دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة - نسخه متنی

عباس زریاب الخوئی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ما تجدر الاشارة اليه هو
قولهم: ان ولادة الرسول(ص) كانت في
عام الفيل، اذ من الطبيعي ان تتخذ الاحداث المهمة
التي تبقى
الى امد في اذهان الناس ومحاوراتهم كمبدا للتاريخ،
وعام الفيل، وهو العام الذي حدثت فيه حملة ابرهة،
كان حدثا
مهمايليق بان يكون مبدا لتاريخ ولادته(ص) غير ان
الموجود
هو ان عام الفيل لا يطابق تماما عام (570 م)، ففي هذا
العام
تقريباسقطت حكومة (الحبشيين) في اليمن بايدي
الفرس(وهرزديلمي) مع العلم ان الاحباش بقوا يحكمون
في
شبه الجزيرة العربية بعد عام الفيل لمدة، فحكم
اليمن اثنان
من اولاد ابرهة بعد وفاته، ومن هذه الناحية لم
تتفق
جميع الروايات على ان عام ولادته(ص) كان هو عام
الفيل.

قال الكلبي مثلا: ان عام الفيل كان قبل ولادة
الرسول(ص)
ب(23) سنة، ونقل عن مقاتل انه كان قبل ولادة النبي
ب(40)عاما«94».

وبالنتيجة فان التلفيق بين الروايات واحتساب العام
الذي
ولدفيه يؤديان الى ان يكون عام (570 م) هو عام
ولادة الرسول(ص) وقد يكون ذلك هو الواقع فعلا.

اما كون الرسول ولد في عام الفيل، وان عام الفيل هو
(570
م)فهذا ما لا يمكن الركون اليه، بل قد يكون امرا
بعيدا على
ضوءالاختلافات التي نقلت في تاريخ عام الفيل.

فقد اعتبر المسعودي عام الفيل موافقا لسنة 882
بتاريخ
ذي القرنين«95».

وبما انهم قالوا: ان ولادة
الرسول كانت
في ربيع الاول وبعد خمسين يوما من واقعة الفيل،
وبما ان
هذه الواقعة (اي حملة ابرهة) كانت قد حدثت في يوم
الاثنين 17محرم عام 882 اسكندري (او ذو
القرنين سلوكي)«96».

فعلى ضوء هذه الارقام
والحسابات،
توصلواالى نتيجة مفادها ان ولادة الرسول(ص) كانت في
العام
(570م).

بينما توصل السهيلي«97» الى ان ولادته المباركة
كانت
في 20 نيسان (ابريل) المطابق لشهر ربيع الاول، علما
ان
هذاالتاريخ كان قبل الغاء النسي ء، وقد اشرنا
سابقا الى ان
العرب كانوا يطبقون الاشهر القمرية على السنة
الشمسية من
اجل تثبيت موسم السوق التجارية، ولهذا اتفق شهر
ربيع الاول
مع شهر نيسان.

مصادر سيرة الرسول(ص) قبل البعثة:name="link64">
لا توجد بين ايدينا معلومات وفيرة عن حياة
الرسول(ص)
بين ولادته وبعثته التي تمتد الى فترة طويلة تقدر
طبقا
للمشهورباربعين عاما، وقد سجل لنا اهل السير بعض
الحوادث
عن ولادته(ص) ورضاعه، وسفره الى الشام مع عمه،
ومشاركته
في حرب الفجار وحلف الفضول، وكذلك عن زواجه
من خديجة، ومشاركته في ترميم الكعبة وحله لازمة
رفع
الحجرالاسود.

وقد جرى قسم من هذه الاحداث جريا
طبيعيا
لاينطوي على امور خارقة للعادة او معاجز، بينما
تضمن
القسم الاخر احداثا فيها كرامات وامور خارقة
للقوانين
السائدة ومعاجز، ولا نجد نحن المسلمين مانعا من
قبول كل
هذه المعاجز والخوارق، وليس هناك من مبرر لردها
وانكارها
بعدان آمنا ان الرسول(ص) مبعوث الهي يحظ ى برعاية
اللّه
القادرعلى كل شي ء وعنايته.

اما اذا لوحظت هذه
الحوادث
بالمنظارالتاريخي المحض وفي ضوء ما جرت عليه السنن
الالهية في ربط الامور باسبابها الطبيعية، فاننا
يمكن ان نجد
تفسيرا آخرلهذه الروايات التي تتحدث عن امور خارقة
للعادة،
ويمكن اعتبارها نوعا من التمثيل والرمز، واذا ما
حاولنا في هذا
الكتاب توجيه هذه الروايات المبنية على المعاجز
وجهة تمثيلية
رمزية بما يتسع له المجال فاننا نقوم بذلك من اجل
ان لا يفقد
هذاالمجهود بعده التاريخي العام، ويتحول الى كتاب
ديني محض.

فالكتاب الديني يكتب عادة لاهل الديانة خاصة، اما
الكتاب التاريخي الذي يجب ان يكتب بطريقة اخرى
تحفظ
له شموليته وعموميته، فلا يختص باهل ديانة معينة،
وبذلك سوف لا يقف التعصب حائلا دون قراته، لهذا لا
ينبغي
الربط بين اعتماد المؤلف وتاكيده على توجيهه هذه
الحوادث
وجهة طبيعية، وبين معتقداته الدينية التي لا
تختلف عن
معتقدات عامة المسلمين.

وفاة عبداللّه ومرحلة الرضاعة:
كان عبداللّه والد الرسول(ص) قد ذهب في احدى
القوافل التجارية الى الشام، وترك خلفه زوجته
آمنة، وهي
حامل برسول اللّه، في مكة، وفي طريق عودته مرض
فبقي عند
اهل ام ابيه عبد المطلب، وظل هناك حتى فارق الحياة.

بناء
على القول المشهور فان الرسول(ص) كان ما يزال في
بطن امه
عندوفاة ابيه عبداللّه، بينما قال آخرون: انه كان
له من
العمر(28)شهرا حين وفاة والده، وهناك قول ثالث: بانه
كان
ابن سبعة اشهر«98».

وكانت العادة قد جرت على ان
يقوم
اشراف مكة بايداع اطفالهم عند مرضعات في البادية
لينشاوا
ويتربوافي تلك البيئة النقية، والدليل على ذلك ما
جاء في
طبقات ابن سعد: «انه قدم مكة عشر نسوة من بني سعد بن
بكر يطلبن الرضاع، فاصبن الرضاع كلهن الا حليمة
بنت عبداللّه
بن الحارث، فعرض عليها رسول اللّه(ص) فجعلت تقول:
يتيم
ولامال له، وما عس امه ان تفعل؟ فخرج النسوة
وخلفنها،
فقالت حليمة لزوجها: ما ترى؟ قد خرج صواحبي، وليس
بمكة
غلام يسترضع الا هذا الغلام اليتيم، فلو انا
اخذناه، فاني اكره
ان نرجع الى بلادنا ولم ناخذ شيئا، فقال لها زوجها:
خذيه
عسى اللّه ان يجعل لنا فيه خيرا، فجاءت الى امه
واخذته
منها،ووضعته في حجرها، فدر ثدياها وتدفقا لبنا،
فشرب
رسول اللّه(ص) حتى روي وشرب اخوه، وكان اخوه لا
ينام
من الغرث، فقالت امه: يا ظئر، سلي عن ابنك، فانه
سيكون
له شان، واخبرتها ما رات وما قيل لها فيه حين
ولدته، وقالت:
قيل لي ثلاث ليال: استرضعي ابنك في بني سعد بن بكر،
ثم
في آل ابي ذؤيب، قالت حليمة: فان ابا هذا الغلام
الذي
في حجري ابو ذؤيب، وهو زوجي، فطابت نفس حليمة
وسرت بكل ما سمعت، ثم خرجت به الى منزلها، فحدجوا
اثاثهم،فركبت حليمة وحملت رسول اللّه(ص) بين يديها،
وركب الحارث شارفهم، فطلعا على صواحبها بوادي
السرر،
وهن مرتعات، وهما يتواهقان، فقلن: يا حليمة ما
صنعت؟
فقالت:اخذت واللّه خير مولود رايته قط، واعظمهم
بركة.

