3 ـ التجديد والابداع : - شیخ عبدالمنعم الفرطوسی، حیاته و أدبه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شیخ عبدالمنعم الفرطوسی، حیاته و أدبه - نسخه متنی

حیدر محلاتی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





((254)) وطن يباع واءمة منكوبة
فيه تراع وفيئ شعب يقسم هكذا كانت الواقعية والموضوعية تفرض ارادتها على اءدب الشاعر ونتاجه دون اءن ترهبه عواقب
نـقداته اللاذعة وآرائه الصريحة التي كانت بطبيعة الحال تضع الشاعر في مواقف خطيرة ومواقع
لا يجني منها سوى المضايقة والاضطهاد. ولكن الشاعر وبغض النظر عن كل ما يعترض طريقه من
شـوك وقـذى حـرص عـلى اءن يكون لسان حال شعبه ومتنفسه الوحيد الذي منه يستنشق الحرية
والاستقلال .


3 ـ التجديد والابداع :


ونقصد بالتجديد, التجديد في اللغة والفكرة لا في الوزن والقافية . فالشاعر كما تستوضحنا اءشعاره شـاعـر مـقـلد شديدالمحافظة على اءشكال الشعر الموروثة وقوالب النظم القديمة . وهو من هذا
الـمـنـظـار شـاعـر تقليدي اءو كما يسمونه اليوم شاعر كلاسيكي يدرج في نظمه على اءسلافه
الماضين .


اءمـا التجديد المنظور في شعر الفرطوسي فمنه التجديد في اللغة الشعرية والاسلوب البياني . فقد
وفـق الشاعروبالرجوع الى منابع اللغة العربية الصافية الى بيان شعري متميز يتصف بسلامة اللغة
ونقائها, ونصاعة العبارة ووضوحها, وبالتخلص من الاستعمالات البديعية المسرفة سوى التي تاءتي
مرسلة وعن سبيل العفوية .


وقـد حـرص الشاعر على اءن تكون لغته الشعرية قريبة المتناول , يسيرة الفهم تاءخذ طريقها الى
قلوب الناس عامة وخاصة على السواء. فكان ينتقي الالفاظ الاكثر شيوعا في اللغة ذات الصلة باللغة
الحوارية بين الناس ليتسنى للمتلقي استيعاب المضمون وفهم رسالة الشاعر.


فمثلا يفضل الشاعر استخدام كلمة الوضع بدلا من الواقع العام اءو العرف السائد وغيرها من
الـمـصـطلحات التي تشيع غالبا عند الطبقة المثقفة والمتعلمة من الناس
((255)) . فهو يؤثر كلمة
الوضع على سائر مرادفاتها العصرية لتداولها بين العامة وتقبلها من قبل الخاصة .


يقول الشيخ الفرطوسي عن موقع الشاعر الطموح من الوضع الاجتماعي المتخلف :




  • يريد لك الوضع اءن تنزوي
    واءن تغتدي هيكلا ما له
    فما لك قلب ولا مقول
    كاءنك طبل باءجوائه
    فان قيل للخب ذا ماجد
    وللظالم المعتدي عادل
    فقل هو للعدل مستودع



  • بحيث خيالك لا يطلع
    شعور يحس بما يفجع
    وما لك طرف ولا مسمع
    يدوي الى كل من يقرع
    فقل انه الماجد الاروع
    فقل هو للعدل مستودع
    فقل هو للعدل مستودع



وفي السياق ذاته تتكرر مفردة الوضع في بيتين تاليين والخطاب لا يزال موجها للشاعر الطموح :




  • فكن خاملا مثلما يرتضي
    يروم لك الوضع ما يرتئي
    وان كان يصنع ما يصنع



  • لك الوضع والزمن الافظع
    وان كان يصنع ما يصنع
    وان كان يصنع ما يصنع



((256))
ومـن معالم التجديد في شعر الشيخ الفرطوسي , التجديد في الافكار والاغراض الشعرية . وتبرز
هـذه الظاهرة في جميع الاغراض التي طرقها الشاعر. ففي المديح مثلا نجد الفرطوسي يجدد في
شـكـل الـقصيدة ومضمونها. فهو لايقلد القدامى في تقديم القصيدة بالغزل والنسيب وذكر الاطلال
وغيرها, بل يدخل الى صلب الموضوع بدون مقدمات وممهدات .


اما من ناحية المضمون فيتخذ الشاعر من المديح ذريعة لبث الافكار السامية والمضامين القيمة التي
تـعـود على المجتمع بالخير والمنفعة . فنراه مثلا عندما ينظم قصيدة في المدح كالقصيدة التي مدح
فـيـهـا الـشـيخ محمد الحسين الكاشف الغطاء عند عودته من المؤتمر الاسلامي في الباكستان عام
1951م يدخل في المدح مباشرة ومن البيت الاول :




  • للفتح آيات بوجهك تعرف
    شعت على قسمات وجهك مثلما
    هي اءحرف ذهبية خطت على
    اءبصرت قلبي ظلمة من ياءسه
    اءجللتها من اءن تمس قداسة
    فغرستها في تربة اءزكى ثرى
    في الطهر من قلب الوليد وانظف



  • هل اءن طلعتك السعيدة مصحف
    شعت بقلبي من ولائك اءحرف
    قلبي وريشتها فم متلهف
    وراءيتها فجر المنى اذ يكشف
    واسم (الحسين ) مقدس ومشرف
    في الطهر من قلب الوليد وانظف
    في الطهر من قلب الوليد وانظف



((257))
ويـسـتمر الشاعر في ذكر اءوصاف الممدوح وعد خصاله الحميدة مشيرا الى مواقفه الاصلاحية
واءعـماله الجليلة التي قام بها خدمة للاسلام والمسلمين , لينتقل في النهاية الى غرضه الاصلي وهو
الاشادة بالمطالب الحقة التي توخاهاالشاعر من مديحه وغالبا ما تكون مطالب اصلاحية وتربوية :




  • انا لنبغي للجهاد قيادة
    ونريد افئدة على اضلاعها
    واءناملا يهوي على تقبيلها
    ونريد اصلاحا لانظمة بها
    ونريد اءفكارا مثقفة بها
    وعقائدا دينية ميمونة
    انا لننشد مصلحين نفوسهم
    عن حمل ما قد حملوا لا تضعف



