دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة - نسخه متنی

عباس زریاب الخوئی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

كانت هذه المراة من بني
النجار من قبيلة الخزرج،
وكانت تشترط على من يتزوجها ان يكون الامر لها،
واذا ما
ضاق الزوج بذلك فلها الحق في الانفصال عنه والخروج
من
عصمته متى شاءت، والذي اهلها لمثل هذا الشرط
مكانتها
الاجتماعية المرموقة، وشرفها الذي استهوى الرجال
اليها، هذا
وقد اضاف والدها شرطا آخر ان تكون ولادتها في بيت
والدها لا
في بيت زوجها، وبينما كان هاشم في سفر تجاري الى
الشام
وافته المنية في غزة، وترك الزوجة في يثرب، وقد
اولدها ولدا
سماه شيبة الحمد، وسمي بهذا الاسم لانه ولد وفي
شعره
بياض كالشيب.

وبعد ان كبر الوليد ووصل خبره الى مكة، ذهب عمه
المطلب الى يثرب وعاد به الى مكة، وحين راى الناس
عودته
مع المطلب، ظنوا انه عبدا له، فاطلقوا عليه لقد
عبد
المطلب،فصار اسما له، ولم يفارقه حتى نهاية حياته.

وقيل: ان
المطلب ادعى في البداية ان الولد عبد له اشتراه من
هناك،
فسمي عبدالمطلب35».

اعمال عبد المطلب:
كانت الرفادة والسقاية قد اوكلت الى المطلب بعد
وفاة
هاشم،ثم وصلت الى عبد المطلب بوفاة المطلب في
(ردمان)
عندماكان في سفر تجاري الى اليمن، ويبدو ان مشاكل
السقاية ومصاعب توفير المياه اللازمة للحجيج،
دفعت عبد
المطلب الى حفر بئر كبيرة سميت فيما بعد ب(بئر
زمزم).

ولم يكن هذا البئر هو البئر الاول الذي حفر في مكة،
فهناك آبار
اخرى تم حفرها في انحاء مختلفة من مكة قبل
هذاالتاريخ، بل
ان احدى الروايات قد نسبت تاريخ انشاء بئر
زمزم الى زمان
اسماعيل(ع)، وبهذا تكون زمزم اول بئر تم
انشاؤهالسقي
الحجاج.

الا ان الازرقي يروي ان البئر دفنت فيما بعد
بالسيل، ولم
يبق لها اثر36».

كانت قبيلة جرهم قد اودعت خزائن الكعبة ونفائسها
داخل
بئرزمزم قبل ان تخلي مكة، ويبدو انها دفنت البئر كي
لا
ينتفع الاعدا من مائها، ولا يجدون طريقا للوصول
الى الخزائن
التي وضعت فيها، على امل ان تعود جرهم لاستخراجها
ان
عادت مرة اخرى الى مكة.

ومهما كانت القصة الحقيقية لتلك البئر، فقد دفعت
مشاكل السقاية ومصاعب الحصول على المياه اللازمة
للحجاج،
وتوفيرما يلزم من المخازن، عبد المطلب الى التفكير
الجدي
بايجادبئر قرب الكعبة يوفر حاجة الحجيج من المياه،
وبتتبع
بعض الاثار والعلامات المتبقية اهتدى الى المكان
ذاته الذي
شق فيه البئر الاولى، وربما كان بعض الناس يستطيع
الاشارة
الى منطقة تواجده قبل ان يندرس، وقد جاء في احدى
الروايات ان الاهتدا الى موقع البئر، تم عبر رؤيا
رآها عبد
المطلب في المنام، حيث شاهد غرابا ينبش الارض
بمنقاره،
فامر وهو في المنام ان يشق البئر حيث نقر الغراب.

لم يكن لعبد المطلب من الاولاد في حينها سوى
الحارث،فشرعا معا في حفر البئر، ومثل هذا العمل لا
يجد عادة
التاييدالمطلوب من الناس في مراحله الاولى، بسبب
عدم
اطمئنانهم الى النتائج، ولم تشذ قريش عن هذه
القاعدة،
واكتفت تقريبابموقف المتفرج.

اما بعد ان عثر ابو طالب على بعض النفائس التي كانت
مخباة هناك، فقد تغير ذلك الموقف تماما، وابدت
قريش
حماساشديدا للمساهمة في مشروع الحفر، وبعد ان ادعت
شركتهافي تلك النفائس وسعت مطامعها، فطالبت بحصة
خاصة لهافي ماء البئر وفي موارده الاخرى، وقد ترك
هذا
الموقف آثاراعكسية في نفس عبد المطلب، واثار سخطه
وامتعاضه، فقرران يهدي الى الكعبة، بعض تلك
النفائس
المكونة من مجسمتين، كل واحدة منهما على شكل غزال
مزين
بالذهب،وعدد من السيوف والدروع واسلحة اخرى، فنصبت
احدى المجسمتين مع السيوف على باب الكعبة، بينما
وضعت المجسمة الاخرى داخل الكعبة حيث تحفظ
الهدايا
والنذور،وللمجسمة التي نصبت على باب الكعبة قصة
طريفة
سناتي على ذكرها لاحقا.

تطور الخلاف بين قريش وعبد المطلب حتى ذهبا معا
طبقالما
ورد في المصادر التاريخية الى احد الكهنة ليحكم
بينهما،وبعد
جولة من النزاع انتهت الازمة على ما يبدو لصالح
عبدالمطلب،
حيث تولى امر البئر (بئر زمزم) تبعا لبقائه في
منصب السقاية.

نذر عبد المطلب:
كان عبد المطلب، الذي تحمل مشاق حفر البئر مع ابنه
الوحيدالحارث، وواجه قريش وخصوماتها، وحده قد نذر
ان
رزق عشرة من الذكور، فسيذبح احدهم قربانا للمعبد.

اذ يبدو
ان التقرب بذبح الابن قربانا للمعبد، من التقاليد
التي عرفها
العرب منذ القدم، وكانت اقدم اشارة الى هذا
التقليد عمل
ابراهيم(ع)الذي قدم ابنه اسماعيل(ع) قربانا وتله
للذبح لولا ان
فداه اللّهتعالى (بذبح عظيم) علامة لتقبله القربان،
كان نذر
عبد المطلب ان يذبح احد ابنائه جزءا من هذا
التقليد القديم.

وبعد ان رزق عبد المطلب عشرة ابناء، جاء دور الوفاء
بالنذر،وجرت القرعة طبقا للاعراف المتبعة على يد
سادن
الكعبة،فوقعت على اصغر اولاده سنا عبداللّه والد
الرسول(ص)،
وهناعادت من جديد ذكرى ذلك التقليد القديم،
فاعترضت
قريش واشارت عليه ان يجعل القرعة بينه وبين مجموعة
من
الابل،وكانت نتيجة القرعة التي جرت في البداية بين
عبداللّه
وعشرة من الابل على عبداللّه، واعيدت القرعة
ثانية بعد ان
زيدت الابل الى مئة بعير، فوقعت على الابل، وقام
عبد المطلب
بذبح مئة بعير فدا لعبداللّه.

وجعلت هذه الضحايا
المئة في
متناول الجميع بلا استثناء، حتى قيل انها قد اكلت
منها
الوحوش والطيور دون ان يمنعها احد، وكان صاحب
النذر وابنه
عبداللّهالوحيدين اللذين امتنعا عن تناول شي ء
منها، وهذا ايضا
من التقاليد المتبعة في اكل لحوم القرابين.

