1404 ه - شیخ عبدالمنعم الفرطوسی، حیاته و أدبه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شیخ عبدالمنعم الفرطوسی، حیاته و أدبه - نسخه متنی

حیدر محلاتی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




والثانية :




  • لم يمض ( عبد المنعم )المتقي
    وساد بالاداب في عصره
    واءمة الخير له سجلت
    وفي ( الجهات الست ) تاءريخه
    ( تراثه العلمي باق بها)



  • وخدن علم اللّه في رحمها
    من عجمها طرا ومن عربها
    اءعماله بالتبر في كتبها
    ( تراثه العلمي باق بها)
    ( تراثه العلمي باق بها)



((218))
6+ ـــــ 1106 + 181 + 103 +
8


1404 ه


رحم اللّه الفرطوسي الشاعر الولائي الذي ولد على الولاء ومات ولم يزل لسانه يلهج بذكر العترة الطاهرة , وقلبه ينبض بحب اهل البيت (ع ). حشره اللّه معهم بشهادة قوله :




  • ولدت على الولاء وسوف اطوى
    وانشر فهو بدئي والختام



  • وانشر فهو بدئي والختام
    وانشر فهو بدئي والختام



((219))


الشـعـر



شعر الفرطوسي وشاعريته



شاعرية الفرطوسي :


الشعر عند الفرطوسي طبيعة وسجية لا تكلف وصنعة . فهو لا يمارس النظم بل يجري النظم على لـسانه بصورة عفوية وتلقائية حين تنطلق قريحته الوقادة لتصور المشاعر والاحاسيس والاخيلة
الـتـي لا تلتقط الا بعدسة الشاعر الفنية .فالشاعر كما يراه الفرطوسي : مصور الخواطر النفسية
الذي يلتقط الصور المعنوية من حياة المجتمع بريشة ذهنه المتوقد وخياله العبقري وان الاضمامات
الـمـتـنـوعة التي يعرضها في حقله الشعري ليست هي الا تلك الصورالاجتماعية التي انتزعها من
صـمـيـم الـمـجـتمع عندما تغلغل في اءعماقه فوقف على آماله وآلامه ونعيمه وشقائه وهواجسه
وخواطره
((220)) .


واذا كـان الـشاعر يرى مالا يراه الناس اءو بعبارة اخرى ينظر الى اءسرار الاشياء لا الى الاشياء
ذاتها, فهذا يعني اءن طبيعة الشاعر تختلف اختلافا واضحا عن طبائع الناس بسبب قدارته المتميزة ,
وخياله الخصب , واستعداده الفطري ,ومواهبه الشعورية الفذة .


ومـن الـطـبـيعي اءن تكون هذه العوامل اءساسا لبلورة الشاعرية الا انها غير قادرة بحد ذاتها على
تـرجـمـة الصوروالاخيلة الى اءلفاظ شعرية مالم تتوفر لدى الشاعر آلية بيانية تساعده على نقل
الافـكـار مـن عالم الذهن الى عالم اللفظ والكلمة . واذا كانت العوامل السابقة حصيلة مواهب فطرية
بـحتة فان الالية البيانية لا تحصل الا بصورة اكتسابية ومن خلال الثقافة الواعية والاحتكاك الدائم
والمستمر بطبقات الادباء والشعراء.


وقـد تحققت هذه العوامل عند الفرطوسي بنبوغه الشعري المبكر, ونشاءته الادبية في بيئة النجف
الشعرية , واتصاله الحثيث بمشاهير الشعراء واءعلام الفكر والادب , ومطالعاته ودراساته في حقول
الشعر والادب .


ولا يـخـفـى مـا لـبيئة النجف الادبية من اءثر كبير في تكوين شاعرية الفرطوسي تلك البيئة التي
خـرجـت ولا تـزال الفطاحل من الشعراء والنوابغ من الادباء والمفكرين ممن تزخر العربية ببنات
اءفكارهم ونتاج عقولهم وآثارهم .


وفـي ظـل هـذه الـظروف ترعرعت شاعرية الفرطوسي , واءخذت طريقها الى السمو والتاءلق ,
واءخـذ صـوت الـشـاعريجلجل في كل حفل ومناسبة , يطرب الاسماع بروائع انشوداته , ويملا
النفس بجلائل اءفكاره وآرائه . حتى اءصبح في المجتمع الادبي الشاعر المبدع الذي تهتز المنابر
لـمـوقـفـه وتنطلق الحناجر بالاستحسان والاستعادة , في المحافل لروعة شعره الذي كان يتميز
بـالابداع , في اللفتة واللمحة والكلمة , والعمق والوضوح .. وكان القاؤه المميز يدفع بالجماهير اءلى
اءن تـفـهـم مـعـنى شعره , من خلال نبرات صوته , ونبضات ملامحه وتعابير وجهه .. وبذلك كانت
هناك علاقة حب وتفاعل بينه وبين جمهوره
((221)) .


وهكذا اءخذ الشاعر مكانته في الاوساط الادبية , واحتل منزلة شامخة ومرموقة بين المشاهير من
شـعراء وادباءعصره . فكانت المحافل الادبية والمهرجانات الشعرية تعج بالوافدين لسماع قصائده
والـتزود من معين اءدبه . ويكفيه منزلة اءنه اءنشد ذات يوم قصيدة في محضر الامام محمد الحسين
آل كـاشف الغطاء
((222)) فلى الامام على نفسه اءن لا يسمعها الا وهو واقف تكريما لقوتها ومتانة
اسلوبها, والشيخ الامام اءعرف الناس بالشعر واءخبرهم بقيمته
((223)) .


وعـن شـاعـريـة الـشـيـخ عـبـد المنعم يتحدث الاديب علي الخاقاني عن بعض جوانبها ويقول :
الـفـرطـوسـي في شعره لايحتاج الى ثناء كثير فقد حاز على اعجاب كل من سمعه وما اءكثر من
سـمعه , فقد نحا فيه منا حي قربت الى الواقع ,وعالجت كثيرا من المشاكل الاجتماعية التي ينشدها
كـل مـصلح تسرب حب وطنه له فشعر بضرورة الاصلاح ,وشاعريته ينبوعا ثرا ومعينا لم يعتره
الـنضوب ولا اءحس بعطل في الانتاج . قوي اللفظ جزله , مليح المعنى رقيقة ,حسن السبك والايقاع ,
قد تخللت عناصر الحياة فيه فاءوجدت منه نغما ملذا, ونبضا حيا, ومشاعر حساسة مشفوعة بحسن
العرض والمران وقد طرق فيه كثيرا من الانواع والفنون
((224)) .


