دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة - نسخه متنی

عباس زریاب الخوئی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

1- ان الذين حاصرتهم
قريش هم وبنو هاشم بنو عبد
المطلب ولم تحاصر عامة المسلمين، اي ان ابا بكر
مثلا الذي
هو من بني تيم، او عمر الذي يعود نسبه الى بني عدي،
او
بعض المسلمين الاخرين الذين لم يهاجروا الى
الحبشة من غير
بني هاشم، لم يكونوا جزءا من المحاصرين، بقوا في
مكة كما
كانواقبل الحصار، ومن جانب آخر نرى بين المحاصرين
من
لم يدخل الاسلام، فبناء على ما نقله البلاذري ان
بني
هاشم دخلوا الحصار اما بسبب اسلامهم او بسبب
حميتهم
وتعصبهم لعشيرتهم وبني عمومتهم، اذا قامت هذه
المحاصرة
على اسس قبلية ونعرات عشائرية.

والدليل على ذلك
موقف
بني هاشم بزعامة ابي طالب عم النبي(ص) المدافع
والمحامي
ابداعن رسول اللّه(ص)، ولهذه المسالة ارتباط
بالنظام
القبلي وكيفية تطبيق العدالة والقانون فيه، اذ لو
نهضت قريش
لمحاربة بني هاشم لشب نزاع شامل يجر اليه حلفاء
بني هاشم
في حلف الفضول، وقد تحدث حرب داخلية كتلك
الحروب التي
تندلع عادة في يثرب، وهذا ما تتجنبه قريش
بشدة وتهرب منه
لاعتماد اهل المكة، خلافا لاهل يثرب، على التجارة
والمتاجرة
التي لا تنمو وتزدهر الا في جو من الامن بعيد عن
الحروب
والمنازعات.

ولهذا لم تسفر تلك المحاصرة، وخصوصا الاقتصادية
منها،
عن نتائج مهمة، فبنو هاشم قوم يصعب عزلهم واحكام
الحصارعليهم لكثرة تشعباتهم وارتباطاتهم
الاجتماعية مع
الاقوام والطوائف الاخرى بواسطة الزواج وغيره،
كما ان لبني
هاشم محبين ومناصرين في القبائل الاخرى، وللقبائل
الاخرى
اقرباءوارحام في بني هاشم لا يرضون بحرمانهم
وتعرضهم
للجوع.

لقد فرضت هذه المحاصرة بتاثير وقيادة بني
مخزوم
الذين كانت لهم الكلمة الاولى واليد الطولى في
قريش،
وكان زعيمهم ابو جهل كما تشير الروايات اكثر الناس
حماسا
لهاواشدهم تحريضا عليها، كان ابو جهل يدرك تماما
خطر
انتشارالاسلام في مكة على زعامته وعلى موقع بني
مخزوم
في قريش.

2- يبدو ان فترة ثلاث سنوات او حتى سنتين من
المحاصرة فترة طويلة لا يمكن تحملها.

اذ لا تستطيع
طائفة
معينة تحمل مثل هذا الحصار داخل منازلها تلك المدة
الطويلة، حتى مع حصول بعض الاختراقات من وصول بعض
المساعدات سراوخفية.

ويبدو ان المحاصرة اخذت تشتد فيما بعد، حتى
تحدثت الروايات عن انه كانت تسمع صرخات الصبيان
المحاصرين في الشعب، ولم يكن الامر كذلك في
بدايته، وكان
يمكن لبني هاشم ان يجدوا من يتعامل معهم، اما من
قريش
نفسها او من خارجها، ولهذا السبب طالت المحاصرة
وامتد
امدها، وللسبب استطاع بنو هاشم الصبر عليها وتحمل
مشاقها،
الى ان قررت قريش تشديد الحصار ومراقبة كافة
عمليات البيع
والشراء مع افراد بني هاشم داخل الشعب، وقد ادى
ذلك الى
توقف كافة اشكال المساعدات والعون او ندرتها.

وقد
ذكر في
انساب الاشراف ان العباس بن عبد المطلب، الذي لم
يسلم
يومئذ،خرج من شعب ابي طالب ليشتري طعاما، فاراد ابو
جهل
ان يسطو به، فمنعه اللّه منه، وارسلت خديجة بنت
خويلد
الى زمعة بن الاسود: ان ابا جهل يمنع من ابتياع ما
نريد، فاسمع
اباجهل كلاما، فاسمعه فامسك.

