دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة - نسخه متنی

عباس زریاب الخوئی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وجاءت الاية التالية لتقول:
(انما النسي ء زيادة في الكفر يضل به
الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا
عدة ما
حرم اللّه) «التوبة: 37».

وتوضح الاية ان النسي ء هو
زيادة
شهرواحد على اشهر السنة الاثني عشر، جاء (في لسان
العرب ذيل كلمة النساء ): (النسي ء: شهر كانت العرب
تؤخره
في الجاهلية).

اي كما نصت عليه الاية الشريفة
(زيادة في
الكفر)فقد جرى العرب ايام الجاهلية على هذه السنة
(يضل به
الذين كفروا) فبزيادتهم هذا الشهر يزدادون ضلالا،
اذ يحلون
احدالاشهر الحرم عاما ويحرمونه عاما في اشارة الى
السنة
الكبيسة(ليواطئوا عدة ما حرم اللّه) ليجعلوا الاشهر
الحرم
متوافقة مع مصالحهم واهوائهم من خلال النسي ء،
وبعبارة
اخرى ان من شان ذلك النظام (النسي ء) ان يغير مواقع
الشهور
في السنة،فيصبح شهر ذي الحجة مثلا حراما مرة وحلالا
اخرى، وهوالشهر المقدس وشهر الحج والعبادة، لينسجم
مع
مصالحهم التجارية من خلال انطباقه على فصول السنة
الشمسية، لهذااكتسب امر الغاء النسي ء اهمية قصوى
من
الناحية الدينية والاجتماعية، فببركته لم يعد
الحج مقترنا
بالتجارة، وخلص مماعلق به من شؤون الدنيا ومشاغل
الحياة
المادية، ولم تعد ايامه تحدد في موعد ثابت، وهو
الموسم الذي
تزدهر فيه التجارة وتعرض فيه المحاصيل الزراعية
والصناعية
ويكثر فيه البيع والشرا، وعلى الحجاج من الان
فصاعدا ان
يقصدوا مكة ويشدوا الرحال اليها من اجل الحج
وتادية مناسكه
واقامة هذه الشعيرة الالهية ليس الا، وبناء على
هذا تم اقفال
سوق عكاظ الى الابد، واكتسب امر الغاء النسي ء
اهميته
الاجتماعية من خلال اخراج العرب من حالة البداوة
والترحال
الى حالة الاستقرار والتحضر، اذ لم تعد التجارة
شانا موسميا
يمارسه اهل البادية في موسم معين من السنة
ويتركونه ما بقي
منها، لقداصبح على القبائل المتنقلة ان تمارس
التجارة على
مدار السنة وفي جميع الفصول.

وكان ذلك من
الانجازات
المهمة التي حققها الاسلام في حياة العرب وفتح لهم
آفاق
التمدن،وعلمهم نظم الحياة وكيفية ادارة شؤون المدن
الكبرى في آسيا وافريقيا.

اديان اخرى في مكة:
ليس لدينا معلومات عن وجود قبائل في مكة كانت قد
اعتنقت اليهودية، في الوقت الذي كانت توجد مثل هذه
القبائل
بكثرة في يثرب واليمن واطرافهما، كما كان هناك من
القبائل
العربية من دانت بالديانة اليهودية، وسياتي
الحديث في محله
عن خصومات هذه القبائل وصراعها مع الرسول(ص)، وكان
في مكة بعض المسيحيين الذين لجاوا اليها من بلاد
الروم والحبشة وبلدان اخرى.

قال اليعقوبي: «تنصر
من احياء
العرب قوم من قريش من بني اسد بن عبد العزى، منهم:
عثمان
بن الحويرث بن اسد بن عبد العزى، وورقه بن نوفل
بن اسد»«77».

وتذكر بعض المصادر التاريخية ان هناك قوما من قريش
كانواقد تزندقوا فقالوا بالثنوية.

ويقصد بالزنادقة قديما (المانويين)، ثم تحولت
الكلمة
الى مصطلح يطلق على كل من خالف الدين الاسلامي.

جاء
في المحبر ذكر بعض الاسماء (من قريش) التي اشتهر
اصحابهافي عدائهم لرسول اللّه(ص) وعبر عنهم ب
(زنادقة
قريش)،من بين هؤلاء ابو سفيان بن حرب«78».

غير
ان
ذلك يتنافى مع الشعار الذي رفعه ابو سفيان يوم احد
حيث
صاح باعلى صوته: «اعل هبل» الا اذا قلنا ان ابا
سفيان اطلق
ذلك الشعار باعتباره ممثلا لقوم كانوا يعبدون
الاصنام وهم
قريش ولا يعبر بذلك عن معتقداته المانوية.

ومن الزنادقة او المانويين الذين وردت اسماؤهم في
المحبر:العاص بن وائل السهمي، والد عمر بن العاص،
والوليد
بن المغيرة المخزومي، والد خالد بن الوليد.

وجاء في المحبر ان المانوية ديانة اقتبسها اهل قريش
من نصارى الحيرة.

على ان المانوية غير النصرانية،
وهي
ديانة مستقلة تماما عن النصرانية، وقد تكون اوجه
التشابه
بين الديانتين في قضايا الزهد والعبادة، هي التي
سببت هذا
الخلط بين الاثنتين، خصوصا ان بعض الفرق في العراق
كانت
قداخذت عقائدها من المانوية والمسيحية، الامر الذي
اوقع
بعض المؤرخين في مثل هذا الالتباس، وقد استوطن
الحيرة
قوم كان فيهم المسيحيون وعبدة الاصنام المشركون
وربما
المانويون ايضا.

يقول ابن قتيبة: «وكانت الزندقة
في قريش
اخذوها من الحيرة»«79».

ويضيف ابن قتيبة في الصفحة نفسها: ان جماعة من تميم
كانت تدين بالديانة الزرداشتية، وقد عقد صاحب
المنمق
فصلاخاصا لمن كانت امهاتهم من اليهود من ابناء
قريش«70».

وبمطالعة هذا الفصل الذي افرده المؤلف لهذا الغرض،
يتضح عدد القرشيين الذين تزوجوا يهوديات من يهود
يثرب
وخيبروغيرهم.

لكن يبدو ان احدا من هؤلاء الابناء لم
يتابع امه
في دينها، بل بقوا على ديانة آبائهم.

مراسم الزواج:
كانت العلاقة بين الزوج والزوجة، طبقا لما جاء
في المحبر«71»، على اربعة انواع:
1- امراة تخطب فتزوج.

2- امراة يكون لها خليل يختلف اليها، فان ولدت منه
قالت:«هو لفلان»، فيتزوجها بعد ذلك.

3- امراة ذات راية يختلف اليها، فان جاء اثنان
فوافياها في طهر
واحد، الزمت الولد واحدا منهما، وهذه
تدعى المقسمة.

4- رجل يقع على امة قوم، فتحمل منه ويكون لها ولد،
فان رغب في ابتياع ذلك الولد فله ان يدعيه، ويكون
له في
هذه الحالة حق شرا الامة واتخاذها زوجة له.

وكانوا يخطبون المراة الى ابيها او اخيها او عمها
او بعض
بني عمها، وكان يخطب الكف ء الى الكف ء، فان كان
احدهمااشف
من الاخر في الحسب ارغب له المهر، وان كان هجيناخطب
الى
هجين فزوجه هجينة مثله، فيقول الخاطب اذااتاهم:
«انعموا
صباحا».

ثم يقول: «نحن اكفاؤكم ونظراؤكم،
فان زوجتمونا
فقد اصبنا رغبة واصبتموها، وكنا لصهركم حامدين،وان
رددتمونا لعلة نعرفها، رجعنا عاذرين».

