بحوث فی الملل والنحل جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بحوث فی الملل والنحل - جلد 6

جعفر سبحانی تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




الإمام الرابع:



علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ زين العابدين



هو رابع أئمّة أهل البيت الطاهر. المشهور بزين العابدين أو سيّدهم، والسجّاد، وذو الثفنات. ولد في المدينة سنة 38 أو 37 وتوفّي بها عام 95 أو 94 يوم السبت 12 من محرّم .


قال ابن خلكان: هو أحد الأئمّة الإثني عشر ومن سادات التابعين، قال الزهري: ما رايت قرشياً أفضل منه، وفضائله ومناقبه أكثر من أن تحصى وتذكر، ولمّا توفّي دفن في البقيع في جنب عمّه الحسن في القبّة الّتي فيها قبر العباس ـ رضي الله عنه ـ (1) .


ومن أراد الاطّلاع على مناقبه وكراماته وفضائله في مجالات شتّى كالعلم ،


1 . وفيات الأعيان 3 / 267 ـ 269 .



والحلم، والصفح، ومقابلة الاساءة بالاحسان، والشجاعة، وقوّة القلب، وثبات الجنان، والجرأة، والكرم والسخاء، وكثرة الصدقات، وعتق العبيد، والفصاحة والبلاغة، والورع والتقوى والعبادة وتربية صفوة جليلة من الأعلام وايصالهم إلى القمّة في العلم والعمل من الذين يُسْتَدر بهم الغمام وكثرة البرّ باُمه والرفق بالحيوان وهيبته وعظمته في أعين الناس وغير ذلك فعليه الرجوع إلى الموسوعات .


ونكتفي باُمور:


1- إيصاء الحسين إليه في أمر الامامة .


2- زهده وعبادته ومواساته للفقراء .


3- هيبته وعظمته .


4- ما تركه من الثروة العلمية من الأدعية والمناجاة .


أمّا إيصاء الحسين له، فقد تكفّل لذكره كتب الحديث والعقائد، وأخص بالذكر، الكافي للكليني(1) وإثبات الهداة للحر العاملي(2) .


وأمّا هيبته ومكانته في القلوب، فاستمع ما يلي:


لمّا حجّ هشام بن عبدالملك قبل أن يلي الخلافة اجتهد أن يستلم الحجر الأسود فلم يمكنه، وجاء علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ فتوقّف له الناس، وتنحّوا حتّى استلم فقال جماعة لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه (مع أنّه كان يعرفه انّه علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ ) فسمعه الفرزدق، فقال: لكنّي أعرفه، هذا علي بن الحسين زين العابدين، وأنشد هشاماً قصيدته الّتي منها هذه الأبيات .


1 . الكافي 303 .


2 . إثبات الهداة 3 / 1 ـ 5 .






  • هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته
    يكاد يمسكه عرفان راحته
    إذا رأته قريش قال قائلها
    إنْ عُدَّ أهل التقى كانوا أئمتهم
    هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
    وليس قولك من هذا بضائره
    العرب تعرف من أنكرت والعجم



  • والبيت يعرفه والحل والحرم
    ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
    إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
    أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
    بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا
    العرب تعرف من أنكرت والعجم
    العرب تعرف من أنكرت والعجم



إلى آخر القصيدة الّتي حفظتها الاُمّة وشطرها جماعة من الشعراء وقد ثقل ذلك هشاماً فأمر بحبسه، فحبسوه بين مكة والمدينة. فقال معترضاً على عمل هشام:





  • أيحبسني بين المدينة والتي
    يقلب رأساً لم يكن رأس سيد
    وعيناً له حولاء باد عيوبها



  • إليها قلوب الناس يهوى منيبها
    وعيناً له حولاء باد عيوبها
    وعيناً له حولاء باد عيوبها



فأخرجه من الحبس فوجّه إليه علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ عشرة آلاف درهم وقال: اعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به، فردّها الفرزدق وقال: ما قلت ما كان إلاّ للّه، فقال له علي ـ عليه السلام ـ : قد راى اللّه مكانك فشكرك، ولكنّا أهل بيت إذا أنفذنا شيئاً لم نرجع فيه وأقسم عليه فقبلها .


أمّا زهده وعبادته ومواساته للفقراء، وخوفه من اللّه فغني عن البيان كان علي بن الحسين إذا توضّأ اصفّر لونه فيقال: ما هذا الّذي يعتادك عند الوضوء؟ قال: أتدرون بين يدي مَنْ اُريد أن أقف .


ومن كلماته: أنّ قوماً عبدوا اللّه رياضة فتلك عبادة العبيد، وأنّ قوماً عبدوه رغبة، فتلك عبادة التجار، وأنّ قوماً عبدوه شكراً فتلك عبادة الأحرار .


وكان إذا أتاه سائل يقول: مرحباً بمن يحمل زادي إلى الآخرة .