  • يرتاع منها المستبد ويرجف
    تطغى عزائمها وحينا تعصف
    في حين تلطمه فم متكلف
    لعب الغريم وعاث فيها المجحف
    نسمو ومن عرفانها نتثقف
    في النش ء يغرسها اءب متعطف
    عن حمل ما قد حملوا لا تضعف
    عن حمل ما قد حملوا لا تضعف



((258))
وعـلى هذا النحو تتبين معالم التجديد في سائر اءغراض الشاعر كالرثاء والغزل والوصف والشعر
الوطني والحماسي .وفي هذا الاخير نلحظ بوادر تجديدية للشاعر من خلال تناوله لشخصية البطل
الـتـي عـليها مدار القصيدة الحماسية .فالفرطوسي يعمد الى ذكر البطل من اءجل الاشادة ببطولاته
وبـث روح الـحـماس في قلوب الناس والاهتمام برسالته التي تحمل في طياتها مثلا سامية ومبادئ
قـيـمـة مـثـل الـدفـاع عـن الـوطن والذود عن سيادته واستقلاله . فالهدف مبادئ البطل لا البطل
ذاته
((259)) .


ولـلفرطوسي في هذا الشاءن منظومات كثيرة , منها ما قاله مخاطبا اءبطال سوريا ولبنان اثر سقوط
القدس القديمة بيدالجيوش العربية في حرب فلسطين عام 1948م :




  • اءبطال (سوريا) و (لبنان ) ردوا
    فاءنتم السراة في كل وغى
    كم سبحت بكم خيول وهفت
    للان في (الروم ) لكم وقائع
    فاجتهدوا وشيدوا من العلى
    تقدموا الى الوغى لترجعوا
    وكيف تثنون واءلف قائد
    مثل اءبي فراس منكم في (حلب )



  • حوض المنايا اءو يرد ما سلب
    واءنتم الغزاة في كل لجب
    على رؤوسكم بنود وعذب
    بمسمع الدهر لوقعها صخب
    لال حمدان عروشا وقبب
    اءعداءكم ناكصة على العقب
    مثل اءبي فراس منكم في (حلب )
    مثل اءبي فراس منكم في (حلب )



((260))

ولم يكتف الشاعر بالتجديد في الموضوعات والاغراض فحسب بل دعا الشعراء الى النهوض
بالشعر والتجديد في مواضيعه ومضامينه حسب مقتضيات العصر ومتطلبات الحياة :




  • هبو شباب القوافي انها عقدت
    واستنقذوه من البلوى فما بقيت
    دعوا الاقاويل والاهواء ناحية
    خذوا اللباب وخلوا القشر واجتهدوا
    وجددوها ميادينا تثور بها
    فهاهنا حلبات الشعر رن لها
    وهاهنا الادب العالي بكم رفعت
    وهاهنا نمت الفصحى وقد زهرت
    فالخزي والعار اءن يبنو لنا شرفا
    ونحن نهدم ما شادته اءجيال



  • على عواطفكم للشعر آمال
    في الكاءس الا صبابات واءوشال
    فليس ينفعنا قيل ولا قال
    اءن تقتفي منكم الاقوال اءفعال
    من العواطف اءمواج واءهوال
    صوت على مسمع التاءريخ جوال
    اءعلامه فغدت تزهو وتختال
    فيها بكور اءنيقات وآصال
    ونحن نهدم ما شادته اءجيال
    ونحن نهدم ما شادته اءجيال



((261))


4 ـ براعة التصوير:


تتجسد براعة التصوير عند الشيخ الفرطوسي من خلال قدرته الفائقة على تصوير الاشياء مفصلة سواء المرئية منهااءم غير المرئية . فهو عندما يصف الطبيعة مثلا يحلق في اءجوائها ويلتقط بعدسته
الشعرية صورا رائعة ودقيقة يستحيل التقاطها الا عن طريق ارادة الشاعر الفنية .


ولا يخفى ما للطبيعة من تاءثير خاص ووقع هام في ازدهار وتنمية القدرة التصويرية عند الشاعر.


فـالـفـرطوسي يرى اءن الشاعر هو: من عشاق الطبيعة . ويمتاز بادراكه اءسرار جمالها وعظمة
جـلالـهـا وتـجـسيم صورها الرائعة في تصاويره الشعرية كاءنها ماثلة اءمام عينيك , يصف الزهرة
فـيـنـشـقـك نفحتها ويلمسك رقتها, والغصن فيميل بقده الاهيف عليك كاءنك تهصره بيدك وتعطفه
بـاءنـامـلك . والبلبل فيجس اءوتار قلبك باءغاريده الراقصة ويطلق نفسك في اءفق من حياة الحرية .


والجدول فيفرغ في سمعك عربدة اءمواجه وخرير سواقيه . والعاصفة فيطلع عليك عملاقا جبارا
مـن مردة الجان يتطاير الشرر من مقلتيه ويجلجل الرعد في شفتيه , والسحاب فيغشاك بظلمات من
الاهـوال تشق حجبهاالبروق وتصطرع بها الصواعق والرعود. والقمر فيملا عينك باشراق هالته
وجـمال طلعته وجلال روعته . وهكذايرسم لك مختلف صور الطبيعة على اءلواحه ويعرضها عليك
واءنـت فـي زاوية مكتبك اءو مجلس سمرك ما لو قدر لك اءن تراها بعينك لما كنت تقدر على ادراك
بعض ما قراءته من التصوير في صفحات ديوانه
((262)) .