وان كان
قريب القرابة
منه او من قومه قال ابوها او اخوها اذا حملت
اليه:«ايسرت
واذكرت ولا آنثت! جعل اللّه منك عددا وعزاوجلدا،
احسني
خلقك، واكرمي زوجك، وليكن طيبك الماء»، واذا زوجت
في
غربة قال لها: «لا ايسرت ولا اذكرت،فانك تدنين
البعدا،
وتلدين الاعدا، احسني خلقك، وتحببي الى احمائك،
فان لهم
عليك عينا ناظرة واذنا سامعة، وليكن طيبك الماء»«72».

ومن هنا تتبين الاهمية القصوى التي كان يوليها
العرب
لشرف الشخص وحسبه ونسبه خصوصا عند تزويجه، والاهم
من ذلك ما اشرنا اليه سابقا الانتماء القبلي
ومنزلة القبيلة التي
هي اهم وحدة اجتماعية في المجتمع العربي الجاهلي
آنذاك.

وغالبا ما كان يعرف الاشخاص بقبائلهم كما
يعرف
الافراد حالياباوطانهم وجنسياتهم.

ويظهر من خلال
هذا
الاستعراض ماكانت عليه المراة من مكانة اجتماعية
متردية لا
ترقى الى مستوى الرجل باية حال من الاحوال، لذا
كان هم
الاباءوالاقرباء جميعا ان تلد بناتهم ذكورا لا
اناثا، فبهؤلاء الذكور
تنال القبيلة عزها وترفها، وبهم فقط يفتخر الاباء
لا بالبنات
مهماكثرن، علما ان التفاخر بالابناء والاباء كان
من التقاليد
المعروفة التي درج عليها العرب في الجاهلية حتى
صارت
تقليدا من تقاليدهم الدينية.

لقد جاء في القرآن
الكريم ان العرب
كانوايذكرون مفاخر آبائهم، ويعودون الى التفاخر
بها
بمجرداتمامهم لمناسك الحج، وكان يدعوهم لان يذكروا
اللّهكذكرهم آباءهم او اشد ذكرا، (فاذا قضيتم
مناسككم
فاذكروااللّه كذكركم آباءكم او اشد ذكرا)
«البقرة: 200».

لقد جرت العرب على عدم توريث النساء شيئا مما ترك
الاباءوالابناء، وكان ذلك من بين المظاهر الكثيرة
التي تدل
على احتقار المراة وهبوط درجتها في السلم
الاجتماعي
الجاهلي،فالذكور وحدهم الذين يرثون لانهم وحدهم
القادرون
على ركوب الخيل ومهاجمة الاعدا وجلب السلب
والنهب،
وهم الذين يردون كيد الاعدا عن القبيلة ويشيدون
امجادهاومكارمها ومفاخرها، هؤلاء هم وحدهم الذين
يرثون
آباءهم،اما الصغار، حتى من الذكور، فلا نصيب لهم من
الارث
قط.

جاء في بعض المصادر التاريخية ان اول شخص خرج
على هذا
التقليد الجاهلي فورث ابنته حصة من ماله تساوي نصف
ماورثه
لابنه هو (ذو المجاسر اليشكري).

هذا وقد جعل
الاسلام للبنات
والامهات نصيبا من الارث.

وفي الوقت الذي كرم فيه الاسلام المراة شجب
الاعراف الجاهلية القاضية باحتقارها وحرمانها
موقعها وحقوقها
في الحياة:(واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا
وهو
كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ايمسكه على
هون ام
يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون) «النحل: 58-59».

في الاية الشريفة اشارة الى عادة (واد البنات) التي
اشتهرت لدى العرب قبل الاسلام، فكان يلجا بعض
الاباء الى
دفن اولادهم وخاصة البنات وهم احياء، وتشير الاية
الشريفة
هناالى الاسباب الاجتماعية لذلك، والتي تتلخص
بالخوف
من العار الذي يلحق بالاب ومن ثم بالقبيلة اذا ما
وقعت
البنت بالاسر واخذتها القبائل الغازية معها، كما
يوجد هناك
سبب آخر كان هو الاخر يدفع الاباء الى دفن
اولادهم، حتى
الذكورمنهم، وقتلهم والتخلص منهم وهو الخوف من
الفقر
والجوع.

لقد شجب القرآن الكريم عملهم القبيح هذا، رفض
اسبابه قائلا:
(ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم
واياهم)«الانعام:
151».

ويقول في آية اخرى: (ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق
نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم كان خطا كبيرا)
«الاسرا: 31»،
ويشيرفي سورة التكوير الى دفن البنات احياء، ويهدد
مرتكبي
هذاالعمل بقوله عز وجل: (واذا الموؤدة سئلت باي ذنب
قتلت)«التكوير: 8-9».

واشتهر الطلاق عند العرب، وكان من يطلق زوجته
ثلاث مرات،
لا يستطيع العودة اليها بعد«73».

وكان باستطاعة النساء ان يتزوجن بعد الطلاق
مباشرة،
وليس هناك من عدة يلتزم بها، ولهذا كانت تحدث بعض
المشاكل نتيجة الاشتباه في آباء الاولاد الذين
يولدون في بيت
الزوج الثاني، ولا يعلم بالدقة من هو الاب الحقيقي
لهم، هل
هوالزوج الاول ام الزوج الثاني؟«74».

وقد استطاع
الاسلام بتشريعه لعدة النساء حل هذه المشكلة
الاجتماعية
جذريا.

اما المراة التي يتوفى عنها زوجها، فكان عليها ان
تعتد
سنة كاملة، ولا يسمح لها بالزواج قبل مرور سنة«75».

وكانت العرب لا تنكح البنات ولا الامهات ولا
الاخوات
ولاالخالات ولا العمات.

وكانت تزوج نساء آبائها،
وهو اشنع
ماكانوا يفعلون، فيقال للذي يخلف على امراة ابيه
(الضيزن).

وكان الرجل اذا مات قام اكبر ولده، فالقى ثوبه على
امراة
ابيه،فورث نكاحها، فان لم يكن له حاجة فيها، تزوجها
بعض
اخوته بمهر جديد، وقد فرق الاسلام بين رجال ونساء
آبائهم
وهم كثير«76».

وكانوا يجمعون بين الاختين، فلما جاء الاسلام نهى
عن
ذلك وحرمه.

وكانوا لا يعطون البنات والنساء ولا حتى الصبيان
شيئا
من الميراث، ولا يورثون الا من حاز الغنيمة وقاتل
على
ظهورالخيل.

ثم ذهب عرب الجاهلية الى ابعد من ذلك حيث جعلوا
للورثة الحق في تزويج المراة او عدم تزويجها، بل
كان الورثة
يرثون نكاح النساء كما يرثون المال، الى ان انزل
اللّه تعالى في
ذلك قرآنا: (ى آ ايها الذين آمنوا لا يحل لكم ان
ترثوا النساء كرها
ولاتعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) «النساء:
19».

المساعاة:
وهي احد الاعراف المشهورة في الجاهلية حيث لم
يكن العرب
يجدون مانعا من ان يضع احدهم ما عنده من الاماءتحت
طلب
الرجال مقابل اجر معين ياخذه لنفسه، ولا
تكون المساعاة الا في
الاماء لانهن كن يسعين على مواليهن فيستطعن ان
يجمعن ما
يدفعن به الضرائب التي كانت عليهن، وفي حديث عمر
انه اتي
بنساء او اماء ساعين في الجاهلية، فامرباولادهن ان
يقوموا على
آبائهم ولا يسترقوا.

