بحوث فی الملل والنحل جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بحوث فی الملل والنحل - جلد 6

جعفر سبحانی تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید







ماهو الهدف من نقل هذه الرسائل:



1- إنّ هذه الرسائل لدليل واضح على أنّ جلّ عقائد الشيعة، مأخوذة من الكتاب والسنّة وكلمات أئمّتهم، وأنّ الشيعة كانت في أواخر القرن الثاني ذات عقائد منتظمة ومستوعبة لجميع ما يرتبط بالمعارف الإلهية فترى أنّ ما كتبه الإمام الرضا، وما عرضه السيد عبدالعظيم الحسني على الإمام الهادي، هو السائد في هذه الرسائل .


2- يوجد في ثنايا هذه الرسائل آراء خاصّة لمؤلّفيها، ربّما يقع فيها النقاش والجدال والخلاف مع غيرهم من علماء الشيعة، فليس كل ما جاء فيها عقيدة لجميع علماء الشيعة ومؤلّفيهم ولكن المجموع من حيث المجموع تمثّل عقائد الشيعة في مجال صفاته سبحانه وأفعاله، وما يرجع إلى النبوّة والإمامة، والحياة الأخروية، خصوصاً فيما يرجع إلى الاعتقاد بمقامات الأئمّة وصفاتهم. فمن يريد أن يتعرّف على عقائد الشيعة فليرجع إليها بدل الرجوع إلى الكتب المؤلّفة من قبل أعدائهم وخصمائهم .


3- إنّ الإمعان في الاُصول الّتي جاءت في هذه الكتب والرسائل يعرب عن موافقة الشيعة في أكثر المسائل العقائدية لعامّة المسلمين. وربّما يختلفون عنهم في اُصول تختص بمجال الإمامة والقيادة بعد الرسول. وبما أنّ الأشاعرة والمعتزلة كانتا تمثّلان جمهور المسلمين في العصور المتقدّمة. نذكر في المقام الفوارق الجوهرية بين الشيعة والمعتزلة أوّلا، وبين الشيعة و الأشاعرة ثانياً، ثمّ نكمل البحث عن الفوارق الموجودة بينهم وبين سائر الفرق الإسلامية .


الفوارق بين الشيعة والمعتزلة:



إنّ هناك فوارق بين الطائفتين ربّما أشبعنا الكلام فيها في الجزء الرابع من هذه



الموسوعة، وذكرنا بأنّ من يتّهم الشيعة بأنّهم أخذوا عقائدهم من المعتزلة فهو خاطىء، فنشير في المقام إلى هذه الفوارق على وجه الاجمال، وإن كانت بين الطائفتين اُصول مشتركة ربّما تقف عليها عند بيان الفوارق بين الشيعة والأشاعرة.


1- الشفاعة: أجمع المسلمون كافّة على ثبوت أصل الشفاعة وأنّها تقبل من الرسول الأكرم واختلفوا في تعيين المشفَّع، فقالت الإمامية والأشاعرة: إنّ النبي يشفع لأهل الكبائر باسقاط العقاب عنهم أو باخراجهم من النار، وقالت المعتزلة، لا يشفع إلاّ للمطيعين، المستحقّين للثواب وتكون نتيجة الشفاعة ترفيع الدرجة.


2- مرتكب الكبيرة: عند الامامية والأشاعرة مؤمن فاسق، وقالت المعتزلة: بل منزلة بين المنزلتين .


3- الجنّة والنار: قالت الإمامية والأشاعرة انّهما مخلوقتان الآن بدلالة الشرع على ذلك، وأكثر المعتزلة على أنّهما غير موجودتين .


4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: اتّفق المسلمون على وجوبهما، فقالت الإمامية والأشاعرة: يجبان سمعاً، ولولا النص لم يكن دليل على الوجوب، خلافاً للمعتزلة الذين قالوا بوجوبهما عقلا .


5- الأحباط: اتّفقت الإمامية والأشاعرة على بطلان الاحباط، وقالوا: لكل عمل حسابه الخاص، ولا ترتبط الطاعات بالمعاصي ولا المعاصي بالطاعات، والاحباط يختص بذنوب خاصة كالشرك وما يتلوه، بخلاف المعتزلة حيث قالوا: إنّ المعصية المتأخّرة تسقط الثواب المتقدم، فمن عبَدَ اللّه طول عمره ثمّ كذب فهو كمن لم يعبد اللّه أبداً .


6- الشرع والعقل: غالت المعتزلة في تمسّكهم بالعقل وغال أهل الظاهر في جمودهم على ظاهر النص وخالفهما الإمامية والأشاعرة، فأعطوا للعقل سهماً فيما



له مجال القضاء نعم أعطت الإمامية للعقل مجالا أوسع ممّا أعطته الأشاعرة. وسيوافيك تفصيله عند ذكر اختلاف الإمامية مع الأشاعرة .


7- اتفقت الإمامية والأشاعرة على أنّ قبول التوبة بفضل من اللّه ولا يجب عقلا اسقاطها للعقاب. وقالت المعتزلة: إنّ التوبة مسقطة للعقاب على وجه الوجوب .


8- اتفقت الإمامية على أنّ الأنبياء افضل من الملائكة، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .


9- اتفقت الإمامية على أنّ الإنسان غير مسيّر ولا مفوّض إليه، بل هو في ذلك المجال بين أمرين، بين الجبر والتفويض، وأجمعت المعتزلة على التفويض .


10- اتفقت الامامية والأشاعرة أنّه لابد في أوّل التكليف وابتدائه من رسول، وخالفت المعتزلة وزعموا أنّ العقول تعمل بمجردها عن السمع(1) .


هذه هي الاُصول الّتي خالفت الإمامية فيها المعتزلة ووافقت الأشاعرة، وهناك اُصول اُخرى تجد فيها موافقة الإمامية للمعتزلة ومخالفتها للأشاعرة، وإليك بعضها:


الفوارق بين الإمامية والأشاعرة:



هناك اُصول خالفت الإمامية فيها، الأشاعرة، مخالفة بالدليل والبرهان وتبعاً لأئمّتهم، ونذكر المهم منها:


1- اتّحاد الصفات الذاتية مع الذات: إنّ للّه سبحانه صفاتاً ذاتية كالعلم


1 . لاحظ للوقوف على هذه الاُصول الّتي خالفت الامامية والأشاعرة فيها المعتزلة الجزء الرابع من هذه الموسوعة ص 180 تجد فيه الفوارق الاُخر لم نذكرها اختصاراً .



والقدرة فهي عند الأشاعرة صفات قديمة مغايرة للذات زائدة عليها، وهي عند الإمامية والمعتزلة متّحدة مع الذات. وقد ذكرنا مضاعفات القول بالزيادة في الجزء الثاني من هذه الموسوعة .


