دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة - نسخه متنی

عباس زریاب الخوئی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ويفهم من روايات عروة
ومحمد بن اسحاق ان الحبشيين
لم يظهروا خلال تعاملهم مع الاديان الاخرى نوعا من
الشدة والتعصب الديني، فقد عاشت تلك المجموعة
الصغيرة المهاجرة الى هناك في امن وسلام.

دامت هذه الهجرة من ثلاثة الى اربعة اشهر، فقد جاء
في رواية
محمد بن اسحاق عن محمد بن عمر ان المسلمين كانواقد
هاجروا الى الحبشة في رجب من السنة الخامسة
للبعثة(في
حدود سنة 614م) وامضوا هناك شهري شعبان ورمضان،ولم
يعودوا الى مكة الا في شهر شوال من العام
نفسه،لسماعهم
بسجدة قريش، التي وقعت بموجب هذه الرواية في شهر
رمضان«233».

قصة السجدة والغرانيق:
روى ابن سعد في طبقاته عن محمد بن عمر، قال:
«حدثني يونس بن محمد بن فضالة الظفري، عن ابيه،
قال:
وحدثني كثير بن زيد، عن المطلب بن عبداللّه بن
حنطب، قالا:
راى رسول اللّه(ص) من قومه كفا عنه فجلس طالبا
فتمنى
فقال: ليته لا ينزل علي شي ء ينفرهم عني! وقارب
رسول
اللّه(ص) قومه،فدنا منهم ودنوا منه، فجلس يوما
مجلسا في ناد
من تلك الاندية حول الكعبة، فقرا عليهم: (والنجم
اذا هوى)
«النجم: 1» حتى اذا بلغ (افرايتم اللات والعزى
ومنوة الثالثة
الاخرى) «النجم:19 20» القى الشيطان كلمتين على لسانه:
«تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى» فتكلم
رسول
اللّه(ص) بهما، ثم مضى فقرا السورة كلها وسجد وسجد
القوم
جميعا، ورفع الوليد بن المغيرة ترابا الى جبهته
فسجد، وكان
شيخا كبيرا لايقدر على السجود، ويقال: ان ابا احيحة
سعيد بن
العاص اخذترابا فسجد عليه رفعه الى جبهته وكان شيخا
كبيرا،
فبعض الناس يقول: انما الذي رفع التراب الوليد،
وبعضهم
يقول: ابواحيحة، وبعضهم يقول: كلاهما جميعا فعل ذلك.

فرضوا بماتكلم به رسول اللّه(ص)، وقالوا: قد عرفنا
ان اللّه يحيي
ويميت ويخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا
عنده، اما اذا
جعلت لها نصيبا فنحن معك، فكبر ذلك على رسول
اللّه(ص)
من قولهم حتى جلس في البيت، فلما امسى اتاه
جبريل(ع)فعرض عليه السورة، فقال جبريل: جئتك بهاتين
الكلمتين،فقال رسول اللّه(ص): قلت على اللّه ما لم
يقل،
فاوحى اللّه اليه:(وان كادوا ليفتنونك عن الذي
اوحينا اليك
لتفتري علينا غيره واذا لاتخذوك خليلا) الى قوله:
(ثم لا تجد
لك علينا نصيرا)«الاسراء: 73 75».

ويضيف ابن سعد الى ذلك قائلا: «اخبرنا ابن عمر
قال:حدثني
محمد بن عبداللّه، عن الزهري، عن ابي بكر بن
عبدالرحمن بن
الحارث بن هشام، قال: فشت تلك السجدة في الناس حتى
بلغت ارض الحبشة، فبلغ اصحاب رسول اللّه(ص) ان اهل
مكة
قد سجدوا واسلموا حتى ان الوليد بن المغيرة وابا
احيحة قد
سجدا خلف النبي(ص) فقال القوم:فمن بقي بمكة اذا اسلم
هؤلاء؟ وقالوا: عشائرنا احب الينا.

فخرجوا راجعين
حتى اذا كانوا
دون مكة بساعة من نهار لقواركبا من كنانة فسالوهم
عن
قريش وعن حالهم، فقال الركب:ذكر محمد آلهتهم بخير
فتابعه الملا، ثم ارتد عنها فعاد لشتم آلهتهم
وعادوا له بالشر.

فتركناهم على ذلك، فائتمر القوم في الرجوع الى ارض
الحبشة،
ثم قالوا: قد بلغنا ندخل فننظر مافيه قريش، ويحدث
عهدا من
اراد باهله ثم يرجع».

ثم يضيف: «اخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني محمد
بن عبداللّه، عن الزهري، عن ابي بكر بن عبد
الرحمن،
قال:دخلوا مكة ولم يدخل احد منهم الا بجوار، الا ابن
مسعود
فانه مكث يسيرا ثم رجع الى ارض الحبشة».

وقد روى الرواية السابقة نفسها اهل السير
المعتبرون عن
ابي معشر بن عبد الرحمن السندي المدني عن محمد بن
كعب القرظ ي، وجاءت في الطبري مع اختلاف بسيط عن
رواية محمد بن اسحاق، وقد ذكرناها في اسباب نزول
الايتين
(73،74) من سورة الاسراء: (وان كادوا ليفتنونك عن الذي
اوحينااليك لتفتري علينا غيره واذا لاتخذوك خليلا
ولولا ان
ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا).

وقد اورد محمد بن اسحاق نحوها في نسخة
(القرويين)برواية
يونس بن بكير بن واصل الشيباني بصورة موجزة،حيث
قال:
«فاقاموا حتى بلغهم ان اهل مكة قد اسلمواوسجدوا،
وذلك ان
سورة النجم انزلت على رسول اللّه(ص)فقراها(ص) فانصت
لها
كل مسلم ومشرك، حتى انتهى الى قوله: (افرايتم اللات
والعزى) فاصغوا له والمؤمنون مصدقون،وارتد ناس حين
سمعوا سجع شيطان فقالوا: واللّه لنعبدهن ليقربونا
الى اللّه
زلفى.

وعلم الشيطان بتلك الايتين كل مشرك وتكلمت
بها
السنتهم، وكبر ذلك على رسول اللّه(ص) حتى اتاه
جبريل(ع)
فشكا اليه هاتين الايتين، وما لقي من
الناس بسببهما، فتبرا
جبريل(ع) منهما، وقال: لقد تلوت على الناس مالم آتك
به عن
اللّه عز وجل، وقلت ما لم يقل لك، فحزن رسول اللّه
حزنا شديدا
وخاف، فانزل اللّه عز وجل تعزية له:(وما ارسلنا من
قبلك من
رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته)
الى قوله:
(عليم حكيم).

نقد قصة الغرانيق:
هناك اختلاف في قصة الغرانيق بين تلك التي اوردها
الطبري عن طريق سلمة برواية يونس بن بكير، وتلك
التي
وردت في سيرة ابن اسحاق (نسخة القرويين)، اذ يبدو
ان يونس
بن بكير قد لخصها ورواها مختصرة.