فـلـلـطـبـيـعـة دور هام في تصوير الواقع المعاش والحقائق الملموسة . وقد عرف الشاعر هذه
الـخـصـوصـية الهامة فاءحسن الاستفادة منها في تصوير الاحداث والوقائع التي عاصرها والتي لم
يعاصرها. وكثيرا ما نجد مفردات الطبيعة تشغل حيزا واسعا من شعر الشاعر وخاصة الوصفي منه
حـيـث الـرسم والتصوير قائم على قدم وساق . فنلحظ مثلا عندمايصور لنا وقائع الحرب العالمية
الـثـانـيـة يستخدم مفردات مثل التلول , و الجبال , و الهضب , و الصحراء, ومفردات مماثلة
اخرى :




  • اءسيول موارة اءم دماء
    وقلاع رصينة اءم تلول
    غمرتها مدامع اليتم شجوا
    وتعالت من حولها للايامى
    ودخان يغشى السماء فيمتد
    اءم قتام سد الفضا فتوارت
    ودوي الرعد المجلجل يتلوه
    اءم اءزيز للقاصفات الى الافق
    وجبال الصحراء زعزعها القصف
    فتهاوت على المفاوز منها
    اءم حصون سيارة من حديد
    وجموع من الدبى اءو من النمل
    على الارض اءمطرتها السماء



  • سفكتها من مثلها الابرياء
    كونتها من حولها الاشلاء
    بنجيع ذابت به الاحشاء
    شهقات حزينة وبكاء
    على صحوها الجميل غشاء
    بدجاه عن العيون ذكاء
    دوي تعيده الاصداء
    تعالى فماج منه الفضاء
    ومادت من حولها الصحراء
    قطعات ضاقت بها الحصباء
    هي والهضب في الثبات سواء
    على الارض اءمطرتها السماء
    على الارض اءمطرتها السماء



((263))




  • اءم جنود قد اءمت الارض غزوا
    تتهاوى على سعير المنايا
    لا تبالي ان افلحت في مناها
    اءخلود مصيرها اءم فناء



  • حين ضاقت بعزمها الاجواء
    كلما لاح للاماني ضياء
    اءخلود مصيرها اءم فناء
    اءخلود مصيرها اءم فناء



((264))
وتـتـبلور خصوصية هامة اءخرى في صور الشاعر وهي الحركة والحيوية . فالشاعر لا يعرض
صـوره جـامدة ثابتة تبعث الملل في نفس المتلقي , بل ينفخ فيها الحركة التي تبعث في النفس الحيوية
والـنشاط. وهي لا شك تجعل المتلقي يعيش اءجواء القصيدة ويساير اءبياتها بيتا بيتا. ومن نماذج هذه
الـحـركـة قـصـيدته التي نظمها عند سفره من بغداد الى سويسرا عام 1965م , والتي وصف فيها
الطائرة وصفا دقيقا وجميلا:




  • طارت بنا مجلجله
    تقطع اءجواء الفضا
    وتسبق الريح اذا
    تشقه كلجة
    صرح على قوائم
    سفينة جاثمة
    على الهوا مشتمله



  • مدبرة ومقبله
    مرحلة فمرحله
    ما استبقت مهروله
    تعبرها في عجله
    من ذا اءقام هيكله
    على الهوا مشتمله
    على الهوا مشتمله



ثم يتابع الشاعر في هذا الوصف تواصل الحركة بمزيد من التفصيل والدقة :




  • خفت بنا شاهقة
    كريشة طائرة
    تطوى المسافات بها
    توصل في اءطرافها
    كاءنما فواصل الا
    فكل ناء عندها
    نفاثة كطلقة
    تطير في اءجنحة
    توازن السير بها
    صانعها قد عدله



  • الى الفضا محمله
    ووزنها ما اثقله
    كاءنها متصله
    وان تكن منفصله
    بعاد فيها موصله
    دان كقيد سلسله
    نارية مستعجله
    خفيفة مطوله
    صانعها قد عدله
    صانعها قد عدله



((265))
وعـلـى هـذا الـنـحـو مـن الـوصف الدقيق والتصوير الادق يمضي الشاعر في قصائده الوصفية
والتصويرية معتمدا على حسه المرهف وذوقه السليم وقدراته الشعرية الهائلة .


5 ـ براعة الاساليب :


لـلـشـيـخ الفرطوسي نفسه الخاص واسلوبه المتميز في لغته الشعرية . اللغة التي اتسمت بوضوح الـمعاني , وشفافية المفاهيم , وتسلسل الافكار, وانسجام الالفاظ, ومتانة التركيب . وقد بات واضحا
على المهتمين بالشعر التمييز بين شعر الفرطوسي وشعر اءقرانه ولداته من الشعراء النجفيين , لما
في اسلوبه من مميزات اختص بها دون غيره من الشعراء.


ومـن هذه الخصائص تعمد الشاعر الى ايراد المفاهيم والمضامين بصورة واضحة وشفافة وبشكل
منتظم ومسلسل بحيث يسهل على المتلقي تجسيدها في مخيلته واستيعابها بسهولة ويسر. فلو اءخذنا
مثلا قصيدة مسي الجسر التي نظمها الشاعر في الانتفاضة الوطنية عام 1948م , لتجسدت اءمامنا
اءحداث تلك الواقعة بكل وضوح وشفافية :




  • سل الجسر عن بحر عبيط من الدم
    وعن جثث القتلى وكيف تراكمت
    وعن عدد الجرحى اذا كان عنده
    وعن فوهة الرشاش طبقت الفضا
    فكم طلقة نارية منه صوبت
    فمن يافع غض الصبا مترعرع
    مشى نحوه كالسهم غير محايد
    يصافح تيار الرصاص بصدره
    الى اءن غدا للقاذفات ضحية
    وكم زهرة في ميعة العمر بضة
    تهاوت على نيرانه وهي جمرة
    الى اءن قضت صبرا بحصد رصاصه
    وكم طفلة تبكي دموعا وحسرة
    واءم رؤوم القلب تنعى وحيدها
    ترق لها حتى الجمادات رحمة
    فما بالكم ياقادة الشر قسوة
    اءهبتم بشعب بائس متظلم



  • طغا فوقه لجا بوجه جهنم
    على جانبيه كالحطام المهشم
    سجل الى احصائها كالمترجم
    دويا باطلاق الرصاص المخيم
    لقلب بري ء من انامل مجرم
    يحييه من آماله خير مبسم
    وليس بهياب ولا متبرم
    ويرنو له في طرفه كالمسلم
    مبعثرة كالهيكل المتحطم
    الى اءمها العذراء بالطهر تنتمي
    مسعرة من عزمها المتضرم
    فعطل منها خير جيد ومعصم
    اءباها من اليتم الفضيع المذمم
    بقلب حزين بالكبة مضرم
    وتاءسى بقلب خاشع مترحم
    اءهبتم بشعب بائس متظلم
    اءهبتم بشعب بائس متظلم



((266))
وثـمة خصوصية اخرى تظهر بوضوح في اسلوب الشاعر, وهي حسن اختيار الوزن والموسيقى
الـشعرية في المناسبات المختلفة . فعندما يقتضي الموقف الى تعظيم الصورة وتهويلها كتصوير مسي
الـحـرب مـثلا, يعمد الشاعرالى تبني اءوزان وقوافي شديدة الوقع على السمع عظيمة الاثر في
النفس تؤدي الغرض وتعطي الموضوع حقه من التعظيم .


