتها.

و لطالما نظم عقدها (ميسره) فعرج بها على يثرب ليمسح عن اوراكها اوحال الغبار، و ينفض عن كتفيه و عثاء السفر، ليعود فيستانف السير فى قلب البوادى على حدو اصم، ناشف الخف، يابس الوتر، لينكب فى وادى سرحان مستانسا بنسيمات رطيبه تنزلق اليه على طول هذا الساحل المتاخم للبحر الاحمر، ليشرف- بعد طول عناء- على البواسق الغوطيه و الخامل السندسيه التى تفترشها بلاد الشام.

اجل- لم تكن قافله خديجه القافله الاولى بين مكه و الغوطه، او بين مكه و العراق، فطالما شاهد وادى الرمه و بريده نجد خطوط القوافل منساقه على حدو رتيب تساجلته اوديه الجزيره، و استعذبته آذان الابل.

و لكن قافله خديجه هى القالفه التى تسصبح عين القوافل، هى التى ستفقه معنى الانفتاح، هى التى ستنتقل بالاحتكاك من مفهومه التجارى المادى المحدود الى انطلاقه الخير الواسع المفتوح- الى المدى الرحب- الى المدى الارحب الذى يوسع اجواء الجزيره.

اجل، اجواء الجزيره- الجزيره بالذات، الواسعه، المفتوحه، الهائمه الحدود- المتراميه الاطراف: من خليج العدن الى الخليج الفارسى، الى خليخ العقبه- من حضر موت، الى الاحقاف- الى الربع الخالى، الدهماء، الى الحجاز، الى تيماء النفوذ... مع كل ما فيها و ما عليها من عشائر و قبائل و انماط عيش و وراثات تقاليد.

كل ذلك الوسع كان اضيق من ان يجمع شعبا و يسبغ عليه لونا مجتمعيا سمح الاهاب رتيب القيافه.

و تغير لون القافله، لقد بقى فيها (ميسره) ليمشى فى عيرها. اما الامين محمد،فلقد حل فيها ليشعل النار فى اوتادها، ليحرق اطنابها على الدروب، ليذربها رمادا فى سماء الجزيره، قطرات ندى فوق احقافها و نفوذها و دهمائها- ليصبح صوت (بلال) قرار الحدو بين حداتها.

قافله محمد


و التهبت قافله خديجه: بلفته عين، بهمسه قلب، بومضه روح، بشعاع ما لمس ساكبه حتى سطع وهجه، بشعور ما لمح حسه حتى اج سعيره.

و انتدب محمد لقياده القافله... ما عرج على يثرب الا لياخذ حفنه من الترابه التى امتصت رفاه ابيه، هناك ثوى «عبداللَّه» و هو يقود قافله مكه صوب المناهل،و لكنه مات صديانا، و الى مكه لم يرجع.

ثم مشى محمد، و هو يعرف كيف يمشى، و مشى معه التوق و الايمان، و اختفى من امامه السراب فى ظل غمامه، لقد امتصت الحفنه التى فى يديه من بقايا ابيه- اوهام الرحيل و اعباء الطريق، لقد ادرك فى مثوى ابيه سر الشهاده...

لقد تمكن من هضم العناء فى السير الطويل- ان الجزيره التى مشت- منذ الاف السنين- على درب القوافل، لم تجن- قط- ثمره اتعاب المسير على حدو الرواحل، ذهبت فى عطش و لم توب مره على غير عطش.

اماه (ميسره) فسيظل فى يده مقود عير القافله، و سيبقى مشدوها بين يدى رجل مشى الخط الطويل و لم يتعب، لان «ميسره» الذى كان يمشى بقدميه و اوصاله، هو غير «محمد» الذى كان ينتقل بفكره و خياله.

و سيعود «ميسره» الى مكه عطشانا- لان ما دفع الى السير من مكه كان ثقل السراب، اما «محمد» فان السراب كان تحت قدميه لما مشى، و سيعود بكل غمامه تمحو من جو الجزيره اظلال السراب.

و لقد وجد فى جو الشام سرابا- فوق بردى و فوق شواطى ء الاردن لمح السراب... لقد مات «عيسى» مخنوقا فوق صليب، من وطاه السراب هذا تنفخ به فى الجو غطرسه روما... لقد كانت العبوديه فى الشام ذياك السراب... شهد له بذلك- على طريق - الراهب «بحيرا».