ويبدو ان هاتين
الحادثتين
مع واقعة ارسال الطعام من قبل حكيم بن حزام الى
عمته خديجة، قد حصلت في مرحلة وصول الحصار
الاقتصادي
الى الذروة من المضايقة والشدة التي ادت الى
الغائه.

اذ لو
كان الحصار الاقتصادي ومنع وصول الطعام بهذه
الدرجة من
الشدة والصرامة منذ البداية لما استطاع بنو هاشم
الثبات
لسنتين اوثلاثة من الحصار.

نقض الصحيفة:
انتهى الحصار اخيرا، واستطاع بنو هاشم الخروج من
شعب ابي
طالب، وقد ذكر في اسباب فك الحصار ونقض
الصحيفة علتان،
تبتني احداهما على اساس تاريخي، بينما تقوم
الثانية على
اساس ديني، ولكن لا يوجد تنافي بين الرواية
ذات المنحى
التاريخي مع الرواية ذات الصبغة الدينية، لذا
نحن ننقل
الروايتين بدءا بالاولى التي يمكن تلخيصها
كالتالي: ان هناك
خمسة اشخاص من خمسة بطون مهمة في قريش تعاهدوا سرا
على ان يعلنوا يوما، وعندما تجتمع قريش في مسجد
مكة عن
انهم سينقضون هذه الصحيفة او المعاهدة.

ومن الجدير
بالذكر
ان التعرض لهؤلاء الخمسة قد يؤدي حرب داخلية،
لانهم
ينتمون الى خمسة بطون مهمة في قريش، ولكل واحد
منهم
انصار ومؤيدون في قومه، يشدون ازره ويسهلون عليه
تنفيذ
قراره.

كان احد هؤلاء الخمسة هاشم بن عمرو بن ربيعة من بني
عامربن لؤي، وكان عم امه نضلة بن هاشم بن عبد مناف
من
بني هاشم المحاصرين.

اما الثاني فهو زهير بن ابي
امية
المخزومي من بني مخزوم، وامه عاتكة بنت عبد
المطلب،
وخاله احدالمحاصرين.

اما الثلاثة الاخرين فقد كان
اثنان منهم
من بني اسد وهما: ابو البختري بن هشام وزمعة بن
الاسود،
وكان بنواسد احلاف بني هاشم في حلف الفضول.

اما
الخامس
فهومطعم بن عدي، من بني نوفل، وهم ايضا جزء من
حلف الفضول طبقا لرواية اوردها ابن هشام«256»،
على
ان اخبار حلف الفضول في (المنمق) و(المحبر) و(سيرة
ابن هشام) لم تات على ذكر دخول وخروج بني نوفل وبني
عبدشمس، اذ لا ذكر لهذا الخبر سوى في تلك الرواية
المشاراليها التي رواها حفيد مطعم بن عدي لعبد
الملك بن
مروان وصدقها الاخير، وهناك قرينة اخرى على صحة
الخبر
المذكورفي تلك الرواية، وهي عبارة عن ابيات من
الشعر
انشدها ابوطالب وهو يشكو قريشا حين شددت من ضغطها
على رسول اللّه(ص) وعمه.

احد هذه الابيات كما رواه
ابن هشام«257»:
فاخص خصوصا عبد شمس ونوفلا
هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمر
ويبدو ان هذا التخصيص في ذكر بني نوفل وبني عبد
شمس دون باقي الخصوم لارتباطهم بحلف الفضول.

ويقول ابو طالب في قصيدة اخرى، يشكو بها ايضا
قريش لخذلانها رسول اللّه(ص)، ويوجه لومه بصورة
خاصة
الى مطعم بن عدي الذي يقول انه طلب منه العون يوما
فلم
يبخل عليه في شي ء غير ان مطعما لم يحفظ له ذلك
الموقف،
حيث يقول:
فجزى اللّه عنا عبد شمس ونوفلا
عقوبة شر عاجلا غير آجل«258»
وهذا دليل آخر على خصوصية هاتين الجماعتين (بني
عبدشمس ونوفل)، لذلك خصهما ابو طالب بهذا العتاب،
وذكرمطعم بن عدي بما بذله له من عون ومساعدة، وسبب
تلك الخصوصية على ما يبدو ارتباطهم بحلف الفضول.