فـمـثـلا عندما يتناول الشاعر حربا هوجاء كالحرب العالمية الثانية يختار لها بحرا ثقيلا وكلمات
اءكثر ثقلا لتصورويلات الحرب ومسيه باءعظم ما يمكن من الشدة والقوة :




  • ثارت فطبق نقعها الافاقا
    فوهاء تلتهم الفضا نيرآنها
    اءلقى على القمرين نقع مغارها
    ومشت على كرة الوجود فاءحرقت
    قد اءرخصوا فيها النفوس فعمروا
    واستخدموها للمطامع سلما
    بلغت نفوسهم بها ما راقا



  • حرب بها قد اءسسوا الارهاقا
    عصفت فضاق بها الزمان خناقا
    حجبا فغيب منهما الاشراقا
    من كل ناحية بها احداقا
    للموت في ميدانها اءسواقا
    بلغت نفوسهم بها ما راقا
    بلغت نفوسهم بها ما راقا



((267))
وعـلـى الـعكس من هذه الصورة المرعبة والمثيرة , نجد الشاعر يحلق في سماء الكلمات الرقيقة
والاوزان الـراقـصـة الخفيفة عندما يتناول موضوعا عاطفيا رقيقا, وغرضا شعريا جميلا كالغزل
والنسيب . من ذلك قوله في قصيدة مليكة التي نظمها عام 1965م , وفيها يقول :




  • مليكة مملكة الحس
    وشعرها اءكليلها
    كاءنها العروس من
    انسانها جار ولك
    واللؤلؤ المنثور من
    زنبقة بثغرها
    وخدها سجنجل
    كاءنها اءراكة
    مثمرة مذللّه



  • ن بها معتد له
    في حين تعلي خصله
    زينتها في حجله
    ن قدها ما اءعدله
    حديثها ما اءفضله
    يرشفها من قبله
    يرسم فيه قبله
    مثمرة مذللّه
    مثمرة مذللّه



((268))
ومـن مـميزات اسلوب الشيخ الفرطوسي استخدامه المكرر والمميز للنداء. وقد اءكثر الشيخ من
هـذا الاسـلوب لما فيه من مباشرة خطابية تؤثر في نفس المتلقي وتجعله مسايرا لاحداث القصيدة ,
ومتتبعا لحيثياتها المختلفة . ومن بديع اءمثلة النداء الباعث على القوة والتاءثير قول الشاعر من قصيدة
بعنوان مصر والاستعمار حيث يقول في اءبياتهاالاولى :




  • يامصر يااءم الصقور
    ثوري على الشر المبيد
    ثوري على الغدر الفظيع
    ثوري لحقك قد تبلج
    فهو كالصبح المنير



  • ثوري على الطغيان ثوري
    وبددي شمل الشرور
    واءنت طاهرة الضمير
    فهو كالصبح المنير
    فهو كالصبح المنير



((269))
فقد اءورد الشاعر النداء مرتين في صدر البيت الاول ليسترعي انتباه المتلقي الى اءهمية الموضوع
ثـم عـززه بـست جمل انشائية اءمرية خمس منها مكررة وهي ثوري وواحدة غير مكررة وهي
بـددي . ولا شـك ان فـي هـذا الـحـشدمن الجمل الانشائية ما يجلب انتباه المستمع الى خطورة
الموضوع ومدى اءهميته .


ولم يكتف الشاعر بهذا القدر من النداء المؤكد بل راح يكثر منه في مواضع اخرى من القصيدة :




  • يامصر ياغاب الاسود الش
    يامهد ناشئة الفخار
    يامشعل التحرير من
    ياراية الاصلاح للاجي
    يانهضة الشرق المجيد
    ياصرخة الايمان اسكت
    يابنت فرعون بسوح الب
    طش والفتك المبير



  • وس ياوكر النسور
    تصان في اءزكى الحجور
    رقية الظلم النكير
    ال تنشر في العصور
    طغت بميدان الشعور
    ت المدافع بالزئير
    طش والفتك المبير
    طش والفتك المبير



((270))
والـتـكـرار ديـدن الـشاعر في معظم قصائده . ولا يخفى ما له من اءثر كبير في تاءكيد الموضوع
وتـعزيز اءهميته . وقد تفنن الشاعر في هذا الامر, فتارة يكرر استخدام الجمل الفعلية ليؤكد على
استمرارية الحدث وامتداده في الزمان , كمايتضح من الابيات التالية :




  • اءغدق الافق بالبشائر حتى
    وتجلت عروسه وهي ترمي
    وتمشت على الربى نفحات
    وتناغت بلابل راقصات
    وتعالت بين السما همسات
    واءطلت من اءفقها قسمات
    واءفاقت من سكرها عاطفات
    تتلقى البشرى بوحي خفي



  • اءغرق الكون بالشعاع البهي
    بنثار من نورها الذهبي
    عابقات بكل نشر ذكي
    فوق اءعطاف كل غصن ندي
    هي اءفراح عالم ملكي
    للعذارى تزهو بنور جلي
    تتلقى البشرى بوحي خفي
    تتلقى البشرى بوحي خفي



((271))
وتارة يتم التكرار بموالاة جمل اسمية تفصح عن الثبات والدوام والاستقرار. من ذلك الابيات التالية
من قصيدة الحب :




  • قطرة في قرارة النفس منها
    جمرة تلذع القلوب بوقد
    قوة تصرع العقول لديها
    اءيكة تثمر الحنان عليها
    خمرة تسكر النفوس اذا ما
    سنة توقظ العواطف في النف
    نغمة تنطق القلوب وتحيي
    نفحة من مواهب القدس تذكو
    في فضاء النفوس طيبا وعرفا