اما ابن هشام فقد
حذف القصة تماما، ولم يات على ذكرها، وكان ذلك كما
يبدو
في وقت بدا فيه المحدثون وعلماء الدين يشككون في
مضمون الرواية، ويترددون في نقلها.

فقد جاء في
صحيح
البخاري تحت عنوان (ما جاء في سجود القرآن وسنتها)
نص
مقتضب جدا لهذه القصة نورده فيما يلي: «... قال: قرا
النبي(ص) النجم بمكة فسجد فيها وسجد من معه غير شيخ
اخذ كفا من حصى او تراب فرفعه الى جبهته، وقال:
يكفيني
هذا، فرايته بعد ذلك قتل كافرا» وجاء في رواية
اخرى في نفس
الباب: «ان النبي(ص) سجد معه بالنجم المسلمون
والمشركون والجن والانس..».

ورد القاضي عياض في كتاب الشفاء الرواية نقلا
وعقلا، كماردها
الفخر الرازي في تفسيره تفصيلا، بينما قال ابن
حجرالعسقلاني
في شرح صحيح البخاري: ان اختلاف الطرق في نقل
الرواية
دليل على اصالة الرواية، وقد وردت هذه
الرواية بثلاث طرق
تتوفر فيها الشروط المذكورة في تصحيح السند.

لهذا لا
بد من
الركون الى تاويل ندفع به ما يظهر فيها من
سوءوتقصير في
جلال الرسول(ص») وهذا يعني عدم رده لاصل الرواية.

ومن استبعد قصة الغرانيق وردها انما اعتمد في رده
لها
على اصول العقائد والكلام، اذ التسليم بالقصة كما
نقلت
وبالتفاصيل التي وردت فيها، قد يؤدي الى تجويز
السهو والخطا
في اداءالرسول(ص) للرسالة لا قدر اللّه حيث تقول ان
هناك جملتين نطق بهما الرسول(ص) وقد القاهما
الشيطان
على لسانه، ومن ثم نسخهما اللّه فيما بعد.

والتسليم بهذه يؤدي
كماقلنا الى تجويز صدور الخطا عن الرسول(ص) معاذ
اللّه
وهذابدوره يؤدي الى نتائج خطيرة تمس اركان الدين
والقرآن الكريم.

اعتقد ان قصة الغرانيق كما وردت في الطبري تنطوي
على شي ء من التناقض، ومن ناحية اخرى قال ابن حجر:
«ان
لهااساسا من الصحة والاصالة»، ولكن لا بمعنى تصحيح
ما
جاءفي الرواية والعياذ باللّه من نسبة الاشتباه
والسهو
الى الرسول(ص) الذي نفاه القرآن بشدة واعتبر انه من
المستحيل ان يتقول الرسول(ص) على اللّه شيئا او ان
يوسوس
له الشيطان في تبليغ كلام اللّه، ويبدو ان رواة
هذه الرواية
لم يلتفتوا الى النتائج الخطيرة المترتبة عليها،
ولم يدركوا ما
يمكن ان تتيح لاعداء الاسلام من فرص للطعن في دين
اللّه.

اماالذين عرضوا الرواية بهذا الشكل فيبدو انهم
كانوا
ينساقون وراء دوافع معادية للاسلام، ويحاولون هز
قواعده
وزعزعة بنيانه من الاساس.

ونعود الان الى التناقض
والتضاد
المشار اليه سابقا، والذي يعتري الرواية فقد جاء
في رواية
الطبري التي ينقلها عن محمدبن اسحاق عن محمد بن كعب
القرظ ي «ان اللّه انزل على رسوله(ص) سورة النجم،
وكان
الرسول(ص) قد تلا هذه السورة المباركة على جمع من
المسلمين والمشركين حتى وصل الى قوله تعالى:
(افرايتم
اللات والعزى ومنوة الثالثة الاخرى) وهنا القى
الشيطان على
لسانه(ص): «تلك الغرانيق العلى، وان شفاعتهن
لترتجى»
ويبدو ان رواة هذه القصة لم يلتفتوا الى الايتين
الثالثة والرابعة
من السورة المباركة ذاتها(سورة النجم) التي تقول
(وما ينطق
عن الهوى ان هو الاوحي يوحى).

وتمضي السورة الى ان
تقول: (علمه شديدالقوى) «النجم: 5» فكيف يمكن للشيطان
ان يلقي على لسان الرسول(ص) وان ينطق الرسول(ص) بغير
ما انزل عليه من القرآن مع وجود هذه التاكيدات
القرآنية
الشديد والصريحة النافية لاي نوع من الاشتباه
والسهو مهما
صغر وتضاءل؟! ان من شان هذه الرواية ان تجيز
استيلاء
الشيطان على الوحي الالهي فضلا عن تجويزها وقوع
الرسول(ص) في الخطاوالاشتباه معاذ اللّه .

وهذا امر
منكر
يرفضه القرآن ويشجبه بشدة (ان هو الا وحي يوحى).

وهذه
نقطة لم يلتفت اليها حتى اولئك الذين ردوا هذه
الرواية، فقد
اعتمدوا في رفضها على امر واحد فحسب الا وهو انها
تؤدي الى
اقرار وقوع الرسول(ص) في الخطا والاشتباه.

جاء في رواية الطبري عن محمد بن اسحاق: «ان قريشا
كانواقد فرحوا وسرهم واعجبهم ما ذكر به آلهتهم،
فاصاخوا
له،والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاءهم به عن ربهم،
ولايتهمونه على خطا ولا وهم ولا زلل، فلما انتهى
الى
السجدة منها وختم السورة سجد فيها فسجد المسلمون
بسجود نبيهم تصديقا لما جاء به واتباعا لامره،
وسجد من في
المسجد من المشركين من قريش وغيرهم لما سمعوا من
ذكر
آلهتهم، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر الا سجد.

ان الايات (21، 22، 23) من سورة النجم والتي يفترض
انهاجاءت بعد هاتين العبارتين الشيطانيتين كانت:
(الكم الذكر
وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزى ان هي الا اسماء
سميتموهاانتم وآباؤكم).

وهذا سؤال استنكاري يستبطن
الطعن بقريش ويقول: بعد ان جعلتم اللات ومناة
والعزى بناتا
للّه، فتلك اذاقسمة ضيزى، غير عادلة ولا متوازنة،
لان
وجوهكم كانت تسود من الحزن لمجرد سماعكم بخبر
ولادة
بنت لكم، بينماتجعلون ذرية اللّه من البنات فقط!
فهل ستفرح
قريش وتبتهج لهذا الطعن والقدح الذي كالتهما لها
السورة
المباركة هل تسرقريش وتقول: ان محمدا ذكر آلهتها
بخير؟!
وهي تسمع القرآن الكريم ياتي على ذكر آلهتها ثم لا
يعتبرها
اكثر من اسماء ليس الا: (ان هي الا اسماء سميتموها
انتم
وآباؤكم)؟! جاء في هذه الرواية ايضا: ان الرسول(ص)
كان قد
حزن عند ذلك حزناشديدا، او خاف من اللّه خوفا
كثيرا، فانزل
اللّه عز وجل، وكان به رحيما، يعزيه ويخفف عنه،
ويخبره انه لم
يك قبله نبي ولارسول تمنى كما تمنى ولا احب كما احب،
الا
والشيطان قدالقى في امنيته كما القى على لسانه(ص)،
فنسخ
اللّه ما القى الشيطان واحكم آياته (وما ارسلنا من
قبلك من
رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في
امنيته).

