دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة - نسخه متنی

عباس زریاب الخوئی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وحين سيطرت جرهم على مكة لم
تبادر الى طرد
ابناءاسماعيل من هذه المنطقة، بل قامت بتوثيق
العلائق
معهم وايجاد الصلات المختلفة التي من شانها ان
تشدهم
وتقارب فيما بينهم، ولكي يجنبوا المدينة (القتل
والفساد
والتخريب)عمدوا الى ابرام معاهدة صلح فيما بينهم،
التزموا
بموجبهابحفظ حرمة المدينة وعدم القيام باي عمل من
شانه
هتك حرمتها وتعكير صفو الحياة فيها.

لقد اسهم هذا الوضع في اعطاء اهمية اضافية لهذه
المدينة،وادى الى تزايد عدد الزوار الوافدين
اليها، وبالتالي
الى تضاعف مواردها المالية.

وفي هذا الوقت كانت حالة (اولاد اسماعيل) قد
تدهورت،وتحولوا من حاكمين لهذه البلدة الى محكومين
فيها،
واخذعددهم يتزايد تدريجيا، بينما كانت الطبقة
الحاكمة تبدو
اقل عددا، لكنها قد استاثرت (الطبقة الحاكمة جرهم)
بجميع الموارد لنفسها، وعاشت حياة مترفة دب فيها
الفساد
والتهتك،وكانت لا ترعى الا ولا ذمة، ولا تتورع عن
ارتكاب
مختلف الاعمال التي تتناقض وحرمة هذه المدينة
المقدسة،
فقدشهرت السلاح بوجه كل من عارضها، واخذتهم
بالشدة والقسوة، ثم عم شرها حتى شمل حجاج البيت،
فذاقوا
منهاكل اذى ومكروه.

ولغرض التباهي بالاموال واكتساب المزيد من الثروات
التي تنفقها للانفاق على الملذات، لجات الطبقة
الحاكمة الى
زيادة الضرائب المفروضة على الزوار، بل وذهبت الى
ابعد من
ذلك عندما بدات ببيع بعض الحلي والهدايا الثمينة
التي كانت
توضع في الكعبة وتعلق على جدرانها.

وقد اتخذ ابناء اسماعيل موقف الصمت امام هذه
الاعمال مراعاة
كما يبدو لقرابتهم من الطبقة الحاكمة، واملا
في الحصول على
شي ء من موارد المدينة وعائداتها، ولم يعترض احد
من اولئك
الذين كانوا يعيشون داخل مكة على جرهم،بل بدات
الاعتراضات تثار عليها من قبيلة قوية اخرى
كانت تسكن
اطراف مكة هي (قبيلة خزاعة).

استفادت قبيلة خزاعة، التي كانت قد جاءت من اليمن
من اخطاء جرهم وفسادها، فحشدت حولها المعارضين،
وفي مقدمتهم قبيلة بكر، وترجع الى بني بكر بن عبد
مناة،
وهي من كنانة، ومن القبائل التي كانت تستوطن شمال
شبه
الجزيرة العربية، وانضم اليها كذلك اولاد اسماعيل
الذين ضاقوا
ذرعابتصرفات «جرهم»، وبهذا استطاعت خزاعة ان تخلع
جرهم عن عرشها، وتحل محلها في حكم المدينة
والسيطرة
على مواردها الكبيرة التي كانت تاتيهم دونما عناء.

بعد السيطرة على الكعبة نشب الخلاف بين الفاتحين
الجددخزاعة، وبكر بن عبد مناة حول الرئاسة، وبعد
فترة
من الخصومة والنزاع استقرت الاءمور لصالح بطن من
خزاعة ترعى (غبشان).

وقد اوجد تسلط خزاعة وضعا جديدا في مكة، فحتى
مجيئهاكان اولاد اسماعيل ما زالوا يحافظون على
بقايا تعاليم
دين التوحيد رغم خضوعهم لسيطرة (جرهم)، هذا ما
تنقله الروايات التي تتحدث عن تاريخ ما قبل
الاسلام، وربما
اعتبرذلك برهان على ان ابناء اسماعيل تبعوا آباءهم
في البقاء
على عقيدة التوحيد وعبادة اللّه وحده.

غير ان سيطرة جرهم، القبيلة القادمة من اقصى جنوب
شبه الجزيرة العربية، ادى الى ضعف هذه العقيدة
التوحيدية،وافساد بعض تعاليمها، وقد جاء في
الرواية: «انه كان
اولاد معدعلى بقية من دين اسماعيل».

ولكن انتهى كل
شي ء
بعد ان سيطرت خزاعة على الاءمور، واعادت الاوضاع
الى
سابق عهدها من الشرك وعبادة الاوثان، وهكذا
استحكم الشرك
في مكة.

وقد نسبت هذه الاعمال في تاريخ ما قبل
الاسلام
الى احد زعماء خزاعة المسمى عمر بن لحي، وقيل انه
تعلم
عبادة الاوثان من اهل الشام وجاء بها الى مكة،
ويبدو ان سبب
نسبة عبادة الاصنام التي كانت عليها خزاعة الى عمر
بن لحي،
يعودالى كون هذا الاخير زعيما لهذه القبيلة التي
يعتقد اكثر
علماءانساب العرب بانها جاءت من اليمن.

وقد خالف بعض النسابة ذلك، وقرروا اعتمادا على
بعض الروايات ان خزاعة من عرب الشمال«17».

وبما ان
هؤلاءكانوا كبقية العرب من عبدة الاوثان، فقد
فرضوا عقيدتهم
تلك على اهل مكة، وطبعوا المدينة بطابعهم الخاص.

وقد نقلت خزاعة اعرافا اخرى الى مكة، حاربها
الاسلام فيمابعد
ونهى عن متابعتها، وتركزت هذه الاعراف حول
الابل والاغنام
التي كانوا يمتنعون عن تناول لحومها في اوقات
معينة او
يهدونها الى اصنامهم، حيث نهى القرآن الكريم عن
ذلك في
الاية الشريفة(103) من سورة المائدة: (ما جعل اللّه
من بحيرة
ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام).

لكن لم تبلغ عبادة الاصنام في مكة في عهد خزاعة
درجة تختفي معها كل معالم عقيدة التوحيد من تعظيم
بيت
اللّه واقامة مراسم الحج، حتى انهم كانوا يرددون
اثناء الطواف
شعارالتقديس للّه ولاوثانهم، ويعترفون بان اللّه
هو المالك
الحقيقي الذي تستمد منه اصنامهم قوتها، الا انهم
كانوا
يشركون في عبادته تعالى، حيث يهتفون «لبيك لا شريك
لك
الا شريك هو لك تملكه وما ملك»«18».

نمو قدرة قريش وسيطرتها على مكة:name="link27">
في الوقت الذي كانت فيه مكة تخضع
لسلطة خزاعة،
كانت بطون قريش وافخاذها متفرقة وموزعة على مناطق
متباعدة لايجمعها مكان واحد، وكانت السلطة تنتقل
في
خزاعة بالوراثة الى ان وصلت الى آخر زعيم لهم، وهو
حليل بن
حبشية او(حبشية).

ويبدو ان هذا الرجل لم ينجب سوى
الاناث،
وكانت(حبى) احدى بناته التي زوجها من قصي بن كلاب
زعيم قبيلة قريش في حينها«19».