وكان ينحل فلمّا مات وجدوه يعول مائة من أهل بيت المدينة. وفي رواية لا يدرون من يأتيهم بالرزق لأنّه يبعث به إليهم في الليل فلمّا مات علي فقدوه، وفي رواية كان يحمل جراب الخُبز على ظهره بالليل فيتصدّق به ويقول: صدقة السر تطفئ الرب، وفي رواية كان أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتّى مات علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ (1) .


وقال رجل لسعيد بن المسيب: ما رأيت رجلا أورع من فلان ـ وسمّى رجلا ـ فقال له سعيد: أما رأيت علي بن الحسين؟ فقال: لا، فقال: ما رايت أورع منه.


وقال الزهري: لم أر هاشمياً أفضل من علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ .


وقال أبو حازم كذلك أيضاً: ما رأيت هاشمياً افضل من علي بن الحسين .


وقال طاووس: رأيت علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ ساجداً في الحجر فقلت: رجل صالح من أهل بيت طيب لأسمعن ما يقول، فاصغيت إليه فسمعته يقول: عبدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك، فواللّه ما دعوت بهنّ في كرب إلاّ كشف عنّي .


وكان يصلّي في كل يوم وليلة ألف ركعة، فإذا أصبح سقط مغشياً عليه، وكانت الريح تميله كالسنبلة، وكان يوماً خارجا فلقيه رجل فسبّه فثارت إليه العبيد والموالي فقال لهم علي: مهلا كفّوا، ثمّ أقبل على ذلك الرجل فقال له: ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحى الرجل فالقى إليه علي خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم فكان ذلك الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسل(2).


1 . تذكرة الخواص 294 .


2 . كشف الغمّة 2 / 292 ـ 293 .



الثروة العلمية للامام:



أمّا الثروة العلمية والعرفانية، فهي أدعيته الّتي رواها المحدثون باسنادهم المتضافرة، المعروفة بالصحيفة السجّادية المنتشرة في العالم فهي زبور آل محمّد، ومن الخسارة الفادحة، أنّ اخواننا أهل السنّة إلاّ النادر القليل منهم غير واقفين على هذا الأثر القيّم الخالد.


وفصاحة ألفاظها، وبلاغة معانيها، وعلو مضامينها وما فيها من أنواع التذلل للّه تعالى والثناء عليه، والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه والتوسّل إليه، أقوى شاهد على صحّة نسبتها إليه ـ عليه السلام ـ وانّ هذا الدر من ذلك البحر، وهذا الجوهر من ذلك المعدن، وهذا الثمر من ذلك الشجر، مضافاً إلى اشتهارها شهرة لا تقبل الريب وتعدّد أسانيدها المتّصلة إلى منشئها فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعدّدة المتّصلة، إلى زين العابدين(1) .


وقد أرسل أحد الأعلام نسخة من الصحيفة مع رسالة إلى العلاّمة الشيخ الطنطاوي (ت 1358) صاحب التفسير المعروف فكتب في جواب رسالته «ومن الشقاء إنّا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيم الخالد في مواريث النبوّة وأهل البيت وإنّي كلّما تأمّلتها رأيتها فوق كلام المخلوق، دون كلام الخالق»(2) .


والمعروف بين الشيعة هو الصحيفة الاُولى التي تتضمّن على أحد وستين دعاء في فنون الخير وأنواع السؤال من اللّه سبحانه وهي تعلّم الإنسان كيف يلجأ إلى ربّه في الشدائد والمهمات، وكيف يطلب منه حوائجه، وكيف يتذلّل ويتضرّع له وكيف يحمد ويشكر له غير أنّ لفيفا من العلماء استدركوا عليها فجمعوا


1 . في رحاب أئمّة أهل البيت 3 / 414 .


2 . مقدمة الصحيفة بقلم العلامة المرعشي ـ قدس سره ـ 28 .



من شوارد أدعيته صحائف خمس أخيرتها ما جمعه العلاّمة السيد محسن الأمين العاملي ـ رضي الله عنه ـ .


ولقد قام العلاّمة الحجة السيد محمّد باقر الأبطحي ـ دام ظله ـ بجمع جميع أدعية الامام الموجودة في هذه الصحف في جامع واحد وقال في مقدمته:


وحرىّ بنا القول انّ أدعيته ـ عليه السلام ـ كانت ذات وجهين: وجهاً عبادياً، وآخر اجتماعياً يتّسق مع مسار الحركة الاصلاحية التي قادها الامام ـ عليه السلام ـ في ذلك الظرف العصب. فاستطاع بقدرته الفائقة المسدّدة أن يمنح أدعيته ـ إلى جانب روحها التعبّدية - محتوىً اجتماعياً متعدّد الجوانب، بما حملته من مفاهيم خصبة، وأفكار نابضة بالحياة فهو ـ عليه السلام ـ صاحب مدرسة إلهية، تارة يعلّم المؤمن كيف يمجّد اللّه ويقدّسه،وكيف يلج باب التوبة، وكيف يناجيه وينقطع إليه، واُخرى يسلك به درب التعامل السليم مع المجتمع فيعلّمه اسلوب البر بالوالدين، ويشرح حقوق الوالد والولد، والأهل، والأصدقاء، والجيران، ثمّ يبيّن فاضل الأعمال وما يجب أن يلتزم به المسلم في سلوكه الاجتماعي كل ذلك باسلوب تعليمي رائع وبليغ .