ومعنى التقويم ان تكون قيمتهم
على الزناة.

فيكونوا احرارا، وتلحق انسابهم ب آبائهم الزناة.

وكان عمر يلحق
اولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الاسلام على شرط
التقويم، واذا
كان الوط ء والدعوى جميعا في الاسلام فدعواه
باطلة والولد
مملوك.

قال ابن الاثير: واهل العلم من الائمة على خلاف ذلك،
ولهذاانكروا باجمعهم على معاوية في استلحاقه زياد
ابن ابيه.

فقدكان ابو سفيان قد وط ى ء امه في الجاهلية، وتمت
الدعوى
(اي دعوى البنوة لابي سفيان) في الاسلام«77».

وقد جاء في المحبر: ومن سنتهم انهم كانوا يكسبون
بفروج امائهم، وكان لبعضهن راية منصوبة في اسواق
العرب،
فياتيهاالناس فيفجرون بها، فاذهب الاسلام ذلك
واسقطه
فيمااسقط، ولهن اولاد، ونسل كثير معروف«78».

وقال ابن قتيبة في المعارف: ان عبداللّه بن جدعان من
بني
تيم من قبيلة قريش كانت له اماء يشتغلن في
(المساعاة) وكان
يبيع اولادهن.

الشغار:
وهو احد انواع النكاح التي كانت شائعة عند العرب
قبل الاسلام،
وصورته ان يقوم ولي المراة او ابوها بتزويج ابنته
اومن تقع من
النساء تحت ولايته لرجل يقوم هو الاخر
بتزويجه ابنته او غيرها
ممن تقع تحت ولايته بدون مهر لكلتا الزوجتين،في
عملية
اشبه ما تكون بعملية التبادل المعروفة في
البضائع،وقد نهى
الاسلام عن نكاح الشغار، غير ان بعض الفقهاء
لم يفهم من هذا
النهي تحريم لهذا النوع من الزواج، وانما
قال بجوازه، اما المهر
فباطل، وبطلان المهر لا يوجب فسادالنكاح.

هذا وقد اورد البخاري حديثا في صحيحه، يتضمن نهيا
صريحاعن نكاح الشغار«79».

البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي:
ومما اعتادت عليه العرب في الجاهلية ودرجت عليه ثم
جاءالاسلام فنهى عنه: البحيرة والسائبة والوصيلة
والحامي،والسبب الذي دعا الاسلام الى شجبها والنهي
عنها هو
ارتباطهابالشرك وعبادة الاوثان، فقيل: «ان اهل
الوبر كانوا
يقطعون لالهتهم من اموالهم من اللحم، واهل المدر
يقطعون
لها من الحرث، فكان مما يجعل اصحاب الوبر ان
الناقة اذا
نتجت خمسة ابطن، عمدوا الى الخامس ما لم يكن ذكرا،
فشقوااذنها، فتلك البحيرة.

ولا يجز لها وبر، ولا
يذكر عليها ان
ركبت اسم اللّه، ولا ان حمل عليها شي ء، وكانت
البانها للرجال
دون النساء»«80».

واما اهل المدر والحرث، فكانوا اذا حرثوا حرثا او
غرسواغرسا،
خطوا في وسطه خطا فقسموه اثنين، فقالوا «ما
دون هذا الخط
لالهتهم، وما ذراه للّه» فان سقط فيما جعلوا
لالهتهم شي ء مما
جعلوه للّه عز وجل اقروه وتركوه، وان سقط مماجعلوه
لالهتهم
شي ء فيما جعلوه للّه تبارك اسمه ردوه»«81».

والبحيرة ماخوذة من كلمة بحر: (وهي الناقة اذا شقت
اذنها)،وجاء في لسان العرب انها الناقة او الشاة
التي انجبت
عشرة بطون.

ومثل هذه الناقة تكون موضع احترام
العرب، فلا
يركب ظهرها، ولا يجز وبرها، ولا يشرب لبنها الا
المنيف، ولا
يمنعهااحد من الدخول في اي مرتع شاءت، كما حرموا
على
النساءاكل لحمها، وجعلوا لها علامة تميزها عن
غيرها بان
شقوااذنها.

وقال بعضهم: انها الناقة التي انجبت خمسة بطون
آخرها
انثى،هذا وقد وردت تعريفات اخرى للبحيرة في كتب
اللغة والتفاسير والاخبار، تتفق جميعها على ان
البحيرة لا
يركب ظهرها، ولا يجز وبرها، ولا ياكل من لحمها الا
بعد ان
تكون قد حان اجلها، وقال بعضهم بتحريم لحمها
ولبنها على
النساء.

اما السائبة من الابل فهي التي تطلق عادة بعد نيل
الشفاء
اولتفريج هم كبير او للنجاة من المصيبة الكبرى
والفتنة
الشديدة،حيث تسيب ولا يركب ظهرها بعد هذا ابدا،
وهناك
تعاريف اخرى ذكرت في هذا المجال.

اما الوصيلة فما ورد من اقوال في باب البحيرة، ورد
مثله
تقريبافي تعريف الوصيلة، ومن هذه الاقوال ما جاء في
(لسان
العرب مادة وصل): ان الوصيلة: هي الشاة التي ولدت
سبعة
ابطن عناقين عناقين، فان ولدت في السابع عناقا
قيل: وصلت
اخاهافلا يشرب لبن الام الا الرجال دون النساء، وان
كانت
انثى تركت في الغنم، وان كانت انثى وذكرا قالوا:
وصلت اخاها
فلم يذبح، وكان لحمها وقيل لبنها حراما على
النساء.

وقيل: هي
الشاة التي تلد سبعة ابطن، عناقين عناقين،
فان ولدت في
الثامنة جديا وعناقا قالوا: «وصلت اخاها»،
فلايذبحون اخاها
من اجلها، ولا يشرب لبنها النساء، وتجري مجرى
السائبة.

اما
الحامي فهو الفحل من الابل يضرب الضراب المعدودة
قيل:
عشرة ابطن، فاذا بلغ ذلك قالوا: «هذاحام»، اي حمى
ظهره،
فيترك فلا ينتفع منه بشي ء، ولا يمنع من ماء ولا
مرعى.

وقيل: الحامي من الابل، الذي طال مكثه عندهم«82».

وقد نهت الاية (103) من سورة المائدة عن هذه
المسميات والمراسم التي وضعت لها لما تضمنته من
معاني
الشرك والارتباط بعبادة الاصنام، قال تعالى: (ما
جعل اللّه من
بحيرة ولا س آئبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين
كفروا يفترون
على اللّه الكذب واكثرهم لا يعقلون).

وقال تعالى:
(وقالوا ما
في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على
ازواجنا
وان يكن ميتة فهم فيه شركاء) «الانعام: 139».

وقد
ادانت
الاية(136) من سورة الانعام صورة اخرى من صور شركة
الاوثان للّه في المحاصيل الزراعية (وجعلوا للّه
مما ذرا من
الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا للّه بزعمهم
وهذا لشركائنا فما
كان لشركائهم فلا يصل الى اللّه وما كان للّه فهو
يصل الى
شركائهم ساء ما يحكمون).

الازلام:
في نهي اللّه تعالى في الاية الثالثة من سورة
المائدة عن
اتخاذالازلام كوسيلة يلجا اليها لايقاع القسمة
واجرا القرعة وما
الى ذلك من امور اعتاد عليها العرب قبل الاسلام
حيث قال
تعالى:(... وان تستقسموا بالازلام) «المائدة: 3»
والازلام عبارة
عن اسهم من الخشب ذات رؤوس مدبب وسطوحها
ملساء،تكتب عليها كلمات بعضها يدعو الى العمل
وبعضها
الاخريحذر منه وينهى عنه.