وعلى رواية زيد فان قصي كان قد ذهب الى ديار «قضاعة»
مع امه التي كانت قد تزوجت احد رجالهم، ونظرا
لابتعاده
عن مواطن الاهل، واغترابه، فقد سمي (قصي) اشارة الى
ابتعاده وغربته.

وكان قصي قد عاد الى مكة ثانية، على اثر حادثة
واستطاع
بماكان يتمتع به من شجاعة وبسالة ان ينال اعجاب
رئيسها
في عهده «حليل بن الحبشية» فزوجه بنته (حبى).

وربما كان حليل يهدف من ورا هذا الزواج الى
استمالة قريش،
والتي كانت قد تزايدت قوتها كثيرا، وكذلك
استمالة قضاعة
التي تربطها بقصي صلة رحم عن طريق امه.

وقد عجز (حليل) في آخر عمره عن ادا مهامه في ادارة
شؤون الكعبة ورعاية زوارها، فسلم مفتاح الكعبة
الى ابنته حبى،
التي سلمته بدورها الى زوجها قصي بموافقة ابيها،
وقد
احسن الزوج ولما كان عليه من ذكاء وطموح استثمار
الفرصة،
فاخذيفرض سيطرته على مكة، ويمد نفوذه الى الكعبة
ليستولي على مواردها، وكان مما اعانه كثيرا على
ذلك اسناد
قبيلته«قريش» له، ووقوفها الى جانبه، اضافة الى
الدعم الذي
حظ ي به من قبيلة زوج امه «قضاعة»، وكانت كلا
القبيلتين
على جانب من القوة والنفوذ.

وقد بدات خزاعة، بعد
وفاة حليل،
تخشى قصي وتخاف من تعاظم نفوذه، فبادرت الى اخذ
مفتاح
الكعبة من حيى، فما كان من قصي الا الاهابة بقريش
واحلافها
من بني كنانة وقضاعة للوقوف الى جانبه ومساندته في
نزاعه
مع خزاعة، فلبوا دعوته، وحضروا في موسم الحج الى
مكة،اعرابا
عن تاييدهم له، واستعدادا للتضحية في سبيل نصرته.

ثم طلبوا الى خزاعة ان تعيد مفتاح الكعبة الى قصي
كما
سلمه له حليل، غير ان خزاعة رفضت ذلك، فنشب القتال
بينها
وبين قريش وقضاعة، رغم حرمة المكان (مكة) وحرمة
الزمان
(ايام الحج)، واخيرا توقف القتال بين الطرفين
بتدخل بعض
القبائل للاصلاح، ووافقا معا على ان يحكم بينهما
رجل من
كنانة.

ويفهم من فحوى القصة التي ينقلها الازرقي: ان
الغلبة
كانت لقريش وحلفائها في هذه المعركة، الامر الذي
دفع خزاعة
الى الموافقة على الصلح والتحكيم، وهذا ما تؤيده
ايضا كثرة
القتلى بين بني خزاعة.

كان الحكم من بني بكر بن عبد مناة، وهم من بني
كنانة المحالفين لخزاعة، ويبدو ان غموض موقف بني
كنانة في
هذه الحرب، ووقوف بعض افرادهم الى جانب قريش،
ووقوف البعض الاخر الى جانب خزاعة، واتخاذ بعضهم
الحياد،
هوالذي دفع قريش لقبول الحكم البكري الكناني.

وجاء حكم القاضي وهو يعمر بن عوف لصالح قريش وقصي،
فقضى ان لا دية للدماء التي اريقت في هذه
المعركة،وان تعود
السدانة (سدانة الكعبة) وحمايتها والسهر
على مصالحها لقصي،
لان حليل كان قد اعطاه اياها.

وفي هذا المجال اختلاف بين رواية ابن اسحاق
ورواية الازرقي،
حيث جاء في رواية ابن اسحاق ان يعمر بن عوف قد قضى
بان لا
دية لدم خزاعة، بينما قضى بالدية على خزاعة لما
اهرقته من
دماء قريش، وسبب ذلك كما هو واضح ان الحق كان مع
قريش
في هذا النزاع، وتتحمل خزاعة، التي خاضت حربا
ظالمة، دية ما
سفكته من دماء قريش.

لكننا لا نرى صحة مثل هذا الحكم، اذ يكفي خزاعة
ضعفااقصاؤها عن رئاسة مكة وسدانة الكعبة فضلا عن ان
تتحمل دية قتلى اعدائها، وان يصل بها الضعف الى
درجة قبولها
بمثل هذا العار، وبناء على ذلك فاننا نرجع صحة
رواية الازرقي.

وهناك نقطة افتراق اخرى بين الروايتين، اذ يعزو ابن
اسحاق سبب النزاع الى خلاف حصل بين قصي وبطن
الصوفة
حول بعض الموارد التي كانت تحصل عليها هذه الاخيرة
في
موسم الحج، ولكن هناك غموض في روايته من ناحية
الجهة
التي كانت تملك مثل هذه الموارد آنذاك، وهل هي
الصوفة، او
آل صفوان؟
لذا تصبح رواية الازرقي اكثر قبولا، هذا مع احتمال
ان
تكون رواية الازرقي قد لاحظت هذا الابهام وبادرت
الى تصحيحه.

وبغض النظر عن هذه التفصيلات، فان قريش كانت قد
فرضت سيطرتها على مكة بمساندة قضاعة، ولعل مسالة
التحكيم جاءت لتعط ي هذه السيطرة طابعها الشرعي،
وتضفي
عليهالباسا من الحق، بدلا من ان تكون نتيجة القوة
والقهر.

وجاء في رواية الازرقي ان قرار القاضي كان قد نص على
عدم اخراج خزاعة من مكة«20»، بينما جاء في رواية اخرى
ان قصي اخرج خزاعة وبني بكر من مكة«21».

وقد تكون الرواية الاخيرة هي الاقرب الى الصحة،
باعتبار
ان مكة لم تكن بتلك السعة التي تستوعب قريش مع
خزاعة
التي كانت تسكنها اصلا.

اعمال قصي في مكة
اسكان قريش:
كان اول عمل قام به قصي هو اسكان قريش في مكة، فقام
اولاطبقا لرواية ابن اسحاق بتقسيم مكة بين بطون
قريش،
واعط ى كل جماعة منازلها التي اقامت فيها.

قطع الاشجار:
امر قصي بقطع الاشجار التي كانت في الحرم ليتسنى
لقريش البناء فيه، في وقت كان الناس يتخوفون من
قطع
الاشجار التي كانت في مكة باعتبارها جزءا من
الحرم.

وهناك رواية اخرى تقول: ان الناس ظلت على عبادتها
بالامتناع عن قطع اشجار الحرم حتى ظهور الاسلام،
وكان
عبداللّه بن الزبير اول من خالف هذه السنة باباحته
قطع
اشجارالحرم«22».

تاسيس دار الندوة:
ان تاسيس مثل هذه الدار التي كانت بمثابة ناد يتم
فيه
تداول مختلف شؤون المدينة، يعتبر عملا جديدا لم
يسبق
لاهل البادية ان شاهدوا مثله، وكان قصي طبقا
للروايات هو
الذي اسسها في مكة، مع ان مكة كانت قد تحولت الى
حاضرة
منذزمن، وسكنها قبل قريش كل من «جرهم» و «خزاعة».