وصفوة القول انّها كانت اسلوبا مبتكراً في إيصال الفكر الاسلامي والمفاهيم الإسلامية الأصيلة إلى القلوب الظمأى، والأفئدة الّتي تهوي إليها لترتزق من ثمراتها، وتنهل من معينها، فكانت بحق علمية تربوية نموذجية من الطراز الأوّل، لاُسس بناها الامام السجاد ـ عليه السلام ـ مستلهماً جوانبها من سير الأنبياء وسنن المرسلين(1) .


1 . الصحيفة السجادية الجامعة 13 .



رسالة الحقوق:



إنّ للامام علي بن الحسين رسالة معروفة باسم رسالة الحقوق أوردها الصدوق في خصاله(1)بسند معتبر، ورواها الحسن بن شعبة في تحف العقول(2) مرسلا، وبين النقلين اختلاف بالزيادة والنقيصة وهي من جلائل الرسائل في أنواع الحقوق، فيذكر الامام فيها حقوق اللّه سبحانه على الإنسان وحقوق نفسه عليه وحقوق أعضائه من اللسان والسمع، والبصر والرجلين واليدين والبطن والفرج ثمّ يذكر حقوق الأفعال، من الصلاة والصوم والحج والصدقة والهدى...


يبلغ خمسين حقّا، آخرها حق الذمّة.


روى الحفّاظ وتلاميذ مدرسته أحاديث عنه أوردها الشيخ الحر العاملي في جامعه «وسائل الشيعة» كما أنّ له ـ عليه السلام ـ حكماً في مختلف أبواب الفقه، جمعها الشيخ الحسن الحراني في تحفه(3) فلاحظ .


الراوون عنه:



ذكر الشيخ في رجاله الرواة عنه ـ عليه السلام ـ : ورتّبها على حروف المعجم فبلغ 175، شخصاً(4)وهم بين صحابي وتابعي ـ رضى الله عنهم ـ .


قال ابن شهر آشوب: ومن رجاله من الصحابة جابر بن عبداللّه الأنصاري، وعامر بن واثلة الكناني وسعد بن المسيب بن حزن، وسعيد بن جهان الكناني مولى اُم هاني... ومن التابعين أبو محمّد سعيد بن جبير مولى بني أسد، ومحمّد


1 . الخصال 564 ـ 570 في أبواب الخمسين .


2 . تحف العقول 184 ـ 195 .


3 . تحف العقول 180 ـ 205 .


4 . الشيخ الطوسي الرجال 81 ـ 102 .



ابن جبير بن مطعم، وأبو خالد الكابلي، والقاسم بن عوف، وإسماعيل بن عبداللّه بن جعفر، وإبراهيم والحسن ابنا محمّد بن الحنفية، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو يحيى الأسدي وأبو حازم الأعرج وسلمة بن دينار المدني الاقرن القاص .


ومن أصحابه أبو حمزة الثمالي بقي إلى أيام موسى بن جعفر، وفرات بن أحنف بقي إلى زمان الصادق وجابر بن محمّد بن أبي بكر، وأيوب بن الحسن، وعلي بن رافع، وحميد بن موسى الكوفي، وأبان بن تغلب، وأبو الفضل سدير ابن حكيم بن صهيب الصيرفي، وقيس بن رمانة، وعبداللّه البرقي...(1) .


قال الشيخ أبو زهرة: «في بيت الامام زين العابدين نشأ زيد وتكوّنت ميوله، ومنازعه في الحياة، واتّجاهاته وكان زين العابدين فقيهاً كما كان محدثاً، وكان له شبه بجدّه علي بن أبي طالب في قدرته على الاحاطة بالمسائل الفقهية من كل جوانبها والتفريع عليها، وكان إذا راى الشباب الذين يطلبون العلم أدناهم إليه، وقال: مرحباً بكم أنتم ودائع العلم، ويوشك ـ إذ أنتم صغار قوم ـ أن تكونوا كبار قوم آخرين، وإذا جاءه طالب علم، رحّب به وقال: أنت وصيّة رسول اللّه إنّ طالب العلم لم يضع رجله على رطب ولا يابس من الأرض إلاّ سبّحت له الأرض إلى السابعة(2) .


يقول الكاتب محمّد جواد مغنيه: «وكان يحسن إلى من يسئ إليه، من ذلك أنّ هشام بن إسماعيل كان أميراً على المدينة وكان يتعمّد الإساءة إلى الامام وأهل بيته، ولمّا عزله الوليد، أمر أن يوقف للناس: في الطريق العام ليقتصوا منه،


1 . المناقب 4 / 174 طبع قم .


