2 ـ شعر الرثاء : - شیخ عبدالمنعم الفرطوسی، حیاته و أدبه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شیخ عبدالمنعم الفرطوسی، حیاته و أدبه - نسخه متنی

حیدر محلاتی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






  • حييت يا خير وفد آهل شرفا
    وعشتم يا حماة الضاد من مضر
    فاءنتم المثل السامي لنهضتنا
    وكم لكم في نوادي الفضل من اءثر
    اءجللت فيكم مزايا عز مفردها
    من كل عاطرة غراء قد عقدت
    طابت بنفحتها الافاق مذ عبقت
    منها شمائل هاتيك البهاليل



  • لولاه نادي المعالي غير ماءهول
    ممنعين بعز غير مفلول
    بما لكم من مقام غير مجهول
    مخلد الذكر من جيل الى جيل
    عن المثيل ولم تخضع لتمثيل
    على جبين المعالي خير اكليل
    منها شمائل هاتيك البهاليل
    منها شمائل هاتيك البهاليل



((384))
وفي مجال المديح خاض الشاعر ضربا مميزا منه وهو مديح علماء الدين لارتباطه بالعاطفة الدينية
والاخـلاق الاسـلامية . وقد استاءثر هذا اللون من الشعر باهتمام الشاعر فنظم قصائد عديدة مدح
فـيها علماء الدين العاملين الذين داءبوا في العمل الاسلامي ووقفوا مواقف مشرفة في الذود عن مهد
الدين وكرامة المسلمين .


ومن العلماء المجاهدين الذين خصهم الشاعر بمدحه الحجة الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء. فق
ط نظم قصيدة في مدحه عند مجيئه من المؤتمر الاسلامي في الباكستان عام 1951م , قال في مطلعها:




  • للفتح آيات بوجهك تعرف
    شعت على قسمات وجهك مثلما
    هي اءحرف ذهبية خطت على
    اءبصرت قلبي ظلمة من ياءسه
    اءجللتها من اءن تمس قداسة
    فغرستها في تربة ازكى ثرى
    الى اءن يقول :
    للبعض الاف واءنت الماءلف
    منها ميادين المفاخر ترجف
    للان اءصداء الثنا بك تعصف
    لك موقف هو للجهاد مشرف
    بسلاسل اءحداثها لا توصف
    والجامع الاموي فيها يهتف



  • هل اءن طلعتك السعيدة مصحف
    شعت بقلبي من ولائك اءحرف
    قلبي وريشتها فم متلهف
    وراءيتها فجر المنى اذ يكشف
    واسم (الحسين ) مقدس ومشرف
    في الطهر من قلب الوليد وانظف
    اءاءبا الفضائل والفضائل بعضها
    لك كل يوم نهضة جبارة
    ومواقف غراء في اءجوائها
    ما غاب منها موقف الا بدا
    كسلاسل ذهبية موصولة
    المسجد الاقصى يردد ذكرها
    والجامع الاموي فيها يهتف



((385))
ويتابع الشاعر سرد اءوصاف ممدوحه مبينا خصائصه المميزة التي حقق من خلالها اءهدافه السامية
ومطالبه العالية والرفيعة :




  • ان الفصاحة دولة جبارة
    اءنت المليك المستقل بعرشها
    ونوافذ الكلم البليغ اجلها
    تخطي السهام كما تصيب وآنها
    ولسانك الجبار لولا انني
    واذا استطلت على يراعك اعفني
    وعصاك ايتك الكريمة في يد
    ويختم الشاعر قصيدته بقوله :
    يرتاع منها المستبد ويرجف
    تطغى عزائمها وحينا تعصف
    في حين تلطمه فم متكلف
    لعب الغريم وعاث فيها المجحف
    نسمو ومن عرفانها نتثقف
    في النش ء يغرسها اءب متعطف
    عن حمل ما قد حملوا لاتضعف



  • تهوي العروش ومجدها لا ينسف
    والنصر اكليل عليك مرفرف
    من اءن يقال لها سهام ترهف
    اءبدا تسدد كل ما تستهدف
    ظلما اءجور عليه قلت المرهف
    قصد اللسان فقلت فيه مثقف
    بيضاء وهي لكل سحر تلقف
    انا لنبغي للجهاد قيادة
    ونريد افئدة على اءضلاعها
    واءناملا يهوي على تقبيلها
    ونروم اصلاحا لانظمة بها
    ونريد اءفكارا مثقفة بها
    وعقائدا دينية ميمونة
    انا لننشد مصلحين نفوسهم
    عن حمل ما قد حملوا لاتضعف



((386))
وعـلى هذا النحو يسير الشاعر في مدائحه لعلماء الدين المجاهدين الذين تحملوا اشد اءنواع الظلم
والاضـطـهـاد مـن اءجل اعلاء كلمة اللّه في الارض , وصيانة الدين الاسلامي من كيد المنحرفين
والمبغضين .


2 ـ شعر الرثاء :


اءكـثـر الـشـيخ الفرطوسي من تناول شعر الرثاء بسبب الظروف العصيبة التي مر بها, والمصائب والنوائب التي حلت عليه طيلة حياته . وفي ديوانه حقل خاص باءشعار الرثاء دعاه دموع , قال عنه :
يـضـم هـذا الـحـقـل الحزين باقة من العواطف نظمت سلسلة نشائدها من نثارة الدموع وجمرات
الضلوع . غرست على اءلواحها شقائق من قطعات قلبي وسقيتها من جداول دموعي ولاطفت اءزهارها
بـلـفـحـات مـن زفـرات صدري , وطارحتها من قيثار فمي باءهازيج من الحنين والانين تستعرض
مـسـرحـهـا الـكـئيـب فـلاتـرى الا عينا باكية ومهجة دامية وعاطفة ذاكية فهي صورة صادقة
مـن خـواطـري ولـوحة منحوتة من قلبي , طبعت على صفحاتها آلامي وعواطفي ونشرت صحائف
مطوية من ذكرياتي
((387)) .


ومن اءبرز مرثيات الشيخ قصائده في الرثاء الخاص التي عبر فيها عن معاناة شخصية مؤلمة تفاقمت
اثـر فقده لاعزافراد اسرته , من ابنيه علي وعبدالرزاق , واءخويه جبار وعبدالزهراء وعمه
الشيخ علي الفرطوسي .