وظل يسودها النظام القبلي حتى ظهور الاسلام،
وهكذا كان
حال المدن الاءخرى في شبه الجزيرة العربية، مثل
الطائف
التي كان يسكنها بنو ثقيف، ويثرب التي استوطنتها
قبيلتا
الاوس والخزرج، فجاء تاسيس دار الندوة على يد قصي
كاول
علامة على وجود مدينة بالمعنى الصحيح، كما ان
النظام الذي
وضع لادارة هذا النادي كان هو الاخر من الاءمور
الملفتة
للنظروقتها، حيث نص على ان يكون ابناء قصي جميعا
اعضاء
في هذا النادي بينما لا يستطيع ابناء بطون قريش
الاخرون
ان يحصلوا على العضوية الا بعد بلوغهم الاربعين.

ويعتبر
ذلك اوضح دليل على اعتقاد قريش بضرورة المحافظة
على
الشرف العائلي، الذي هو من خصائص النظام القبلي،
ويعبر
شرط بلوغ الاربعين عن اصرار قريش على ضرورة بلوغ
عضو
النادي مرحلة النضج والكمال العقلي التي لا
تتحقق، في نظر
قريش والعرب جميعا، الا بعد بلوغ هذا السن.

ولم تكن الوظائف التي انيطت بهذا النادي باقل طرافة
والفاتامن شروط دخوله، فكانت في معالجاتها
الاجتماعية وتحديداتها الادبية والعرفية تشكل
دلالة للباحث
الاجتماعي الذي يريد معرفة الشعوب وتقاليدها.

كان من مسؤوليات النادي تحديد سن البلوغ، وتزويج
الفتيات،وعليه ان يعلن بلوغ الفتاة ذلك السن
ويزودها بلباس
خاص..ومن واجبات النادي ايضا ختن الذكور من الاطفال.

وكان ينبغي ان يتم التزويج بعد موافقة اعضاء
النادي، هذا اضافة
الى ما كان يقوم به من اعمال سياسية وحربية،
كاعلان الحرب،
واقامة المراسم الخاصة باستقبال وتوديع القوافل،
وجعل باب
هذه الدار او تلك الى البيت الحرام.

والجدير بالملاحظة ان هذه التشريعات والقرارات
التي
تصدرعن دار الندوة كان ينظر اليها من قبل قصي على
انها
سنن مقدسة تجب طاعتها في الحياة وبعد الممات
كالتعاليم
الدينية،قال ابن سعد: يتبعون امره كالدين لا يعمل
بغيره في
حياته وبعد موته«23».

وضع الضرائب:
وجاء في رواية ابن سعد ان قصي كان قد فرض ضرائب
مالية على الداخلين مكة من غير اهلها، وكان يعشر
من دخل
مكة سوى اهلها«24».

فكان على من ينوي زيارة مكة
وادا
الحج ودخول الكعبة ان يدفع مقدارا من المال، يسهم
من خلاله
في تامين ما تحتاجه هذه المدينة الدينية من نفقات
وما
تحتاجه الكعبة من صيانة وامور اخرى، وشكلت هذه
الضرائب
المالية موردا لا باس به، مما اثار طمع القبائل،
فثارت بينها
الحروب والمعارك للسيطرة على هذا الوادي القاحل
(غير ذي
الزرع).

مناصب الحج:
استحدث قصي بعض المناصب، ووزع المسؤوليات
المختلفة لتسهيل امر الحج والقيام بالخدمات
اللازمة للحجاج
باحسن صورة ممكنة، فجعل حراسة الكعبة وخدمتها
والسهر
عليهاوالوقوف على ابوابها مسؤولية مستقلة اسماها
(الحجابة)،واوكل مهمة القيام بها لجماعة من قريش
اسماهم
«الحجاب».

ثم امر جماعة آخرين بالقيام بشؤون سقاية
الحاج
وتوفير مايلزمهم من مياه الشرب، وكان هؤلاء يعدون
مخازن
خاصة للمياه من الجلود، يضعونها الى جانب الكعبة،
ويقفون
عليها ايام الحج ليسقوا الحجيج منها.

واستحدث قصي ضريبة سماها «الرفادة» وهي مساهمة
حالية يدفعها القرشيون سنويا، لتقدم بين يدي قصي
في
موسم الحج، الذي ينفقها بدوره على الحجيج الفقرا
الذين
لايستطيعون توفير ما يلزمهم من زاد ومؤونة اثناء
الحج.

ووزع قصي تلك المناصب بين ابنائه، فجعل حجابة دار
الندوة ورئاستها لعبد الدار الذي كان يحبه كثيرا،
وجعله ايضا
حامل لوائه، واعط ى سدانة البيت وقيادة الحجيج
لعبد مناف.

وفي رواية اخرى لابن اسحاق: ان جميع هذه
المناصب اسندت
لعبد الدار«25» لما كان يتمتع به من مكانة
خاصة واحترام
وتقدير بين ابناء قصي.

وبعد معاهدة (حلف المطيبين) صارت سقاية الحاج
والرفادة من شؤون ابناء عبد مناف«26».

المسؤوليات والمناصب الاءخرى:
استحدثت بعد قصي مناصب ومسؤوليات جديدة، ظلت
تنتقل بين بطون قريش حسب الشرف والمكانة
الاجتماعية
وطبقة النسب التي تؤلف المنظومة القبلية داخلها،
وبمرور
الزمن صارت هذه المناصب ارثا كالمناصب السابقة
تتداوله
بطون معينة من قريش حسب الترتيب الطبقي الذي كان
عليه المجتمع المكي، واستمر هذا الوضع الى ان
ظهرالرسول(ص) في مكة، طبقا لما رواه ابن هشام
ومحمدالكلبي«27».

وفي هذا الوقت كانت السقاية قد اصبحت بيد العباس بن
عبدالمطلب، الذي احتفظ بهذا المنصب بعد فتح مكة،
وكان
ابوسفيان بن حرب صاحب لوا قريش، ويطلق على اللوا
اسم(العقاب)، ويحمل اللوا عادة القائد اثناء
المعركة، وكلما
رفض القائد حمل اللوا وجب على ابي سفيان بن حرب
حمله
وقيادة المعركة.

وكان من الاءمور التي استحدثت فيما بعد (الاشناق)
وهو
من شؤون الدية، ويحق لمن يتسلم هذا المنصب ان يعين
الدية التي تقع على القبيلة حسب رايه، وكان لا
يقبل ذلك من
احدغيره، وقد صار هذا المنصب لبني تيم، وعندما
بعث الرسول(ص) في مكة كان قد تسلمه ابو بكر.

ومن المناصب المستحدثة ايضا منصب (القبة)
ومنصب(الاعنة)، وقد عهد بهما الى بني مخزوم، حتى
تولاهما
خالدبن الوليد، ويبدو انهما كانا يختصان بشؤون
الحرب والتجهيزات الحربية، كتهيئة الخيم والخيول
والمؤن
وما شابه ذلك.