2 . المقرّم: الامام زيد 31 .



وكان لا يخاف أحداً كخوفه من الامام السجاد، ولكن الامام أوصى أهله وأصحابه أن لا يسيئوا إليه، وذهب إليه بنفسه، وقال له: لا بأس عليك منّا، وأية حاجة تعرض لك فعلينا قضاؤها(1) .


1 . محمّد جواد مغنيه: الشيعة والتشيّع 244 .





الامام الخامس:



أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين ـ عليهم السلام ـ الباقر



هو خامس أئمّة أهل البيت، الطاهر، المعروف بالباقر، وقد اشتهر به لبقره العلم وتفجيره له. قال ابن منظور في لسان العرب: لقّب به لأنّه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه وتوسّع فيه(1) وقال ابن حجر: سمّي بذلك لأنّه من بقر الأرض أي شقّها، وإثارة مخبآتها، ومكامنها. فكذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام، والحكم واللطائف ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة ومن ثمّ قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه(2)


1 . لسان العرب 4 / 74 .


2 . الصواعق المحرقة 201 .



قال ابن خلكان: أبو جعفر محمّد بن زين العابدين، الملقّب بالباقر أحد الأئمّة الاثني عشر في اعتقاد الامامية وهو والد جعفر الصادق. كان الباقر عالماً سيّداً كبيراً وانّما قيل له الباقر لأنّه تبقّر في العلم أي توسّع وفيه يقول الشاعر:





  • يا باقر العلم لأهل التُّقى
    وخير من لبّى على الأجبل(1)



  • وخير من لبّى على الأجبل(1)
    وخير من لبّى على الأجبل(1)



ولد بالمدينة غرة رجب سنة 57 وقيل 56 وتوفّي في السابع من ذي الحجّة سنة 114 وعمره الشريف 57 سنة. عاش مع جدّه الحسين ـ عليه السلام ـ 4 سنين ومع أبيه ـ عليه السلام ـ بعد جدّه ـ عليه السلام ـ تسعاً وثلاثين سنة وكانت مدة إمامته ـ عليه السلام ـ 18 سنة(2) .


وأمّا النصوص الدالّة على إمامته من أبيه وأجداده الّتي ذكرها المحدّثون والمحقّقون من علمائنا الأعلام فهي مستفيضة نقلها الكليني وغيره(3) .


قال ابن سعد: محمّد الباقر من الطبقة الثالثة من المدينة كان عالماً عابداً ثقة وروى عنه الأئمّة أبو حنيفة وغيره .


قال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة: لقيت محمّد بن علي الباقر؟ فقال: نعم وسألته يوماً فقلت له: أراد اللّه المعاصي؟ فقال: أفيعصى قهراً؟ قال أبو حنيفة: فما رأيت جوابا أفحم منه .


وقال عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه مغلوب ويعني الحكم بن عيينة، وكان عالماً نبيلا جليلا في زمانه .


وذكر المدائني: عن جابر بن عبداللّه انّه أتى أبا جعفر محمّد بن علي إلى


1 . وفيات الأعيان 4 / 1074 .


2 . إعلام الورى بأعلام الهدى 264 ـ 265 .


3 . الكافي 1 / 305 ـ 306، اثبات الهداة 3 / 33 ـ 35 .



الكتاب وهو صغير فقال له: رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يسلّم عليك، فقيل لجابر: وكيف هذا؟ فقال: كنت جالساً عند رسول اللّه والحسين في حجره وهو يداعبه فقال: يا جابر يولد مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيد العابدين فيقوم ولده، ثمّ يولد له ولد، اسمه محمّد، فإن أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام .


وذكر ابن الصبّاغ المالكي بعد نقل القصّة قوله: انّ النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال لجابر: وإن لاقيته فاعلم انّ بقاءك في الدنيا قليل فلم يعش جابر بعد ذلك إلاّ ثلاثة أيّام. ثمّ قال: هذه منقبة من مناقبه باقية على ممر الأيّام وفضيلة شهد له بها الخاص والعام(1) .


وقال عبداللّه بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر لقد رايت الحكم عنده كأنّه متعلّم(2) .


وقال المفيد: لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين ـ عليهما السلام ـ في علم الدين والآثار والسنّة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر من أبي جعفر الباقر ـ عليه السلام ـ (3) .


وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين وفقهاء المسلمين وسارت بذكر كلامه الأخبار واُنشدت في مدائحه الأشعار...(4) .


قال ابن حجر: صفا قلبه، وزكاه علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة اللّه وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة


1 . تذكرة الخواص لابن الجوزي 302 ـ 303، الفصول المهمّة 215 ـ 216 .


2 . كشف الغمة 2 / 329.


3 . الارشاد 261 .


4 . الفصول المهمّة 210 نقله عن ارشاد الشيخ المفيد: 261 ـ 262 .



الواصفين وله كلمات كثرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة(1).