  • تملا النفس حين تهبط عطفا
    من لظاها لكنها ليس تطفى
    فتخور العقول وهنا وضعفا
    بجناحيه طائر الحب رفا
    خالطتها منها اللذاذة صرفا
    س التهابا وترهف الحس لطفا
    ميت الروح حين تعزف عزفا
    في فضاء النفوس طيبا وعرفا
    في فضاء النفوس طيبا وعرفا



((272))
ومـرة اخـرى يـكـون التكرار بحرف الجر احترازا من توالي الافعال , وتنبيها لفطنة المتلقي في
استيعاب الفعل الرئيسي للجملة . من ذلك قول الشاعر في قصيدة بعنوان معاهد العلم :




  • ياصاحبي اءعيرا مهجتي جلدا
    ففي جناني من وقع الردى خور



  • ففي جناني من وقع الردى خور
    ففي جناني من وقع الردى خور



الى اءن يقول :




  • خفا الى مهبط الالطاف والتهما
    واستنطقا صفحة الوادي فصفحته
    عن اءلف جيل وجيل في قرارته
    وعن مصارع اءبطال جبابرة
    وعن مفارق اءملاك غطارفة
    وعن شمائل اءمجاد بها طويت
    وعن مواهب اءفذاذ واءندية
    وعن عواطف آباء مرفرفة
    وعن مواسيم اءعياد بها احتفلت
    وعن ثنايا ثغور ضاع لؤلؤها
    وعن اءكاليل شعر حولها نثرت
    مدامع من جفون اليتم تعتصر



  • وحيا بليغا به قد فاهت العبر
    سفر به خطت الانباء والسير
    ثووا وما طاف فينا منهم خبر
    كانت بهم جمرات العزم تستعر
    كانت بهم تفخر التيجان والسرر
    من العلى صحف منشورة غرر
    للفضل كانت بهم تزهو وتزدهر
    على غصون بكف الموت تهتصر
    دنيا الاماني وماجت حولها صور
    وكان يحرسه من صونها الخفر
    مدامع من جفون اليتم تعتصر
    مدامع من جفون اليتم تعتصر



((273))
ومهما يكن من اءمر فاءن التكرار اسلوب بياني استخدمه الشاعر في كثير من قصائده . وقد تبين من
خـلال البحث الاغراض والاهداف التي اتضحت بواسطة التكرار, وهي في طبيعة الحال اءغراض
تهدف الى تاءكيد المضامين وتعزيز المحتوى والمفاهيم .


6 ـ التنسيق والتنقيح :


سـبـقـت الاشارة الى ان الشاعر كان يعنى بقصائده عناية خاصة , ينسقها كيفما يقتضيه طبعه ويملي عـلـيـه ذوقـه . وماديوانه الا لون من الوان ذلك التنسيق الجميل . وخلافا لما جرت عليه العادة من
تـصـنـيـف القصائد حسب اءبجدية القوافي فان الشاعر فضل اءن ينظم قصائده حسب الموضوعات
والاغـراض . فـوضع على سبيل المثال قصائده الولائية في الرسول (ص ) وآل بيته (ع ), في باب
سـمـاه من وحي العقيدة , ثم عرج على قصائده الوطنية والسياسية والاجتماعية فضمها الى حقل
دعاه صور من المجتمع , وهكذا دواليك .


ومـن مـوارد الـتنسسيق والدقة التي امتاز بها الشاعر في انشاد ديوانه , التعليقات القيمة التي علقها
عـلـى مـعظم قصائده والتي ذكر فيها الغرض من انشاد القصيدة , والمناسبة التي القيت فيها, وتاريخ
الالـقاء بالسنة الهجرية والميلادية .ولهذا الامر قيمة فنية لا تخفى من حيث دراسة قصائد الشاعر
مـن الـنـاحـيـة الـتـاريخية , والادوار والمراحل التي مر بهاالشاعر وتاءثر باءجوائها وظروفها
المختلفة .


وبـالاضافة الى التعليقات المذكورة فقد شرح الشاعر قسما من الالفاظ اللغوية الواردة في الديوان
موضحا بعض الاعلام والاشخاص ليسهل على المطالع استيعاب المعاني بلا تعب وتفكير.


ومن جميل صنعه في الديوان اءنه قدم لبعض قصائده بعبارات نثرية جميلة تبين جدارته وطول باعه
في حقل النثرالفني اضافة الى شاعريته الفذة . من ذلك مقدمته النثرية الجميلة لقصيدة الباب الذهبي
الـتـي اءلقاها في المهرجان الذي احتفلت به مدينة النجف عند افتتاح الباب الذهبي الذي اهدي لمرقد
الامام اءمير المؤمنين علي (ع ).


يقول في المقدمة : عدل صارم لا تضام في ظله نملة في حبة من رزقها, ولا تطمع رحم بسوى حقها.


حـيـاة مـخـصـبة من المعارف مجدبة من المغريات . بيت بسيط ما فيه غير سرير وحصير ورحى
واءقـداح مـن الـطـين ومدرعة بالية .يشيد الحق على اءساسه صروحا من الذهب , وشموعا تنافس
الشهب . هذا علي وتلك حياته وهذه عقباه وهي المثل الاعلى للانسانية
((274)) .


ويـلحظ المتتبع لشعر الشيخ الفرطوسي من خلال ديوانه بعض القصائد المتجانسة من حيث الشكل
والمضمون ,والمختلفة من حيث العنوان . وهذه القصائد في الحقيقة هي جزء من قصيدة واحدة سبق
اءن نـشـرهـا الـشاعر في الصحف والمجلات ثم آثر تقطيعها على شكل قصائد متعددة لتنتظم في
ديـوانه . فقصيدة مولد الانوار و وطن يباع و قادة التعليم هي جزء من قصيدة واحدة , وكذلك
قصيدة آثار مجدك , و بنت الفرات , و راية الاسلام
((275)) .


