بحوث فی الملل والنحل جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بحوث فی الملل والنحل - جلد 6

جعفر سبحانی تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






المسألة التاسعة:




عقيدة الشيعة الإماميّة في الصحابة




صحابة النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هم الذين رأوا النبىّ الأكرم وتشرّفوا بكرامة الصحبة وبذل لفيف منهم النفس والنفيس في نشر الإسلام حتّى ضرب بجرانه واتّسع نطاقه. فشادوا بنيانه، ورفعوا قواعده بجهادهم المتواصل، وبلغوا ذروة المجد باستسهال المصاعب، فلولا بريق سيوفهم، وقوّة سواعدهم، وخوضهم عباب المنايا، لما قام للدين عمود، ولا اخضرّ له عود.



إنّ الكتاب والسنّة هما المصدران الرئيسيان عند المسلمين جميعاً، والشيعة خاصة، ولا يجوز لمسلم أن يحكم بأمر شرعيّ إلاّ بالرجوع إليهما. ولا يخالفهما إلاّ منافق أو تاجر بالدين .



والكتاب والسنّة يثنيان على الصحابة، ومن تلى آيات الذكر الحكيم حول




المهاجرين والذين اتّبعوهم بإحسان(1) يغبط هؤلاء ويتمنّى من صميم قلبه أن يكون أحدهم. ويدرك شأنهم، ومن استمع للآيات النازلة في المبايعين تحت الشجرة(2) أو أصحاب سورة الفتح(3)فاضت عيناه دموعاً من الشوق إلى هؤلاء الذين ركبوا الطريق، ومضوا، وتعاقدوا على المنيّة .



فإذا كان هذا حال الصحابة في الذكر الحكيم فكيف يتجرّأ مسلم على تكفير الصحابة ورميهم بالردّة والزندقة أو تفسيقهم جميعاً. (سبحانك هذا بهتان عظيم) .



وكيف يستطيع أن يصوّر دعوة النبي ضئيلة الفائدة أو يتهمه بعدم النجاح في هداية قومة وارشاد اُمّته وانّه لم يؤمن به إلاّ شرذمة قليلة لا يتجاوزون عدد الأصابع وانّ ما سواهم كانوا بين منافق ستر كفره بالتظاهر بالايمان، أو مرتدّ على أدباره القهقرى بعد رحلة النبىّ الأكرم .



كيف يجوز لمسلم أن يصف دعوته ويقول: انّه لم يهتد ولم يثبت على الإسلام بعد مرور (23) عاماً من الدعوة إلاّ ثلاثة أو سبعة أو عشرة. وأي شيعي واع ادّعى ذلك؟ ومتى قال؟ وأين ذكره؟ إن هو إلاّ جزء من الدعايات الفارغة ضدّ الشيعة أثارها الأمويّون في أعصارهم، ليسقطوا الشيعة من عيون المسلمين وتلقّفتها أقلام المستأجرين لتمزيق الوحدة الإسلامية وفصم عرى الاخوّة. وترى تلك الفرية في هذه الأيام في كتيّب نشره الكاتب أبو الحسن الندوي أسماه بـ «صورتان متعارضتان». وهو يجترّ ذلك مرّة بعد اُخرى يجتره صنائع الوهابية في المنطقة.



نعم وردت روايات في ذلك ولكنّها لا تكون مصدراً للعقيدة ولا تتّخذ مقياساً



1 . التوبة: 100: (والذين اتبعوهم بإحسان...) .



2 . الفتح: 18: (لقد رضى اللّه عن المؤمنين...) .



3 . الفتح: 29: (محمّد رسول اللّه والذين معه...) .




لها لأنّها روايات آحاد لا تفيد علماً في مجال العقائد، وستوافيك دراسة متنها وسندها .



إنّا لو أحصينا المهتدين في عصر الرسول من بني هاشم لتجاوز عددهم العشرات بدءاً من عمّه أبي طالب ومروراً بصفيّة عمّته، وفاطمة بنت أسد، وبحمزة والعباس وجعفر وعقيل وطالب وعبيدة بن الحارث «شهيد بدر» وأبي سفيان بن الحارث ونوفل بن الحارث وجعدة بن أبي هبيرة وأولادهم وزوجاتهم، وانتهاءً بعلي ـ عليه السلام ـ وأولاده وبناته وزوجته سيّدة نساء العالمين .



أمّا الذين استشهدوا في عهد النبىّ الأكرم فهم يتجاوزون المئات ولا يشك أىّ مسلم في أنّهم كانوا من المؤمنين الصادقين الذين حوّلهم الإسلام وأثّر فيهم، وضربوا في حياتهم أروع الأمثلة في الايمان والتوحيد والتضحية، بالغالي والرخيص، خدمة للمبدأ والعقيدة. ابتداءً من ياسر وزوجته سميّة أوّل شهيد وشهيدة في الإسلام وكان الرسول يقول لهم وهو يسمع أنينهم تحت سياط التعذيب: «صبراً آل ياسر إنّ موعدكم الجنّة»(1) مروراً بمن توفّي في مهجر الحبشة إلى شهداء بدر واُحد، وقد استشهد في معركة اُحد سبعون صحابياً دفنهم النبىّ الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وصلّى عليهم وكان يزورهم ويسلّم عليهم، ثم شهداء سائر المعارك والغزوات حتّى قال النبىّ الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حقّ سعد بن معاذ شهيد غزوة الخندق: اهتزّالعرش لموته، وشهداء بئر معونة ويتراوح عدد الشهداء بين 40 حسب رواية أنس بن مالك أو 70 حسب رواية غيره، إلى غير ذلك من الأصحاب الصادقين الأجلاّء الذين: (صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ






1 . السيرة النبوية لابن هشام 1 / 320 طبعة الحلبي .






قضى نَحْبَهُ و مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر وما بَدَّلُوا تَبديلا)(1)، (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إيماناً وقالوا حَسْبُنا اللّهُ وَ نِعْمَ الوَكيلُ)(2)، (للفُقَراءِ المُهاجرينَ الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ و أمْوالِهُمْ يِبتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً و يَنْصُرُونَ اللّهَ و رسولَهُ... * و الَّذِينَ تَبَوّءو الدّارَ والإيمان مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إلَيهِمْ ولا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حاجةً مِمّا اُوتوا ويُؤثِرُونَ على أنفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَاُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)(3) .



أو ليست هذه الآيات تثبت نجاح النبىّ في دعوته، وانّه اجتمع حوله رجال صالحون ومخلصون فكيف يمكن رمي مسلم يتلو الذكر الحكيم ليل نهار باعتقاده بخيبة النبىّ الأكرم في دعوته وتهالكه في هداية اُمّته. إنّ الموقف الصحيح من الصحابة، هو ما جاء في كلام الإمام أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ :



«أين اخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمّار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين؟ وأين نظراؤهم من اخوانهم الذين تعاقدوا على المنيّة واُبرد برؤوسهم إلى الفجرة؟ اوّه على اخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه وتدبّروا الفرض فأقاموه. أحيوا السنّة وأماتوا البدعة دعوا للجهاد فأجابوا ووثقوا بالقائد فاتّبعوه»(4) .



وليس ما جاء في هذه الخطبة فريداً في كلامه، فقد وصف أصحاب رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يوم صفّين، يوم فرض عليه الصلح بقوله:



1 . الأحزاب / 23 .



2 . آل عمران/ 173 .



3 . الحشر / 8 ـ 9 .



4 . نهج البلاغة، الخطبة 182 .




«ولقد كنّا مع رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ نقتل آباءنا وأبناءنا واخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلاّ إيماناً وتسليماً، ومضياً على اللقم وصبراً على مضض الألم، وجدّاً في جهاد العدوّ، ولقد كان الرجل منّا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان انفسهما أيّهما يسقي صاحبه كاس المنون، فمرّة لنا من عدوّنا، ومرّة لعدوّنا منّا، فلمّا رأى اللّه صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت، وأنزل علينا النصر، حتّى استقرّ الإسلام ملقياً جرانه ومتبوّئاً أوطانه، ولعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود، ولا اخضرّ للايمان عود»(1) .