والـمطالع لديوان الفرطوسي يقف عند روائع وغرر تفصح عن شاعرية فذة , ومنزلة اءدبية رفيعة
تـدل عـلى نضج في التفكير, وسلامة في الراءي , وقوة في الاداء, وانتقاء مميز للفظ, وسمو للقصد
رصين .


ولـكـي تـظـهـر شاعرية الفرطوسي واضحة المعالم ناصعة الشكل والصورة كان لابد من دراسة
الموارد التالية من شعره :


اءولا : البدايات


يـقـول الفرطوسي في هذا الخصوص : اءول نظمي قطعات من الشعر في الحب والروض موشحة وغير موشحة , منها:




  • سلمى الى الشاطي معي
    حيث الطبيعة اءودعت
    لنعش ما بين الحقول
    شف قلبي الشغف
    لك اءشكو من الهوى
    لك قلبي نصبته
    كل صبري لم يكن
    ويح قلبي من معنى
    هكذا كالنور تفنى
    كل اءحلامك لبنى



  • فيه تروق لنا الحياة
    اءسرارها بين النبات
    في رغدة العيش الجميل
    ادركيه لقد تلف
    فخذي منك لي النصف
    في سبيل الهوى هدف
    في بحر حبي غير قطره
    قابل الطود بذره
    كل اءحلامك لبنى
    كل اءحلامك لبنى



فخذي حظك من دنياك قبل الارتحال
((225))
وهـكـذا كـانت بدايات الشاعر. اءشعار عاطفية واءبيات في الوجد والحب تفصح عن شعور صادق ,
واءحاسيس جياشة تبثها نفس الشاعر الشاب في فترة هي من اءجمل فترات العمر المفعمة بالحركة
والنشاط والحيوية .


وبـداء الـوعي الفكري ينمو في شعور الشاعر, واءخذت الافكار تستحوذ على اءدبه . فبداء ينظم
قـصـائد رصينة المعنى ,محكمة البناء, قويمة المحتوى والمضمون وهو في سن التاسعة عشرة من
عـمره . وتستوقفنا اءربع قصائد نظمهاالشاعر في هذه السن , الاولى : قصيدة التقاليد التي قال في
مطلعها:




  • تقاليد تجر لك الشجونا
    واءوضاع تجرعك المنونا



  • واءوضاع تجرعك المنونا
    واءوضاع تجرعك المنونا



((226))
وقـد نـقـد الـشـاعر في هذه القصيدة التقاليد السقيمة التي كانت تجور على نظم الاصلاح الدينية
والاجتماعية وتحول دون تقدم المجتمع ورقيه .


اءمـا الـقصيدة الثانية فهي قصيدة وادي السلام , وفيها وصف رائع ودقيق لمقبرة النجف الشهيرة .


وتـعـد هـذه الـقصيدة من اءروع قصائد الشاعر التي قالها وهو في هذه السن لما تحمل من اءوصاف
رائعة واءفكار فلسفية تفصح عن نضج فكري مبكر تمتع به الشاعر ولما يزل في نضارة العمر. ومن
اءبيات هذه القصيدة :
على الذكوات البيض من جانب
الوادي قفا ساعة واستنطقا الاثر البادي
فكم فيه معنى لا يفي ببيانه لسان فصيح اءو يراعة نقاد




  • وكم عبرة خرسا بها نطق البلى
    فاءفصح تبيانا على غير معتاد



  • فاءفصح تبيانا على غير معتاد
    فاءفصح تبيانا على غير معتاد



الى اءن يقول :




  • فيا صفحة الوادي واءنت سجله
    وكم قد تلاشت في ثراه مفارق
    وكم صولجان قد تداعى كيانه
    ورب لسان مفصح عاد اءخرسا
    وكان محالا عنده الصمت فاغتدى
    فهل طويت منه الفصاحة في الثرى
    وهل اءخمدت في اءثرها روعة النادي



  • اءتدرين كم مرت قرون على الوادي
    وكم طويت فيه اءكاليل اءسياد
    به وعروش دكها الزمن العادي
    وخانته للتعبير قوة ايجاد
    لسلطانه الجبار اءطوع منقاد
    وهل اءخمدت في اءثرها روعة النادي
    وهل اءخمدت في اءثرها روعة النادي



((227))
والـقـصـيدة الثالثة قصيدة العقل وهي كسابقتها من حيث متانة الافكار, وقوة المعاني والمضامين .


يقول الشاعر في بعض اءبياتها:




  • وازن بعقلك فالحجى ميزان
    وانهج على منهاجه كيما ترى
    فيه فلاسفة الوجود تمكنوا
    عرفوا به كنه الاثير فحللوا
    واستخرجوا روح النبات وماله
    حتى اءرونا للذوات حقائقا
    كشف الغطا عن نورها البرهان



  • وزنت به عرفانها الاذهان
    حججا عليها ينهض الوجدان
    من حد مالا يدرك الانسان
    ذراته في ذاتها واءبانوا
    من جوهر ينمو به الحيوان
    كشف الغطا عن نورها البرهان
    كشف الغطا عن نورها البرهان



((228))
اءمـا الـقصيدة الرابعة فهي بعنوان بلبل الروض وقد بث فيها الشاعر حسراته على اءيام الطفولة
التي كان ينعم بهنائهاوصفائها مبتعدا عن الاحزان والالام :




  • والهفتاه على عصر مضى هدرا
    اذ كنت فيك عن الالام مبتعدا
    فلا اءرى سلوة لي عنك تنعشني
    وكيف يسلو معنى وهو معمود



  • عصر الطفولة اءنت اليوم مفقود
    واليوم قلبي من الالام محشود
    وكيف يسلو معنى وهو معمود
    وكيف يسلو معنى وهو معمود