قالت النسوة: اهو ابن عبدالمطلب؟ قالت: نعم! قالت:
فما رحلنا
من منزلنا ذلك حتى رايت الحسد من بعض نسائنا».

غسل القلب وتطهيره:
طبقا للروايات الواردة في سيرة ابن هشام وطبقات ابن
سعدوتاريخ الطبري: «انه لما بلغ(ص) اربع سنين كان
يغدو
مع اخيه واخته في البهم قريبا من الحي، فاتاه
الملكان هناك
فشقا بطنه واستخرجا علقة سودا فطرحاها، وغسلا
بطنه بماء
الثلج بطست من ذهب، ثم وزن بالف من امته فوزنهم،
فقال
احدهماللاخر: دعه، فلو وزن بامته كلها لوزنهم»«99».

وقد ذكرت هذه الرواية في تفسير سورة (الشرح) وجاء
في سورة
اخرى على لسان موسى وهو يدعو ربه (رب اشرح لي صدري)
«طه: 25»، وتشير الاية الكريمة من ورا
المعنى اللفظ ي الى
معان مجازية عميقة، منها سعة الصدر،
وانشراح القلب لتحمل
الهموم الكبار، وبعد النظر، والاستقامة
على الطريقة، وتطهير
القلب من هوى النفس ونزغ الشيطان ليصبح مهيا
لاستقبال
الاوامر والنواهي الالهية.

اما ما ذكرته تلك الروايات من اخراج القلب وتطهيره،
فيبدوانها
كانت تشير الى معان رمزية حول طهارة قلب
الرسول(ص)وما
ينبغي ان يكون عليه النبي(ص) من طهر وسلامة
وسعة صدر
وخلوص نية، ولا ينبغي ان نحمل هذه الروايات
على معانيها
اللفظية وحسب، والا فان هذا القلب الذي في الصدر
لايمثل الا
عضلة لضخ الدم لتستمر الحياة، اما شؤون
النفس وقواها
الروحية فيبدو ان مكانها الظاهري الدماغ، او
الاصح والادق
ليس لها مكان مادي خاص.

وفاة آمنة وعبد المطلب:
كان الرسول(ص) في السادسة من عمره حين فارقت امه
آمنة الحياة، ويقال: انها كانت قد تركته(ص) في يثرب
عند اهل
ام عبد المطلب وقد توفيت في طريق عودتها الى مكة في
(الابوا)بين مكة والمدينة، وتقول الرواية: ان مرضعة
الرسول
(ام ايمن) كانت ترافقه، وهي التي عادت به الى مكة
بعد
وفاة امه«100».

وتولى عبد المطلب امر الرسول(ص) بعد وفاة امه،
وبقي الرسول في رعايته الى حين وفاته في الثمانين
من
عمره،وقيل: في المائة والعشرين من عمره، وكان عمر
الرسول(ص)حينئذ ثمانية اعوام، ويقال: ان عبد المطلب
كان
قد اوصى اباطالب ان يتولى امر رسول اللّه(ص) من بعده
لكونهما(ابوطالب وعبداللّه والد الرسول) ابني عبد
المطلب من
ام واحدة.

عناية ابي طالب برسول اللّه(ص):
لقد احسن ابو طالب رعاية ابن اخيه رغم فقره وحاجته،
وتنقل الروايات قصصا غريبة عن مدى الحاجة والعوز
اللذين
كان عليهما ابو طالب، بينما هناك روايات تصف ابا
طالب بانه
كان من اهل التجارة والثروة، وكان كثير السفر الى
الشام
لاغراض تجارية، وفي روايات اخرى انه كان تاجر عطور
ويتاجر
احيانابالقمح«101».

وتنقل الروايات ان ابا طالب كان قد اصطحب
الرسول(ص)في
احدى اسفاره التجارية الى الشام، وكان عمره آنذاك
اثني عشر
عاما، وبهذا فاننا لا نملك الا ان نتامل قليلا في
تلك الروايات
التي تتحدث عن فقر ابي طالب وعوزه بعد ان كان من
تجار
قريش واشرافها.

قصة بحيرا:
شاهد احد الرهبان المدعو (بحيرا) رسول اللّه(ص) في
سفره الى
الشام مع عمه ابي طالب في بصرى من اعمال الشام
ولمح فيه
علامات النبوة، فاسر الامر الى عمه ابي طالب وحذره
من كيد
اليهود وحثه على رعايته وحمايته من شرهم.

ولو لمحنا شيئا من المبالغة في رواية (علامات
النبوة)
وفي اخبار (بحيرا) عن الغيب، ولكن لا يمكننا انكار
حقيقة
ان الرسول(ص)، وبغض النظر عن منزلته الالهية
العليا، كان
ذاشخصية يمتاز بها عن اقرانه واترابه، وبناء على
هذا فلن
يكون تشخيص مثل تلك العلامات الكبرى، التي تنبى
بمستقبل لامع، امرا صعبا او استثنائيا من قبل عالم
روحاني
كبحيرا.

وكثيرا ما نصادف في حياتنا تنبؤات عن بعض الاطفال
الاذكياءالمميزين، ثم يتبين فيما بعد صدق تلك
التنبؤات
وعدم ابتعادها عما يتحقق في الواقع بصورة عامة.

فقد تكون الرواية صحيحة من حيث الاصل، وان (بحيرا)
تنبافعلا لهذا الصبي النابغة بمستقبل عظيم، فاوصى
عمه
بضرورة المحافظة عليه والاهتمام بتربيته وحراسته
من كيد
الاعدا، اماتفاصيل القصة وجزئياتها فقد تكون من
اضافات
الرواة.

ايام الفجار ومشاركة الرسول(ص) فيها:
الفجار على مرحلتين، عرفتا ب(الفجار الاولى) و
(الفجارالثانية)، وسميت بالفجار لانها وقعت في
الاشهر الحرم،
في الموسم الذي يفتتح فيه سوق عكاظ، وكان السبب
الاصلي
لهاهو هتك حرمة الاشهر الحرم.

والفجار مشتقة من
(الفجور)،اذ كثيرا ما تتغلب طبائع العرب في الغزو
والاغارة
على الحدودوالاعراف التي وضعتها القبائل العربية
والتزمت
بالحفاظ عليها.

ولا يعرف تاريخ هذه الحرب بشكل دقيق ولا يوجد بين
ايديناتفاصيل كاملة عن مجرياتها، اذ لم يدون
تاريخها الا بعد
فترة طويلة من وقوعها، اي في القرن الاول والثاني
الهجريين،
فمن الطبيعي ان يحفل مثل هذا التاريخ بالاختلافات
والتناقضات.