على اية حال نفذ هؤلاء الخمسة ما تعاهدوا عليه،
فاعلنواعزمهم
على نقض الصحيفة على رؤوس الاشهاد عند الكعبة،ولم
يفلح
ابو جهل في صدهم عن ذلك رغم ما بذله من جهود، فقد
عمد
مطعم بن عدي الى الصحيفة وانتزعها عن جدار الكعبة
ثم
مزقها.

وتقول الرواية الثانية: ان رسول اللّه(ص) اخبر ابا
طالب
بان الصحيفة قد اكلتها الارضة، فلمست كل ما كان
فيها من
قطيعة غير (باسمك اللهم) فذكر ابو طالب ذلك لكفار
قريش
وقال لهم: «ان ابن اخي اخبرني ولم يكذبني قط ان
اللّه قد
سلط على صحيفتكم الارضة، فلمست كل ما كان فيها من
جور
اوظلم او قطيعة رحم، وبقي فيها كل ما ذكر به اللّه،
فان كان
ابن اخي صادقا نزعتم من سوء رايكم، وان كان كاذبا
دفعته
اليكم فقتلتموه او استحييتموه»، قالوا: «قد
انصفتنا»،
فارسلوا الى الصحيفة ففتحوها، فاذا هي كما قال
رسول
اللّه(ص)، فسقط في ايديهم، ونكسوا على رؤوسهم،
فقال ابو
طالب: «علام نحبس ونحصر وقد بان الامر»؟
ثم دخل هو واصحابه بين استار الكعبة، فقال: «اللهم
انصرناممن ظلمنا وقطع ارحامنا واستحل ما يحرم عليه
منا»،
ثم انصرفوا الى الشعب.

وتلاوم رجال من قريش على ما
صنعواببني هاشم، فيهم: مطعم بن عدي، وعدي بن قيس،
وزمعة بن الاسود، وابو البختري بن هاشم، وزهير بن
ابي امية،
ولبسواالسلاح، ثم خرجوا الى بني هاشم وبني المطلب،
فامروهم بالخروج الى مساكنهم ففعلوا«259».

وليس هناك من تناقض بين الروايتين، وقد يكون تسلط
الارضة على الصحيفة امرا عاديا عندما تكتب
الصحيفة على
مادة لايؤمن عليها من الارضة في ذلك الجو الحار
الذي كانت
عليه مكة، علما ان التدخلات الالهية والدعم
الرباني عادة ما
يتم في اطار القوانين الطبيعية.

وفاة خديجة وابي طالب:
كان خروج بني هاشم من الشعب في السنة العاشرة من
البعثة النبوية طبقا لما ورد في انساب الاشراف «260».

وفي هذه السنة فقد رسول اللّه(ص) كلا من زوجته
خديجة
وعمه ابي طالب، وقد اختلف في تحديد اليوم الذي
فارق فيه
ابوطالب الحياة، فقيل: في الاول من ذي القعدة، وقيل:
في النصف من شوال من السنة نفسها (اي العاشرة بعد
البعثة).

ووقع خلاف ايضا في الفترة الواقعة بين وفاة
خديجة
ووفاة ابي طالب، فبين قائل انها كانت ثلاثة ايام
فقط، وقائل
خمسة ايام،وقيل: انها كانت خمسة وعشرين يوما.

اسلام ابي طالب:
وردت رواية في سيرة ابن اسحاق«261» عن وفاة ابي طالب
تشعر بانه لم يسلم حتى فارق الحياة.

وقال
عنه الرسول(ص):
«هو في ضحضاح من نار».

وقد طرحت قضية اسلام ابي
طالب
كواحدة من الامور التي دار حولها خلاف بين الشيعة
ومعارضيهم منذ القدم، ففي الوقت الذي يذهب اكثر
اهل السنة
الى انه مات مشركا، تصر الشيعة على اعتقادهابانه
مات مسلما
موحدا، وقد تطرق ابن ابي الحديد المعتزلي الى هذه
المسالة
في ج(14) من شرح نهج البلاغة بالتفصيل وعرضها على
ضوء
ادلة الفريقين، غير انه توقف واحجم عن اعطاء الراي
فيها.

هذا
وقد كتبت ابحاث عديدة حول اسلام ابي طالب بعضها
مطبوع.