ومـن الـمـلاحظ اءيضا اءن الفرطوسي كان شديد العناية بشعره يداءب في تهذيبه وتنقيحه قبل اءن
ينشره في ديوانه . فمثلاقصيدة يانجل مصر التي نظمها ترحيبا بالدكتور زكي مبارك والتي يقول
في مطلعها:




  • قومي اهتفي بحليف المزبر الخصب
    بمل ء فيك معي ياحلبة الادب



  • بمل ء فيك معي ياحلبة الادب
    بمل ء فيك معي ياحلبة الادب



((276))
كانت في الاصل بعنوان تحية الغري لزائره العزيز وبالمطلع التالي :




  • قومي اهتفي باسم محيي العلم والادب
    بمل ء فيك معي يااءمة العرب



  • بمل ء فيك معي يااءمة العرب
    بمل ء فيك معي يااءمة العرب



((277))
وعلى اءي حال فان الشاعر اهتم بنتاجه الادبي اهتماما كبيرا, وحرص على اءن يكون ديوانه اءثرا
اءدبيا قيما ضمن الاثار الادبية الراقية .


7 ـ اءصالة الوزن والقافية :


على الرغم من تصاعد الدعوات التجديدية في اءوائل هذا القرن والتي رمت الى الخروج على نظام الـقصيدة العربية ,والتخلص من التزامات الوزن والقافية , فقد ظل شعراء النجف ـ ومن بينهم الشيخ
الـفـرطوسي ـ محافظين على بحورالشعر المعروفة ينظمون فيها قصائدهم غير آبهين بالانماط
الادبية المستحدثة مثل الشعر الحر والشعرالمنثور.


ولعل هذا يعود الى الثقافة العربية الاصيلة التي نهل شعراء النجف من معينها, ونموا قرائحهم برائع
نـتاجها وجليل آثارها حتى بات فرضا على الشاعر النجفي اءن يفي لهذه اللغة حقها ويحفظ لها صنعها
الجميل .


ولا شـك اءن اسـتخدام الاوزان العربية الموروثة تحكم نسيج القصيدة احكاما فنيا, وتنسق جرس
الالفاظ من حيث الموسيقى الخارجية والداخلية , وتمد القصيدة بالقوة والحركة , وهذا ما اءكد الشيخ
الفرطوسي على توفره في قصيده وشعره .


ومـن الـمـلاحظ اءن الشاعر كان يكثر من استخدام البحور الاكثر شيوعا واستحكاما في العربية
كــالـطـويـل و الـكـامل والبسيط و الوافر و الخفيف , بينما ترك البحور المضطربة
كالمتدارك وهو بالشكل الذي ذكره العروضيون , وزن مضطرب , لا يمكن اءن تنظمه قاعدة , ويغلب
عـلـى ظـن بـعـضـهـم اءن الـخليل لم يجهله , وانما اءهمله , فاذا صح ذلك فهولموضع الاضطراب
فيه
((278)) .


وهـذا لا يـعـنـي اءن الـشاعر صب اهتمامه على الاوزان والبحور القديمة دون اءن يفسح المجال
لقريحته في اءن تبدع وتجدد. فالفرطوسي لم ينظم الشعر لوجه الشعر ولم يتخذه صنعة ومهنة , بل
صيره وسيلة تعبيرية تفصح عن خواطره وعواطفه :




  • وما الشعر الا منبع من عواطف
    واءجمله ما جاء عفوا سلاسلا
    واءعذبه سلس الاساليب خلاب



  • تقدسه منا عقول واءلباب
    واءعذبه سلس الاساليب خلاب
    واءعذبه سلس الاساليب خلاب



((279))

وقوله اءيضا:




  • هبوا شباب المعالي انها عقدت
    وجددوا نهضة الاداب في بلد
    ورددوا الشعر اءنغاما ملحنة
    ان القريض من الاحشاء مقتطع
    فلا تقولوا مقاطيع واءوزان



  • على مساعيكم الامال اءوطان
    مقدس هو للاداب عنوان
    فانما الشعر اءنغام واءلحان
    فلا تقولوا مقاطيع واءوزان
    فلا تقولوا مقاطيع واءوزان



((280))
وعلى هذا النحو اءيضا انصب اهتمام الشاعر في مجال القوافي وخاصة القوافي المتداولة والشائعة
لـدى السلف من الشعراء. ومن المعروف اءن القدماء قسموا القوافي اءقساما ثلاثة فالتي استحسنوها
ليسرها وسهولتها واجادة الشعراءفيها سموها القوافي الذلل كالباء, والتاء, والدال , والراء, والعين ,
والـميم , والنون , والياء حين تلحق بها اءلف الاطلاق . وعلى العكس منها ما سموه بالقوافي الحوش
وهـي الخاء, والذال , والثاء, والشين , والظاء, والغين , وبين هذين الحدين من السهولة واليسر, هناك
الـقـوافـي : الـنفر والقصائد الجياد التي بنيت عليها قواف قليلة , كقوافي السين , والصاد, والضاد,
والطاء والواو
((281)) .


وقـد انفرد الشيخ الفرطوسي عن شعراء النجف الاخرين في تعامله مع القافية , ذلك اءن اءكثر من
نـصف قصائد ديوانه ,وبالتحديد 17 و56% من القصائد يدور في فلك قواف اءربع : قافية الراء وقد
استاءثرت بنسبة 5 و22% من مجموع القصائد, وقافية الميم ونسبتها 36 و13% ثم النون ونسبتها
76 و11% وقـافية العين ونسبتها 55 و8% ونظم على اثنتي عشرة قافية 83 و43% من قصائده
اءكثرها على قافيتي اللام و الباء وهجر باقي القوافي ومنها الحوش جميعا
((282)) .


وقـد يـرجـع هذا الامر الى الحس الملحمي الذي اتصف به الشاعر من خلال اختياره القوافي التي
تـصـلح لنظم الوقائع والاحداث التاريخية . وهذا مسلك سار عليه الفرطوسي دون غيره من شعراء
النجف . وقد تبين لديه هذا المنحى حين نظم موسوعته الشعرية الكبرى ـ ملحمة اءهل البيت (ع ) ـ
والتي تجاوزت الاربعين اءلف بيت .


ومهما يكن من اءمر فان الشاعر باستخدامه الاوزان الشائعة والقوافي المستحسنة حرص على اءن
يكون شعره في درجة رفيعة من القوة والمتانة بعيدا عن الضعف والهلهلة . ومع ذلك فقد يجد الشاعر
نفسه في بعض الاحيان مضطراللوقوع في محذورات ومحظورات .