قال الازهري: «الازلام كانت لقريش في الجاهلية،
مكتوب عليها امر ونهي، وافعل ولا تفعل، قد زلمت
وسويت
ووضعت في الكعبة يقوم بها سدنة البيت، فاذا اراد
رجل سفرا او
نكاحا،اتى السادن فقال: اخرج لي زلما، فيخرجه وينظر
اليه،
فاذاخرج قدح الامر مضى على ما عزم عليه، وان خرج قدح
النهي قعد عما اراده، وربما كان مع الرجل زلمان
وضعهما في
قرابة،فاذا اراد الاستقسام اخرج احدهما».

ويعتقدون
انهم
يتوصلون ببركة الزلم والسادن الى راي الاله.

ولقد
نهى عنها
القرآن الكريم باعتبارها مظهرا من مظاهر الشرك.

الميسر:
ورد النهي عن الميسر في الاية (90) من سورة المائدة
التي شملت عن الخمر والانصاب والازلام، وقد
اعتبرت
هذه المنهيات رجسا من عمل الشيطان ما وحملت الاية
91
من السورة الشريفة نفسها على الميسر مرة اخرى لانه
يورث العداوة والبغضاء بين الناس بواسطة الشيطان:
(انما
يريدالشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في
الخمروالميسر).

والميسر نوع من القمار، يقول اليعقوبي: ان العرب
كانت اذاكان
الشتاء ونالها القحط وقلت البان الابل، استعملوا
الميسر،وهي
الازلام، وتقامروا عليها، وضربوا بالقداح، وكانت
قداح الميسر
عشرة، سبعة منها لها نصب، وثلاثة لا انصب
لها،فالسبعة التي
لها انصب هي: الفذ وله جزء، والتوام وله
جزآن،والرقيب وله
ثلاثة اجزا، والحلس وله اربعة اجزا، والنافس
وله خمسة اجزا،
والمسيل وله ستة اجزا، والمعلى وله سبعة اجزا،
والثلاثة التي لا
انصب لها اغفال ليس عليها اسم يقال لها:المنيح،
والسفيح،
والوغد.

وكانت الجزور تشترى بما بلغت ولا ينقد الثمن، ثم
يدعى الجزار فيقسمها عشرة اجزا، فاذا قسمت
اجزاؤها على
السوا،اخذ الجزار اجزاه وهي الراس والارجل، واحضرت
القداح العشرة، واجتمع فتيان الحي، فاخذت كل فرقة
على قدر
حالهاويسارها وقدر احتمالها، فياخذ الاول الفذ وهو
الذي فيه
نصيب واحد من العشرة اجزا، فاذا خرج له جزء واحد
اخذ
من الجزور جزءا، وان لم يكن يخرج له غرم ثمن جزء
من الجزور،
وياخذ الثاني التوام، وله نصيبان من اجزا
الجزور،وهكذا سائر
الاقداح«83»
وكانت هذه اللعبة معقدة للغاية،لذا كان يتم
التقامر بها تحت اشراف شخص متخصص يدعى(الحرضة)
و(الرقيب).

وقد وردت اوصاف مختلفة لهذه
اللعبة،وسردتها
المصادر التاريخية بصور مختلفة«84».

الكهانة:
الكهنة: جماعة من العرب كانوا يدعون الاطلاع
على المغيبات،
ويزعمون معرفة الاسرار وقضايا المستقبل.

وقد
بنوادعوتهم
هذه على ادعاء آخر مفاده انهم يحصلون على
تلك المعلومات
بواسطة تسخيرهم لكائنات غيبية كالجن اوالشيطان،
وتدعى
احيانا (التابع) او(الرئي).

وهناك جماعة اخرى يعرفون بالعرافين، ويدعي هؤلاء
معرفة الاسرار وما ستؤول اليه الامور من خلال
اطلاعهم
على اسبابها ومقدماتها.

وكان الشياطين يزودون
الكهنة
بالمعلومات التي يسمعونها من افواه الملائكة عند
صعودهم الى
السماء،وقد منع هؤلاء الشياطين من استراق السمع
بعد البعثة.

ولهذاانتهى امر الكهنة بين العرب.

وكان بعض الناس يقومون بامتحان الكاهن واختبار صدق
نبوآته من خلال اخفاء شي ء ما وسؤاله عنه، فان
اخبرهم بنوع
ذلك الشي ء ومحله، عرضوا عليه قضيتهم الاصلية.

وكانت هند بنت عتبة من بين الكهنة الذين اشتهروا
عندالعرب، وهي زوجة ابي سفيان وام معاوية، وكانت قد
تزوجت من فاكه بن المغيرة الذي اتهمها بالخيانة
والزنا عندما
وجدرجلا غريبا في بيته.

فاخذ عتبة وابنته هند
وجماعة من
بني عبدمناف وذهب بهم الى اليمن ليعرض الامر على
احد
الكهنة،وكان فاكه قد خرج هو ايضا مع جماعة من قومه
(بني
مخزوم)وجلسوا معا عند الكاهن، وقبل ان يعرضوا عليه
الامر
اختبروه بالسؤال عن شي ء كانوا قد اخفوه عنه،
فلما اخبرهم عن
مكان ذلك الشي ء شرحوا له قضيتهم، فبرا هندا من
الزنا،
وبشرهابان سيكون لها ولد ويصبح سلطانا، وقد سر فاكه
لذلك،
فاخذيد هند واصطحبها معه، لكنها امتنعت عن
مرافقته،
وطلبت الانفصال عنه.

وبعد ذلك تزوجت هندا من ابي
سفيان
بن حرب.

كان الكهنة يتقاضون شيئا من المال لقاء ما يخبرون
به
من مغيبات، ويسمى المال الذي يتقاضونه عن ذلك
(الحلوان).

وقد شبهه الرسول(ص) بالمال الذي تتقاضاه المراة
الزانية
ثمناللفاحشة، وجعلهما على حد واحد، فقد ورد في
الحديث:«نهى رسول اللّه(ص) عن ثمن الكلب، ومهر
البغي،
وحلوان الكاهن»«85»، كما وادان الكهانة بشدة
ونهى عنها.

كان الكهنة يهمسون ببعض العبارات ليوحوا للاخرين
بانهم يستقون علمهم من الغيب، وكانت عباراتهم تلك
عبارة
عن كلام يشبه الشعر، ويسمى السجع، وقد نهى
الرسول(ص)
عن السجع في الكلام بل حتى في الدعاء«86».

لقد حيرت الايات القرآنية الاولى التي نزلت
على الرسول(ص)
مستمعيها، اذ لم يعرفوا اي نوع من البيان هذا،فلا
هو سجع
كسجع الكهنة، ولا هو شعر كشعر الشعرا،ولانهم لم
يجدوا مثله
من قبل جعلوه بين الشعر والسجع،وهذا ما تشير اليه
الايات
الشريفة (38 42) من سورة الحاقة وتنكره بشدة: (فلا
اقسم بما
تبصرون وما لا تبصرون انه لقول رسول كريم وما هو
بقول
شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما
تذكرون) .

وكان ينظر الى العلوم الطبية وقضايا الفلك
والتنجيم
وحتى معرفة الاحكام، على انها نوع من الكهانة«87».

وكان
اشهركهنة العرب شق وسطيح، وقد نفت الاية (29) من
سورة الطور تهمة الكهانة عن النبي بشدة حيث قالت:
(فذكر
فما انت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون).