واءول قـصـيـدة تطالعنا في حقل المراثي قصيدة قلب مظلم التي نظمها الشاعر عام 1369 ه في
رثـاء ولده علي الذي مات اثر صدمة قاسية اءصابت قلبه من بعض اءترابه حين كان يمرح في ملعب
الطفولة . يقول الشاعر في مطلع القصيدة :




  • شفتاك في عل وفي نهل
    ياقوتتان على فم عذب
    قد ذابتا صهرا على كبدي
    جرحان قد حفا بزنبقة
    فتحا لرشف النور فانطبقا
    قيثارتان وقد تحطمتا
    قارورة السلوى هما لفمي
    ولطالما عاقرت مرشفها
    سكبت وما روت سلافتها
    شفتي من عذب من النهل



  • اءشهى الى نفسي من العسل
    يفتر عن سمطين من خضل
    وانبت عقدهما من الغلل
    بيضاء كالمراة في الصقل
    وعليهما طبق من الظلل
    فتحطمت دنيا من الزجل
    واءلذ منها عنده قبلي
    فتفجرت من شهدة الامل
    شفتي من عذب من النهل
    شفتي من عذب من النهل



وينتقل الشاعر الى تصوير عمق الفاجعة التي المت به بعد اءن اءسهب في الحديث عن اءوصاف ولده
الذي طالما آنسه في وحشته , واءذهب عنه عناء الحياة وتعبها بابتساماته الجميلة وضحكاته الطفولية
البريئة :




  • يا زفرة في النفس عاصفة
    يا صدمة للقلب قد هدمت
    اءنزلت صاعقة على كبدي
    قد كنت اءحسب انه جلد
    وارحمتاه لبائس نكد
    فكاءنه من سقمه قفص
    عينان مظلمتان فوقهما
    شفتان جامدتان فوق فم
    عقل بلا رشد يسير به
    فكر بلا وعي يحس به
    جسد بلا قلب ينوء به
    يا منزل السلوى برحمته
    اءنزل به السلوى على عجل



  • بزوابع الالام في زجل
    اءركانه من حادث جلل
    ونفذت سهما قط لم يمل
    صلد على الاحداث كالجبل ...
    لاب شريد اللب منخذل
    متحطم الاضلاع من خلل
    جفنان منطبقان كالظلل
    متلثم بالصمت مشتمل
    فقد الصواب فعاد بالزلل
    فقد السداد فب بالخطل
    كمحمل ينزو على وحل
    اءنزل به السلوى على عجل
    اءنزل به السلوى على عجل



((388))
وسـوى هـذه القصيدة قصائد اخرى في الرثاء الخاص , منها قصيدة يا شقيقي التي نظمها الشاعر
عـند مصرع اءخيه جبار الذي توفي وهو شاب اثر عملية جراحية فاشلة . وقد جاء في جانب من
هذه القصيدة :




  • شقيق نفسي وكم في النفس من حرق
    لو كان يجدي الفدا اءو يرتضى بدلا
    لكنت افديك في نفسي وما ملكت
    اءبكي شبابك غضا مورقا قصفت
    اءرثيك في مدمع قان قد امتزجت
    اءفديك من مدنف والحزن يقلقه
    واهي القوى عاد مرهونا بعلته
    مضنى معنى من الالام قد نسجت
    على سرير المنايا السود مضطجع
    حيران في سكرة للموت مرهبة
    وغمرة تستزل العزم والهمما



  • موقودة عاد منها القلب مضطرما
    عنك الردى حينما في شخصك اصطدما
    كفي واحسب اني عدت مغتنما
    كف الردى عوده الزاهي وما رحما
    سوداء قلبي به فانهل منسجما
    مروع القلب في اءحشائه كلما
    قد ضمدوا جرحه الدامي وما التئما
    له الحوادث ثوبا شاحبا سقما
    وهنا يصارع جبارا به اصطدما
    وغمرة تستزل العزم والهمما
    وغمرة تستزل العزم والهمما



((389))
والـى جـانب الرثاء الخاص تناول الشيخ الفرطوسي رثاء علماء الدين وكبار المصلحين ممن حازوا
رهان السبق في الاصلاح الاجتماعي والتوعية الدينية , من اءمثال الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء,
والشيخ محمد رضا الشبيبي ,وآخرين من اعلام الفكر والدين .


ومـن روائع مـرثـيـات الشيخ لعلماء الدين , قصيدته التي اءلقاها في الحفلة التاءبينية التي اقيمت في
مسجد براثا ببغدادبمناسبة مرور اءربعين يوما على وفاة الشيخ محمد رضا الشبيبي عام 1385 ه,
حيث قال في مطلعها:




  • طويت واءنت المصلح المتحرر
    اءفهكذا تئد الطلائع حفرة
    ويلف في اءفق الجهاد لواؤه
    ويصاب قلب الشعب بين ضلوعه
    ويحف من عين الرجاء معينها
    ويموت لحن المجد ساعة خلقه
    وتحطم الكاءس التي يروى بها
    رزئت بفقدك في القيادة امة
    وتلفعت باليتم من نهضاتها
    بكر تدور بها وانت المحور



  • بك للبلاد رسالة ومحرر
    منها فيطوى للفتوح معسكر
    والنصر يخفق حينما هو ينشر
    والوعي ينبض والعواطف تسعر
    في حين قلب الياءس اءو شك يثمر
    اءلما على شفة الخلود فيقبر
    ظماء الحياة ونبعها يتفجر
    اءنت اللسان لها واءنت المزبر
    بكر تدور بها وانت المحور
    بكر تدور بها وانت المحور



والقصيدة طويلة احصى الشاعر من خلالها فضائل الشيخ الشبيبي ومثره العظيمة التي انجزها طيلة
عمله السياسي ونشاطه الوطني . وقد سلط الشاعر الضوء على جانب منها حين قال :




  • عالجت اءوضاع البلاد بخبرة
    وعرضت حلا للمشاكل نافعا
    اءرشدت فيه الحاكمين لرشدهم
    ونقدت بناء بنقدك لافم
    فعرضت مشكلة البلاد وحلها
    واءبنت اءن من الضرائب ماغدا
    وفساد اصلاح الزراعة آفة
    والبرلمان هو الضمان لامة
    حاولت تضميد الجروح ببلسم
    واءردت تصحيحا لاخطاء بها
    وسياسة الاصلاح تجبر كلما
    بسياسة الارهاب اءضحى يكسر