قال اصحاب السير: ان الرسول(ص) شارك في
هذه الحرب في مرحلتها الثانية، ويقول الاصفهاني:
ان ايام
الفجار الثانية كانت عبارة عن يوم نخلة، ويوم
الشمطة، ويوم
العبلاء، ويوم عكاظ، ويوم الحرة«102».

واستمرت لاربع
سنوات متواصلة«103».

وكانت كل واحدة منها تبدا
في
موسم سوق عكاظ، اما طرفا النزاع فهما قريش
والمتحالفون
معها من جانب، وقبائل هوازن من جانب آخر.

ويقول صاحب الاغاني في الصفحة نفسها: «ان
الرسول(ص)شارك في الحرب في جميع فصولها الا في يوم
(نخلة)، من السنة الاولى»، ولكنه نقل عن ابي عبيدة
ان رسول
اللّه كان قدشارك في يوم (نخلة) ايضا، وكان عمره
اربعة عشر
عاما، وكانت مشاركته في دعمه لاعمامه ومساندته
لهم في
الرمي، اي بتزويدهم بالنبل، وينقل عن الرسول(ص)
قوله:
«كنت انبل اعمامي».

وجاء في تفسير ذلك ان الرسول
كان
يجمع النبل القادم من العدو ويجعله في متناول
اعمامه.

وذكر صاحب الاغاني ان عمر الرسول كان وقتئذ
(28)سنة«104».

وهذا ما يصعب تصديقه، لان الرجل اذا
بلغ كان هذا العمر فستكون مشاركته بالحرب مشاركة
مباشرة،
ولايكتفي بجمع النبل واحضاره للمقاتلين!
ويقول ابن الاثير: «ان الرسول كان له من العمر عشرون
عاماايام تلك الحرب»، وهذا بدوره لا يمكن تصديقه
للسبب عينه.

كانت قريش قد هزمت في يوم (نخلة) ولاذت بالحرم،
ولهذاالسبب، وبسبب حلول الليل ايضا توقفت الحرب.

وينقل
ابن الاثير عن الزهري قوله: ان الرسول لم يشارك في
هذه الحرب، فلو كان حاضرا لما هزمت قريش، غير ان
ابن
الاثيريرد على هذا التعليل، ويقول: ان اصحاب
الرسول(ص)
كانواقد هزموا بعد بعثته كما في احد مثلا فكيف لا
يمكن
ان يهزموا قبل البعثة«105».

وقال صاحب الاغاني: «ان الرسول اشترك في يوم
(الشمطة»)(في السنة الثانية في الفجار الثانية)
وينقل عن
الرسول قوله:«انه ما حمل على ناحية الا وهزم من كان
فيها»،
ويضيف في ص 64: ان الرسول شارك في جميع معارك حرب
الفجار الافي يوم (نخلة) كانت مشاركته بتحضير النبل
لاعمامه، وكان عمره عشرين عاما، وكذلك اشترك في
حرب
الابوا المعروفة بمعركة (ملاعب الاسنة) وكان قد
اصيب فيها».

ويحتمل كثيرا ان يكون الرسول(ص) قد اشترك فعلا في
هذه الحروب بناء على صحة القولين المنقولين
عنه(ص)،
احدهما:«كنت انبل على اعمامي»، والاخر: «ما سرني
اني لم
اشهده،انهم تعدوا على قومي، عرضوا عليهم ان يدفعوا
اليهم
البراض صاحبهم فابوا»«106».

يمكن الجمع بين الروايات، التي تذهب الى انه كان
صغيرا
لم يشترك في الحرب بصورة مباشرة، وبين الروايات
التي
تدعي مباشرته للحرب كاي مقاتل آخر، بالقول ان
المجموعة
الاولى من الروايات تتعلق ببداية الحرب، والتي
كان
عمرالرسول(ص) حينها في حدود الاربعة عشر او الخمسة
عشرعاما، حيث اقتصر في مشاركته على مساعدة اعمامه
في
تحضيرالنبل، اما المجموعة الثانية فتتعلق باواخر
الحرب حيث
بلغ حينها الثامنة عشر او اكثر، ولم يعد يكتف بتلك
المشاركة،
بل اصبح يقاتل بصورة مباشرة.

اما سبب رضا الرسول عن مشاركته في الحرب
وادانته لخصوم
قريش فيها اي (هوازن) رغم ان (البراض) الداخل
في جوار
قريش كان فاسقا وخمارا وقاتلا، فربما يعود
لاصرار(هوازن)
على تسلم البراض بالقهر لتنزل به القصاص
وتقتله،ورفضوا كما
يفهم من مضمون الروايات، وان لم يظهر ذلك فيها
بشكل
صريح قبول الدية، وبادروا الى الحرب دون تورع عن
سفك
الدماء وقتل المزيد من الناس«107».

حلف الفضول ومشاركة الرسول(ص) فيه:
تم التوصل الى (حلف الفضول) بعد عودة قريش من
حرب الفجار، وكان الرسول(ص) حينها قد بلغ العشرين
من
عمره الشريف، ويبدو ان هذا الحلف الذي ابرم في شهر
ذي
القعدة كان افضل واشرف حلف عقده عرب الجاهلية
على الاطلاق.

وقيل: ان الرسول(ص) كان حاضرا حين ابرام الحلف في
بيت عبداللّه بن جدعان، ونقل عنه(ص) قوله: «ما احب
ان
لي بحلف حضرته بدار ابن جدعان حمر النعم واني اغدر
به،هاشم وتيم تحالفوا ان يكونوا مع المظلوم ما بل
بحر
صوفة،ولو دعيت به لاجبت، وهو حلف الفضول»«108».

لقد
عقدهذا الحلف لاخذ حق المظلوم من الظالم في مكة،
فكان
لايامن العربي ولا غيره على ماله هناك، وكان من بين
من
اشتهرمن قريش بالاغارة على اموال الناس: العاص بن
وائل
السهمي(ابو محمد بن العاص) الذي اخذ مالا لشخص من
بني
زبيدولم يدفع ثمنه، فشكا الزبيدي امره الى حلفائه
وكان منهم
بنوسهم، فلم يكتف هؤلاء الاحلاف وهم (بنو عبد الدار
ومخزوم وسهم وعدي وجمح) بعدم نصرته بل اعانوا
عليه،
فلجاالزبيدي الى جبل قبيس، وكان قد وصل الى هناك
قبل
طلوع الشمس، وبينما كان القرشيون يطوفون حول
الكعبة
نادى الزبيدي بظليمته وطلب النصرة من قريش، وكان
من
بين الذين سمعوا نداه اعضاء حلف المطيبين، اي بنو
هاشم وبنو
زهرة وبنو تيم، فاجتمعوا في منزل عبداللّه بن
جدعان، وكان
من اشراف قريش واغنيائها، فتعاهدوا على ان يقفوا
الى
جانب المظلوم وينازعوا الظالم حتى ياخذوا الحق
منه«109».

وذكرت
هذه الرواية سببا آخر لحلف الفضول وهو
التنازع على مناصب بني عبد الدار.

الزواج من خديجة:
كانت خديجة بنت خويلد بن اسد بن عبد العزى قد
تزوجت من
رجلين قبل زواجها من رسول اللّه(ص)، احدهما (ابو
هالة التميمي)، وقد انجبت منه ولدا اسمه هند، دخل
الاسلام
فيمابعد وكان من البدريين، وقد روى عنه الامام
الحسن
بن علي(ع) حديثا واصفا اياه ب (خالي).