حلف خزاعة مع عبد المطلب:
يعتبر الاطلاع على ما ورد في المصادر التاريخية من
تفاصيل حول الحلف الذي وقعه عبد المطلب مع خزاعة
ضروريالمعرفة تاريخ العرب قبل الاسلام والتاريخ
الاسلامي
كذلك،وتتلخص اهمية ذلك بالنسبة الى التاريخ
الجاهلي في
اعطاءصورة واضحة عن كيفية ابرام المعاهدات وعقد
الاتفاقات
بين القبائل العربية37».

واذا ثبتت صحة تلك التفاصيل فانها تكشف بجلاء عن
المكانة المرموقة التي كان يتمتع بها عبد المطلب
داخل
المجتمع المكي، واوضح دليل على ذلك عنوان
المعاهدة،
حيث جاءبصيغة: (حلف خزاعة لعبد المطلب) فكان التحالف
بين قبيلة خزاعة من جانب، وشخص عبد المطلب من جانب
آخر، وقدوقع التحالف اولاده نيابة عنه، ولم يكن بين
قبيلتين،
ولهذا اعتزعبد المطلب بهذه المعاهدة، واوصى ابنه
الزبير
بالاحتفاظ بهامن بعده، ثم سلمها هذا الى اخيه ابي
طالب،
الذي سلمهابدوره الى اخيه العباس38».

اذن كان الحلف بين شخص (يمثل قومه وعشيرته)، وبين
قبيلة باكملها، فقد جاء في نص المعاهدة: (رجالات
بني عمر
من خزاعة ومن معهم من اسلم ومالك)39».

وقد تكون
هذه المعاهدة هي الاولى التي تم تدوينها ومن ثم
حفظها في
الكعبة المشرفة، وهذه هي النقطة الثانية التي
تؤكد اهمية
دراسة هذاالتحالف لمعرفة التاريخ الجاهلي.

وربما كانت هناك اتفاقيات اخرى تم ابرامها قبل هذه
المعاهدة،ولكن تبقى هذه اقدم معاهدة وصلتنا
اخبارها على
اقل تقدير.

ومن الامور المهمة ايضا في هذا الاتفاق، ما جرى
من التاكيدات
لتحكيمه، وما صدر من اعمال لتاييده وامضائه.

وتنبع اهميتها بالنسبة الى التاريخ الاسلامي، من
كونها
المعاهدة التي احترمتها خزاعة في السنة السادسة
للهجرة، اثناء
صلح الحديبية، فاختارت الوقوف الى جانب رسول
اللّه(ص)،ولتاكيدها واحترامها الغى الرسول(ص) صلح
الحديبية عندماقتل بعض المتحالفين مع قريش جماعة
من
خزاعة، وقد انتهى الامر الى فتح مكة.

اصناف قريش:
كانت هناك جماعتان من قريش وقفت ضد عبد
المطلب وحلفائه من بني خزاعة، وهما بنو امية وبنو
نوفل،
وكان بنو امية قد ناصبوا هاشما وابناءه العدا في
حياة هاشم
نفسه، وليس هناك من سبب يحملهم على العدا سوى
الحسد
والحنق اللذين امتلات بهما صدور بني امية على هاشم
لما كان
يتمتع به من مكانة شريفة بين قومه، وقد اضطر امية
الى الجلاء
عن الوطن بسبب هذه الخصومة والعيش في الشام فترة
عشرسنوات.

واضطر عبد المطلب يوما الى الاستعانة بقوم امه في
يثرب،لاسترجاع الارض التي كان قد غصبها منه عمه
نوفل،واستعادها فعلا من عمه، وبقيت الضغائن
والخصومات
تتوارث بين ابناء بني امية وبني نوفل ضد بني هاشم
حتى توصلا
الى اتحاد يجمعهما ضد عبد المطلب الذي اضطر بدوره
الى التحالف مع خزاعة.

الاحابيش:
يعتقد (لامنس)40» احد المستشرقين الاوروبيين
ان قريش
كانت قد فقدت خصائصها القتالية ايام ظهورالرسول(ص)،
واعتمدت في حربها ضد المسلمين على(الاحابيش) ويتكون
(الاحابيش) في راي (لامنس) من الحبشيين والعبيد
السود
وبعض قبائل البدو الرحل، الذين كانواعلى استعداد
للقتال لقاء
اجور معينة، ويرد المستشرقون الاخرون على هذه
الفكرة، اذ
يذكر المستشرق (منغري واف)ملخصا عن فكرة لامنس في
الملحق (ا) من كتابه (محمد(ص)في مكة) ثم يرد عليها هو
الاخر، وبما انه سيرد ذكر الاحابيش في تاريخ حروب
الرسول(ص)، وخصوصا في معركة احد،لذا نحاول تسليط
الضوء
على هذا، ونحن (المؤلف) نرفض وجهة النظر هذه ولا
نقبلها
عموما.

من الامور التي يستدل بها لامنس على تاييد فكرته،
التصرفات التي صدرت من قريش بعد هزيمتها في بدر،
فطبقا
لسيرة ابن هشام فان قريش اخذت تفكر بالانتقام
وتخطط له،
وبعد عودة قافلتها التجارية من الشام سالمة الى
مكة، قررت ان
تنفق ماجنته في هذه الرحلة على شرا الاسلحة وتوفير
مستلزمات الحرب، ومضت فعلا في مسعاها لمحاربة
الرسول(ص).

لقداتفقت قريش (واحابيشها) مع قبائل من
كنانة
وتهامة على محاربة رسول اللّه(ص) 41»، وعند شروع
المعركة (كان اول من لقيهم اي المسلمين ابا عامر من
الاحابيش وعبدان اهل مكة)42».

وليس هناك ما يؤيد وجهة
نظر لامنس في كلتا الفقرتين المذكورتين، ومن
البعيد ان
يكون (بالاحابيش)عبارة عن الحبشيين والسود، وقد
وردت
كلمة احابيش في قصيدة لحسان يخاطب بها قريش، غير
انها
هي الاخرى لاتساعد على وجهة نظر لامنس، يقول حسان:
فسقتم كنانة جهلا من سفاهتكم
الى الرسول فجند اللّه مخزيها
فجمعتموها احابيشا بلا حسب
ائمة الكفر غرتكم طواغيها43»
اعتبر لامنس كلمة «بلا حسب»، بمعنى (بلا نسب)، ولا
يوجدفي الابيات السابقة ما يؤيد وجهة نظر هذا
المستشرق،
حيث يعود الضمير(ها) في «جمعتموها» الى بني كنانة،
ويكون المعنى: (انكم جمعتم بني كنانة كما جمعتم
طوائف
اخرى لااعتبار ولا قيمة لها لمحاربة رسول اللّه(ص».

ويذكر لامنس ادلة اخرى كلها من هذا القبيل، اذ ليس
هناك
مايساعد على الاعتقاد ان الاحابيش (الحبشيون)
والغلمان
السود)كانوا مرتزقة، وقد ذكرت كلمة (احابيش) في بعض
المواردمثل شعر حسان وشعر كعب بن مالك44»
ولكنها
كانت تستخدم، ويراد بها الجماعة من الناس ليس الا،
سوا
في الموردين الاولين او في المورد الذي يقول: ان
حليس
بن زبان، او بن يزيد، كان (سيد الاحابيش)، ففي هذا
المورداطلقت كلمة احابيش على جماعة خاصة من الناس،
وقد اعتمدلامنس على كلمة احابيش في هذه الموارد
واستنتج ان المرادمنها (الاحباش والغلمان السود).