هذه كلمة الامام قائد الشيعة وامامهم أفهل يجوز لمن يؤمن بإمامته أن يكفّر جميع صحابة النبي أو يفسقهم أو ينسبهم إلى الزندقة والالحاد أو الارتداد، من دون أن يقسّمهم إلى أقسام ويصنّفهم اصنافا ويذكر تقاسيم القرآن والسنّة في حقّهم؟ كلاًّ ولا، وهذا هو الامام علي بن الحسين يذكر في بعض أدعيته صحابة النبىّ ويقول: اللّهمّ وأصحاب محمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ خاصّة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء احسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في اظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته، وانتصروا به ومن كانوا منطوين على محبّته، يرجون تجارة لن تبور في مودّته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظلّ قرابته، فلا تنس لهم اللّهمّ ما تركوا لك وفيك وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثرت في اعزاز دينك من مظلومهم، اللّهمّ واوصل التابعين



1 . نهج البلاغة، الخطبة 56 .




لهم باحسان الذين يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا...(1) .



فإذا كان الحال كذلك، واتّفق الشيعي والسنّي على اطراء الذكر الحكيم للصحابة والثناء عليهم فما هو موضع الخلاف بين الطائفتين كي يعد ذلك من أعظم الخلاف بينهما؟



إنّ موضع الخلاف ليس إلاّ في نقطة واحدة وهي أنّ أهل السنّة يقولون بأنّ كل من رأى النبيّ وعاشره ولو يوماً أو يومين فهو محكوم بالعدالة منذ اللقاء إلى يوم اُدرج في كفنه، ولو صدر منه قتل أو نهب أو زنا أو غير ذلك، محتجّين بما نسب إلى رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم. ولو تليت عليهم التواريخ المتضافرة يقولون بما ذكره الحسن البصري: اولئك الذين طهّر اللّه سيوفنا عن دمائهم فلنطهّر ألسنتنا عن أعراضهم. ولا أظن أنّ الحسن البصري يعتقد بما قال.



وقد تدرّع بهذه الكلمة وصان بها نفسه عن هجمات الأمويين الذين كانوا يروّجون عدالة الصحابة في جميع الأزمنة بل يلبسونهم ثوب العصمة، إلى حدّ كان القدح بالصحابي أشدّ من القدح برسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فنفي العصمة عن النبىّ واتهامه بالذنب قبل بعثه وبعده كان أمراً سهلا يطرح بصورة عقيدة معقولة ولا يؤاخذ القائل به، وأمّا من نسب صغيرة أو كبيرة إلى صحابي فأهون ما يواجهونه به هو الاستتابة وإلاّ فالقتل..



فإذا كان هذا هو محلّ النزاع أي عدالة الكل بلا استثناء أو تصنيفهم إلى مؤمن وفاسق ومثالي وعادي، إلى زاهد ومتوغّل في حبّ الدنيا، إلى عالم بالشريعة وعامل بها وجاهل لا يعرف منها إلاّ شيئاً طفيفاً، فيجب تحليل المسألة على ضوء الكتاب والسنّة مجرّدين عن كل رأي مسبق لا النزول على العاطفة الّتي تحمل المسلم



1 . الصحيفة السجادية: الدعاء 4 .




على الحكم بنزاهة الصحابة كلّهم، ورفض ما خلّفته الحوافز .



ولأجل اماطة الستر عن وجه الحقيقة نذكر اُموراً:



الصحابة في القرآن الكريم:




1- إنّ القرآن الكريم يصنّف الصحابة إلى اصناف مختلفة، فهو يتكلّم عن السابقين الأوّلين، والمبايعين تحت الشجرة، والمهاجرين المهجّرين عن ديارهم وأموالهم،وأصحاب الفتح، إلى غير ذلك من الأصناف المثالية، الذين يثني عليهم ويذكرهم بالفضل والفضيلة، وفي مقابل ذلك يذكر أصنافاً اُخرى يجب أن لا تغيب عن أذهاننا وتلك الأصناف هي التالية:



1- المنافقون المعروفون(1) .



2- المنافقون المتستّرون الذين لا يعرفهم النبىّ(2) .



3- ضعفاء الإيمان ومرضى القلوب(3) .



4- السمّاعون لأهل الفتنة(4) .



5- المجموعة الذين خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً(5) .



6- المشرفون على الارتداد عندما دارت عليهم الدوائر(6) .



1 . المنافقون / 1 .



2 . التوبة / 101 .



3 . الأحزاب/ 11 .



4 . التوبة / 45 ـ 47 .



5 . التوبة / 102 .



6 . آل عمران / 154 .




7- الفاسق أو الفسّاق الذين لا يصدق قولهم ولا فعلهم(1) .



8- المسلمون الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم(2) .



9- المؤلّفة قلوبهم الذين يظهرون الإسلام ويتآلفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم(3) .



10- المولّون أمام الكفّار(4) .



هذه الأصناف إذا انضمّت إلى الأصناف المتقدّمة، تعرب عن أنّ صحابة النبىّ الأكرم لم يكونوا على نمط واحد، بل كانوا مختلفين من حيث قوّة الإيمان وضعفه، والقيام بالوظائف والتخلّي عنها، فيجب اخضاعهم لميزان العدالة الّذي توزن به أفعال جميع الناس، وعندئذ يتحقّق انّ الصحبة لا تعطي لصحابها منقبة إلاّ إذا كان أهلا لها، ومع ذلك فكيف يمكن رمي الجميع بسهم واحد واعطاء الدرجة الواحدة للجميع، وهذا هو رأي الشيعة فيهم، وهو نفس النتيجة الّتي يخرج بها الإنسان المتدبّر للقرآن الكريم .



2- إنّ الآيات الّتي تناولت المهاجرين والأنصار، وغيرهم بالمدح والثناء، لا تدلّ على أزيد من أنّهم كانوا حين نزول القرآن مُثلا للفضل والفضيلة ولكن الاُمور انّما تعتبر بخواتيمها، فيحكم عليهم ـ بعد نزول الآيات ـ بالصلاح والفلاح إذا بقوا على ما كانوا عليه من الصفات، وأمّا لو ثبت عن طريق السنّة أو التاريخ الصحيح انّه صدر عن بعضهم ما لا تحمد عاقبته، فحينئذ لا مندوحة لنا إلاّ الحكم بذلك، ولا يعد مثل ذلك معارضاً للقرآن الكريم لأنّه ناظر إلى أحوالهم في



1 . الحجرات / 6، السجدة / 18 .



2 . الحجرات / 14 .



3 . التوبة / 60 .



4 . الأنفال / 15 ـ 16 .




ظروف خاصّة، لافي جميع فصول حياتهم، فليس علينا رفع اليد عن السنّة والتاريخ الصحيح بحجّة أنّ القرآن الكريم مدحهم وأنّ اللّه رضي عنهم، لما عرفت من أنّ المقياس القاطع للقضاء هو دراسة جميع أحوالهم، فكم من مؤمن زلّ قدمه في الحياة، فعاد منافقاً، أو مرتدّاً، وكم من ضالّ شملته العناية الإلهية فبصر الطريق وصار رجلا إلهياً، وبالجملة فمن ثبت عن طريق الدليل الصحيح انحرافه وزيغه عن الصراط المستقيم وشوب ايمانه بالظلم والعيث والفساد، فيؤخذ بما هو الثابت في ذينك المصدرين، وأمّا من لم يثبت زيغه فلا نتكلّم في حقّه بشيء سوى ما أمر اللّه به سبحانه من طلب الرحمة لهم حيث قال: (رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولإخوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ)(1) .



3- ومن سوء الحظ انّ شرذمة قليلة من الصحابة، زلّت أقدامهم وانحرفوا عن الطريق، فلا تمس دراسة أحوال هؤلاء القليلين، وتبيين مواقفهم، وانحرافهم عن الطريق المستقيم بكرامة الباقين، ولعلّ عدد المنحرفين (غير المنافقين) لا يتجاوز العشرة إلاّ بقليل .



أفيسوغ في ميزان النصفة رمي الشيعة بأنّهم يكفّرون الصحابة ويفسّقونهم بحجّة أنّهم يدرسون حياة عدّة قليلة منهم ويذكرون مساوئ أعمالهم، وما يؤاخذ عليهم على ضوء الكتاب والسنّة والتاريخ الصحيح .