ولسنا هنا في معرض اعطاء الراي في هذه الادلة او
تلك، لذا
نترك الكلام في هذه المسالة، لانهاخرجت عن اطارها
التاريخي واتخذت طابعا مذهبيا او كلاميا،غير ان
ذلك لا
يمنعنا من الاشارة الى موقف ابي طالب المحامي ابدا
عن ابن
اخيه منذ بعثته وحتى السنة العاشرة للبعثة، وهي
السنة التي
توفي فيها ابو طالب، وهو ما تعكسه سيرة الرسول(ص)
خلال
تلك الفترة بشكل واضح لا غبارعليه.

وبسبب هذه
الحماية
الشديدة والمستمرة تعرض ابوطالب مع بني هاشم وبني
المطلب جميعا لحصار مر دام ثلاث سنين في شعب ابي
طالب،
وقد اجمع اصحاب السيرة على ان حماية ابي طالب
وذوده عن
ابن اخيه هما اللذان حالا دون وصول قريش اليه(ص)،
وقد
حزن الرسول(ص) لوفاته حزناعميقا، وعادت قريش تحاول
الحاق الاذى به، فاضطرالرسول(ص) الى ان يذهب الى
الطائف،
وعند عودته دخل مكة بجوار مطعم بن عدي.

وعلى ضوء
هذا
الدعم وتلك الحماية، ومع فرض عدم ايمانه، فهل يمكن
ان
يكون جزاءمثل هذا العم الودود الشهم ان يخلد في
ضحضاح
من نار؟! اذافما هو الفرق بينه وبين ابي لهب في هذا
المجال؟!
والقول: (ان في جهنم ضحضاحا وغمرا، وان مقام ابي
طالب
في الضحضاح)، لا يحل المشكلة.

ولا يمكن ان يكون
جزاء
من ضحى وتفانى في سبيل الاسلام الضحضاح لا الغمر.

نحن نعتقد ان الروايات التي تتحدث عن بقاء ابي طالب
على شركه الى ان فارق الحياة روايات موضوعة، وضعها
بنو
امية لشدة عدائهم لعلي(ع) وابيه وابنائه، او وضعها
بنو
العباس لحسدهم وحقدهم على العلويين بما امتازوا
به من
فضائل عليهم.

وسياتي الحديث عن موقف ابي سفيان بن حرب الذي
ظل يناصب الاسلام العداء هو وابناؤه حتى فتح مكة
وقتل كل
من خال معاوية واخيه في معركة بدر على يد حمزة بن
عبدالمطلب وعلي بن ابي طالب(ع).

ولم تنته هذه العداوة حتى بعد مقتل عثمان ومطالبة
معاوية بالخلافة وشهادة علي(ع) في السنة الاربعين
للهجرة،
بل زادتها تلك الاحداث حدة واتقادا.

فقاد معاوية
وبعده
خلفاءبني امية حملة واسعة لتشويه صورة علي
وابنائه(ع)
واستمرت هذه الحملة الشرسة الى ايام خلافة عمر بن
عبد
العزيز.

لقد كان سبق علي(ع) الى الاسلام وتضحياته الجسام من
اجله في الغزوات العديدة، وكذلك حماية ابي طالب
ودفاعه
القوي عن ابن اخيه، من فضائل علي واهل بيته(ع) التي
لا
يتسنى لاحد انكارها، فلم يجد بنو امية مغمزا ولا
مطعنا
يمكنهم من خلاله الطعن بعلي(ع) غير ادعاء عدم اسلام
ابي
طالب في الوقت الذي اسلم فيه ابو سفيان والد
معاوية! ومن
المحتمل جدا ان يكون انصار بني امية ودعاتهم هم
الذين عملوا
على اخفاء روايات اسلام ابي طالب ووضعوا مكانها
الاخبار
التي تتحدث عن حشره في النار، ليمسوا من هذا الباب
جلال
علي وابنائه بتوجيه الطعن اليهم، وقد وجد من بين
دعاة بني
امية من كان ساذجا الى الحد الذي اضحى كل اهتمامه
هو
نقل الروايات على ظاهرها وسندها، ولم يلتفت الى
مدى
انسجامهافي مضامينها، اذ كيف يبشر الرسول(ص) عمه
ابا
طالب بالنارويتغاضى عن تضحياته وصبره واخلاصه في
حين
يامر في معركة بدر ان لا يتعرض احد لحياة المشركين
الذين لم
يسبق لهم ان آذوه ويطلب احضارهم سالمين اليه؟
وحصلت القضية ذاتها في العهد العباسي، حيث سعى
بنوالعباس الى ان ينسبوا الى العباس عم النبي، الذي
لم يقدم
شيئامهما لصالح ابن اخيه ايام البعثة الشريفة،
المزيد من
الفضائل والكرامات، وعلى العكس فقد عملوا على
ترويج
الروايات التي من شانها المساس بمنزلة جد
العلويين ابي طالب
والحط من شانه.