ويبدو ان الحاجة قد دعت قريش الى استحداث منصب
باسم«السفارة» يتولى صاحبها تمثيل قريش في
المفاوضات
التي تجري لحل نزاعاتها الحربية مع الاطراف
الاءخرى،
كماينوب عنها في جميع المحادثات القبلية التي تعقد
عادة
لحل الخلافات بين القبائل حلا سلميا، وكان هذا
المنصب قد
وقع قبل الهجرة النبوية بيد بني عدي التي انتدبت
له عمر
بن الخطاب، احد ابرز شخصياتها آنذاك، بينما تسلم
صفوان
بن امية منصب الاشراف على اجرا القرعة (الايسار
والازلام)
وهومن بني جمح الذين عهد اليهم بهذا المنصب.

وجعلوا ادارة الاوقاف والاموال التي كانت تهدى
لاصنام
قريش في بني سهم، وكان المسؤول عنها حينئذ الحارث
بن
قيس،وقد اطلق على هذه الادارة اسم (الحكومة
والاموال المحجرة).

ومن المناصب المستحدثة ايضا (العمارة)، وذلك
لتنظيم شؤون البيت الحرام، وعدم السماح بارتكاب
الاعمال المخالفة للقواعد العامة، او تداول
الاحاديث السيئة، او
رفع الاصوات بما لا ينسجم والاصول العامة داخل
الحرم،
واوكل هذا الامر لبني هاشم.

وهناك منصب آخر اطلق عليه (حلوان النفر)، اذ يلجا
عادة
في ايام الحرب الى الاقتراع لتعيين رئيس او قائد
فخري
للحرب،ويشارك في هذه القرعة جميع الذكور من بني
هاشم،
صغيرهم وكبيرهم.

ففي حرب الفجار وقعت القرعة مثلا
على
العباس بن عبد المطلب كقائد فخري ورمزي للحرب،
وكان
حينهاطفلا ليس الا.

وهكذا يتضح الفرق بين هذا المنصب ومنصب حمل
لوا(العقاب).

تغير الوضع الاقتصادي في مكة:
تم لقريش السيطرة على مكة في اواخر القرن
الخامس الميلادي، فقد ولد الرسول(ص) عام (570 م) وكان
عبداللّهوالد الرسول(ص) قد توفي في الايام الاءولى
لولادته(ص)،وليس بين عبداللّه وقصي سوى ثلاث بطون
(عبد
المطلب وهاشم وعبد مناف)، وكان عبد مناف كبير السن
حين
سيطرقصي على مكة، وبناء على ذلك، فان الفترة بين
عهد
قصي وعام (570م) لا يمكن ان تكون اكثر من (100 عام) في
اقصى احتمالاتها، لذلك يمكننا القول ان سيطرة
قريش على
مكة كان في حدود اواخر القرن الخامس الميلادي.

ويبدو ان اشتغال قريش بالتجارة تم بعد سيطرتها على
مكة وهيمنتها على الحج، حيث اخذت تتاجر مع بلدان
اخرى خارج الحجاز وشبه الجزيرة العربية، واصبحت
مركزا
تجاريامهما يربط بين سواحل البحر الاحمر والبحر
المتوسط وجنوب شبه الجزيرة العربية والعراق، وذلك
لوقوعها
في قلب الطرق التجارية التي تصل بين الشمال
والجنوب
والشرق والغرب، ولا يعني هذا انعدام النشاط
التجاري قبل
سيطرة قريش على مكة، فهناك نشاط تجاري سابق بين
الروم
وبلادالشام وجنوب شبه الجزيرة العربية والمحيط
الهندي، اذ
كانت القوافل التجارية تاتي بالعطور من الهند
وجنوب شبه
الجزيرة العربية الى البلاد المتمدنة، وتعود
بمصنوعات هذه
البلاد الى شبه الجزيرة العربية.

لكن هذا النشاط
التجاري، كانت
تقوم به اقوام اخرى غير اهل مكة، وربما كانت مكة
فقط
محطة استراحة وتزود للقوافل التجارية القاطعة
للصحرا،
والدليل على ذلك اننا لم نجد في اخبار (جرهم)
وخزاعة وهم
سكان مكة الاصليون ما يدل على انهم كانوا يعملون
في
التجارة، كمااننا نجد من الروايات ما يؤكد ان عبد
مناف احد
ابناء قصي هواول من قام بعقد صفقات تجارية كبيرة مع
جيرانه، وحاز على قبول البدو بمرافقة القوافل
التجارية
وحمايتها.

ويبدو ان القرشيين استفادوا كثيرا من التجارب
المرة التي
مربها القسم الجنوبي من شبه الجزيرة العربية في
حدود
عام(525 م) فما بعد، والتي انتهت الى سيطرة الاحباش
على اليمن.

كان لتلك الحوادث التي وقعت في اوائل القرن
السادس الميلادي في اليمن وجنوب شبه الجزيرة
العربية
علاقة وطيدة بالوضع الاقتصادي والسياسي العام
لتلك
المنطقة،وكانت الامبراطورية الرومانية تسعى لفرض
سيطرتها
على سواحل المحيط الهندي والبحر الاحمر لتامين
الطريق
امام القوافل التجارية العائدة اليها.

وكانت
تحاول ضمن
هذاالمسعى ان تجد لها موط ى قدم داخل شبه الجزيرة
العربية،وقد شجعتها مسيحية ملك الحبشة على ذلك
ووجدت
فيه فرصة مهمة لبسط النفوذ.

وقد وقف الملك الحميري اليهودي (ذو نواس)
بوجه النصارى
في شبه الجزيرة العربية والحبشة، فقام ملك
الحبشية بتجهيز
قوة عسكرية بحرية، وشن هجوما على اليمن
بمساعدة الروم،
وبعد حوادث عديدة تمت له السيطرة عليها وقتل
ملكها(ذا
نواس).

ثم قام الاحباش بتنصيب احد
المسيحيين الحميريين
المسمى (سميفع) ملكا على اليمن«28»، وقتل هذا على اثر
تمرد كبير حدث ضده، وفتح الباب من جديدلتدخل
الاحباش
الذين اعادوا سيطرتهم على اليمن،واستمرت هذه
السيطرة
الى عهد ابرهة (ابراهيم).

ورغم ان هذا الاخير حبشي،
ويبدو انه
كان يتبع النجاشي ظاهريا، الا ان ادارته لشؤون
اليمن كانت
مستقلة.

استمر حكم ابرهة لجنوب شبه الجزيرة العربية مدة
اربعين عاما
تقريبا، وكان قد فرض على القسم الجنوبي من
شبه الجزيرة
العربية حكما صارما وقويا طيلة هذه الفترة حتى
قام بهجومه
الشهير على مكة عام (570 م)، والذي واجه فيه
الفشل الذريع،
وبعد هذه الحملة الفاشلة بدا حكمه يتصدع الى
ان سقط بعد
تدخل الفرس، وانتهى بذلك حكم الاحباش لجنوب شبه
الجزيرة العربية.

وكان ابرهة قد بلغ في حكمه لليمن من القوة والهيبة
درجة جعلت اباطرة عصره (امبراطور الروم وملك الفرس
وملك الحبشة وملك الغساسنة وملك الحيرة) يتسابقون
فيما
بينهم لخطب وده والفوز برضاه، فكان سفراؤهم
يتوافدون
عليه الواحد بعد الاخر، وكان ذلك من الامور التي
سجلها
ابرهة وتركها في تاريخه«29».