((229))
واءول قـصـيـدة بداء يسطع نجم الشاعر من اءفقها هي قصيدة الحقيقة التي نظمها عام 1938 م ,
واءلـقـاها في الحفلة التي عقدها السيد محمد رضا الصافي
((230)) في بيته احتفاء بزفاف الاديب
الـسـيـد مـحمد علي البلاغي صاحب مجلة الاعتدال . وقد نالت تشجيعا اءدبيا قيما في حفل محتشد
بـرجال العلم والادب . وفي القصيدة اشارة الى مواطن التخلف والجهل التي شقي بها الشرق , ودعوة
الى النهوض واليقظة لمسايرة ركب المدنية والحضارة :




  • اءما آن عن وجه الحقيقة ينجاب
    اءلا ينجلي هذا الظلام بمشعل
    الى كم بهذا الجهل تشقى عقولنا
    وحتام نبقى والقشور نصيبنا
    لقد ضللت تلك العقول فلم تجد
    وكيف ترى نهج الحقيقة والهدى
    وحتى متى تنجو من الجهل اءمة
    بها علقت من آفة الجهل اءنياب



  • سجاف عليها قد اءذيل وجلباب
    لتهدى عقول تائهات واءلباب
    ويخدعنا من خلب الغي جذاب
    وقد اءوصدت فوق الحقيقة اءبواب
    سنا تهتدي فيه اذا هي تنتاب
    وقد جللته للاضاليل اءثواب
    بها علقت من آفة الجهل اءنياب
    بها علقت من آفة الجهل اءنياب



((231))
اءمـا عـن طريقة النظم التي تميز بها الشاعر عن سائر شعراء عصره , فيقول عنها: نظمت الشعر
في العقد الثاني من عمري , وطريقتي في نظم الشعر نادرة اذ اني اءنظم القصيدة الطويلة على لوحة
خـاطـري وتـبـقـى اءياما مرتسمة في حافظتي ثم اكتبها واصلح ما يلزم اصلاحه منها. وبسبب هذه
الـمـنـحـة الـتي من بها المنعم اءصبح من السهل علي القاءقصائدي في الاحتفالات بدون ورق شبه
الـمـرتجل واعادة مواردها مرارا من اءي موضع يطلبه المستعيد وان كنت في آخر القصيدة كاءنها
مرسومة في ورقة اءمام ناظري
((232)) .


ثانيا : المؤثرات


لا يـخـفـى اءن الشاعر بحكم احساسه المرهف وروحه الرقيقة يتاءثر بعوامل عديدة تنعكس على عـواطفه وخواطره وتلقي بظلالها على شعره واءدبه . وتشكل هذه العوامل الحجر الاساس في بناء
اءدب الـشـاعـر وتكوين هيكليته واءساسه . والشيخ الفرطوسي وهو الشاعر الذي حمل بين حنايا
ضـلـوعه قلبا حساسا وروحا شاعرة وعاطفة ثائرة كان لابد اءن يتاءثر بالعوامل المحيطة به واءن
يعكسها على مرآة شعره واءدبه . ومن هذه العوامل :


1 ـ المحيط



((233)) لا شـك اءن لـلـمـحـيط الاثر الاكبر في بلورة شاعرية الشاعر وتحديد معالم اءدبه
وشـعـره . وكـمـا قـال الـفرطوسي :ان للمحيط الذي يتشبع ذهن الانسان بخواطره وتملا عينه
بـمـناظره . والحياة التي يعيش في رغد نعيمها اءو نكدجحيمها. والنكبات التي تفاجئه بها الحوادث
فيتلقاها بالثبات اءو يستسلم لسلطانها. والاتجاهات العاطفية التي تسير بالنفس الى شواطي ء رغباتها.


كل هذه العوامل لها اءثر واقعي في توجيه اءدب الشاعر وتكييفه لان الادب موهبة من مواهب النفس ,
والنفس تتاءثر بهذه الدواعي فلابد واءن يظهر لونها على الادب
((234)) .


ولون الادب عند الفرطوسي هو لون الحزن والالم بل قل لون العذاب والشقاء فقلما اءحس الشاعر
سـاعة هناء اءواستساغ فمه طعم نعيم خلال العقود السبعة التي عاشها وما اءصعبها من عقود. وعن
اءسباب هذا الحزن يقول الشاعر:اءعيش في زوايا مظلمة من بيت قديم متداعي لا تجد الشمس فيه
مدخلا سهلا لاشعتها ومتى ضاقت النفس من سجن هذا القفص وطلبت التمتع بالفضاء الرحب والنسيم
الـطـلـق ذهبت الى وادي السلام وماذا بالوادي غير قبوربالية ومناظر حزينة باكية تستعرضها
فتمر في ذهنك ذكريات عشرات من القرون الغابرة طويت اءجيالها في صفحاتها ويهيمن على نفسك
واءنت تستطلع الطريق بين اءرمالها سكون ذلك الوادي الرهيب وروعته وجلاله . كمااءني اءرتاد في
كل عام بعض المناطق القروية وهي طافحة بصور الفقر والباءساء محتشدة بمناظر الحزن والالم
فتطبع في نفسي من هذه وتلك اءلوان من الصور الكئيبة وتحز في قلبي مدى من آلامها
((235)) .


ويستشف من شعر الفرطوسي الكثير الكثير من ضروب البؤس والشقاء التي تقاطرت على الشاعر
من كل حدب وصوب وبحلقات متسلسلة ومتواصلة :




  • حياتك والياءس صنو لها
    حياة الجحيم على مابها
    حياة ترق لها الحادثات
    عجبت لقلبك يحيى بها
    حياتك يا منبع العاطفات
    له اءلف مطلع حزن يرى
    واءنت على ما بها من عنا
    اءراك ولوعا بالامها
    فهل عندك الالم الموجع
    هو الامل الباسم الممرع



  • ومنها الردى فرقا يفزع
    الى جنبها رغد ممتع
    ويرثي لها الالم الموجع
    وفي كل آن له مصرع
    ضروب الشقاء بها تنبع
    وما للسرور بها مطلع
    يقض له الجنب والمضجع
    فرفقا بنفسك يامولع
    هو الامل الباسم الممرع
    هو الامل الباسم الممرع