الا انه ينبغي ان يعرف المقصود الحقيقي بكلمة
(احابيش)ومن
هم الجماعة الذين كان يطلق عليهم هذا الاسم.

الذي يظهر من
الروايات ان الاحابيش كانت تطلق على قبائل
بني الحارث بن
عبد مناة (من كنانة، و(عضل) و(دليش) (من بني الحصون)
و(مصطلق) و(حيا) (من خزاعة)45».

وطبقا لرواية الدر المنمق46» التي ينقلها عن ابن
ابي ثابت،
فان قريش بعد ان اخرجت خزاعة وبني بكر من
مكة واصبحت
بعيدة عن انصارها من بني قضاعة وبني اسد، خافت ان
يتعرض
انصارها الى الغزو من قبل بني بكر، فعقد عبدمناف
تحالفا مع
القبائل المذكورة، وتم ابرام هذا الحلف في منطقة
تبعد عشرة
اميال عن مكة تسمى (حبش) واصبح يعرف المتحالفون
ب(الاحابيش).

وفي رواية اخرى: ان بني بكر ارادوا في زمن (المطلب)
او(عبد
المطلب) بن عبد مناف ان يطردوا قريش من مكة،
فعقد(المطلب) حلفا بين قريش و(الاحابيش) (اي القبائل
المذكورة)وبمساعدة (الاحابيش) تم لقريش النصر على
بني
بكر في معركة (ذات نكيف)47».

وجاء في الياقوت: ان قائد قريش في هذه الحرب كان
عبدالمطلب، بينما ورد في (الدر المنمق) ان القائد هو
المطلب عم عبد المطلب، وفي حرب الفجار كان هؤلاء
الاحابيش مع قريش48».

وبهذا يتضح ان الاحابيش قبائل تحالفت مع قريش ووقفت
الى جانبها في نزاعاتها مع الاطراف الاخرى منذ
زمان المطلب
«اوعبد المطلب » الى فتح مكة.

والصحيح في فكرة لامنس هو ان قريش انما لجات
الى التحالف
مع الاحابيش لخوفها من الاعدا وخشيتها من
تغلب الخصوم
عليها، ولكن هذا لا يعني ان قريش فقدت قدرتهاعلى
القتال،
بل قد يعني ان قريش كانت بحاجة لمثل هؤلاءالحلفاء
وهي
منهمكة في تجارتها لتستطيع بمساعدتهم ردالعدوان
عنها
ودفع الاعدا من التعرض لمصالحها، ومما لاشك فيه ان
حلفاء
قريش كانوا يتلقون منها بعض الاموال،وليس ببعيد ان
تكون
ثروة قريش من جملة العوامل التي دفعت الاحابيش
للتحالف
معها، فالتحالف لا يخلو من مكاسب مادية لكلا
الطرفين،
خصوصا ان الاحابيش لم يكونوا من قبائل كبيرة او
معروفة في
شبه الجزيرة العربية.

اما كون الاحابيش جميعا من الحبشيين او العبيد
السود، فهذا
مالا يمكن استفادته من نصوص الروايات، وتاييده.

اعتمد لامنس في رايه على كلمة احابيش، وقد ذكرت
وجوه ومعان عديدة لهذه الكلمة دون ان ياتي ذكر
لراي
لامنس والمعنى الذي فهمه منها، واكثر الوجوه
قبولا ما افاده
ابن الاثير49» حيث قال: «التحبش والتجمع».

الحياة المعنوية والاجتماعية في مكة
مرت الاشارة فيما سبق، الى انه طبقا لما ورد في
القرآن الكريم
فان ابراهيم وابنه اسماعيل كانا قد بنيا الكعبة في
وادغير ذي
زرع، واستقر حولها ابناء ابراهيم بسعيهم وكدحهم
ثم هناك انشا
ذلك المعبد التوحيدي العظيم.

تعتبر مرحلة التوحيد وعبادة اللّه الواحد الاحد
متاخرة زماناعن
مرحلة الشرك وعبادة الارباب المتعددين في
تاريخ الاديان، من
وجهة نظر علماء الاديان.

واذا نظرنا الى تاريخ التحولات الفكرية في المجتمع
البشري،فاننا نرى مرحلة التوحيد ارقى مرتبة من
مرحلة
الشرك وتعددالالهة، وفي قصة ابراهيم(ع)، التي
يذكرها القرآن
الكريم ويشير فيها الى التحول الروحي لابراهيم(ع)
من عبادة
الظواهرالطبيعية الى عبادة اله العالمين، اشارة
رمزية الى
تحول الانسان الفكري من الشرك الى التوحيد، وهذا
لا يتنافى
مع كون الانبياء موحدين منذ البداية، فان الشرك
مقدم من
الناحية الطبيعية على التوحيد، واول مهمة
للانبياء والمبعوثين
الالهيين،محاربة الجهل الذي هو جزء من الطبيعة
البشرية.

وان
الشي ءالفطري المغروس في النفس الانسانية والذي
بينه اللّه
تعالى انما هو الاعتقاد بالخالق والصانع، اما
الاعتقاد بالتوحيد
والايمان به فهذا ما يعلمه الانبياء.

فكلمة (لا اله
الا اللّه) اقرار
بالتوحيد،لا الخالق والصانع.

وطبقا لما جاء في القرآن الكريم فان قوم نوح كانوا
يعبدون الاصنام، بينما كان نوح، الذي شرفه اللّه
تعالى بالنبوة،
يدعوهم الى ترك عبادة الاصنام والارتقاء بتفكيرهم
الى مستوى
اعلى.

تمثل مرحلة الشرك ادنى مراتب التفكير، ولهذا فهي
من الناحية التاريخية اقدم من مرحلة التوحيد، وفي
الوقت
الذي جعل ابراهيم(ع) وابنه اسماعيل من الكعبة مقرا
للعبادة
وبيتا للّهسبحانه، نجد من جاء بعدهم قد ارتد بهم
التفكير
كباقي ابناءزمانهم، الى ادنى المستويات، ولم يمض
وقت طويل
حتى تحولت الكعبة المشرفة الى محل تنصب فيه
الاصنام،
ويعبدفيه الارباب كباقي المعابد عند العرب.

جاء في الروايات وفي اخبار العرب ايام الجاهلية: ان
الذي
اتى بعبادة الاصنام هم خزاعة وبالذات رئيسهم عمر
بن لحي،
فهوالذي جاء بالاصنام من الشام ووضعها في الكعبة.

وتقول روايات اخرى: ان ابناء اسماعيل كانوا ياخذون
معهم
عندالسفر احجارا من الكعبة للذكرى والاعتزاز،
ينصبونها في
اي مكان يحلون فيه، ثم يبدؤون بالطواف حولها،
وبالتدريج غشيتهم الغفلة عن اللّه واخذوا يعبدون
هذه الاحجار
من دونه.