وبناء على ذلك، فاننا نعتقد ان التعصب العائلي
والحمية
القبلية لم يكونا السبب الوحيد في دفاع ابي طالب
عن ابن
اخيه، وانمالا بد ان يكون وراء هذا الدفاع المستميت
وتلك
الحماية الدائمة، التي لم تفتر ابدا، ايمان
بالاسلام
واعتقادبرسالته«262».

السفر الى الطائف:
تقع الطائف على بعد اثني عشر فرسخا من مكة،
وكانت مستوطنا لقبيلة ثقيف، من قبائل هوازن ايام
الرسول(ص)،وتكثر فيها الكروم، وكان لاثرياء قريش
بساتين
هناك، وقداشتهر اهلها بالثراء والمراباة.

قرر الرسول(ص) السفر اليها بعد ان ضاق عليه الخناق
واشتداذى قومه في الفترة التي تلت وفاة خديجة وعمه
ابي
طالب،وكان يعزم على دعوة اهلها الى الاسلام عله يجد
فيهم
عوناعلى قريش.

وقال بعضهم: «انه كان وحيدا في هذا
السفر».

بينماقال آخرون: انه ذهب بمعية مولاه زيد بن
حارثة.

ولما انتهى رسول اللّه(ص) الى الطائف، عمد الى نفر
من ثقيف،
هم يومئذ سادة ثقيف واشرافها، وكانوا ثلاثة
اخوة،فجلس اليهم
رسول اللّه(ص) فدعاهم الى الاسلام وافصح لهم عن
رغبته في
طلب نصرتهم على من خالفه من قومه، فردوادعوته وهم
من
عائلة نميرة بن عوف بن ثقيف فقام رسول اللّه(ص) من
عندهم،
قائلا لهم: «اذا فعلتم فاكتموا عني».

وكره رسول
اللّه(ص) ان
يبلغ قومه عنه، فيذئرهم«264» ذلك عليه.

فلم يفعلوا
واغروا
به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به، حتى
اجتمع عليه
الناس، والجاوه الى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن
ربيعة وهما
فيه، ورجع عنه من سفهاءقريش من كان يتبعه، فعمد الى
ظل
حبلة«265»
من عنب فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران اليه
ويريان ما لقي من سفهاءاهل الطائف.

فلما رآه ابنا ربيعة: عتبة وشيبة (وهما من بني عبد
شمس)وشاهدا ما الم به تحركت له رحمهما، فدعوا غلاما
لهمانصرانيا، يقال له (عداس) فقالا له: «خذ قطفا من
هذا
العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به الى ذلك الرجل
فقل له
ياكل منه».

ففعل عداس، ثم اقبل به حتى وضعه بين يدي
رسول اللّه(ص)، ثم قال له: «كل» فلما وضع رسول
اللّه(ص)
يده قال:«باسم اللّه».

ثم اكل، فنظر عداس في وجهه،
ثم قال:
«واللّه ان هذا الكلام ما يقوله اهل هذه البلاد»!
فقال له رسول
اللّه: «ومن اي البلاد انت يا عداس، وما دينك»؟
قال:
«نصراني، وانا رجل من اهل نينوى»«266».

فقال رسول
اللّه(ص): «من قرية الرجل الصالح يونس بن متى»! فقال
له
عداس: «وما يدريك مايونس بن متى»؟ فقال رسول اللّه:
«ذاك اخي، كان نبيا وانانبي»! فاكب عداس على رسول
اللّه(ص) يقبل راسه ويديه وقدميه.

قال: «يقول ابنا ربيعة احدهما لصاحبه: اما غلامك فقد
افسده عليك! فلما جاءهما عداس قالا له: ويلك يا
عداس مالك
تقبل راس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي، ما
في
الارض شي ء خير من هذا، لقد اخبرني بامر ما يعلمه
الا نبي! قالا
له:ويحك يا عداس، لا يصرفنك عن دينك، فان دينك خير
من دينه»!
ثم ان رسول اللّه(ص) انصرف من الطائف راجعا الى
مكة،حين
يئس من خير ثقيف، حتى اذا كان بنخلة«267»
قام من جوف
الليل ى«268»صلي.

