دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة - نسخه متنی

عباس زریاب الخوئی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

لم يكتشف تاريخ شبه
الجزيرة العربية بشكل علمي الا في القرن
التاسع عشر، ففي هذا القرن توغل السياح وعلماء
الاثارفي
الصحرا العربية ، و عثروا على كثير من الاثار
والمجسمات القديمة التي وجدوها موزعة في الاجزا
الماهولة
منها، وخاصة في القسم الجنوبي الغني جدا بتلك
الاثار.

واستطاعوا بعدجهود مضنية قراتها وتحليل النقوش
التي كانت
عليها والخروج بنتائج علمية قيمة، ازاحت الستار عن
تاريخ
قديم، ولولا هذه الدراسات لكانت تلك الاثار ترقد
في باطن
الارض حتى هذه اللحظة.

وطبقا لهذه الحفريات ثبت ان هناك حضارات مهمة
نمت وترعرعت فوق هذه الارض قبل مولد المسيح(ع)،
وخضعت لملوك وحكومات متعددة فرضت سيطرتها على هذه
البلاد،ولسنا الان بصدد هذا البحث الذي يشكل اليوم
قسما
مستقلافي الدراسات الشرقية، ذلك ان تلك الحضارة
كانت قد
زالت وانتهى امرها قبل مولد الرسول(ص) في النصف
الثاني
من القرن السادس الميلادي، وكان الناس قد نسوا
لغتهم
وكتابتهم القديمة حتى ان الخط الحميري ما كان يقرا
الا من
قبل علماء معدودين في ذلك العصر وبصعوبة بالغة.

وقد وجدت اللغة العربية المتداولة حاليا، والتي
نزل بها
القرآن الكريم على صدر الرسول(ص)، رواجا ملحوظا في
القرن السادس الميلادي بين البدو والقبائل التي
استوطنت
القسم الشمالي من شبه الجزيرة العربية، وظهر شعرا
عرب نبغوا
في نظم الشعر واظهروا ثرا اللغة العربية ونضجها
وقدرتها
على حمل ثقافات وافكار غنية، وكانت هذه اللغة قد
انتشرت
حتى غطت شبه الجزيرة العربية من الشمال الى اقصى
الجنوب.

وقد رافق الانتشار اللغوي هذا انتشار للعادات
والانماط الحياتية
التي كان عليها اهل البادية واصحاب اللغة
الاصليون،وسادت
في الجنوب كما في الشمال النظم القبلية
والاعراف العشائرية
نفسها باستثناء بعض المدن في اليمن.

وقد تزايد نفوذ هذا النظام القبلي حتى خضع له اهل
المدر
في مدن مكة والطائف ويثرب، واستحكم بهم تماما.

ولا يمكننا فهم سيرة الرسول(ص) وادراك المعاني
الحقيقية لمواقفه مع افراد قبيلته، ومعرفة
العلاقات التي كانت
تربط قريش بباقي القبائل، وكذلك تقييم حروب
الرسول(ص)ومغازيه، الا بدراسة المجتمع العربي
آنذاك
والاحاطة باوضاعه الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية، ونقصد
بهذه الاوضاع نظام القبائل العربية في ذلك الزمان
الذي كان
يحكم كما اشرناسابقا شبه الجزيرة العربية باكملها
تقريبا، ولهذا
ستنتفي الحاجة لدراسة التاريخ القديم لشبه
الجزيرة العربية
وما سجله علماء التاريخ وخبرا الاثار عن تلك
الادوار القديمة
من تاريخ هذا الجزء من العالم.

النظام القبلي:
القبيلة: وحدة اجتماعية يدعي
افرادها انحدارهم من اب
واحدحتى لو كان هذا الاب بعيدا جدا ويعيشون حياة
اجتماعية واقتصادية مشتركة.

والحياة الاقتصادية
المشتركة،
هي عبارة عن امتلاك مرعى ومرتع مشترك، والاشتراك
في
سوق القبائل المتنقل، وكذلك الانتقال، من مرعى
الى مرعى
ومن واحة الى اخرى بصورة جماعية، اما الاشتراك في
الحياة
الاجتماعية فيتحقق من خلال طاعة رئيس القبيلة او
شيخ
العشيرة كمايطلق عليه في شبه جزيرة العرب، ومشاركة
افراد
القبيلة جميعا في الحروب والغزو والدفاع عنها،
واخذ
القصاص وتسلم الديات، ديات قتلى القبيلة من قبيلة
القاتل،
وكذلك دفع دية المقتول الى قبيلته، واتخاذ قرار
التحالف مع
القبائل الاخرى، او بالعكس، اي الخروج من التحالف
وفك
عرى الاتحاد، وغير ذلك من امور يشترك افراد
القبيلة
الواحدة فيها.

ويتضح من هذا ان النظام القبلي من شؤون اهل البادية
وسكان الصحرا، ولهذا فهو نمط من الحياة متقدم
زمنيا على
نمط حياة المدن، ويعتبر هذا الاخير اعلى مرتبة
منه، واكثر
تعقيدا من ناحية التطور الاجتماعي.

وتعتبر المسؤولية المشتركة لافراد القبيلة، في
الدفاع
عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية، من اهم خصائص
النظام القبلي، وفيما اذا جفت الصحرا وعجزت
مواردها عن
تلبية حاجة القبيلة وتوفير مستلزماتها الغذائية
والمعيشية
فسيكون ابناء القبيلة جميعا امام مسؤولية مشتركة
لغزو القبائل،
بل القرى والمدن المجاورة، لتامين الحياة
الاقتصادية لجميع
افرادالقبيلة، وقد اورثت هذه المسؤولية المشتركة
لافراد
القبيلة، في الحروب الدفاعية والهجومية، حالة من
الشجاعة
والاقدام والجلد عند افراد القبائل لا يملكها اهل
المدن بصورة
عامة.

فالحياة الاجتماعية المتطورة تستدعي تقسيم
الاعمال
بحيث تكون جماعة معينة مسؤولة عن توفير مستلزمات
العيش، بينماتتحمل جماعة اخرى قضايا الدفاع وحماية
مصالح
المجتمع.

وكان هذا الاحساس المشترك بالدفاع عن المصالح
الحيوية
هوالمسؤول عن بروز سمة التعصب في المجتمع الجاهلي،
وهي حالة من التضامن الوثيق بين افراد القبيلة
الواحدة في
الامورالاقتصادية والمعيشية، ما لبثت ان تحولت الى
امر
معنوي روحي كالشعور بالاعتزاز والفخر والشرف
بالانتماء
الى القبيلة، ولولا هذه المشاعر والاحاسيس، ما
كان الانسان
القبلي مؤهلا للتحرك والحضور الى ساحة الدفاع متى
ما
دعت الحاجة.

ومن هنا صارت الشجاعة والتعصب والشرف
ووالتفاخربالوحدة
القبلية، التي كانت تتشكل غالبا من المحافظة
على الانساب
وعلى سمعة الاباء والاجداد من ان يمسها شي ء،صفاتا
مشتركة
لافراد القبائل البدوية بشكل عام، ولا تشاهدمثل
هذه الصفات
بين سكان المدن بصورة عامة، سيما مايخص الانساب
والمحافظة على اسماء الاباء والاجداد التي كانت
غائبة في
المدن الا عند الاشراف والاعيان، ولم يتقن اهل
المدن فن
معرفة القبائل والاحلاف التي تجمعهاوالتفرعات
والافخاذ التي
تنشا منها.

