اتجاهات الفرطوسي الشعرية - شیخ عبدالمنعم الفرطوسی، حیاته و أدبه نسخه متنی

ومـا لـبـثت اءن تبدلت الامال الى آلام , وراحت الحريات التي طالما حلم بها الشعب وتطلع اليها بعين الامـل تـاءخـذمـسـيـرها الى الكبت والخنق . وعادت ثانية ممارسات الظلم والتعسف تنال المثقفين
والمفكرين وتزري بالادباءوالشعراء.

وفـي مثل هذه الظروف , واثر الاضطهادات والضغوط التي مارسها النظام آنذاك اءخذ نتاج الشاعر
يـتضاءل ليصل الى اءدنى مستوى من عمله الادبي حيث بلغ 7 و4% من مجموع القصائد التي اءنشدها
في هذه الفترة .

3 ـ مرحلة النهوض (1963 ـ 1968م )
بـعد اءن اءخفقت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958م في تحقيق الامن والاستقرار في العراق ,
قام عدد من الضباطبقيادة عبدالسلام عارف بانقلاب عسكري في الثامن من شباط عام 1963م اءطاح
بحكومة عبدالكريم قاسم التي دامت خمس سنوات .

وفـي هـذه الـفـتـرة اءي من عام 1963م وحتى عام 1968م نلحظ بعض مظاهر النهضة في نتاج
الـشـاعـر حـيث وصل نظمه في هذه الفترة قرابة الثلث من قصائد الديوان وتحديدا 9 و 27% من
مجموع القصائد.

ومـنشاء هذه النهضة لم يكن الوضع السياسي الجديد. فالاضطهادات لم تزل قائمة , ولم يزل الاديب
مغلول اليدين ,فاقد الحرية تمارس بحقه اءنواع الضغوط والعنف من قبل السلطة :

((311))
ولـكن النهضة الشعرية التي طراءت على نتاج الشاعر تعود الى خروج الشاعر من العراق وذهابه
الـى سويسرا ولبنان من اءجل العلاج . وفي هذه الفترة القليلة التي ابتعد الشاعر عن جو العراق
الخانق وذاق طعم الحرية في بلادالغربة نظم الفرطوسي قصائد كثيرة من بينها جل اءشعار الغزل
التي حواها ديوانه .

ومـن هـنا تعتبر رحلة الشيخ الى سويسرا و لبنان منعطفا هاما في مسيرة الشاعر حيث تعاطى
فـيـهـا نـظم الغزل والنسيب الذي لم يطرقه من ذي قبل بسبب القيود التي فرضت عليه من محيطه
المقيد وبيئته المحافظة .

4 ـ مرحلة الفتور الثانية (1968 ـ 1983م )
شـهدت هذه الفترة فتورا ملحوظا في نتاج الشاعر وخاصة في الشعر السياسي والاجتماعي . ومن
المؤكد ان الظروف القاسية التي مر بها الشاعر آنذاك والضغوط التي كانت تمارس بحقه بين الحين
والاخر هي التي دعت الشاعر الى اقلاعه عن نظم الشعر السياسي والاجتماعي .

وفـي هـذه الـفترة بالذات وتحديدا في منتصف السبعينات خطرت ببال الشاعر فكرة نظم الملحمة
فـكـانـت عـامـلا آخرفي اقلاعه عن نظم الشعر في المناسبات وتكريس جل اهتمامه في تاءليف
مـوسـوعـتـه المذكورة . وقد استمر الشاعرفي عمله هذا بعد مغادرته العراق عام 1980م وحتى
وفاته بالامارات العربية المتحدة عام 1983م .

اتجاهات الفرطوسي الشعرية

1 ـ الشعر السياسي :

اتجه الشيخ الفرطوسي الى الشعر السياسي اتجاها واضحا اثر المستجدات من الاحداث التي عاشها ولامـس واقعهاالمرير واءحس باءثرها الاليم على شعبه واءبناء وطنه . ويعود اهتمام الشيخ بالشعر
الـسـيـاسـي الى بواعث كثيرة , منهاتواجده الفاعل والمستمر في ميادين العمل السياسي والوطني ,
بالاضافة الى النزعة الوجدانية والحب الفطري الذي تشبع به قلب الشاعر تجاه وطنه وتجاه حرية
شعبه واستقلاله وازدهاره .

ولـم يـقتصر اهتمام الشاعر على الاحداث السياسية في العراق فقط, بل اهتم اءيضا بسائر الوقائع
الـسـيـاسـيـة التي كانت تحدث في البلدان العربية الاخرى , مما يدل على توجه الشاعر الى الشعر
القومي واهتمامه بشؤون وشجون اءمته في شتى الاقطار والبلاد العربية :

((312))
ويمكن تحديد الموضوعات السياسية التي تناولها الشاعر في ديوانه بالموارد التالية :
اء ـ القضية الفلسطينية

((313)) اهـتم الشيخ الفرطوسي بقضية فلسطين وشعبها المضطهد باعتبارها اءهم قضية شغلت
العالم العربي والاسلامي , وهيمنت على باقي القضايا والاحداث .