و رجع «محمد» يلقى بين يدى خديجه جنى القافله... و رنت اليه بعين،

و حدبت عليه بقلب، و حنت اليه بروح، و ضمته بشوق، لقد ادركت- من عينيه- تصميم العقل و عزم البطوله.

و رمت تحت قدميه كل ما ردت عليها- من قبل- اعقاب القوافل و القت بين يديه احلال المصير.

خديجه


و قلب خديجه كان يتلفع بالسراب، على ظما فى الفكر و فى الروح و على لوعه الواقف على المفرق الحائر، و على حنين موود، كانه عناق الخيال فى الكرى او مداعبه الطيف فى الخاطر.

تلك احاسيس النفس يحجبها عن مدى الشوق ستار و عن تذوق الحق ازار... و ما كانت التقاليد الموروثه فى مجتمع خديجه لينيلها حق التعبير عتن مدى الشوق فى نفسها الا فى نطاق مكبوت كان له الواد بالمرصاد ان فات الحدود.

هكذا تلقطت خديجه بالافق المبهم تتلهى عن الرجال بشد الرحال و تلجم النهى بمناجاه السهى.

و فى اللحظه التى وجدت فيها منطلقا للارداه كسرت الطوق و ثارت على التقاليد،و كان لها من الحق ما اعتصمت به على الاقدام و التحقيق.

كان ذلك صادقا فى نفسها و فى ايمانها، لذلك كانت لها قوه الاقناع لانه كان لها من ايمانها كل الاقتناع.

هكذا يتعين الحق اذ يترسخ الايمان به، و لن يلوى عن الحق عنان اذا دل عليه صدق الايمان.

لقد خفق الحب فى قلب خديجه، و فيه من الصدق مدافق، و فيه من الحياه تعابير الحياه عن نفسها: من صدق الوجدان و صدق العقل و صدق الاراده.

لقد فجر الحب فى قلب خديجه عقل وسعته التجارب فاصبح فى وجودها تلك المصفاه التى تنقى فيها العواطف من املاح الجسد لهذا كان حبها فى غمرته نقيا صافيا، لانه حب لم ينزلق الى القلب من الشرابين الا بعد ان مر على العقل فى مصافيه،و هذا هو الحب الذى يخلد فى غمرته.

هكذا احبت خديجه محمدا: ملامح نور لا ملافح نار، رجاحه عقل لا غضاضه عود- احبته بعقل الاربعين لا بغفله التسع، و لا بنزوه العشرين- احبته فى

اراده التعبير، فانساقت هى اليه و لم تسق- ولكل امراه فى تنسيق الزواج: بين ان تسوق نفسها و بين ان تساق- بشير سعاده او نذير شقاء- تلك هى حريه الاراده ينبثق منها صدق الميل و صدق التعبير فى انشاء العقد الاجتماعى الصحيح الجذور.

و كان لخديجه- من قبل- زواج باكر لم يمتعها الا بارتشاف السراب لانه كان اراده مشلوله و قلبا موودا، كان فى نشقه الحس و تعقيم الشعور، كان سوقا و لم يكن شوقا، كان تسييرا و لم يكن تعبيرا، كان عاده و تقليدا، و لم يكن رايا و توليدا، كان و ادا و لم يكن و قدا، كان وزارا و لم يكن ازرا، كان كسبا و لم يكن حبا.

لهذا وقفت- بعد ان فرط الموت هذا- الرباط- حيرى على المفرق التائه، تعالج قلبها بكف جف ملمسها، و تحنو عليه بعين خف لموعها، و راحت معه تتلهى على طريق القوافل.

و اصبح لها على الدرب الطويل رغبه الكاشف و خبره الدليل، مع لمح الذكى و فطنه النبيه.

و تمت لها- فى محمد- هديه القلب الى المعين، و كان لها من صدق الحسن ارتكاز الاراده على عاطفه مجلوه، لهذا لم تتردد- فى ثوره على التقاليد- و اقبلت تعرض هى على محمد- تجسيد هذا الحب، و صب هذا الحنين فى قالبه و استمطار هذه الديمه من مجاريها.

و تضاءلت بين يدى حبها الكبير مجاهيد دنياها، و ذاب من تحت عينيها بريق الذهب، ذلك كان ايمان الحب بالحب، و ذلك كان التجريد الذى اختفى من تحته و هج السراب.