اهمية النسب داخل القبيلة:name="link8">
رغم الدور الاساسي الذي تلعبه
العوامل
الاقتصادية والاجتماعية في حفظ كيان القبيلة،
يبقى للنسب
مكانته الخاصة كمائز تمتاز به القبائل عن بعضها
البعض، ويحدد
لها شخصيتهاالذاتية دون ان تختلط مع بعضها.

لهذا
كان ابناء
القبائل يسعون جهدهم لحفظ اسماء آبائهم واجدادهم،
وبذلك
لا يحفظون نسبهم، اي هوية قبيلتهم، فحسب، بل
ويستحضرون مفاخرالقبيلة ومناقبها، ليستحثوا
الهمم، ويزيدوا
التعصب حدة وقوة.

وكان سكان المدن لا يشعرون بالحاجة
الملحة لمثل هذه الاءمور، رغم حاجتهم الى عوامل
الفخر
والشرف لتحقيق الانجازات الاجتماعية المهمة، لكن
ليس
بتلك الشدة التي كان عليها اهل البادية، وكان عمر
ينتقص من
انباط العراق ويقول: ان هؤلاء ينسبون انفسهم الى
قراهم ومحال
سكنهم عندما يسالون عن اصلهم ونسبهم.

وكان يوصي
العرب بالمحافظة على انسابهم لكي ينتسبوا اليها
عندما
يسالون عن اصلهم«7».

حقيقة النسب:
يقول ابن خلدون في مقدمته: ان
النسب امر وهمي ليس
له حقيقة، وتكمن اهميته في ربطه للاقارب بعضهم مع
بعض وتعصبهم لبعضهم«8».

ولعل هذا القول ينطوي على
شي ءمن المبالغة، لكنه لا يفتقر الى الحقيقة
تماما، فمن
خلال مطالعة علم الانساب لدى العرب نجد في
التحالفات
القبلية التي تنظم فيها القبائل الضعيفة الى
القبائل القوية،
ينسب اهل القبائل الضعيفة انفسهم الى القبائل
القوية التي
تحالفوا معها،الى ان يؤدي ذلك بمرور الزمن الى
نسيان
انتمائهم الى قبائلهم الاصلية، ولا يبقى امامهم
سوى نسب
واحد هو نسبهم الى القبيلة القوية، ويصدق نفس
الامر في حالة
الاستلحاق والجوز والولاء بالنسبة الى الافراد.

الحلف:
كانت الاحلاف والمواثيق من
الامور الشائعة جدا لدى العرب،
فرضتها المتطلبات السياسية وضرورات حفظ
الكيان القبلي
من الزوال، حيث تتفق قبيلتان او اكثر بشكل كلي او
في امور
معينة على ان يدافعا عن بعضهما، ويتحدا معا ضد
العدوالمشترك، ويتم هذا الاتحاد في مراسم خاصة
منها القسم
اوالحلف، ولهذا سمي بالحلف او التحالف، او ما الى
ذلك
من الفاظ اشتقت من المعنى نفسه، كما تجرى مراسم
اخرى
بهذه المناسبة سنشير الى بعضها ضمن الحديث عن
حلف«المطيبين».

ولهذه الاحلاف آثار كبيرة على
النسب
كما اشرناسابقا فغالبا ما ينتهي ابناء القبائل
المتحالفة الى نسب
واحدبمرور الزمن ويصيرون وكانهم ابناء قبيلة
واحدة.

الجوار:
من الاعراف التي كانت شائعة
لدى العرب والتي فرضتهاطبيعة
الحياة الصحراوية والقبلية.

فكان الفرد او
القبيلة الضعيفان
يلجاان الى من يجاورهما ويلوذان به خوفا من
الافراداو القبائل
الاقوى.

فهما يطلبان الجوار، وفي حالة
قبول لجوئهما
او(جوارهما) من قبل الفرد او القبيلة
(المجيرة)فسيعتبر
الاعتدا على هؤلاء بمثابة اعتدا على الفرد او
القبيلة المجيرة،
ويحدث احيانا ان يسترد الجوار بطلب من المجيراو
غيره، وكل
من اعطاء الجوار او استرداده لا يتم الا
باعلانه على عامة القوم.

الولاء:
وهو من العوامل المهمة في
تعيين النسبة الى القبائل
حتى اشتهرت بين العرب مقولة «الولاء لحمة كلحمة
النسب».

وكان الولاء على عدة انواع، منها ولاء «العنق»،
ويتحقق هذا
فيما اذااطلق شخص عبدا، فسينسب ذلك العبد المحرر
الى
عشيرة الشخص الذي حرره واطلقه، ويسمى مولى فلان
«المحرر»،والمولى هو الشخص المتحرر.

ولهذه الحالة
احكامها الخاصة في الفقه في باب المواريث وغيرها.

ويرتبط هذا
(المولى) اوالشخص المتحرر بالقبيلة التي حررته
وينتسب
اليها، ولكن مع اضافة كلمة (بالولاء)، اي ان نسبته
الى هذه
القبيلة ولاء لاحقيقة، ويحصل الولاء ايضا من
المعاشرة والحلف
والتعاهدكما حدث ليهود يثرب مع قبيلتي الاوس
والخزرج.

وكان يطلق اسم الموالي على غير العرب جميعا بعد
الفتوحات الاسلامية، ولوحظ نوع من الاصرار الشديد
على ان
يطلق اسم الموالي على غير العرب خلال ايام الدولة
الاموية.

وينطوي التعبير بالموالي على شي ء من
الاستصغار
والتحقير،فالمولى رغم انه اعلى في المرتبة
الاجتماعية من
العبد، الا انه ادنى من المالك.

وفي مقدمة ابن خلدون فصل «في ان البيت والشرف
للموالي واهل الاصطناع انما هو بمواليهم لا
بانسابهم»، يقول:
«فشرف المولى منشق من شرف مواليه، وبناؤه من
بنائهم، فلم
ينفعه نسب ولادته»، ويروى في هذا الباب حديث
عن الرسول(ص): «مولى القوم منهم».

الاستلحاق:
والاستلحاق من الموارد التي
يتم فيها الغاء النسب
الاصل واكتساب نسب جديد مكانه، وذلك عندما يلحق
شخص
من عائلة او قوم معينين شخصا آخر بنفسه كابن له او
اخ،
ويدعى الشخص الذي يلحق نسبه بنسب آخر ب (الدعي)
والجمع(ادعياء)، وسنرى كيف ان زيد بن حارثة صار يدعى
زيد
بن محمد(ص)، وبهذا نزلت الاية(4) من سورة الاحزاب:
(وماجعل ادعى آءكم ابناءكم ذلكم قولكم بافواهكم
واللّه
يقول الحق وهو يهدي السبيل).

وهنا نهي صريح عن
(التبني)
اواتخاذ (البنوة).