2- الصفات الخبرية الواردة في الكتاب والسنّة، كالوجه والأيدي والاستواء وأمثالها، فالشيعة الإمامية يؤوّلونها تأويلا مقبولا، لاتأويلا مرفوضاً، أي تأخذ بالمفهوم التصديقي للجملة، لا بالمفهوم التصوّري للمفردات، فيقولون إنّ معنى (بَل يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء)(1) معناه: أنّه بريء من البخل، بل هو باذل وسخي، وقادر على البذل. وأمّا الاشاعرة فهم يفسّرونها بالمفهوم التصوّري ويقولون إنّ للّه سبحانه يدين غير أنّهم يتهرّبون عن التجسيم والتشبيه بقولهم: بلا كيف، وقد أوضحنا مضاعفات هذا القول عند البحث عن عقائدهم في الجزء الثاني .


3- أفعال العباد عند الامامية صادرة من نفس العباد، صدوراً حقيقياً بلا مجاز أو توسّع، فالإنسان هو الضارب، هو الآكل، هو القاتل، هو المصلّي، هو القارئ وهكذا، وقد قلنا: إنّ استعمال كلمة «الخلق» في أفعال الإنسان، استعمال غير صحيح فلا يقال: خلقت الأكل والضرب والصوم والصلاوة، وإنّما يقال: فعلتها فالصحيح أن يقال: إنّ الإنسان هو الفاعل لأفعاله بقدرة مكتسبة من اللّه، وانّ قدرته المكتسبة هي المؤثّرة باذن من اللّه سبحانه .


وأمّا الأشاعرة فذهبوا إلى أنّ أفعال العباد مخلوقة للّه سبحانه، فليس للإنسان فيها صنع ولا دور، وليس لقدرته أي تأثير في تحقّق الفعل، وأقصى ما عندهم أنّ إرادة الإنسان للعقل تقارن ايجاد اللّه سبحانه فعله في عالم التكوين والوجود .


1 . المائدة / 64 .



ولمّا رأى الشيخ الأشعري وأتباعه أنّ ذلك عبارة عن نفس القول بالجبر، واقصاء الإنسان عن أفعاله، وبالتالي براءته من مسؤوليتها، ابتدعوا نظرية الكسب المعقدة فقالوا: إنّ اللّه هو الخالق والإنسان هو الكاسب، وقد ذكرنا أنّ نظرية الكسب من الألغاز الّتي لم يفهمها مخترعوها .


4- إنّ الاستطاعة في الإنسان على فعل من الأفعال تقارنه تارة، وتتقدّم عليه اُخرى. فلو اُريد من القدرة العلّة التامّة فهي مقارنة، ولو اُريد العلّة الناقصة فهي متقدّمة خلافاً للأشاعرة، فقد قالوا بالتقارن مطلقاً .


5- رؤية اللّه بالأبصار في الآخرة، فهي مستحيلة عند الإمامية والمعتزلة، ممكنة عند الاشاعرة.


6- كلامه سبحانه عند الامامية هو فعله، فهو حادث لا قديم، وهذا خلافاً للأشاعرة: فكلامه عبارة عن الكلام النفسي القائم بذاته، فهو قديم كقدم الذات .


7- التحسين والتقبيح العقليان، ذهبت الامامية إلى أنّ العقل يدرك حسن بعض الأفعال أو قبحها، بمعنى أنّ نفس الفعل من أي فاعل صدر، سواء أكان الفاعل قديماً أو حادثاً، واجباً أو ممكناً، يتّصف بأحدهما فيرى مقابلة الإحسان بالإحسان أمراً حسناً، ومقابلته بالاساءة أمراً قبيحاً، ويتلقّاه حكماً مطلقاً سائداً على مرّ الحقب والأزمان، لا يغيّره شيء، وهذا خلافاً للأشاعرة، فقد عزلوا العقل عن إدراك الحسن والقبيح وبذلك خالفوا الامامية والمعتزلة في الفروع المترتّبة عليه(1) .


هذه هي الاُصول التي تخالف الامامية فيها الأشاعرة وربّما توافقهم المعتزلة في جميعها أو أكثرها. كل ذلك يثبت أنّ للشيعة الامامية منهجاً كلامياً خاصّاً نابعاً من


1 . لاحظ للوقوف على هذه الاُصول المترتّبة على القول بالتحسين والتقبيح العقليين الجزء الثاني من هذه الموسوعة 289 ـ 292 .



الكتاب والسنّة، وكلمات العترة الطاهرة والعقل فيما له مجال القضاء وليست الشيعة متطفّلة في منهجها الكلامي على أيّة من الطائفتين. وأنت إذا وقفت على الكتب الكلامية المؤلّفة في العصور المتقدّمة من عصر الفضل بن شاذان (ت 260) إلى عصر شيخنا الطوسي (385 ـ 460) ومن بعده بقليل، تجد منهجاً كلامياً مبرهناً متزّناً واضحاً لا تعقيد فيه ولا غموض، وعلى تلك الاُصول وذلك المنهج درج علماؤهم المتأخّرون في الأجيال التالية، فألّف الشيخ الحلبي (374 ـ 447) «تقريب المعارف» والشيخ سديد الدين الحمصي (ت 600) كتابه «المنقذ من التقليد» وتوالى بعدهم التأليف على يد الفيلسوف الكبير نصير الدين الطوسي (597 ـ 672) ومعاصره ابن ميثم البحراني (ت 589) وتلميذه العلاّمة الحلّي (648 ـ 726) وهكذا... كل ذلك يكشف عن أنّ الأئمّة طرحوا اُصول العقائد، وغذّوا أصحابهم وتلاميذهم بمعارف سامية، اُعتبر الحجر الأساس للمنهج الكلامي الشيعي، وتكامل المنهج من خلال الجدل الكلامي والنقاش العلمي في الظروف المتأخّرة فوصل إلى الذروة والقمّة فالناظر في الكتب الكلامية للسيّد الشريف المرتضى كـ «الشافي»(1) و«الذخيرة»(2) يجد منبعاً غنيّاً بالبحوث الكلامية كما أنّ الناظر في كتب العلاّمة الحلّي المختلفة كـ «كشف المراد»(3) و«نهاية المرام»(4) وغيرهما يقف على أفكار سامية أنضجها البحث والنقاش عبر القرون، فبلغت غايتها القصوى .


وقد توالى التأليف في عقائد الشيعة واُصولهم من العصور الاُولى إلى يومنا هذا، ولا يحصيها إلاّ محصي قطرات المطر وذرّات الرمال .


1 . المطبوع في بيروت في أربعة أجزاء .


2 . المطبوع في ايران في جزأين .


3 . الكتاب الدراسي في الجامعات الشيعية .


4 . مخطوط نحتفظ منها بنسخة وهي في يد التحقيق .