وما نسب إلى الحسن البصري فهو أولى بالاعراض عنه إذ لو كانت النجاة في ترك ذكرهم فلماذا اهتمّ ببيان أفعالهم وصفاتهم التاريخ المؤلّف بيد السلف الصالح الذين كانوا يحترمون الصحابة مثلما يحترمهم الخلف، فلو كان الحق ترك التكلّم فيهم واعذارهم بالاجتهاد، فلماذا وصف النبي الأكرم بعضهم بالارتداد، كما رواه



1 . الحشر / 10 .




البخاري وغيره(1) .



وإذا دار الأمر بين كون القرآن أو النبي أسوة، أو الكلمة المأثورة عن الحسن البصري، فالأوّل هو المتعيّن، ويضرب بالثاني عرض الجدار .



الردّة بعد وفاة الرسول



ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ :




بقيت هنا كلمة وهي: إذا كان موقف الشيعة وأئمّتهم من الصحابة ما ذكر آنفاً فما معنى ما رواه أبو عمرو الكشي من أنّه ارتدّ الناس بعد رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلاّ ثلاثة. إذ لو صحّ ما ذكر، وجب الالتزام بأنّ النبىّ الأكرم لم ينجح في دعوته ولم تتخرّج من مدرسته إلاّ قلائل لا يعتد بهم في مقابل ما ضحّى به من النفس والنفيس.



والاجابة على هذا السؤال واضحة لمن تفحّص عنها سنداً ومتناً. فإنّ ما رواه لا يتجاوز السبع روايات. وهي بين ضعيف لا يعرج عليه، وموثق ـ حسب اصطلاح علماء الامامية في تصنيف الأحاديث ـ وصحيح قابلين للتأويل، ولا يدلان على الارتداد عن الدين، والخروج عن الإسلام بل يرميان إلى أمر آخر .



أمّا الضعيف فهو ما رواه الكشي عن حمدويه وإبراهيم أبناء نصير قال: حدثنا محمّد بن عثمان عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: كان الناس أهل الردّة بعد النبي إلاّ ثلاثة...(2) .



وكفى في ضعفها وجود محمّد بن عثمان في سنده وهو من المجاهيل .



وما رواه أيضاً عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي



1 . صحيح البخاري 5 / 118 ـ 119 في تفسير سورة النور .



2 . رجال الكشي 12 الحديث 1 .




قال: قال أبو جعفر ـ عليه السلام ـ : ارتدّ الناس إلاّ ثلاثة نفر: سلمان و أبوذر والمقداد(1).



وكفى في ضعفها انّ الكشي من أعلام القرن الرابع الهجري القمري فلا يصحّ أن يروي عن علي بن الحكم سواء أكان المراد منه الأنباري الراوي عن ابن عمير المتوفّى عام 217 أو كان المراد الزبيري الّذي عدّه الشيخ من أصحاب الرضا ـ عليه السلام ـ المتوفّى عام 203 .



وما نقله أيضاً عن حمدويه بن نصير قال: حدثني محمّد بن عيسى ومحمّد ابن مسعود قال: حدثنا جبرئيل بن أحمد. قال: حدثنا محمّد بن عيسى عن النضر بن سويد عن محمّد بن البشير عمّن حدثه قال: ما بقى أحد إلاّ وقد جال جولة إلاّ المقداد بن الأسود فإنّ قلبه كان مثل زبر الحديد(2) .



والرواية ضعيفة بجبرئيل بن أحمد فانّه مجهول كما أنّها مرسلة في آخرها.



وأمّا الروايات الباقية فالموثق عبارة عمّا ورد في سنده علي بن الحسن بن فضال والثلاثة الباقية صحيحة ومن أراد الوقوف على اسنادها ومتونها فليرجع إلى رجال الكشي(3) .



ومع ذلك كلّه فإنّ هذه الروايات لا يحتج بها أبداً لجهات عديدة نشير إلى بعض منها .



1- كيف يمكن أن يقال انّه ارتدّ الناس بعد رسول اللّه ولم يبق إلاّ ثلاثة تمسّكوا بولاية علي ولم يعدلوا عنها مع أنّ ابن قتيبة والطبري رويا انّ جماعة من



1 . رجال الكشي 16 الحديث 13 .



2 . رجال الكشي 16 الحديث 11 .



3 . رجال الكشي 13 الحديث 3 ـ 4 ـ 6 و 7 .




بني هاشم وغيرهم تحصَّنوا في بيت علي معترضين على ما آل إليه أمر السقيفة. ولم يتركوا بيت الامام إلاّ بعد التهديد والوعيد واضرام النار أمام البيت. وهذا يدل على انّه كان هناك جماعة مخلصين بقوا أوفياء لما تعهّدوا به في حياة النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وإليك نص التاريخ. قال ابن قتيبة:



«إنّ بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب، ومعهم الزبير ابن العوام ـ رضي الله عنه ـ ...(1) .



وقال في موضع آخر: إنّ أبابكر ـ رضي الله عنه ـ تفقّد قوماً تخلَّفوا عن بيعته عند علي ـ كرم اللّه وجهه ـ فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والّذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لاُحرقنّها على من فيها، فقيل به: يا ابا حفص انّ فيها فاطمة فقال: وإن...(2) .



وقال الطبري: قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: واللّه لاُحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة. فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه(3) .



وقال ابن واضح الاخباري: وتخلّف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس بن عبدالمطلب، والفضل ابن العباس، والزبير بن العوام بن العاص، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبوذر الغفاري، وعمّار بن ياسر، والبراء بن عازب واُبي بن كعب. فأرسل أبوبكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والمغيرة



1 . الامامة والسياسة 1 / 10 ـ 12 .



2 . الامامة والسياسة 1 / 10 ـ 12 .



3 . تاريخ الطبري 2 / 442 .




ابن شعبة فقال: ما الرأي؟ قالوا: الرأي أن تلقى العباس بن عبدالمطلب فتجعل له في هذا الأمر نصيباً...(1) .



كل ذلك يشهد على انّه كان هناك اُمّة بقوا على ما كانوا عليه، في عصر الرسول الأعظم، ولم يغترّوا بانثيال الأكثرية إلى غير ما كان الحق يدور مداره. وكيف يمكن ادّعاء الردّة لعامة الصحابة إلاّ القليل .



2- كيف يمكن أن يقال ارتدّ الناس إلاّ ثلاثة مع أنّ الصدوق ـ رضي الله عنه ـ ذكر عدة من المنكرين للخلافة في أوائل الأمر وقد بلغ عددهم اثنا عشر رجلا من المهاجرين والأنصار وهم خالد بن سعيد بن العاص، والمقداد بن الأسود، واُبي ابن كعب، وعمّار بن ياسر، وأبوذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وعبداللّه بن مسعود، وبريدة الأسلمي، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وسهل بن حنيف، وأبو أيّوب الأنصاري، وأبو هيثم ابن التيهان وغيره .



ثمّ ذكر اعتارضاتهم على مسألة الخلافة واحداً بعد واحد (2).



3- إنّ وجود الاضطراب والاختلاف في عدد من استثناهم الامام يورث الشك في صحّتها ففي بعضها «إلاّ ثلاثة» وفي البعض الآخر إلاّ سبعة وفي ثالث «إلاّ ستة» فإنّ التعارض وإن كان يمكن رفعه بالحمل على اختلافهم في درجات الايمان غير أنّه على كل تقدير يوهن الرواية .



4- كيف يمكن انكار ايمان أعلام من الصحابة مع اتّفاق كلمة الشيعة والسنّة على علو شأنهم كأمثال بلال الحبشي، وحجر بن عدي، واويس القرني، ومالك بن نويرة المقتول ظلماً على يد خالد بن الوليد، وعباس بن عبدالمطلب



1 . تاريخ اليعقوبي 2 / 124 .



2 . الخصال: الشيخ الصدوق أبواب الاثنى عشر 461 ـ 465 .




وابنه حبر الاُمّة وعشرات من أمثالهم، وقد عرفت أسماء المتخلّفين عن بيعة أبي بكر في كلام اليعقوبي، أضف إلى ذلك انّ رجال البيت الهاشمي كانوا على خط الامام ولم يتخلّفوا عنه وانّما غمدوا سيوفهم اقتداءً بالامام لمصلحة عالية ذكرها في بعض كلماته(1) .