يبدو ان
راوي هذه الرواية نسي ان هذه الاية هي من سورة
الحج، وسورة
الحج مدنية، او على الاقل انها نزلت على رسول
اللّه(ص) بين
مكة والمدينة طبقا لبعض المصاحف واذا فهناك فترة
زمنية
مقدارهاعلى الاقل خمس او ست سنين بين قصة الغرانيق
ونزول سورة النجم.

ويلاحظ في الايتين السابقتين من
سورة
الحج الطول المعهود في الايات المدنية، اذن كيف
يترك اللّه
تعالى رسوله(ص) في حزن واسى طيلة خمس او ست سنوات،
ثم ينزل عليه ما يعالج به مسالة قد عفا عليها
الزمن؟!.

وكلمة النسخ التي وردت في الاية لا يقصد بها
النسخ المصطلح
عليه، من تبديل حكم مكان حكم وآية بدل آية، اذلم تكن
الجملتان الشيطانيتان آيتين حتى يقال انهما قد
نسختا.

فصريح
الاية الشريفة ان الشيطان يحاول ان يدخل على
اماني الرسل
ويتسلل عبرها الى ساحتهم المقدسة، فيتدخل
الباري جل شانه
فورا ليرفع هذه الوسوسة وينسخها قبل ان تخرج من
عالم
النفس على شكل قول او حديث.

وعلى هذا فسوف لن يكون لهذه الاية من سورة الحج
اي ارتباط
بتلك العبارتين الشيطانيتين، حيث تدعي الروايات
ان الرسول(ص) كان قد اعتبر الاية الشريفة من الايات
التي
نزلت بحق كفار قريش.

وبهذا صار من السهل رد الرواية وتفنيدها بناء على
تلك الصورة
التي نقلت فيها دون حاجة الى البراهين
الكلامية والمسائل
الاعتقادية، وذلك بالاشارة الى تناقضاتها
الداخلية وما تضمنه
متنها من تضاد وتهافت.

ولكن كما اشرنا سابقا فان ابن حجر قال في شرح
صحيح البخاري: ان الرواية طبقا لقواعد الحديث يجب
ان تكون
قداستندت الى اصل ما او حادثة ما، ولهذا حاول
توجيهها
وتاويلهاتبعا لذلك.

وفي الحقيقة ان رواية صحيح
البخاري
تنص على ان المسلمين والمشركين كانوا قد سجدوا
جميعا
مع الرسول(ص) حين تلا آية السجدة من سورة النجم.

وهنايطرح السؤال التالي: ما الذي جعل المشركين
يسجدون؟
او ماالذي دعا ذلك الرجل المشرك الى السجود؟، والذي
تنقل رواية اخرى في صحيح البخاري انه اخذ قبضة من
التراب ووضع عليها جبهته علامة على السجود.

لم تكن الاجوبة التي نقلت خالية من التكلف.

منها
مثلا ما
نقله(الكرماني) في شرح صحيح البخاري«234»،
حيث
قال:لانها كانت اول سجدة نزلت، فانهم لم يشاءوا
اظهار
المعارضة للمسلمين في السجود لمعبودهم، او انهم
سجدوا
بدون قصدوارادة».

وروى العلامة المجلسي«235» عن الطبري انه روى
عن البلخي المتكلم قوله: «انه من الممكن ان يكون
الرسول(ص)قد سبقه لسانه ونطق بهاتين الكلمتين
اللتين
حفظهما عن قومه بعد ان ذكره الشيطان بهما اثناء
تلاوته
لسورة النجم، ولكن اللّهمنعه من ذلك».

ونحن نعتقد ان كلام البلخي ينطوي على شي ء من
الحقيقة،فان الرسول(ص) كان قد سمع هاتين العبارتين
من
قومه، يقول الكلبي: «ان قريش كانت تطوف حول الكعبة
وتردد
شعارهاالمعروف: واللات والعزى ومناة الثالثة
الاخرى،
فانهن الغرانيق العلى، وان شفاعتهن لترتجى»«236».

اذن كانت قريش تهتف بهاتين العبارتين حول اللات
والعزى ومناة عند طوافها حول البيت، وحين تلا
الرسول(ص)
الوحي الالهي من سورة النجم حتى وصل الى الاية (18)
(لقد
راى من آيات ربه الكبرى) فاوحي اليه الاية التي
تليها
(افرايتم اللات والعزى) يعني ان الرسول(ص) قد راى من
آيات
ربه العظمى، فهل رايتم شيئا من اربابكم؟ وهنا ذكر
الرسول(ص)هاتين الجملتين اللتين تلهج بذكرهما قريش
في
الطواف لاعلى انهما من القرآن، بل للطعن بمعتقدات
قريش والاستخفاف باربابهم، واظهار عجز هذه
الاسماء
(اللات والعزى ومناة)، التي كانت تحتل مقام
الربوبية عند
العرب،وكانوا يعتبرونهم آلهتهم العليا.

ثم سخر
القرآن منهم
بقوله:(الكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزى)،
اي لم
ترواانكم زعمتم ان اللات والعزى ومناة هي بنات
اللّه، في
الوقت الذي تكرهون ذلك لانفسكم وتودون ان ترزقوا
ذكورا؟!
وهنا ظنت قريش ان الرسول(ص) اقر بتلفظه بهاتين
العبارتين ب آلهتها، وانه ايد مقولتها بكلام
اللّه، ولهذا سجدت
لالهتهاحينما سجد رسول اللّه(ص).

وبهذا التفسير نكون قد حافظنا على اصل رواية الطبري
بدون تجزئتها او تقطيعها، ودون الحاجة الى القول
بان
الشيطان القى هاتين العبارتين على لسان النبي(ص)
وهو يتلو
سورة النجم.

وكذلك اصبح من المعلوم والمسلم به وفقا لهذا
التفسير
ان الرسول لم يات بهاتين الجملتين ان كان قد نطق
بهما
على انهما جزء من القرآن الموحى، وانما للاستخفاف
والاستهزاء،فكرر اقوالهم وما يدعونه عن آلهتهم،
فلما سمعت
قريش منه ذلك وشاهدته وهو يسجد سجدت معه.

وقد نتج عن هذه الحادثة الصغيرة شائعات ترددت في
مكة وخارجها، بان مشركي قريش قد اسلموا، وبوصول
هذه الشائعة الى ارض الحبشة قرر المسلمون
المهاجرون
العودة من هناك الى مكة.

اما اولئك الذين يحاولون النيل من كلام اللّه
والنزول
بالوحي الالهي الى مستوى البشر وجعله كالسجع الذي
كان
يتداوله المشركون، فقد وجدوا في هذه الرواية عونا
على تاييد
ما ذهبوااليه من تدخل الشيطان في الوحي نعوذ باللّه
من ذلك
وتشبثوابالاية الشريفة من سورة الحج كذريعة لاثبات
صحة ما
ذهبوااليه.