  • وتجارب فيها يقاس المخبر
    بمداه اءبعاد السياسة تسبر
    نصحا ومثلك بالنصيحة يجدر
    يزري ولا قلم يشيد فيؤجر
    في حين لو بقيت تميت وتفقر
    عبثا تنوء به البلاد وتوقر
    منها يموت الاقتصاد ويقبر
    من سلطة فردية تتحرر
    يوسى به قلب البلاد ويجبر
    تزري واءنظمة بها تتقهقر
    بسياسة الارهاب اءضحى يكسر
    بسياسة الارهاب اءضحى يكسر



ثـم يـخـتـم الـشاعر قصيدته مشيدا بمواقف الشيخ الشبيبي البطولية التي قاوم بها قوى الاحتلال
الغاشمة بكل حزم وصلابة :




  • لك في الجهاد مواقف جبارة
    هدرت لتحرير البلاد شقاشق
    والاحتلال وقد تزلزل بطشه
    جبت القفار على متون عزائم
    لم يلو عزمك ما يريع واءنت في
    لجج المهالك والمفاوز تصحر...



  • بك تستطيل وكل مجد يقصر
    منها واءشداق البطولة تهدر
    بصواعق من بطشها تتفجر
    هي كالبحار بها المخاطر تكثر
    لجج المهالك والمفاوز تصحر...
    لجج المهالك والمفاوز تصحر...



((390))
ولـم تـقتصر مراثي الشيخ على علماء الدين فقط بل شملت ايضا السياسيين والزعماء الوطنيين ممن
داءبوا في تحقيق مصالح الشعب وتلبية مطالبه على قدر استطاعتهم وفي مدار صلاحياتهم المحدودة .


ومن هؤلاء الزعيم الوطني سعد صالح
((391)) الذي عرف بمواقفه السياسية الجريئة ومطالباته
الاستقلالية المتكررة في عهد الاحتلال البريطاني . وقد رثاه الشيخ الفرطوسي بقصيدة طويلة , جاء
في مطلعها:




  • اءعرني جنان الليث والمقول الحرا
    وماذا الذي يجدي الرثاء وان اءكن
    فلست كمن يرثى فيفخر بالثنا
    واءنت الذي يسمو الثناء به فخرا



  • وخذ من رثائي جمرة تلهب الذكرى
    نظمت الدراري في نشائده شعرا
    واءنت الذي يسمو الثناء به فخرا
    واءنت الذي يسمو الثناء به فخرا







  • ولكن مجد الرافدين لسعده
    تداعى فاذكى كل عاطفة جمرا



  • تداعى فاذكى كل عاطفة جمرا
    تداعى فاذكى كل عاطفة جمرا



((392))


3 ـ شعر الوصف :


من الاغراض الشعرية التي تناولها الشيخ الفرطوسي في شعره كثيرا الوصف . ولا يخفى ما للوصف من قيمة فنية في العمل الادبي وخاصة في الشعر. فمن خلال الوصف يمكن تمثيل الحقيقة على هيئة
صـور ليلتقطها الحس بلا قطتيه الفاعلتين , السمع والبصر. ومن خلال الوصف يمكن تجسيد الواقع
الـمـسـتتر واللامرئي بحيث يسهل ادراكه عن طريق الحس الباطني ان لم يكن ميسرا عن طريق
الحس الظاهري .


وقد حرص الشيخ على توظيف الوصف توظيفا فاعلا باعتباره اءداة مؤثرة في نفس المتلقي , تاءخذه
الى عالم من المناظر والمرئيات لا يدركها الا من خلال حس الشاعر المرهف الذي يستطيع بريشته
الفنية اءن يعبر عن غرضه الاسمى والاهم بواسطة الوصف والتصوير.


ومـن هـنا اءصبح بامكان المتلقي اءن يرصد اءهداف الشاعر واءغراضه الاساسية في نهاية قصائده
الوصفية , باعتبار ان الوصف ليس غاية الشاعر المنشودة وانما وسيلة يصل بها الى المضامين الرفيعة
التي توخاها الشاعر من قصيدته .


فـنـجـد مثلا قصيدة بنت الريف التي صور فيها الشاعر الطبيعة اءجمل تصوير تبداء بالتصاوير
التقليدية والاوصاف الماءلوفة التي حرص الشعراء على تصويرها في اءشعارهم الوصفية :




  • طف بالقرى واهبط بدنيا الريف
    تجد الطبيعة عندها مجلوة
    والحسن سطر والربوع صحائف
    اءنى التفت وجدت في جنباتها
    في الروض وهو منسق ومؤلف
    في الشاطي ء الزاهي وقد صفت على
    في النهر وهو يجيش في طغيانه
    في نغمة الشادي وقد مالت به
    في كل شي ء منه اءسفر ضاحكا
    وجه الطبيعة من ربى وطفوف



  • واستجل سر جمالها المكشوف
    حيث الطبيعة من بنات الريف
    خطت بها الالطاف خير حروف
    مراءى يروق لقلبك المشغوف
    في اءبدع التنسيق والتاءليف
    حافاته اءزهاره كصفوف
    متدفقا يجري بغير وقوف
    نفحات اءعطاف الغصون الهيف
    وجه الطبيعة من ربى وطفوف
    وجه الطبيعة من ربى وطفوف



((393))
ثـم يـواصل الشاعر وصف مظاهر الطبيعة في الريف , مفصلا جمالها الخلاب وصفاءها الرائع لكي
يـصـل فـي النهاية الى مقصوده الحقيقي من وصفه وهو تصوير حياة البؤس والشقاء التي كان يعانيها
الفلاح آنذاك في ظل نظام الاقطاع الجائر:




  • وهناك شمر كادح عن ساعد
    ... يروي الحقول بمقلة تسقى بها
    وباءختها يرعى فراخا جوعا
    يتضورون ويكتفون قناعة
    ان اطعموا في كسرة ورغيف



  • كحسامه ماضي الغرار رهيف
    عن مدمع شبه العهاد وكوف
    جردا كاءنهم غصون خريف
    ان اطعموا في كسرة ورغيف
    ان اطعموا في كسرة ورغيف



الى اءن يقول :