لقد اعط ى هذا الوضع شبه الجزيرة العربية بعدا
عالميا،فتحفزت كل من الدولتين الكبيرتين في ذلك
العصر
(الدولة الساسانية، والدولة الرومانية) للعمل
لايجاد مناطق
نفوذ لهاداخل شبه الجزيرة العربية.

وكان لكل واحدة
من
هاتين الامبراطوريتين اهدافها الخاصة من ورا هذا
النشاط،
فكان هدف الفرس هو قطع الطرق التجارية وحرمان
الامبراطورية الرومانية من ممارسة نشاطها
التجاري
والاقتصادي مع بلدان الجنوب، من خلال فرض الهيمنة
على
سواحل المحيط الهندي وجنوب شبه الجزيرة العربية،
وعلى
العكس تماما فقدكان الروم يسعون من ورا ذلك الى
تامين
طرقهم التجارية وحماية النشاط الاقتصادي
للامبراطورية
الرومانية، الذي كان يوفر لها سلعا رخيصة بطرق
سهلة.

وكان من الطبيعي ان تحدث هذه التطورات بعض
التبدلات في
الاوضاع الاقتصادية والتجارية المحلية والعالمية،
وتؤدي الى
اكتشاف طرق جديدة للتجارة، وقد اقترنت هذه
التطورات مع
اخبار متظافرة عن ظهور وضع اقتصادي وتجاري جيد
في مكة، وعن اشتراك قريش كطرف في التجارة بين
الشمال والجنوب والشرق والغرب، ومن الطبيعي ايضا
ان تعزى
هذه المستجدات الى الاحداث المذكورة، رغم اننا ما
زلنا
نجهل الكيفية التي حصلت بها هذه التبدلات بصورة
دقيقة.

تجارة قريش مع الخارج:
يقول الطبري نقلا عن هشام بن محمد الكلبي: «ان اولاد
عبدمناف كانوا اول من اخذ لقريش العصم»، اي اول من
عقدصفقات تجارية مع الدول المجاورة، فقد ابرم هاشم
اتفاقا
مع بيزانس امبراطور الروم في الشام، واخذ عهدا من
ملك الغساسنة للمتاجرة مع الشام، بينما عقد عبد
شمس
(الابن الاخر لعبد مناف) اتفاقا مشابها مع النجاشي
الاكبر
ملك الحبشة، ومضى نوفل (الابن الثالث لعبد مناف)
الى
بلادفارس، فوقع مع خسروان امبراطور الفرس عقدا
تجاريا،
في الوقت الذي اختار مطلب وهو الابن الرابع لعبد
مناف
الدولة الحميرية، كطرف تجاري يتعامل معه، فابرم
مع ملكها
(ابرهة)او (سميفع) معاهدة تجارية مماثلة للمعاهدات
التي
عقدهااخوته الثلاثة.

وتتضمن رواية الطبري لهذه
القصة نقطة
مهمة حيث قال: «فانتشروا من الحرم»، اي خرجوا من
مكة،
وانطلقوامنها الى الخارج.

ولعل ذلك العمل التجاري
الاول
الذي يقوم به اهل مكة مع الدول المجاورة، ليحصلوا
منه ورائه
على موارد تتجاوز في حجمها ما كانوا يحصلون عليه
من
الضرائب المالية التي فرضت على القوافل التجارية
المارة عبر
مكة، وماكانوا يجمعونه من الحجيج في كل عام، وقد
رافق هذا
النشاط التجاري اضطرابات واسعة وحروب عديدة جرت
على
ارض اليمن، وادت الى امتناع بعض التجار القدماء من
ممارسة نشاطهم التجاري، في الوقت الذي وقعت تجارة
قريش جميعها بيد ابناء عبد مناف.

وما يمكن ان نستخلصه من هذا السرد التاريخي ان
تجارة قريش مع العالم الخارجي، وما كانت تدره
عليها من
مواردضخمة، لم تنعكس آثارها على المجتمع القرشي
بصورة عامة، بل استاثر بها عدد محدود جدا من
القرشيين شكل
مع مرور الزمن طبقة راقية، وتمضي الرواية الى
القول: ان
هذاالانتعاش التجاري تبعته سنوات من الضيق والشدة،
بل
القحط الذي حل بمكة، وذهب على اثره الكثير من
ثرواتها.

وحينها كان هاشم قد سافر الى الشام، وامر من هناك
باحضارالخبز وارساله باكياس خاصة الى مكة، كما
اوصى بذبح
الابل التي كانت تحمل الخبز الى مكة، وتوزيع لحمها
على
الناس مع ثريد الخبز الذي كان ينقع بماء اللحم،
ولهذا سمي
بهاشم(لانه هشم الثريد لقومه).

ويفهم من ذلك ان
التجار كانوا
من فئات اخرى غير المزارعين واصحاب الحيوانات
والابل،
كماان القحط قد اصاب المزارع والحيوانات، ولم يضر
بالتجاروتجارتهم، ولهذا استطاع هاشم (وهو التاجر
المعروف)
انقاذالموقف بارسال كميات ضخمة من الخبز الى مكة،
كما
يفهم من توصية هاشم بذبح الابل التي كانت تحمل هذا
الخبز
الى مكة ان الابل قد فقدت هناك، واصبحت مكة لا تجد
منها
ماتسد به رمقها.

حملة ابرهة على مكة:
بعد ان استتبت الاءمور لابرهة في جنوب شبه
الجزيرة العربية،
واتسق له الامر، وخضع له جميع القبائل والبدو
في تلك
المنطقة، اخذ يفكر في غزو شمال شبه الجزيرة
العربية والحجاز
لاخضاعها الى سيطرته وضمها بالقوة الى حكمه،كما هي
عادة
الملوك دائما حينما يستتب لهم الامر في مكان معين
فانهم
يبداون بالتفكير في توسيع ملكهم وضم المزيد
من الاراضي
والاقوام المجاورة الى دولهم.

وقد لا يخلو الامر من عوامل اخرى دفعت ابرهة الى
التشريع في
حملته على شمال شبه الجزيرة العربية، وفي مقدمة
هذه الاءمور المحتملة سعي ابرهة الى الاقتراب
اكثر
من الامبراطورية الرومانية في بلاد الشام، فهما
(اي
المملكتان)يدينان بالدين المسيحي، رغم ان الاحباش
يعقوبيي
المذهب،ولهم اختلافاتهم الخاصة مع الروم.

ولعل
الروم قد
ساهموا في تحريك ابرهة، ودفعه الى هذه الحملة، على
امل ان
تقع الطرق التجارية المؤدية الى المحيط الهندي في
قبضة
دولة مسيحية لا يساورهم القلق بشانها.

وربما ساقه الى ذلك حسده لاهل مكة، فضاق ذرعا من
اتساع نشاطهم التجاري ونمو ثرواتهم بسرعة فائقة
عن
طريق التجارة، لقد اثار ذلك الثرا وتلك المكانة
الاقتصادية
التي كانت تتمتع بها مكة مطامع ابرهة، وجعلته يفكر
في
فرض هيمنته على هذا المركز الاقتصادي والتجاري
والديني النشيط.