ويقال: ان الايات التي تتحدث عن الجن
وكذلك سورة الجن قد نزلت في هذاالمكان.

كان سفر الرسول(ص) الى الطائف بداية مرحلة جديدة
في سياسته(ص) في الدعوة الى الاسلام، فقد قام اولا
بدعوة اقاربه وعشيرته كما امر بذلك: (وانذر عشيرتك
الاقربين) فكان اكثر همه متجها الى عوائل قريش
واشراف مكة،
فلما لقي منهم ما لقي من الاعراض عن الاسلام
والاصرار على
الكفروالضلالة، وبعد ان تضاعف عليه الاذى من قومه
بعد
وفاة حاميه الاكبر عمه ابي طالب، بدا الرسول(ص)
يخطط
لدعوة القبائل العربية الاخرى الى رسالته، وبدا
باقرب القبائل
واكثرهاقوة وثراء وهي ثقيف، غير انها رفضت دعوته
لما كان لها
من علاقات اقتصادية واجتماعية وثيقة مع قريش،
ولشعورهابالخطر المحدق بالههم الاكبر (اللات)،
التي كانوا
يطلقون عليها(ربة)، من جراء هذه الدعوة، وبانه لو
سقطت
ربتهم فسوف تكون تبعية ثقيف لمكة وقريش مطلقة.

لقد
اوصدواالابواب بوجه الرسول(ص) وقد فاتهم بذلك شرف
عظيم.

«وفي طريق عودته(ص) الى مكة، مر به بعض اهل مكة،
فقال له رسول اللّه(ص): هل انت مبلغ عني رسالة ارسلك
بها»؟قال: «نعم»، قال: «ائت «الاخنس بن شريق» فقل
له:
يقول لك محمد: هل انت مجيري حتى ابلغ رسالة ربي؟
قال:
فاتاه، فقال له ذلك، فقال له الاخنس: ان الحليف لا
يجير على
الصريح.

قال: فاتى النبي(ص) فاخبره، قال: تعود.

قال:
نعم، قال:
ائت سهيل بن عمر فقل له: ان محمدا يقول لك: هل انت
مجيرى حتى ابلغ رسالات ربي؟ فاتاه فقال له ذلك قال:
فقال
ان بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب.

قال: فرجع
الى النبي(ص) قال: تعود، قال: نعم، قال: ائت المطعم
بن
عدي،فقل له: ان محمدا يقول لك: هل انت مجيري حتى
ابلغ رسالات ربي؟ قال: نعم فليدخل، قال: فرجع الرجل
اليه فاخبره، واصبح المطعم بن عدي قد لبس سلاحه هو
وبنوه وبنو اخيه فدخلوا المسجد، فلما رآه ابو جهل
قال: امجير
ام متابع؟ قال: بل مجير.

قال: فقال: قد اجرنا من
اجرت،
فدخل النبي(ص) مكة»«269».

والمهم في هذه الرواية انها تكشف عن ان الرسول(ص)
لم يعد
يملك بعد وفاة عمه ابي طالب من يدافع عنه من
انصاره،ومن
له القدرة على مواجهة قريش، بما فيهم حمزة وابو
بكروعمر،
الامر الذي اضطره الى طلب جوار مشرك من مشركي مكة.

الرسول(ص) يعرض دعوته على
القبائل:
بعد عودة الرسول(ص) من الطائف
عزم على اجراء تغييرشامل
في سياسته الخاصة بالدعوة لرسالته، فقد يئس
بعدسفره هذا
من مكة وقريش واهل الطائف المرتبطين باهل
مكة بعلاقات
وثيقة جدا، وقد شكل هذا التغيير الذي من المؤكدانه
حدث
بامر وهداية الهية منعطفا كبيرا في تاريخ
الدعوة الاسلامية
واتساع رقعة الاسلام، حيث ادى ذلك الى
خروج الاسلام من
دائرة مكة وانتشاره في شبه الجزيرة العربية بصورة
عامة، ومن
ثم في انحاء العالم المتحضر آنذاك.