  • حتى اذا وافى الحصاد واءقبلت
    فاذا الزروع وغيرها ما سددت
    واذا بهم يتضرعون لربهم
    اءفنعدم الستر البسيط لعورة
    اءو برقعا فيه العذارى تتقي
    وترى سوانا رافلا متبخترا
    اءفهكذا الانصاف اءصبح حاكما
    ان يلهم الاجحاف كل ضعيف



  • معه الجباة السود شبه حتوف
    دين الغريم ولاوفت بطفيف
    عن كل قلب موجع ملهوف
    منا تصان به عن التكشيف
    نظر المريب اذا رنا لصليف
    بمطارف براقة وشفوف
    ان يلهم الاجحاف كل ضعيف
    ان يلهم الاجحاف كل ضعيف



((394))
والـقـصيدة مليئة بمثل هذه الصور الاليمة والمناظر المريعة والحزينة . وقد حرص الشاعر على
تجسيدها في شعره رغبة منه في توظيف الوصف لصالح الاهداف والمطالب الاجتماعية .


ولم يكن هذا المسلك قاصرا على وصف الطبيعة فقط. فقد شمل اءيضا وصف الاماكن التي عاش فيها
الشاعر اءو مربها من خلال اءسفاره ورحلاته .


فها هو ينظم قصيدة في وصف طاق كسرى لا لمجرد الوصف فقط بل لنيل العبر والدروس :




  • قف بالمدائن واستنطق بها العبرا
    واستعرض الدهر اءشكالا مصورة
    واستخبر الرسم عنها حين تقراءه
    فالرسم سفر بليغ فيه قد رسمت
    والعين ان تك قد فاتتك رؤيتها
    ثم يبداء الشاعر وصف مشاهداته قائلا:
    الا وروعته تستوقف النظرا
    حتى على الرسم منها مطرفا نظرا
    حتى على الرسم منها مطرفا نظرا



  • عن اءلف جيل وجيل فوقها عبرا
    فيها لتعرف من اءحوالها صورا
    فسوف يعطيك من تاءريخها خبرا
    لنا الحوادث من اءخبارها سيرا
    فلن يفوتك منها اءن ترى الاثرا
    وقفت فيها فلم اءنظر بها اءثرا
    كاءن روعة رب التاج قد خلعت
    حتى على الرسم منها مطرفا نظرا



((395))




  • فاعجب لمراءى تهز النفس روعته
    ولم تجد منه الا الرسم والعفرا



  • ولم تجد منه الا الرسم والعفرا
    ولم تجد منه الا الرسم والعفرا



((396))




  • فكيف لو شاهدته زاهيا وراءت
    وابصرت منه دنيا ملؤها صور
    فتانة تسحر الالباب والفكرا



  • كسرى وايوانه بالزهو قد عمرا
    فتانة تسحر الالباب والفكرا
    فتانة تسحر الالباب والفكرا



وتتقارن المعاني الشعرية مع الاوصاف دون انفصال وانقطاع مما يجعل الوصف جزءا من المعاني التي
توخاهاالشاعر في قصيدته :




  • اءنشودة اءنت للاجيال خالدة
    وآية طاءطاء الدهر الخطير لها
    وفكرة في دماغ الفن زاولها
    حتى اذا نضجت اءفكاره ولدت
    فاءنت معجزة للفن خالدة
    وان للفن اعجازا يصوره
    لنا الخلود وقد شمنابك الصورا



  • لذاك اءضحى فم الدنيا لها وترا
    لما تسامت على عليائه خطرا
    قرنا فقرنا ليبديها فما اقتدرا
    نتيجة ترهب الاجيال والعصرا
    بها وجدنا نتاج الفن مزدهرا
    لنا الخلود وقد شمنابك الصورا
    لنا الخلود وقد شمنابك الصورا



((397))
والـجـديـر ذكره ان الشاعر نهج المسلك ذاته في وصف الاشياء اءيضا. فهو عندما يصف قلمه مثلا
يخاطبه وكاءنه كائن ذو روح يتوخى منه الخير والصلاح , ويضع على عاتقه مهمة البناء والاصلاح :




  • يا رسول البيان كم ذا اءرتنا
    تتلقى مواهب الروح وحيا
    كم معان كشفت عنها غطاء
    ورموز حللتها بوضوح
    اءنت سلك يمده العقل نورا
    ... اءنت تبني دنيا وتهدم دنيا
    اءنت اءقوى من العفرنى جنانا
    اءنت اءشجى من الحمامة لحنا
    اءنت امضى من المهند حدا
    حين تنضو غرارك المصقولا



  • معجزات البيان منك رسولا
    فتعي كل لحظة انجيلا
    للخفا كان فوقها مسدولا
    فاءجدت الايضاح والتحليلا
    حين يهدى فيذهب التضليلا
    حين تفني جيلا وتخلق جيلا
    حين تسطو وان بدوت عليلا
    حين يغدو منك الصرير هديلا
    حين تنضو غرارك المصقولا
    حين تنضو غرارك المصقولا



((398))


4 ـ شعر الغزل :


تـنـاول الـشـيـخ الفرطوسي الغزل باعتباره غرضا من اءغراض الشعر التقليدية وليس تعبيرا عن تـجـربـة حـب واقـعـيـة اءوتبادل عاطفي حقيقي . ففي بيئة متشددة كالنجف حيث القيود الصارمة
الـمفروضة على اختلاط الجنسين , والاعراف التقليدية المتزمتة على المراءة , لا مجال لبلورة مثل
هذه الظواهر الاجتماعية على الاطلاق .


ومن هنا اءصبح التغزل الحسي شائعا لدى الشعراء, يكثرون من ابراز المحاسن الجسدية للمراءة في
مـحـاولـة مـنـهم لمحاكاة شعراء السلف , والتعبير عن لواعج النفس التي طالما عانت كبت الغرائز
الفطرية , والحرمان النفسي والعاطفي .