هذا وانّ الشيعة وإن خالفوا في هذه الاُصول طائفة من الطوائف الإسلامية ووافقوا طوائف اُخرى، ولكن هناك اُصول اتّفق الجميع فيها دون استثناء، وهو ظاهر لمن قرأ ما أثبتناه من الرسائل والكتيبات .


أفما آن للمسلمين أن يتّحدوا في ظلال هذه الاُصول المؤلّفة لقلوبهم، ويتظلّلوا بظلالها، ويتمسّكوا بالعروة الوثقى، ويكون شعارهم: انّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، وأن لا يصغوا إلى النعرات المفرّقة، المفترية على الشيعة وأئمّتهم، وليكن شعارنا في التأليف: التحقيق والتاكّد من عقائد الآخرين، ثمّ التدوين .


الفوارق بين الشيعة وسائر الفرق:



إذا تعرّفت على الفوارق الموجودة بين الشيعة وبعض طوائف المسلمين، فهلّم معي إلى الفوارق الجوهرية بينهم وبين سائر الطوائف الّتي صيّرتهم إلى فرقتين متمايزتين، وأكثرها يرجع إلى مسألة القيادة والخلافة بعد الرسول الأكرم، فنأخذ بالبحث عنها على وجه الإجمال:



المسألة الأُولى:



وجوب تنصيب الإمام على اللّه سبحانه



اتّفقت الاُمّة الإسلامية على وجوب نصب الامام، سوى العجاردة من الخوارج، ومعهم حاتم الأصمّ أحد شيوخ المعتزلة (237)(1) فذهب المسلمون إلى وجوب نصب الإمام، إمّا على اللّه سبحانه كما عليه الشيعة، وإمّا على الاُمّة كما عليه غيرهم، فوجوب نصب الامام لا خلاف فيه بين المسلمين، وإنّما الكلام في تعيين من يجب عليه ذلك .


وليس المراد من وجوبه على اللّه سبحانه، هو إصدار الحكم من العباد على اللّه سبحانه، حتّى يقال (إنِ الحُكْمُ إلاّ لِلّهِ)(2) بل المراد كما ذكرنا غير مرّة، أنّ العقل


1 . ادّعت العجاردة بأنّ الواجب على الاُمّة التعاون والتعاضد لإحياء الحق وإماتة الباطل، ومع قيام الاُمّة بهذا الواجب لا يبقى للإمام فائدة تستدعي تسلّطه على العباد، أمّا إذا اختلفت الاُمّة ولم تتعاون على نشر العدل واحقاق الحق فيجب عليها تعيين من يقوم بهذه المهمات، وعلى ذلك فالإمامة لا تجب بالشرع ولا بالعقل، وإنّما تجب للمصلحة أحياناً، وقد تعرّفت على عقيدة الخوارج في الموضوع في الجزء الخامس من هذه الموسوعة .


2 . يوسف / 40 .



حسب التعرّف على صفاته سبحانه، من كونه حكيماً غير عابث، يكشف عن كون مقتضى الحكمة هو لزوم النصب أو عدمه، وإلاّ فالعباد أقصر من أن يكونوا حاكمين على اللّه سبحانه .


ثمّ إنّ اختلافهم في كون النصب فرضاً على اللّه أو على الاُمّة، ينجم عن اختلافهم في حقيقة الخلافة والامامة عن رسول اللّه. فمن ينظر إلى الامام كرئيس دولة ليس له وظيفة إلاّ تأمين الطرق والسبل، وتوفير الأرزاق، واجراء الحدود، والجهاد في سبيل اللّه، إلى غيرذلك ممّا يقوم به رؤساء الدول باشكالها المختلفة، فقد قال بوجوب نصبه على الاُمّة، إذ لا يشترط فيه من المواصفات إلاّ الكفاءة والمقدرة على تدبير الاُمور وهذا ما يمكن أن تقوم به الاُمّة الإسلامية، وأمّا على القول بأنّ الإمامة استمرار لوظائف الرسالة (لا لنفس الرسالة فانّ الرسالة والنبوّة مختومتان بالتحاق النبي الأكرم بالرفيق الأعلى) فمن المعلوم إنّ تقلّد هذا المقام يتوقّف على توفّر صلاحيات عالية لا ينالها الفرد إلاّ إذا حظي بعناية إلهية خاصة فيخلف النبي في علمه بالاُصول والفروع، وفي سد جميع الفراغات الحاصلة بموته، ومن المعلوم أنّه لا تتعرّف عليه الاُمّة إلاّ عن طريق الرسول، ولا يتوفّر وجوده إلاّ بتربية غيبيّة.


فقد ظهر من ذلك انّ كون القيادة الإسلامية بعد النبي بيداللّه أو بيد الاُمّة، أو انّ التعيين هل هو واجب عليه سبحانه أو عليهم، ينجم عن الاختلاف في ماهية الخلافة .


فمن جعلها سياسة زمنية وقتية يشغلها فرد من الاُمّة بأحد الطرق، قال في حقه: «لا ينخلع الامام بفسقه وظلمه بغصب الاُموال وضرب الابشار، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود، ولا يجب الخروج عليه، بل يجب



وعظه وتخويفه، وترك طاعته في شيء ممّا يدعوا إليه من معاصي اللّه»(1) .


فمن قال: بأنّ الإمام بعد الرسول أشبه برئيس الدولة والوزراء، تنتخبه الاُمّة الإسلامية قال في حقه: «ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة اُمورنا وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة اللّه فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة. والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برّهم وفاجرهم، إلى قيام الساعة، ولا يبطلهما شيء ولا ينقضهما»(2).


وقد درج على هذه الفكرة متكلّمو السنّة ومحدّثوهم، حتّى قال التفتازاني: «ولا ينعزل الامام بالفسق، أو بالخروج عن طاعة اللّه تعالى، والجور (الظلم على عباد اللّه) لأنّه قد ظهر الفسق وانتشر الجور من الأئمّة والاُمراء بعد الخلفاء الراشدين، والسلف كانوا ينقادون لهم، ويقيمون الجمع والأعياد بإذنهم، ولا يرون الخروج عليهم، ونقل عن كتب الشافعية: انّ القاضي ينعزل بالفسق بخلاف الامام، والفرق انّ في انعزاله ووجوب نصب غيره اثارة الفتنة، لما له من الشوكة، بخلاف القاضي»(3).


ومن فسّر الامامة بأنّها عبارة عن إمرة إلهية واستمرار لوظائف النبوّة كلّها سوى تحمّل الوحي الإلهي، فلا مناص له عن القول: بوجوب نصبه على اللّه سبحانه .


1 . التمهيد للقاضي أبي بكر الباقلاني (ت 403): 181 .


2 . العقيدة الطحاوية 379 ـ 387 .