ان تقدم الشرك على التوحيد شي ء طبيعي كتقدم الجهل
على العلم والتعقل50»، ولهذا السبب عادت الكعبة
ثانية لتتحول كباقي المعابد الى بيت للاصنام، لكن
ذلك لم
يقض على الاعتقاد الراسخ في اعماق النفس
الانسانية بالصانع
الذي خلق الكون والحياة، وظل اهل مكة يعتقدون
باللّه الاله
الخالق الذي هو اكبر من بقية الالهة، ففي الوقت
الذي
يقدمون نذورهم وهداياهم وقرابينهم الى الالهة
الصغار التي
يطوفون حولها ويعبدونها دوما، وهم يقولون كما جاء
في القرآن
الكريم:(ما نعبدهم الا ليقربونا الى اللّه زلفى)
«الزمر: 3» او
يقولون:هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه: (ويعبدون من دون
اللّه ما لا
يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند
اللّه) «يونس:
18».

لقد حفظ لنا تاريخ العرب في الجاهلية عددا كبيرا من
اسماءهذه الاصنام، كما ورد ذكر بعض منها في القرآن
الكريم
في الايات (19،20، 21) من سورة النجم: (افرايتم
اللات والعزى
ومناة الثالثة الاخرى الكم الذكر وله الانثى).

كان (مناة) على ساحل البحر بين مكة والمدينة، وكان
اهل المدينتين (مكة والمدينة) يقدمون له المزيد من
القرابين والنذور، ويكنون له قدرا خاصا من
التعظيم والتبجيل.

ولا يكتمل حج الاوس والخزرج وكلاهما يستوطن
يثرب الى
الكعبة الا بعد ان يزوروا مناة، وبعد زيارة مناة
يحلقون رؤوسهم
لا قبلها51».

اما (اللات) فهو احدث من مناة، وكان محله الطائف،
ومنها
كان سدنته وخدامه.

ويبدو ان العزى كان احدث من الاثنين (اللات ومناة)
واكبرمنهما، بل هو اكبر اصنام قريش قاطبة، وكان
الكل يزوره
ويقدم له القرابين والنذور، وكانت من بين الاسماء
التي تتردد
كثيرافي قريش: (عبد اللات) (عبد مناة) و(زيد اللات)
(وعبدالعزى) ويحكي ذلك عن عبادتهم لهذه الاسماء.

ومن اصنام قريش المهمة (هبل) وقد جعل له مكان
داخل الكعبة، وتم صنعه من العقيق على هيئة انسان،
وقد
صاغت له قريش يدا من الذهب جعلتها مكان يده اليمنى
المقطوعة اصلا، وكان قد وضع امامه سبعة اقداح
(اسهم)،
يرجع اليهاعادة في اجرا القرعة للامور المهمة
والمعقدة، واذا
ما واجه شخص مشكلة ما يعود الى هذه الاسهم، ويختار
واحدا
منها،ثم يقرا ما كتب عليه من كلمات لتخبره بعاقبة
عمله.

ان
كانت خيرا او شرا.

وغالبا ما يرجع الى هذه الاسهم لحسم احدى
المشاكل الاجتماعية المهمة التي كانت تعاني منها
قريش بل
العرب جميعا، وهي كيفية معرفة الاب الاصلي
للمولود في
ضوءالعلاقات غير الشرعية واختلاط الدماء وتردي
اوضاع
الزواج والطلاق، وما الى ذلك من مشاكل سناتي على
بحثها
لاحقا.

كان يتم حسم المشكلة التي تنشا من صعوبة
تشخيص
الاب الحقيقي للمولود باجرا القرعة على سهمين من
السهام
السبعة الموجودة الى جانب هبل، وقد كتب على احد
هذين
السهمين كلمة (صريح) بينما كتب على الاخر كلمة
(ملصق)،
فاذا اصابت القرعة (الصريح) اصبح المولود ابنا
حقيقيا لذلك
الاب المشتبه، واذا ما اصابت (الملصق) ارتفعت ابوة
هذا الاب.

اوقل ارتفعت بنوة هذا المولود المشتبه لهذا الاب52».

وعندما غلب المسلمون في معركة احد صاح ابو سفيان
زعيم المشركين (اعل هبل).

يوضح تاريخ العرب قبل الاسلام ان القبائل العربية
كانت
تتخذلها اوثانا خاصة، فلكل قبيلة صنمها الخاص الذي
لا
تشاركها به القبائل الاخرى وان كانت تحترمه
وتقدسه، فمثلا
اتخذت قبيلة هذيل (سواعا) وقبيلة كلب (ودا) او (ودا)
وقبيلة
مذحج(يغوث) بينما اختصت قبيلتا حمير وخيوان ب (نسر) و
(يعوق)على التوالي53».

وقد وردت اسماء هذه الاوثان
في
سورة نوح، ويفهم من السورة المباركة ان قوم نوح
كانوا هم
ايضايعبدون هذه الاوثان.

بالاضافة الى هذه الاصنام التي كانت تعبد على
امتداد
شبه الجزيرة العربية والتي كانت لها اسماؤها
الخاصة، كان
هناك ثمة اشياء اخرى عبدها الناس من دون اللّه،
واطلق عليها
اسم(الانصاب) او (النصب) التي وردت في القرآن الكريم
في سورة المائدة الاية(3)، التي استعرضت الحرام من
اللحوم فقالت: (وما ذبح على النصب) وذكرت (الانصاب)
في الاية(90) من السورة الشريفة نفسها كواحدة من
المحرمات التي تعرضت لها السورة.

والانصاب او النصب عبارة عن احجار كانت توضع امام
الاصنام لتذبح عليها القرابين المقدمة لتلك
الاصنام، وكان
ينبغي ان تلطخ بالدم حتى تخضب تماما وتصطبغ جميع
اجزائها به.

والغبغب او العبعب هو اسم للمكان الذي
تذبح فيه
القرابين.

وقال بعضهم: انه الحفرة التي ينحدر اليها الدم، من
فوق الانصاب، او الاخدود الذي تكدس به النذور
والقرابين المقدمة للصنم.

والقربان اسم مشتق من
(القرب)
وهو الحيوان الذي يذبح في مراسم خاصة من اجل
التقرب به
الى الرب.

وتسمى الحيوانات التي كانت تقدم كقرابين في شهر
رجب ب
(العتيرة)، وتقدم القرابين عادة للوفاء بالنذر او
الوفاء بالعهداو
لاتمام مراسم الحج والزيارة.

وتحترم الاصنام ما دامت لا تتعارض مع مصالح الزوار
والعباد،وفي هذا المجال قصة طريفة اوردها ابن
الكلبي في
(الاصنام)وجاء فيها انه حينما اراد الشاعر المعروف
امرؤ القيس
الهجوم على بني اسد انتقاما لدم ابيه، ذهب الى صنم
من
الاصنام يدعى (ذو الخلصة) يطلب استشارته بالامر
وبعد ان
اجرى القرعة في السهام الموضوعة امام الصنم، وقعت
القرعة
على«الناهي» اعادها ثلاث مرات فلم تصب غير (الناهي)
و(الناهي)كناية عن النهي عن ذلك العمل، فغضب امرؤ
القيس، وحمل على الاسهم فكسرها وضرب بها وجه
الصنم، ثم
شتمه وقال له: لو كان المقتول اباك لما نهيتني عن
هذا
العمل54».