اما الاية التي تليها فتقول: (ادعوهم لابائهم هو
اقسط عند
اللّهفان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين
ومواليكم
وليس عليكم جناح فيما اخطاتم به ولكن ما تعمدت
قلوبكم
وكان اللّهغفورا رحيما) «الاحزاب: 5»، فبعد هذه
الاية اصبح
زيديسمى باسم ابيه زيد بن حارثة.

ولعل من المناسب ان
نذكرالحادثة التي وقعت في خلافة معاوية، حيث قام
معاوية باستلحاق زياد بن ابيه بنسبه، وخالف بذلك
صريح
الاية الشريفة السابقة، الدال على ان الاب غير
الشرعي ليس ابا
في الاسلام، كما ان اثبات ذلك في الموارد المشكوكة
من الاءمور الصعبة جدا ان لم تكن المستحيلة.

الخلع:
وبعكس الاستلحاق كان هناك
الخلع عند العرب، حيث
يتم التبري من الاشخاص الذين يرتكبون الجرائم
والاعمال الشنيعة التي من شانها ان تلحق العار
بعوائلهم
وقبائلهم التي ينتسبون اليها، لذا تبادر القبيلة
او الاب الى
اعلان المتبرئة من ذلك الشخص على الملا العام،
وبعد ذلك
تكون الجهة المتبرية غير مسؤولة عن الجرائم التي
يرتكبها،
وغير ملزمة في دفع الدية عن الخليع.

ويسمى مثل هذا الشخص ب (الخليع)، ويحدث احيانا
ان يتحد
الخلعاء مع بعضهم في وسط البادية ليكونوا قوة
تهددالطرق
والقوافل.

كان قيس بن الحدادية من خلعاء العرب المشهورين، وهو
من قبيلة خزاعة، وكان شجاعا وشاعرا، قام بقطع
الطرق
على القوافل فطردته خزاعة وتخلت عنه، واعلنت ذلك
في
سوق عكاظ، وقالت: انها لن تكون بعد الان مسؤولة عن
جرائمه،وقد وردت اخبار قيس بن الحدادية (حدادية بضم
او
كسرالحاء هو اسم امه) في كتاب الاغاني لابي
الفرج الاصفهاني«9».

ومن بين الذين خلعوا من قبائلهم
في

عهدالاسلام يعلى الاحول الاردبي وهو شاعر
وقاطع طريق«10».

اهمية انساب القبائل في تاريخ
الاسلام:
تؤكد الاية(13) من سورة الحجرات
على هذا الموضوع
حيث تقول: (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى
وجعلناكم
شعوباوقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند اللّه
اتقاكم).

والدلالة
الالتزامية لهذه الاية الشريفة هي رفض واستنكار
العصبيات
القبلية والخصومات العنصرية والتفاخر بالانساب،
وكلها من
الظواهرالتي اشتهرت بها العرب، وبلغت حدا جعل
القبائل
العربية لاتعرف شيئا اسمه قوم او امة (العرب) ولم
تكن تفهم
معنى للوطنية او القومية، وللقبيلة او الشعب
احيانا، الذي هو
اكبر منها(مجموعة من القبائل يجمعها نسب واحد) معنى
يشبه معنى المدينة عند اليونانيين او معنى الامة
عند الكثير
من شعوب العالم في القرون الحديثة.

ويطلق على اهل البادية «الاعراب» كما يطلق اللفظ
نفسه
بنوع من الاستخفاف على البدو الرحل في الصحرا
دلالة
على خشونتهم وجفاف اخلاقهم.

وقد وردت كلمة (عربي) في اللغة العربية التي كانت
لغة
عامة القبائل، ونادرا ما كانت تستعمل كلمة (العرب)
بالمعنى
نفسه الذي استعملت فيه بعد الاسلام، وقد وردت
اشارة
في(سورة الحجرات) الى الحرب التي نشبت بين طائفتين
من المسلمين في المدينة (الاوس والخزرج) على اثر
عدا
قبلي وتخاصم عشائري (تفسير الطبري في ذيل هذه
الاية من
سورة الحجرات).

ولم يات الاسلام، وهو دين التوحيد، للقضاء على
التمييزالقبلي
فحسب، وانما جاء ليمحو التمييز العنصري بشكل
عام،وان
معنى التوحيد في مراتبه الدنيا هو ايجاد الوحدة بين
الناس تحت شعار الاسلام.

ولم تسنح الفرصة امام هذه التعاليم الالهية
السامية
لتاخذطريقها الى قلوب المسلمين بحيث تجعل مفهوم
توحيد
الناس والمساواة فيما بينهم، التي لم تزل هدف
الانسانية
المنشود،واقعا معاشا.

وفي هذه السورة نفسها اي سورة
الحجرات،توجد اشارة الى هذا المعنى، فبعد ان تشجب
الاية
الشريفة النزاع والتفاخر القبلي تاتي الاية
التالية لتقول: (قالت
الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما
يدخل الايمان
في قلوبكم) «الحجرات: 14» ويدل مجي ء هذه الاية
بعد
تلك الاية مباشرة على ان المقصود بالايمان هو
الايمان بهذا
المبداعلى الصعيد الاجتماعي، اي الايمان
بالمساواة ورفض
التمايزالقبلي والتفاخر بالانساب، وهذا ما لم
يستقر بعد في
قلوب العرب ووجدانهم.

وفي الوقت الذي اختفت فيه المفاخرات النسبية
والعداوات القبلية اثناء الفتوحات الاسلامية،
نجد انها قد عادت
بعد تفجرالحروب الداخلية ايام خلافة امير المؤمنين
علي بن
ابي طالب(ع)، واستفحلت في النصف الثاني من القرن
الهجري الاول، فكانت من اهم الاسباب التي ادت الى
سقوط
الدولة الاموية.

والى هذا السبب يعود الرواج الواضح لعلم الانساب في
القرن الهجري الاول، حيث كانت التحالفات القبلية
الكبرى
بامس الحاجة لمعرفة انسابها وشد الاواصر فيما
بينها لتدافع
عن كيانهاوتقاوم اعداها، اضافة الى ان تاريخ شبه
الجزيرة
العربية قبل الاسلام يتلخص ككل في التنازع
والتخاصم القبلي
والتفاخربالانساب، الامر الذي ادى الى تطور علم
الانساب
لتمييزالقبائل المختلفة بعضها عن بعض.

ورغم ان الحروب التي خاضها الرسول(ص) كانت
بين الاسلام
والكفر، وبين التوحيد والشرك، الا انها كانت
في لباسها الدنيوي
والمادي تتحول الى حرب بين القبائل، ففي الوقت
الذي كان
الرسول(ص) يقود المهاجرين في معركة بدر، كان ابو
سفيان
يقود كفار قريش، والاثنان كانا من قريش،الا انها
كانت في
واقعها حربا بين قريش من جانب وقبائل الاوس
والخزرج من
جانب آخر، فبعد معركة احد نجد شعراقريش يتغنون
بانتصارهم على الاوس والخزرج، ويتفاخرون بذلك
النصر.

وفضلا عن هذا فان الاية الشريفة من سورة الحجرات،
تذكران
معرفة القبائل والطوائف والاطلاع على انسابها انما
هي من اجل
تشخيص هوية الافراد، ولان التاريخ هو عبارة عن
تاريخ الاحاد
والافراد اذا ما قطعنا النظر عن جانبه العام
والانتزاعي فلا يمكن
معرفة هؤلاء الاشخاص والاحاد في التاريخ الاسلامي
الا عن
طريق الاحاطة بالقبائل والانساب، ومن هنايمكن
ادراك
الاهمية الخاصة لمعرفة القبائل وانسابها في
فهم التاريخ
الاسلامي.