فثمة فرق بين الايات الربانية النازلة على
الرسول(ص)
وبين نبؤات الكهنة واخبارهم عن المستقبل وخفايا
الامور،
فبينماتركز الاولى على هداية الناس ووعظهم
ونصيحتهم
وارشادهم لما فيه خير الدنيا والاخرة، وتحذرهم من
مغبة
المعصية والركون الى الظلم والتعدي والجهل، لا
نجد الثانية
سوى الاخبار عن امور مستقبلية واخرى مخفية قد
تخط ى ء
وقدتصيب.

وتشير الاية بكلمة مجنون الى اولئك الذين اعتادوا
خداع الناس
بزعمهم انهم يسخرون الجن لخدمتهم وياخذون معارفهم
مما
تمليه عليهم هذه المخلوقات من كشف الاسراروالاخبار
بالمغيبات.

وتدحض الاية الشريفة اتهامات العرب للرسول(ص)
بانه(شاعر)
بعد ان بهرتهم الايات القرآنية التي كان يتلوها
عليهم رسول
اللّه(ص)، فلئن العرب كانوا يظنون ان تابعا من الجن
اوالشيطان هو الذي يلهم، وان كل شاعر شيطان، فقد
ظنوا
ان الرسول(ص) شاعر يتلقى الهامه ايضا من الجن او
التابع.

تقول الايتان (30 و33) من السورة نفسها: (ام يقولون
شاعر
نتربص به ريب المنون ام يقولون تقوله بل لا
يؤمنون).

يبدو ان الناس كانوا يخافون قتل الكهنة والاعتدا
على
حياتهم،ولا يساورهم الخوف نفسه حين تكون المسالة
مرتبطة
بشاعريريدون تصفية حياته وقتله، وهذا ما تشير اليه
الاية من
طرف خفي، هذا اذا كان المقصود بريب المنون القتل،
اما اذا
قصد به الموت الطبيعي فلا فرق حينئذ بين الشاعر
والكاهن،
بل هماعلى حد سوا.

الحنفاء والحنيفية:
يؤكد كتاب السيرة ان هناك جماعة من قريش كانت قد
تركت عبادة الاصنام قبل ان يبعث الرسول(ص) ويباشر
دعوة
الناس الى الاسلام.

وهؤلاء هم ورقة بن نوفل،
وعبيداللّه بن
جحش،وعثمان بن حويرث وزيد بن عمرو بن نفيل، كان
هؤلاءيبحثون عن الدين الحنيف، وهم في صدد العودة
الى
دين ابراهيم(ع)، وسمي هؤلاء ب (الحنفاء)، فما هو دين
ابراهيم
اوالحنيفية؟ وما الذي جعل هؤلاء يبحثون عنها،
ويحاولون
العودة اليها؟
مرت الاشارة سابقا الى ان ابراهيم كان قد بنى
الكعبة مع
ابنه اسماعيل في واد غير ذي زرع لتكون معبدا يعبد
فيه
اللّهوحده، هذا ما سجله القرآن الكريم الذي اوضح
ايضا ان
دين ابراهيم(ع) كان دينا توحيديا ضد الشرك، وقد
اطلق
القرآن الكريم على المتدينين بهذا الدين (الحنفاء)
او
(المسلمين)،قال تعالى: (ما كان ابراهيم يهوديا ولا
نصرانيا
ولكن كان حنيفامسلما وما كان من المشركين) «آل
عمران:
67»، وقال تعالى:(ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه للّه
وهو
محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا) «النساء: 125».

اطلقت
هذه
الاية على دين ابراهيم (الدين الحنيف) وسمت اتباعه
المسلمين.

وفي الاية(135) من سورة البقرة وردت تبرئة
ابراهيم(ع) من الشرك وتسمية دينه بالدين الحنيف،
ونفت ان
يكون يهوديا او نصرانيا:(وقالوا كونوا هودا او
نصارى تهتدوا قل
بل ملة ابراهيم حنيفاوما كان من المشركين).

لم تنف
الاية
الشريفة الهداية عن اليهود او النصارى غير انها
فضلت ورجحت
دين ابراهيم الحنيف عليهما معا في اشارة الى انه
خالص من
كل معاني الشرك التي ربما علق بعضها بهاتين
الديانتين،
بسبب اعتقاداليهود ان عزيرا ابن اللّه او بسبب
اعتقاد النصارى
ان عيسى ابن اللّه.

ثم جاءت الاية (30) من سورة الروم لتامر الناس باتباع
سنة ابراهيم(ع): (فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة اللّه
التي
فطرالناس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدين
القيم ولكن
اكثرالناس لا يعلمون).

وجاءت هذه الاية في سياق عدة
آيات تحدثت عن الشرك وعبادة الاصنام وحملت عليهما
بشدة،فقررت الاية الشريفة ان التوحيد مغروس في
اعماق
الفطرة الانسانية، وان من شان الانسان ان يتجه الى
التوحيد
بدافع من فطرته الا اذا انحرفت هذه الفطرة عن جادة
الصواب
وبدلت خلق اللّه تعالى وفطرته التي فطر الناس
عليها.

واخيرا
تؤكدالاية على محور مهم هو ان الانسان اذا ترك
وفطرته
وخلي بينه وبينها فسينتهي الى التوحيد ولا يمكن ان
يلجا الى
الشرك،وهذا لا يتنافى مع النتائج التي توصل اليها
الباحثون
والدارسون في تاريخ المجتمعات البدائية من انها
كانت
مجتمعات مشركة نظرا لجهل هذه الشعوب بالطبيعة
ومظاهرها المختلفة، والذي نتج عنه انحراف الفطرة
البشرية
وتشوهها.

ان الانسان مخلوق عاقل مفكر بالفطرة وفي اصل
الخلقة،ولهذا
اطلق عليه في المنطق بانه (حيوان ناطق)، فان
النطق والتحدث دليل العقل والتفكير، ولو اعتمد
الانسان
منذاللحظات الاولى على قدرته العقلية وطاقاته
الفكرية
ورفض التقليد ومتابعة الاخرين دون تفكير، لاستطاع
الوصول
الى الحقيقة واستهجن عبادة الاصنام وترفع عن
مظاهر
الشرك،ولكن الجهل امر عدمي متقدم على العلم الذي هو
امروجودي.

فكان الانسان البدائي يفضل الجهل على
العلم
لمافي العلم من مشاق ومصاعب لا يتطلبها الجهل لانه
امر
عدمي،ولهذا فضل الانسان الجهل مع الراحة على العلم
مع
المشقة وبذل الجهد، ولهذا كان الانسان البدائي
مشركا، رغم ان
فطرته السليمة تقوده الى التوحيد ونفي الشرك،
لكنها تعطلت
فماتت منابع النور فيها نتيجة الجهل الذي هو اسبق
من العلم
واسهل منه.

وهذا هو سر تقدم الشرك زمانيا على
التوحيد بين
الاقوام البدائية.

وهكذا يتضح ان القرآن الكريم يستعمل كلمة (حنيف)
ويريدبها
المسلم والموحد في مقابل الشرك، ويريد بدين
ابراهيم الحنيف
الدين التوحيدي المرادف للاسلام، ولا ينبغي
ان نفهم من هذا
الترادف بين الاسلام ودين ابراهيم(ع) ان كل ماجاء به
نبي
الاسلام من احكام كان قد جاء به دين
ابراهيم الحنيف، بل يتفق
الدينان على محور واحد وقاعدة مشتركة هي فكرة
التوحيد
وعبادة اللّه وحده ونفي كل ما سواه من معاني الشرك
وما يتبعها
وما يلازمها من اعراض ومتعلقات،ويتاكد ذلك من خلال
التامل العميق في معاني الاية الكريمة:(ان ابراهيم
كان امة قانتا
للّه حنيفا ولم يك من المشركين)«النحل: 120».