قريش تتابع المهاجرين الى الحبشة:
والان لندع الحديث عن الغرانيق جانبا ونعود الى
المهاجرين الى الحبشة، اذ تقول الروايات ان قريش
بعثت باثنين
من انشط واشد رجالها الى ملك الحبشة، وحملتهم
بمختلف الهدايا الثمينة، في محاولة لاقناع ملك
الحبشة
بضرورة حمل المسلمين المهاجرين على ترك الحبشة
والعودة
الى مكة.

وهنايطرح تساؤل حول الاسباب التي دعت قريش
لتتبع المهاجرين وسعيها لاعادتهم الى مكة في
الوقت
الذي تخلصت فيه من ازعاجهم واذيتهم، واصبح
بامكانها
التفرغ للرسول(ص) ومن بقي معه من المسلمين في مكة.

علما
ان قريش كانت اكثر ما تشكو منه طبقا للروايات هو
سب المسلمين لالهتها وتسفيههم لمعتقداتها
واحلامها، ففي
مثل هذه الحالة تكون قد تخلصت من اذى جماعة كبيرة
من المسلمين، او انها على الاقل لم تعد تسمع سبهم
لالهتها،
اذالماذا كانت تقلق من بقاء هذه الجماعة من
المسلمين
في الحبشة، وتسعى جاهدة لاعادتهم؟
وهنا يتضح السبب الحقيقي وراء مناهضة قريش
لرسول اللّه(ص)، كما اعتقد، ذلك السبب الذي تشير
اليه
الاية(57)من سورة القصص اذ تقول: (ان نتبع الهدى معك
نخطف من ارضنا).

لقد كانت قريش تشعر بمخاوف حقيقية من تاثير
المسلمين هناك.

وتخشى دخول الاحباش في الاسلام او
دخول
ملك الحبشة نفسه في دين محمد(ص)، وما يترتب على ذلك
من نتائج خطيرة قد تنتهي بقيام الاحباش بالهجوم
على
مكة وتهديد موقع قريش ومركزها هناك كما جرى في عهد
ابرهة.

لهذا سارعت الى تلافي الامر في بدايته وبعثت
كل من
عبداللّهبن ابي ربيعة، وعمرو بن العاص بن وائل
السهمي
الى الحبشة، وزودتهم بافخر الهدايا، وخاصة الجلود
المكية المعروفة على امل اقناع ملك الحبشة بطرد
المسلمين
من هناك.

وقد عرف عمرو بن العاص بمكره ودهائه قبل الاسلام
وبعده،ولا يخفى دوره في تثبيت حكم معاوية
واستحكامه
عندما لجاالى حيلته المعروفة في معركة صفين، ومن ثم
مراوغته في قضية التحكيم وخداعه لابي موسى
الاشعري.

وطبقا لرواية ام سلمة (زوج الرسول(ص»، التي كانت
قدهاجرت مع زوجها ابي سلمة بن الاسدالمخزومي«237»
قبل زواجها من رسول اللّه(ص)، فقدجاء فيها انها
قالت: «لما
نزلت ارض الحبشة جاورنا بها خيرجار، النجاشي، امنا
على
ديننا وعبدنا اللّه تعالى، لا نؤذى ولانسمع شيئا
نكرهه، فلما بلغ
ذلك قريشا ائتمروا بينهم على ان يبعثوا الى
النجاشي فينا
رجلين منهم جلدين، وان يهدواللنجاشي هدايا مما
يستطرف
من متاع مكة، وكان من اعجب ماياتيه منها الادم،
فجمعوا له
ادما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا الا
اهدوا اليه هدية،
ثم بعثوا بذلك عبداللّه بن ابي ربيعة، وعمرو بن
العاص
وامروهما بامرهم، وقالوا لهما: ادفعاالى كل بطريق
هديته قبل
ان تكلما النجاشي فيهم، ثم قدماالى النجاشي هداياه
ثم سلاه
ان يسلمهم اليكما قبل ان يكلمهم.

فخرجا حتى قدما
على
النجاشي، ونحن عنده بخيردار عند خير جار، فلم يبق
من
بطارقته بطريقا الا دفعا اليه هديته قبل ان يكلما
النجاشي،
وقالا لكل بطريق منهم انه قدضوى«238» الى بلد الملك منا
غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم
وجاءوا
بدين مبتدع، لا نعرفه نحن ولا انتم، وقد بعثنا الى
الملك فيهم
اشراف قومهم ليردهم اليهم، فاذا كلمنا الملك فيهم
فاشيروا
عليه بان يسلمهم الينا ولا يكلمهم، فان قومهم اعلى
بهم عينا،
واعلم بما عابواعليهم، فقالوا لهما: نعم.

ثم انهما قدما هداياهما الى النجاشي فقبلها منهما،
ثم
كلماه فقالا له: ايها الملك، انه قد ضوى الى بلدك
منا غلمان
سفهاء،فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا دينك، وجاءوا
بدين
ابتدعوه،لا نعرفه نحن ولا انت، وقد بعثنا اليك فيهم
اشراف
قومهم من آبائهم واعمامهم وعشيرتهم، لتردهم
اليهم، فهم
اعلى بهم عينا،واعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم
فيه».

قالت:
«ولم يكن شي ءابغض الى عبداللّه بن ابي ربيعة
وعمرو بن
العاص من ان يسمع كلامهم النجاشي، فقالت بطارقته
حوله:
صدقا ايهاالملك، قومهم اعلى بهم عينا واعلم بما
عابوا عليهم،
فاسلمهم اليهما، فليرداهم الى بلادهم وقومهم.

فغضب
النجاشي، ثم قال: لاها اللّه، اذا لا اسلمهم
اليهما، ولا يكاد قوم
جاوروني،ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى
ادعوهم فاسالهم عما يقول هذان في امرهم، فان كانوا
كما
يقولون اسلمتهم اليهما ورددتهم الى قومهم، وان
كانوا على
غير ذلك منعتهم منهما واحسنت جوارهم ما جاوروني».

قالت: «ثم ارسل الى اصحاب رسول اللّه(ص) فدعاهم،
فلماجاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما
تقولون للرجل اذا جئتموه؟ قالوا: نقول واللّه ما
علمنا، وما امرنا
به نبينا(ص) كائنا في ذلك ما هو كائن.