وقـد نـظم الشاعر في هذا الشاءن قصائد كثيرة اتجه في بعضها اتجاها عربيا محضا, وفي البعض
الاخـر اتـجه اتجاهااسلاميا محضا, بينما نجد الروح العربية والاسلامية منصهرة معا في قصائده
الاخرى التي ظهر فيها الشاعر واضح المعالم باتجاهه العربي الاسلامي الموحد
((314)) .

ونـلـحـظ الاتجاه العربي للشاعر في قصيدته فلسطين التي نظمها عام 1938م , والتي يقول في
اءبياتها الاولى :

ومن ثم يتوجه الى العرب ليثير نخوتهم , ويستنهض عزائمهم من اءجل تخليص فلسطين من وطاءة
المستعمر المحتل الذي اءذاق الشعب الفلسطيني شتى اءلوان الذل والهوان :

((315))
ومـن قـصـائد الـشـاعـر التي انصهرت فيها الروح العربية والاسلامية قصيدته تحية الجيوش
العربية التي نظمها اثرسقوط القدس القديمة بيد الجيوش العربية في حرب عام 1948م :

ويواصل الشاعر تاءكيده على الوحدة من خلال الاعتماد على النفس ونبذ المواعيد السياسية الكاذبة
والقرارات الدولية الجائرة التي تسلب الشعب حقه وتنتهك سيادته وكرامته :

ومـن ثـم يـعـرج الشاعر في قصيدته على المحتل الغاصب ليكيل له الويل والثبور وليتوعده بسوء
المنقلب والمصير:

ويـجدد الشاعر اءمله بتحقيق النصر, وتخليص فلسطين من اءغلال الاحتلال والهيمنة الصهيونية
بالصبر, والمثابرة على مقاتلة المحتل واجباره على التراجع من الاراضي الفلسطينية :

((316))

((317))

((318))

((319))
ـــــ ويختم الشاعر قصيدته بتحية المقاتلين والمجاهدين من اءبناء مصر والاردن وسوريا ولبنان
والـعراق ممن شاركوافي الحرب التحررية , ويشيد بمواقفهم البطولية التي حققت جزءا من اءماني
وآمال الشعب الفلسطيني المسلم .

ب ـ الثورة الجزائرية

((320)) حـين قامت الثورة الجزائرية , وارتفعت اءعلامها, كان الشعراء في كافة البلاد العربية
يقفون الى جانبهابقصائدهم المؤيدة واءشعارهم الحماسية . وفي العراق كان الشعر النجفي في طليعة
الشعر العراقي المؤيد للثورة الجزائرية وشعبها الصامد. ولم يشاء الفرطوسي اءن يتخلف عن ركب
الـشـعـراء الـثـائريـن بـل واكـب الـثـورة وبكل حماس منذ انطلاقتها الاولى . فقد اءنشد قصيدة
الجزائر
((321)) عام 1956م وقبل اءن يتحقق استقلالها:

((322))

((323))

((324))

ويـحـمـل الـشاعر على المستعمر الفرنسي ليذكره بمجازره التي ارتكبها بحق الانسانية , وبحق
التاءريخ وبحق الخلق والفضيلة :

وهـنـا يـتـسـاءل الـشاعر عن الجريمة التي ارتكبها الشعب الجزائري لينال بسببها كل هذا الظلم

وبـعـد اءن عـرض الـشـاعـر تاءريخ الجزائر المشرق وايمان شعبه الصلب راح يشيد ببطولات
الـجـزائريـيـن ومقاومتهم الفذة ويبشرهم بالنصر والغلبة , وبدعم البلدان العربية التي هبت لنجدة
الجزائر وشعبها الصامد الابي :

((325))
ج ـ تاءميم قناة السويس والغزو الثلاثي على مصر

((326)) عـنـدمـا تـم تاءميم قناة السويس عام 1956م نظم الشيخ الفرطوسي في هذه المناسبة
قـصـيدة قنال مصر وفيهارحب بالعزيمة المصرية وموقفها الشامخ الذي لم يهتز لتهديد الطامعين
ووعيد الغزاة المعتدين :

ويـتابع الشاعر التاءكيد على قوة مصر وثبات قدمها في الملمات والحوادث الجسيمة , داعيا الشعب
المصري الى الصبر وتحمل الضغوط والازمات من اءجل الحرية والاستقلال :

((327))
ـــــ ولم يرق للغزاة المستعمرين اءداء مصر بتاءميم قناة السويس فاءججوا عليها حربا شعواء في
عام التاءميم ذاته قاده الثلاثي المستعمر بريطانيا وفرنسا واسرائيل . وقد اءثار هذا العدوان الغاشم
غـضـب الـجماهير في جميع البلاد العربية ,ومنها العراق الذي هب جماهيره الى الشوارع معلنين
سخطهم واستياءهم من سياسة المستعمرين الارهابية .