((236))
وقصيدة قلبي التي نظمها الشاعر عام 1952 م تصور وبكل وضوح وشفافية حياة البؤس والنكد
التي واكبت مسيرة الشاعر في مختلف اءدوار حياته :




  • قلبي لمستك جمرة في اءضلعي
    ولمحت نورك موجة في ناظري
    ولقد عهدتك بلبلا يهفو على
    يهتز للالم الحزين كاءنه
    ويطير من اءفق خصيب كيفما
    واءراك في افق الخيال وقد دجا
    فعلمت انك من جمودك جثة
    اضحى لها قفص الضلوع كمصرع



  • صعدتها لفمي فكانت مطلعي
    طفحت فسالت في شقائق اءدمعي
    نغم بقيثار الشعور موقع
    اءمل يسامره بلحن ممتع
    يهوى الى اءفق خصيب المرتع
    شبحا ضئيلا هامدا في بلقع
    اضحى لها قفص الضلوع كمصرع
    اضحى لها قفص الضلوع كمصرع



((237))
واضـافة الى القصيدة ذاتها فاءن تعبير الشاعر في مقدمة القصيدة يفصح عن عمق الحزن الذي تخلل
قلب الشاعر ولم يترك فيه فسحة للنعيم والهناء:
غا يزرع الامل ويحصد الالم , حقل ينبت الورد ويجتني الشوك . جدول يروي الظماء من معين
الـحـيـاة ويموت ملتهبا ظامئا. بلبل سجين في قفص مظلم يطرب السامع من الحانه الكئيبة وهو باك
حزين . روح يوحي السعادة ويعيش بشقاء. هذا هو قلبي فاءين السعادة والنعيم من هذا الشقي المعذب .


ولم يحن لمسلسل البؤس اءن ينتهي . فقد نكب الشاعر بحشد من النوائب واءفواج من المصائب بددت
اءعز اءفراداءسرته , واءجهزت على خيرة اءهله واءحبائه .


ففي عام 1361 ه نكب الشاعر بمصرع اءخيه الشاب جبار اثر عملية جراحية فاشلة . ولم تمض
سنة حتى نعي بوفاة ولده عبد الرزاق وذلك عام 1362ه. وما هي الا سنوات ويفقد الشاعر طفله
عـلي عندما كان يمرح مع اءترابه في ملعب الطفولة . ثم ياءتي عام 1372 ه ليفجعه باءخيه الاكبر
الشيخ عبد الزهراء.


وعـلى الرغم من كل ما قاسى الشاعر من مصاعب والام , وما تحمل من شقاء وعذاب , فانه بقي صلب
الـعـود, قـوي الايـمـان , راضـيا بقضاء اللّه , غير قانط من رحمته , متحليا بالصبر في كل حال من
اءحواله :




  • لقد شهد الدهر المحدد نابه
    وما اءنكرت مني الصروف صلابة
    وكنت اذا جازت مساحة اصبع
    تتوق لانغام الخطوب صبابة
    وتنعم عيني بالظلام كاءنما
    تاءملت في هذي الحياة فلم اءجد
    كاءن خطوب الدهر آلت واءقسمت
    رضى بقضاء اللّه ان كان قد قضى
    وصبرا يراع الحر انك مثله
    تروم باءن تحيا من الدهر مطلقا
    ويحكم الا اءن تموت به اءسرا



  • علي باءني قد اءبنت به الكسرا
    تعودتها ما اقبلت زمرا تترى
    الي صروف الدهر جاوزتها شبرا
    وتهتز نفسي من تقاطيعها بشرا
    سواد الدجى كحل لمقلتها العبرى
    بها لي الا مسلكا موحشا وعرا
    على نفسها اءن ترغم الفطن الحرا
    علي باءن اءشقى وطوعا لما اجرى
    غريب فلا تستعظم الخطب والامرا
    ويحكم الا اءن تموت به اءسرا
    ويحكم الا اءن تموت به اءسرا



((238))
ولا نـنـسـى ونحن نستعرض اءلوان الشقاء التي اصطبغت بها حياة الشاعر اءن نذكر نكبته ببصره
حـيـث حـرم النور ولمايبلغ الخمسين من عمره . وقد كان وقع هذا الخطب على نفسه عظيما حيث
اءثار لواعج اءحزانه وجدد قديم آلامه واءشجانه .


ومـن اءلـيـم قوله في هذا الشاءن : اءفق حزين اءطبقت عليه ظلمة الياءس وهو منبع النور والامل
يـقـتات من بقايا الصورالخيالية المرتسمة على مرآة الذهن فهو مصباحه , ويستاف من زفرات قلبه
المحترقة عبيره ونفحاته , فهو حقله ومجمره . ويستمد من وعي الروح المنطلق قوته ونشاطه فهو
حـيـاتـه يـحدق في النجم فلا يرى غير الضئيل من شعاعه ويرمق الزهرة فلا يدرك سوى اللون
الـواضح من جمالها يرنو للوجه الحسن فلا يحس بغير الروعة البارزة من قسماته . هذا هو بصري
وهذه صور من الالم اءرسمها على صفحات هذا اللوح الكئيب :




  • ربيع العمر والامال تجلى
    ويا اءفق الحياة ظلمت نجما
    اءهذا الجو للغربان ملك
    واءقفاص البلابل وهي تشدو
    اءحدق بالنجوم دجى فتخفى
    كاءن الليل مد عليه سجفا
    فلا نجم يلوح ولا شعاع
    اءرى الوجه الجميل ولا اءراه
    واءمتع بالشذى الفياح شوقا
    واءلمس ورده بيدي لما
    حرمت جماله لونا وشكلا



  • واءنت الخصب قد اءجدبت محلا
    اءشاب الياءس من عينيه طفلا
    فحيث تحل منه لها اءحلا
    لها قد اءصبحت سجنا وغلا
    على طرف بداج الافق ضلا
    واءلقاه على عيني ظلا
    لعين بافتقاد النور ثكلى
    واءسلوه وكيف الحسن يسلى
    الى النفحات حين اءرود حقلا
    حرمت جماله لونا وشكلا
    حرمت جماله لونا وشكلا



((239))
ومـن هـنا اءصبح لون الحزن والالم مميزا في شعر الفرطوسي يتجلى في معظم نظمه ويشيع في
اءغـلـب قـصـائده . ولا غـروفي ذلك فمن يمر بمثل ما مر به الفرطوسي , ويتجرع الغصص التي
تجرعها لحقيق باءن تظهر عليه آثار الحزن ومظاهرالالم .