وشهد هند مع
اميرالمؤمنين معركة الجمل، وقتل فيها، وانجبت
خديجة
من زوجها الثاني (عتيق بن عابد المخزومي) بنتا
اسمتها هند
ايضا،(هوند اسم مشترك بين الذكور والاناث).

وتشرفت
هي الاخرى بالاسلام.

كانت خديجة على قدر كبير من الثراء، وكثيرا ما كانت
تستاجرالعمال وترسلهم في قوافل تجارية الى الشام
وغيرها
من الاسواق.

وطبقا للرواية التي اوردها ابن سعد
في طبقاته«110»: لما بلغ رسول اللّه(ص) خمسا
وعشرين
سنة قال له ابو طالب: «انا رجل لا مال لي، وقد اشتد
الزمان
علينا،وهذه عير قومك وقد حضر خروجها الى الشام،
وخديجة
بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيرها، فلو جئتها
فعرضت نفسك عليها لاسرعت اليك»، وبلغ خديجة ما كان
من محاورة عمه له، فارسلت اليه في ذلك وقالت له:
«انا
اعطيك ضعف مااعط ي رجالا من قومك».

قال: اخبرنا عبداللّه بن جعفر الرقي، قال ابو طالب:
«يابن
اخي،قد بلغني ان خديجة استاجرت فلانا ببكرين،
ولسنا
نرضى لك بمثل ما اعطته، فهل لك ان تكلمها؟» قال:
«ما
احببت!»فخرج اليها فقال: «هل لك يا خديجة ان تستاجري
محمدا؟فقد بلغنا انك استاجرت فلانا ببكرين، ولسنا
نرضى
لمحمددون اربع بكار» قال: «فقالت خديجة: لو سالت ذاك
لبعيدبغيض فعلنا، فكيف وقد سالت لحبيب قريب؟».

واخيرا ذهب الرسول(ص) الى الشام في قافلة
تجارية لخديجة،
ورافقه في سفره هذا غلام لها يدعى ميسرة، وقدفتح
اللّه على
يد رسوله، فكانت رحلة تجارية ناجحة وصفقة رابحة،
فاعجبت
خديجة باخلاق رسول اللّه وامانته خلال السفر،
وزادها قناعة
غلامها ميسرة الذي نقل لها اعجابه هوالاخر برفيقه
وما لاحظه،
من امور تستدعي التقدير والثناء، فماكان منها الا
ان اعربت عن
رغبتها بالزواج منه، ولما بلغ احدالاشخاص الرسول(ص)
ذلك
استجاب لهذه الرغبة، فقام عماه ابو طالب وحمزة
بخطبة
خديجة من عمها عمرو بن اسدوتم الزواج.

وكان الرسول
قد بلغ
(طبقا للروايات) الخامسة والعشرين من عمره حينها
فكان
يصغرها بخمسة عشر عاما.

وقد تحدثت الاخبار عن معاجز وكرامات
حصلت للرسول(ص)
في سفره هذا الى الشام، وعن نبوءات تنبا بهاراهب
مسيحي
يدعى (نسطور) حول نبوته(ص)، نقول بشانهاما سبق منا
الاشارة اليه، وهو اننا لا نرى في تنبؤ
الرهبان بمستقبل شاب
لفت الانظار بحدة ذكائه وعلو همته وشدة استقامته،
امرا خارقا
للعادة، بل ذلك امر ميسور لكل انسان يتمتع بقدر
بسيط من
الذكاء والفراسة.

لكن ان يتنبا رجل دين مسيحي بنبوة انسان غريب، قد
يكون ذلك امرا مستبعدا.

اما اذا كان الغرض من الحاق
هذه
القصة بالرواية المذكورة هو التدليل على صدق
النبوة، او
للفخروالاعتزاز، فان الرسول غني عن مثل هذه
الشهادات،
وغيرمحتاج لتلك المفاخر، وله من افعاله واقواله
خير دليل
على صدق نبوته، وقيلها جميعا القرآن الكريم.

والملفت في رواية الزواج من خديجة هو رغبة هذه
المراة،التي
هي من اشرف واغنى نساء قريش، بالزواج منه(ص)،وهذا
دليل
على علو منزلته وجلال قدره وطيب سمعته.

فمع ماله من
شرف الحسب والنسب غير انه كان فقيرا لا يملك
من حطام
الدنيا شيئا.

اما اعمامه فقد بلغ فيهم الفقر في
حينها حداحاروا
معه في اعالته(ص).

فلا يمكن لمن هذه حاله ان يستقطب
اهتمام الناس ويكسب احترامهم وتقديرهم الابالخلق
الحسن
والمعاملة الطيبة والمودة للناس.

لقد بلغ
رسول اللّه(ص)
المنزلة الاجتماعية المرموقة التي جعلت امراة
من اشرف واغنى
نساء قريش تعرض الزواج عليه(ص).

وقد وردت تفاصيل كثيرة في موضوع هذا الزواج، ومنها
ماقيل:
«ان خويلد ابا خديجة سقي من الخمر حتى اخذت فيه ثم
دعا
محمدا(ص) فزوجه».

نقول ان الامر الذي دفع خديجة الى طلب الزواج
من الرسول(ص) هو مكانته الاجتماعية واشتهاره في
مكة
بالصادق الامين، وذلك لم يدع مجالا للتردد امام
ابي خديجة
ولم يكن بحاجة لان يلجا الى السكر لاصدار
الموافقة، كما اننا لم
نعثرعلى ما يشبه هذه الحادثة في قريش، ولو صحت تلك
الرواية فسيحكم على هذا الزواج بالفساد والبطلان
في وقته.

فالرواية تكذب نفسها بنفسها، ويحتمل ان تكون مما
دسه اعداء
بني هاشم، وخصوصا اعداء ابناء فاطمة(ع)
والعلويين،فان
فاطمة ومن ثم اولاد الرسول(ص) وائمة الشيعة انما
كانواحصيلة هذا الزواج.

اولاد الرسول(ص) من خديجة:
روى ابن سعد«111» عن هشام بن محمد الكلبي عن
ابن عباس، قال: «كان اول من ولد لرسول اللّه(ص) بمكة
قبل
النبوة القاسم، وبه يكنى، ثم زينب، ثم رقية، ثم
فاطمة، ثم ام
كلثوم،ثم ولد له في ا»سلام عبد اللّه فسمي الطيب
والطاهر،
وامهم جميعا خديجة بنت خويلد بن اسد بن عبد العزي
بن
قصي،وامها فاطمة بنت زائدة بن الاصم، وكان اول من
مات
من ولده القاسم، ثم مات عبداللّه بمكة، فقال العاص
بن وائل
السهمي:قد انقطع ولده فهو ابتر، فانزل اللّه تعالى:
(ان شانئك
هو الابتر)«الكوثر: 3».

مشاركة الرسول(ص) في ترميم الكعبة:
ان الرسول(ص) كان قد ساهم في شبابه وقبل بعثته في
ترميم بناء الكعبة، وقد وقع اختلاف في تقدير
وتحديد
عمرالرسول(ص) حينئذ، حيث قال الازرقي: «ان
الرسول(ص)كان غلاما» واضاف الازرقي: «فنقلوا
الحجارة
ورسول اللّهيومئذ غلام لم ينزل عليه الوحي، ينقل
معهم
الحجارة على رقبته، فبينا هو ينقلها اذ انكشفت عزة
كانت عليه
فنودي يامحمدعورتك، وذلك اول ما نودي واللّه اعلم،
فما
رؤيت لرسول اللّه(ص) عورة بعد ذلك... فشد رسول
اللّه(ص)
ازاره، وجعل ينقل معهم»«112».