اقسام الطوائف:
كانت القبيلة اشهر وحدة
اجتماعية واكثرها شيوعا وتداولا
في حياة العرب في الجزيرة العربية، ولا نجد تعريفا
محددا
لهااكثر من كونها اشتراك في النسب وطرق المعيشة
والامورالاجتماعية الاءخرى، فليس من المعروف او
الواضح
عددالعوائل او الافراد الذين تتكون منهم القبيلة
الواحدة.

وتوجد تقسيمات اخرى اكبر من القبيلة او اصغر منها،
تنقسم فيها القبيلة الى فروع متعددة، وهذه
الاءخرى غير
محددة في عدد العوائل او الافراد الذين تتكون
منهم، واشهر
هذه التقسيمات ما ذكره (النويري) في (نهاية الارب)«11»
حيث اعتبر (الجذم) و (الجماهير) و(الشعب) و(القبيلة)
من
الاقسام الكبرى بينما الصغرى عبارة عن (العمارة) و
(البطن)
و(الفخذ)و (العشيرة) و (الفصيلة) و (الرهط).

واختلف
ايضا في
تحديدمصاديق هذه الاسماء، فبينما جرت العادة على
اعتبار
قريش قبيلة مثلا، نجد علماء الانساب لا يوافقون
على ذلك
بل يجعلونها عادة عمارة، اما القبائل فهي امثال:
مضر،
وربيعة،وبني مخزوم، وبني عبد مناف، او بني هاشم،
اما بنو
امية فهم بطن، ويعتبر العباسيون فصيلة، وكذلك
الطالبيون،
ويذكرالنويري في نسب الرسول(ص) بني عدنان، ويقول:
انهم«جذم»، ويطلق على معد «جمهور»، وعلى نزار
«شعب»،وعلى مضر «قبيلة»، وعلى خندف «عمارة»،
وعلى كنانة«بطن»، وعلى قريش «فخذ» وعلى قصي
«عشيرة»، وعلى عبدمناف «فصيلة» ويسمي بني هاشم
«رهط».

اليماني والنزاري او
القحطاني والعدناني:
كانت القبائل في صدر الاسلام
تنقسم الى شعبتين او
شعبين كبيرين يماني ونزاري.

وقد حدث ذلك بسبب ما
ظهر
من خصومات ونزعات قبلية بين مجموعتين من القبائل.

وليس خافيا ان الخصومات القبلية كانت موجودة قبل
الاسلام،وكانت في اغلبها خصومات وحروبا تنشا
لعوامل
اقتصادية اومعيشية او لاسباب ثارية، اما على شكل
خصومات
شاملة بين ما يسمى باهل الجنوب واهل الشمال، او
القحطانيين والعدنانيين، فهذا ما لم يلحظ قبل
الاسلام.

ويرجع
اصل هذه المسالة الى هجرة القبائل من الجنوب او
اليمن الى
الشمال،فكانت القبائل التي هاجرت من الجنوب ووجدت
لها
مراتع شتوية هناك، قد احيت هذه المسالة التي كانت
قد
طرحت بصورتها العامة المبهمة، حيث ارجع الشماليون
نسبهم
الى نزار او معد او عدنان، واخيرا الى اسماعيل بن
ابراهيم(ع)،ولهذا اصبح جميع هؤلاء يسمون فيما بعد
بالعرب
المستعربة(اي المتعربين)، فمن المعروف ان اسماعيل
وابراهيم ليسا من العرب، وصار ابناء اسماعيل عربا
بعد ان
استوطنوا شبه الجزيرة العربية في جزئها الشمالي،
وقد انتسبت
قريش، التي كانت تستوطن مكة، الى نزار بن معد بن
عدنان،
ولهذا صاريطلق على القرشيين (النزاريين) او
(المعديين) او
(العدنانيين)،اما سكان المدينة وهم في الغالب من
قبيلتي
الاوس والخزرج فهم يمانيون جاءوا من الجنوب.

وحتى
الخصومات التي حدثت بين قريش وقبيلتي الاوس
والخزرج لم
تكن موجودة قبل الاسلام، ولم ير لها اثر يذكر في
الشعر
الجاهلي، بعكس النزاع بين الاوس والخزرج داخل
المدينة
نفسها حيث كان قدبلغ الذروة قبيل الهجرة، وكاد ان
يهدد
الطرفين بالفناء.

واكتسبت قبيلتا الاوس والخزرج اسما جديدا بعد
هجرة الرسول(ص) الى المدينة، فصاروا يسمون ب
«الانصار»
اماالذين هاجروا من مكة الى المدينة فصاروا
يدعون ب(المهاجرين).

ولم يظهر في حياة الرسول(ص)
خلاف
واضح بين المهاجرين والانصار، اما بعد وفاته(ص)
فقد احدثت
مسالة الخلافة تنافسا شديدا بين المهاجرين
والانصار، او بين
قريش وقبيلتي الاوس والخزرج، ويمكن الاشارة هنا
الى ظهور
بعض الخصومات القديمة بين الاوس والخزرج انفسهم،
التي
انتهت لصالح قريش وحسمت الخلافة لها.

وقد ساهمت الفتوحات الاسلامية وهجرة العرب الى
بلدان اخرى خارج شبه الجزيرة العربية واستقرارهم
في مدن
مثل الكوفة والبصرة، في تجميد الاختلافات
واختفائها مؤقتا.

حتى جاء الخليفة الثالث عثمان الاموي القرشي الذي
قتل
بيدالانصار (اهل المدينة)، فقد تحول هذا الحدث الى
حجة رفعها معاوية لتحريك الناس، وتعبئتها
للمطالبة بدم
عثمان والانتقام من قتلته، وتبدلت هذه الخصومة
بين الانصار
(وهم من قبائل الجنوب او اليمن) من جانب والمطالبين
بدم
عثمان من جانب آخر الى خلاف بين عرب الجنوب وعرب
الشمال او بين اليمانيين والنزاريين، هذا مع ان
قيادة
الطرفين المتخاصمين في معركة صفين كانت من قريش
(امير
المؤمنين ومعاوية)، وقد بلغ النزاع بين القبائل
مبلغا عظيما
بعد مقتل عثمان ومعركة صفين وعاد كما كان قبل
الاسلام،
غير ان المسائل الاقتصادية وقضايا قطع الطرق لم
تعد موجودة
بين الطرفين، بل تجلى الخلاف على شكل نزاع بين
طائفتين كبيرتين من العرب اليمانيين والنزاريين.

وقد زادت
العوامل السياسية هذا النزاع اتساعا واخرجته على
شكل
خصومات عرقية (لا نقصد بالعرق هنا المعنى المعروف
اليوم،
بل نقصدبه ذلك الامر الذي يصنف الناس على اساس الدم
او
الجنس او ما يشبههما من الامور الاءخرى، ويفصل
فصلا
اصطناعيا بين جماعتين كبيرتين من البشر، ويؤدي
الى ظهور
النزاع واثارة الضغائن بينهما).