2 ـ العقيدة :


لـلـعـقيدة الدينية مكانتها الخاصة في شعر الفرطوسي . فقد اهتم الشاعر في منهجه الادبي بالجانب الـعـقـائدي اهـتـماماكبيرا هيمن على جل نتاجه الشعري . ويشكل هذا الاهتمام اتجاها واضحا في
مـسـيـرة الـشاعر. فقد داءب الشيخ في الالتزام وحرص على توظيف اءدبه في خدمة الدين ونشر
الثقافة الاسلامية المتمثلة بمبادى ء الرسالة المحمدية ,ومعارف اءهل البيت (ع ).


ومـن المعروف اءن التزام الشيخ الفرطوسي هو التزام ديني قبل اءن يكون التزاما اءدبيا. فقد عرف
الـشيخ في الاوساطالدينية ب الانسان التقي الذي تعيش التقوى في كل مواقع حياته وفي كل دوائر
عـلاقاته .. وفي حسن العبادة وخشوعها وابتهالها, وفي كل آفاق الالتزام الديني الذي يجعله يحتاط
فـيـه , ويـحـتـاط له حتى يتشدد على نفسه ليتاءكداءنه قد اءدى واجبه اءمام اللّه بشكل كامل غير
منقوص
((240)) .


ويـبـرز الالـتزام العقائدي عند الشاعر اكثر فاءكثر حين ينظم قصائد المديح والرثاء في النبي ـ
(ص ) ـ واءهـل بـيـتـه (ع ).وقد اكثر الشاعر النظم في هذا المجال حتى شمل ثلث ديوانه , هذا
بالاضافة الى موسوعته الشعرية الكبرى ـ ملحمة اهل البيت (ع ) ـ التي تجاوزت الاربعين الف بيت .


ومـرجـع هذا التفاني في احياء الفكر الاسلامي ونشر معارف اءهل البيت (ع ) انما يعود الى التربية
الاسلامية التي نشاءعليها الشاعر وتربى في اءحضانها وترعرع في ظلها الوارف .


وتـتـجـسد العقيدة الدينية في شعر الفرطوسي من خلال رؤيته الواضحة ومعرفته الدقيقة للدين
الاسـلامي . فهو من هذاالمنظار يعرف جيدا كيف يلقي الضوء على العقائد الاسلامية , ويصورها في
شعره من الزاوية التي يجب اءن تصوروفي الاتجاه الصحيح والسليم .


ومـن مـميزات الصورة التي يرسمها الشاعر في شعره العقائدي انه عندما يتناول موضوعا في هذا
الـمجال يمهد له في بادي ء الامر بمقدمات تكون ضرورية في الغالب لبسط الموضوع ودرك فحواه .


وبـعـد اءن يستوفي الغرض في المقدمات يعرج على ذكر البراهين والحجج التي يمكن عن طريقها
الـتـوصل الى الحقيقة المنشودة , والغاية التي من اءجلها اءنشد قصيده . وفي مثل هذه المواضع يكثر
الشاعر من ايراد الشواهد والامثلة التي من شاءنها اءن تساعد على استيعاب الموضوع باءسهل صورة
ممكنة .


فمثلا عندما يتناول الشاعر موضوع ولاية الامام اءمير المؤمنين علي بن اءبي طالب (ع ), يذكر في
الـبـدايـة مـقـدمات في مناقب الامام وفضله وكذلك مواقفه (ع ) التي حفظت للدين الاسلامي عزته
وكرامته :




  • لك بالامامة واضحات دلائل
    كالسيف تشهر وهي اءعظم سطوة
    يا واحد الدنيا المخلد ذكره
    خلدت للاسلام مجدا باذخا
    واءشدت للدين الحنيف منازلا
    وبنور نهجك وهو منبع حكمة
    اءوردتنا فيه نميرا صافيا
    اءحكمته بقواعد حكمية
    تقف العقول اءمامه مسحورة
    اءنت المحيط معارفا لكنما
    لم تحو غير جواهر وفضائل



  • بنهارها يمحى ظلام الباطل
    في وجه كل معاند ومجادل
    بخلائق قدسية وشمائل
    يربو على اءفق السما المتطاول
    لولا حسامك لم تكن باءواهل
    متدفق اءوضحت اءي مشاكل
    ينمى لخير موارد ومناهل
    كفلت بيان اصول كل مسائل
    ببيانه وبنسقه المتواصل
    لم تحو غير جواهر وفضائل
    لم تحو غير جواهر وفضائل



ومـن ثـم يـنتقل الشاعر الى اثبات ولاية الامام (ع ) بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة مستشهدا
باءحاديث الرسول (ص ) في هذا الخصوص :




  • عيد الغدير واءنت اءعظم شاهد
    يوم به قام النبي مبلغا
    والناس بعضهم غدا متواصلا
    نادى بهم والحق يشهد انه
    من كنت مولاه فهذا حيدر
    هذا اءمير المؤمنين اءميركم
    لكنما غشيت عمى وضلالة
    نبذوا الكتاب وراءهم وتنكبوا
    عدلوا عن الحبل المتين غواية
    وتمسكوا من غيهم بحبائل



  • بانت به للحق خير دلائل
    من ربه نص البلاغ النازل
    بالبعض في حشد عظيم حافل
    لو لا الحقيقة لم يكن بالقائل
    مولاه بالنص الجلي الكامل
    وخليفتي فيكم بقول شامل
    تلك البصائر بالضلال الحائل
    عن منهج الحق الصريح الفاصل
    وتمسكوا من غيهم بحبائل
    وتمسكوا من غيهم بحبائل



ويـواصـل الشاعر رده على شبهات المعاندين بكثير من المناقب والفضائل التي خص بها الامام دون
غيره من الصحابة والتابعين :