واقصى ما يمكن أن يقال في حقّ هذه الروايات هو انّه ليس المراد من الارتداد، الكفر والضلال والرجوع إلى الجاهلية وانّما المراد عدم الوفاء بالعهد. الّذي اُخذ منهم في غير واحد من المواقف وأهمّها غدير خم. ويؤيّد ذلك:



ما رواه وهب بن حفص عن ابي بصير عن أبي جعفر: جاء المهاجرون والأنصار وغيرهم ـ بعدما بويع أبوبكر ـ إلى علي وقالوا له: أنت والله أميرالمؤمنين، أنت واللّه أحقّ الناس وأولاهم بالنبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هلمّ يدك لنبايعك فواللّه لنموتنّ قدامك. فقال علي ـ عليه السلام ـ : إن كنتم صادقين فاغدوا غداً علىّ محلّقين. فحلق أميرالمؤمنين وحلق سلمان وحلق مقداد وحلق أبوذر ولم يحلق غيرهم(2).



وهذه الرواية قرينة واضحة على أنّ المراد هو نصرة الامام ـ عليه السلام ـ لأخذ الحق المغتصب فيكون المراد من الردّة هو عدم القتال معه .



وممّا يؤيّد ذلك أيضاً الرواية الّتي جاء فيها انّ قلب المقداد بن الأسود كزبر الحديد، فهي وإن كانت ضعيفة السند، لكن فيها اشعار على ذلك لأنّ وصف قلب المقداد اشارة إلى ارادته القوية وثباته في سبيل استرداد الخلافة .



وظنّي انّ هذه الروايات صدرت من الغلاة والحشوية دعماً لأمر الولاية وتفانياً في الاخلاص غافلين عن أنّها تضاد القرآن الكريم وما روي عن



1 . نهج البلاغة، قسم الرسائل برقم 62 .



2 . لاحظ الرجال للكشي 14 الحديث 7 من هذا الباب .




أميرالمؤمنين وحفيده سيد الساجدين، من الثناء والمدح لعدّة من الصحابة. وهناك كلمة قيّمة للعلاّمة السيد محسن الأمين العاملي نذكر نصّه وهو يمثّل عقيدة الشيعة فقال:



وقالت الشيعة حكم الصحابة في العدالة حكم غيرهم ولا يتحتّم الحكم بها بمجرّد الصحبة وهي لقاء النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مؤمناً به ومات على الإسلام. وانّ ذلك ليس كافياً في ثبوت العدالة بعد الاتّفاق على عدم العصمة المانعة من صدور الذنب فمن علمنا عدالته حكمنا بها وقبلنا روايته، لزمنا له من التعظيم والتوقير، بسبب شرف الصحبة ونصرة الإسلام والجهاد في سبيل اللّه ما هو أهله، ومن علمنا منه خلاف ذلك لم تقبل روايته، أمثال مروان بن الحكم والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وبسر بن أرطاة وبعض بني اُمية وأعوانهم، ومن جهلنا حاله في العدالة توقّفنا في قبول روايته .



وممّا يمكن أنّ يذكر في المقام انّ النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ توفّي ومن رآه وسمع عنه يتجاوز مائة ألف انسان من رجل وامرأة على ما حكاه ابن حجر في الاصابة عن أبي زرعة الرازي: «وقيل مات ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عن مائة وأربعة عشر ألف صحابي» ومن الممتنع عادة أن يكون هذا العدد في كثرته وتفرّق أهوائه وكون النفوس البشرية مطبوعة على حبّ الشهوات كلّهم قد حصلت لهم ملكة التقوى المانعة عن صدور الكبائر، والاصرار على الصغائر بمجرّد رؤية النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والايمان به، ونحن نعلم أنّ منهم من أسلم طوعاً ورغبة في الإسلام ومنهم من أسلم خوفاً وكرهاً، ومنهم المؤلّفة قلوبهم، وما كانت هذه الاُمّة إلاّ كغيرها من الاُمم الّتي جبلت على حبّ الشهوات وخلقت فيها الطبائع القائدة إلى ذلك إن لم يردع رادع والكل من بني آدم وقد صحّ عنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنّه قال: «لتسلكنّ سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتّى لو دخل أحدهم




جحر ضب لدخلتموه». ولو منعت رؤية النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من وقوع الذنب لمنعت من الارتداد الّذي حصل من جماعة منهم كعبداللّه بن جحش، وعبيداللّه بن خطل، وربيعة بن اُمية بن خلف والأشعث بن قيس(1) وغيرهم. هذا مع ما شوهد من صدور اُمور من بعضهم لاتتّفق مع العدالة كالخروج على أئمّة العدل، وشق عصا المسلمين، وقتل النفوس المحترمة، وسلب الأموال المعصومة، والسب والشتم وحرب المسلمين وغشهم، والقاح الفتن والرغبة في الدنيا، والتزاحم على الامارة والرئاسة وغير ذلك ممّا تكفّلت به كتب الآثار والتواريخ وملأ الخافقين. وأعمال مروان بن الحكم في خلافة عثمان معلومة مشهورة، وكذلك بسر بن أرطاة والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وكلّهم من الصحابة(2) .



وحصيلة البحث: انّ موضع الاختلاف، ومصبّ النزاع ليس إلاّ كون عدالة الصحابة قضية كلية، أو جزئيّة، فالسنّة على الاُولى والشيعة على الثانية وأمّا ما سواها من سبّ الصحابة ولعنهم، أو ارتدادهم عن الدين بعد رحلة الرسول أو عدم حجية رواياتهم على وجه الاطلاق فانّها تهم اموية ناصبية، اتّهم بها شيعة آل محمّد وهم برآء منها. ونعم الحكم اللّه. فالشيعة يعطون لكل ذي حقّ حقّه، فيأخذون معالم دينهم عن ثقاة الصحابة، ولا يتكلّمون في حقّ من لم يتعرّفوا على حاله، ويحكمون على القسم الثالث على ضوء الكتاب والسنّة .



إنّ هناك رجالا من السلف لا يجوز حبّهم ولا يصحّ الترحّم عليهم ـ حسب الموازين الشرعية ـ ، منهم:



1 . الثلاثة الأوّلون ارتدّوا وماتوا على الردّة، والأشعث ارتدّ فاُتي به إلى أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أسيراً فعاد إلى الإسلام وزوّجه اُخته، وكانت عوراء فأولدها محمّداً أحد قتلة الحسين ـ عليه السلام ـ .



2 . الأمين: أعيان الشيعة 1 / 113 ـ 114 .




1- معاوية بن أبي سفيان ويكفي في حقّه ما ذكره الجاحظ في رسائله:



قال في رسالته في بني اُميه والآثام الّتي اقترفوها: استوى معاوية على الملك، واستبدَّ على بقيّة أهل الشورى، وعلى جماعة المسلمين من المهاجرين والأنصار في العام الّذي سمّوه عام الجماعة، وما كان عام جماعة، بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة، والعام الّذي تحوّلت فيه الإمامة ملكاً كسرويا، والخلافة غصباً قيصريا، ثمّ مازالت معاصيه من جنس ما حكيناه، وعلى منازل ما رتّبناه، حتّى ردّ قضية رسول اللّه ردّاً مكشوفاً وجحد حكمه جحداً ظاهرا(1)، فخرج بذلك من حكم الفجّار إلى حكم الكفّار .



أو ليس قتل حجر بن عدي واطعام عمرو بن العاص خراج مصر، وبيعة يزيد الخليع، والاستئثار بالفيئ واختيار الولاة على الهوى، وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة، من جنس الأحكام المنصوصة والشرائع المشهورة والسنن المنصوبة، وسواء جحد الكتاب، وردّ السنّة إذا كانت في شهرة الكتاب وظهوره، وإلاّ أنّ أحدهما أعظم وعقاب الآخرة عليه أشد(2) .



وقد أربت نابتة عصرنا ومبدعة دهرنا فقالت: لا تسبّوه فانّ له صحبة وسبّ معاوية بدعة، ومن بغضه فقد خالف السنّة، فزعمت أنّ من السنّة ترك البراءة ممّن جحد السنّة(3) .