وكـان لشعراء العراق عامة , والنجف خاصة , حماس منقطع النظير في التحامهم مع الشعب المصري
وتاءييدهم لمواقفه البطولية . ولم يكن الفرطوسي ـ كما عهدناه ـ بعيدا عن هذا الحدث الخطير, بل
كـان فـي مـقدمة الشعراء المتحمسين لنضال الشعب المصري وجهاده ضد المحتل الغاصب . فقد نظم
قـصـيـدة مصر والاستعمار حيث صور فيها جهادالشعب المصري ونضاله من اءجل الاستقلال و
الذود عن سيادة بلده وكرامته :

وقد داءب الشاعر في قصيدته هذه ـ كشاءنه في قصائده الوطنية والحماسية ـ في تصوير اءحداث
الـعـدوان ووقـائع الـحـرب تصويرا حيا ودقيقا ليسجل فيه بعناية فائقة تفاصيل الحدث وحيثيات
الواقعة . فمثلا عندما يتناول الانزال الجوي الذي قام به العدو في بور سعيد تمهيدا للسيطرة على
الـقـناة , يرسم صورة دقيقة للاحداث الدامية التي جرت في تلك المعركة . يقول الفرطوسي مخاطبا
بور سعيد:

((328))

ويـواصـل الشاعر في تخليد هذا الحدث بالاشادة بموقف قائد مصر جمال عبدالناصر الذي وقف
موقفا بطولياتحدى فيه غزو المستعمرين بكل ما يملكون من عدة وعدد, وقاوم الضغوط التي كانت
تتوجه اليه من كل حدب وصوب .

ومـن ثـم يـتـوجـه الـشاعر بالخطاب الى الفرنسيين الغزاة الذين داءبوا في نهب خيرات الشعوب
واستغلال ثرواته من خلال الحروب والاحتلال :

((329))

ويـعرج الشاعر بعد ذلك على اسرائيل بذرة الشؤم التي غرسها المستعمر في قلب العالم الاسلامي
لتعيث فساداودمارا في تلك الارض الطاهرة المقدسة :

ومن ثم ينتقل الشاعر الى بريطانيا الشريك الثالث في العدوان ليذكرها بماضيها الاسود الملي بالحقد
والضغينة تجاه الشعوب المستضعفة والفقيرة :

((330))
ويختم الشاعر قصيدته بذكر النصر الذي وعده اللّه لعباده الصالحين , يوم لا يعلو على لسان الحق
لسان , والغلبة يومئذ للمسلمين , والذل والخسران لدعاة الكفر والمعتدين .

د ـ ثورة النفط في ايران :
في عام 1952م نهض الشعب الايراني المسلم بحكومة الدكتور مصدق وبقيادة الزعيم الديني السيد
اءبي القاسم الكاشاني في وجه المستغلين الاجانب ليعلن تاءميم نفطه وسيادته على خيراته وثرواته .

وقـد واكـب هـذا الـحدث ردود فعل مؤيدة في العالم الاسلامي ومساندة لمساعي الشعب الايراني
التحررية .

وفـي الـعراق ارتفعت اءصوات الشعراء تاءييدا للثورة الايرانية وقيادتها الحكيمة التي تحدت قوى
الاسـتـعـمـار الـغـاشمة من اءجل احقاق حقها, والدفاع عن منافعها ومصالحها القومية . وكان الشيخ
الفرطوسي واحدا من اولئك الشعراءالذين دفعهم الحس الاسلامي الى مناصرة اخوانهم في الدين من
اءبـنـاء ايـران الـمـسلمة . فنظم في تلك الفترة قصيدة ايران والجلاء
((331)) التي اءشاد فيها
بمواقف الشعب الايراني البطولية تجاه انتهاكات المستعمر المستبد:

الى اءن يقول :

وفي القصيدة تبجيل وتقدير لنواب المجلس الايراني الذين منحوا الحكومة الصلاحيات المطلقة في
تـاءمـيـم شـركات النفط الاجنبية , وكذلك تحية لرئيس الوزراء الدكتور مصدق لزعامته الحركة
الوطنية , واءيضا تحية للشهداء الذين بذلوا اءنفسهم من اءجل انتصار الثورة وتحقق اءهدافها السامية :

((332))
ه ـ مساندة الحركات الوطنية

((333)) عايش الشيخ الفرطوسي كثيرا من الحركات الشعبية والثورات الوطنية التي قامت في
الـعـهـد الملكي ضدالاحتلال البريطاني . وقد شارك فيها مشاركة فعالة كسائر شعراء النجف ممن
اءسـهـموا في اضرام لهيبها وتاءجيج نارهاباءشعارهم الحماسية المجلجلة التي كانت كالصاعقة على
قلوب الغزاة المحتلين .