وتذكر الروايات التاريخية من اسباب حملة ابرهة على
مكة،انه
كان قد بنى في صنعاء كنيسة كبرى (قليس) وبذل
لذلك اموالا
طائلة من اجل ان يحول اليها انظار سكان شبه
الجزيرة العربية
جميعا، ويجعلها كعبة جديدة لهم، وبذلك تصبح
صنعاءالمركز
السياسي الاهم في شبه الجزيرة العربية، ويتحول
ابناءالجزيرة
تدريجيا الى الديانة المسيحية التي كان يدين بها
ابرهة وقومه.

ولكن الاءمور جرت باتجاه آخر، ولم يحظ هذا
المبنى الكنسي
الضخم باحترام تجار الشمال الذين كانوا
يزورون صنعاء
باستمرار لغرض التجارة، بل انهم كانوا ينظرون
اليه بمزيد من
الاحتقار والاشمئزاز، خصوصا انه انشى من قبل قوم
آخرين من
خارج شبه الجزيرة العربية ويتكلمون لغة اخرى غير
لغتهم.

لقد ادت هذه النظرة وذلك الاحتقار الى هدر قدسية
هذاالمبنى الضخم الذي كان محترما لدى ابرهة، فثار
غضبه
وقررالهجوم على المركز الديني والاقتصادي لشمال
شبه
الجزيرة العربية لهدمه، والفسح في المجال امام
عاصمته صنعاء
لتغدواهم مركز سياسي واقتصادي على ارض شبه الجزيرة
العربية،ولتبسط المسيحية وجودها على هذه الارض من
الشمال الى اقصى الجنوب.

ومهما كانت الاهداف المتوخاة، فقد جهز ابرهة جيشه،
واعدنفسه اعدادا جيدا للقيام بهذه الحملة، فتحرك
من اليمن
قاصداالحجاز وطبقا لما ورد في تاريخ هذه الحملة جعل
ابرهة
على مقدمة جيشه فيلا، كان قد اتى به من افريقيا،
اسمه
(محمود)،وقيل: انه جلب معه ثلاثة عشر فيلا، وفي
طريقه الى
الشمال تعرض جيشه الى هجمات متتالية من قبل بدو
الصحراوالقبائل الواقعة على الطريق فهزمها جميعا
واسر
شيوخها،وعندما وصل مكة، كان اهلها قد غادروها
ولاذوا
بصياصي الجبال والمرتفعات المجاورة.

لم يترك ابرهة شيئا من الابل والممتلكات الا ونهبه،
حتى
قيل انه استولى على مئتي بعير من ابل عبد المطلب
وحده،
ولماجاءه عبد المطلب يلتمسه ان يرد اليه مئتي بعير
اصابها له،
قال ابرهة لترجمانه: «قل له قد كنت اعجبتني حين
رايتك
ثم زهدت فيك حين كلمتني، اتكلمني في ابلك وتترك
بيتا
هودينك ودين آبائك قد جئت لهدمه»؟!
قال عبد المطلب: «انا رب الابل، وللبيت رب يمنعه».

ثم امر ابرهة جيشه بالهجوم لهدم البيت، فالقى الفيل
نفسه
الى الارض، فصعدوا الجبل وضربوا الفيل فابى،
فوجهوه
راجعاالى اليمن فقام يهرول، ووجهوه الى الشام ففعل
كذلك،ووجهوه الى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه الى
مكة فسقط الى الارض.

وارسل اللّه عليهم طيرا ابابيل من البحر امثال
الخطاطيف،
مع كل طير منها ثلاثة احجار تحملها: حجر في منقاره،
وحجران في رجليه، فقذفتهم بها، وهي مثل الحمص
والعدس،
لاتصيب احدا منهم الا هلك، وليس كلهم اصابت، وارسل
اللّهسيلا القاهم في البحر، وخرج من سلم مع ابرهة
هاربايبتدرون الطريق الذي جاءوا منه.. فخرجوا
يتساقطون
بكل منهمل، واصيب ابرهة في جسده، فسقطت اعضاؤه
عضواعضوا، حتى قدموا به صنعاء، وهو مثل الفرخ، فما
مات
حتى انصدع صدره«30».

القرآن الكريم واصحاب الفيل:
قد يصعب على العقل قبول ما ورد في كتب التاريخ من
تفاصيل حول هذه القصة، خصوصا مسالة الطيور التي
امطرت
الجيش الحبشي بالحجارة، وكانت السبب في الحاق
الهزيمة به
وحمله على الفرار مع قائده ابرهة، لولا نزول
القرآن بها ونصه
عليهافي سورة الفيل، واخباره عن كيفية هلاك اصحاب
الفيل
بتلك الحجارة التي حملتها الطير الابابيل.

تذهب اكثر الروايات الى ان ولادة الرسول(ص) كانت في
عام الفيل (اي العام الذي حدثت فيه تلك الواقعة،
وبما
ان الرسول(ص) لم يبعث الا في الاربعين من عمره
الشريف،
فان الاشخاص الذين كان لهم من العمر خمسين او ستين
اوسبعين او ثمانين عاما عند نزول سورة الفيل كانوا
من
الذين عاصروا هذه الواقعة، وشاهدوا الفيل في مكة،
وهم ما
زالوايتذكرونها جيدا بتفاصيلها، وقد سكتوا ولم
يعترض منهم
احد،لانهم لاحظوا انطباق الرواية القرآنية على
الواقع تماما،
وانها لم تات بشي ء غير الذي شاهدوه باءم اعينهم،
وتختلف هذه
الاية عن الايات التي ذكرت احداثا وقعت في ازمنة
قديمة
لم يعاصرها احد ممن عاش في عصر القرآن مثل: (الم تر
كيف فعل ربك بعاد) «الفجر: 6».

وقد اشار الشيخ الطوسي في تفسير التبيان الى هذه
النقطة،وبناء على هذا فاما ان تكون القصة كما
ترويها الاية
بالمعنى الظاهر من الفاظها في خصوص ارسال الطير
الابابيل
التي رمتهم بحجارة من سجيل، او تكون للاية الكريمة
معنى
آخرغاب عنا واصبحنا لا ندركه على حقيقته، لان
الكلام الالهي
لابد ان يكون مطابقا للواقع والحقيقة، رغم ان هذه
الحقيقة
قدتبين بصورة التمثيل او التاويل.

ورد في الاية الشريفة كلمتان لم يتضح معناهما تماما
للمفسرين بما فيهم المفسرين القدامى، الاولى:
كلمة (ابابيل)
والثانية:(سجيل)، فما وضع لهاتين الكلمتين من معنى
لم يكن
مقنعاتمام الاقناع، فقالوا مثلا في معنى كلمة
(سجيل) انها
تعريب لكلمتي (سنگ وكل)«31» وهذا يتضمن نوعا من
الحشوالتكرار لا يليق بكلام اللّه.

ومن جانب آخر يفهم من الروايات ان جيش ابرهة كان
قداصيب بمرض جلدي (الحصبة او الجدري) بما فيهم
قائدالجيش ابرهة نفسه، واتفقت هذه الروايات على ان
ابرهة
نجامن الهلاك، وعاد الى اليمن، وعاش مدة هناك قبل
ان
يموت.

واذا ما حاولنا تفسير الايات الشريفة بما ينسجم مع
السنن الطبيعية، كان علينا ان نقول: ان اللّه
سبحانه وتعالى اراد
دفع الاعدا ورد كيدهم عن الكعبة المشرفة،
فابتلاهم
بمرض شديد لم يستطيعوا معه مواصلة حملتهم،
فاءجبروا على
العودة بعد ان الحقت بهم الخسائر الجسيمة دون
قتال، فيصبح
ما جاءفي الايتين الكريمتين: (وارسل عليهم طيرا
ابابيل
ترميهم بحجارة من سجيل) «الفيل: 3-4».