2- عمرو بن العاص الّذي ألَّب على عثمان وسُرّ بقتله، ثم اجتمع مع معاوية يطالب بدمه من كان من أشدّ المدافعين عنه، وأعطفهم عليه يوم أمر طلحة بمنع الماء



1 . إشارة إلى استلحاق زياد بن أبيه وليد فراش غير أبي سفيان .



2 . أي ردّ السنّة مثل ردّ الكتاب إذا بلغت السنّة في الشهرة، شهرة الكتاب .



3 . الجاحظ: رسائل الجاحظ 294 طبع مصر .




عنه وتعجيل قتله. كل ذلك كان من ابن العاص حبّاً بخراج مصر، لا بعثمان ولا بمعاوية أيضا، والعجب أنّ الرسول تنبّأ بذلك وصرح بأنّهما لا يجتمعان إلاّ على غدر(1) .



3- يزيد الخليع المستهتر خليفة معاوية الّذي ولّي ثلاث سنين بعده، فقتل في الاُولى الحسين، وفي الثانية أغار على المدينة وقتل من الصحابة والتابعين ما لا يحصى وأباح أعراضهم، وفي الثالثة رمى الكعبة(2) وكفى في كفره وإلحاده جهره بقول ابن الزبعرى:



لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل



4- مروان بن الحكم الّذي كان من أشدّ الناس بغضاً لأهل البيت. قال ابن حجر: ومن أشدّ الناس بغضاً لأهل البيت مروان بن الحكم(3). روى الحاكم أنّ عبدالرحمان بن عوف ـ رضي الله عنه ـ قال: كان لا يولد لأحد بالمدينة ولد إلاّ اُتي به النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، فاُدخل عليه مروان بن الحكم، فقال: هو وزغ بن الوزغ، الملعون بن المعلون(4) .



5- الوليد بن عقبة شارب الخمر، والزائد في الفريضة(5) .



6- عبداللّه سعد بن أبي سرح الّذي أهدر النبىّ دمه(6) .



7- الوليد بن يزيد بن عبدالملك الّذي يخاطب كتاب اللّه العزيز بعد أن ألقاه



1 . ابن حجر: تطهير الجنان 102، المطبوع على هامش الصواعق المحرقة .



2 . ابن الجوزي: تذكرة الخواص، فصل يزيد بن معاوية 257 .



3 . ابن حجر: الصواعق المحرقة .



4 . الحاكم: المستدرك 4 / 479 .



5 . البلاذري: الانساب 5 / 33 وأحمد بن حنبل: المسند 1 / 144 .



6 . الطبري: التاريخ، الجزء 3 / 295، فصل: ذكر الخبر عن فتح .




ورماه بالسهام بقوله:



تهدّدني بجبّار عنيد * فها أنا ذاك جبّار عنيد



إذا ماجئت ربّك يوم حشر * فقل يا ربّ مزّقني الوليد(1)



هؤلاء وأضرابهم، هم الذين تتبرّأ الشيعة منهم وتحكم عليهم بما حكم اللّه به عليهم. أفيصح تكفير الشيعة وتفسيقهم لأجل سبّ هؤلاء والتبرّي منهم .



ويقول السيوطي: إنّ الوليد هذا كان فاسقاً خميراً لوّاطا، راود أخاه سليمان عن نفسه ونكح زوجات أبيه(2) .



إلى غير ذلك من رجال العيث والفساد، أفيصح في ميزان العدل والنصفة مؤاخذة الشيعة لأجل رفض هؤلاء الفسقة. الخارجين عن ولاية اللّه ودينه .



1 . ابن الأثير: الكامل في التأريخ 5 / 107 .



2 . جلال الدين السيوطي: تاريخ الخلفاء 97 .







المسألة العاشرة:




الالتزام بالسجدة على الأرض أو ما أنبتته




السجدة في الصلاة وغيرها، من مظاهر العبودية أمام المسجود له، ومن أركان الصلاة وفي بعض المأثورات «أقرب ما يكون العبد إلى ربّه حال سجوده» فمهما أتى بالتذلّل والخضوع كان أوقع وافضل في العبودية، فالسجود على التراب والرمل والحجر والحصى أبين لبيان العبودية والتصاغر، من السجود على الحصر والبواري، فضلا عن السجود على الألبسة الفاخرة والفرش الغالية والذهب والفضة، وإن كان الكل سجوداً، لكن العبودية تتجلّى في الأوّل بما لا تتجلّى في غيره .



والامامية ملتزمة بالسجدة على الأرض في حضرهم وسفرهم، ولا يعدلون عنها إلاّ إلى ما اُنْبِت منها من الحصر والبواري بشرط أن لا يؤكل ولا يلبس. ولا يرون الجسود على غيرهما صحيحاً في حال الصلاة أخذاً بالسنّة المتواترة عن النبىّ الأكرم وأهل بيته وصحبه. وسيظهر ـ في ثنايا البحث ـ أن الالتزام بالسجود على الأرض أو




ما أنْبتت، كانت هي السنّة بين الصحابة وانّ العدول عنها حدث في الأزمنة المتأخّرة، ولأجل توضيح المقام نقدم اُموراً:



1- اختلاف الفقهاء في شرائط المسجود عليه:




اتّفق المسلمون على وجوب السجود في الصلاة في كل ركعة مرّتين، ولم يختلفوا في المسجود له فإنّه هو اللّه سبحانه الّذي له يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرها(1) وشعار كل مسلم قوله سبحانه: (لا تَسجُدُوا لِلشَّمسِ ولا للقَمَرِ واسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ)(2) وانّما اختلفوا في شروط المسجود عليه ـ أعني ما يضع الساجد جبهته عليه ـ فالشيعة الامامية على أنّه يشترط أن يكون المسجود عليه أرضاً أو ما ينبت منها غير مأكول ولا ملبوس كالحصر والبواري، وما أشبه ذلك. و خالفهم في ذلك غيرهم من المذاهب وإليك نقل الآراء .



قال الشيخ الطوسي(3) وهو يبيّن آراء الفقهاء: لا يجوز السجود إلاّ على الأرض أو ما أنبتته الأرض ممّا لا يؤكل ولا يلبس من قطن أو كتان مع الاختيار. وخالف جميع الفقهاء في ذلك وأجازوا السجود على القطن والكتان والشعر والصوف وغير ذلك ـ إلى أن قال ـ : لا يجوز السجود على شيء هو حامل له ككور العمامة، وطرف الرداء، وكم القميص، وبه قال الشافعي، وروي ذلك عن علي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وابن عمرو عبادة بن الصامت، ومالك،وأحمد بن حنبل،



1 . إشارة إلى قوله سبحانه: (ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِى السَّمواتِ والأرضِ طَوْعاً وكَرْهاً وضلالُهُم بِالغُدُوِّ وَ الآصالِ) ـ الرعد / 15 ـ .



2 . فصّلت / 37 .



3 . من أعلام الشيعة في القرن الخامس صاحب التصانيف والمؤلّفات ولد 385 توفّي عام 460 من تلاميذ الشيخ المفيد 336 ـ 413، والسيد الشريف المرتضى 355 ـ 436ـ رضي الله عنهمـ.




وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا سجد على ما هو حامل له كالثياب الّتي عليه، أجزأه، وإن سجد على ما لا ينفصل منه مثل أن يفترش يده ويسجد عليها أجزأه لكنّه مكروه، وروي ذلك عن الحسن البصري(1) .



وقال العلاّمة الحلّي(2) ـ وهو يبيّن آراء الفقهاء فيما يسجد عليه ـ : لا يجوز السجود على ما ليس بارض ولا من نباتها كالجلود والصوف عند علمائنا أجمع، وأطبق الجمهور على الجواز .



وقد اقتفت الشيعة في ذلك أئمّتهم الذين هم أعدال الكتاب وقرناؤه في حديث الثقلين نكتفي بالنزر القليل:



روى الصدوق باسناده عن هشام بن الحكم أنّه قال لأبي عبداللّه ـ عليه السلام ـ : أخبرني وعمّا يجوز السجود عليه، عمّا لا يجوز؟ قال: السجود لا يجوز إلاّ على الأرض، أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما اُكل أو لبس. فقال له: جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال: لأنّ السجود خضوع للّه عزّوجلّ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة اللّه عزّوجلّ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا لغرورها(3) .