  • قل للمعاند قد ضللت جهالة
    اءعماك غيك اءن ترى نور الهدى
    اءمن العدالة اءن يؤخر سابق
    هذي فضائله وذي آثاره
    فتصفح التاءريخ فهي بوجهه
    ينبئك من واسى النبي محمدا
    وفداه عند مبيته بفراشه
    ومن الذي اردى الوليد وشيبة
    وبيوم احد من طغت عزماته
    من فرق الاحزاب حين تجمعت
    ورمى على وجه الثرى اصنامها
    وبكفه حصن اليهود قد اغتدى
    ومن الذي ردت له شمس الضحى
    وفضائل ليست تعد و هل اءتى
    عميت عيون لا ترى شمس الضحى
    عيد الغدير واءنت اكرم وافد
    عيد به الاسلام اضحى حافلا
    عيد به شمس الحقيقة اءشرقت
    ما جادت الدنيا لنا في مثله
    حقا يخلد ذكره وعلاؤه
    وبه يخلد ما تخط اءنا ملي



  • سفها لعقلك من عنود جاهل
    فتسير في نهج البصير العاقل
    ويقدم المفضول دون الفاضل
    سطعت بفاق الهدى كمشاعل
    غرر صباح نظمت كسلاسل
    بمواقف مشهورة وغوائل
    في نفسه فوقاه شر الباطل
    في يوم بدر بالحمام العاجل
    فرست جبالا في الزحام الهائل
    فرقا وما في القوم غير الناكل
    لما رقى من فوق اءشرف كاهل
    متلاطما كالموج فوق الساحل
    لما اءشار لها ارجعى في بابل
    و النجم و النباء العظيم دلائلي
    عند استقامة كل ظل مائل
    وافى من البشرى بخير رسائل
    فرحا بتتويج الامام العادل
    والحق اءطلق من شباك الباطل
    اءبدا ولا تاءتي له بمماثل
    وبه يخلد ما تخط اءنا ملي
    وبه يخلد ما تخط اءنا ملي



((241))
وعلى هذا النحو تمتثل العقيدة الاسلامية في شعر الفرطوسي باءوضح صورها واءتم معالمها, مما لا
تدع مجالا للشك في اخلاص الشاعر تجاه دينه ومعتقده الذي حرص على اءدائه باءكمل ما يمكن من
وجوه الدقة والكمال .


3 ـ التاريخ :


لـم يغفل الشيخ الفرطوسي عن مكانة التاريخ في التعبير الشعري ومدى تاءثيره في حياة الناس . فقد اسـتخدم الشاعرهذا العامل المحفز للاشادة باءمجاد السلف وتذكار تراثهم العريق الحافل بالمفاخر
والـبـطولات ليستنهض همم اءبناءجلدته , ويثير في نفوسهم الحماس والحمية من اءجل الدفاع عن
مبادئ الدين القويم , والحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله .


وكثيرا ما اءشاد الشاعر بالماضي القديم ليستعيد من وهجه المضي ء قبسا ينير درب المستقبل الذي
اظلمته الحروب والويلات وعكرت صفوه النوائب والازمات :




  • عزائم العرب ثوري وانهضي فينا
    ورفرفي يا بنود الحق خافقة
    قد آن اءن تملا الدنيا عزائمنا
    فتلك اءوطاننا اءضحت بها علنا
    ثارت فلم يبق في دنيا الفخار فم
    وطاف في الشرق صوت الحق فابتهجت
    واستنهض المجد من اءبناء نجدته
    عزائما بعثت روح الابا فينا



  • الى الوغى واءعيدي مجد ماضينا
    بالنصر واستقبلي دنيا اءمانينا
    نارا موقدة تصلي اءعادينا
    بشائر النهضة الكبرى تحيينا
    للعرب الا ولباها تلاحينا
    له النفوس ولبته مواضينا
    عزائما بعثت روح الابا فينا
    عزائما بعثت روح الابا فينا



((242))
ويلح الشاعر على تصفح التاءريخ المجيد ليقراء في صحائفه الوضاءة اءمجاد اءمته الخالدة التي حققت
النصر والغلبة تحت راية الاسلام وبنصر من اللّه مؤزر :




  • يا اءمة خانها في الشرق طالعها
    سلي الحوادث عن تاءريخ نهضتنا
    كم نهضة في سبيل المجد خالدة
    هاتيك اءندلس للان ما برحت
    غداة سرنا ونصر اللّه يصحبنا
    فما انثنينا ولا فلت عزائمنا
    وكيف نثنى ولم يرفع لنا علم
    الا وعاد بنصر اللّه مقرونا



  • فعاد في صفقة الخسران مغبونا
    واستشهدي البيض هل خاب الرجافينا
    جبارة قد اءقامتها مواضينا
    آثارنا في ضواحيها تنادينا
    وراية الحق والاسلام تعلونا
    حتى فتحنا واءمست طوع اءيدينا
    الا وعاد بنصر اللّه مقرونا
    الا وعاد بنصر اللّه مقرونا



((243))
ولم يكتف الشاعر بتذكار الماضي البعيد, بل راح يشيد باءحداث قريبة العهد من مثل ثورة العشرين
التي فجرهاالشعب ضد المحتل الانجليزي في مطلع هذا القرن :




  • يا ثورة العشرين يومك غرة
    ميلاد نجمك بين اءحضان الضحى
    افق الفرات ومهده قد اءنجبا
    حملته وهو المجد بين ضلوعها
    ام ولود كالعفرنى تزاءر



  • في جبهة التاريخ لا تتغير
    والشمس مولدها الصباح المسفر
    فية وها هو بالارومة يفخر
    ام ولود كالعفرنى تزاءر
    ام ولود كالعفرنى تزاءر



((244))




  • حتى اذا وضعته في لجج الدما
    حضنته جارتها واءضحت تدعي
    وتفياءت منه الظلال وامه
    واستثمرته كاءنما هو غرسة
    منها اجتناها الغارس المستثمر



  • كرها وعاصفة المنية تجاءر
    فيه وهل تلد العقيم وتثمر
    تصلى برابعة الهجير وتصهر
    منها اجتناها الغارس المستثمر
    منها اجتناها الغارس المستثمر



((245))
وهـكذا ينفذ التاريخ الى شعر الفرطوسي عبر اءحداثه المتفاوتة واءزمانه المختلفة ليشكل منعطفا
هاما وجزءا كبيرا من نتاج الشاعر وخاصة نتاجه في حقل السياسة والعمل الوطني .