وقال ابن اسحاق: «فلما بلغ رسول اللّه(ص) خمسا
وثلاثين سنة، اجتمعت قريش لبناء الكعبة»«113».

ويعتقد ان رواية ابن اسحاق هي الاصح، فسنرى ان
الرسول حين اختير ليحكم في قضية الحجر الاسود
والاختلاف
الذي وقع فيمن ينال شرف رفعه، قالوا: «هذا الامين»
وذلك
لاينسجم مع كونه طفلا او غلاما.

وقد وقع اختلاف ايضا في اسباب ترميم الكعبة، فقال
ابن سعد:
«كانت الجرف مطلة على مكة، وكان السيل يدخل
من اعلاها
حتى يدخل البيت فانصدع، فخافوا ان ينهدم»«114».

وروى الازرقي في تاريخ مكة: «ان امراة تجمر
الكعبة،فطارت
من مجمرتها شرارة فاحترقت كسوتها، وكانت
الكسوة عليها
ركاما بعضها فوق بعض، فلما احترقت الكعبة
توهنت جدرانها
من كل جانب».

وذكر الازرقي في المصدر نفسه قضية
السيل.

وكانت جدران الكعبة قصيرة على ما يبدو، كما ان
بنيانها
كان من الحجر الذي وضع دون ملاط يشده الى البعض،
حيث جاء في سيرة ابن هشام«115»: «انها كانت رضما
فوق القامة، فارادوا رفعها وتسقيفها ولهذا وقعت
تلك
السرقة المعروفة للكعبة، حيث جاء في الصفحة نفسها
من سيرة
ابن هشام، ان نفرا سرقوا كنزا للكعبة، وقيل ان ابا
لهب
عم الرسول(ص) وعدوه اللدود كان احد المشاركين في
هذه السرقة.

كان باب الكعبة ملاصقا للارض، وبحيث يمكن الدخول
الى داخلها، ويبدو ايضا ان الكعبة لم يكن لها سقف،
وكان
البحرقد رمى بسفينة الى جدة لرجل من تجار الروم
فتحطمت،واخذوا خشبها، فاعدوه لتسقيفها، واذنوا
لاهلها اي
اهل السفينة ان يدخلوا مكة فيبيعون ما معهم من
متاع على ان
لايعشروهم، وكانوا يعشرون من دخلها من تجار الروم،
ويقول ابن هشام: «وكان بمكة رجل قبط ي نجار فتهيا
لهم في
انفسهم بعض ما يصلحها»«116».

وفي رواية اخرى للازرقي: انه كان في السفينة رومي
نجار
بناءيسمى باقوم كان قد ساعدهم في بنائها«117».

وبعد تهيب وخوف من غضب اللّه، قامت قريش بهدم
جدران الكعبة، قال الازرقي: «فلما وضعوا ايديهم في
بنائها
قالوا: ارفعوابابها من الارض واكبسوها حتى لا
تدخلها السيول
ولا ترقى الابسلم، ولا يدخلها الا من اردتم، ان
كرهتم احدا
دفعتموه،ففعلوا ذلك وبنوها بساف من حجارة وساف من
خشب بين الحجارة حتى انتهوا الى موضع الركن
فاختلفوا في
وضعه،وكثر الكلام فيه، وتنافسوا في ذلك، فقال بنو
عبد مناف
وبنوزهرة: هو في الشق الذي وقع لنا، وقالت تيم
ومخزوم: هو
في الشق الذي وقع لنا، وقالت سائر القبائل: لم يكن
مما
استهمناعليه فقال ابو امية المغيرة: يا قوم، انما
اردنا البر، ولم
نرد الشر،فلا تحاسدوا ولا تنافسوا، فانكم اذا
اختلفتم تشتتت
اموركم وطمع فيكم غيركم، ولكن حكموا بينكم اول من
يطلع
عليكم من هذا الضح.

قالوا: رضينا وسلمنا فطلع رسول
اللّه(ص)فقالوا: هذا الامين قد رضينا به فحكموه.

فبسط رداءه،
ثم وضع فيه الركن، فدعا من كل ربع رجلا، فاخذوا
باطراف
الثوب،فكان من بني عبد مناف عتبة بن ربيعة، وكان في
الربع
الثاني ابو زمعة بن الاسود، وكان اسن القوم، وفي
الربع
الثالث العاص بن وائل، وفي الرابع ابو حذيفة بن
المغيرة، فرفع
القوم الركن، وقام النبي(ص) على الجدار ثم
وضعه بيده»«118».

وتدل هذه الرواية على رجاحة عقل الرسول، وحسن
تدبيره،وحدة ذكائه، وكفاءته، ولا غرو في ذلك، فمن
استطاع
ان يغيرالوجه الاجتماعي والسياسي لجزء مهم من
العالم
المتحضر،لا بد ان يكون له مثل هذا العقل وتلك
الكفاءة، ولا
نجد مبررالرد الرواية وعدم قبولها.

وكما اوضحنا فان ارتفاع الكعبة كان بحدود تسعة اذرع
ولم يكن
لها سقف، وانما تدلى الكسوة على الجدار من
الخارج وتربط من
اعلى الجدار من بطنها«119».

وقال الوليد بن المغيرة اثناء البناء: «لا تدخلوا
في عمارة
بيت ربكم الا من طيب اموالكم، ولا تدخلوا فيه مالا
من ربا،
ولامالا من ميسر، ولا مهر بغي، وجنبوه الخبيث من
اموالكم،
فان اللّه لا يقبل الا طيبا، ففعلوا، ثم وقفوا عند
المقام، فقاموا
يدعون ربهم ويقولون: «اللهم ان كان لك في هدمها رضا
فاتمه».

ولكن ما جمعوه من النفقة لم يكن كافيا البيت كله،
لانهم
لم ياخذوا من الاموال الحرام خصوصا اموال الربا،
والسرقة فتشاوروا في ذلك، فاجمع رايهم على ان
يقصروا عن
القواعد،ويحجروا مايقدرون عليه من بناء البيت
ويتركوا بقيته
في الحجر، وعليه جدار مدار يطوف الناس من ورائه،
ففعلواذلك، وجعلوا في بطن الكعبة اساسا يبنون عليه
من
شق الحجر ستة اذرع وشبرا، فبنوا على ذلك، فلما
وضعوا
ايديهم في بنائها قالوا: «ارفعوا بابها من الارض
واكبسوها حتى
لاتدخلها السيول ولا ترقى الا بسلم، ولا يدخلها الا
من
اردتم،ان كرهتم احدا دفعتموه»، ففعلوا ذلك وبنوها
بساف
من حجارة وساف من خشب بين الحجارة«120».

فبنوا اربعة اذرع وشبرا، ثم كبسوها ووضعوا بابها
مرتفعا
على هذا الذرع، ورفعوها بمدماك خشب ومدماك حجارة،
حتى بلغوا السقف، فقال باقوم الرومي: «اتحبون ان
تجعلوا
سقفهامكبسا او مسطحا؟»، فقالوا: «بل ابن بيت ربنا
مسطحا».