فلما جاءوا،
وقد
دعاالنجاشي اساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، سالهم
فقال
لهم: ماهذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا
به في
ديني ولافي دين احد من هذه الملل؟
فكان الذي كلمه جعفر بن ابي طالب، فقال له: ايها
الملك،
كناقوما اهل جاهلية، نعبد الاصنام، وناكل الميتة،
وناتي
الفواحش،ونقطع الارحام، ونسي ء الجوار، وياكل
القوي منا
الضعيف،فكنا على ذلك حتى بعث اللّه الينا رسولا
منا، نعرف
نسبه وصدقه وامانته وعفافه، فدعانا الى اللّه
لنوحده ونعبده،
ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة
والاوثان،
وامرنابصدق الحديث، واداء الامانة، وصلة الرحم،
وحسن
الجوار،والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن
الفواحش،
وقول الزور، واكل مال اليتيم، وقذف المحصنات،
وامرنا ان نعبد
اللّهوحده لا نشرك به شيئا، وامرنا بالصلاة
والزكاة والصيام»
قالت:«فعدد عليه امور الاسلام فصدقناه وآمنا به،
واتبعناه
على ما جاءبه من اللّه، فعبدنا اللّه وحده، فلم
نشرك به شيئا،
وحرمنا ماحرم علينا، واحللنا ما احل لنا، فعدا
علينا قومنا
فعذبونا وفتنوناعن ديننا، ليردونا الى عبادة
الاوثان من عبادة
اللّه تعالى، وان نستحل ما كنا نستحل من الخبائث،
فلما قهرونا
وظلموناوضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا،
خرجنا الى
بلادك،واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك،
ورجونا
الا نظلم عندك ايها الملك!
فقال له النجاشي: هل معك مماء جاء به عن اللّه من
شي ء؟فقال
له جعفر: نعم.

فقال له النجاشي فاقراه علي.

فقرا
عليه صدرا من
(كهيعص) قالت: «فبكى واللّه النجاشي حتى اخضلت
لحيته،
وبكت اساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا
عليهم! ثم قال لهم النجاشي: ان هذا والذي جاءبه عيسى
ليخرج من مشكاة واحدة! انطلقا، فلا واللّه لااسلمهم
اليكما، ولا
يكادون»!
قالت: «فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: واللّه
لاتينه غدا عنهم بما استاصل به خضراءهم«239».

فقال
له عبداللّه بن ابي ربيعة وكان اتقى الرجلين فينا :
لا تفعل فان
لهم ارحاما، وان كانوا قد خالفونا.

فقال: واللّه
لاخبرنه انهم
يزعمون ان عيسى ابن مريم عبد! ثم غدا عليه من الغد
فقال له:
ايهاالملك، انهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا
عظيما،
فارسل اليهم فسلهم عما يقولون فيه.

فارسل اليهم ليسالهم عنه».

قالت: «ولم ينزل بنا
مثلها
قط.

فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في
عيسى ابن مريم؟ فقال جعفر بن ابي طالب: نقول فيه
الذي
جاءنا به نبينا،يقول: هو عبد اللّه ورسوله وروحه
وكلمته القاها
الى مريم العذراء البتول.

فضرب النجاشي بيده الارض فاخذ منها عودا، ثم قال:
واللّه
ماعدا عيسى ابن مريم مما قلت هذا العود.

فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وان
نخرتم واللّه، اذهبوا فانتم شيوم«240» بارضي، من سبكم
غرم،من سبكم غرم! ما احب ان لي«241» دبرا من ذهب
واني اذيت رجلا منكم! ردوا عليهما هداياهما، فلا
حاجة لي
بها.

فقال: اذهب يا ابن اخي، فقل ما احببت، فواللّه
لا
اسلمك لشي ء ابدا«242»».

تضمنت رواية ام سلمة بعض النكات التي ينبغي الاشارة
اليها،احداها تسمية مبعوثي قريش الى المسلمين
المهاجرين
ب(غلمان سفهاء) فان ذلك يؤيد ما ذهبنا اليه سابقا من
ان
اكثرالمسلمين الاوائل كانوا شبانا.

والثانية تعريف
هذين
المبعوثين بانفسهما بانهما رسولا اشراف مكة، وهما
صادقان في
ذلك،فان اعداء الرسول الاشداء كانوا كما اشرنا
سابقا
اشراف القوم واصحاب النفوذ فيهم.

والنكتة الثالثة
قيام جعفر
بن ابي طالب بدور الناطق باسم المهاجرين، مما يعني
ان
خطوة قريش هذه، اي ارسالها للمبعوثين (عمرو بن
العاص)و(عبداللّه بن ابي ربيعة) كانت بعد الهجرة
الثانية الى
الحبشة،اذ لم يرد اسم جعفر بن ابي طالب في قائمة
المهاجرين في الهجرة الاولى الى الحبشة، وقد كان
جعفر بن
ابي طالب قائدالمهاجرين في الهجرة الثانية.

اما عن تصديق النجاشي لقول المسلمين: ان عيسى كان
عبداللّه وكلمة اللّه وروح اللّه، فربما يعود الى
انسجام ذلك
الى حد ما مع عقائد (المونوفيزتيين) اي المعتقدين
بالطبيعة الواحدة في عيسى، فقد كان (المونوفيزت)
مذهب
النجاشي واهل الحبشة الذي كان يختلف تماما عن مذهب
اباطرة بيزنطة وعقيدتهم في عيسى (المذهب المكابي)
وكذلك مع عقائدالنسطوريين.

ربما اعتبر النجاشي
كلمة
(عبد) تتطابق مع عقائد(المنوفيزتيين) الذين عبروا عن
عيسى بما يشبه ذلك التعبير،اذ كانوا يعتبرونه
انسانا كاملا وربا
في آن واحد.

فاعتبر كلمة(عبد) هنا اشارة الى
انسانيته، بينما
كانت كلمتا (روح اللّه) و(كلمة اللّه) تعبيرا عن
ربوبيته، وربما
كان ذلك هو السبب وراءتخفيف حدة الاعتراضات التي
اثيرت
من قبل الاساقفة.

لقد كان تاريخ الحبشة في هذا الوقت اي في العقد
الثاني
من القرن السابع مظلما، وكانت الحبشة، وفقا
للروايات
التي تحدثت عن هجرة المسلمين الى الحبشة، مسرحا
للانقلابات الداخلية.

هذا وقد وردت بعض القصص عن
دخول
النجاشي الاسلام واعتناقه الدين الجديد، وربما
كانت هذه
الروايات غيردقيقة بصورة عامة، غير انها تكشف على
اقل تقدير
عن ميل النجاشي الى الدين الاسلامي.

ونقلت روايات اخرى عن مبعوثي قريش الى ملك
الحبشة،منها
ما جاء في (الاغاني)«243»، وكانها قصة تدور
اكثرفصولها
حول الحب والعشاق وما الى ذلك.

ويذكر في
هذه الرواية عمارة
بن الوليد المخزومي على انه المبعوث الثاني
مع عمرو بن
العاص بدلا عن عبداللّه بن ابي ربيعة، وقد
اشتهرعمارة بن
الوليد المخزومي في قريش بشدة جماله، وقيل
عنه احيانا بانه
ارتبط في هذا السفر بعلاقة حب مع زوجة عمرو
بن العاص
وزوجة النجاشي، واخيرا صار مع السحرة في الصحراء،
ولا يمكن
الاعتماد على هذه الرواية.

هذا وقد ورد اسم عمارة بن الوليد في غير هذه الرواية
باعتباره احد مبعوثي قريش، ويعتقد ان اشتهاره
بالجمال
وحسن الخلقة كان هو السبب وراء افتعال تلك القصص
حوله
في(الاغاني).