وصل الخلاف بين هاتين المجموعتين من القبائل
النزارية واليمانية الى الحد الذي اوقد بينهما
نار الحرب
واحدث معارك داخلية ايام الدولة الاءموية ادت الى
ضعفها ومن
ثم سقوطها، وقد هيات هذه الاختلافات فرصة جيدة
للشعراوالخطباء ليذكوا نار الاحقاد ويذكروا
الطرفين
بامجادهم ومناقبهم، ولم يكن النزاريون او
المعديون او
العدنانيون،ومنهم قريش والرسول(ص) والخلفاء جميعا،
بحاجة
ماسة الى البحث عن مفاخر وامجاد اخرى، اما
الجنوبيون من
اهل اليمن، فقد كانوا في صدد تحويل هذه الخصوصية
الجغرافية الى خصوصية عرقية، فكما ان الشماليين
نسبوا
انفسهم بموجب العهد القديم الى اسماعيل، نسب
الجنوبيون
انفسهم الى قحطان (او يقطان كما في العهد القديم)
ومن هنا
صاريعرف اليماني والنزاري بالقحطاني والعدناني في
التاريخ الاسلامي.

ونريد بهذا التفصيل ان نوضح ان
تصنيف
القبائل العربية الى مجموعتين كبيرتين عدنانية
وقحطانية،
كان قد ظهربعد الاسلام.. فرغم ان القبائل العربية
كانت تحرص
في تاريخها قبل الاسلام على معرفة انسابها
واستحضار
آبائهاواجدادها كوسيلة من وسائل حفظ كيانها وحماية
وحدتها.. الاان تلك السلسلة النسبية لم تصل الى حد
تقسيم
القبائل العربية جميعا الى قسمين رئيسيين او
ثلاثة اقسام او
اربعة.

تدوين الانساب:
اتضح ان القبائل كانت قبل
الاسلام تحرص على حفظ
سلسلة نسبها، وكان يوجد بين افرادها من له الخبرة
والمعرفة
اكثر من غيره، فكانوا يرجعون اليه عندما يشكل
الامر عليهم،
وكان جبير بن مطعم اكثر افراد قريش معرفة في علم
الانساب
اثناءخلافة عمر بن الخطاب، وكان اخذ علمه عن
ابي بكر«12».

وهو احد الثلاثة (جبير بن مطعم، ومخرمة
بن نوفل، وعقيل بن ابي طالب) الذين استعان بهم عمر
عندما
عزم على تشكيل ديوان العطايا لتحديد اعطيات
الناس وانسابهم«13».

ونتيجة لتفاقم حالة التنافس والتخاصم بين القبائل
نشات الحاجة الى خبرا يهتمون بشؤون الانساب
ويدونوها.

وظهرت فعلا طائفة من هؤلاء الذين عرفوا ب
(النسابة)، وقد
الفوا كتبافي ذلك، اشهرها واهمها واكثرها شمولا
كتاب
(جمهرة الانساب، لهشام بن محمد الكلبي).

وبهذا يتضح ان تدوين انساب العرب وجمعها بالشكل
الذي ورد
في كتب التاريخ والانساب، قد حدث بعد ظهورالاسلام،
وقد
دونها المؤلفون وجمعوها من افواه
الناس،وبالاستعانة بالنسابة
الذين كانوا يحفظون الانساب عن ظهرقلب.

ونظرا للعصبيات القبلية الشديدة وما ورد من روايات
عديدة حول تزوير الانساب والحاق بعضها ببعض
لاسباب
سياسية،فان الاعتماد الكلي على المعلومات التي
وردت بهذا
الشان في كتب السير والاخبار، قد لا يكون عملا
علميا تتوفر
فيه الدقة اللازمة، خصوصا ان احتفاظ شخص واحد بمثل
هذا
العددالهائل من الاسماء لمدة طويلة قد لا يكون امرا
عاديا،
سيما اذاكان الاعتماد على الذاكرة وحدها.

غير ان الكتابة في سيرة الرسول(ص) والتاليف في تاريخ
صدرالاسلام، ربما لا يحتاج الى اكثر من معرفة
اجمالية،
باحوال العرب في ذلك العصر، وكيف كانوا ينظرون الى
التركيب القبلي، وما هي الطبقات التي كان عليها
المجتمع
العربي،والانساب التي تنتمي اليها القبائل
المكونة لهذا
المجتمع؟فكل ما كان من عصبيات وخصومات ومفاخرات
مبني على هذه الامور الادعائية.

اما التحقيق او التفصيل في هذه المسالة، فهو عمل
مستقل،وينبغي ان ينظر اليه على انه بحث منفصل عن
السيرة والتاريخ، اذ لو انتهى هذا التحقيق الى
نتائج علمية غير
تلك النتائج التي عرفت عن ذلك العصر ونقلت عنه،
فسوف
لن يحدث ذلك شيئا على مسار التاريخ.

ان العصبيات والمشاجرات جميعا كانت مبنية على اساس
مايعرفه هؤلاء من معلومات، وما يعتقدون به من الصحة
والخطا،لا على اساس ما هو ثابت حقا وواقعا.

ومن اجل ادراك تاريخ الاسلام وسيرة الرسول(ص)، لا
بدمن
الاطلاع على اوضاع مدينتي مكة والمدينة ايام
ظهورالدعوة
الاسلامية، ومعرفة القبائل التي كانت تستوطن
هاتين المدينتين، وبناء على هذا سنحاول اولا
تسليط الضوء
على اوضاع قريش واحوال مكة في تلك الفترة، اما
الاحاطة
باوضاع مدينتي الحجاز الاءخريين: المدينة
والطائف، ودراسة
شؤون القبائل التي كانت تعيش فيهما، فنرجئه الى
محله.

مكة قبل الاسلام
واد غير ذي زرع:
جاء في الاية(37) من سورة ابراهيم: (ربنا اني اسكنت
من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا
ليقيموا
الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم
من
الثمرات لعلهم يشكرون).

تنص الاية الشريفة على ان مكة بنيت بواد غير ذي زرع
اي غير
صالح للزراعة واد يقع بين سلاسل جبلية صخرية، واذا
ماسقط
عليها المطر احيانا فانه ينحدر بشدة محدثا سيلا.

تقع هذه
المدينة في الحجاز في الجزء الغربي من شبه
الجزيرة العربية
بين البحر الاحمر وجبال سراة التي تمتد من
الشمال الى حدود
اليمن، وتبعد مكة عن ميناء جدة الواقع على
البحرالاحمر
مسافة (70) كلم.

واصبحت هذه المدينة المقدسة، بفضل وسائل
المدنية الحديثة، من اهم المدن العامرة في شبه
الجزيرة
العربية، اماموقعها فلم يكن مناسبا، كما عرضته
الاية الشريفة،
للعيش والسكن والعمارة، اذ تتواجد المدن عادة في
الوديان
الخصبة،او بالقرب من الانهار الجارية، او على
سواحل البحار، او
في السهول الخضرا.