ولم يكن الفرطوسي بمناءى عن اءترابه الشعراء. فقد تطرق هو الاخر الى الغزل الحسي , والتغني
بمرئيات الجمال النسوي دون اءن يظهر فيه مجون اءو نزول الى حضيض الشهوات :




  • على خديك اءجمل وردتين
    وفي عينيك للعشاق سحر
    وفي شفتيك للشفقين لون
    يموج الحسن بينهما شعاعا
    فيجلى منه ليل الخصلتين



  • قطافهما الشهي بقبلتين
    ومبعثه سواد المقلتين
    يخضب منه فجر المبسمين
    فيجلى منه ليل الخصلتين
    فيجلى منه ليل الخصلتين



((399))
ولكن ظاهره الغزل الحسي ظهرت متاءخرة في شعر الفرطوسي وتحديدا عند خروجه من العراق
واقـامـتـه مدة في سويسرا و لبنان . ففي مثل هذا المحيط المتحرر استطاع الشاعر اءن يصف
مشاهداته العينية بكل حرية وبدون قيداءو شرط:




  • جرح قلب المشوق من مقلتيك
    ورحيق الرضاب منك شهيا
    انا اءهوى سود العيون لسحر
    الى اءن يقول :
    ورقيق الاديم من وجنتيك
    حين تهوى الهلال من حاجبيك
    كل آماله الحسان لديك
    كالفراشات وارتمت في يديك
    كالفراشات وارتمت في يديك



  • قبلة وقعت على شفتيك
    هو خمري والكاءس من مبسميك
    هو معنى السواد في مقلتيك
    اءعشق الورد لون خديك فيه
    تعشق العين من جبينك شمسا
    ... اءنت دنيا الهوى لقلب مشوق
    رفرفت كلها على شفتيك
    كالفراشات وارتمت في يديك



((400))
اءمـا غـزل الشاعر قبل هذه الفترة فهو اءقرب الى التعبير العاطفي الصادق تجاه مفهوم الحب لا الى
لـوازمـه وعناصره .ويظهر هذا الاتجاه واضحا في كثير من قصائد الفرطوسي كقصيدة عواطف
الحب التي نظمها عام 1943م :




  • شعلة اءشرقت بظلمة نفس
    صقلته من الصداءة حتى
    لم يزل خامل العواطف حتى
    واضاءت شمس الصبابة فيه
    حين اءمسى جم المواهب فذا
    فتعالت عواطف الحب كم ذا
    تنشر الروح حين تعلق فيها
    اءتراه بعد الجمود زمانا
    ليس تسطيع اءن تشف شعورا
    كل نفس لم يكوها الحب كيا



  • فاءنارت منها فؤادا دجيا
    اءظهرت منه معدنا ذهبيا
    خلق الحب منه حسا ذكيا
    فاءرتنا مهذبا عبقريا
    بعدما كان جامدا همجيا
    اءيقظت خاملا واءدنت قصيا
    فتدب الحياة شيا فشيا
    كان ميتا وكيف اءصبح حيا
    كل نفس لم يكوها الحب كيا
    كل نفس لم يكوها الحب كيا



((401))
وعـلى الرغم من توسع الشاعر في وصفه الحسي لمفاتن المراءة ومحاسنها الانثوية , فقد التزم في
نفس الوقت بمبادئ الشريعة الاسلامية التي تدعو المراءة الى الحجاب والتعفف , والابتعاد عن التحلل
والابتذال . وقد ذكر الشاعر بهذه القيم في مواضع عدة , منها هذه الرباعية :




  • الحب روح للنفوس
    قبس باءعماق الحشا ال
    سلك باءحداق الحسان
    الحب اءن تذكو القلوب
    واءن تعف به الجيوب



  • ونشره اءرج وطيب
    دامي يشب له لهيب
    به تكهربت القلوب
    واءن تعف به الجيوب
    واءن تعف به الجيوب



((402))
وكذلك في الثنائية التالية :




  • اءفهكذا الحسناء اغراء لنا
    حقا باءنك فتنة يا حبذا
    لو كان عندك من عفافك برقع



  • وهي المصونة بالحيا تتخلع
    لو كان عندك من عفافك برقع
    لو كان عندك من عفافك برقع



((403))
وحـصـيلة الكلام ان الغزل عند الفرطوسي معظمه محكاة وتقليد, وقليل منه شعور وعاطفة . وهو
في الحالتين عفيف البيان , نزيه الوصف , بعيد عن الابتذال والانحطاط البذي ء .


5 ـ شعر التاءريخ



((404)) ان شعر التاريخ من الصناعات الادبية التي اءولع بها المتاءخرون . وشاع استعمالها كثيرا
عند شعراء النجف لارتباطها الوثيق بالمناسبات المختلفة التي يراد لتاريخها اءن يذكر ويخلد.


ولا يـخـفـى مالهذا الفن الشعري من تكلف شديد وصنعة ظاهرة , فهو يتطلب مهارتين , مهارة اعداد
الجمل التي يكون حاصل جمعها موافقا للتاريخ المطلوب , وهي مهارة حسابية لا شاءن لفن الشعر فيها,
ومهارة انتقاء تلك الجمل بحيث تحمل خاصية العلوق في الذاكرة , كاءن تكون اقتباسا مناسبا من القرآن
الـكـريـم , اءو اسـم الـشـخـص اءو الـشي ء المؤرخ له , اءو تكون في اختصارها واصابتها المعنى
كـالـتـوقيعات المعروفة للملوك والامراء المسلمين . وهي مهارة تعتمدعلى ذكاء الشاعر وسرعة
بديهته وسعة اطلاعه
((405)) .


والـفـرطوسي واحد من الشعراء الذين طرقوا هذا الفن الشعري الا انه لم يتوسع في تناوله لشدة
تكلفه وابتعاده عن الطبع .


ومن مؤرخاته الشعرية تاءريخه لعمارة الروضة الحيدرية عام 1370ه التي قال فيها:




  • روضة قد اءشرقت للمقل
    جليت اءعتابها من غرر
    اءرخوها (وهي عند الازل
    جنة الماءوى اءعدت لعلي )



  • فسقتها من شعاع الامل
    رصعتها بدراري القبل
    جنة الماءوى اءعدت لعلي )
    جنة الماءوى اءعدت لعلي )



((406))
1370 ه
وله اءيضا قصيدة في تجديد ضريح اءبي الفضل العباس (ع ) عام 1383ه, جاء فيها:




  • ضريحك دون علاه الضراح
    تصاغ شبابيكه باللجين
    ومن عسجد خالص فوقها
    (ضريحا اءبا الفضل ) اءرخ (به
    تشع على القمر الانجم )



  • واءنت به القمر الاعظم
    وبالتبر جبهته ترقم
    قناديل اءركانه تنظم ...
    تشع على القمر الانجم )
    تشع على القمر الانجم )



((407))
1964م1383 ه


ملحمة اءهل البيت (ع )


اء ـ الملحمة لغة ومصطلحا :


الـمـلـحمة في اللغة بمعنى الحرب وانما سميت بذلك لامرين : اءحدهما تلاحم الناس اءي تداخلهم بعضهم في بعض ,والاخر اءن القتلى كاللحم الملقى
((408)) .