فلا عتب على الشيعة إذا التزموا بالسجود على الأرض أو ما أنبتته إذا لم يكن مأكولا ولا ملبوساً اقتداءً بأئمّتهم، على أنّ ما رواه أهل السنّة في المقام،



1 . الخلاف 1 / 357 ـ 358 كتاب الصلاة، المسألة 112 ـ 113 .



2 . الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي 648 ـ 726 وهو اُستاذ الشيعة في قرن السابع لا يسمع الدهر بمثله إلاّ في فترات خاصة .



3 . الوسائل 3 الباب 1 من أبواب ما يسجد عليه، الحديث 1، وهناك روايات بمضمونه. والكل يتضمن انّ الغاية من السجود الّتي هي التذلل لا تحصل بالسجود على غيرهما فلاحظ .




يدعم نظرية الشيعة وسيظهر لك فيما سيأتي من سرد الأحاديث من طرقهم، ويتّضح انّ السنّة كانت هي السجود على الأرض، ثم جاءت الرخصة في الحصر والبواري فقط، ولم يثبت الترخيص الآخر بل ثبت المنع عنه كما سيوافيك .



2- الفرق بين المسجود له والمسجود عليه:




كثيراً ما يتصوّر أنّ الالتزام بالسجود على الأرض أو ما أنبتت، بدعة، ويتخيّل الحجر المسجود عليه، وثناً، وهؤلاء هم الذين لا يفرّقون بين المسجود له، والمسجود عليه، ويزعمون أنّ الحجر أو التربة الموضوعة أمام المصلّي، وثناً يعبده المصلّي بوضع الجبهة عليه. ولكن لاعتب على الشيعة إذا قصر فهم المخالف، ولم يفرّق بين الأمرين وزعم المسجود عليه، مسجوداً له، وقاس أمر الموحّد، بأمر المشرك بحجّة المشاركة في الظاهر، فأخذ بالصور والظواهر مع أنّ الملاك هو الأخذ بالبواطن والضمائر، فالوثن عند الوثني معبود ومسجود له يضعه أمامه ويركع ويسجد له، ولكن الموحّد الّذي يريد أن يصلّي في أظهار العبودية إلى نهاية مراتبها، يخضع للّه سبحانه ويسجد له، ويضع جبهته ووجهه على التراب والحجر، والرمال والحصى، مظهراً بذلك مساواته معها عند التقييم قائلا: أين التراب وربّ الأرباب .



3- السنّة في السجود في عصر الرسول وبعده:




إنّ النبىّ الأكرم وصحبه كانوا ملتزمين بالسجود على الأرض مدّة لا يستهان بها، متحمّلين شدّة الرمضاء وغبار التراب ورطوبة الطين، طيلة أعوام. ولم يسجد أحد يوم ذاك على الثوب وكور العمامة بل ولا على الحصر والبواري والخمر، وأقصى ما كان عندهم لرفع الأذى عن الجبهة، هو تبريد الحصى بأكفّههم ثمّ السجود




عليها، وقد شكى بعضهم رسول اللّه من شدّة الحر، فلم يجبه، إذ لم يكن له أن يبدل الأمر الإلهي من تلقاء نفسه، إلى أن ورد الرخصة بالسجود على الخمر والحصر فوسع الأمر للمسلمين لكن في اطار محدود، وعلى ضوء هذا فقد مرّت في ذلك المجال على المسلمين مرحلتان لا غير:



1- ما كان الواجب فيها على المسلمين، السجود على الأرض بأنواعها المختلفة من التراب والرمل والحصى والطين، ولم تكن هناك أية رخصة .



2- المرحلة التي ورد فيها الرخصة بالسجود على نبات الأرض من الحصر والبواري والخمر، تسهيلا للأمر، ورفعاً للحرج والمشقّة ولم تكن هناك أية مرحلة اُخرى توسع الأمر للمسلمين أكثر من ذلك كما يدّعيه أهل السنّة وإليك البيان:



المرحلة الاُولى: السجود على الأرض:




1- روى الفريقان عن النبىّ الأكرم أنّه قال: «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(1) .



والمتبادر من الحديث انّ كل جزء من الأرض مسجد وطهور يُسْجد عليه ويُقْصَد للتيمّم، وعلى ذلك فالأرض تقصد للجهتين: للسجود تارة والتيمّم اُخرى.



وأمّا تفسير الرواية بأنّ العبادة والسجود للّه سبحانه لا يختص بمكان دون مكان، بل الأرض كلّها مسجد للمسلمين بخلاف غيرهم حيث خصّوا العبادة بالبيع والكنائس، فهذا المعنى ليس مغايراً لما ذكرناه، فانّه إذا كانت الأرض على وجه الاطلاق مسجداً للمصلّي فيكون لازمه كون الأرض كلّها صالحة للعبادة، فما ذكر



1 . صحيح البخاري 1 / 91 كتاب التيمّم الحديث 2 وسنن البيهقي 2 / 433 باب: أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد، ورواه غيرهما من أصحاب الصحاح والسنن .




معنى التزامي لما ذكرناه، ويعرب عن كونه المراد ذكر «طهوراً» بعد «مسجداً» وجعلهما مفعولين لـ «جعلت» والنتيجة هو توصيف الأرض بوصفين كونه مسجداً وكونه طهوراً، وهذا هو الّذي فهمه الجصاص وقال: إنّ ما جعله من الأرض مسجداً هو الّذي جعله طهوراً(1) .



ومثله غيره من شرّاح الحديث .



تبريد الحصى للسجود عليها:




2- عن جابر بن عبداللّه الأنصاري، قال: كنت اُصلّي مع النبىّ الظهر، فآخذ قبضة من الحصى، فأجعلها في كفّي ثمّ اُحوّلها إلى الكف الاُخرى حتّى تبرد ثمّ أضعها لجبيني حتّى أسجد عليها من شدّة الحر(2) .



وعلّق عليه البيهقي بقوله: قال الشيخ: ولو جاز السجود على ثوب متّصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى بالكف ووضعها للسجود(3). ونقول: ولو كان السجود على مطلق الثياب سواء كان متصلاً أم منفصلا جائزاً لكان أسهل من تبريد الحصى ولأمكن حمل منديل أو ما شابه للسجود عليه .



3- روى أنس قال: كنّا مع رسول اللّه في شدّة الحرّ فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه(4) .



4- عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول اللّه شدة الرمضاء في جباهنا



1 . احكام القرآن للجصاص 2 / 389 نشر بيروت .



2 . مسند أحمد 3 / 327 من حديث جابر وسنن البيهقي 1 / 439 باب ما روي في التعجيل بها في شدة الحرّ .



3 . سنن البيهقي 2 / 105 .



4 . السنن الكبرى 2 / 106 .




وأكفّنا فلم يشكنا(1) .



5- قال ابن الاثير في معنى الحديث: إنّهم لمّا شكوا إليه ما يجدون من ذلك لم يفسح لهم أن يسجدوا على طرف ثيابهم(2) .



هذه المأثورات تعرب عن أنّ السنّة في الصلاة كانت جارية على السجود على الأرض فقط حتّى انّ الرسول لم يفسح للمسلمين العدول عنها إلى الثياب المتّصلة أو المنفصلة وهو ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مع كونه بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً أوجب عليهم مس جباههم الأرض، وإن آذتهم شدة الحر .



والّذي يعرب عن التزام المسلمين بالسجود على الأرض وعن اصرار النبىّ الأكرم بوضع الجبهة عليها لا على الثياب المتصله ككور العمامة أو المنفصلة كالمناديل والسجاجيد، ما روي من حديث الأمر بالتتريب في غير واحد من الروايات .



الأمر بالتتريب:




6- عن خالد الجهني قال: رأى النبىّ صهيباً يسجد كأنّه يتّقي التراب فقال له: ترّب وجهك يا صهيب(3) .



7- والظاهر أنّ صهيباً كان يتّقي عن التتريب بالسجود على الثوب المتّصل والمنفصل، ولا أقل بالسجود على الحصر والبواري والأحجار الصافية، وعلى كل تقدير، فالحديث شاهد على أفضلية السجود على التراب في مقابل السجود على



1 . سنن البيهقي 2 / 105 باب الكشف عن الجبهة .