ولا مبرر
لحصول اي نوع من الابهام او اللبس في اذهان
المخاطبين من
قبل الرسول(ص) من استعمال كلمة(حنيف) بعد ان كان
القرآن الكريم قد نزل بالعربية لهداية قوم عرب،
وقد اتضح من
خلال استعراض الموارد القرآنية التي استعمل فيها
هذه الكلمة
ان المقصود بها في جميع هذه الاستعمالات معنى
واحدا هو
التوحيد وعبادة اللّه وحده ورفض الشرك.

ولهذا لا نجد حاجة لمتابعة اشتقاقات هذه الكلمة
واستعمالاتهافي باقي اللغات ذات العلاقة باللغة
العربية
كالسريانية والحبشية، علما ان مثل هذا التتبع قد
يكون شيئا
مهما ولازمالمن اراد الاحاطة بعلم اللغات، ولا نجد
ضرورة
لهذا الجهدفيما اذا كان هدفنا معرفة معاني هذه
الكلمة في
عصرالرسول(ص) فحسب، اذ يكفينا تتبع معانيها
واستعمالاتهاالواردة في القرآن الكريم.

والمراد بالحنيف هو الذي رفض عبادة الاصنام وكل ما
يتصل بها من معاني الشرك، وكانت قريش واهل مكة
جميعا ما
زالوايتذكرون ان جدهم ابراهيم(ع) هو صاحب الدين
الحنيف الذي حارب الاصنام ورفض عبادتها، ولهذا
اعتزل
اولئك الاربعة قومهم، ووقفوا جانبا ينظرون الى
قريش وهي
تطوف حول تلك الاحجار وتقدم لها الاضاحي
والقرابين في يوم
من ايام اعيادها، فاخذوا يحدثون انفسهم قائلين:
«لقد ضيع
هؤلاءالناس دين ابيهم ابراهيم(ع)، فما هذه الصخرة
التي
يطوفون حولها؟ انها لا تسمع ولا ترى ولا تنفع ولا
تضر،
فليبحثوا عن دين لهم، فهذه لا تملك من امرها شيئا».

عندها بداوا البحث عن (الحنيفية) اي دين ابراهيم(ع)
فاعتنق كل من ورقة بن نوفل وعبيداللّه بن جحش
وعثمان
بن حويرث الدين المسيحي، واعتزلهم زيد بن عمرو،
غير انه
لم يعتنق دينا جديدا، كما انه ظل ممتنعا عن عبادة
الاصنام
وعن اكل لحم الميتة ولحم القرابين، ومن هنا قال
عنه
الرسول(ص):«انه يبعث امة وحده».

لقد نسخت رسالة
ابراهيم(ع) (جدالعرب وباني الكعبة) بصورة تدريجية في
مكة،
واندرست معالمها، ولم يبق في ذاكرة الناس سوى
شي ء واحد،
كانوايتذكرونه جيدا، ذلك ان ابراهيم(ع) كان حنيفا
مسلما ولم
يكن من المشركين.

ولم تخل مكة من بعض العقلاء واهل المنطق الذين
كانوايتاملون عادات قومهم وعبادتهم المنحرفة،
فيستيقظ
وجدانهم ويتذكرون ابراهيم(ع) والهه الواحد
وحنفيته،
فيتركون عبادة الاصنام، وكان يطلق على هؤلاء
(الحنفاء) وقد
عاصر بعضهم الرسول(ص).

قضاة العرب:
كان يقال للقاضي في الجاهلية (حاكم)، يقول اليعقوبي:
«كان للعرب حكام ترجع اليها في امورها وتتحاكم في
منافراتهاومواريثها ومياهها ودمائها»«88».

كانت اكثر
المشاجرات في الجاهلية تدور حول الحسب والنسب او
الشرف
والامجاد التي تصنعها الاسر او آباء الطرفين
المتنازعين، وكما
اشرنا فيماسبق فان قوام القبيلة الحسب او مجموع ما
حققه
الاباء من مكرمات ومفاخر، وما قام به افراد هذه
القبيلة
واجدادها من اعمال كبرى، وكانوا يتنازعون حول هذه
الامور
في الاماكن العامة والنوادي والاسواق العامة وعلى
مراى
ومسمع من الناس.

وقد يحسم التنافر اخيرا عند
الحاكم
برجوع المتخاصمين اليه، ويبدو ان اكثر هذه
المنازعات كانت
تحل عند الكهنة المعروفين الذي كانوا عادة من
قبائل
واماكن اخرى.

وكانوا يختبرون الكاهن كما اشرنا سابقا قبل عرض
قضيتهم عليه، فان نجح في الاختبار واجابهم بصورة
صحيحة
عن درالخبي ء اي الشي ء المخبا بادروا الى عرض
الموضوع
عليه بعد تحديد غرامة معينة يدفعها الطرف المدان
في
التحكيم الى الطرف الغالب الذي يسمى عادة (المنفر).

وغالبا ما
تكون هذه الغرامة عددا من الابل ياخذها الغالب
ويذبحها ثم
يدعوالى وليمة عليها.

ان بعض المنازعات كانت تتفجر لاسباب مالية او
لاحقاق بعض
الحقوق كمنافرة عبد المطلب وحرب بن امية
حول المطالبة
بدم احد اليهود.

وكان هذا اليهودي من اهل
نجران يقال له
اذينة في جوار عبد المطلب بن هشام، وكان يتسوق
في اسواق
تهامة بماله، وان حرب بن امية غاظه ذلك، فالب
عليه فتيانا من
قريش وقال لهم: «هذا العلج الذي يقطع الارض
اليكم ويخوض
بلادكم بماله من غير جوار ولا امان! واللّه لو
قتلتموه ما خفتم
احدا يطلب بدمه»، قال: «فشد هاشم بن عبدمناف بن عبد
الدار بن قصي عليه وصخر بن عامر فقتلاه، وكان
معهماابن
مطرود الخزاعي»، قال: «فجعل عبد المطلب لا يعرف
له قاتلا
حتى كان بعد، فعلم من اين اتى، فاتى حرب بن امية
فانبه لصنيعه وطلب بدم جاره، فابى حرب ذلك عليه،
وانتهى
بهماالتماحك واللجاج الى المنافرة، فجعلوا بينهما
النجاشي
ملك الحبشة فابى ان ينفذ بينهما، فجعلا بينهما
نفيل بن عبد
العزى بن رياح بن عبداللّه بن قرط بن رزاح بن عدي
بن كعب
فاتياه».

وقد حكم عبد العزى لصالح عبد المطلب،
واستدل
على حكمه بدليل يمكن ان يكون مؤشرا مهما على طبيعة
العرب ايام الجاهلية حيث قال: «يا ابا عمرو،
اتنافر رجلا هو
اطول منك قامة، واوسم منك وسامة، واعظم منك هامة،
واقل
منك لامة، واكثر منك ولدا، واجزل منك صفدا، واطول
منك مذودا؟! واني لاقول هذا وان فيك لخصالا انك
لبعيد
الغضب،رفيع الصيت في العرب، جلد المريرة، تحبك
العشيرة»،واغلظ لنفيل، وقال: من انتكاس الدهر ان
جعلناك
حكما.

وقدقدمت هذه المنافرة الى شخص عادي وليس كاهن.