قال:«فبنوه مسطحا، وجعلوا فيه ست دعائم في
صفين، في كل صف ثلاث دعائم من الشق الشامي الذي يلي
الحجر الى الشق اليماني، وجعلوا ارتفاعها ثمانية
عشر ذراعا...
وزوقواسقفها وجدرانها من بطنها ودعائمها، وجعلوا
في
دعائمها صورالانبياء وصور الشجر وصور الملائكة،
فكان فيها
صورة ابراهيم خليل الرحمن وهو شيخ يستقسم
بالازلام،
وصورة عيسى ابن مريم وامه»، ويبدو ان هذه الصور من
اعمال
الروم المسيحيين وخاصة صورة عيسى ومريم عليهما
السلام
والافان القرشيين مشركون ولا يعتقدون بالمسيحية.

وقيل: «لما كان يوم فتح مكة دخل رسول اللّه(ص)
فارسل الفضل بن العباس بن عبد المطلب، فجاء بماء
زمزم، ثم
امربثوب وامر بطمس تلك الصور فطمست، قال: ووضع
كفيه على صورة عيسى ابن مريم وامه عليهما السلام،
وقال:
امحواجميع الصور الا ما تحت يدي فرفع يديه عن عيسى
ابن
مريم وامه ونظر الى صورة ابراهيم فقال: قاتلهم
اللّه، جعلوه
يستقسم بالازلام، ما لابراهيم وللازلام»«121».

سيرة الرسول (ص) من البعثة حتى
الهجرة
موقف الرسول من عقائدوعادات قومه قبل
البعثة
ان ما وصل الينا من حوادث عن حياة الرسول(ص) تعتبر
قليلة جدا، ولا تمثل سجلا وافيا لاربعين عاما او
اكثر
من حياة حافلة بالاحداث كحياة الرسول(ص)، ويبدو
ان اكثر الذين روواسيرته ونقلوها الى الناس لم
يعاشروا الرسول(ص) ولم يرافقوه طيلة حياته فهناك
فقط قلة من اصحابه(ص) رافقته منذالبعثة وحتى
الهجرة، غير ان تقدم سنهم لم يمهلهم الى حين بدا
الرواة والمحققون حملتهم لتدوين تفاصيل الحياة
النبوية بناء على رواية الصحابة الاوائل، وجعلها
في
متناول الناس، بل توفوا قبل مرحلة التدوين او
استشهدوا في المعارك والغزوات التي وقعت خلال
حياة الرسول(ص).

كان احد هؤلاء ابا بكر بن ابي قحافة الذي رافق
الرسول(ص)فترة طويلة جدا، وكان قرينه في السن
تقريبا، غير
انه لم يعش بعد الرسول(ص) سوى سنتين، بينما قتل
الصحابي
الاخرحمزة، عم الرسول واخوه بالرضاعة، في معركة
احد،
ودفنت معه احداث وذكريات مهمة، اما الامام علي بن
ابي
طالب(ع)فلم يكن له من العمر حين البعثة النبوية سوى
عشرة
اعوام،فهو لا يستطيع استحضار تفاصيل الاحداث التي
عاشهاالرسول(ص) ايام شبابه بصورة كاملة.

ورغم كل هذا فاننا يمكن ان نهتدي بذلك القدر
المحدود
من الاحداث التي ثم تدونيها الى المقام الذي كان
عليه الرسول(ص) من حسن الخلق، وحدة الذكاء، ورجاحة
العقل والتدبير، وشدة حبه للخير، ومثال ذلك ما
قاله(ص)
حول حلف الفضول.

ويستشف من بعض الروايات التي نقلت هنا وهناك
ان الرسول(ص) كان دائم التفكير والتامل في واقع
قومه
قبل البعثة، وفي الوقت الذي كان يرفض فيه كل
المظاهر
والاخلاق والاعراف الباطلة، كان يراعي تقاليدهم
الدينية بالقدر
الذي لاتترك معه اي اثر في نفسه، وبعبارة اخرى كان
يتجنب استفزازهم والظهور بمظهر التحدي لهم دوما،
ومن
البديهي ان ذلك لا يعني قبول عبادة الاصنام
واقرارها، او العمل
بماجرى عليه الناس من اعراف جاهلية قبيحة، فهم
برغم اعتقادهم بسوء تلك العادات، مثل الزنا
والغزو وارتكاب
القتل والسرقة وقطع الطريق وما الى ذلك، غير انهم
كانوا لا
يمتنعون عنها، وقد مرت الاشارة الى هذا المعنى في
مسالة
تجديد بناءالكعبة حيث قيل انهم كانوا لاينفقون على
هذا البناء
من اموال الربا والسرقة او من اموال القمار
والزنا، ولهذا كانت
الاموال التي تجمع لهذا الغرض قليلة.

كان الرسول(ص) في موقفه من دين قومه يراعي
ظواهرالامور،
فنحن نعلم ان الكعبة كانت تغص بالاصنام، وان
العرب اعتادوا
على الطواف حولها، يوميا او كل عدة ايام،
سبعة اشواط، وكان
الرسول قبل البعثة، وفي كل مرة يعود فيها
من التحنث
والانقطاع في غار حراء، يذهب قبل كل شي ء
الى البيت ويطوف
حول الكعبة، ثم ينصرف الى ممارسة شؤون حياته
العادية«122».

التحنث في غار حراء:
مرت الاشارة سابقا الى ان هناك
جماعة من مكة ابوا متابعة دين
آبائهم، واعتزلوا قومهم وما يعبدون، وذهبوا يبحثون
عن دين
افضل، فاعتنق ثلاثة من هؤلاء الديانة المسيحية،
وهم:عثمان
بن الحويرث، وورقة بن نوفل، وعبيداللّه بن جحش،اما
الشخص
الرابع، وهو زيد بن عمرو بن نفيل، فقد ظل على حيرته
حتى
وافاه الاجل، وكان زيد بن عمرو بن نفيل قد واجه اذى
من عمه
الخطاب ابن نفيل، فاضطر الى الابتعاد والالتجاءالى
جبل حراء،
الذي يبعد عن مكة مسافة ثلاثة اميال«123».

وقد روى ابن اسحاق انه كان يوجد في جبل حراء غار
تذهب اليه
قريش ايام تحنثها«124».

والتحنث يعني (التبرر)، وقيل: هو التعبد واعتزال
الاصنام.

وقال ابن سيده: «وهذا عندي على السلب، كانه ينفي
بذلك الحنث، الذي هو الاثم، عن نفسه، كقوله تعالى:
(ومن
الليل فتهجد به نافلة لك) «الاسراء: 79» اي انف
الهجود عن
عينك،ونظيره تاثم وتحوب، اي نفى الاثم والحوب،
وللعرب
افعال تخالف معانيها الفاظها، يقال: فلان يتحنث من
كذا، اي
يتاثم منه، وقوله: يتحنث من كذا، اي يفعل فعلا يخرج
به
من الحنث، وهو الاثم والحرج»«125».

اما عن كيفية هذا التحنث الذي كانت تفعله قريش
والاسباب التي تدعوها اليه، فهذا ما لا نملك
معلومات كافية
عنه، ووردفي رواية لابن اسحاق: «ان رسول اللّه(ص)
كان قبل
البعثة يتحنث شهرا كاملا في كل سنة في غار حراء،
وكان يطعم
كل فقير ياتيه».

ويضيف ابن اسحاق قائلا: «وكان مما
تتحنث
به قريش ايام الجاهلية».