2 . ابن الأثير: النهاية 2 / 497 مادة «شكى» .



3 . المتقي الهندي: كنز العمال 7 / 465 برقم 19810 .




الحصى لما دل من جواز السجدة على الحصى في مقابل السجود على غير الأرض.



8- روت اُمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ رأى النبي غلاماً لنا يقال له «افلح» ينفخ إذا سجد، يا افلح ترّب(1) .



9- وفي رواية: يا رباح ترّب وجهك(2) .



10- روى أبو صالح قال: دخلت على اُمّ سلمة، فدخل عليها ابن أخ لها فصلّى في بيتها ركعتين فلمّا سجد نفخ التراب، فقالت اُمّ سلمة: ابن أخي؟! لا تنفخ، فإنّي سمعت رسول اللّه يقول لغلام له يقال له يسار ـ ونفخ ـ : ترّب وجهك للّه (3) .



الأمر بحسر العمامة عن الجبهة:




11- روي أنّ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان إذا سجد رفع العمامة عن جبهته(4) .



12- روي عن علي أميرالمؤمنين أنّه قال: إذا كان أحدكم يصلّي فليحسر العمامة عن وجهه، يعني حتّى لا يسجد على كور العمامة(5) .



13- روى صالح بن حيوان السبائي أنّ رسول اللّه رأى رجلا يسجد بجنبه وقد اعتمّ على جبهته فحسر رسول اللّه عن جبهته(6) .



14- عن عياض بن عبداللّه القرشي: رأى رسول اللّه رجلا يسجد على كور



1 . المتقي الهندي: كنز العمال 7 / 459 برقم 19776 .



2 . المصدر نفسه برقم 19777 .



3 . المتقي الهندي كنز العمال 7 / 465، برقم 19810 ومسند أحمد 6 / 301 .



4 . الطبقات الكبرى 1 / 151 كما في السجود على الأرض 41 .



5 . منتخب كنز العمال المطبوع في هامش المسند 3 / 194 .



6 . البيهقي: السنن الكبرى 2 / 105 .




عمامته فأومأ بيده: ارفع عمامتك وأومأ إلى جبهته(1) .



هذه الروايات تكشف عن أنّه لم يكن للمسلمين يوم ذاك تكليف إلاّ السجود على الأرض ولم يكن هناك أي رخصة سوى تبريد الحصى ولو كان هناك ترخيص لما فعلوا ذلك، ولما أمر النبي بالتتريب، وحسر العمامة عن الجبهة .



المرحلة الثانية: الترخيص في السجود على الخمر والحصر:




هذه الأحاديث والمأثورات المبثوثة في الصحاح والمسانيد وسائر كتب الحديث تعرب عن التزام النبي وأصحابه بالسجود على الأرض بأنواعها، وأنّهم كانوا لا يعدلون عنه وإن صعب الأمر واشتدّ الحر لكن هناك نصوص تعرب عن ترخيص النبىّ ـ بايحاء من اللّه سبحانه إليه ـ السجود على ما أنبتت الأرض، فسهل لهم بذلك أمر السجود، ورفع عنهم الاصر والمشقّة في الحر والبرد وفيما إذا كانت الأرض مبتلّة، وإليك تلك النصوص :



1- عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يصلّي على الخمرة(2) .



2- عن ابن عباس: كان رسول اللّه يصلّي على الخمرة وفي لفظ: وكان النبيّ يصلّي على الخمرة(3) .



3- عن عائشة: كان النبيّ يصلّي على الخمرة(4).



1 . البيهقي: السنن الكبرى 2 / 105 .



2 . أبو نعيم الاصفهاني: ذكر أخبار اصبهان 2 / 141 .



3 . مسند أحمد 1/ 269 ـ 303 ـ 309 و 358 .



4 . مسند أحمد 6 / 179 وفيه أيضاً قال للجارية وهو في المسجد: ناوليني الخمرة .




4- عن اُمّ سلمة: كان رسول اللّه يصلّي على الخمرة(1) .



5- عن ميمونة: ورسول اللّه يصلّي على خمرته فإذا أصابني طرف ثوبه(2) .



6- عن اُمّ سليم قالت: وكان يصلّي الخمرة(3) .



7- عن عبداللّه بن عمر: كان رسول اللّه يصلّي على الخمر(4) .



السجود على الثياب لعذر:




قد عرفت المرحلتين الماضيتين ولو كان هناك مرحلة ثالثة فانّما مرحلة جواز السجود على غير الأرض وما ينبت منها لعذر وضرورة. ويبدو أنّ هذا الترخيص جاء متأخّراً عن المرحلتين لما عرفت أنّ النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يُجب شكوى الأصحاب من شدّة الحرّ والرمضاء وراح هو وأصحابه يسجدون على الأرض متحمّلين الحر والأذى ولكنّ الباري عزّ اسمه رخّص لرفع الحرج السجود على الثياب لعذر وضرورة وإليك ما ورد في هذا المقام .



1-عن أنس بن مالك: كنّا إذا صلّينا مع النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فلم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، طرح ثوبه ثم سجد عليه .



2- وفي صحيح البخاري: كنّا نصلّي مع النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيضع أحدنا طرف الثوب من شدّة الحر. فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض، بسط ثوبه .



3- وفي لفظ ثالث: كنّا إذا صلّينا مع النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ



1 . مسند أحمد 6 / 302 .



2 . مسند أحمد 6 / 331 ـ 335 .



3 . مسند أحمد 6 / 377 .



4 . مسند أحمد 2 / 92 ـ 98 .




فيضع أحدنا طرف الثوب من شدّة الحر مكان السجود(1) .



وهذه الرواية الّتي نقلها أصحاب الصحاح والمسانيد تكشف الغطاء عن بعض ما روي في ذلك المجال الظاهر في جواز السجود على الثياب في حالة الاختيار أيضاً. وذلك لأنّ رواية أنس نص في اختصاص الجواز على حالة الضرورة، فتكون قرينة على المراد من هذه المطلقات وإليك بعض ما روي في هذا المجال .



1- عبداللّه بن محرز عن أبي هريرة: كان رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يصلّي على كور عمامته(2) .



إنّ هذه الرواية مع أنّها معارضة لما مرّ من نهي النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عن السجود عليه، محمولة على العذر والضرورة وقد صرّح بذلك الشيخ البيهقي في سننه، حيث قال:



قال الشيخ: «وأمّا ما روي في ذلك عن النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من السجود على كور العمامة فلا يثبت شيء من ذلك وأصحّ ما روي في ذلك قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبىّ(3) .



وقد روي عن ابن راشد: قال: رايت مكحولا يسجد على عمامته فقلت: لِمَ تسجد عليها؟ قال: أتّقي البرد على أسناني(4) .



2- ما روي عن أنس: كنّا نصلّي مع النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيسجد



1 . صحيح البخاري 1 / 101، صحيح مسلم 2 / 109، مسند أحمد 1 / 100، السنن الكبرى 2 / 106.



2 . كنز العمال 8 / 130 برقم 22238 .



3 . البيهقي: السنن 2 / 106 .



4 . المصنف لعبد الرزاق 1 / 400 كما في سيرتنا وسنّتنا، والسجدة على التربة 93 .




أحدنا على ثوبه(1) .



والرواية محمول على صورة العذر بقرينة ما رويناه عنه، وبما رواه عنه البخاري: كنّانصلّي مع النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في شدة الحرّ فاذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه(2) .



ويؤيّده ما رواه النسائي: كنّا إذا صلينا خلف النبىّ بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتّقاء الحرّ(3) .



وهناك روايات قاصرة الدلالة حيث لا تدل إلاّ على أنّ النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ صلّى على الفرو. وأمّا انّه سجد عليه فلا دلالة لها عليه .



3- عن المغيرة بن شعبة: كان رسول اللّه يصلّي على الحصير والفرو المدبوغة(4) .



والرواية مع كونها ضعيفه بيونس بن الحرث، ليست ظاهرة في السجود عليه. ولا ملازمة بين الصلاة على الفرو والسجدة عليه ولعلّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وضع جبهته على الأرض أو ما ينبت منها وعلى فرض الملازمة لا تقاوم هي وما في معناها، ما سردناه من الروايات في المرحلتين الماضيتين .