اما المنافرة الاخرى التي وقعت لعبد المطلب مع
طائفة
ثقيف حول مسالة مالية، فقد تم الرجوع فيها الى
كاهن في
الشام يدعى عزى سلمة العذري، وقد وردت تفاصيل هذه
المنافرة في المنمق ص 94 - 97.

وقد قالت ثقيف قبل ان
يصدر
حكم الكاهن لصالح عبد المطلب على لسان جندب بن
الحارث:«اقض لارفعنا مكانا، واعظمنا جفانا، واشدنا
طعنا»،
بينما قال عبد المطلب: «اقض لصاحب الخيرات الكبر،
ومن
كان ابوسيد مضر، وساقي الحجيج اذا كثر»«89».

وقد اشرنا سابقا الى ان هناك اشخاصا آخرين من كل
قبيلة يقومون مقام القضاة او الكهنة عند الضرورة،
وقد ذكر
اليعقوبي في تاريخه وصاحب المحبر اسماء هؤلاء.

فمثلا ذكر
عبدالمطلب وولداه الزبير وابو طالب من جملة
الحكام،
وكذلك حرب وابنه ابو سفيان.

وذكر من بني تميم شخص باسم ربيعة باعتباره حكما
وقاضيايجلس تحت قبة خشبية وعلى عرش من خشب (اثناء
الحكم كما يبدو).

ومن الاحكام التي صدرت في الجاهلية ثم جاء
الاسلام وايدها
حكم (القسامة) في مورد الظن بالقتل، حيث يحلف خمسون
رجلا من افراد القبيلة المظنون بها، التي يظن ان
احدافرادها
قد ارتكب القتل ولا دليل عليه، ويقسم هؤلاءالخمسون
انهم
من هذا الدم برا، وحينها يحكم ببراتهم،وعليهم دفع
دية
المقتول فلقد اقر الاسلام (القسامة) بعد ان ادخل
عليها
تعديلات وتغييرات معينة.

الجاهلية:
سميت هذه المرحلة، التي وصفناها بشكل مختصر،
بعدالاسلام
بمرحلة الجاهلية، ويقصد بها كما جاء في
القرآن الكريم الفترة
التي سبقت الاسلام، وطبقا لما اوضحه كولدزيهر«90» فان
الجاهلية لا تعني الجهل وعدم المعرفة،وانما تعني
حسب الادلة
والشواهد الكثيرة التي ذكرهاكولدزيهر (الجاهلية)
مقابل
(الحلم) وفي القرآن الكريم تعني مجموعة القيم
والاخلاق
والثقافة والمقاييس المقابلة للاسلام والتي تقف
بوجهه، قال
تعالى: (افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من اللّه
حكما لقوم
يوقنون) «المائدة: 50»، وقال عزوجل: (يظنون باللّه
غير الحق
ظن الجاهلية) «آل عمران: 154»وفي خطاب نساء النبي قال
تعالى: (وقرن في بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلية
الاولى)
«الاحزاب: 33».

واستظهربعض المفسرين من تعبير
(الجاهلية
الاولى) وجود مرحلتين من الجاهلية، الجاهلية
الاولى،
والجاهلية الثانية او الاخيرة.

اماظاهر الاية
فيوحي بان المقصود
بهذا التعبير هو الاشارة الى الجاهلية قبل
الاسلام.

وقد سلط
القرآن الكريم مزيدا من الضوء على معنى الجاهلية
بقوله: (اذ
جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية)
«الفتح:
26» فقد وصف اللّهتعالى مرحلة الجاهلية بالعصبية
والحمية
الشخصية، بينمااتصف الرسول والمؤمنون معه
بالسكينة
والوقار، حيث قالفي الاية عينها: (فانزل اللّه
سكينته على رسوله
وعلى المؤمنين).

واشار الى المعنى ذاته تقريبا الدكتور جواد علي«91»
حيث ذكر ان كلمة الجهل لا يراد بها المعنى
المتداول اليوم،
وانمايراد بها المعنى المقابل للسكينة والصبر،
وعلى حد
قول گولدزيهر المقابل (للحلم) حيث يقول تعالى:
(وعباد
الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم
الجاهلون
قالواسلاما) «الفرقان: 63».

ومن البديهي ان المقصود
بالجاهليين هنا ليس فاقدي المعرفة او غير
المتعلمين، وانما
يراد بهم المتكبرين واهل العصبية البغيضة.

واخيرا فان المقصود بالجاهلية كما يظهر من
استعمالات القرآن
الكريم لها هي المرحلة التي سبقت الاسلام بكل
مافيها من
العصبية والتفاخر والتخاصم وعصيان اللّه
تعالى والتعالي على
اوامره ونواهيه.

وبكلمة اخرى فان الجاهلية تعبيرعن
الصفات
التي اشتهر بها العرب قبل الاسلام، وكما
يقول گولدزيهر:
فانهما كالتقابل بين التوحش (البربرية)
والتحضروالتعلم.

سيرة الرسول من الولادة حتى
البعثة
الطبيعة المجتمع الاجاهلي الذي ولد
فيه الرسول
من خلال الاستعراض الاجمالي
للاوضاع
الاجتماعية والاقتصادية والروحية التي كان عليها
مجتمع شبه
الجزيرة العربية بصورة عامة والمجتمع المكي بوجه
خاص في
القرن السادس الميلادي، اتضح ان ذلك المجتمع كان
مهيئالاستقبال دين الهي جديد، ففي محيط مكة كانت
هناك مجموعة من التجار الاغنياء، وجميعهم من
اشراف
قريش وسادتها، يرزح تحتهم جمع غفير من الفقرا
والمحرومين الذين يشكلون الغالبية الساحقة في
المجتمع.

وقد نمت تلك الاقلية المتحولة واثرت على الاغلبية
الفقيرة التي كان يلجئها الفقر الى طلب المال
بالربا حتى لو
كانت الارباح اضعافا مضاعفة كما عبر القرآن
الكريم.

اما
العبيدوالغلمان فكان اكثرهم من الحبشيين السود
الذين
يحتلون ادنى المراتب في النظام الطبقي الجاهلي،
في وقت
كانوا يقضون اوقاتهم في الاعمال الشاقة التي يصعب
على
غيرهم تحملها.

والى جانب هذا، كان المجتمع يفتقد الى القانون او
النظام الذي
يحفظ للفقير حقه وياخذ من القوي ما اغتصبه من
حقوق الضعفاء.

امام هذا الواقع، كان الضعفاء
يضطرون الى
الاحتماءباحد الاشراف لحفظ مالهم وارواحهم،
فيطلبون منه
الحماية او الجوار او الامان وما الى ذلك، وكان
الاقوياء من
جانبهم لايجدون طريقا لتحقيق م آربهم سوى طريق
القوة
والقهر، واذاما تعادلت الكفة مع خصومهم التجاوا
الى الحاكم او
الكاهن ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، وليس من
الضروري ان
ياتي حكم الحاكم طبقا لموازين العدل والانصاف
بالشكل
الذي جاء بها الاسلام فيما بعد بل غالبا ما يتحرى
الكاهن
في حكمه القوي والاكثر بسطة في المال والجسم
والحسب والنسب فيحكم لصالحه، وقد اتضح ذلك من خلال
الامثلة التي ذكرت فيما سبق.

