الخليفة قبل الخليقة - کمال الدین و تمام النعمة جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کمال الدین و تمام النعمة - جلد 1

الصدوق ابی جعفر محمدبن علی بن الحسین بن بابویه القمی ؛ مصحح: علی اکبر الغفاری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

اشتقت إلى مشاهدته لدينه وسديد رأيه واستقامة طريقته، وهو الشيخ نجم الدين أبو سعيد محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت القمي ـ أدام الله توفيقه ـ وكان أبي يروي عن جده محمد بن أحمد بن علي بن الصلت ـ قدس الله روحه ـ ويصف علمه وعمله وزهده وفضله وعبادته، وكان أحمد بن محمد بن عيسى في فضله وجلالته يروي عن أبي طالب عبد الله ابن الصلت القمي ـ رضي الله عنه ـ وبقي

[ يعنى عبد الله بن الصلت.]

حتى لقيه محمد بن الحسن الصفار وروى عنه، فلما أظفرني الله تعالى ذكره بهذا الشيخ الذي هو من أهل هذا البيت الرفيع شكرت الله تعالى ذكره على ما يسر لي من لقائه وأكرمني به من إخائه وحباني به من وده وصفائه، فبينا هو يحدثني ذات يوم إذ ذكر لي عن رجل قد لقيه ببخارا من كبار الفلاسفة والمنطقيين كلاما في القائم عليه السلام قد حيره وشككه في أمره لطول غيبته وانقطاع أخباره، فذكرت له فصولا في إثبات كونه عليه السلام ورويت له أخبارا في غيبته عن النبي والائمة عليهم السلام سكنت إليها نفسه، وزال بها عن قلبه ما كان دخل عليه من الشك والارتياب والشبهة، وتلقى ما سمعه من الاثار الصحيحة بالسمع والطاعة والقبول والتسليم، وسألني أن أصنف |له| في هذا المعنى كتابا، فأجبته إلى ملتمسه ووعدته جمع ما ابتغى إذا سهل الله لي العود إلى مستقري ووطني بالري.

فبينا أنا ذات ليلة أفكر فيما خلفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النوم فرأيت كأني بمكة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا في الشوط السابع عند الحجر الاسود أستلمه وأقبله، وأقول: 'أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة' فأرى مولانا القائم صاحب الزمان ـ صلوات الله عليه ـ واقفا بباب الكعبة، فأدنو منه على شغل قلب وتقسم فكر، فعلم عليه السلام ما في نفسي بتفرسه في وجهي، فسلمت عليه فرد علي السلام، ثم قال لي: لم لا تصنف كتابا في الغيبة حتى تكفي ما قد همك؟ فقلت له: يا ابن رسول الله قد صنفت في الغيبة أشياء، فقال عليه السلام: ليس على ذلك السبيل آمرك أن تصنف |ولكن صنف|

[ كذا في النسخ.]

الان كتابا في الغيبة واذكر فيه غيبات الانبياء عليهم السلام.

ثم مضى صلوات الله عليه، فانتبهت فزعا إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى إلى وقت طلوع الفجر، فلما أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلا لامر ولي الله وحجته، مستعينا بالله ومتوكلا عليه ومستغفرا من التقصير، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

الخليفة قبل الخليقة


[ العنوان هنا وما يأتي في المقدمة منا أضفناها تسهيلا للباحثين.
]

اما بعد فان الله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه: 'وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الارض خليفة ـ الاية'

[ البقرة: 30.]

فبدأ عزوجل بالخليفة قبل الخليقة، فدل ذلك على أن الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليقة، فلذلك ابتدأ به لانه سبحانه حكيم، والحكيم من يبدء بالاهم دون الاعم، وذلك تصديق قول الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام حيث يقول: " الحجة قبل الخلق، ومع الخلق، وبعد الخلق " ولو خلق الله عزوجل الخليقة خلوا من الخليفة لكان قد عرضهم للتلف، ولم يردع السفيه عن سفهه بالنوع الذي توجب حكمته من اقامة الحدود وتقويم المفسد. واللحظة الواحدة لا تسوغ الحكمة ضرب صفح عنها،

[ يعنى عن اقامة الحدود.]