حصيلة البحث:




إنّ الناظر في الروايات يجد أنّه مرّ على المسلمين مرحلتان أو مراحل ثلاثة ففي المرحلة الاُولى كان الفرض السجود على الأرض ولم يُرخَّص للمسلمين السجود على غيرها، وفي الثانية جاء الترخيص فيما تنبته الأرض وليست وراء هاتين



1 . البيهقي السنن الكبرى 2 / 106، باب من بسط ثوباً فسجد عليه .



2 . البخاري 2 / 64 كتاب الصلاة باب بسط الثوب في الصلاة للسجود .



3 . ابن الأثير: الجامع للاُصول 5 / 468 برقم 3660 .



4 . أبو داود: السنن / باب ما جاء في الصلاة على الخمرة برقم 331 .




المرحلتين، مرحلة اُخرى إلاّ جواز السجود على الثياب لعذر وضرورة فما يظهر من بعض الروايات من جواز السجود على الفرو وأمثاله مطلقاً، فمحمولة على الضرورة أو لا دلالة لها على السجود عليها بل غايتها الصلاة عليها .



فاللازم على فقهاء أهل السنّة إعادة النظر في هذه المسألة حتّى يحيوا السنّة ويميتوا البدعة. فانّ الرائج في بلادهم هو افتراش المساجد بالسجاد، والسجود عليها. كما أنّ السائد هو السجود على كل شيء. من البسط المنسوجة من الصوف والوبر، والحرير، وطرف الثوب فانّ هذا العمل حسب مامرّ من الروايات بدعة حدثت بعد النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وكانت السنّة غيرهما فلا عتب على الشيعة إذا ما تمسّكوا بالسنّة ولم يسجدوا الاّ على الأرض وما أنبتته تبعاً للسنن النبوية والأحاديث المروية عن أئمّة أهل البيت .



ما هو السر في اتّخاذ تربة طاهرة:




بقي هنا سؤال يطرحه اخواننا أهل السنّة يقولون ما هو السر في اتّخاذ تربة طاهرة في السفر والحضر والسجود عليها دون غيرها. وربّما يتخيّل البسطاء انّ الشيعة يسجدون لها لا عليها، ويعبدون الحجر والتربة ولكن المساكين لا يفرّقون بين السجود على التربة، والسجود لها وعلى أي تقدير فالاجابة عنها واضحة فانّ المستحسن عند الشيعة هو اتّخاذ تربة طاهرة طيّبة ليتيقن من طهارتها من أي أرض اُخذت، من اي صقع من أرجاء العالم كانت، وهي كلّها في ذلك سواء .



وليس هذا الالتزام إلاّ مثل إلتزام المصلّي بطهارة جسده وملبسه ومصلاّه وأمّا سرّ الالتزام في اتّخاذ التربة هو أنّ الثقة بطهارة كل أرض يحل بها، ويتّخذها مسجداً لا تتأتّى له في كل موضع من المدن والرساتيق والفنادق والخانات ومحال المسافرين ومحطّات وسائل السير والسفر ومهابط فئات الركاب ومنازل




الغرباء، أنّى له ذلك وقد يحل بها كل إنسان من الفئة المسلمة وغيرها ومن أخلاط الناس الذين لا يبالون ولا يكترثون لأمر الدين في موضوع الطهارة والنجاسة .



فاي مانع من أن يحتاط المسلم في دينه، ويتّخذ معه تربة طاهرة يطمئن بها وبطهارتها يسجد عليها لدى صلاته حذراً من السجدة على الرجاسة والنجاسة، والأوساخ الّتي لا يتقرّب بها إلى اللّه قط ولا تجوّز السنّة السجود عليها ولا يقبله العقل السليم، خصوصاً بعد ورود التأكيد التام البالغ في طهارة أعضاء المصلّي ولباسه والنهي عن الصلاة في مواطن منها:



المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومواطن الابل والأمر بتطهير المساجد وتطييبها(1) .



وهذه القاعدة كانت ثابتة عند السلف الصالح وإن غفل التاريخ عن نقلها فقد روي أنّ التابعي الفقيه مسروق بن الأجدع المتوفّى عام 62 كان يصحب في أسفاره لبنة من المدينة يسجد عليها كما أخرجه ابن أبي شيبة في كتابه المصنف باب من كان حمل في السفينة شيئاً يسجد عليه. فأخرج بإسنادين أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها(2) .



إلى هنا تبيّن انّ التزام الشيعة باتّخاذ التربة مسجداً ليس إلاّ تسهيل الأمر للمصلّي في سفره وحضره عسى أن لا يجد أرضاً طاهرة أو حصيراً طاهراً فيصعب الأمر عليه وهذا كادّخار المسلم تربة طاهرة لغاية التيمّم عليه .



وأمّا السر في التزام الشيعة استحباباً بالسجود على التربة الحسينية فانّما هو من



1 . العلامة الأميني: سيرتنا وسنّتنا 158 ـ 159 .



2 . أبوبكر بن أبي شيبة: المصنف 1 / 400 كما في السجدة على التربة 93 .




جهة الأغراض العالية والمقاصد السامية منها، أن يتذكّر المصلّي حين يضع جبهته على تلك التربة، تضحية ذلك الإمام بنفسه وأهل بيته والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ومقارعة الجور والفساد .



ولمّا كان السجود أعظم أركان الصلاة وفي الحديث «أقرب ما يكون العبد إلى ربّه حال سجوده» فيناسب أن يتذكّر بوضع جبهته على تلك التربة الزاكية اُولئك الذين جعلوا أجسامهم ضحايا للحق، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى، ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع، وتحتقر هذه الدنيا الزائفة وزخارفها الزائلة ولعلّ هذا هو المقصود من أنّ السجود عليها يخرق الحجب السبع كما في الخبر فيكون حينئذ في السجود سر الصعود والعروج من التراب إلى ربّ الأرباب(1) .



وقال العلامة الأميني: نحن نتّخذ من تربة كربلاء قطعاً لمعاً، وأقراصاً نسجد عليها كما كان فقيه السلف مسروق بن الأجدع يحمل معه لبنة من تربة المدينة المنوّرة يسجد عليها، والرجل تلميذ الخلافة الراشدة، فقيه المدينة، ومعلّم السنّة بها، وحاشاه من البدعة. فليس في ذلك أي حزازة وتعسّف أو شيء يضاد نداء القرآن الكريم أو يخالف سنّة الله وسنّة رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أو خروج من حكم العقل والاعتبار .



وليس اتّخاذ تربة كربلاء مسجداً لدى الشيعة من الفرض المحتّم ولا من واجب الشرع والدين ولا ممّا ألزمه المذهب ولا يفرّق أي أحد منهم منذ أوّل يومها بينها وبين غيرها من تراب جميع الأرض في جواز السجود عليها خلاف ما يزعمه الجاهل بهم بآرائهم، وإن هو عندهم إلاّ استحسان عقلي ليس إلاّ، واختيار لما هو الأولى بالسجود لدى العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت وكثير من رجال



1 . الأرض والتربة الحسينية 24 .




المذهب يتّخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء ممّا يصحّ السجود عليه كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو خمرة مثله ويسجدون عليه في صلواتهم(1) .



هذا إلمام اجمالي بهذه المسألة الفقهية والتفصيل موكول إلى محلّها وقد أغنانا عن ذلك ما سطّره أعلام العصر وأكابره وأخص بالذكر منهم .



1- المصلح الكبير الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء 1295 ـ 1373 في كتابه الأرض والتربة الحسينية .



2- العلاّمة الكبير الشيخ عبدالحسين الأميني مؤلّف الغدير 1320 ـ 1390 فقد دوّن رسالة في هذا الموضوع طبع في آخر كتابه سيرتنا وسنّتنا .



3-السجود على الأرض للعلاّمة الشيخ علي الأحمدي ـ دام عزّه ـ فقد أجاد في التتبّع والتحقيق .



فما ذكرنا في هذه المسألة اقتباس من أنوار علومهم. رحم اللّه الماضين من علمائنا وحفظ اللّه الباقين منهم .



1 . سيرتنا وسنّتنا 166 ـ 167 طبع النجف الأشرف .



/ 23