اشارة الى هذا
المرض العضال، ويمكن ان نستخلص من بعض الروايات ان
ثمة عاصفة كانت قد هبت من البحر الاحمر باتجاه
مكة،
وحملت معها الطيور والحجارة والحصى والقتها على
رؤوس الاحباش.

ومهما كانت صورة الضربة التي هزم بسببها جيش
الحبشة،سوا
كانت على شكل طيور حقيقية رمت جيشه
بالحجارة فاهلكته،
او بصورة اخرى ا كثر انسجاما مع قوانين
الطبيعة،فالنتيجة
واحدة هي ان اللّه هزم ابرهة وجيشه، وصدهم
عن الحاق الاذى
بمكة والكعبة المشرفة التي كان مقررا لها ان تصبح
قبلة
للعالمين ومطافا لهم ومركزا لاعظم واسمى رسالات
التوحيد
واديان السماء.

وهكذا حصلت المعجزة بمنع ابرهة
وجيشه من
احتلال مكة وقتل الناس هناك وتهديم الكعبة، فان
اللّه لم يكن
يريد ذلك بل يريد ان يجعل عماقريب من هذه البلدة
منطلقا
للدين الاسلامي الحنيف الى جميع انحاء العالم.

لايلاف قريش:
تاتي سورة قريش بعد سورة الفيل مباشرة في القرآن
الكريم،وتبتدى بالايتين الكريمتين(1 2): «(لايلاف
قريش
ايلافهم رحلة الشتاء والصيف».

وقد اختلف المفسرون في معنى اللام التي وردت
في(لايلاف)
فقال بعضهم: انها لام التعجب، بينما ارجعها
آخرون الى السورة
التي قبلها (اي سورة الفيل) فيكون المعنى ان
اللّهارسل على
الاحباش الطير الابابيل التي ترميهم بحجارة
من سجيل
ليهلكهم وتبقى قريش آمنة في رحلتيها
التجاريتين:رحلة
الشتاء الى اليمن ورحلة الصيف الى الشام.

وقد
رفض الطبري
قبول هذا التفسير، وقال: ان ذلك يستلزم
كون السورتين سورة
واحدة.

ومن الطريف ان الفقه الشيعي يعتبر السورتين سورة
واحدة،وبناء على ذلك فقد افتى فقهاء الشيعة بان
قراة سورة
الفيل وحدها بعد الفاتحة في الصلاة غير مجز، بل لا
بد من
ان نضيف اليها في القراة سورة قريش.

وقد يكون راي فقهاء الشيعة هو الاصح والاقرب الى
مضمون السورتين والاكثر انسجاما مع واقع الاحداث
في تلك
المرحلة التاريخية.

اذ يقول القرآن الكريم: ان
اللّه حطم جيش
ابرهة،ورده خائبا، لكي تبقى قريش آمنة مطمئنة في
سفرها
التجاري نحو الشمال والجنوب، وهذا بدوره كان احدى
العلل
التي حفزت ابرهة لمهاجمة مكة.

اذ حاول منعها من
المتاجرة
بين اليمن والحبشة وبين اليمن والمحيط الهندي.

وضمن هذا السياق جاءت الايتان (3 4) من سورة
قريش:(فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع
وآمنهم من خوف)، ويمكن ان يكون قوله تعالى: (آمنهم
من
خوف) اشارة الى قطع نفوذ الاحباش في شبه الجزيرة
العربية
الى الابد،فقد تضافرت الروايات على ان هناك ملكين
هما
(مسروق)و(يكسوم) وكلاهما من ابناء ابرهة حكما اليمن
بعد
وفاة ابيهما،ثم جاء ملك الفرس انو شروان فاعان سيف
بن ذي
يزن في اليمن على الاحباش فطردهم من اليمن وازال
ملكهم.

كان ذلك بعد سنوات من عام الفيل، اذ لم تزل قريش
خائفة
غيرمطمئنة بعد عودة ابرهة الى اليمن، وهي تتوقع
انتقامه
لابنائه وجنوده الذين هلكوا هناك في اية لحظة، الى
ان اذلهم
اللّهعلى يد سيف بن ذي يزن والقائد الايراني وهرز،
اللذين طرداهم من اليمن، وطهرا شبه الجزيرة
العربية منهم
الى الابد.

الاختلافات داخل قريش:
مرت الاشارة فيما سبق الى ان كل من هاشم وعبد
شمس ونوفل والمطلب، كانوا جميعا ابناء عبد مناف،
وقد
سيطرواعلى التجارة الخارجية، حتى صارت حكرا عليهم
لا
ينازعهم عليها احد، وجمعوا من هذا الطريق ثروة
طائلة بهرت
الناس من حولهم، فاخذوا ينظرون اليهم بمزيد من
التقديروالاحترام، حيث كانت العرب تقيم للمال وزنا
كبيرا
في الجاهلية، وتعتبره دالة على الشرف والعظمة
ومدعاة
للفخروالتباهي.

وفي مجتمع كهذا لا تنفصل فيه المكانة الاقتصادية عن
الموقع السياسي، فالقدرة الاقتصادية تجلب نفوذا
سياسيا
يتناسب وحجمها، كان ينبغي لابناء عبد مناف ان
يكونوا زعماء
مكة السياسيين تبعا لزعامتهم الاقتصادية.

اما قصي فقد منح كافة المناصب، وجمع في يده ازمة
الامورالدينية والسياسية وغيرها في مكة، ثم سلمها
جميعا الى
ابنه المحبوب لديه عبد الدار، ومن ثم انتقلت
بالارث الى
ابنائه،في وقت كان يرى فيه ابناء عبد مناف انفسهم
الاولى
بهذه المناصب، بعد ان اتسعت تجارتهم في الخارج،
واثروا
ثرافاحشا، وراوا انهم احق بها منهم لشرفهم وفضلهم
في
قومهم.

لم تذكر الرواية سبب هذا الفضل والشرف، غير
انه كان
يعودفي حقيقة الامر الى تمولهم.

كان هاشم ايام الجاهلية بصدد سلب هذه المسؤوليات من
ابناءعبد الدار، غير ان هؤلاء قاوموا تلك المحاولة
بطبيعة
الحال،ولم يستسلموا لها، ومن هنا بدا النزاع.

حلف المطيبين ولعقة الدم:
افلح اولاد عبد مناف في عقد تحالفات مع بني اسد وبني
زهرة وبني تيم وبني الحارث من بطون قريش، واقسموا
ان
لايعودوا عن هذا الحلف او تقطع رقابهم.

قال البلاذري: اما الرفادة والسقاية، فانهما لم
تزالا في
حياة قصي الى عبد بن قصي، ثم صارتا الى عبد الدار
بن
قصي،حتى عظم شان بني عبد مناف بن قصي، فقالوا: نحن
اولى بمايتولاه بنو عبد الدار، فجمعوا من مال اليهم
وعرف
فضلهم من بني اسد وبني زهرة وبني تيم، ومن كان داخل
مكة
من بني الحارث، واتوا باناء فيه طيب، فغمسوا
ايديهم فيه،
ومسحوهابالكعبة، وتحالفوا ان لا يسلم بعضهم بعضا
ما بل بحر
صوفة،وسمي الحلف بحلف المطيبين«32».