وكان كلما اجتمع اهل البادية وبدو الصحرا في مكان
معين،وبداوا يشتغلون بالزراعة وتربية الحيوانات،
تكونت
طبقة جديدة من اهل المشاغل الاخرى غير الزراعية،
كالحرفيين والتجار الذين يقومون بالمبادلات التي
كان
يحتاجهاالمزارعون، وتهيئة الوسائل الزراعية
واصلاحها، ومع
مرورالزمن تكونت مدن تضم اناسا يعملون بغير
الزراعة
وتربية الحيوانات، وعملهم الاساس هو الحرف
والصناعات
المختلفة التي نشات الحاجة اليها نتيجة الاشتغال
بالزراعة
والاستقرارفي تجمعات سكنية كبيرة، وهكذا ظهرت
طبقات
اخرى من التجار والصرافين والعمال والملاكين
والحكام.

وبنيت فيما بعد مدن على ضفاف الانهار وفي سواحل
البحارلاغراض تجارية، ومنذ الثورة الصناعية وحتى
الان
اخذت تشاد المدن الصناعية بالقرب من المناجم وحول
المصانع الكبرى، وقد اتضح الان افتقاد مكة في اول
بنائها لكل
مبررات نشوء المدن، التي مر ذكرها، ولهذا يطرح
السؤال التالي:
ماالذي دعا الى بنائها؟.

ان الهدف من ورا بناء هذه المدينة المقدسة كان هدفا
دينيا
منذاللحظات الاءولى طبقا للاية الشريفة، بمعنى
انها
انشئت للعبادة، يعبد فيها ابراهيم وبعض افراد
اسرته ربهم الى
جواربيته المقدس (عند بيتك المحرم) ولانها كانت غير
آهلة
وتنعدم فيها الحياة، فقد توجه ابراهيم الى ربه
طالبا منه ان
يجعل افئدة من الناس تهوي اليهم، لكن يبقى السؤال:
لماذا
ينشا مثل هذاالمبنى المقدس والمعبد الالهي في مثل
هذا
المحيط الجاف والقاسي؟.

الكعبة اول بيت:
قال تعالى: (ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا
وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام ابراهيم ومن
دخله كان
آمنا)«آل عمران: 96، 97».

تؤكد الايتان الشريفتان على ان الكعبة المشرفة
الواقعة في مكة،
هي اول بيت وضع للناس، وهنا يبرز السؤال الثاني:
كيف تكون
الكعبة اول بيت، ومكة اول مدينة، ونحن نعلم
يقينابوجود مدن
ومعابد اقدم منهما بنيت منذ القدم في مصر
وكلده وآشور
والصين والهند؟.

والجواب يكمن في قوله تعالى:(وضع
للناس)
فالمعابد التي بنيت في العصور القديمة كانت خاصة
بمدن
وقبائل معينة، كما يعكس ذلك بوضوح تاريخ الاديان
القديمة
والاقوام البائدة، فقد وقعت معارك عديدة من اجل
السيطرة
على المعابد، ودارت بين الاقوام المختلفة حروب
دامية كان
هدفها تحطيم معابد الاقوام الاءخرى وحرقها،
وغالبا ما كانت
تعتبر سيطرة قوم ما على المعابدوالاصنام علامة على
تغلبهم
وانتصارهم، بينما تواجه الاقوام المغلوبة التي
تحرم من معابدها،
وتسلب منها آلهتها، التدهوروالتبعية والانهيار
القومي
والثقافي، وربما الزوال والفناء.

وهكذا فان جميع تلك المعابد تشترك في كونها معابد
خاصة بقوم دون قوم، وبمكان دون آخر، خلافا للكعبة
المشرفة
التي وضعت للناس كافة، من اي عنصر او مكان كانوا.

وهنا
سيطرح السؤال السابق نفسه بالحاح اشد: ما هي
الحكمة من
وضع مثل هذا المكان المقدس في هذه الارض الجافة
القاحلة؟.

فيه آيات بينات:
يجب ان نبحث عن جواب هذا السؤال في طيات
الاية الشريفة
التي تقول: (فيه آيات بينات) يقول الطبري في
تفسيرهذه الاية
من سورة آل عمران: ان واحدة من هذه الايات
مقام ابراهيم،
والاءخرى الحجر الاسود، والثالثة الحطيم.

ومن المستبعد ان يكون الحطيم الجدار المبني على
شكل نصف دائرة، ويقع حجر اسماعيل بينه وبين الكعبة
من
تلك الايات الالهية التي تشير اليها الاية
الشريفة.

اما الحجر
الاسودفهو من اوضح تلك الايات واهمها، ومن المحتمل
جدا
ان يكون بناء الكعبة لاجله.

لقد ورد في الروايات ان الحجر الاسود نزل من
السماء،وسنشير
في المواضع المناسبة الى ان كل حادثة دينية
لهاجانبان:
احدهما الهي غيبي، والاخر طبيعي مادي.

ولو
كانت جميع
الايات الالهية تظهر للناس على شكل قضايا
ربانية خارقة
لقوانين الطبيعة، او بعبارة اخرى على صورة
معجزات،فلن
يبقى مجال للانكار والتغاضي، وبالتالي سيؤمن اشد
الناس كفرا
واكثرهم عنادا في التاريخ الاسلامي، امثال ابي
جهل وابي لهب.

اما اذا خلت الايات الربانية من الجانب
الالهي الغيبي، واصبحت
لا تختلف عن غيرها من الاءمور الطبيعية،فسيكون
لايمان
بعض الناس وكفر بعضهم الاخر معنى ومغزى.

فالايات
الالهية
والقضايا الغيبية يجب ان تتجلى في هذا العالم
باللباس المادي
الطبيعي، ولا ينبغي ان تكون خارقة للنواميس
الكونية
والقوانين الطبيعية في الوقت الذي يستطيع فيه
الانسان
الواعي ذو البصيرة ان يدرك المعاني الغيبية
ويلمح الاثار
الالهية في تلك الايات والعلامات.

ولا يوجد تناقض بين ان يكون هذا الحجر الاسود مرسلا
من السماء وبين ان يكون احد الاجسام والاحجار
السماوية الكثيرة جدا المعلقة في الفضاء، والتي
تسقط على
الارض بدرجات حرارية عالية جدا نتيجة احتكاكها
بالغلاف
الجوي وتاثرها بقوة الجاذبية الارضية، واذا
اعتبرها الانسان
المادي مجرد حجر هوى من السماء، فان الانسان
المؤمن الذي
يعتقدبالقدرة الالهية والايات الربانية سيرى في
ذلك آية اخرى
من آيات الباري جل وعلا.

واخيرا فان كثيرا من الايات الالهية تتحول الى امور
عادية
غيرمثيرة تالفها نفوسنا نتيجة تكررها فنعتاد
عليها، امثال
النجوم والسماء والارض والقمر وطلوع الشمس
وغروبها،
التي صارت ظواهر عادية لا تلفت نظرنا بسبب
مشاهدتنا لها
يوميا،علما ان كل جرم من هذه الاجرام وكل جسم صغير
نراه
على هذه الارض، انما هو عالم من الايات والغرائب
قائم بذاته.

هذافي الوقت الذي ننظر الى الظواهر الاءخرى بمزيد
من الاستغراب والخشية، كالخسوف والكسوف
والصواعق والزلازل، لانها لا تحدث الا نادرا، كما
سن لها
الشارع المقدس صلاة خاصة سميت بصلاة الايات، التي
يجب
على المكلف اداؤها عند حدوث احدى تلك الايات.