عودة المهاجرين:
هناك اختلاف حول عودة المهاجرين من الحبشة بعد
انتشارخبر اسلام اهل مكة، بين روايات ابن اسحاق كما
ورد
في الطبري وسيرة ابن هشام، ورواية الواقدي عن ابن
ابي
نجيح.

فطبقا لرواية ابن هشام عن ابن اسحاق ان
العائدين من
الحبشة كانوا قد اكتشفوا كذب خبر اسلام اهل مكة
قبل
دخولهم اليهاوعندما كانوا على مقربة منها، فكان
دخولهم الى
مكة امابواسطة (الجوار) من قبل احد افراد قريش او
بالتخفي والتستر، وذكر اسماء بعض الاشخاص الذين
اقاموا في
مكة الى ان هاجروا مع الرسول(ص) الى المدينة وشهدوا
بدرا،
اوبقوا محبوسين في مكة حتى فاتتهم المشاركة في
معركة
بدروغيرها، بينما توفي آخرون بمكة، ثم نقلت
الرواية
قائمة باسماء من عاد الى الحبشة تحتوي على ثلاثة
وثلاثين
اسما.

اما «244»
الواقدي فقد قال كمامرت الاشارة اليه ان هجرة
المسلمين الى الحبشة كانت في رجب من السنة الخامسة
للبعثة، وبقوا هناك شهري شعبان ورمضان حتى جاءهم
خبر
السجدة، وكان ذلك في شهر رمضان، فكانت عودتهم الى
مكة
في شوال، وبعد عودتهم لقوا اذى شديدا من قريش
وتعاون على
ظلمهم البعيد والقريب، الامر الذي دعاالرسول(ص) الى
ان
ياذن بالهجرة الثانية الى ارض الحبشة،وكان خروج
المسلمين
هذه المرة اشد كثيرا من سابقه في الهجرة الاولى
حيث ازدادت
معاناتهم من قريش سيما بعد ان اصبحت على علم بما
وجده
المسلمون من حسن المعاملة وطيب الاقامة عند
النجاشي.

وقد سال عثمان بن عفان رسول اللّه(ص): «يا رسول
اللّه،
قدهاجرنا ثانية الى الحبشة ولم تكن معنا؟» فقال(ص):
«انماهجرتكم الى اللّه والي، واجر الهجرتين لكم».

فقال
عثمان:«هذا يكفينا، يا رسول اللّه».

وقد كان عدد المهاجرين في هذه الهجرة (83) رجلا
و(11)امراة من قريش، و(8) من سائر الناس، فاقاموا
جميعا
في الحبشة بامان وسلام واحسان حتى سمعوا
بهجرة الرسول(ص) الى المدينة، فهاجر (33) رجلا و(8)
نساء
منهم الى مدينة الرسول(ص)، وشهد (14) رجلا منهم بدرا،
حتى بعث رسول اللّه(ص) كتابا الى النجاشي يدعوه فيه
الى الاسلام، يحمله عمرو بن امية الضمري في السنة
السابعة للهجرة.

ويلاحظ، بناء على رواية ابن هشام،
ان(33)
رجلا،ومن جملتهم عثمان بن عفان، لبثوا في مكة بعد
العودة
الاولى من الحبشة، ولكن وفق رواية الواقدي فان
عثمانا هاجر
ثانية الى الحبشة، وكانت هجرته من الحبشة الى
المدينة،
وبالنظرللترتيب الواقعي والتوالي المنطقي في
رواية الواقدي
عن ابن نجيح، فاننا نرجحها على رواية ابن هشام
الملخصة عن
رواية ابن اسحاق والتي تحتمل السقط والاختصار،
ونقل
البلاذري الاحداث وفقا لترتيبها في رواية الواقدي
ايضا.

وفي
هذاالمجال كثير من التفصيل، وروايات هذا الباب
بحاجة
الى مزيد من النقد والتحليل مما لا يتناسب مع حجم
كتابنا.

وبما ان جعفر بن ابي طالب كان قائد الهجرة الثانية،
فان
تتبع عمرو بن العاص وعبداللّه بن ابي ربيعة
للمهاجرين
الى الحبشة كان بعد الهجرة الثانية.

ما قامت به قريش ضد الرسول(ص):
بعد ان عاد مبعوثا قريش بخفي حنين من الحبشة،
تحفزت قريش لانزال مزيد من الاذى والعذاب
بالمسلمين
داخل مكة وفي مقدمتهم الرسول(ص)، غير انها لم تجد
طريقا
لالحاق الاذى به غالبا، الا عن طريق المحاربة
الكلامية وتوجيه
التهم والافتراءات اليه، وذلك لوقوف ابي طالب
بصورة خاصة
وبني هاشم بصورة عامة الى جانبه(ص) واصرارهم على
حمايته والذود عنه(ص).

وقد هجموا عليه مرة او مرتين، غير انهم لم يستطيعوا
فعل شي ء
يذكر، بسبب طبيعة النظام القبلي الذي كان
سائداوالالتزامات
التي يفرضها على الحلفاء في حماية افراد
القبيلة،واحيانا كانت
تنتهي بنتيجة السب والشتم والتي كان يتعرض
لهاالرسول(ص) بدلا من الحاق الضرر به، كما في اسلام
حمزة بن عبد المطلب الذي كان نتيجة احدى فعال قريش
السيئة مع رسول اللّه(ص).

اسلام حمزة بن عبد المطلب:
اشتهر حمزة بشجاعته وجلده وعلو همته، غير انه كان
بعيداعن
شؤون مكة السياسية، كما يبدو، ولم يسبق له ان
اعاراهتماما
خاصا بالدين الجديد الذي جاء به ابن اخيه، لقد
كان حمزة
صيادا ماهرا، وقد اعتاد على ان يذهب الى البيت
الحرام ويطوف
حول الكعبة قبل ان يتجه الى منزله في كل مرة يعودبها
من
الصيد، وفي طريقه الى المنزل كان يمر بتجمعات قريش
ويسلم على اهلها ويتبادل الحديث معهم.

وبينما كان الرسول يقف يوما قرب جبل الصفا«245»،
مربه ابو
جهل ف آذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من
العيب لدينه
والتضعيف لامره، فلم يكلمه رسول اللّه وكان هناك
مولاة لعبداللّه بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك ثم
انصرف
عنه فعمد الى ناد من قريش عند الكعبة فجلس معهم.

فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي اللّه عنه ان
اقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له، وكان اذا فعل
ذلك لم
يمرعلى ناد من قريش الا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان
اعزفتى في قريش واشدهم شكيمة، فلما مر بالمولاة وقد
رجع رسول اللّه(ص) الى بيته قالت له: «يا ابا عمارة،
لو رايت ما
لقي ابن اخيك محمد آنفا من ابي الحكم بن هشام! وجده
هاهناجالسا ف آذاه وسبه وبلغ منه ما يكره، ثم
انصرف عنه،
ولم يكلمه محمد(ص»).