3 . شرح العقائد النسفية: وهي لأبي حفص عمرو بن محمّد النسفي (ت 573) والشرح لسعد الدين التفتازاني (ت 791): 185 ـ 186، ولاحظ في هذا المجال مقالات الاسلاميين للأشعري: 323، واُصول الدين لمحمّد بن عبدالكريم البزدوي إمام الماتريدية: 190 .



وقد استدلّت الامامية على وجوب نصب الامام على اللّه سبحانه: بأنّ وجود الامام الّذي اختاره اللّه سبحانه، مقرّب من الطاعات، ومبعد عن المعاصي وقد أوضحوه في كتبهم الكلامية. والمراد من اللطف المقرب هنا ما عرفت من أنّ رحلة النبي الأكرم تترك فراغات هائلة بين الاُمّة في مجالي العقيدة والشريعة، كما تترك جدالا ونزاعاً عنيفاً بين الاُمّة في تعيين الامام. فالواجب على اللّه سبحانه من باب اللطف هو سدّ هذه الفراغات بنصب من هو صنو النبي الأكرم في علمه بالعقيدة والشريعة، وفي العدالة والعصمة، والتدبير والحنكة، وحسم مادة النزاع المشتعل برحلة الرسول، ولمّ شعث الاُمّة، وجمعهم على خط واحد .


والعجب انّ المعتزلة ممّن تقول: بوجوب اللطف والأصلح على اللّه سبحانه، ولكنّهم لم يلتزموا بها في المقام، مع العلم بأنّ المورد من جزئياته، والّذي منعهم عن الالتزام بالقاعدة في المقام بأنّهم لو قالوا بها في هذه المسألة لزمهم أن يقولوا بعدم صحة خلافة الخلفاء المتقدمين على علىّ، لأنّ قاعدة اللطف تقتضي أن يكون الخليفة منصوصاً عليه من اللّه سبحانه .


ثمّ إنّك تعرّفت على أنّ الرسول الأكرم بوحي من اللّه سبحانه، قام بتطبيق القاعدة، ونصب إماماً للاُمّة، ليقود أمرهم ويسد جميع الفراغات الحاصلة بلحوقه بالرفيق الأعلى، وبذلك حسم مادة النزاع، وقطع الطريق على المشاغبين، ولكنّه ـ وللأسف ـ تناست الاُمّة وصية الرسول وأمره، فانقسموا إلى طوائف وأحزاب، وقامت بينهم المعارك والحروب الّتي اُريقت فيها الدماء واستبيحت الأعراض، وتبدّلت المفاهيم، واختلفت القيم، ومازال ولم تزل معاناة الاُمّة من هذا الانشقاق، وأصبح التقريب فضلا عن الوحدة أمراً متعسّراً على المفكرين، نسأل اللّه سبحانه أن يسد تلك الفجوة العميقة بايقاظ شعور علماء الاُمّة ومصلحيهم في المستقبل .



المسألة الثانية:



عصمة الإمام



تفرّدت الامامية من بين الفرق الإسلامية بوجوب عصمة الامام من الذنب والخطأ، مع اتّفاق غيرم على عدمه .


قال الشيخ المفيد: إنّ الأئمّة معصومون كعصمة الأنبياء، ولا تجوز عليهم صغيرة إلاّ ما قدم ذكر جوازه على الأنبياء، ولا تجوز عليهم صغيرة إلاّ ما قدم ذكر جوازه على الأنبياء، ولا ينسون شيئاً من الأحكام، ولا يدخل في مفهوم العصمة سلب القدرة عن المعاصي، ولا كون المعصوم مضطراً إلى فعل الطاعات، فإنّ ذلك يستدعي بطلان الثواب والعقاب، هذه هي عقيدة الامامية في الامامة، وقد استدلّوا عليه بوجوه من العقل والسمع. أمّا العقل فقالوا: إنّ الامام منفذ لما جاء به الرسول، وحافظ للشرع، وقائم بمهام الرسول كلّها، فلو جاز عليه الخطأ والكذب، لا يحصل الغرض من إمامته .



حقيقة العصمة:



العصمة قوة تمنع صاحبها من الوقوع في المعصية والخطأ، حيث لا يترك واجباً، ولا يفعل محرَّماً مع قدرته على الترك والفعل، وإلاّ لم يستحق مدحاً ولا ثواباً، وإن شئت قلت: إنّ المعصوم قد بلغ من التقوى حدّاً لا تتغلَّب عليه الشهوات والأهواء، وبلغ من العلم في الشريعة وأحكامها مرتبةً لا يخطأ معها أبداً.


وليست العصمة شيئاً ابتدعتها الشيعة، وإنّما دلَّهم عليهما في حق العترة الطاهرة، كتاب اللّه وسنّة رسوله. قال سبحانه: (إنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرِكُمْ تَطْهِيراً)(1) وليس المراد من الرجس إلاّ الرجس المعنوي وأظهره هو الفسق. وقال الرسول: «علي مع الحق والحق مع عليٍّ يدور معه كيفما دار»(2) ومن دار معه الحق كيفما دار، محال أن يعصي أو أن يخطأ، وقول الرسول في حق العترة: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا»(3) فاذا كانت العترة عدل القرآن تصبح معصومة كالكتاب، لا يخالف أحدهما الآخر، وليس القول بعصمة العترة بأعظم من القول بكون الصحابة كلّهم عدول .


وليس للقول بالعصمة في حق العترة منشأ سوى الكتاب والسنّة، وسيوافيك بعض دلائلهم .


نعم شذَّ من قال انّ عقيدة العصمة تسرّبت إلى الشيعة من الفرس الذين نشأوا


1 . الأحزاب / 33 .


2 . حديث مستفيض، رواه الخطيب في تاريخه 14 / 321 والهيثمي في مجمعه 7 / 236 وغيرهما.


3 . حديث متواتر أخرجه مسلم في صحيحه، والدارمي في فضائل القرآن وأحمد في مسنده 2 / 114 وغيرهم .



على تقديس الحاكم، لهذا أطلق عليها العرب النزعة الكسروية، ولا أعرف أحداً من العرب قال ذلك في حدود اطلاعي، ولعلّ غالبية الشيعة كانت ترمي من وراء هذه الفكرة إلى تنزيه علي من الخطأ حتّى يتّضح للملأ عدوان بني أمية في اغتصاب الخلافة. هذا وفي اليهودية كثير من المذاهب الّتي تسرَّبت إلى الشيعة(1) .


هب انّ عصمة الامام تسرّبت إلى الشيعة من الطريق الّذي أشار إليه الكاتب فمن أين تسرّبت عصمة النبي الّتي يقول بها أهل السنّة جميعاً في التبليغ وبيان الشريعة، فهل هذه الفكرة تسرّبت إلى أهل السنّة من اليهود .


لا واللّه إنّها عقيدة اسلامية واقتبسها القوم من الكتاب والسنّة من دون أخذ من اليهود والفرس، فما ذكره الكاتب تخرُّص على الغيب، بل فرية واضحة .