ومـن الـحـركـات الـوطنية التي شارك فيها الشعراء ومنهم الشيخ الفرطوسي حركة رشيد عالي
الـكـيلاني عام 1941م الذي اءخذ زمام الحكم من يد البريطانيين واءقام حكومة وطنية لم تدم سوى
اءشهر قليلة .

وقد نظم الشيخ الفرطوسي في اءحداث هذه الحركة قصيدة نهضة العراق التي قال فيها:

الى اءن يقول :

((334))
وعـلـى الـرغـم من اخفاق ثورة الكيلاني وعودة الملكية ثانية الى العراق , فقد اءخذت الانتفاضات
الـشـعـبية طريقها الى التفاعل والتصاعد, واءخذ الشعب يتحدى المحتل البريطاني بكل ما يملك من
قدرة وقوة .

ومـن اءبـرز هذه التحديات انتفاضة كانون الثاني عام 1948م التي وثب فيها الشعب لاحباط معاهدة
بـورتـسـمـوث المجحفة , واستطاع القضاء عليها بعد اءحداث دامية راح ضحيتها عشرات القتلى
والـجـرحى . وقد نظم فيها الشيخ الفرطوسي قصيدة دم الحرية التي خلد فيها غلبة الشعب الثائر
على طغيان المستعمر المحتل :

ثم يقول :

((335))

((336))
ومن اءشهر الاحداث التي تمخضت عن تلك الانتفاضة وقعة الجسر
((337)) التي استشهد فيها
عدد كبير من المجاهدين والثوار, وفيها نظم الشاعر قصيدة مسي الجسر حيث جسد فيها مشاهد
تلك الوقعة المريعة واءحداثهاالدامية والاليمة :

((338))
ومـن جـمـلة التحركات الشعبية التي شارك فيها الشاعر مشاركة فعالة انتفاضة تشرين الاول عام
1952م والـتـي طـالـب فيها الشعب بحقوقه المشروعة من حق تعيين المصير واجراء الانتخابات
الحرة . وقد نظم الشاعر في هذه المناسبة قصيدة الاستقلال التي قال فيها:

الى اءن يقول :

((339))
و ـ مناهضة الانظمة الاستبدادية الحاكمة :
عـرف الـشيخ الفرطوسي من خلال نشاطه الادبي المكثف , وتواجده الدائم والمستمر في الساحة
السياسية بمناهضته للحكومات الاستبدادية وتحديه للسلطات الجائرة التي كانت تخضع الشعب تحت
وطاءة العنف والاضطهاد وتوسعه ظلما دون رحمة وشفقة .

وعـلـى الـرغـم مـن اءسـالـيب التعسف والتنكيل التي كانت تمارس بحق الادباء والشعراء من قبل
الحكومات الطاغية ,فان الشيخ لم تكن ترهبه مثل تلك الاساليب الوضيعة , اءو تبعده عن ساحة الجهاد
والـنـضـال . فقد كان الشاعر واضح الرؤية صريح الموقف تجاه انتهاكات الانظمة الاستبدادية التي
حكمت العراق في عهده .

فـهـا هـو الشاعر يصور الوضع السياسي القائم في العهد الملكي بقصيدته الغريب التي نظمها عام
1949م دون اءن يـضـفـي عـليها طلاء مزيفا من المداهنة اءو الممالاة تخوفا من بطش الحاكم اءو
تعسفه :

((340))
وكـثـيرة هي المواقف التي وقفها الشيخ الفرطوسي تجاه الاوضاع السياسية المتدهورة والازمات
الاقـتـصادية المتفاقمة في العهد الملكي . وقد كان في جميع مواقفه واضحا وصريحا ـ كما مر ـ لا
تثني عزمه الضغوطوالمضايقات :

((341))

((342))
وما ان اءطلت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958م حتى راح الشاعر يفصح عن شجونه وآلامه ,
وما شهده شعبه من ظلم واستبداد في ظل الحكم الملكي وتحت هيمنة المحتل الانجليزي :

((343))

((344))
وعلى الرغم من تطلعات الشعب الى هذه الثورة وتفاؤله بانجازاتها ومعطياتها الا انها لم تحقق بالشكل
الـمـطـلـوب طـموحات الامة وآمالها من حرية وثبات واءمن واستقرار. وقد اءحس الشاعر بهذا
الهاجس الخطير وحذر مرارا من عواقبه الوخيمة واءخطاره الجسيمة :