ثالثا : الخصائص


1 ـ التوظيف والالتزام :


لعل من اءهم الخصائص التي امتاز بها الشاعر الفرطوسي في منظوماته واءشعاره , الهدفية والالتزام الـتـي واكـبـت مـسـيـرة شعره اكثر من خمسة عقود. ونعني بالالتزام هنا, الالتزام بمعنييه العام
والخاص . فالاول وهو اءن يتناول الشاعرمشكلة اقتصادية اءو سياسية تتصل بالهموم العامة للانسان
في محاولة منه لمعالجتها وايجاد سبل لحلها من خلال المعيار الاجتماعي والفردي
((246)) .


اءمـا الالتزام بالمعنى الخاص فنقصد به الادب الذي جسد الاسلام في حقيقته وتناول في اءغراضه
المختلفة سيرة ومعارف اءهل البيت (ع )
((247)) .


وفـي كـلا الـمـعـنـيـيـن نجد الفرطوسي يوظف شعره في الاتجاهين المذكورين سواء الاتجاه
الاجـتـماعي والسياسي اءوالاتجاه الديني المتمثل بنشر حقيقة الاسلام ومعارف وعلوم اءهل البيت
(ع ).


فـفـي المعنى الاول يتجه الفرطوسي اتجاها واضحا لا غبار عليه محاولا من خلاله معالجة قضايا
الـمـجـتـمـع والاخذبعين الاعتبار سبل الاصلاح والتوعية . ولا تمضي سنة من عمر الشاعر الا
ونقراء له شعرا في هذا الخصوص . ففي سن التاسعة عشرة مثلا ينظم الشاعر قصيدة التقاليد التي
دعـا فـيـهـا اءبـناء جلدته الى اليقظة والنهوض من اءجل الاصلاح والتعليم وخاصة تعليم الجنسين
وتربيتهما ترتبية صالحة وسليمة :




  • اءفيقوا يابني وطني عجالا
    وهبوا فيه للاصلاح كيما
    اءليس ثقافة الجنسين فرضا
    وفي نور المعارف خير هاد
    جمال الشعب يوما اءن نراه
    وان ثقافة الاحلام نور
    به يهدى الشباب الواثبونا



  • فما يجدي الرقاد النائمينا
    نراكم للتمدن ناهضينا
    تقوم به الرجال المصلحونا
    طريق يقتفيه السالكونا
    يسير الى الثقافة مستبينا
    به يهدى الشباب الواثبونا
    به يهدى الشباب الواثبونا



((248))
وفـي سـن العشرين ينشد قصيدة غا الورد التي اءشار فيها الى مسي الفلاحين وما يعانون من
شظف في العيش وضيق في الحياة :




  • يا غارس الورد حاول اءن تنسقه
    اياك اياك اءن تسعى بتفرقة
    فضم ما عشت ورد الاقحوان الى
    واشفق على النرجس الذاوي بجنبهما
    هذي الازاهير وهي الحسن اءجمعه
    وخل عنك اءعاصير الهموم فقد
    ما اءنصفت اءمم جبارة غصبت
    هل العدالة تقضي اءن تضام بها
    اءم تلك حكمة هاتيك القوانين



  • في خير سلك من التنظيم موزون
    بين الشقيقين من تلك الرياحين
    ورد الشقيق خدود الخرد العين
    اني لاخشى عليه ساعة الهون
    فيها تمتع من حين الى حين
    اءفنيت عمرك في تلك الميادين
    منك الحياة بظلم غير مسنون
    اءم تلك حكمة هاتيك القوانين
    اءم تلك حكمة هاتيك القوانين



((249))
وهـكذا دواليك في باقي قصائده الاجتماعية والسياسية الكثيرة من مثل الحقيقة و فلسطين , و
الـى الاغـنـيـاء, ومسي الحرب , و اليتيم , و السعادة . وهذه الاخيرة تعد من خيرة قصائد
الـشاعر الاجتماعية التي تناول فيهاالفوارق الكبيرة بين طبقتي الاغنياء والفقراء مصورا فيها حياة
البؤس والشقاء التي كان يحياها معظم الناس دون الاقلية من الاغنياء.


هـذا عـلـى الـصـعيد الاجتماعي والسياسي , اءما على الصعيد الديني فقد اهتم الشاعر بهذا الجانب
اهتماما كبيرا بلغ فيه اءن خصص قسما كبيرا من نتاجه الادبي لهذا الغرض . فثلث ديوانه المكون من
جـزئيـن يختص بذكر اءهل البيت (ع ),وموسوعته الشعرية الكبرى ـ ملحمة اءهل البيت (ع ) ـ
الـتي جاوزت الاربعين الف بيت تندرج في الاطار ذاته . ولهذاعرف الشيخ الفرطوسي في الاوساط
الادبية والدينية بشاعر اءهل البيت لغزارة شعره وكثرة نظمه فيهم ـ (ع ).


ومـنـشاء هذا الالتزام بشعر واءدب اءهل البيت (ع ) انما يعود الى التربية الاسلامية المبتنية على
حـب اءهـل الـبيت (ع )والتي ترعرع الشاعر في ظلها واستضاء بقبس نورها وضياء هدايتها. وقد
عبر الشاعر عن هذا الحب المتاءصل في ذاته في مواقع كثيرة , منها قوله :




  • على حبكم يا آل بيت محمد
    وعندي من وحي الولاء عواطف
    صهرت بها روحي هدى وعقيدة
    فؤاد بكم غالى هوى وصبابة
    اءغذيه عذبا من غدير ولائكم
    واءعجب من قلب يعب معينه
    ويصدر ريانا من الحب راويا



  • ترعرعت في مهد الطفولة ناشيا
    عرفت بها حبي لكم وولائيا
    واءفعمت بالايمان منها فؤاديا
    فاءصبح فيكم مغرما متفانيا
    يعب به عبا ويصدر ظاميا
    ويصدر ريانا من الحب راويا
    ويصدر ريانا من الحب راويا



((250))
ومـهـمـا يـكن من اءمر فاءن الشاعر من جهة حرص كل الحرص على اءن يوظف شعره واءدبه في
خـدمـة الـمـجتمع ليعالج من خلاله شؤونه الاقتصادية والسياسية والثقافية . ومن جهة اخرى تبنى
موقفا دينيا واضحا يهدف الى خدمة الدين الاسلامي ونشر معارف اءهل البيت (ع ).