إنّ الاختلاف في لزوم توصيف الامام وعدمه، ينشأ من الاختلاف في تفسير الامامة بعد الرسول وماهيتها وحقيقتها فمن تلقّى الامامة ـ بعد الرسول ـ بأنّها مقام عرفي لتأمين السبل، وتعمير البلاد واجراء الحدود، فشأنه شأن سائر الحكّام العرفيين. وأمّا من رأى الامامة بأنّها استمرار لتحقيق وظيفة الرسالة وأنّ الامام ليس بنبىّ ولا يوحى إليه، لكنّه مكلّف بملء الفراغات الحاصلة برحلة النبي، فلا محيص له عن الالتزام بها، لأنّ الغاية المنشودة لا تحصل بلا تسديد إلهي كما سيوافيك، نعم إنّ أهل السنّة يتحرَّجون من توصيف الامام بالعصمة ويتخيِّلون أنّ ذلك يلازم النبوّة وما هذا إلاّ أنّهم لا يفرّقون بين الإمامتين ولكل معطياته والتفصيل موكول إلى محلّه .


1 . الدكتور نبيه حجاب: مظاهر الشعوبية في الأدب العربي 492، كما في هوية التشيع 166 .



الدليل على لزوم عصمة الامام بعد النبىّ:



استدل على لزوم العصمة في الامام بوجوه نأتي بها.


الأوّل: انّ الامامة إذا كانت استمراراً لوظيفة النبوة والرسالة، وكان الامام يملأ جميع الفراغات الحاصلة جرّاء رحلة النبي الأكرم، فلا مناص من لزوم عصمته، وذلك لأنّ تجويز المعصية يتنافى مع الغاية الّتي لأجلها نصبه اللّه سبحانه إماماً للاُمّة، فانّ الغاية هي هداية الاُمّة إلى الطريق المهيع، ولا يحصل ذلك إلاّ بالوثوق بقوله، والاطمئنان بصحة كلامه، فاذا جاز على الامام الخطأ والنسيان، والمعصية والخلاف، لم يحصل الوثوق بأفعاله وأقواله، وضعفت ثقة الناس به، فتنتفي الغاية من نصبه، وهذا نفس الدليل الّذي استدلّ به المتكلمون على عصمة الأنبياء، والامام وإن لم يكن رسولا ولا نبيّاً ولكنّه قائم بوظائفهما .


نعم لو كنت وظيفة الامام مقتصرة بتأمين السبل وغزو العدو و الانتصاف للمظلوم وما أشبه ذلك، لكفى فيه كونه رجلا عادلا قائماً بالوظائف الدينية، وأمّا إذا كانت وظيفته أوسع من ذلك كما هو الحال في مورد النبىّ، فكون الامام عادلا قائماً بالوظائف الدينية، غير كاف في تحقيق الهدف المنشود من نصب الامام .


فقد كان النبي الأكرم يفسّر القرآن الكريم ويشرح مقاصده وأهدافه ويبيّن أسراره .


كما كان يجيب على الأسئلة في مجال الموضوعات المستحدثة وكان يردّ على الشبهات والتشكيكات الّتي كان يلقيها أعداء الإسلام .


وكان يصون الدين من محاولات التحريف والتغيير .


وكان يربّي المسلمين ويهذّبهم ويدفعهم نحو التكامل .


فالفراغات الحاصلة برحلة النبي الأكرم لا تسدّ إلاّ بوجود انسان مثالي تقوم



بتلك الواجبات وهو فرع كونه معصوماً عن الخطأ والعصيان(1) .


الثاني: قوله سبحانه: (أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ وَ اُولِى الأمْرِ مِنْكُمْ)(2) .


والاستدلال مبني على دعامتين:


1- إنّ اللّه سبحانه أمر بطاعة اُولي الأمر على وجه الاطلاق، إي في جميع الأزمنة والأمكنة، وفي جميع الحالات والخصوصيات، ولم يقيّد وجوب امتثال أوامرهم ونواهيهم بشيء كما هو مقتضى الآية .


2- إنّ من البديهي أنّه سبحانه لا يرضى لعباده الكفر والعصيان (ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْر)(3) من غير فرق بين أن يقوم به العباد ابتداءً من دون تدخّل أمر آمر أو نهي ناه، أو يقومون به بعد صدور أمر ونهي من اُولي الأمر .


فمقتضى الجمع بين هذين الأمرين (وجوب اطاعة اُولي الأمر على وجه الاطلاق، وحرمة طاعتهم إذا أمروا بالعصيان) أن يتّصف أولي الأمر الذين وجبت اطاعتهم على وجه الاطلاق، بخصوصية ذاتية وعناية إلهية ربّانية، تصدّهم عن الأمر بالمعصية والنهي عن الطاعة. وليس هذا إلاّ عبارة أُخرى عن كونهم معصومين، وإلاّ فلو كانوا غير واقعين تحت تلك العناية، لما صحّ الأمر باطاعتهم على وجه الاطلاق ولما صحَّ الأمر بالطاعة بلا قيد وشرط. فتستكشف من إطلاق الأمر بالطاعة، اشتمال المتعلّق على خصوصية تصدّه عن الأمر بغير الطاعة .


وممّن صرّح بدلالة الآية على العصمة الامام والرازي في تفسيره، ويطيب لي


1 . هذا اجمال ما أوضحناه في بحوثنا الكلامية فلاحظ الإلهيات 2 / 528 ـ 539 .


2 . النساء / 59 .


3 . الزمر / 7 .



أن أذكر نصَّه حتّى يمعن فيه أبناء جلدته وأتباع طريقته قال:


إنّ اللّه تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع، لابد وأن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير اقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهى عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنّه محال، فثبت أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كل من أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أنّ اُولي الأمر المذكور في هذه الآية لابد وأن يكون معصوماً(1) .


ولمّا وقف الرازي على تمامية دلالة الآية على عصمة اُولي الأمر، وهي لا توافق مذهبه في الامامة حاول أن يؤول الآية بما يوافقه مع أنّ الواجب على أمثاله، أن يتعرّف على «اُولي الأمر» الّذي استظهر من الآية كونهم معصومين، ولكنّه زلّت قدمه، ولم يستغل هذه الفكرة، ولم يستثمرها، فأخذ يتهرّب من نتائج الفكرة بالقول بأنّا عاجزون عن معرفة الامام المعصوم، عاجزون عن الوصول إليه، عاجزون عن استفادة الدين والعلم منه، فاذا كان الأمر كذلك فالمراد ليس بعضاً من أبعاض الاُمّة، بل المراد هو أهل الحل والعقد من الاُمّة .