كانت الشمس والقمر كذلك من ارباب العرب، ولهذا
سمي بعضهم بعبد شمس، وقد نهى القرآن الكريم عن ذلك
في الاية (37) من سورة فصلت: (ومن آياته الليل
والنهار
والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر).

وجاء في
الايتين (5و6)من سورة الرحمن (الشمس والقمر بحسبان
والنجم والشجر يسجدان) وقال في سورة الانعام الاية
96:
(فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر
حسبانا).

تشير سورة الرحمن ايضا الى ان قسما من العرب
كانوايعبدون
بعض النجوم والاشجار، وقد ورد في قصة العزى
ان امراة شريرة
كانت تختفي ورا اشجار ثلاث، كان خالد بن الوليد قد
قطعها
بامر من الرسول(ص)، فوجد تحتها امراة سودا شعثاء
الشعر.

وتظهر هذه القصة صحة الاخبار التي تتحدث عن
عبادة الاشجار عند العرب، وقد شجب القرآن جميع
الارباب المتخذة من دون اللّه، ونهى عن عبادتها،
وقال في
الكتاب الكريم: ان الشجر والنجم انما هي مخلوقات
للّه عز
وجل تاتمر بامره.

ويرى المؤلف ان تاويل بعض
المفسرين
الذي ورد في الاية الكريمة بانه نوع من العشب غير
صحيح،
حيث يذهب اكثر المفسرين الى ان المراد بالنجم،
الذي اقسم
به الباري في سورة النجم بقوله: (والنجم اذا هوى)
«النجم:
1»،هو الثريا، واقسم بنجم آخر في سورة الطارق:
(والسماءوالطارق وما ادراك ما الطارق النجم
الثاقب)
«الطارق:1-3».

ويبدو ان الليل والنهار هما ايضا من الاشياء التي
عبدها
العرب،وكانوا لها يعكفون، او انها كانت على الاقل
تنال منهم
احتراماوتقديسا، هذا ما يمكن استخلاصه من بعض
الايات
في سورتي الانعام وفصلت، فقد ورد في مقام الرفض
والنهي
عن ذلك ان اقسم اللّه تعالى بهما باعتبارهما آيتين
من آيات اللّه
في هذا الكون، ففي سورة الشمس اقسم اللّه تعالى
بالشمس والقمر بقوله: (والشمس وضحاها والقمر اذا
تليها
والنهار اذاجليها) «الشمس: 1-3».

وفي سورة الليل:
(والليل اذا
يغشىوالنهار اذا تجلى) «الليل: 1-2».

وفي سورة
المدثر:
(كلاوالقمر والليل اذ ادبر والصبح اذا اسفر)
«المدثر:
32-34».

توضح هذه الاقسام الالهية، بالشمس والقمر
والليل
والنهاروالصبح، المكانة غير الاعتيادية والاحترام
والتقديس
التي كانت تحظ ى بها هذه الظواهر الطبيعية عند
العرب، ففي
الوقت الذي يلفت به الباري جل شانه من خلال القسم
الانظار
الى هذه الظواهر باعتبارها ظواهر طبيعية، يشير
الى انها معلولة
له ومؤتمرة بامره، حيث قال في سورة التكوير: (اذا
الشمس كورت واذا النجوم انكدرت) «التكوير: 1-2»،
وفي
موضع آخر يستعرض التحولات والتغيرات التي تحدث في
الطبيعة من قبيل (ادبر)، (اسفر)، (جليها)، (يغشيها)،
ليؤكد
على انهاامور زائلة لا تستقر على حال، وقد يوحي
ايضا القسم
بالسماءوالارض كما في: (والسماء وما بنيها والارض
وما
طحيها)«الشمس: 5-6».

قال بعضهم: ان الشمس كانت عبارة عن وثن من
اوثان العرب55».

وورد في كتاب (المحبر) اسم
الشمس
اثناءاستعراضه لتلبية الاصنام، غير ان الظاهر ان
المقصود
بالشمس التي استعرض تلبيتها المخبر هي نفس الشمس
السماوية،وكانت تلبية الذين يعبدون الشمس طبقا لما
قاله
المخبر(ص 312) كما ياتي:
لبيك اللهم لبيك
لبيك ما نهارنا بجره
ادلاجه وحره وقره
لا نتقي شيئا ولا نفره
حجا لرب مستقيم بره.

وارى (المؤلف) عدم صحة بعض الكلمات الواردة
في المحبر،
وقد بادرت (المؤلف) الى اصلاحها، فنجره بدل بجره،
ونضره
بدل نفره.

جاء في قصة (المنافرة بين عبد المطلب وثقيف) التي
وردت في (المنمق) ان الكاهن او القاضي الذي حكم
بينهم
كان قداقسم ب(الضياء والظلم)، وقد ورد قسم مشابه في
سورة التكوير: (والليل اذا عسعس والصبح اذا تنفس)
«التكوير:17-18» واقسم في سورة الواقعة بمواقع النجوم
واعتبره امراعظيما: (فلا اقسم بمواقع النجوم وانه
لقسم لو
تعلمون عظيم) «الواقعة: 75-76».

الحج والعمرة:
تبلغ مكة في موسم الحج والعمرة اوج حركتها
وحيويتهاالمعنوية، ولقد اجرى الاسلام تغييرات
مهمة في
مناسك الحج الجاهلي وآدابه، وجعله واجبا عينيا
على كل
مسلم مرة واحدة في حياته ان استطاع اليه سبيلا،
والذي ابطله
الاسلام من مناسك الحج الجاهلي تلك الامور
المتصلة
بالاصنام اوالتي لا تليق بالاداب العامة، وحافظ
على تلك
المراسم التي تؤكد التوحيد والاخلاص للعبادة للّه
وحده وتبني
السلام وتشيع الامن العام وترسخ الوحدة بين
المسلمين، كما
شددعلى اقامة المناسك التي من شانها ان تزيل
الامتيازات
الطبقية او الاقتصادية او العنصرية وتقوي رابطة
الاخوة بين
المسلمين جميعا، بما فيهم الفقرا والاغنياء،
الضعفاء والاقوياء
دون فرق بين احد منهم.

لما حج النبي(ص) خطب الناس بعرفة وقال(ص): ان
اهل الشرك والاوثان كانوا يدفعون من عرفة اذا صارت
الشمس على رؤوس الجبال كانها عمائم الرجال في
وجوههم،ويدفعون من مزدلفة اذا طلعت الشمس على رؤوس
الجبال فانها عمائم الرجال في وجوههم، وانا لا
ندفع من عرفة
حتى تغرب الشمس وغسل فطر الصائم، وندفع من مزدلفة
غدا
ان شاء اللّه قبل طلوع الشمس هدينا مخالف لهدى اهل
الشرك والاوثان56».

كانت قريش ترى لنفسها امتيازات واحكام خاصة في
الحج،بعبارة اخرى كان لها حجمها الخاص، فهي لا تخرج
عن
اطارحدود الحرم ولا ترى الوقوف بعرفات جزءا من
الحج،
بل تراه واجبا على اهل الحل، فقط، وهم اولئك الذين
ياتون
من خارج حدود الحرم، بينما كان يجب على باقي الناس
ان يخلعوا ما عليهم من ملابس ولا يدخلوا في مناسك
الحج
الابعد ان يرتدوا ملابس يشترونها او يستعيرونها من
قريش،
في وقت كان القرشيون يؤدون مناسكهم بلباسهم
العادي
دون تغيير او تبديل.