فسقوط الحجر من السماء، يعتبر هو الاخر امرا غير
عادي،يلفت
انظار الانسان الواعي الى عالم آخر غير العالم
المعاش يوميا
والمتكرر على مدار الساعة.

لقد لفت هذا الحجر، الذي سقط من السماء في مكة،
انظارعدد
من الناس (وربما كان منهم ابراهيم واسماعيل)
كانوايعيشون
هناك، الى وجود قوة عظيمة فوق هذه
القوى الاعتيادية، ولا
يمكن ارجاعها الى تلك الاصنام الجامدة والارباب
المفتعلة.

وقد كان ابراهيم(ع)، طبقا لما يعرضه القرآن الكريم،
يفكر
منذالصغر بهذه القدرة العظيمة التي هي اكبر من
الشمس
والقمروالنجوم، وكل الاصنام التي كان الناس
يعتقدون انها هي
التي تمثل تلك القوة الخارقة قد تحطمت، وكان هذا
ايضا
من دواعي الالتفات الى القدرة العالية المتفوقة
على هذه
القوى العادية.

لا يمكن ان يكون هذا الحجر الاسود الهابط من السماء
الهاوصنما لقبيلة دون اخرى او لقوم دون قوم، لقد
جاء هذا
الحجرمن جهة اخرى في هذا الفضاء معبرا عن تلك
القدرة
العظمى،اذن لماذا لا نتوجه اليه؟، ونجعل من موضع
سقوطه
معبدانعبد فيه تلك القدرة العليا التي يخضع الجميع
لها؟
وقام ابراهيم(ع) بمساعدة ابنه اسماعيل او شخص آخر
قبله
ببناءجدار حول هذا المكان على شكل مكعب بواسطة
احجاررصف بعضها على بعض حتى وصل ارتفاعها الى ما
يساوي قامة انسان او اكثر، ثم وضع الحجر الاسود في
احد
اركان هذاالمبنى، ولاول مرة وقف ابراهيم(ع) يصلي
الى حجر
آخر،وربما تكون صلاته هذه صلاة يقصد بها وجه اللّه
وحده،
وفي مكان لا يختص بقبيلة او قوم دون غيرهم.

وهذا ما اشارت اليه الاية الشريفة(127) من سورة
البقرة:
(واذيرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا
تقبل منا
انك انت السميع العليم).

وبهذا اصبحت الكعبة اول بيت وضع للناس جميعا، فقد
اسس ليعبد فيه رب الناس جميعا، والههم الذي لا
شريك له،
وبهذافهو اقدم من معابد اليهود والنصارى، لان
ابراهيم(ع)
جداليهود والعرب، وليس هناك في العالم اجمع من معبد
وضع للّهوحده اقدم منه، تقول الاية الكريمة (125) من
سورة
البقرة:(واذ جعلنا البيت مثابة للناس وامنا واتخذوا
من مقام
ابراهيم مصلى وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان
طهرا بيتي
للطائفين والعاكفين والركع السجود).

مكة تصبح مدينة:
بعد ان استقر ابراهيم(ع) وذووه في هذا المكان، اخذ
الناس يترددون اليه ويقصدونه للزيارة او لغيرها،
ثم استوطن
آخرون المكان نفسه للعمل على خدمة الزوار
والمسافرين،
واخذهؤلاء يبنون المنازل لتامين سكنهم وسكن الحجاج
القادمين من اماكن بعيدة، وهكذا لم يمض وقت طويل
حتى تم
تشييدهذه المدينة في ذلك الوادي القاحل الخالي من
الزرع والحياة.

كانت القوافل تنقل الامتعة، وخاصة المواد الصمغية
والعطرية،من جنوب شبه الجزيرة العربية الى شمالها،
ليستخرج منهاالطيب فتعطر به المعابد والمنازل في
الشام
وفلسطين وآسياالصغرى وايطاليا.

وكانت هذه القوافل
تحتاج
الى محطات استراحة على الطريق، وتمثل مكة في
موقعها
الذي بنيت فيه محطة استراحة جيدة، وقد زادتها
الابار، التي
حفرت فيهالتوفير الماء للزوار والمستوطنين،
اهمية، حيث
كانت ترد اليهاالقوافل التجارية التي ارهقها
الطريق الصحراوي
الطويل،وهكذا تحولت مكة بمرور الزمن الى مدينة
دينية
تجارية،استقطبت اهتمام القبائل التي وقعت بينها
معارك
عديدة منذالقدم من اجل السيطرة عليها.

فخضعت اولا
الى
سيطرة قبيلة جهرم، ثم خزاعة التي استمرت هيمنتها
حتى
طردتها قريش وحلت محلها.

وقد اشتغل القرشيون كسدنة لبيت اللّه الحرام،
يوفرون المستلزمات الضرورية لزواره، ويسهرون على
صيانته
وحمايته وامنه، واهتموا من جانب آخر بتوفير سوق
جيدة
لتجارالجنوب والشمال لعرض بضائعهم وبيعها لتجار
الشام
والعراق وباقي انحاء شبه الجزيرة العربية.

قريش في مكة
مكانة قبيلة قريش:
تصنف قبيلة قريش ضمن القبائل الشمالية او المعدية
اوالعدنانية في التصنيف الاساسي الذي يقسم العرب
جميعا
الى قسمين رئيسيين: الجنوبيين والشماليين او
اليمانيين
والنزاريين،او القحطانيين والعدنانيين، وتنتمي
قريش الى فرع
كنانة من قبائل مضر ضمن القسم العدناني، ويرجع
نسب الرسول(ص)، وكذلك خلفاء بني امية وبني العباس
واكثرزعماء المسلمين في صدر الاسلام، الى هذه
القبيلة، واذا
مااعتبرنا قريش قبيلة، فان تفرعاتها وشعبها يمكن
ان نطلق
عليهاافخاذا وبطونا، ومن اراد الاطلاع اكثر على
التاريخ
الاسلامي لا بد له من الاحاطة بهذه التفرعات التي
سيرد ذكرها
كثيرا في التاريخ الاسلامي عند الحديث عن الرموز
الاسلامية والشخصيات المرموقة التي تنتهي الى تلك
الافخاذوالبطون.

فهر بن مالك:
تنتهي كافة بطون قريش وافخاذها الى فهر بن مالك بن
النضربن كنانة، لذلك فهو الجد الاعلى لقريش.

قريش الظواهر:
هناك بطنان من اولاد فهر بن مالك يطلق عليهما
(قريش الظواهر)، هما بنو الحارث وبنو المحارب،
وكانوا
يستوطنون خارج مكة، والى بني الحارث ينتهي نسب
عبيداللّه
بن الجراح، وينتسب الضحاك بن قيس الفهري، الذي قتل
في معركة (مرج راهط) بين بني امية وانصار الزبير،
الى
بني المحارب، وكان الضحاك على راس انصار الزبير في
تلك المعركة.

غالب بن فهر:
تلتقي طائفة بني ادرم ببطون قريش الاءخرى في غالب
بن فهر، اما البطون الاءخرى فجدها لؤي بن غالب.