وذكـر ابـن مـنـظور اءن : الملحمة : الوقعة العظيمة القتل , وقيل موضع القتال . واءلحمت القوم اذا
قـتـلـتهم حتى صاروا لحما.واءلحم الرجل الحاما واستلحم استلحاما اذا نشب في الحرب فلم يجد
مخلصا... والجمع الملاحم ماءخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمة الثوب بالسدى ,
وقـيـل هـو مـن الـلـحم لكثرة لحوم القتلى فيها... والملحمة :الحرب ذات القتل الشديد... والوقعة
العظيمة في الفتنة ...
((409)) .


وقد وردت الملحمة ومشتقاتها في الشعر كثيرا, من ذلك قول الاخطل
((410)) :




  • حتى يكون لهم بالطف ملحمة
    وبالثوية لم ينبض بها وتر



  • وبالثوية لم ينبض بها وتر
    وبالثوية لم ينبض بها وتر



((411))
وقول عجير السلولي
((412)) :




  • ومستلحم قد صكه القوم صكة
    بعيد الموالي , نيل ماكان يجمع



  • بعيد الموالي , نيل ماكان يجمع
    بعيد الموالي , نيل ماكان يجمع



((413))
وقول القطامي
((414)) :




  • ولم يستخبر العلماء عنا
    ومن شهد الملاحم والوقاعا



  • ومن شهد الملاحم والوقاعا
    ومن شهد الملاحم والوقاعا



((415))
وكذلك ما ذكره اءبو تمام عن لسان امراءة من بني الحارث
((416)) :




  • فارس ما غادروه ملحما
    غير زميل ولا نكس وكل



  • غير زميل ولا نكس وكل
    غير زميل ولا نكس وكل



((417))
اءمـا الـمـلحمة في المصطلح الادبي فهي : نوع خاص من الشعر القصصي البطولي , الذي لم تعرف
الـعربية شبيها له , من حيث البناء القصصي المكتمل , ومن حيث الحجم العددي للابيات الشعرية التي
تبلغ الالاف , ومن حيث الشخصيات التي تسمو فوق المستوى العادي للناس الاسوياء, وتتصف بما هو
مـن سـمـات الابـطـال الاسطوريين , ومن سمات الالهة , اءو اءنصاف الالهة , في المعتقدات الوثنية
الـبـدائيـة , ومن حيث الاحداث والوقائع الخارقة التي تتخللها, ومن حيث اءن الوقائع الحربية التي
يـخـوض الابـطـال الـملحميون غمارها, والمثر الخارقة التي يحققونها, تدخل في صميم الصراع
الـوطـنـي والـقـومـي , دفـاعـا عـن حق مغتصب , وفي سبيل اءن تحيا الامة التي يمثلونها بحرية
وكرامة وهناء
((418)) .


ب ـ الملحمة قديما وحديثا :


قـسـم الغربيون الشعر منذ اءقدم عصوره اءربعة اءقسام : شعر قصصي وتعليمي وغنائي وتمثيلي .


وتـدخل الملحمة بقصائدها القصصية الطويلة في الضرب الاول كما تبين من تعريفها. والشاعر في
هذا الضرب القصصي لا يتحدث عن عواطفه واءهوائه , فهو شاعر موضوعي ينكر نفسه , ويتحدث
فـي قـصته عن بطل معتمدا على خياله , ومستمدا في اءثناء ذلك من تاريخ قومه , وكل ماله اءنه يخلق
القصة ويرتب لها الاشخاص والاشياء, ويجمع لها المعلومات , ويكون من ذلك قصيدته , وعادة ينظمها
من وزن واحد لا يخرج عنه
((419)) .


ويـمـكـن حـصر الشعر الملحمي تاءريخيا في ثلاث مراحل : مرحلة التعبير عن اءزمة وجودية
بـالـنـسبة الى ما وراءالوجود, حيث المزيج من روحانية ومادية , من عقائد وخرافات , ومن حقائق
واءسـاطـيـر. ومـرحلة تعبير عن اءزمة اجتماعية في تنازع وجودي , ثم مرحلة تعبير عن اءزمة
قومية
((420)) .


ومـن هـنا تميز نوعان من الملاحم : الملاحم الطبيعية والملاحم الاصطناعية . فالاولى وهي التي
تظهر في المراحل البدائية من حياة الامم وتاريخ الشعوب , وتصاغ بصورة تلقائية وعضوية , ويكون
نـاظموها ورواتها والذين يتداولونها, مؤمنين بما تتضمنه من ذكر الخوارق , وتدخل الالهة في حياة
البشر, ايمانا مطلقا لا تشوبه شائبة من الريبة والشك . والثانية وهي التي يصنعها الشعراء في الازمنة
المتاءخرة , وينظمونها على نهج الملاحم الطبيعية ,ومحاكاة لمضامينها واسلوبها من غير اءن يكونوا
بـالـضـرورة مـؤمـنـيـن بـمـا يـصـفـون مـن حـوادث , ويـنسجون من خوارق ,ويصورون من
بطولات
((421)) .


ومـن الـنـقاد من قسم الملحمة قسمين : ملحمة اءدبية وملحمة شعبية . ففي الاولى يعلن الشاعر في
مـسـتـهل قصيدته عن موضوعها, ثم يبتهل لربة الشعر ويذكر القصة واءحداثها, وتدخل الالهة في
شؤون البشر, مستخدما التشبيهات الطويلة والمعقدة , واءسماء الابطال والاشياء الهامة لحياة الابطال
كـالاسـلـحة والسفن وما الى ذلك ... اءما الثانية فيتضح فيها النقل مشافهة والتكرار وتجرؤ السرد,
الامر الذي يدل على اءنها لم تكن نتاج زمن واحد اءو قريحة واحدة
((422)) .