وفي حال عجزهم عن الحصول على
ملابس قرشية شرا او اعارة كان عليهم ان يطوفوا
عراة كما
ولدتهم امهاتهم.

وقد شجب الباري جل شانه هذه
الفاحشة
ونهى عنهافي محكم كتابه الكريم: (واذا فعلوا فاحشة
قالوا
وجدنا عليهاآباءنا واللّه امرنا بها قل ان اللّه لا
يامر بالفحشاء
اتقولون على اللّهما لا تعلمون) «الاعراف: 28».

ينقسم العرب في ادائهم لمراسم الحج الى
مجموعتين:مجموعة (الحمس) ومجموعة (الحلة) او اهل
الحل، ولكل من المجموعتين اعمالها الخاصة في
الحج، وقد
اضاف البعض مجموعة ثالثة سماها (الطلس) وهم الذين
يحجون بمناسك بعضها من الحمس وبعضها الاخر من اهل
الحل.

والحمس هم اهل قريش وقبائل خزاعة والقبائل
التي لها
صلة ونسب بقريش.

وقد استغلت قريش موقعها في سدانة الكعبة
المشرفة،فاتخذت
لنفسها امتيازات خاصة، كالتي اشرنا اليها من
عدم الوقوف
بعرفات والطواف بنفس ملابسهم دون حاجة
الى تبديلها كما
هو الحال مع اهل الحل، غير انهم الزموا
انفسهم التزامات اخرى
وشددوا عليها، فاذا نسكوا لم يدخروا لبنا،
ولم يحولوا بين
مرضعة ورضاعها حتى يعافه، ولم يجزوا شعرا ولاظفرا،
ولم
يدهنوا، ولم يمسوا النساء ولا الطيب، ولم
ياكلوالحما، ولم
يلبسوا في حجهم وبرا ولا صوفا ولا شعرا،
يلبسون الجديد،
ويطوفون بالبيت في نعالهم لا يطاون ارض
المسجدتعظيما له،
ولا يدخلون البيوت من ابوابها57».

كان اكثر العرب يكفون عن الحرب والنزاع في الاشهر
الحرم:ذي القعدة وذي الحجة ومحرم.

وقد اتبع هذا
التقليد
اصلا كمايبدو لوقوع الحج في هذه الاشهر الثلاثة،
ولبلوغ
التجارة ذروتها في هذا الموسم من السنة، ومن
الواضح ان
مناسك الحج تبدا في ذي الحجة، غير ان حركة السوق
تكون
مع توافد الزوار وتقادم الحجيج في ذي القعدة، ولا
تنتهي الا
بعدرحيلهم الى اوطانهم.

وقد يمتد ذلك الى المحرم،
ولكي تؤمن الطرق وتمنع الغارات ويشعر الناس
بالاطمئنان،
فتزدهرالتجارة، وينشط السوق، فلا بد من فرض مثل هذا
الموسم السلمي.

والذي يشعر فيه الزوار بالامان،
ويجد فيه
التجارالمناخ المناسب لنمو اسواقهم وتوسع حركتهم
التجارية.

اما العمرة فموعدها شهر رجب، الذي الحق هو
الاخربالاشهر
الحرم، مع ان هناك من بين القبائل العربية من لا
يؤمن بهذا
الموسم ولا يقيم له وزنا، كقبيلتي (ط ي ء) و (خثعم)
اللتين لا
تقيمان حرمة للحج او الكعبة.

كان الناس يبداون تجمعهم في سوق عكاظ منذ الايام
الاولى لشهر ذي القعدة، ويقيمون هناك عشرين يوما
يقضونها
بالبيع والشرا وتبادل البضائع في حركة دائبة حتى
يغادروا
السوق الى مكان آخر يدعى (مجنة) يمكثون فيه عشرة
ايام،
وكان يموج بالحركة، وتزدهر فيه التجارة، وبعد
انقضاء ذي
القعدة ودخول ذي الحجة يغادر الناس (مجنة) ويتجهون
الى
مكان آخريعرف ب (ذي المجاز) ينشغلون فيه بالتجارة
ايضا
حتى ياتي اليوم الثامن او ما يسمونه بيوم التروية،
وهو آخر ايام
التجارة،وفيه يبدا الاستعداد لمغادرة (ذي المجاز)
الى عرفة،
واول شي ء يقومون به هو تخزين المياه اللازمة
لحملها معهم
الى عرفات حيث لا ماء هناك، ومن هنا سمي هذا اليوم
بيوم
التروية(اي يوم الارتوا من الماء).

ومن ثم يشرع بمناسك الحج ومراسم العبادة، حيث تلبي
كل قبيلة تلبيتها الخاصة بها، وتردد شعار الولاء
لالهتها.

كانت قريش وباقي العرب تحرم دخول اسواق عكاظ
ومجنة وذي المجاز قبل عقد الاحرام وارتدا الملابس
الخاصة
به،وبدخول الانسان حالة الاحرام يصبح في حالة
روحانية
خاصة تصده عن ارتكاب التجاوزات والاعتدا على
الاخرين،ويستبطن هذا الامر نقطتين مهمتين:
الاولى: اعتياد العرب على الاعتدا والغصب والغزو،
الامر
الذي تحول الى عادة وسنة من سننهم، لا يمتنعون
عنها الا
حينمايبدا الموسم التجاري السنوي، وتنشط الاسواق
العامة
بحركة البيع والشرا والكسب.

الثانية: رغم تحول هذه الحالة اي حالة الاعتدا
والغزو الى صفة
عامة لجميع العرب تقريبا، الا انه كان يرفضها
الوجدان العام ولا
يقرها الضمير الباطني، لهذا كانوا ومنذ القدم
يمتنعون عن هذه
الاعمال ويابون ارتكابها عند دخولهم في حالات
دينية وروحية
معينة.

يبدو ان الدخول في حالة القداسة الدينية (الاحرام)
والتجارة كانا توامين، فمن ناحية يطمئن الوجدان
الديني
وتكون الاحساسات والمشاعر الروحية والمعنوية في
حالة
من السكينة والاستقرار، ومن ناحية ثانية تجد
التجارة مناخا
جيدامن الامن والامان يساعد على نموها ويوفر
للقوافل
التجارية طرقا آمنة وسوقا مزدهرة.

وبناء على هذا
فان هذه
الاشهرالثلاثة المتتالية التي تسمى الاشهر الحرم،
تمثل قمة
الحيوية الروحية وذروة النشاط الاقتصادي
والاجتماعي وتكثر
فيهاالافراح والاحتفالات.

لقد اقر الاسلام هذه الاشهر الحرم، ووجد فيها فرصة
جيدة لتاكيد اهتمامه بالامن وحرصه على رفاه الناس
واستقرارهم، ثم عمل على تهذيب مناسك الحج مما علق
بها
من مظاهر الشرك وشوائب الجاهلية، وفي الوقت نفسه
اقر ما
فيه من طقوس تعود بالنفع المادي والمعنوي على
الناس،
واضاف اليه مناسك ترقى به من الجانب الروحي وتضفي
عليه
مسحة عبادية وروحية خاصة.

فمن التقاليد التي نهى عنها الاسلام مسالة(الصرورة)
وتطلق على الحجة الاولى للشخص ويقال لصاحب هذه
الحجة(الصرور).