إن الحكمة تعم كما أن الطاعة تعم، ومن زعم أن الدنيا تخلو ساعة من إمام لزمه أن يصحح مذهب البراهمة في إبطالهم الرسالة، ولو لا أن القرآن نزل بأن محمدا صلى الله عليه وآله خاتم الانبياء لوجب كون رسول في كل وقت، فلما صح ذلك لارتفع معنى كون الرسول بعده وبقيت الصورة المستدعية للخليفة في العقل، وذلك أن الله تقدس ذكره لا يدعو إلى سبب إلا بعد أن يصور في العقول حقائقه، وإذا لم يصور ذلك لم تتسق الدعوة ولم تثبت الحجة، وذلك أن الاشياء تألف أشكالها، وتنبو عن أضدادها. فلو كان في العقل إنكار الرسل لما بعث الله عزوجل نبيا قط.

مثال ذلك الطبيب يعالج المريض بما يوافق طباعه، ولو عالجه بدواء يخالف طباعه أدى ذلك ألى تلفه، فثبت أن الله أحكم الحاكمين لا يدعو إلى سبب إلا وله في

العقول صورة ثابتة، وبالخليفة يستدل على المستخلف كما جرت به العادة في العامة والخاصة، وفي المتعارف متى استخلف ملك ظالما استدل بظلم خليفته على ظلم مستخلفه وإذا كان عادلا استدل بعدله على عدل مستخلفه، فثبت أن خلافة الله توجب العصمة ولا يكون الخليفة إلا معصوما.

وجوب طاعة الخليفة


ولما استخلف الله عزوجل آدم في الارض أوجب على أهل السماوات الطاعة له فكيف الظن بأهل الارض، ولما أوجب الله عزوجل على الخلق الايمان بملائكة الله وأوجب على الملائكة السجود لخليفة الله، ثم لما امتنع ممتنع من الجن عن السجود له أحل به الذل والصغار والدمار، وأخزاه ولعنه إلى يوم القيامة، علمنا بذلك رتبة الامام وفضله، وان الله تبارك وتعالى لما أعلم الملائكة أنه جاعل في الارض خليفة أشهدهم على ذلك لان العلم شهادة فلزم من ادعى أن الخلق يختار الخليفة أن تشهد ملائكة الله كلهم عن آخرهم عليه، والشهادة العظيمة تدل على الخطب العظيم كما جرت به العادة في الشاهد فكيف وأنى ينجو صاحب الاختيار من عذاب الله وقد شهدت عليه ملائكة الله أولهم وآخرهم، وكيف وأنى يعذب صاحب النص وقد شهدت له ملائكة الله كلهم.

وله وجه آخر وهو أن القضية في الخليفة باقية إلى يوم القيامة، ومن زعم أن الخليفة أراد به النبوة فقد أخطأ من وجه، وذلك أن الله عزوجل وعد آن يستخلف من هذه الامة "الفاضلة" خلفاء راشدين كما قال جل وتقدس: 'وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا'

[ النور: 55.]

ولو كانت قضية الخلافة قضية النبوة أوجب حكم الاية أن يبعث الله عزوجل نبيا بعد محمد صلى الله عليه وآله وما صح قوله: 'وخاتم النبيين'

[ الاحزاب: 40.]

فثبت

أن الوعد من الله عزوجل ثابت من غير النبوة وثبت أن الخلافة تخالف النبوة بوجه وقد يكون الخليفة غير نبي ولا يكون النبي إلا خليفة.

وآخر: هو أنه عزوجل أراد أن يظهر باستعباده الخلق بالسجود لادم عليه السلام نفاق المنافق وإخلاص المخلص كما كشفت الايام والخبر عن قناعيهما أعني ملائكة الله والشيطان، ولو وكل ذلك المعنى ـ من اختيار الامام ـ إلى من أضمر سوءا لما كشفت الايام عنه بالتعرض، وذلك أنه يختار المنافق من سمحت نفسه بطاعته والسجود له، فكيف وأنى يوصل إلى ما في الضمائر من النفاق والاخلاص والحسد والداء ـ الدفين.