لؤي بن غالب:
وهو الجد الرابع لبطن بني كعب وبني عامر وبني اسامة
وبني خزيمة، وكعب بن لؤي جد الرسول(ص)، ويعتبر عمرو
بن عبد ود العامري الذي قتل على يد امير
المؤمنين(ع) في
معركة الخندق من مشاهير هذا البطن.

كعب بن لؤي:
يعتبر كعب بن لؤي جد الرسول(ص)، الجد الثاني لبطن
بني عدي وبني الهصيص.

ويعد عمر بن الخطاب اشهر
شخصية في بني عدي، وكان بنو الهصيص بطنين، هما بنو
سهم وبنوجمح، واشهر رجال بني سهم عمر بن العاص الد
اعدا
اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب(ع)، بينما كان صفوان
بن
امية وعثمان بن مظعون اشهر بني جمح جميعا.

مرة بن كعب بن لؤي:
يلتقي البطنان: بنو تيم، وبنو مخزوم، باجداد
الرسول(ص)
بمرة بن كعب بن لؤي، وابرز رجال بني تيم: ابو بكر بن
ابي
قحافة،وليس بين بني مخزوم او بني يقظة رجل اشهر من
خالد
بن الوليد، وابي جهل بن هشام الد خصوم الرسول(ص) في
مكة واكثرهم عنادا، هذا وتنتسب ام سلمة زوجة
الرسول(ص)
الى البطن نفسه.

بنو زهرة:
ويعتبر كلاب بن مرة بن كعب جد الرسول(ص) جدا
لبطن بني
زهرة ايضا، ومنهم ام الرسول(ص) آمنة بنت وهب،وكذلك
الصحابي عبد الرحمن بن عوف.

بنو اسد وبنو عبد الدار:
وتلتقي هاتان الطائفتان بنسب الرسول(ص) بواسطة قصي
بن كلاب، واشهر افراد بني اسد زوجة الرسول(ص)
خديجة بنت
خويلد، والزبير بن العوام، والى بني عبد الدار يعود
نسب بني
شيبة سدنة الكعبة المشرفة.

بنو امية وبنو عبد المطلب:
يجتمع بنو هاشم وبنو عبد المطلب وبنو امية في عبد
مناف،وينقسم بنو امية الى قسمين: بنو امية الاكبر،
ومنهم:
عثمان بن عفان، وابو سفيان وابنه معاوية، ومروان
بن الحكم.

وبنو امية الاصغر ويسمون (بالعبلات).

بنو هاشم:
واليهم يعود نسب الرسول(ص) وامير المؤمنين علي بن
ابي طالب(ع)، فهما من اولاد عبد المطلب بن هاشم بن
عبد
مناف بن قصي بن كلاب، ولعبد المطلب بن هاشم، طبقا
لقول
بعض علماء الانساب، اثنا عشر ولدا، هم: عبداللّه،
ابو طالب،
الزبير،عبد الكعبة، العباس، ضرار، حمزة، حجل، ابو
لهب،
قثم،عيذاق الحارث.

وعبداللّه هو ابو الرسول(ص)، وابو طالب والد امير
المؤمنين علي بن ابي طالب(ع)، والعباس جد خلفاء بني
العباس.

وفي حياة الرسول(ص) اشتهر كل من حمزة وابي
لهب،
احدهمااكتسب شهرته بنصرة رسول اللّه(ص) ووقوفه الى
جانب
دعوة ابن اخيه، وهو حمزة، بينما اشتهر ابو لهب
بعدائه للرسول(ص) وايذائه لاصحابه، وتكذيبه
لدعوته(ص).

ولم يعقب من ابناء عبد المطلب سوى اربعة، هم:
العباس،
وابوطالب، وابو لهب، والحارث«14».

وهناك اختلاف
في اسماء
بعض اولاد عبد المطلب وعددهم، حيث قال بعضهم:انهم
عشرة اولاد.

تسلط قريش على مكة:
انشئت مكة اولا كمدينة دينية للزوار الذين
يقصدونها من
انحاءمختلفة، ثم ما لبث ان اشتغل اهلها بالتجارة،
وبعد ان
تكاثراولاد اسماعيل حسب رواية ابن اسحاق في اطراف
مكة،كانت هناك قبيلتان قد تركتا اليمن بحثا عن
المرتع
والمنزل كمايبدو هما (جرهم) و(قطورا)، قد وصلتا مكة،
ووجدتا هناك مدينة نالت اعجابهما لما وجدتا فيها
من الماء
والكلا، فوضعتافيها الرحال، واستقرتا هناك«15».

يفهم من تلك الروايات ان اولاد اسماعيل(ع) وهم
سكان مكة
الاصليون اخذ عددهم يتزايد حول مكة وفي
اطرافها،فبداوا
يحفرون الابار، ويزرعون الاشجار، وبعد فترة
تحول ذلك الوادي
(غير ذي زرع) الى واد عامر، ويفهم مما جاءعقب تلك
الرواية
ان مكة كانت محطة للقوافل القادمة والذاهبة، غير
ان الرواية لم
توضح اهداف تلك القوافل، وهل انها كانت تقصد
الزيارة
والعبادة فحسب، ام انها كانت تقوم بانشطة تجارية
ايضا في هذه
البلدة؟
وطبقا لتلك القصة التي اوردها ابن اسحاق، فان ابناء
القبيلتين«جرهم» و «قطورا» كانوا ابناء عم، وكان
«مضاض» زعيما لقبيلة(جرهم)، بينما اتخذت (قطورا)
سميدع، رئيسا لها، واستقرسميدع بقومه اسفل مكة،
بينما
استوطن (مضاض) مع قومه اعاليها.

وقد فرضت الطائفتان
ضرائب مالية على القادمين الى مكة، فكانت جرهم
تاخذ هذه
الضرائب من الزوار القادمين الى مكة من اعاليها
وقبل دخولهم
اليها، بينما كانت «قطورا»تاخذ الضرائب نفسها من
زوار مكة
الداخلين اليها من اسفلها.

ويبدو ان اهل مكة لم يشتغلوا بعد بالتجارة، وكانوا
يعتمدون في
تامين معيشتهم على ما تدره عليهم حيواناتهم، وما
يتقاضونه من ضرائب مالية من الزوار.

ويبدو ان
هؤلاء الزوار
الذين كانوايتوافدون الى مكة بهدف الزيارة وتادية
المراسم
العبادية المتبعة كانوا في الوقت نفسه يقدمون بعض
الاموال
والهداياالى الكعبة، وهذا ما دعا كل من القبيلتين
(جرهم)
و(قطورا)الى ان يهجروا اليمن ويتجهوا الى مكة بهدف
السيطرة عليهاوالاستحواذ على هذه الاموال التي
كانت تهدى
الى الكعبة،وكذلك لتقاضي الضرائب المالية
المفروضة على
الزوارالقادمين الى هذه المدينة الدينية.

وقد ادى هذا الطمع الذي قاد كل من «جرهم» و «قطورا»
الى ان يتركوا اليمن ويستوطنوا مكة الى التنازع،
بل والتقاتل
فيمابينهم، كل يريد السيطرة والاستئثار بالمنافع،
وحسمت
نتيجة الصراع لصالح (جرهم) وانتصرت على
نظيرتها(قطورا)«16».

/ 13