اذ يبدو ان العرب قد اعتادوا في الجاهلية على ترك
المجرم حتى لو ارتكب ذنبا عظيما كالقتل، وعدم
التعرض له
في الحرم المكي فيما لو ادعى انه صرور ولم يسبق له
ان حج او
تعرف على ما يجب اجتنابه في موسم الحج.

لقد نهى
الرسول(ص)عن ذلك، وقال: «لا صرورة في الاسلام»، ودعا
الى معاقبة المذنبين والاقتصاص منهم وعدم السماح
لهم
بارتكاب ما من شانه انتهاك حرمة الحرم المكي.

وقال البعض: ان الصرورة تعني الرهبانية
واعتزال النساء58».

سوق عكاظ:
يقع سوق عكاظ مسير ثلاثة ايام بلياليها عن مكة،
ويفتح
هذاالسوق ابوابه في شهر ذي القعدة من كل عام وقيل في
شوال غير ان الرواية الاولى اقرب الى الصحة لما
قيل من انه
يفتح في الاشهر الحرم.

ويعتبر سوق عكاظ من اهم
الاسواق السنوية في شبه الجزيرة العربية على
الاطلاق، فلو فتح
في غير هذه الاشهر لتعرض الى الغزو والنهب والسلب.

قال ياقوت في ذيل ترجمته لعكاظ: «قال الاصمعي:
عكاظ نخل في واد بينه وبين الطائف ليلة، وبينه
وبين مكة
ثلاث ليال،وبه كانت تقام سوق العرب بموضع منه يقال
له
الاثيرا، وبه كانت ايام الفجار، وكان هناك صخور
يطوفون بها
ويحجون اليها».

وهذا دليل على ان الحج والتجارة
كانا يقترنان
عند عرب الجاهلية، ففي ظل الحج وحرمته الدينية
يتمتع
الاقتصاد بالامن والازدهار، وفي ظل الاقتصاد
يتوجه الناس الى
المعابد واماكن الزيارة، وفضلا عن كون عكاظ
اجتماعا دينيا
واقتصاديا، فهومنتدى لاشاعة الثقافة والادب
والمسائل
السياسية، فالقبائل تتحدث عن مناقبها ومفاخرها،
والشعرا
ينشدون اشعارهم،وتعقد هناك معاهدات الصلح والسلام.

«كانوا ينزلون دومة الجندل اول يوم من ربيع الاول،
فيقيمون اسواقها بالبيع والشرا والاخذ والعطاء،
وكان يعشوهم
فيها اكيدروهو ملكها وربما غلب على السوق كلب،
فيعشوهم
بعض رؤساء كلب فيقوم سوقهم هناك الى آخر الشهر، ثم
ينتقلون الى سوق هجر من البحرين في شهر ربيع الاخر
فتكون اسواقهم بها، وكان يعشوهم في هذا السوق
المنذر بن
ساوي احد بني عبداللّه بن دارم وهو ملك البحرين ثم
يرتحلون نحو عمان من البحرين ايضا فتقوم سوقهم
بها، ثم
يرتحلون فينزلون ارم وقرى الشحر من اليمن فتقوم
اسواقهم
بها اياما، ثم يرتحلون فينزلون عدن من اليمن ايضا
فيشترون
منه اللطائم وانواع الطيب، ثم يرتحلون فينزلون
حضرموت من
بلاداليمن، ومنهم من يجوزها فيرد صنعاء، فتقوم
اسواقهم
بها،ويجلبون منها الخرز والاوم والبرود وكانت تجلب
اليها
من معافر، ثم يرتحلون الى عكاظ في الاشهر الحرم،
فتقوم اسواقهم ويتناشدون الاشعار ويتحاجون، ومن
له اسير
سعى في فدائه، ومن له حكومة ارتفع الى من له
الحكومة،
وكان الذي يقوم بامر الحكومة فيها من بني تميم،
وكان آخر من
قام بها منهم الاقرع بن حابس التميمي، ثم يقفون
بعرفة
ويقضون مناسك الحج، ثم يرجعون الى اوطانهم وقد
حصلوا
على الغنيمة، وآبوا بالسلامة»59».

وكان ملك الحيرة يبعث الى هناك قوافل تجارية، تحمل
معهااكثر ما تحمل الطيب وخاصة المسك، ويبدو ان
المسك
ياتي من طريق التبت او افغانستان او من بلاد ما ورا
النهر،
وينتقل من فارس الى الحيرة وشبه الجزيرة العربية،
ومن
هناك يشترى الادم والحرير والوكاء70»
والحذا والبرود
من العصب والوشي ء والمسير71» والعدني72»
وذكرالحرير من جملة هذه البضائع المشتراة، يبدو
انه اشتباه،
لان الحرير كان يصدر من فارس والصين الى الروم
والمغرب.

وكانت احدى هذه القوافل قد تسببت في حرب طاحنة
هي حرب الفجار.

لم يكن عكاظ مجرد سوق لتبادل البضائع، وانما كان
ايضا
نادياثقافيا وادبيا عاما، يلقي فيه الشعرا آخر
قصائدهم، ويتصيد
فيه الشبان عشيقاتهم الجميلات من فتيات القبائل
العربية المختلفة، وقد ادت احدى حالات العشق هذه
الى
نشوب احدى حروب الفجار، وكان من بين القبائل
العربية من
لا تقيم اية حرمة لهذه الاسواق ولا ترعى فيها الا
ولا ذمة،
فيسبب ودخولها حالة من الهلع وفقدان الامن
والاستقرار، وقد
اطلق على هؤلاء اسم «المحلون»، بينما كانت هناك
طائفة
من العرب وظيفتها حماية المظلوم وردع الظالم
والحيلولة
دون اراقة الدماء، ودعي هؤلاء ب (الذادة المحرمون).

ايام الحج:
يبدو من كلام القلقشندي في
صبح الاعشى ان
الاسفارالتجارية للعرب كانت تقترن دائما بموسم
الحج
والزيارة،وتبدا هذه الاسفار من الشام في شهر ربيع
الاول،
وتنتهي الرحلتان معا (رحلة الحج، ورحلة التجارة)
في شهر
ذي الحجة في الحجاز.

ونظرا لارتباط التجارة بالحج وحصولهما معا في موسم
واحد،فلا بد ان يكون محل هذا الموسم محلا ثابتا من
السنة،
ومع الالتفات الى ان البضائع يجب ان تعرض في
الاسواق
في فصل معين من السنة، فلا بد ان نقول ان الاسفار
التجارية حول شبه الجزيرة العربية تبدا في فصل
معين من
السنة الشمسية، وتنتهي في فصل معين ايضا من هذه
السنة،
ويمكنناالقول بالالتفات الى كلمة ربيع الاول ان
هذا السفر يبدا
في الربيع وينتهي في آخر الخريف.

وبناء على ذلك فان
ايام
الحج واقامة هذه الاسواق الشهيرة كانت في اواخر
الخريف
واوائل الشتاء، وهذا شي ء طبيعي بالنسبة الى
المناخ في شبه
الجزيرة العربية، ففصل الخريف هو الفصل الذي تنضج
وتجنى
فيه اهم الثمار وهي التمور، وبما ان القبائل
العربية تجتمع
في موسم الحج والتجارة في سوق عكاظ، فينبغي ان
يكون تجمعها هذا في وقت مناسب من حيث المناخ
لاقامة
هذه المراسم العبادية والقيام بالنشاط التجاري
المطلوب
واقامة حفلات الفرح والابتهاج.