ووجه آخر: وهو أن الكلمة تتفاضل على أقدار المخاطب والمخاطب، فخطاب الرجل عبده يخالف خطاب سيده، والمخاطب كان الله عزوجل، والمخاطبون ملائكة الله أولهم وآخرهم، والكلمة العموم لها مصلحة عموم كما أن الكلمة الخصوص لها مصلحة خصوص، والمثوبة في العموم أجل من المثوبة في الخصوص كالتوحيد الذي هو عموم على عامة خلق الله يخالف الحج والزكاة وسائر أبواب الشرع الذي هو خصوص فقوله عزوجل: 'وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الارض خليفة' دل على أن فيه معنى من معاني التوحيد لما أخرجه مخرج العموم، والكلمة إذا جاورت الكلمة في معنى لزمها ما لزم أختها إذا جمعهما معنى واحد، ووجه ذلك أن الله سبحانه علم أن من خلقه من يوحده ويأتمر لامره، وأن لهم أعداء يعيبونهم ويستبيحوا حريمهم، ولو أنه عزوجل قصر الايدي عنهم جبرا وقهرا لبطلت الحكمة وثبت الاجبار رأسا،

[ في بعض النسخ 'لبطلت الحكمة وتنيه الاختيار'. وفي بعضها 'وفائدة الاختيار' وفي بعضها 'وتب الاختيار'.]

وبطل الثواب والعقاب والعبادات، ولما استحال ذلك وجب أن يدفع عن أوليائه بضرب من الضروب لا تبطل به ومعه العبادات والمثوبات فكان الوجه في ذلك إقامة الحدود كالقطع والصلب والقتل والحبس وتحصيل الحقوق كما قيل: 'ما يزع السلطان أكثر

مما يزع القرآن'

[ أي ما يمنع الحاكم أكثر مما يمنع القرآن.]

وقد نطق بمثله قوله عزوجل: 'لانتم أشد رهبة في صدورهم من الله'

[ الحشر: 13.]

فوجب أن ينصب عزوجل خليفة يقصر من أيدي أعدائه عن أوليائه ما تصح به ومعه الولاية لانه لاولاية مع من أغفل الحقوق وضيع الواجبات ووجب خلعه في العقول. جل الله تعالى عن ذلك، والخليفة اسم مشترك لانه لو أن رجلا بنى مسجدا ولم يؤذن فيه ونصب فيه مؤذنا كان مؤذنه، فأما إذا أذن فيه أياما ثم نصب فيه مؤذنا كان خليفته، وكذلك الصورة في العقول والمعارف متى قال البندار:

[ البندار - بضم الميم -: من بيده ديوان الخراج، ويقال لمحمد بن بشار البصري: 'بندار' لانه جمع حديث أهل بلده.]

هذا خليفتي كان خليفته على البندرة لا على البريد والمظالم، فكذلك القول في صاحبي البريد والمظالم، فثبت أن الخليفة من الاسماء المشتركة، فكان من صفة الله تعالى ذكره الانتصاف لاوليائه من أعدائه، فوكل من ذلك معنى إلى خليفته فلهذا الشأن استحق معنى الخليفة دون معنى أن يتخذ شريكا معبودا مع الله سبحانه، ولهذا من الشأن قال الله تبارك وتعالى لابليس: 'يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت' ثم قال: عزوجل 'بيدي أستكبرت'

[ سورة ص: 75 وتمامها 'أم كنت من العالين'.]

وذلك أنه يقطع العذر ولا يوهم أنه خليفة شارك الله في وحدته، فقال: بعد ما عرفت أنه خلق الله ما منعك أن تسجد، ثم قال: 'بيدي أستكبرت'

[ يعنى الباء في قوله 'بيدى' ليست متعلقة بخلقت حتى تكون اليد بمعنى القدرة، بل متعلقة بفعل متأخر هو قوله 'استكبرت'. أقول: وفيه مالا يخفى لان الهمزة للاستفهام بقرينة 'أم' وشأنها الصدر وعليه فلا يصح أن يكون ما قبلها معمولا لما بعدها كما حقق في محله، وفي حديث عن الرضا عليه السلام قال: يعني بقدرتي وقوتي.]

واليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة وقد كان الله عزوجل عليه نعمتان حوتا نعما

[ في بعض النسخ 'جرتا نعما' وكذا ما يأتي.]

كقوله عزوجل 'وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة'

[ لقمان: 20.]

وهما نعمتان حوتا

نعما لا تحصى، ثم غلظ عليه القول بقوله عزوجل: 'بيدي استكبرت' كقول القائل بسيفي تقاتلني وبرمحي تطاعنني، وهذا أبلغ في القبح وأشنع، فقوله عزوجل: 'وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الارض خليفة' كانت كلمة متشابهة أحد وجوهها أنه يتصور عند الجاهل أن الله عزوجل يستشير خلقه في معنى التبس عليه ويتصور عند المستدل إذا استدل على الله عزوجل بأفعاله المحكمة وجلالته الجليلة أنه جل عن أن يلتبس عليه معنى أو يستعجم عليه حال فانه لا يعجزه شيء في السماوات والارض والسبيل في هذه الاية المتشابهة كالسبيل في أخواتها من الايات المتشابهات أنها ترد إلى المحكمات مما يقطع به ومعه العذر للمتطرق إلى السفه والالحاد.

فقوله: 'وإذ قال ربك للملئكة إنى جاعل في الارض خليفة' يدل على معنى هدايتهم لطاعة جليلة مقترنة بالتوحيد، نافية عن الله عزوجل الخلع والظلم وتضييع الحقوق وما تصح به ومعه الولاية، فتكمل معه الحجة، ولا يبقى لاحد عذر في إغفال حق.

واخرى أنه عز وجل إذا علم استقلال أحد من عباده لمعنى من معاني الطاعات ندبه له حتى تحصل له به عبادة ويستحق معها مثوبة على قدرها ما لو أغفل ذلك جاز أن يغفل جميع معاني حقوق خلقه أولهم وآخرهم، جل الله عن ذلك. فللقو ام بحقوق الله وحقوق خلقه مثوبة جليلة متى فكر فيها مفكر عرف أجزاءها إذ لا وصول إلى كلها لجلالتها وعظم قدرها، وأحد معانيها وهو جزء من أجزائها أنه يسعد بالامام العادل النملة والبعوضة والحيوان أولهم وآخرهم بدلالة قوله تعالى: 'وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين'.

[ الانبياء: 107.]

ويدل على صحة ذلك قوله عزوجل في قصة نوح عليه السلام: 'فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا ـ الاية'.

[ نوح: 10 ـ 12.]

ثم من المدرار ما ينتفع به الانسان وسائر الحيوان، وسبب ذلك الدعاة إلى دين الله والهداة إلى حق الله، فمثوبته على أقداره، وعقوبته على من عانده بحسابه. ولهذا نقول: إن

الامام يحتاج إليه لبقاء العالم على صلاحه.

وقد أخرجت الاخبار التي رويتها في هذا المعنى في هذا الكتاب في باب العلة يحتاج من أجلها إلى الامام.

ليس لاحد أن يختار الخليفة الا الله عزوجل


وقول الله عزوجل: 'وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الارض خليفة' 'جاعل' منون

[ يعنى قوله تعالى 'جاعل' بالتنوين يفيد الحصر.]

صفة الله التي وصف بها نفسه، وميزانه قوله: 'إني خالق بشرا من طين

[ ص: 71.]

فنونه ووصف به نفسه، فمن ادعى أنه يختار الامام وجب أن يخلق بشرا من طين، فلما بطل هذا المعنى بطل الاخر إذ هما في حيز واحد.

ووجه آخر: وهو أن الملائكة في فضلهم وعصمتهم لو يصلحوا لاختيار الامام حتى تولى الله ذلك بنفسه دونهم واحتج به على عامة خلقه أنه لا سبيل لهم إلى اختياره لما لم يكن للملائكة سبيل إليه مع صفائهم ووفائهم وعصمتهم، ومدح الله إياهم في آيات كثيرة مثل قوله سبحانه: 'بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون'

[ أنبياء: 26 و 27.]