2 ـ الواقعية والموضوعية :


سـيـطر الواقع الاجتماعي والسياسي على شعر الفرطوسي سيطرة بعثت فيه روح الاندفاع نحو الاصـلاح والـنـهـوض بوجه الامر الواقع الذي يفرضه المستعمر الغاشم بشتى حيله الاقتصادية
والـسـيـاسـيـة والـثقافية . فكان الشاعر يدرك هذا الواقع المر من خلال حسه الشعوري المرهف
وتـواجـده الـفـاعل والمستمر في الساحة . وكان مواظبا في تصويره للواقع الاجتماعي والسياسي
مبتعدا عن حالة الغموض والرمزية مستخدما الطريقة المباشرة في التعبير ليتسنى لعامة الشعب فهم
رسالته واستيعابها بسهولة .


وكـان الشاعر يعيش مع الاحداث ويواكب مسيرتها خطوة بخطوة , ويحاول الالتفات الى منعطفاتها
الخطيرة التي تذهب بالامة الى هاوية الانزلاق والسقوط. فنلحظه مثلا عندما نشبت الحرب العالمية
الـثـانية يصرخ منددا بهذه الطامة العظمى التي اءضرمتها نار الاحقاد والضغينة لتحيل نعمة الارض
وخيرها نقمة وشقاء:




  • انها الحرب اءضرمتها سعيرا
    قد اءشابت حتى الجمادات هولا
    تخذوها الى المطامع جسرا
    ظلموا العالم الوديع اغتصابا
    اءلقحوها وهم شقوا بلظاها
    كم اءساؤا الى الحضارة فيها
    ليتهم اءحسنوا كما قد اءساؤا



  • بلظاها الاحقاد والبغضاء
    وهي بكر فتية عذراء
    كونته الاغراض والاهواء
    ليفوزوا بها فخاب الرجاء
    ويظنون اءنهم سعداء
    ليتهم اءحسنوا كما قد اءساؤا
    ليتهم اءحسنوا كما قد اءساؤا



((251))
ومـا ان وضـعـت الـحـرب اءوزارها حتى بداء التاءزم الاقتصادي يتفاقم , وبداءت المشاكل تتوالى
الـواحدة بعد الاخرى ,وبداء الفساد يدب في المجتمع دون رادع ومانع . فعز على الشاعر اءن يرى
اءبناء شعبه وهم يتخبطون في البؤس والشقاء, فاءشاد بالاصلاح ودعا المصلحين الى العمل من اءجل
خلاص الشعب من ربقة العناء والالم :




  • رحماك يامصلح الاخلاق بالبشر
    ان الفضيلة لم نبصر لها وضحا
    وهل تحس بلا عين ولا اءثر



  • لم يبق فيه لقوس الصبر من وتر
    وهل تحس بلا عين ولا اءثر
    وهل تحس بلا عين ولا اءثر



((252))




  • ومنبت الخير قد غاضت منابعه
    والكون مجزرة تبدو لناظرها
    ومعرض حاشد بالبؤس قد مثلت
    ضاعت مقاييس اصلاح منظمة
    فاءختل منا نظام الاجتماع لها
    واءبعد النبل عن قوم به عرفوا
    وكل شي ء على عكس المرام بدا
    ولا نحس لهذا النقص من سبب
    سوى اختلال نظام العالم البشري



  • وموقد الشر يطغى من لظى الشرر
    من الضحايا بها آلاف محتضر
    به الفضائع اءشكالا على صور
    لكل وضع من الافساد منتثر
    حتى بدا فيه نقص غير مستتر
    وقربوا بعد عرف الحق للنكر
    مشوه الشكل بعد المنظر النضر
    سوى اختلال نظام العالم البشري
    سوى اختلال نظام العالم البشري



((253))
ولـم تـقتصر نداءات الشاعر ومناشداته الاصلاحية على عصر اءو حكم . فكما طالب بالاصلاحات
فـي الـعهد الملكي نراه يطالب بها وباندفاع اءكبر في العهد الجمهوري . ومواقفه في هذا الخصوص
كـثـيـرة , مـنـهـا قصيدته اللاذعة التي اءلقاهافي المهرجان الكبير الذي اقيم في مدينة النجف عام
1963م بمناسبة مولد الامام الحسين (ع ) والتي قال فيها:




  • ياساسة الوطن المفدى اءصلحوا
    وطن هو الثكلى فكل مفوه
    فيه ينوح وكل حفل ماءتم



  • وضع البلاد فوضعها متاءزم
    فيه ينوح وكل حفل ماءتم
    فيه ينوح وكل حفل ماءتم



الى اءن يقول :




  • ماذا اءبث من الشجون وبعض ما
    ماذا اءخط والف لون للاسى
    فاستعرضوا وضع البلاد فوضعها
    حرية الافكار رهن رقابة
    والحكم بالارهاب يوصد بابه
    واءماتت الفوضى النظام بمهده
    وتقهقرت للاقتصاد زراعة
    ورؤوس اءموال البلاد تمزقت
    وجرت جروح الشعب حتى اغرقت
    وخلاصة الاحداث لا وطنية
    ان المناصب غاية منشودة
    وطريقها هذا الصراع المؤلم



  • في القلب من اءلم يضيق به الفم
    في لوحة النفس الحزينة يرسم
    من كل ناحية يسي ويؤلم
    سوداء يفرضها نظام مظلم
    فاذا تنفس فهو صل اءرقم
    فالامن للعنقاء فيها تواءم
    وصناعة خطط بها يتقدم
    بيد الضرائب والجمود يخيم
    جثث الضحايا والسيول هي الدم
    فيها ولا وعي بها متقدم
    وطريقها هذا الصراع المؤلم
    وطريقها هذا الصراع المؤلم



/ 15