ولم توضح العبارة بالدقة
ما اذا
كانت قريش تتحنث شهرا في كل سنة ايضا، وهل تتحنث
قريش جميعها، (وهو احتمال بعيد) او بعضها؟.

كما ان
الرواية لم
تبين جهات اخرى لهذا التحنث، فربما كانت هناك
اماكن
اخرى للتحنث غير جبل حراء.

وجاء في هذه الرواية، ان الرسول(ص) كان يعود بعد شهر
من التحنث الى مكة، وقبل ان يباشر اي عمل يذهب
ويطوف حول الكعبة سبعة اشواط وبعدها ينصرف الى
بيته.

وهكذاكان رسول اللّه(ص) يكرر هذا العمل في كل عام
حتى
نزل عليه الوحي، وبعثه اللّه نبيا، وكان ذلك في
شهر رمضان.

وهناك رواية اوردها الطبري عن ابن شهاب الزهري، عن
عروة بن الزبير، عن عائشة، وقد نقلتها عن رسول
اللّه(ص)
بصيغة المتكلم مرة وبصيغة الغائب مرة اخرى، قالت:
«كان اول
ماابتدى ء به رسول اللّه من الوحي الرؤيا الصادقة،
كانت
تجي ءمثل فلق الصبح، ثم حبب اليه الخلاء، فكان
بغار حراء
يتعبدفيه الليالي ذوات العدد، ثم يرجع الى اهله
فيتزود لمثلها،
حتى فجاه الحق، فاتاه جبريل فقال: يا محمد، انت
رسول
اللّه.

فجثوت لركبتي ثم رجعت ترجف بوادري، فدخلت
على خديجة، فقلت: زملوني زملوني، ثم ذهب عني الروع.

ثم اتاني فقال: يا محمد انت رسول اللّه، قال: فلقد
هممت
ان اطرح نفسي من حالق، فتبدى لي حين هممت بذلك،
فقال:
يامحمد، انا جبريل وانت رسول اللّه.

قال: اقرا، قلت:
وما
اقرا؟فاخذني فغتني ثلاث مرات حتى بلغ مني الجهد، ثم
قال:
(اقراباسم ربك الذي خلق) فقرات، فاتيت خديجة، فقلت:
لقداشفقت على نفسي، واخبرتها خبري، فقالت: ابشر،
فواللّه
لايخزيك اللّه ابدا، فواللّه انك لتصل الرحم،
وتصدق
الحديث،وتؤدي الامانة، وتحمل الكل، وتقري الضيف،
وتعين
على نوائب الحق.

ثم انطلقت بي الى ورقة بن نوفل، وهو ابن عمها، وكان
قدتنصر
وقرا الكتب وسمع من اهل التوراة والانجيل،
فقالت:اسمع من
ابن اخيك، فسالني فاخبرته خبري، فقال: هذاالناموس
الذي
انزل على موسى بن عمران، ليتني كنت حياحين يخرجك
قومك.

قلت: امخرجي هم؟، قال: نعم، انه لم يجى ء احد مثل ما
جئت به
الا عودي، ولئن ادركني يومك لانصرنك نصرا مؤزرا.

ثم ان اول ما نزل عليه من القرآن بعد (اقرا)، (ن
والقلم
ومايسطرون) و(ياايهاالمدثر) و(الضحى).

تشتمل الرواية السابقة على نقاط مهمة ينبغي
الاشارة
اليهاتباعا.

اول هذه النقاط الرؤيا الصادقة، او قولها: كان اول
ما ابتدى
به رسول اللّه من الوحي الرؤيا الصادقة، والرؤيا
الصادقة هي الرؤيا
التي تتجسد وقائعها وما شاهده النائم فيها على
الواقع حقيقة،
ولكن لا يمكن ان يصدق مثل هذا المعنى على مانحن فيه،
فان
مثل هذه الرؤى تتكرر وتشيع، ثم ما هو وجه الشبه
بينها وبين
فلق الصبح؟
النقطة الثانية قول الرواية: ان اول ما نزل على رسول
اللّه(ص)من القرآن الكريم (اقرا باسم ربك) اذن ما
الذي نزل
في تلك الرؤيا الصادقة التي كانها فلق الصبح؟
لا يمكن اعطاء اجابات صحيحة ودقيقة على هذه
الاسئلة، اذلم
يسبق لاحد الالتفات اليها، او انه قد التفت اليها
لكنه تركهادون
اجابة، او انني لم اطلع على الاجابات، واعترف
بعدم اطلاعي
على معلومات كثيرة قالها او سجلها علماء السيرة.

اما ما يمكن ان يقال عن قولها: «اول ما ابتدى به
رسول اللّه(ص) من الوحي الرؤيا الصادقة.

فان
الرواية قد تكون
في صدد بيان مقدمات الوحي لا الايات نفسها التي
نزلت عليه(ص)، او تلك المقدمات التي كانت نتيجة
تفكيره
العميق بالعالم والخالق ومصير الانسان، وباقي
المسائل التي
كشفت له، ليس عن طريق الوحي و(القول) و(الكلام)
و(القرآن)،وانما بالطريقة التي يمكن ان يصل اليها
كل
المفكرين والمتعمقين بمسائل الكون وقضايا الخلق
والانسان،
وتنكشف لهم بواسطتها حقائق مهمة وخطيرة.

كالتفكر الذي قاده الى الاقتناع ببطلان الدين الذي
كان
عليه قومه ومعاصروه، وجعله متيقنا بضلالتهم،
وقاطعا بعدم
جدوى تلك الاصنام وعجزها عن النفع او الضر.

لقد ثبت
له
ان الشمس والقمر والليل والنهار كلها موجودات
مسيرة لا
تملك الا ان تجري ضمن نظام شامل وضعته لها قوة هي
اعلى
واقوى من هذه الموجودات واشرف منها جميعا.

لقد اتضح لرسول اللّه(ص) ان تلك الاعمال السيئة
والافعال القبيحة كلها، التي كان يقوم بها اهل مكة
وباقي العرب
من الفسق والفجور والحرب والجدال والغزو واكل
المال
بالباطل واحتقار النساء وواد البنات، نابعة من
اخلاق فاسدة
صنعهاهؤلاء واعتادوا عليها، ولا سبيل لاصلاح
اوضاعهم
الاجتماعية وتبديل قيمهم الاخلاقية وتزكية
نفوسهم
وتطهيرها الا بنظام جديد، ودين الهي يندفعون الى
تطبيقه،
من خلال ايمانهم واعتقادهم الراسخ به.

لقد آمن الرسول(ص) ان لا سبيل الى توحيد العرب
وانقاذهم من حالة الانحطاط التي كانوا عليها ما
دامت القيم
القبلية والعصبيات العنصرية تحكمهم وتسيطر
عليهم، كما آمن
ايضا،قبل بعثته، ان الطريقة الوحيدة التي يمكن من
خلالها
تغييراوضاع الناس وانقاذهم من حالة التخبط
والضياع، انما
تكمن في رجوعهم الى اللّه تعالى وايمانهم به وحده
دون
غيره،ليشرع لهم من الدين ما يمكن ان يبدل ضعفهم
قوة،
وتمزقهم وحدة، وضلالهم هدى ورشادا، وحينها لن
تستطيع
قوة اخرى قهرهم واستعبادهم واستضعافهم.