وأمّا مناظراته مع المخالفين فحدّث عنها ولا حرج فقد جمعها العلاّمة الطبرسي في كتاب الاحتجاج(2) .


قال الشيخ المفيد في الارشاد: وجاءت الأخبار: انّ نافع بن الأزرق(3) جاء إلى محمّد بن علي فجلس بين يديه يسأله عن مسائل الحلال والحرام. فقال له أبو جعفر في عرض كلامه: قل لهذه المارقة بم استحللتم فراق أميرالمؤمنين، وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته والقربة إلى اللّه بنصرته، فسيقولون له أنّه حكم في دين اللّه فقل لهم قد حكّم اللّه تعالى في شريعة نبيّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ رجلين من خلقه فقال: (فَابَعثوا حَكَماً مِن أهلِهِ و حَكَماً مِن أهلِها إن يُرِيدا إصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَينَهُما)(4). وحكّم رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم فيهم بما أمضاه اللّه. أو ما علمتم انّ أميرالمؤمنين انّما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن ولا يتعدّياه، واشترط رد ما خالف القرآن في أحكام الرجال وقال حين قالوا له حكّمت على نفسك من حكم عليك، فقال: ما حكّمت مخلوقاً وانّما حكّمت كتاب اللّه فأين تجد المارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن، واشترط رد ما خالفه لولا ارتكابهم في بدعتهم البهتان؟ فقال: نافع بن الأزرق هذا واللّه كلام ما مرّ بسمعي قط ولا خطر منّي ببال وهو الحق إن شاء اللّه(5) .


1 . الصواعق المحرقة 301 .


2 . الاحتجاج 2 / 54 ـ 69 طبع النجف .


3 . ولعلّ المناظر هو عبداللّه بن نافع بن الأزرق، لأنّ نافع قتل عام 65 من الهجرة وللإمام عندئذ من العمر دون العشرة وقد نقل ابن شهر آشوب بعض مناظرات الإمام مع عبداللّه بن نافع فلاحظ المناقب 4 / 201 .


4 . النساء / 35 .


5 . الارشاد: 265.



الراوون عنه:



وقد روى بعض الصحابة وأكثر التابعين ـ عليه السلام ـ وقد نهلوا من معين علمه، وقدجمع الشيخ الطوسي أسماء من روى عنه من العلماء والحفّاظ مبتدئاً بإبراهيم بن مناف الأسدي ومنتهيا بحبابة الوالبية بلغ عددهم 466 شخصاً.


وقال ابن شهر آشوب بعد نقل كلام المفيد: فمن الصحابة نحو جابر بن عبداللّه الأنصاري ومن التابعين جابر بن يزيد الجعفي، وكيسان السختياني صاحب العوفية. ومن الفقهاء نحو ابن مبارك، والزهري، والأوزاعي وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وزياد بن منذر النهري. ومن المصنّفين نحو الطبري والبلاذري...(1) .


ثمّ إنّ الشيعة الامامية أخذت كثيراً من الأحكام الشرعية عنه وعن ولده البار جعفر الصادق وحسب الترتيب المتداول في الكتب الفقهية وأمّا ما روي عنه في الحكم والمواعظ فقد نقلها أبو نعيم الاصفهاني في حلية الأولياء والحسن بن شعبة الحرّاني في تحفه(2) .


ثمّ إنّ الامام محمّد الباقر توفّي عام 114 ودفن في جنب قبر أبيه في البقيع ومن أراد البحث عن فصول حياته في شتى المجالات فليراجع الموسوعات .


1 . المناقب 4 / 195 ومن المعلوم أنّ المقصود هو الأعم ممّن روى عن الإمام مباشرة أو مع الواسطة ولاحظ حلية الأولياء 3 / 198 .


2 . حلية الأولياء 3 / 180 ـ 235 وفي بعض ما نقل عنه تأمّل ونظر. والحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول 284 ـ 300 .





الامام السادس:



جعفر بن محمّد ـ عليهما السلام ـ الصادق



هو الإمام السادس من أئمة أهل البيت الطاهر ـ رضي الله عنه ـ أجمعين ولقّب بالصادق لصدقه في مقاله، وفضله أشهر من أن يذكر. ولد عام 80 وتوفّي عام 148 ودفن في البقيع جنب قبر أبيه محمّد الباقر وجدّه علىّ زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي ـ رضى اللّه عنهم أجمعين ـ فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه(1).


وقال محمّد بن طلحة: هو من عظماء أهل البيت وساداتهم وذو علوم جمّة، وعبادة موفورة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتبع معاني القران الكريم،


1 . وفيات الأعيان 1 / 327 رقم الترجمة 31 .



ويستخرج من بحره، جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليه نفسه، رؤيته تذكّر الآخرة، واستماع كلامه يزهّد في الدنيا، والاقتداء بهداه يورث الجنّة، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع أنّه من ذرّية الرسالة. نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمّة وأعلامهم. مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريج، ومالك بن أنس،والثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، وشعبة وأبو أيّوب السجستاني(1) وغيرهم وعدّوا أخذهم عنه منقبه شرّفوا بها وفضيلة اكتسبوها.


وأمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوق عدد الحاصر، ويُحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر حتّى انّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى، صارت الأحكام الّتي لا تدرك عللها، والعلوم الّتي تقصر الأفهام عن الاحاطة بحكمها، تضاف إليها وتروى عنه(2) .


وقال ابن الصباغ المالكي: كان جعفر الصادق ـ عليه السلام ـ من بين اخوته، خليفة أبيه، ووصيّه والقائم بالامامة من بعده، برزعلى جماعة بالفضل، وكان أنبههم ذكراً، وأجلّهم قدراً، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقلوا عنه من الحديث .


وروى عنه جماعة. من أعيان الأمّة مثل يحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وأبو عيينة، وأبو حنيفة، وشعبة وأبو أيّوب السجستاني وغيرهم(3) .


1 . وفي الأصل أيّوب السختياني والصحيح ما ذكرناه.


2 . كشف الغمة 2 / 368 .


3 . الفصول المهمة 222 .



إنّك إذا تتّبعت كتب التاريخ والتراجم والسير تقف على نظير هذه الكلمات وأشباهها، كلّها تعرب عن اتّفاق الأمّة على إمامته في العلم والقيادة الروحية وإن اختلفوا في كونه إماماً منصوصاً من قبل اللّه عزّوجلّ، فذهبت الشيعة إلى الثاني نظراً إلى النصوص المتواترة المذكورة في مظانّها(1) .


إنّ الامام قام بهداية الاُمّة إلى النهج الصواب في عصر تضاربت فيه الآراء والأفكار، واشتعلت فيه نار الحرب بين الامويين ومعارضيهم من العباسيين ففي تلك الظروف الصعبة والقاسية استغلّ الامام الفرصة فنشر من أحاديث جدّه، وعلوم آبائه ما سارت إليه الركبان وتربّى على يديه آلاف من المحدّثين والفقهاء. ولقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلاف آرائهم ومقالاتهم فكانوا أربعة آلاف رجل(2) وهذه فضيلة رابية لم تكتب لأحد من الأئمّة قبله ولا بعده .


إنّ الامام ـ عليه السلام ـ قام بالتحديث عن جدّه وآبائه عندما اندفع المسلمون إلى تدوين أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بعد الغفلة الّتي استمرّت إلى عام 143(3) وقد اختلط الصحيح بالضعيف وتسرّب إلى السنّة الاسرائيليات والمسيحيات والمجوسيات بالاضافة إلى المختلقات والمجعولات على يد علماء السلطة ومرتزقة البلاط الاموي. وبالامام عرفوا الصحيح من الزائف، والحقيقة من الباطل فأخذوا عنه الحكم والأحاديث النبويّة ولو نهلت الاُمّة من مناهل علمه وتركوا الروايات الّتي رواها الوضّاعون والكذّابون. لما ابتلت الاُمة بمصائب الحديث الّتي تركها الرواة على جبين الدهر وترى كثيراً من هذه المصائب في الصحاح والمسانيد


1 . لاحظ الكافي 1 / 306 ـ 307 وإثبات الهداة للحر العاملي 5 / 322 ـ 330 .


2 . الارشاد 270 والمناقب لابن شهر آشوب 4 / 247 .


3 . تاريخ الخلفاء للسيوطي، خلافة المنصور الدوانيقي فقد حدّد تاريخ التدوين بسنة 143 .



خصوصاً في صحيح البخاري .


والعجب انّ الامام البخاري، احتجّ بمثل مروان بن الحكم، وعمران بن حطّان وحريز بن عثمان الرحبي وغيرهم ولم يرو عن الامام الصادق ـ عليه السلام ـ .


أمّا الأوّل فهو الوزغ ابن الوزع، اللعين ابن اللعين على لسان رسول اللّه، وأمّا الثاني فهو الخارجي المعروف الّذي أثنى على ابن ملجم بشعره لا بشعوره، وأمّا الثالث فكان ينتقص عليّاً وينال منه ومع ذلك لم نجد رواية للبخاري عن الامام الصادق ونعم ما قال القائل:





  • قضية أشبه بالمرزئة
    بالصادق الصدّيق ما احتجّ في
    ومثل عمران بن حطان أو
    مشكلة ذات عوار إلى
    انّ الامام الصادق المجتبى
    أجلّ من في عصره رتبة
    قلامة من ظفر ابهامه
    تعدل من مثل... مئة(1)



  • هذا البخاري إمام الفئة
    صحيحه واحتجّ بالمرجئة
    مروان وابن المرأة المخطئة
    حيرة أرباب النهى ملجئة
    بفضله الآي أتت منبئة
    لم يقترف في عمره سيّئة
    تعدل من مثل... مئة(1)
    تعدل من مثل... مئة(1)



إنّ للامام الصادق وراء ما نشر عنه من الأحاديث في الأحكام الّتي تتجاوز عشرات الالآف، مناظرات مع الزنادقة والملحدين في عصره والمتقشفين من الصوفية ضبط المحققون كثيراً منها وهي في حد ذاتها ثروة علمية تركها الامام ـ عليه السلام ـ أمّا الرواية عنه في الأحكام فقد روي عنه أبان بن تغلب 30 ألف حديث .