ومـن اءبـرز الـمـلاحـم الـشـعـريـة الـتي عرفها التاءريخ ملحمة الالياذة للشاعر الاغريقي
هوميروس
((423)) , وقد نقلها الى العربية في مستهل هذا القرن سليمان البستاني . والالياذة قصة
شـعـريـة طـويلة تدور اءحداثها حول معارك طاحنة وحروب عظيمة واءساطير واءمور خارقة ,
تـنـشب بين شعبين متصارعين دفاعا عن مثل ومبادى ء انسانية . ويبرز من كل جانب جماعة من القادة
والابـطـال الاسـطوريين , وتدخل الالهة في حوادثها ووقائعها الخارقة , وقد ابدع هوميروس في
صـيـاغـة مـلـحـمـته صياغة فنية رائعة من حيث التسلسل القصصي المتناسق , والتوالي المنتظم
لـلاحـداث ,والتعبير المؤثر عن اءغراضه ومراميه . وقد اءشار اءرسطو الى الميزة الرئيسية في
الملحمة حيث قال
((424)) : ومن بين المناقب التي تجعل هو ميروس خليقا بالثناء اءنه كان الوحيد
مـن بين الشعراء, الذي لا يجهل متى يتدخل بنفسه في القصيدة . فالحق اءن الشاعر يجب اءن لا يتكلم
بنفسه ما استطاع الى ذلك سبيلا, لانه لو فعل غير هذا لما كان محاكيا
((425)) .


ولـمـا كان الشعر الملحمي من الفنون الادبية العريقة ذات الجذور التاريخية الطويلة , فقد تداولته
اءمـم وشـعـوب مختلفة غير اليونان , اءمثال الرومان في ملحمة الانياذة لفرجيليوس , والهنود في
مـلاحـم الاوبـا نـيـشاد و الفيدا و الرماياناو المهابهارتا, والفرس في ملحمة الشاهنامه
لـلـشاعر الكبير الفردوسي , والترك في شاهنامه الشاعر الفردوسي الطويل , واضافة الى الامم
الـقـديمة فان الشعوب الحديثة قد تغنت بهذا الفن الادبي وانتجت شعرا ملحميا على غرارالملاحم
الـقـديـمـة , مـنـهـا اءنشودة رولان الفرنسي , واءشعار ملتون الانجليزي , ومنظومات هيلدبراند
الالماني ,والكوميديا الالهية لدانتي الايطالي , وغيرها من الملاحم الحديثة
((426)) .


وبالرغم من انتشار اءدب الملحمة بين مختلف الشعوب والامم فاننا لانجد لهذا الفن اءثرا في الشعر
الـعـربـي سـوى قـصائد معدودة ومقطوعات قصيرة ذات نفس ملحمي لا يمكن ضمها الى الملاحم
العالمية المعروفة . وقد شغل الباحثون في تعليل هذا الامر واءوردوا اءسبابا عدة . منها: قول من زعم
اءن الـعرب نظموا فيه كثيرا وضاع مانظموه , فلم يبق لعهد التدوين والرواية الا القليل مما ذكرت
فـيـه اءخبار الحروب
((427)) وهو قول ترده الشواهد والدلائل التاريخية . ومنها : اءن خيال
الـجـاهـلـيـيـن لم يتسع للملاحم والقصص الطويلة لانحصاره في بادية متشابهة الصور,محدودة
المناظر, ثم لماديتهم وكثافة روحانيتهم , ثم لفرديتهم وضعف الروح القومية والاجتماعية فيهم , ثم
لقلة خطر الدين في قلوبهم وقصر نظرهم عما بعد الطبيعة , فلم يلتفتوا الى اءبعد من ذاتهم , ولا الى
عـالـم غـيـر الـعالم المنظور,ولا تولدت عندهم الاساطير الخصيبة , ولم يكن لاصنامهم من الفن
والـجـمـال مـا يـبـعث الوحي في النفوس شاءن اءصنام اليونان والرومان , فقل من ذكر منهم اءوثانه
واسـتـوحـاهـا فـي شعره . ولم يساعدهم مجتمعهم على التاءمل الطويل وربطالافكار وفسح آفاق
الـخيال , لاضطراب حياتهم برحيل مستمر, فجاء نفسهم قصيرا كاقامتهم , وخيالهم متقطعاكحياتهم ,
صـافـيـا واضحا كسمائهم , داني التصور محدود الالوان كطبيعتهم . وكانت ثقافتهم الادبية فطرية
خـالصة يتغذى بعضهم من بعض , ولا يقبلون لقاح الاداب الاجنبية الراقية لجهالتهم واعتزال باديتهم
وتـمـردهـا, وكـذلـك كـانـت عـلـومهم ساذجة لا تفتح نوافذ النور للنظر في النفس وما بعد عالم
الهيولى
((428)) .


وثـمـة تعليلات اخرى فسرت انعدام الفن الملحمي في الشعر العربي , منها: اءن القصة في الشعر
الـجـاهلي ضعيفة الفن لاقتصارها على الخبر البسيط والسرد السريع ... ولا جرم ان الايجاز الذي
درج عـلـيـه الـجـاهـلـي كان يحول بينه وبين الاسهاب في اءخباره ... فلم يتوفر له عمل الملاحم
والقصص الطويلة
((429)) . ومنها اءن الوثنية العربية في الجاهلية لم تكن تلك الوثنية المكتملة ,
الـمعقدة والمركبة بل كانت وثنية في اءبسط اءشكالها وكانت تتعايش مع مذاهب توحيدية , كاليهودية
والـنـصـرانـيـة
((430)) . ومـنـهـا اءن الـتـقليد الشعري الاصولي السائد, والمتمثل بسلطة
الـقـصـيـدة الـغنائية ذات القافية الواحدة والوزن الواحد لم يكن يسمح بنظم المطولات القصصية
الملحمية
((431)) .