يلاحظ عليه: بأنّه إذا دلّت الآية على عصمة اُولي الأمر فيجب علينا التعرّف عليهم، وادّعاء العجز، هروب من الحقيقة فهل العجز يختص بزمانه أو كان يشمل زمان نزول الآية، لا أظن أن يقول الرازي بالثاني فعليه أن يتعرّف على المعصوم في زمان النبىّ وعصر نزول الآية، فبالتعرّف عليهم، يعرف معصوم زمانه، حلقة بعد


1 . مفاتيح الغيب 10 / 144 .



أخرى، ولا يعقل أن يأمر الوحي الإلهي باطاعة المعصوم ثم لا يقوم بتعريفه حين النزول، فلو آمن الرازي بدلالة الآية على عصمة اُولي الأمر، لكان عليه أن يؤمن بقيام الوحي الإلهي على تعريفهم بلسان النبي الأكرم .


إذ لا معنى أن يأمر اللّه سبحانه باطاعة المعصوم، ولا يقوم بتعريفه .


ثمّ إنّ تفسير «اُولي الأمر» بأهل الحل والعقد، تفسير للغامض ـ حسب نظر الرازي ـ بالأغمض إذ هو ليس بأوضح من الأول، فهل المراد منهم: العساكر والضباط، أو العلماء والمحدّثون، أو الحكام والسياسيون أو الكل. وهل اتّفق اجماعهم على شيء، ولم يخالفهم لفيف من المسلمين .


إذا كانت العصمة ثابتة للاُمّة عند الرازي كما علمت، فهناك من يرى العصمة لجماعة من الاُمّة كالقراء والفقهاء والمحدّثين، هذا هو ابن تيمية يقول في ردّه على الشيعة عند قولهم : انّ وجود الامام المعصوم لابدّ منه بعد موت النبي يكون حافظاً للشريعة ومبيّناً أحكامها خصوصاً أحكام الموضوعات المتجدّدة، يقول: إنّ أهل السنّة لا يسلمون أن يكون الامام حافظاً للشرع بعد انقطاع الوحي، وذلك لأنّ ذلك حاصل للمجموع، والشرع إذا نقله أهل التواتر كان ذلك خيراً من نقل الواحد، فالقرّاء معصومون في حفظ القرآن وتبليغه، والمحدّثون معصومون في حفظ الأحاديث وتبليغها، والفقهاء معصومون في الكلام والاستدلال(1) .


يلاحظ عليه: كيف يدّعي العصمة لهذه الطوائف مع أنّهم غارقين في الاختلاف في القراءة والتفسير، و الحديث والأثر، والحكم والفتوى، والعقيدة والنظر، ولو أغمضنا عن ذلك فما الدليل على عصمة تلكم الطوائف خصوصاً على قول القائل بأنّ القول بالعصمة تسرّب من اليهود إلى الأوساط الإسلامية .


1 . ابن تيمية: منهاج السنّة كما في نظرية الامامية 120 .




الثالث: قوله سبحانه: (وإذِ ابْتَلى إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِمات فَأتَمَّهُنَّ قالَ إنِّى جاعِلُكَ لِلنّاسِ إماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتى قالَ لا يَنالُ عَهْدِى الظّالِمينَ)(1) .


والاستدلال بالآية على عصمة الامام، يتوقّف على تحديد مفهوم الامامة الواردة في الآية والمقصود منها غير النبوّة وغير الرسالة، فأمّا الأوّل فهو عبارة عن منصب تحمّل الوحي، والثاني عبارة عن منصب ابلاغه إلى الناس. والإمامة المعطاة للخليل في اُخريات عمره غير هذه وتلك، لأنّه كان نبياً ورسولا وقائماً بوظائفهما طيلة سنين حتّى خوطب بهذه الآية، فالمراد من الإمامة في المقام هو منصب القيادة، وتنفيذ الشريعة في المجتمع بقوة وقدرة. ويعرب عن كون المراد من الامامة في المقام هو المعنى الثالث، قوله سبحانه:(أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْراهيمَ الكِتابَ والحِكْمَةَ و آتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظيماً)(2) .


فالإمامة الّتي أنعم بها اللّه سبحانه على الخليل وبعض ذرّيته، هي الملك العظيم الوارد في هذه الآية. وعلينا الفحص عن المراد بالملك العظيم، إذ عند ذلك يتّضح أنّ مقام الامامة، وراء النبوّة والرسالة، وانّما هو قيادة حكيمة، وحكومة إلهية، يبلغ المجتمع بها إلى السعادة. واللّه سبحانه يوضح حقيقة هذا الملك في الآيات التالية:


1- يقول سبحانه ـ حاكياً قول يوسف ـ عليه السلام ـ : (رَبِّ قَدْ اَتَيْتَنِى مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِنْ تَأويلِ الأحاديثِ)(3) ومن المعلوم أنّ الملك الّذي منّ به


1 . البقرة / 124 .


2 . النساء / 54 .


3 . يوسف / 101 .



سبحانه على عبده يوسف، ليس النبوّة، بل الحاكمية حيث صار أميناً مكيناً في الأرض. فقوله: (وعلمتني من تأويل الأحاديث) اشارة إلى نبوّته، والملك اشارة إلى سلطته وقدرته .


2- ويقول سبحانه في داود ـ عليه السلام ـ : (وَ آتاهُ اللّهُ المُلْكَ وَ الحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشآءُ)(1)ويقول سبحانه: (وَ شَدَدْنَا مُلْكَهُ وآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ)(2) .


3- ويحكي اللّه تعالى عن سليمان أنّه قال: (وَهَبْ لِى مُلْكاً لا يَنْبَغِى لأحَد مِنْ بَعْدِى إنَّكَ أنْتَ الوَهَّابُ)(3) .


فملاحظة هذه الآيات يفسر لنا حقيقة الامامة، وذلك بفضل الاُمور التالية:


أ ـ إنّ إبراهيم طلب المامة لذريته، وقد أجاب سبحانه دعوته في بعضهم.


ب ـ إنّ مجموعة من ذرّيته، كيوسف وداود وسليمان، نالوا ـ وراء النبوّة والرسالة ـ منصب الحكومة والقيادة .


ج ـ إنّه سبحانه أعطى آل ابراهيم الكتاب، والحكمة، والملك العظيم .


فمن ضم هذه الاُمور بعضها إلى بعض، يخرج بهذه النتيجة: انّ ملاك الإمامة في ذرّية إبراهيم، هو قيادتهم وحكمهم في المجتمع، وهذه هي حقيقة الامامة، غير أنّها ربّما تجتمع مع المقامين الاُخريين، كما في الخليل، ويوسف، وداود، وسليمان، وغيرهم، وربّما تنفصل عنهما كما في قوله سبحانه: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قالُوا أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ




1 . البقرة / 251 .


2 . ص / 20 .


3 . ص / 35 .




بِالمُلكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ قَالَ إنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُم وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَ اللّهُ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَنْ يَشآءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَليمٌ)(1) .