لم يشا ابناء عبد الدار الوقوف متفرجين، بل سعوا
الى
ابرام اتفاقات تحالفية مع باقي بطون قريش، وكانت
هذه
البطون،عبارة عن بني مخزوم وبني جمح وبني سهم وبني
عدي، وقدعاب بنو عدي (معاهدة المطيبين) وسخروا
منهما
بقولهم: «ان الطيب لربات الحجال» فاتوا بجفنة فيها
دم،
فغمسوا ايديهم فيها، وكان العرب اذا تحالفوا
غمسوا ايديهم في
الملح والرماد،فسمي بنو عدي منذ ذلك الحين بلعقة
الدم او
ولغة الدم.

ويقال: ان بعضهم لعق من الدم، وسمي الحلف
بحلف
لعقة الدم.

وهنا تلاحظ آثار النعمة وافرازات الترف، حيث ابى
ابناء
عبدمناف، وهم التجار الكبار، الذين كانوا في سفر
دائم الى
العراق واليمن والحبشة، والاثرياء الاشراف، ان
يغمسوا
ايديهم بالرماد والملح جريا على العادات السابقة،
وبدلا عن
ذلك غمسوا ايديهم بالطيب الثمين.

فعاب عليهم خصومهم ذلك الترف وسخروا منهم
واتهموهم بالتخنث وتقليد النساء في افعالها، ولكي
يظهر
اعداؤهم المزيدمن الرجولة قرروا غمس ايديهم بالدم
لا العطر
ومن ثم لعقه.

واخذ العدا يتصاعد حتى اوشكت الحرب ان تقع
بين الطرفين،
لولا ما بذل من وساطات انتهت الى التصالح، على ان
تكون
مسؤولية (الرفادة والسقاية) لابناء عبد مناف بدل
ابناءعبد الدار،
بينما اقر هؤلاء على مناصبهم في (الحجابة
وعقداللوا)
والاشراف على (دار الندوة)، وعلى حد قول
البلاذري في
(انساب الاشراف) فان ابناء عبد مناف تحملوا
العب ءالاكبر:
«واحتملت بنو عبد مناف اعظم الامور مؤنة».

فلا
تتم الضيافة
ولا السقاية الا ببذل الاموال الطائلة، ولا ينهض
بهذه المهمة
سوى الاشخاص المتمولين، في وقت عهد بسدانة الكعبة
وادارة
(دار الندوة) وهما امران ليس فيهما كلفة زائدة،بل
فيهما
موارد مالية الى الجماعة الفقيرة.

ورغم ان السقاية والرفادة من الامور التي تستنزف
مالا
ضخما،الا انها كانت كما يبدو تدر على اصحابها موارد
جيدة،
علما ان قريش جميعها كانت تساهم في هذه الضيافة،
ويقوم
كل واحدمنهم باستضافة ما يسعه من الزوار والحجاج
الفقرا،
وتقديم الطعام اليهم دون ثمن، ولكن يبدو ان ما
يصرف على
الرفادة والسقاية يؤمن اما من الضرائب التي
يدفعها القرشيون
سنويا،او من الاموال التي يقدمها الزوار الاثرياء
كثمن لما
ياكلونه من طعام.

ومن الادلة على مساهمة قريش بصورة عامة في
استضافة الزوار
ما رواه ابن سعد في الطبقات، قال: «كان اذا حضرالحج،
قام
اي هاشم في قريش فقال: يا معشر قريش، انكم جيران
اللّه واهل
بيته، وان ياتكم في هذا الموسم زوار اللّهيعظمون
حرمة بيته
فهم ضيوفه، واحق الضيف بالكرامة ضيفه،وقد خصكم
اللّه
بذلك وكرمكم به، وحفظ منكم افضل ماحفظ، جار من
جاره،
فاكرموا ضيفه زوره، فهم ياتون شعثاغبرا من كل بلد
على
ضوامر كانهن القداح، قد ازحفوا وتفلواوقملوا
وارملوا، فاقروهم
واسقوهم، فكانت قريش ترافد على ذلك حتى انه كان
اهل
البيت ليرسلون بالشي ء اليسير على قدرهم، وكان
هاشم بن عبد
مناف بن قصي يخرج في كل عام مالا كثيرا، وكان قوم
من
قريش اهل يسر يترافدون، وكان كل انسان يرسل بمئة
مثقال
هرقلية (من ذهب او فضة)، وكان هاشم يامر بحياض من
ادم
فتجعل في موضع زمزم ثم يستقي فيها الماء من الابار
التي
بمكة فيشربه الحاج، وكان يطعم اول ما يطعم قبل
التروية من
كان بيوم بمكة ومنى وجمع عرفة،وكان يثرد لهم الخبز
واللحم، والخبز والسمن والسويق والتمر، ويجعل لهم
الماء
فيسقون بمنى، والماء يومئذ قليل في حياض الادم الى
ان
يصدروا من منى، فتنقطع الضيافة ويتفرق الناس الى
بلادهم»«33».

ولنر الان كيف انتقلت مسؤولية الرفادة الى هاشم.

هذا ما يجيب عنه البلاذري في روايته، حيث يقول:
اقترع
بنوعبد مناف على الرفادة والسقاية، فصارتا لهاشم
بن عبد
مناف،ثم صارتا بعده للمطلب بن عبد مناف بوصية، ثم
لعبد
المطلب،ثم للزبير بن عبد المطلب، ثم لابي طالب
(والد
اميرالمؤمنين)، ولم يكن له مال فاستدان من اخيه
العباس بن
عبدالمطلب عشرة آلاف درهم فانفقها، فلما كان العام
المقبل
ساله ان يسلفه خمسة عشر «الف » درهم، ويقال اربعة
عشر
الف درهم، فقال له: انك لم تقضي ما لي عليك، وانا
اعطيك
ماسالت، على انك ان لم تعد الي جميع مالي في قابل
فامرالرفادة والسقاية الي دونك، فاجابه الى ذلك،
فلما كان
الموسم الثالث ازداد ابو طالب عجزا وضعفا ولم
يتمكن من
النفقة،واعدم حتى اخذ كل رجل من بني هاشم ولدا من
اولاده يحمل عنه مؤنته، فصارت الرفادة والسقاية
الى العباس،
وابراابا طالب مما له عليه«34».

والذي يفهم من الرواية نفسها ان كلا المنصبين لم
يكونا
خاليين من الموارد والعائدات، غير ان ابا طالب عجز
عن
ادارة الموقف لفقره الشديد، اذ لم تسنح له الفرصة
بجمع ما
كان بذمته من الديون، ويبدو ان هذه العائدات هي
التي
دفعت العباس الى تقديم مبلغ قدره خمسة وعشرون
درهما
الى ابي طالب ثمنا للمنصبين.

عبد المطلب:
عبد المطلب الذي ورد ذكره في حديثنا عن حملة ابرهة
على مكة، كان ابنا لهاشم، اما امه فكانت قد اعجبت
هاشما
عندماشاهدها في يثرب في احد اسفاره التجارية الى
الشام،
فطلب يدها من ابيها.

/ 13