ومـهـمـا تكن العلل والاسباب فان الشعر العربي قد افتقر الى الشعر الملحمي بشكله المتكامل في
الملاحم المطولة .ولكن هذا لا يعني اءن الشاعر العربي لم يطرق المعاني التي تطرق اليها اءصحاب
الـمـلاحـم , وخاصة ما يتعلق بذكرالبطولة والشجاعة , والفخر والحماسة . فالمعروف عن الشعر
الـعـربـي غـزارته بالمعاني المذكورة , وشغف الشعراءبتداولها والاكثار من استعمالها. ومن اءبرز
الـقـصـائد الـمـلحمية العربية التي جسدت معاني البطولة والاقدام اءروع تجسيد المعلقات السبع ,
وخاصة معلقة عمرو بن كلثوم
((432)) الذي يقول في مطلعها:




  • اءلا هبي بصحنك فاصبحينا
    ولا تبقي خمور الاندرينا



  • ولا تبقي خمور الاندرينا
    ولا تبقي خمور الاندرينا



((433))
ومعلقة الحارث بن حلزة
((434)) الذي يستفتحها بقوله :




  • آذنتنا ببينها اءسماء
    رب ثاو يمل منه الثواء



  • رب ثاو يمل منه الثواء
    رب ثاو يمل منه الثواء



((435))
ومعلقة عنترة بن شداد
((436)) الذي يستهلها قائلا:




  • هـل غـادر الـشـعراء من متردم
    اءم هل عرفت الدار بعد توهم



  • اءم هل عرفت الدار بعد توهم
    اءم هل عرفت الدار بعد توهم



((437)) واذا ما انتقلنا الى
الـشـعـراء فـي الـعـصـر الاسـلامـي فـاننا نلمس بوضوح النفس الملحمي الصاعد من شعر تلك
الفترة وخاصة ابان الغزوات والفتوح الاسلامية .


وقـد اشـتـهـرت في هذه الفترة سبع قصائد طويلة عرفت بالملحمات
((438)) , وهي من صنع :
الـفـرزدق
((439)) ,وجـريـر
((440)) , والاخـطـل , وعـبـيـد الـراعي
((441)) , وذي
الرمة
((442)) , والكميت
((443)) , والطرماح
((444)) .


وبعد هذه الفترة شهد الشعر العربي وعبر اءعصره المختلفة اءلوانا من الشعر الحماسي والملحمي
الـفـت فـيـه دواويـن خاصة عرفت بدواوين الحماسة . ومن اءشهرها: حماسة اءبي تمام , وحماسة
البحتري , وحماسة ابن الشجري ,والحماسة المغربية والحماسة البصرية
((445)) .


واسـتمرت محاولات الشعراء في طرق الشعر الملحمي حتى مستهل القرن العشرين حيث ظهرت
الـمـلحمة ظهوراملفتا للنظر وبثوب جديد وبمواضيع قومية وعقائدية وتاريخية قلما تطرق اليها
الشعراء في العصور السابقة . وقد ردبعض الادباء هذه الظاهرة الى يقظة العرب القومية منذ بدء هذا
القرن والتفاتهم الى اءمجادهم السالفة
((446)) .


ولـعـل اءول مـحـاولـة مـلـحـمـيـة ظـهرت فـي هـذا العصر هي ملحمة الشاعر الشيخ كاظم
الازري
((447)) المعـروفة بـالازرية .


والازريـة مـلحمة فـي مـدح الـرسول الاكرم (ص ) وذكـر مولده ومعجزاته , ومدح الامـام علي
(ع ) وذكر مناقبه والحـروب التي شـارك فيها والاحـداث التي عاصرها (ع ).


وتبلغ الملحمة اءلـف بيت اءكـلت الارضـة جملة مـن اءبياتها وبقي منها 580 بيتا, ومطلعها:




  • لمن الشمس في قباب قباها
    شف جسم الدجى بروح ضياها



  • شف جسم الدجى بروح ضياها
    شف جسم الدجى بروح ضياها



((448)) وقد تبارى غير واحد
مـن الـشـعـراء فـي مـحـاكـاة هـذه الـقـصـيـدة والسير على نهجها, منهم الشاعر محمد جواد
الكربلائي ,المتوفى سنة 1281ه, وقد بلغت اءبيات قصيدته 1265 بيتا. يقول في مطلع قصيدته :




  • اءهي الشمس في سماء علاها
    اءخذت كل وجهة بسناها



  • اءخذت كل وجهة بسناها
    اءخذت كل وجهة بسناها



((449))
وكــذلـك الـشـاعـر عبد الحسين الحـويـزي (1287 ـ 1374ه) فـي ملحـمته المعـروفـة
بـفريدة البيان والتي تـربـو على الالـف بيت ,
ومطلعها:




  • لمن العيس في البطاح براها
    مثل بري القداح جذب براها



  • مثل بري القداح جذب براها
    مثل بري القداح جذب براها



((450))
ومن الملاحم العربية المهمة التي ظهرت في مستهل القرن العشرين القصيدة العلوية المباركة لعبد
الـمـسـيح الانطاكي
((451)) , وقد قال عنها: عنيت على نوع خاص اءن اءجعل القصيدة المباركة
الـعـلـوية تاريخا شعريا لصدرالاسلام , لا يتخلله نثر اءبدا. ويعرف الشعراء ما في ذلك من الوصب
ولكنه وصب محبوب لقلب شغف بثاني الكاملين واءخي الرسول الامين اءحد سيدي الثقلين سيدنا علي
بـن اءبـي طـالب اءبي الحسنين عليهم وعلى المصطفى الصلاة والسلام ... ولقد دعوت هذه القصيدة
الـمباركة باسم ملحمة اتباعا للمغاربة الذين اءطلقوا هذه الكلمة على ما وضعوه نثرا اءو نظما من
وقائعهم الحربية وقصصهم التاريخية ونوادرهم الادبية
((452)) .


وقـد بلغ عدد اءبيات العلوية المباركة 5595 بيتا انتهى الشاعر من نظمها سنة 1338ه . ومطلع
القصيدة :




  • اءزين ملحمتي الغرا واءحليها
    بحمد ربي فليحمده قاريها



  • بحمد ربي فليحمده قاريها
    بحمد ربي فليحمده قاريها



((453))
والـملاحم في هذا الخصوص كثيرة جدا
((454)) الا اءن الباحثين والمحققين اهتموا بملحمتين
كـبيرتين هما ملحمة الشاعر بولس سلامة
((455)) المعروفة بـعيد الغدير وهي منظومة في
3085 بيتا, اءولها:




  • يامليك الحياة اءنزل عليا
    عزمة منك تبعث الصخر حيا



  • عزمة منك تبعث الصخر حيا
    عزمة منك تبعث الصخر حيا



((456))

/ 15