وكقوله عزوجل: 'لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون'.

[ التحريم: 6.]

ثم إن الانسان بما فيه من السفه والجهل كيف وأنى يستتب له

[ أي يهيؤ ويستقيم له. وفى بعض النسخ 'يستثبت له'.]

ذلك فهذا والاحكام دون الامامة مثل الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك لم يكل الله عز وجل شيئا من ذلك إلى خلقه، فكيف وكل إليهم الاهم الجامع للاحكام كلها و الحقائق بأسرها.

وجوب وحدة الخليفة في كل عصر:

وفي قوله عزوجل 'خليفة' إشارة إلى خليفة واحدة ثبت به ومعه إبطال قول

من زعم أنه يجوز أن تكون في وقت واحد أئمة كثيرة، وقد اقتصر الله عزوجل على الواحد، ولو كانت الحكمة ما قالوه وعبروا عنه لم يقتصر الله عزوجل على الواحد، ودعوانا محاذ لدعواهم، ثم إن القرآن يرجح قولنا دون قولهم، والكلمتان إذا تقابلتا ثم رجح إحداهما على الاخرى بالقرآن، كان الرجحان أولى.

لزوم وجود الخليفة


ولقوله عزوجل: 'وإذ قال ربك للملئكة ـ الاية' في الخطاب الذي خاطب الله عزوجل به نبيه صلى الله عليه وآله لما قال: 'ربك' من أصح الدليل على أنه سبحانه يستعمل هذا المعنى في أمته إلى يوم القيامة، فان الارض لا تخلو من حجة له عليهم، ولو لا ذلك لما كان لقوله: 'ربك' حكمة وكان يجب أن يقول: 'ربهم' وحكمة الله في السلف كحكمته في الخلف لا يختلف في مر الايام وكر الاعوام، وذلك أنه عزوجل عدل حكيم لا يجمعه وأحد من خلقه نسب، جل الله عن ذلك.

وجوب عصمة الامام


ولقوله عزوجل: 'وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الارض خليفة ـ الاية' معنى، وهو أنه عزوجل لا يستخلف إلا من له نقاء السريرة ليبعد عن الخيانة لانه لو اختار من لا نقاء له في السريرة كان قد خان خلقه لانه لو أن دلالا قدم حمالا خائنا إلى تاجر فحمل له حملا فخان فيه كان الدلال خائنا، فكيف تجوز الخيانة على الله عزوجل وهو يقول ـ وقوله الحق ـ: 'إن الله لا يهدي كيد الخائنين'

[ يوسف: 52.]

وأدب محمدا صلى الله عليه وآله بقوله عزوجل: 'ولا تكن للخائنين خصيما'

[ النساء: 105.]

فكيف وأنى يجوز أن يأتي ما ينهى عنه، وقد عير اليهود بسمة النفاق، وقال: 'أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون'.

[ البقرة: 44.]

وفي قول الله عزوجل: 'وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الارض خليفة' حجة قوية في غيبة الامام عليه السلام، وذلك أنه عزوجل لما قال: 'إني جاعل في الارض خليفة' أوجب بهذا اللفظ معنى وهو أن يعتقدوا طاعته فاعتقد عدو الله إبليس بهذه الكلمة نفاقا وأضمره حتى صار به منافقا، وذلك أنه أضمر أنه يخالفه متى استعبد بالطاعة له، فكان نفاقه أنكر النفاق لانه نفاق بظهر الغيب، ولهذا من الشأن صار أخزى المنافقين كلهم، ولما عرف الله عزوجل ملائكته ذلك أضمروا الطاعة له واشتاقوا إليه فأضمروا نقيض ما أضمره الشيطان فصار لهم من الرتبة عشرة أضعاف ما استحق عدو الله من الخزي والخسار، فالطاعة والموالات بظهر الغيب أبلغ في الثواب والمدح لانه أبعد من الشبهة والمغالطة، ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: 'من دعا لاخيه بظهر الغيب ناداه ملك من السماء ولك مثلاه'. وإن الله تبارك وتعالى أكد دينه بالايمان بالغيب فقال: 'هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ـ الاية'

[ البقرة: 2.]