فاحتمل حمزة الغضب لما اراد اللّه به من كرامته،
فخرج يسعى
ولم يقف على احد معدا لابي جهل اذا لقيه ان يوقع
به،فلما
دخل المسجد نظر اليه جالسا في القوم، فاقبل نحوه
حتى اذا
قام على راسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة
منكرة،ثم
قال: «اتشتمه وانا على دينه اقول ما يقول؟ فرد ذلك
علي
ان استطعت».

فقام رجال من بني مخزوم لينصروا ابا جهل، فقال ابو
جهل:«دعوا ابا عمارة، فاني واللّه قد سببت ابن اخيه
سبا
قبيحا.

وبقي حمزة على اسلامه وعلى ما تابع عليه
رسول
اللّه(ص) فلمااسلم حمزة عرفت قريش ان رسول اللّه(ص)
قد
عز وامتنع وان حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا
ينالون منه«246».

اسلام عمر بن الخطاب:
كان عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى من بني عدي
من قريش، وهو الخليفة الثاني بعد ابي بكر، وفي نظر
العلماءوالمحدثين من اهل السنة ان عمر افضل
الصحابة بعد
ابي بكربن ابي قحافة، وسواء صحت وجهة النظر هذه او
لا، فان
ذلك لا يؤثر على الحقيقة التاريخية في كون عمر ابن
الخطاب
كان الخليفة الثاني، ومع هذا المقام الذي كان
يحتله عمر يصبح
من الضروري معرفة الاسباب التي جعلته يتاخر اكثر
مما يتوقع
في اعتناق الاسلام، وبتعبير آخر انه اسلم بعد ان
اسلمت شخصيات عديدة اقل منه منزلة بين الصحابة،
ولم
يحتلوا فيمابعد المقام الذي شغله عمر في الاسلام،
لقد اسلم
عمر بعدهجرة المسلمين الى الحبشة وفقا لما جاء في
الروايات وبالتحديد في السنة السادسة بعد البعثة
النبوية، وكان
في السادسة والعشرين من عمره، ونظرا لانتمائه الى
قريش،
ولانه كان من الرجال اللامعين في مكة، فقد اعتبر
من
شباب المسلمين الاوائل الذين يصنفون عادة الى
(احداث،
وضعفاء،ومستضعفين).

وهنا ينبغي البحث داخل شخصيته لمعرفة السبب وراء
تاخره في اعتناق الاسلام، فقد كان عمر كما تؤكد
الروايات
وكذلك سيرته الشخصية رجلا ذا شكيمة وشدة وصلابة،
يصعب اقناعه، ويتعذر تغيير رايه، او تبديل
معتقداته.

وكان الى
جانب ذلك سريع الغضب، عصبي المزاج، خشن الطباع،
وقد
وصفه الامام علي بن ابي طالب(ع) في نهج البلاغة
بانه:
«حوزة خشناء» ولكنه كان يستسلم للمنطق، وكان مع
شدته
وخشونته يضعف امام المناظر المؤثرة ويرق قلبه
للاحداث
المؤلمة، لقدعكست قصة اسلامه هذه الصفات المتضادة
والمتناقضة التي انطوت عليها شخصيته.

وكان سبب اسلام عمر ان اخته فاطمة بنت الخطاب كانت
قداسلمت واسلم بعلها سعيد بن زيد، وهما مستخفيان
باسلامهمامن عمر، وكان نعيم بن عبداللّه النحام
رجل من
قومه من بني عدي بن كعب قد اسلم، وكان ايضا يستخفي
باسلامه فرقا من قومه، وكان خباب بن الارت يختلف
الى
فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن، فخرج عمر يوما
متوشحا
سيفه يريد رسول اللّه(ص) ورهطا من اصحابه قد علم
انهم
اجتمعوا في بيت عندالصفا، وهم قريب من الاربعين ما
بين
رجل وامراة وكان مع رسول اللّه(ص) عمه حمزة بن عبد
المطلب وابو بكرالصديق، وعلي بن ابي طالب، في رجال
من
المسلمين، ممن كان اقام مع رسول اللّه(ص) بمكة ولم
يخرج
الى ارض الحبشة، فلقيه نعيم بن عبداللّه، فقال له:
«اين تريد،
يا عمر؟»فقال: «اريد محمدا هذا الصابى الذي فرق امر
قريش،
وسفه احلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها، فاقتله».

فقال له
نعيم:«واللّه لقد غرتك نفسك، يا عمر! اترى بنو عبد
مناف
تاركيك تمشي على الارض وقد قتلت محمدا؟! افلا ترجع
الى
اهل بيتك فتقيم امرهم؟» قال: «ومن اهل بيتي؟» قال:
«ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، واختك فاطمة
بنت الخطاب،فواللّه لقد اسلما وتابعا محمدا على
دينه، فعليك
بهما».

فرجع عمر الى اخته وختنه، وعندهما خباب بن الارت
ومعه صحيفة فيها (طه) يقرئهما اياها.

فلما احسوا
بقدوم عمر
تخباخباب في مخدع لهم، او في احدى زوايا البيت،
واخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت
فخذها،
وقدسمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب، فلما دخل
قال:
«ماهذه الهينمة«247»، التي سمعت؟» قالا له: «ما
سمعت شيئا».

قال: «بلى واللّه، لقد اخبرت انكما
تابعتما
محمدا على دينه!» وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت
اليه
اخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها، فضربها
فشجها،
فلما فعل ذلك قالا له: «نعم، قد اسلمنا وآمنا
باللّه ورسوله،
فاصنع ما بدالك»، فلما راى عمر اخته على هذه الحال
ندم
على ما صنع فارعوى، وقال لاخته: «اعطيني هذه
الصحيفة
التي سمعتكم تقرؤونها آنفا، انظر ماهذا الذي جاء
به محمد»،
وكان عمر كاتبا،فلما قال ذلك، قالت له اخته: «انا
نخشاك
عليها»، قال: «لاتخافي»، وحلف لها ب آلهته ليردنها
اذا قراها
اليها، فلما قال ذلك طمعت في اسلامه، فقالت له: «يا
اخي،
انك نجس، على شركك، وانه لا يمسها الا الطاهر»!
فقام عمر
فاغتسل، فاعطته الصحيفة، وفيها (طه) فقراها، فلما
قرا منها
صدرا قال: «مااحسن هذا الكلام واكرمه» فلما سمع ذلك
خباب خرج اليه،فقال له: «واللّه اني لارجو ان يكون
اللّه قد
خصك بدعوة نبيه(ص)، فاني سمعته امس وهو يقول: اللهم
ايد
الاسلام بابي الحكم بن هشام او بعمر بن الخطاب!
فاللّه اللّه يا
عمر!»
فقال له عند ذلك عمر: «فدلني يا خباب على محمد حتى
آتيه فاسلم».

فقال له خباب: «هو في بيت عند الصفا في
نفر
من اصحابه».