ولم تحظ مسالة المناخ وارتفاع درجات الحرارة
بالاهمية
ذاتهابالنسبة الى قوافل التجارية القادمة من بلاد
الشام
وسواحل الخليج الفارسي والبحر العربي، باتجاه
اليمن، ومن
هناك الى الحجاز لانها اعتادت السفر والفته، ولان
اقصى ما
يمكن ان تصله درجة الحرارة في صنعاء (28ل) فوق الصفر
صيفا، كماان شهري حزيران وتموز هما اشد الشهور
حرارة هناك73».

اما الشهور العربية فهي شهور قمرية، والسنة عبارة
عن
(12)شهرا قمريا، وتقل عن السنة الشمسة بعشرة ايام
واحدى وعشرين ساعة واثنتي عشرة دقيقة.

وبهذا يصبح الفرق بين التاريخ القمري والتاريخ
الشمسي شهرا
واحدا تقريبا في كل ثلاث سنوات.

وبعبارة
اخرى تعادل كل
ثلاث سنوات شمسية ثلاث سنوات قمرية وشهراواحدا.

وبناء على ما ينقله ابو ريحان البيروني74»،
فان
السنة المعتبرة لدى الاقوام السامية (العبرانيين
والصائبة
والحرانيين)هي السنة الشمسية، اما الاشهر فهي
بحساب السنة
القمرية،لانهم كانوا يحسبون الايام والاحتفالات
والاعياد وفقا
للسنة القمرية، ولكنها تنطبق مع فصول السنة
الشمسية،
وذلك لانهم كانوا يكبسون سبعة اشهر قمرية في كل (19)
سنة
قمرية،لكي تنطبق ايام الاعياد والمناسبات الدينية
الموزعة
وفقالاشهر القمرية على فصول السنة الشمسية.

وكان العرب يكبسون الاشهر بما يقرب من هذا، وقد
اخذواهذا
الحساب عن اليهود، وجروا عليه لما يقرب من (200)سنة
قبل
الاسلام، وكانوا يكبسون (9) اشهر في كل (24) سنة بدلا
من
(7) اشهر في كل (19) سنة، وبذلك تنطبق عندهم السنون
القمرية مع فصول السنة الشمسية دون تقديم او
تاخير،وكان
عمل النسية او الكبيسة يؤديه افراد متمرسون من
قبيلة كنانة
يعرفون ب(القلمس)75».

وفي موضع آخر من الاثار الباقية76»، يقول: كان
العرب في
الجاهلية، يعملون بالاشهر القمرية كما هي عليه
بعدالاسلام، الا
انهم كانوا يكبسونها، فكان حجهم يدور على الفصول
الاربعة،
بسبب الكسر المتبقي من جرا الفرق بين السنة
القمرية والسنة
الشمسية (وهو (10) ايام و (20)ساعة).

ومن ثم ارادوا ان يكون الحج موافقا لموسم
المحصولات الزراعية والمنتجات الحيوانية كالجلود
وغيرها،
فجعلوا موسم الحج ثابتا على مدار السنين وذلك
لانهم كانوا
ينسئون الشهر،حيث يضيفون كسور السنة القمرية الى
نفس
السنة القمرية بعد مضي شهر واحد من السنة الشمسية،
وكان
المتولي لهذاالعمل هو احد افراد قبيلة كنانة من
(القلامس)،
حيث يخطب في موسم الحج معلنا اضافة هذا الشهر الى
السنة،
ويسمى الشهر الذي يليه بالاسم نفسه، فاذا اضيف شهر
الى
السنة القمرية في اول السنة فيسمى الشهر المضاف
محرما،
والشهرالذي بعده، والذي هو صفر بالحقيقة، يسمى
ايضا
محرما.

وقد توافق العرب في الجاهلية على هذا العمل، وكانوا
يسمونه النسي ء، اي التاخير او الاضافة،
فالنسي ء الاول كان
في المحرم، ففي سنة النسي ء الاولى ذات ال (13) شهرا
يكون محرمان متتابعان، فيصير صفر محرما وربيع
الاول صفرا
وهكذايستمر النسي ء حتى يقع المحرم في ايامه
الحقيقية، ومن
ثم يبداون بالنسي ء، ويستمد دوران الشهر القمري
على
فصول السنة الشمسية الاربعة حتى يقع في ايامه
الحقيقية(32) سنة.

وايام هجرة الرسول(ص) كان النسي ء قد وصل الى
شعبان،اي
ان شعبان الواقعي جعلوه محرما اي اول اشهر
السنة،وجعلوا
رمضان الواقعي صفرا، فلبث رسول اللّه(ص) عشرسنين،
حتى
حلت حجة الوداع، فوافقت في ذي الحجة،ولذلك قال(ص):
«الا وان الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق اللّه
السماوات
والارض، السنة اثنا عشر شهرا، منها اربعة حرم،
ثلاثة متواليات:
ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين
جمادى
وشعبان»، اراد(ص) ان يقول ان الاشهر الحرم رجعت الى
مواضعها وعاد الحج الى ذي الحجة وبطل النسي ء.

هذا ما ذكره ابو ريحان البيروني، وهو الاقرب الى
الصحة، بل هو
الاصح في راينا والاكثر واقعية من جميع الارا التي
ذكرهاالمحدثون والمفسرون واللغويون والرواة في
معنى
(النسي ء)،فقد اوضح ابو ريحان ان كل اربع وعشرين
سنة كانت
هناك سنة كبيسة من تسعة اشهر، وكان شهر شعبان من
السنة
الاولى للهجرة هو شهر محرم واقعا، وكان شهر رمضان
من
تلك السنة هو الشهر التاسع (اي الاخير) من السنة
الكبيسة
التي انتهت بها دورة الاربعة والعشرين عاما، وكان
يجب ان
تمرثمانية اعوام اخرى تقريبا حتى يعود محرم الى
موقعه
الاصلي من السنة.

ولهذا اعلن الرسول(ص) في السنة
العاشرة
للهجرة بعد اتمامه لحجة الوداع ان الاشهر القمرية
عادت الى
مواقعهاالاصلية ولا حاجة للنسي ء مستقبلا.

وقد ورد في القرآن الكريم ما يؤيد الراي الذي ذهب
اليه البيروني، قال تعالى: (ان عدة الشهور عند
اللّه اثنا عشر
شهرافي كتاب اللّه يوم خلق السموات والارض)
«التوبة:
36».

وجاء هذا التاكيد على ان عدة الشهور (اي شهور
السنة)
عنداللّه اثنا عشر شهرا، لينفي ما جرت عليه العادة
من جعل
السنة الكبيسة ثلاثة عشر شهرا.

لقد اكد الباري جل
شانه على
ان السنة تتكون من اثني عشر شهرا لا اكثر ولا اقل،
ونفى
ان تكون السنة ثلاثة عشر شهرا، والنسي ء او
الكبيسة، طبقا
لقول البيروني، هو اضافة شهر واحد على الاثني عشر
شهرا،
اماالاشهر الحرم فهي اربعة فقط، ليتم نفي الشهر
الخامس
من الاشهر الحرم الذي سيتحقق فيما لو اقرت السنة
الكبيسة فيتكرر محرم فيها مرتين.

/ 13