ومن هذه المحذورات تعدية الفعل بنفسه اءو بالحرف . ففي بعض المواضع يضطر الشاعر الى تعدية
الـفعل بالحرف ليستقيم الوزن , كما في البيت التالي حيث عدى الفعل يعرو بالباء وهو يتعدى بنفسه
الى مفعوله :




  • صلب العقيدة لا يعرو به نزق
    ولا يخف به الاسفاف من بطر



  • ولا يخف به الاسفاف من بطر
    ولا يخف به الاسفاف من بطر



((283))
ومن المحذورات الاخرى التي وقع فيها الشاعر والتي تعد من عيوب القافية , السناد. والسناد هو
اختلاف ما يجب مراعاته قبل الروي من الحروف والحركات
((284)) . ومن اءمثلة السناد الواردة
في شعر الفرطوسي قوله في فيضان دجلة والفرات :




  • فاءصبحت تعج في ضجيجها
    وكم بها من طفلة مذعورة
    تبكي وطفل مستريب ينتحب



  • وتستغيث بالصراخ واللجب
    تبكي وطفل مستريب ينتحب
    تبكي وطفل مستريب ينتحب



الى اءن يقول :




  • واءرتـسـم الـشـقاء في طابعها
    وغيرت منها السمات بالرعب



  • وغيرت منها السمات بالرعب
    وغيرت منها السمات بالرعب



((285)) فالروي حرف الباء
الـسـاكـنـة , الا ان حـركـة مـا قـبـل الروي تختلف في الابيات الثلاثة . ففي البيت الاول حركة
الـفـتـحة ,وفي البيت الثاني حركة الكسرة , وفي البيت الثالث حركة الضمة . ويسمى هذا النوع من
السناد الذي يحصل في الروي المقيد, سناد التوجيه
((286)) .


ومثل هذه الموارد قليلة في شعر الفرطوسي . فالصفة الغالبة على شعره قوة البناء ومتانة الاسلوب ,
بالاضافة الى جودة البيان ونصاعة التعبير.


8 ـ استخدام المحسنات البديعية :


لـم يـمـعـن الـشـيخ الفرطوسي في السعي وراء المحسنات البديعية واستخدام قوالبها المصطنعة والمقيدة . بل كانت تاءتي في سياق تعبيره عن اءحاسيسه الحقيقية ومشاعره الصادقة مترسلة من غير
تـعـسـف وتكلف . وقد حرص الشيخ على اءن يتبع اءلفاظه الى معانيه , واءن ينظر الى المضمون قبل
صياغة الشكل .


ومـع ذلـك فـان فـي الـديـوان مـحسنات جميلة وردت بصورة عفوية ومن خلال انسياب الكلمات
المتناسقة في الشكل والحروف , والمتناسبة من جهة اللحن والايقاع . ومن هذه المحسنات :
اء ـ الجناس : وهو تشابه لفظين في النطق , واختلافهما في المعنى
((287)) . كالجناس بين كلمة
مطلع بمعنى الابتداء,و مطلع بمعنى طلوع الشمس في هذا البيت :
نشيدي واءنت له مطلع
من الشمس يعنو له مطلع
((288))
والجناس بين كلمة نضير بمعنى الحسن الناعم . و نظير بمعنى المثيل في البيت التالي :




  • حياة كل ما فيها نضير
    ولكن لا تضاهى في نظير



  • ولكن لا تضاهى في نظير
    ولكن لا تضاهى في نظير



((289))
والجناس بين كلمة وردي بمعنى شربي , و وردي بمعنى دعائي في قوله :




  • فياوطني العزيز واءنت وردي
    لدى ضمئي ووردي في دعائي



  • لدى ضمئي ووردي في دعائي
    لدى ضمئي ووردي في دعائي



((290))
ب ـ الطباق : وهو الجمع بين لفظين مقابلين في المعنى
((291)) . كالطباق بين كلمتي رجائي و
ياءسي في قوله :




  • ياسماء الخيال اءنت سمائي
    اءنت دنيا ياءسي ودنيا رجائي



  • اءنت دنيا ياءسي ودنيا رجائي
    اءنت دنيا ياءسي ودنيا رجائي



((292))
والطباق بين فعلي تجود و يضن في هذا البيت :




  • وتجود من كرم بما اءوتيته
    ويضن غيرك اءن تعيش قنوعا



  • ويضن غيرك اءن تعيش قنوعا
    ويضن غيرك اءن تعيش قنوعا



((293))
والطباق بين قريبا و بعيدا في البيت التالي :




  • ولا تنسوا اءحبائي قريبا
    بعيدا عن حنو الاقرباء



  • بعيدا عن حنو الاقرباء
    بعيدا عن حنو الاقرباء



((294))
ج ـ الـتـوريـة : وهي اءن يذكر المتكلم لفظا مفردا له معنيان , اءحدهما قريب غير مقصود ودلالة
الـلـفـظ عليه ظاهرة ,والاخر بعيد مقصود ودلالة اللفظ عليه خفية
((295)) . كالتورية في هذا
البيت :




  • اذا ما علا بالسيف قرم راءيته
    هو الشفع مقسوما وضربته وتر



  • هو الشفع مقسوما وضربته وتر
    هو الشفع مقسوما وضربته وتر



((296))
فـالـظـاهـر مـن الـشـفـع والـوتـر هـو الـمـعنى القرآني الذي جاء في الاية الشريفة والشفع
والـوتـر
((297)) , الا ان الـشاعر اءرادمعناه اللغوي وهو الشفع بمعنى الزوج , والوتر بمعنى
الفرد.