فاخذ عمر سيفه فتوشمه ثم عمد الى رسول
اللّه(ص)واصحابه،
فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من
اصحاب
رسول اللّه(ص) فنظر من خلال الباب فرآه متوشما
السيف،
فرجع الى رسول اللّه(ص) وهو فزع فقال: «يارسول
اللّه، هذا
عمر بن الخطاب متوشما السيف»، فقال حمزة بن عبد
المطلب: «فائذن له، فان كان جاء يريد خيرابذلناه
له، وان جاء
يريد شرا قتلناه بسيفه».

فقال رسول اللّه(ص): «ائذن
له»،
فاذن له الرجل ونهض اليه رسول اللّهحتى لقيه في
الحجرة،
فاخذ حجزته«248» او بمجمع ردائه، ثم جبذه
به جبذة
شديدة، وقال: «ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فواللّه ما
ارى ان
تنتهي حتى ينزل اللّه بك قارعة».

فقال عمر: «يا رسول
اللّه،
جئتك لاؤمنن باللّه وبرسوله وبماجاء من عند اللّه»«249».

هذا وقد وردت رواية اخرى عن كيفية اسلام عمر، غير
اننانرى
هذه الرواية اكثر انسجاما مع شخصية عمر
وخصائصه النفسية،
وقد نقلت عن حياته في تاريخ الاسلام تفاصيل
كثيرة تشبه
ذلك وتؤيده، فخروجه المفاجى من البيت لقتل
الرسول تعبير
عن تلك الحالة التي كانت تتسم بها شخصيته وهي سرعة
غضبه وانفعاله، وكذلك فان حالة الندم وسرعة
التاثروالانكسار
التي ظهرت عليه بعد فورة الغضب مباشرة والتي نقلت
عنه
مرارا تعبر ايضا عن تلك الحالة النفسية المشار
اليها،ثم تسليمه
للمنطق والحجة الاقوى صفة اخرى في شخصية عمر،
وميزة
ثالثة من مميزاته النفسية، فبمجرد انه قرا
الايات الاولى من
سورة(طه) فاذا به يسلم فورا.

كذلك رويت عنه تفاصيل اخرى ايام خلافته اظهرت
تسليمه لحكمة علي بن ابي طالب ودرايته بالقضاء،
حيث قال
مرارا:«لولا علي لهلك عمر».

اشتهر عمر بين قومه وعشيرته بصلابته وحدته وشدة
تطرفه رغم حداثة سنه، وكان الجميع يحسبون له
حسابا، ولهذا
نجدالرسول(ص) بناء على صحة الرواية يقرنه بابي جهل
على
كبرسنه وعلو مقامه في قومه، حيث كان يدعو اللّه ان
يهدي
الى الاسلام ابا جهل او عمر.

وبعد ان اسلم عمر سخر صلابته وشدته لخدمة
الاسلام،حتى
نقل عن ابن مسعود قوله: «ما كنا نقدر ان نصلي
عندالكعبة
حتى اسلم عمر بن الخطاب، فلما اسلم قاتل قريشاحتى
صلى
عند الكعبة وصلينا معه»«250».

ولكن هناك نوعا من المبالغة في تاثير اسلام عمر
وحمزة،فسنرى الرسول(ص) بعد وفاة ابي طالب يبقى دون
ناصرومجير، حيث يضطر بعد عودته من ثقيف ان يدخل
مكة بجوار احد المشركين، ولم يستطع حمزة او عمر
فعل
شي ءله.

محاصرة بني هاشم اجتماعيا
واقتصاديا:
بعدما يئست قريش من اعادة
المسلمين المهاجرين الى الحبشة
اليها، وبعدما رفض ابو طالب تسليمها محمدا(ص)ونتيجة
لتزايد مخاوفها من انتشار الدعوة الاسلامية
بدخول شخصيات
مهمة وخطيرة مع مرور الايام في الاسلام، بعدهذا كله
جمعت
قريش امرها وجلس زعماؤها للتشاور في امرمحمد(ص)
ودينه
الجديد، وبعد المداولات توصلوا الى توقيع وثيقة
تنص على
حرمان بني هاشم وبني المطلب من حقوقهم الاجتماعية
والمدنية في مكة، لحملهم على التخلي عن محمد(ص)،
وكتبوا من اجل هذا كتابا الا يناكحوهم ولايبايعوهم
ولا
يخالطوهم، ثم علقوا هذا الكتاب في جوف الكعبة.

وبعد ان فعلت قريش فعلتها تلك، انحاز بنو المطلب
الى
ابي طالب في شعبه مع بني هاشم.

قال ياقوت«251»:
«شعب ابي يوسف: هو الشعب الذي اوى اليه رسول
اللّه(ص)
وبنوهاشم لما تحالفت قريش ضد بني هاشم وكتبوا
الصحيفة،
وكان لعبد المطلب فقسم بين بنيه حين ضعف بصره،
وكان النبي(ص) اخذ حظ ابيه، وهو كان منزل بني
هاشم ومساكنهم».

ولم ينفصل شخص من بني هاشم سوى ابي لهب
عم النبي(ص)، الذي ظاهر قريش على بني هاشم وبني
المطلب،ومكث بنو هاشم وبنو المطلب في شعب ابي طالب
سنتين اوثلاث سنوات وفقا لرواية ابن اسحاق وهم على
تلك
الحال من الشدة والحصار، لا يصل الى احد منهم شي ء
الا
سرا،وذكروا ان ابا جهل لقي حكيم بن حزام بن خويلد
ومعه
قمح يريد به عمته خديجة وهي عند رسول اللّه(ص) في
الشعب،فتعلق به، وقال: «واللّه لا تبرح حتى افضحك»،
فجاء
ابوالبختري بن هشام، فقال: «مالك وله؟ عنده طعام
لعمته
افتمنعه ان يحمله اليها؟ خل سبيله».

فابى ابو جهل
فنال منه،
فضربه ابوالبختري بلحى جمل فشجه ووطاه وطئا
شديدا«252».

وكان احسنهم بلاء في نقض الصحيفة وتوصيل الطعام
الى المحاصرين (هشام بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن
لؤي)،وهو ابن اخي نضلة بن هشام بن عبد مناف لامه وهو
احدالمحاصرين وكان ياتي بالبعير قد اوقره طعاما
ليلا
ويستقبل الشعب ويخلع خطامه فيدخل الشعب«253».

وقد كان حصار بني هاشم وبني المطلب في الشعب
هلال المحرم سنة سبع من تنبى رسول اللّه«254».

وظلوا
على هذه الحال مدة ثلاث سنين، لا يخرجون من الشعب
الا
في موسم الحج، حتى بلغهم الجهد، وسمعت اصوات
صبيانهم من وراء الشعب.

وعن ابن عباس: «حصرنا في الشعب ثلاث سنين، قطع عنا
فيهاالطعام، حتى ان الرجل ليخرق من الشعب ليشتري
طعاما
فلايبايعه احد، فمات عدد منا»«255».

هذه خلاصة عن اخبار الحصار الاقتصادي والاجتماعي
الذي فرض على بني هاشم وبني المطلب في شعب ابي
طالب،
كماوردت في تاريخ الطبري وسيرة ابن هشام وطبقات ابن
سعد،ولنا على ذلك ملاحظات ندرجها فيما يلي:


/ 13