وفي الوقت الذي كان يحافظ فيه الشرفاء وسادة القوم
على الاعراف والعادات التي وجدوا آباءهم عليها،
نجد
الطبقات الاخرى التي ترزح تحت يد الجور والفقر
وتذوق مرارة
هذه الاعراف وتكتوي بنارها، لا تتحمس لها ولا تظهر
قدرا
كافيامن الايمان بها، لهذا ظهرت مجموعة من القوم
انفت
عبادة الاصنام واتجهت الى دين ابراهيم الحنيف او
اعتنقت
الدين المسيحي.

كان التجار واصحاب القوافل لا يامنون على
بضائعهم وارواحهم
وهم يسلكون طرقهم التجارية عبر الصحرا، ولهذاكانوا
يتوسلون بالقوة او المال لدفع هجمات قطاع
الطرق والغزاة
عليهم، وقد اشتهر الغزو والاغارة حتى لم يعد
شيئامذموما في
ذلك العصر، بل كان امرا يدعو للفخر والاعتزازسيما
اذا ما اقترن
بالجسارة والشجاعة.

ومن الطبيعي ان يفرز مثل هذا المحيط جماعة من
العقلاءواصحاب الفكر والفطرة السليمة، يكون همهم
الاصلاح والهداية، وفي الوقت الذي نجد هؤلاء
يعتزلون
قومهم وديانتهم، نجدهم من جانب آخر يبحثون عن
طريق للخلاص، وعن وسيلة يستطيعون من خلالها انقاذ
قومهم وهدايتهم.

وكانت مكة مهياة اكثر من غيرها
لظهور مثل
هؤلاءوذلك لاشتداد الحاجة فيها الى الامن
والاستقرار
والنظام، فان تجمع الثروة ونمو التجارة كان بامس
الحاجة الى
الامن والقانون، كما ان انهماك التجار في تجارتهم
كان يعكره
قلقهم المتزايد من النهب والسلب والسطو الذي لا
سبيل
لتجنبه سوى اقرار قانون عام يهابه الجميع وينضوون
تحت
لوائه.

في مثل هذا المجتمع ولد رسول اللّه(ص)، الذي لم يرق
له بما
كان يتمتع به من مواهب واستعدادات فطرية
وطبيعية وبفضل
الهداية الالهية وتوجيهات العقل اوضاع هذا
المجتمع الذي عبر
عنه بالجاهلية، ووجد ان اصلاح نواقصه جميعاوهداية
قومه بل
البشرية ككل يكمن في توحيد اللّه و (اسلام الوجه)
اليه، لهذا
اعتزل مجتمعه الجاهلي وما يعبدون، والتجاالى غار
في احد
الجبال يفكر ويتامل حتى اخذت العناية الالهية
بيده وتم
اصطفاؤه من بين الناس جميعا ليتحمل مسؤولية اصلاح
المجتمع الانساني واجرا احكام اللّه فيه، وفي يوم
وساعة معينين
لا نعلمهما بالضبط بعث لانقاذ الناس من الضلال،
وقد امر ان
يبدا بعشيرته الاقربين الى ان بدا النورالالهي
يسطع ويتعالى
فعم مكة والمدينة وشبه الجزيرة العربية ومن ثم
العالم اجمع،
فتنورت جميع الانحاء بالنور الالهي.

مولد الرسول(ص):
ولد الرسول في مكة من اب قرشي
هو عبداللّه بن عبدالمطلب،
وام قرشية ايضا من بني زهرة هي آمنة بنت وهب بن عبد
مناف،
وقد كانت ولادته المباركة يوم الاثنين من شهر
ربيع الاول.

وقيل: من شهر رمضان، وهو قول ضعيف.

وقد وقع اختلاف في اليوم الذي ولد فيه، فقيل: اليوم
الثاني
من شهر ربيع الاول، وقيل: في الثامن منه، وقيل: في
العاشر
منه،وقال آخرون: انه في اليوم الثاني عشر، بينما
ذهب اكثر
الشيعة الى انه في السابع عشر من ربيع الاول«92».

وقد وقع الاختلاف نفسه ايضا في السنة التي ولد
فيها(ص)حتى اصبح من غير الممكن تحديد السنة التي ولد
فيها على وجه الدقة والجزم.

هناك حادثتان تم ضبطهما في حياة الرسول(ص) وفي
التاريخ الاسلامي بصورة دقيقة، لما كان لهما من
اهمية خاصة،
الحادثة الاولى: هجرة الرسول(ص) من مكة الى
المدينة،
التي اصبحت فيما بعد بداية التاريخ الاسلامي، وهي
في الاول
من المحرم السنة الاولى للهجرة، المطابق ل (16
كانون الثاني
عام 622 م)، ويقال ان هجرة الرسول(ص) كانت يوم
الاثنين
في الثامن من ربيع الاول الموافق (20 ايلول عام 622 م).

والحادثة الثانية: السنة التي توفي فيها الرسول(ص)
وهي
السنة الحادية عشرة للهجرة الشريفة، في شهر صفر او
ربيع
الاول،ويتطابق هذا التاريخ مع العام 632 م، وقد جر
الاختلاف
في تاريخ ولادته(ص) الى اختلاف في عمره الشريف بين
63،65، 60 سنة«93».

واذا كان الراي الاشهر هو 63 عاما، فسيكون عمره
وقت الهجرة
52 سنة تقريبا، وكل الاحاديث الاخرى في حياته(ص)فيما
عدا
هجرته ووفاته(ص) كالبعثة والمولد تبقى مبنية
على افتراضات
غير دقيقة.

وقد ذهب المشهور الى انه بعث وهو في الاربعين من
عمره،وقيل: ان بعثته كانت في الثالثة والاربعين من
عمره، بناء
على رواية عن ابن عباس.

ويمكن الافتراض بان بدء دعوته(ص) كان في حدود
الاربعين من عمره الشريف (ليس على وجه الدقة
والقطع)
فهناك روايات تقول: انه مكث عشر سنوات في مكة بعد
البعثة،واخرى تقول: انه اقام بها ثلاثة عشر عاما،
ويبدو ان اكثر
الرواة قد ذهبوا الى انه بعث في الاربعين من عمره،
انسجاما
مع الاعتقاد الشائع بان سن الاربعين هو سن الكمال.

اما من
حيث الواقع فان من الناس من يبلغ الكمال العقلي
والروحي
قبل هذه السن بفترة طويلة، وبالعكس هناك من يتاخر
كماله
بعد هذه السن او انه لا يبلغ الكمال ابدا، اما
العناية الالهية فلا
تتاخرلتنتظر بلوغ الاربعين عاما، اذا ما توفرت في
الشخص
مقومات البعثة قبل هذا التاريخ.

وان هذا النوع من
الملاحظات والترتيبات الزائدة انما هي من خيال
الانسان
ووهمه.

وعلى اية حال، فان الاعتقاد الراسخ بان سن الكمال
هو
سن الاربعين، وبالنتيجة فانه سن البعثة، وبعد
المقارنات
اللاحقة واضافة سنوات الاقامة الثلاث عشرة التي
امضاهاالرسول(ص) في مكة بعد البعثة، ثم السنوات
العشر
التي امضاها في المدينة، وبعد البناء على ان
عمره(ص) كان
ثلاثة وستين عاما، استنتجوا ان عام ولادته كان في
عام (570
م)كاقرب الاحتمالات.

وبهذا لم يعرف على وجه الدقة لا عام ولادته(ص) ولا
عام بعثته، ومن هنا يتضح السبب الذي دفع المسلمين
لاختيار
عام الهجرة الذي كان مسلما ومعروفا بصورة دقيقة
عند
الجميع كمبدا للتاريخ حين طرحت مسالة تحديد تاريخ
معين للمسلمين، وقدمت حوله الاقتراحات المختلفة
في
حينها لهذاالتاريخ.

/ 13