اما الامين محمد- فانه ما استجاب لهذا الحب الذى مرت عليه البواكير، الا و هو يشعر بان قلب خديجه لم تخفق- الا اليوم- فيه بكارته، و لقد خفق معه العقل فتوحدت فيه الخلجتان.

و لم يلمح على جبين خديجه غضون الاربعين، و فى عينيها كانت تطوف فتوه الروح و صلابه العزم- و هو الوحيد المدرك ان الجسد ثويه الروح و لا قيمه له الا بها.

و ها هو اليوم- فى غمره شبابه، و فى ربيعه الخامس و العشرين- ما نقرت على عوده بعد نغمه فيها من الحب المستطاب كالنغمه التى وجلت بها خديجه الى كيانه، لا بلونها و لا بعمقها: فلقد كانت جريئه كانها البطوله فى اقتحام الحصون، و باهره كانها لمعان السيف سحب لاول مره من غمده.

و لقد وجد فى هذا الحب ثروه ذابت فى كنز، كانها الهشيم لا يجمع الا ليحرق فى كل ليل هابط، استجماعا لدف ء او استناره لقرى.

هكذا القت خديجه- بين يديه، على بساط هذا لوله- ثروه نبذت قيمتها لتجعلها وسيله بلوغ الى اهداف، كانها الشموع التى لا تذاب الا فى اضاءه المحاريب.

البيت الجديد


و رفت على البيت الجديد سعاده فيها من الندى كل طراوه- و راح السكون يغلف كل عشيه و كل سحر.

و درجت فى باح البيت- على التوالى- ثمرات هذا الزواج الهانى: من رقيه الى ام كلثوم و من زينب الى الوسيمه الزهراء.

و كانت هناك- فى الركن السموح- زاويه كانها المظله، يدرج فيها ايضا فتى صبوح كانه بدايه الصبح من خلف الافق، فتى ضمه العطف الى كنف ابن عمه، فربى فيه كما يربو القلب فى حنوه الضلوع، انه الفتى على.

و مع كل سجو اصيل كانت تشهد العشايا انسلال طيف الى غار لا يعود منه الا فى ظل سحابه.

و شب البيت على تلك الرهافه: على دعابه لاهيه كانها البراءه و على صمت خافق كانه الارتقاب، فكل ما فى البيت جوانيس، و كل ما فى البيت جو رهيب، يلمسه الحنان بكف و يخشعه الجلال بجبين، ياخذه الحيا بمرح و تضبطه المهابه بايحاء،فهو جو يشبه الافق: قريب من الارض و عن الارض بعيد.

هكذا مدت بن هذا البيت و (غار حراء) سلك مزدوج البطانه: هذى حرير و تلك اثير.

و عاج بالبيت هذا الحرير، و غام البيت بهذا الاثير.

و عمق الحب حتى لمعت به العين.

و عظم الاجلال حتى عمق به الصمت.

و عز الوصف، فالبيت بيت النبى.

القافله الجديده


لقد مات ميسره- خنقته اغبره الطريق!

و عير القافله. اختنق- بمقوده البالى اختنق!.

لقد بقيت هناك بعض النوق باركه تجتر لعابها و تترام على فصلانها، بانتظار من يهمزها الى سير جديد.

و لن تهمز هذه المره على الحدو العتيق، و لن يستشار- فى اقلاعها- لا راى المنجمين و لا ضرب القداح، و لن تلجا الى اجتناب كل نهار محرور او كل ليل مقرور، و لن تكون موسميه منتظره او جانبيه مبتسره- ولن يعرج بها- تيمنا- بين يدى العزى او تحت اقدام هبل، و لن يشد بها حبل من سراب او وتر من تراب، ولن يغذ السير فيها جهد عقيم او عزم قاحط.

كل شى ء قد اعد للقافله الجديده- فى غار حراء-: لقد شد لها العقل، و الشوق،و الايمان- الفكر، و العزم، و البصيره- و تاملات كانها الغوص، و انفتاحات كانها لانعتاق، و استراحات كانها الانطلاق، و تصاميم كانها البطولات، و عبقريه هى كل الارتكاز.

كل شى ء تهيا- لقد هتف النداء:

«ايها المدثر- قم فانذر».

/ 14