لقد كانت هذه الكشوفات والرؤى تمثل مقدمة
وتوطئة للوحي،
وهي التي عبرت عنها الرواية بالقول: «اول ما ابتدى
به من
الوحي الرؤيا الصادقة كانت تجي ء مثل فلق الصبح»،
وجاءفي
الرواية: «ثم حبب اليه الخلاء، فكان بغار حراء
يتعبد
فيه الليالي».

والتحنث كما قلنا حالة روحانية كان
يصل اليها
بعض اهل مكة احيانا فيقومون اضافة الى تادية
عباداتهم
الخاصة،كالطواف حول الكعبة، وتقديم القرابين
للاصنام، واداء
مراسم الحج، والامتناع قدر الامكان عن اللغو في
القول
وارتكاب المعاصي باعتزال الناس والذهاب الى اماكن
خاصة
يختلون فيها بانفسهم، غير انه لا يعرف الان ما هي
العوامل التي
كانت توصلهم الى مثل هذه الحالة الروحية وتمنحهم
اياها؟
جاء في رواية ابن اسحاق عن عبيد بن عمير«126»:
«ان رسول اللّه(ص) كان يذهب في كل سنة شهرا الى
هناك ويتحنث».

وجاء في رواية الطبري كذلك عن ابن
شهاب الزهري، عن عائشه، والتي نقلنا فقرات منها
قبل قليل،
ومماجاء فيها: «ثم حبب اليه الخلاء، فكان بغار حراء
يتعبد
فيه»،وقلنا ان هذا التحنث حدث للرسول(ص) بعد ما
شاهده
من الرؤيا الصادقة، او مقدمات الوحي، اما بعد نزول
الوحي
فقدانتابته حالة خاصة من الخوف والخشية، عبرت عنها
الرواية بالقول: «فلقد هممت ان اطرح نفسي من
حالق»، اي
هممت ان ارمي بنفسي من شاهق، لقد كانت نتيجة تلك
الحالة
ان دفعته الى اعتزال القوم و(التحنث) الذي ادى
بدوره،
ونتيجة التفكر العميق باوضاع الناس الاجتماعية
والدينية، الى
اكتشاف ضلال القوم وبطلان عقائدهم.

وبعد هذا الانكشاف والوضوح اللذين تما للرسول عن
حالة المجتمع اخذ يعتزل الناس اكثر ويشعر بالحاجة
الى
الاختلاءبنفسه، والاستغراق في التفكير بمصير
الانسانية وما
حصل له من حالات خاصة من التجلي، واتخاذ الموقف
المناسب من هذه المستجدات، وبينما هو على هذه
الحالة من
التحنث والتطهر والسمو الروحي، نزل عليه الوحي
الحقيقي
بصورة جبرئيل بنداء: (اقرا) فلما طرق النداء سمعه
ارتجف
جسمه كما جاء في الرواية: «فجثوت على ركبتي ثم رجعت
ترجف بوادري، فدخلت على خديجة، فقلت: زملوني
زملوني،
ثم ذهب عني الروع، ثم اتاني فقال: يا محمد، انت
رسول
اللّه.

قال: فقلت: فلقد هممت ان اطرح نفسي من حالق،
فتبدى
لي حين هممت بذلك فقال: يامحمد، انا جبريل، وانت
رسول اللّه.

قال: اقرا.

قلت: وما اقرا؟ قال: فاخذني
فغتني ثلاث
مرات حتى بلغ مني الجهد، ثم قال: (اقرا باسم ربك
الذي
خلق»فقرات، فاتيت خديجة، فقلت: لقد اشفقت على
نفسي،واخبرتها خبري، فقالت: ابشر فواللّه لا يخزيك
اللّه ابدا،
فواللّهانك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي
الامانة،
وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق،
ثم
انطلقت بي الى ورقة بن نوفل، وهو ابن عمها، وكان قد
تنصر
وقراالكتب وسمع من اهل التوراة والانجيل، فقال: هذا
الناموس الذي انزل على موسى بن عمران، ليتني كنت
حيا
حين يخرجك قومك».

وجاء في حديث آخر رواه الطبري«127» عن عبداللّه
بن شداد،
قال: «اتى جبريل محمدا(ص) فقال: يا محمد، اقرا.

فقال:
ما
اقرا؟ قال: فضمه، ثم قال: يا محمد، اقرا.

فقال: ما
اقرا؟،فقال:
فضمه، ثم قال: يا محمد، اقرا.

قال: وما اقرا؟ قال:
(اقراباسم
ربك الذي خلق خلق الانسان من علق) «العلق: 1 5»حتى
بلغ
(علم الانسان ما لم يعلم) قال: فجاء الى خديجة،فقال:
يا
خديجة، ما اراني الا قد عرض لي.

قالت: كلا واللّه
ماكان ربك
يفعل ذلك بك، ما اتيت فاحشة قط، قال: فاتت خديجة
ورقة بن
نوفل فاخبرته الخبر، فقال: لئن كنت صادقة،ان زوجك
لنبي،
وليلقين من امته شدة، ولئن ادركته لاؤمنن به»
ويفهم من
عبارة: «ما اراني الا قد عرض لي» ان هناك شعورا
بالاضطراب
والدهشة كان ينتاب الرسول(ص) في بداية نزول الوحي.

ما
عسى يكون هذا الامر المزعج؟
ان الابهام الذي ورد كما قلنا في رواية الطبري عن
عبد اللّه
بن شداد بقوله: «قد عرض لي» يمكن ان يرتفع بما ورد
في
رواية ابن اسحاق عن عبد الملك بن عبداللّه بن ابي
سفيان
الثقفي،غير اننا يجب ان نقول اولا: ان هذه الرواية
كان قد
اوردها ابن هشام بصورة ناقصة مبتورة، ولم يذكر
فيها المورد
الذي نستنداليه.

لقد ورد هذا الجزء بصورة كاملة
ومفصلة في
جزء من نص سيرة ابن اسحاق التي نشرها محمد حميد
اللّه
معتمدا على نسخة القرويين«128».

ووردت ايضا في
رواية
الطبري عن سلمة بن محمد بن اسحاق، عن وهب بن
كيسان«129»،ولم
ترد هذه النقطة ايضا في سيرة ابن هشام
في نقله لرواية وهب بن كيسان«130».

ونحن نحتمل ان تكون رواية عبد الملك بن عبداللّه
في الطبري، قد ادمجت مع رواية وهب بن كيسان، فان
اغلب عبارات الروايتين متكررة.

اما الذي ورد في كل من سيرة ابن هشام وسيرة ابن
اسحاق(نسخة القرويين) وتاريخ الطبري فهو القول بان
سورة
(اقرا)كانت اول ما نزل به جبرئيل على النبي(ص) وان
النبي
كان حين نزول هذه السورة نائما.

ففي رواية ابن هشام«131»: «فجاءني جبريل(ع) وانا
نائم،بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرا.

قال: قلت:
ما اقرا؟،
قال:فغتني به حتى ظننت انه الموت، ثم ارسلني، فقال:
اقرا.

قال:قلت: ما اقرا؟.

قال: فغتني به حتى ظننت انه
الموت....

قال:فقلت: ماذا اقرا؟، ما اقول ذلك الا افتداء منه
مخافة ان يعيد
ماصنعه بي؟، فقال: (اقرا باسم ربك الذي خلق خلق
الانسان من علق اقرا وربك الاكرم الذي علم
بالقلم علم
الانسان ما لم يعلم) «العلق: 1 5» قال: فقراتها، ثم
انتهى فانصرف
عني،وهببت من نومي فكانما صور في قلبي كتابا».

/ 13