والامامة الّتي يتبنّاها المسلمون بعد رحلة النبي الأكرم، تتّحد واقعيتها مع هذه الامامة .


ما هو المراد من الظالم:



قد تعرّفت على المقصود من جعل الخليل اماماً إماماً للناس، وانّ المراد هو القيادة الإلهية، وسوق الناس إلى السعادة بقوّة وقدرة ومنعة. بقي الكلام في تفسير الظالم الّذي ليس له من الإمامة سهم، فنقول:


لمّا خلع سبحانه ثوب الامامة على خليله، ونصبه للناس، ودعا إبراهيم أن يجعل من ذرّيته إماماً، اُجيب بأنّ الامامة منصب إلهي، لا يناله الظالمون، لأنّ الإمام هو المطاع بين الناس، المتصرّف في الأموال والنفوس، فيجب أن يكون على الصراط السويّ، والظالم المتجاوز عن الحد لا يصلح لهذا المنصب .


إنّ الظالم الناكث لعهد اللّه، والناقض لقوانينه وحدوده، على شفا جرف هار، لا يؤتمن عليه ولا تلقى إليه مقاليد الخلافة، لأنّه على مقربة من الخيانة والتعدي، وعلى استعداد لأن يقع أداة للجائرين، فكيف يصحّ في منطق العقل أن يكون إماماً مطاعاً، نافذ القول، مشروع التصرّف. وعلى ذلك، فكل من ارتكب ظلماً وتجاوز حداً في يوم من أيام عمره، أو عبد صنماً، أو لاذ إلى وثن، وبالجملة ارتكب ما هو حرام فضلا عمّا هو شرك وكفر، ينادى من فوق العرش في حقه: (لا ينال عهدي الظالمين) من غير فرق بين صلاح حالهم بعد تلك الفترة، أو البقاء على ما كانوا عليه .


1 . البقرة / 247 .



نعم اعترض «الجصاص» على هذا الاستدلال وقال: «إنّ الآية إنّما تشمل من كام مقيماً على الظلم وأمّا التائب منه فلا يتعلّق به الحكم، لأنّ الحكم إذا كان معلّقاً على صفة، وزالت تلك الصفة، زال الحكم. ألاترى أنّ قوله: (وَ لا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(1) إنّا ينهى عن الركون إليهم ما أقاموا على الظلم، فقوله تعالى: (وَ لا يَنال عَهدِى الظّالِمينَ) لم ينف به العهد عمّن تاب عن ظلمه، لأنّه في هذه الحاله لا يسمّى ظالماً، كما لا يسمّى من تاب من الكفر كافراً»(2) .


يلاحظ عليه: أنّ قوله «الحكم يدور مدار وجود الموضوع» ليس ضابطاً كلياً، بل الأحكام على قسمين، قسم كذلك، وآخر يكفي فيه اتّصاف الموضوع بالوصف والعنوان آناً ما، ولحظة خاصة، وإن انتفى بعد الاتّصاف، فقوله: «الخمر حرام»، أو: «في سائمة الغنم زكاة» من قبيل القسم الأوّل، وأمّا قوله: «الزاني يحد»، و «السارق يقطع» فالمراد منه انّ الإنسان المتلبّس بالزنا أو السرقة يكون محكوماً بهما وإن زال العنوان، وتاب السارق والزاني، ومثله: «المستطيع يجب عليه الحج» فالحكم ثابت، وإن زالت عنه الاستطاعة عن تقصير لا عن قصور .


وعلى ذلك فالمدعى أنّ «الظالمين» في الآية المباركة كالسارق والسارقة والزاني والزانية والمستطيع واُمّهات نسائكم في الآيات الراجعة إليهم .


نعم المهم في المقام، اثبات أنّ الموضوع في الآية من قبيل الثاني، وأنّ التلبّس بالظلم ولو آناً ما، يسلب عن الإنسان صلاحية الامامة، وإن تاب من ذنبه، فإنّ الناس بالنسبة إلى الظلم على أقسام أربعة:


1- من كان طيلة عمره ظالماً .


1 . هود / 113 .


2 . تفسير آيات الأحكام 1 / 72 .



2- من كان طاهراً ونقياً في جميع فترات عمره.


3- من كان ظالماً في بداية عمره، وتائباً في آخره .


4- من كان طاهراً في بداية عمره، وظالماً في آخره .


عند ذلك يجب أن نقف عن أنّ إبراهيم ـ عليه السلام ـ ، الّذي سأل الإمامة لبعض ذريته أىّ قسم منها أراد؟


حاشا إبراهيم أن يسأل الإمامة للقسم الأوّل، والرابع من ذريته، لوضوح انّ الغارق في الظلم من بداية عمره إلى آخره، أو المتّصف به أيام تصدّيه للإمامة، لا يصلح لأن يؤتمن عليها .


بقي القسمان الآخران، الثاني والثالث، وقد نص سبحانه على أنّه لا ينال عهده الظالم، والظالم في هذه العبارة لا ينطبق إلاّ على القسم الثالث، أعني من كان ظالماً في بداية عمره، وكان تائباً حين التصدي .


فإذا خرج هذا القسم، بقي القسم الثاني، وهو من كان نقي الصحيفة طيلة عمره، ولم ير منه لا قبل التصدّي ولا بعده أي انحراف عن جادة الحق، ومجاوزة للصراط السوي. وهو يساوي المعصوم .


العصمة في القول والراي:



إنّ الأئمة معصومون عن العصيان والمخالفة أوّلا، وعن الخطأ والزلة في القول ثانياً وما ذلك إلاّ لأنّ كلّ إمام من الأوّل إلى الثاني عشر، قد أحاط إحاطة شاملة كاملة بكل ما في هذين الأصلين بحيث لا يشذ عن علمهم معنى آية من آي الذكر الحكيم تنزيلا وتأويلا، ولا شيء من سنّة رسول اللّه قولا وفعلا وتقريراً و كفى بمن أحاط بعلوم الكتاب والسنّة فضلا وعلماً. ومن هنا كانوا قدوة الناس جميعاً بعد جدّهم الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .



وقد أخذ أهل البيت علوم الكتاب و السنّة وفهموها عن رسول اللّه تماماً(1) كما أخذها ووعاها رسول اللّه عن جبرائيل، وكما وعاها جبرائيل عن اللّه، ولا فرق أبداً في شيء إلاّ بالواسطة، وقال الشاعر الإمامي في هذا المعنى:


إذا شئت أن تبغي لنفسك مذهبا * ينجيك يوم البعث من لهب النار


فدع عنك قول الشافعي ومالك * وأحمد والمروى عن كعب أحبار


و وال اُناساً نقلهم وحديثهم * روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري


أخذ علىّ عن النبيّ، وأخذ الحسنان عن أبيهما، وأخذ علي بن الحسين عن أبيه، وهكذا كل إمام يأخذ العلم عن إمام، ولم ترو أصحاب السير والتواريخ أنّ أحداً من الأئمّة الإثنا عشر أخذ عن صحابي أو تابعي، فقد أخذ الناس العلم عنهم، ولم يأخذوه عن أحد، وقال الامام الباقر ـ عليه السلام ـ : لو كنّا نحدّث الناس برأينا وهوانا لهلكنا ولكن نحدّثهم بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم .(2)


1 . أو الهاماً غيبياً لأنّهم محدّثون، كما أنّ مريم كانت محدّثة، وفي صحيح البخاري: عن أبي هريرة قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجال يُكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فان كان من اُمتي منهم أحد فعمر. صحيح البخاري 2 / 194 باب مناقب عمر بن الخطاب .