د ـ رد الـعـجـز على الصدر: وهو اءن يجعل اءحد اللفظين المكررين والمتجانسين في المصراع
الاول , والاخر في المصراع الثاني
((298)) . كما جاء في البيت التالي :




  • ويصرعها العقل من بطشه
    كما هو من بطشها يصرع



  • كما هو من بطشها يصرع
    كما هو من بطشها يصرع



((299))
ه ـ التضمين : وهو اءن يضمن الشاعر كلامه شيئا من مشهور شعر الغير
((300)) . كقوله :




  • سـلـي الـحـوادث عن تاءريخ نهضتنا
    واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا



  • واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا
    واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا



((301)) وفيه
تضمين لشعر صفي الدين الحلي
((302)) من بيت يقول فيه :




  • سـلـي الـرمـاح الـعـوالي عن معالينا
    واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا



  • واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا
    واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا



((303)) وكذلك
التضمين في هذا البيت :




  • لا خيل عندي اهديها فاعقرها
    على ثراك سوى شعري وتاءبيني



  • على ثراك سوى شعري وتاءبيني
    على ثراك سوى شعري وتاءبيني



((304)) وفيه اشارة الى
بيت مشهور من قول اءبي الطيب المتنبي
((305)) :




  • لا خـيل عندك تهديها ولا مال
    فليسعد النطق ان لم تسعد الحال



  • فليسعد النطق ان لم تسعد الحال
    فليسعد النطق ان لم تسعد الحال



((306)) ويمكن اعتبار البيت
التالي نوعا من التضمين :




  • فالسيل قد بلغ الزبى تياره
    متدافعا وتجاوز الطغيان



  • متدافعا وتجاوز الطغيان
    متدافعا وتجاوز الطغيان



((307))
فـقـد اءشـار الـشـاعـر الـى الـمـثـل الـمشهور بلغ السيل الزبى , وهو مثل يضرب لما جاوز
الحد
((308)) .


هذه اضمامة لبعض المحسنات البديعية الواردة في شعر الفرطوسي . وهي قليلة لا يهتم الشاعر بها
بقدر ما يهتم بسلامة المعاني , ونصاعة الافكار, وشفافية المضامين , ووضوح المفاهيم .


رابعا: الادوار
مر الشيخ الفرطوسي من خلال تجربته الشعرية الطويلة باءدوار ومراحل مختلفة تفاوتت من حيث
الـعـطاء الادبي بتفاوت الظروف التي عاشها الشاعر في ظل اءنظمة الحكم في العراق . ولا شك اءن
الشاعر وباعتباره لسان جيله المعبر عن آماله وآلامه واءفراحه واءتراحه اءول من يواجه الضغوط
والاضطهاد من قبل الانظمة الاستبدادية التي داءبت في فرض منطق العنف , وخنق الحريات الفردية
والاجتماعية .


وعـلـى ضـوء هـذا الواقع المر, ومن خلال المتابعة التاريخية لنتاج الشاعر يمكن حصر الادوار
الزمنية لشعر الفرطوسي في المراحل التالية :
1 ـ مرحلة السمو والازدهار (1935 ـ 1958م )
تـشـكـل هـذه الـمـرحـلـة من حياة الشاعر اءعظم فترات الاخصاب الشعري التي شهدها الشيخ
الـفـرطوسي طوال عمله الادبي . فقد شملت اءكثر من ثلثي قصائد ديوانه , وبالتحديد 4و67% من
مـجـمـوع اءشـعـار الـديوان . وهذه الفترة التي تمتد في العهد الملكي وتنتهي بثورة 14 تموز عام
1958م تـعـد ـ وعـلـى الـرغم من ممارسات المحتل التعسفية ـ من اءفضل فترات النشاط الادبي
للشاعر لظروفها الباعثة على النظم والابداع .


وفي ظل تلك الظروف المساعدة والاجواء الباعثة على النشاط والتفاعل استطاع الشاعر اءن ينظم
مـعـظـم قصائده السياسية والاجتماعية , واءن يطرق مختلف الاغراض الشعرية كالوصف والغزل
والمديح والرثاء وغيرها.


2 ـ مرحلة الفتور الاولى (1958 ـ 1963م )
بـعـد اءن اءطـيح بالحكم الملكي في العراق بالثورة التي قادها عبدالكريم قاسم عام 1958م , تطلع
الـشـعب الى هذه الثورة والامل يراودهم في استقلال بلادهم من هيمنة المحتل الانجليزي وانتهاء
عهد مظلم تشبع بالظلم والاضطهاد.وقد راود هذا الامل قلب الشاعر الذي استقبل الثورة بكل حفاوة
وترحيب :




  • بغداد يادار السلام تحية
    صوغي اءهازيج الكرامة نغمة
    وتطلعي للافق ان نجومه
    لشعور هذا الشعب كيف تدافعت
    لطلائع الامال وهي كتائب
    طولي على هام المجرة رفعة
    وبطولة في جيشك الجرار



  • للفاتحين تحف بالاكبار
    كالنار تلهب من فم القيثار
    رجمت شياطين العمى بشرار
    اءفراحه كتدافع التيار
    زحفت مع الثوار في مضمار
    وبطولة في جيشك الجرار
    وبطولة في جيشك الجرار



((309))
وبالرغم من التفاؤل الذي تطلع اليه الشعب في اصلاح الوضع وتحسين المعيشة من خلال الثورة , الا
ان الـوضـع اءخـذيتاءزم شيئا فشيئا, واءخذت الفوضى تعم البلاد, واءخذت الحركات الهدامة ذات
الـمـبادئ المنحرفة تدس اءفكارهاالمسمومة في الاوساط الثقافية والفكرية , مما دعا الشاعر الى
مـطالبة السلطة بايفاء وعودها من تضمين الحريات ,واحترام القانون , واستتباب الامن والاستقرار
في البلاد:




  • ياباعث الوعي حيا حين اءرهقه
    نريد حرية للشعب حيث بها
    محدودة بنظام لا يصيرها
    نريد للحكم اءفذاذا عباقرة
    يطبقون بهذا الشعب اءنظمة
    فالحكم ميزان عدل لا تميل به
    والحكم كالراءس ان الراءس ليس به
    عين تنام وعين ملؤها اءرق



  • ظلم فلم يبق من اءنفاسه رمق
    من كل رقية سوداء ينعتق
    فوضى بها حرمة القانون تخترق
    من تربة الخير والاصلاح قد خلقوا
    للحكم حيث نظام العدل ينطبق
    عين على اختها يطغى بها النزق
    عين تنام وعين ملؤها اءرق
    عين تنام وعين ملؤها اءرق



((310))


/ 15