لقد كان الامر الالهي يتركز في البداية على دعوة
الاقربين
الى الدين الجديد: (وانذر عشيرتك الاقربين)
«الشعراء:
214».

وبعد ان اعرض هؤلاء الاقربون عن هذه النعمة
الالهية وواجهوا صاحبها بالاذى والتنكيل وعملوا
على
محاربته ومحاصرته مع بني هاشم اقتصاديا واجتماعيا
في شعب
ابي طالب، وتجاوزوا الحدود في ظلمه واضطهاده.

بعد
هذا كله
لم يبق امامهم عذر يعتذرون به، وتمت الحجة عليهم
ف آن
الاوان لان يكسر الاسلام هذا الطوق وينطلق خارج
حدود
المدينة الواحدة والقبيلة الواحدة.

لقد قرر
الرسول(ص) بعد
عودته من الطائف دعوة القبائل الاخرى الى الاسلام.

ومن الجدير بالذكر ان هناك من بين المسلمين الاوائل
من
كان يرجع في انتمائه القبلي الى قبائل اخرى غير
قبيلة قريش،
لكنه كان يقيم في مكة اما بالجوار او بالتحالف او
بامور اخرى،
وكان اسلام هؤلاء الافراد اسلاما فرديا وكان جزءا
من اسلام
قريش نفسها لارتباطهم بها بالتحالف او الجوار او
ما الى ذلك.

فاسلام ابي ذر الغفاري مثلا لا يعني اسلام قبيلة
غفار باكملها
اوانضمامها الى معسكر الاسلام واعلان حمايتها له
والدفاع
عنه.

ولا ينبغي ان يفهم من هذا الكلام ان الرسول(ص)
كان
يخص في دعوته القرشيين داخل مكة ولم يدع غيرهم
خارجها،
بل ما نريد قوله هنا ان دعوة هؤلاء الى الاسلام ان
حصلت
في السابق فقد حصلت بصفة فردية ولم يخاطبهم
الرسول(ص)بصفتهم ممثلين عن قبائلهم التي ينتسبون
اليها.

اما سفر الرسول(ص) الى الطائف ودعوته لقبيلة ثقيف،
فيبدوانها كانت تندرج في محاولاته(ص) لادخال قريش
في
الاسلام دون اراقة دماء، وذلك لشدة ارتباط ثقيف
بقريش
وكثرة الوشائج بينهما.

لم يبق امام الرسول(ص) بد من التحرك لدعوة
القبائل الاخرى
بعد ان يئس من الطائف واهلها.

وقد اختارالرسول(ص) ان
يبقى في مكة يدعو هذه القبائل اثناء قدومهافي مواسم
الحج،
بدلا من الذهاب اليها، لما كان ينطوي عليه ذلك
العمل من
خطر جدي على حياته(ص)، اما بقاؤه في مكة فقد كان
يوفر له
حماية بني هاشم وحلفائهم.

وهكذا كان الرسول(ص) يدعو هؤلاء القادمين في
مواسم الحج
الى الدين الجديد، ويوصي من يسلم منهم ان
يكون داعية
لقومه وعشيرته بعد عودته، وبهذه الطريقة فشا
امرالاسلام
وانتشرت اخباره في انحاء شبه الجزيرة العربية،
وقدتحدثت
كتب السيرة عن دعوة الرسول(ص) لقبائل كندة وبني كلب
وبني حنيفة وبني عامر بن صعصعة وبني عبس
وغسان وبني
المحارب وشيبان بن ثعلبة«270».

وقد وردت رواية في عيون الاثر«271» تؤيد ما ذهبنا
اليه من
ان الرسول(ص) توجه في دعوته الى القبائل الاخرى
بعدان
يئس من قريش، وجاء في الرواية عن جابر بن
عبداللّهالانصاري،
انه قال: «كان النبي(ص) يعرض نفسه على الناس في
الموقف،
ويقول: الا رجل يعرض على قومه، فان قريشا قدمنعوني
ان ابلغ
كلام ربي».

وقد ردت بعض هذه القبائل دعوة الرسول(ص) بلطف
ولين،بينما جابهتها قبائل اخرى بخشونة وعنف، حتى
فعلت
الرعاية واللطف الالهيان فعلهما، فلبى اهل يثرب
نداء
الرسول(ص)ودعوه الى مدينتهم، وكان ذلك اهم منعطف في
تاريخ الدعوة الاسلامية.

/ 13