2 . محمّد جواد مغنية: الشيعة والتشيّع 44 .





المسألة الثالثة:



الإمام المنتظر



إنّ الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر عقيدة مشتركة بين جميع المسلمين، إلاّ من أصمّه اللّه، فكل من كان له إلمام بالحديث يقف على تواتر البشارة عن النبي وآله واصحابه، بظهور المهدي في آخر الزمان لا زالة الجهل والظلم، ونشر اعلام العلم والعدل، واعلاء كلمة الحق واظهار الدين كلّه، ولو كره المشركون، وهو باذن اللّه ينجي العالم من ذُلِّ العبودية لغير اللّه، ويبطل القوانين الكافرة الّتي سنّتها الأهواء، ويقطع أوامر التعصبات القومية والعنصرية، ويميت أسباب العداء والبغضاء الّتي صارت سبباً لاختلاف الاُمّة واضطراب الكلمة، واشتعال نيران الفتن والمنازعات، ويحقق اللّه بظهوره وعده الّذي وعد به المؤمنين بقوله:


(وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَُيمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضى لَهُمْ






وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ اَمْناً يَعْبُدُونَنِى لا يُشْرِكُونَ بِى شَيئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَاُولئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ)(1) .


وقال سبحانه (وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادىَ الصَّالِحُونَ) (2) هذا ما اتّفق عليه المسلمون في الصدر الأوّل والأزمنة اللاحقة، وقد تضافر مضمون قول الرسول الأكرم: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلا وقسطاً كما ملئت ظلماً وجورا» .


ولو وجد هناك خلاف بين أكثر السنّة والشيعة، فالاختلاف في ولادته، فانّ الأكثرية من أهل السنّة يقولون بأنّه سيولد في آخر الزمان، والشيعة بفضل هذه الروايات، تذهب إلى أنّه ولد في «سرّ من رأى» عام 255، وغاب بأمر اللّه سبحانه سنة وفاة والده، عام 260، وهو يحيى حياة طبيعية كسائر الناس، غير أنّ الناس يرونه ولا يعرفونه، وسوف يظهره اللّه سبحانه ليحقق عدله .


وهذا المقدار من الاختلاف لا يجعل العقيدة بالمهدي عقيدة خلافية، ومن أراد أن يقف على عقيدة السنّة والشيعة في مسألة المهدي فعليه أن يرجع إلى الكتب التالية لمحقّقي السنّة ومحدّيثهم:


1- «صفة المهدي» للحافظ أبي نعيم الاصفهاني .


2- «البيان في أخبار صاحب الزمان» للكنجي الشافعي .


3- «البرهان في علامات مهدي آخر الزمان» لمّلا علي المتقي .


4- «العرف الوردي في أخبار المهدي» للحافظ السيوطي .


1 . النور / 55 .


2 . الأنبياء / 105 .



5- «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر» لابن حجر .


6- «عقد الدرر في أخبار الامام المنتظر» للشيخ جمال الدين الدمشقي .


ومن أراد التفصيل فليرجع إلى «منتخب الأثر في الامام الثاني عشر» للعلاّمة الصافي ـ دام ظلّه - .


ولم ير أحد الضعف في أخبار الامام المهدي، إلاّ ابن خلدون في مقدّمته، وقد فنّد مقالته محمّد صديق برسالة أسماها «إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون» وقد كتب أخيراً الدكتور عبدالباقي كتاباً قيّماً في الموضوع أسماه «بين يدي الساعة» فيقول في تضافر الأخبار الواردة في حق المهدي:


«إنّ المشكلة ليست في حديث أو حديثين أو راوأو راويين، انّها مجموعة من الأحاديث والأخبار تبلغ الثمانين تقريباً، اجتمع على تناقلها مئات الرواة، وأكثر من صاحب كتاب صحيح .


فلماذا نرد كل هذه الكمّية؟ أكلّها فاسدة؟ لو صحّ هذا الحكم لانهار الدين ـ والعياذ باللّه ـ نتيجة تطرق الشك والظن الفاسد إلى ما عداها من سنّة رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .


ثمّ إنّي لا أجد خلافاً حول ظهور المهدي، أو حول حاجة العالم إليه، وإنّما الخلاف حول من هو، حسني أو حسيني؟ سيكون في آخر الزمان، أو موجود الآن ،خفى وسيظهر؟ ظهر أو سيظهر؟ ولا عبرة بالمدّعين الكاذبين، فليس لهم اعتبار .


ثمّ إنّي لا أجد مناقشة موضوعية في متن الأحاديث، والّذي أجده، إنّما هو مناقشة وخلاف حول السند، واتّصاله وعدم اتّصاله ، ودرجة رواته، ومن خرّجوه، ومن قالوا فيه .


وإذا نظرنا إلى ظهور المهدي، نظرة مجرّدة، فإنّنا لا نجد حرجاً من قبولها



وتصديقها، أو على الأقل عدم رفضها. فإذا ما تؤيّد ذلك بالأدلّة الكثيرة، والأحاديث المتعددة، ورواتها مسلمون مؤتمنون، والكتب الّتي نقلتها إلينا كتب قيمة، والترمذي من رجال التخريج والحكم، بالاضافة إلى أنّ أحاديث المهدي لها، ما يصحّ أن يكون سنداً لها في البخاري ومسلم، كحديث جابر في مسلم الّذي فيه: «فيقول أميرهم (أي لعيسى): تعال صلّ بنا»(1)، وحديث أبي هريرة في البخاري، وفيه: «كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم وإمامكم منكم»(2)، فلا مانع من أن يكون هذا الأمير، وهذا الامام هو المهدي .


يضاف إلى هذا انّ كثيراً من السلف رضي اللّه عنهم، لما يعارضوا هذا القول، بل جاءت شروحهم وتقريراتهم موافقة لا ثبات هذه العقيدة عند المسلمين»(3).


1 . صحيح مسلم 1 (باب نزول عيسى) 59 .


2 . صحيح البخاري 14 / 334 .


3 . بين يدي الساعة للدكتور عبدالباقي 123 ـ 125 .


/ 23