فالايمان بالغيب أعظم مثوبة لصاحبه لانه خلو من كل عيب وريب لان بيعة الخليفة وقت المشاهدة قد يتوهم على المبايع أنه إنما يطيع رغبة في خير أو مال، أو رهبة من قتل أو غير ذلك مما هو عادات أبناء الدنيا في طاعة ملوكهم وإيمان الغيب مأمون من ذلك كله، ومحروس من معايبه بأصله، يدل على ذلك قول الله عزوجل: 'فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين، فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا'

[ المؤمن: 84.]

ولما حصل للمتعبد ما حصل من الايمان بالغيب لم يحرم الله عزوجل ذلك ملائكته فقد جاء في الخبر إن الله سبحانه قال هذه المقالة للملائكة قبل خلق آدم بسبعمائة عام. وكان يحصل في هذه المدة الطاعة لملائكة الله على قدرها. ولو أنكر منكر هذا الخبر والوقت والاعوام لم يجد بدا من القول بالغيبة ولو ساعة واحدة، والساعة الواحدة لاتتعرى من حكمة ما، وما حصل من الحكمة في الساعة حصل في الساعتين حكمتان وفي الساعات حكم، وما زاد في الوقت إلا زاد في

المثوبة وما زاد في المثوبة إلا كشف عن الرحمة، ودل على الجلالة، فصح الخبر أن فيه تأييد الحكمة وتبليغ الحجة.

وفي قول الله عزوجل: 'جاعل في الارض خليفة' حجة في غيبة الامام عليه السلام من أوجه كثيرة:

أحدها أن الغيبة قبل الوجود أبلغ الغيبات كلها وذلك أن الملائكة ما شهدوا

[ في بعض النسخ 'ما شاهدوا'.]

قبل ذلك خليفة قط، وأما نحن فقد شاهدنا خلفاء كثيرين غير واحد قد نطق به القرآن وتواترت به الاخبار حتى صارت كالمشاهدة والملائكة لم يشهدوا

[ في بعض النسخ 'لم يعهدوا'.]

واحدا منهم، فكانت تلك الغيبة أبلغ. وآخر: أنها كانت غيبة من الله عزوجل، وهذه الغيبة التي للامام عليه السلام هي من قبل أعداء الله تعالى، فإذا كان في الغيبة التي هي من الله عزوجل عبادة لملائكته فما الظن بالغيبة التي هي من أعداء الله. وفي غيبة الامام عليه السلام عبادة مخلصة

[ في بعض النسخ 'عبادة محصلة'.]

لم تكن في تلك الغيبة، وذلك أن الامام الغائب عليه السلام مقموع مقهور مزاحم في حقه، قد غلب قهرا، و "جرى" على شيعته "قسرا" من أعداء الله ما جرى من سفك الدماء ونهب الاموال وإبطال الاحكام والجور على الايتام وتبديل الصدقات وغير ذلك مما لاخفاء به، ومن اعتقد موالاته شاركه في أجره وجهاده، وتبرأ من أعدائه، وكان له في براءة مواليه من أعدائه أجر، وفي ولاية أوليائه أجر يربو على أجر ملائكة الله عزوجل على الايمان بالامام المغيب في العدم، وإنما قص الله عزوجل نبأه قبل وجوده توقيرا وتعظيما له ليستعبد له الملائكة ويتشمروا لطاعته.

وإنما مثال ذلك تقديم الملك فيما بيننا بكتاب أو رسول إلى أوليائه أنه قادم عليهم حتى يتهيؤوا لاستقباله وارتياد الهدايا له ما يقطع به ومعه عذرهم في تقصير إن قصروا في خدمته كذلك بدأ الله عزوجل بذكر نبائه إبانة عن جلالته ورتبته، وكذلك قضيته في السلف والخلف، فما قبض خليفة إلاعرف خلقه الخليفة الذي يتلوه، وتصديق

/ 36