حتّى انّ الحسن بن علي الوشاء قال: أدركت في هذا المسجد (مسجد الكوفة)


1 . النصايح الكافية لمن يتولى معاوية، كما في أعيان الشيعة 1 / 667 .



تسعمائة شيخ كل يقول حدّثني جعفر بن محمّد. (كان ـ عليه السلام ـ يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث علي بن أبي طالب، وحديث علي حديث رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وحديث رسول اللّه قول اللّه عزّوجلّ)(1) .


وأمّا ما اثر عنه في المعارف والعقائد فحدّث عنه ولا حرج ولا يسعنا نقل حتّى القليل منه ومن اراد فليرجع إلى مظانّه(2) .


وأمّا حكمه وقصار كلمه. فلاحظ تحف العقول. وأمّا رسائله فكثيرة منها رسالته الي النجاشي، والي الأهواز، ومنها رسالته في شرائع الدين نقلها الصدوق في الخصال، ومنها ما أملاه في التوحيد للمفضل بن عمر إلى غير ذلك من الرسائل الّتي رسمها بخطّه(3) .


ولمّا توفّي الامام شيّعه عامّة الناس في المدينة وحمل إلى البقيع وقد أنشد فيه أبو هريرة العجلي قوله:





  • أقول وقد راحوا به يحملونه
    أتدرون ماذا تحملون إلى الثرى
    غداة حثا الحاثون فوق ضريحه
    ترابا وأولى كان فوق المفارق



  • على كاهل من حامليه وعاتق
    ثبيراً ثوى من رأس علياء شاهق
    ترابا وأولى كان فوق المفارق
    ترابا وأولى كان فوق المفارق



فسلام اللّه عليه يوم يولد ويوم مات ويوم يبعث حيا .


1 . الرجال للنجاشي 139 برقم 79 .


2 . الاحتجاج 2 / 69 ـ 155 والتوحيد للصدوق وقد بسطها على أبواب مختلفة .


3 . ولقد جمع أسماء هذه الرسائل السيد الأمين في أعيانه 1 / 668 .





الإمام السابع:



أبوالحسن موسى بن جعفر ـ عليهما السلام ـ الكاظم



سابع أئمّة أهل البيت الطاهر. ولد بالأبواء بين مكة والمدينة يوم الأحد في 7 صفر سنة 128 واستشهد بالسم في سجن الرشيد عام 183 ودفن في بغداد في الجانب الغربي في المقبرة المعروفة بمقابر قريش المشهورة في أيامنا هذه بالكاظمية.


يعرف بالعبد الصالح، وبالكاظم، والصابر، والأمين .


هو الإمام الكبير القدر والأوحد الحجة الحبر، الساهر ليله قائما، القاطع نهاره صائما، المسمّى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظما.


قال الشيخ المفيد: هو الإمام بعد أبيه، والمقدّم على جميع بنيه لاجتماع خصال الفضل فيه، وورود صحيح النصوص وجلي الأقوال عليه من أبيه بأنّه ولي



عهده والإمام القائم من بعده(1) .


إنّ الكلام في خلقه، وحلمه، وكظمه الغيظ، وفي مناقبه وفضائله، وفي تواضعه ومكارم أخلاقه، وكرمه وسخائه، وشدّة خوفه من اللّه سبحانه، وكثرة صدقاته، وأخباره مع الرشيد وأخيراً في القاء القبض عليه من قبله، وحبسه في ظُلم السجون قرابة سبع سنين واستشهاده، يحتاج إلى تأليف مفرد قام به المحققون ونحن نترك البحث في جميع ذلك ونشير إلى بعض الجوانب خصوصاً في ما يتعلق بعلمه والذين تخرّجوا على يده من الشيعة والسنّة حتّى يقف القارئ على انّه إمام الكل.


1- روى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده قال: حجّ هارون الرشيد فأتى قبر النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ زائراً وحوله قريش ومعه موسى بن جعفر ولمّا انتهى إلى القبر قال: السلام عليك يا رسول اللّه يابن عمّي ـ افتخاراً على من حوله ـ ، فدنى موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا أبة، فتغيّر وجه الرشيد وقال: هذا الفخريا أبا الحسن حقّاً(2) .


2- ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار أنّ هارون كان يقول لموسى بن جعفر: خذ فدكاً ـ وهو يمتنع عليه ـ ، فلمّا ألحّ عليه قال: ما آخذها إلاّ بحدودها قال: وما حدودها؟ قال: الحد الأوّل عدن ـ فتغيّر وجه الرشيد ـ قال: والحد الثاني؟ قال: بسمرقند ـ فأربد وجهه ـ قال: والحد الثالث؟ قال: أفريقيا قال: والحد الرابع؟ قال: سيف البحر ممّا يلي الخزر وأرمينيا فقال هارون: فلم يبق لنا شيء فتحوّل من


1 . لاحظ للوقوف على تلك النصوص الكافي 1 / 307 ـ 311، إثبات الهداة 3 / 156 ـ 170 فقد نقل في الأخير 60 نصّاً على إمامته.


2 . وفيات الأعيان 5 / 309 .



مجلسي فقال موسى: قد أعلمتك انّي إن حدّدتها لم تردّها. فعند ذلك عزم على قتله واستكفى أمره(1).


3- كان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ثمّ يعقّب حتّى تطلع الشمس ويخرّ للّه ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتحميد حتّى يقرب زوال الشمس وكان يدعو كثيرا. فيقول: اللّهمّ إنّي أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب، ويكرّر ذلك، وكان من دعائه ـ عليه السلام ـ : عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك وكان يبكي من خشية الله حتّى تخضل لحيته بالدموع وكان أوصل الناس لأهله ورحمه وكان يتفقّد فقراء المدينة في الليل فيحمل إليهم الزنبيل فيه العين والورق والادقة والتمور فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أي جهة هو(2) .


4- في تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة: قال أبو حنيفة: حججت في ايام أبي عبداللّه الصادق ـ عليه السلام ـ فلمّا أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذنه إذ خرج صبي فقلت: يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟ قال: على رسلك. ثمّ جلس مستنداً إلى الحائط، ثمّ قال: توقَّ شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية المساجد، وقارعة الطريق، وتوار خلف جدار، وشل ثوبك ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها وضع حيث شئت، فأعجبني ما سمعت من الصبي فقلت له: ما اسمك؟ فقال: أنا موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فقلت له: يا غلام ممّن المعصية؟ فقال: إنّ السيّئات لاتخلو من احدى ثلاث: إمّا أن تكون من اللّه وليست من العبد فلا ينبغي للرب أن يعذّب العبد على ما لا يرتكب، وإمّا أن تكون منه ومن العبد وليست كذلك فلا ينبغي


1 . الزمخشري: ربيع الأبرار، كما في أعيان الشيعة 2 / 8 .


2 . المفيد: الارشاد 296 .



للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، وإمّا أن تكون من العبد وهي منه، فإن عفا فكرمه وجوده وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته، قال أبو حنيفة: فانصرفت ولم ألق أبا عبداللّه واستغنيت بما سمعت. ورواه ابن شهر آشوب في المناقب نحوه إلاّ أنّه قال: يتوارى خلف الجدار ويتوقّى أعين الجار وقال: فلمّا سمعت هذا القول منه نبل في عيني، وعظم في قلبي. وقال في آخر الحديث: فقلت: ذرّية بعضها من بعض(1) .


5- روى أبو الفرج الاصفهاني: حدثنا يحيى بن الحسن قال: كان موسى من جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرّة دنانير. وكان صراره ما بين الثلاثمائة وإلى المائتين دينار، فكانت صرار موسى مثلا.


وقال: إنّ رجلا من آل عمر بن الخطاب كان يشتم علي بن أبي طالب إذا رأى موسى بن جعفر، ويؤذيه إذا لقيه، فقال له بعض مواليه وشيعته: دعنا نقتله، فقال: لا، ثمّ مضى راكباً حتّى قصده في مزرعة له فتواطأها بحماره، فصاح: لا تدس زرعنا.


فلم يصغ إليه وأقبل حتّى نزل عنده فجلس معه وجعل يضاحكه، وقال له: كم غرمت على زرعك هذا؟ قال: مائة درهم، قال: فكم ترجو أن تربح؟ قال: لا أدري، قال: إنّما سألتك كم ترجو. قال: مائة اُخرى. قال: فأخرج ثلاثمائة دينار فوهبه له فقام فقبّل رأسه، فلمّا دخل المسجد بعد ذلك وثب العمري فسلّم عليه وجعل يقول: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته .


وكان بعد ذلك كلّما دخل موسى خرج وسلّم عليه ويقوم له. فقال موسى لجلسائه الذين طلبوا قتله: أيّما كان خيراً ما أردتم أو ما أردت؟(2) .


1 . تحف العقول 303، المناقب لابن شهر آشوب 4 / 314 .


2 . مقاتل الطالبيين 499 ـ 500، تاريخ بغداد 13 / 28 .



6- حكي انّ الرشيد سأله يوماً: كيف قلتم نحن ذرّية رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأنتم بنو علي وانّما ينسب الرجل إلى جدّه لأبيه دون جدّه لاُمّه؟ فقال الكاظم ـ عليه السلام ـ : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بِسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم: (ومِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ ويُوسُفَ ومُوسى وهرون وَكَذلكَ نَجْزِى الُمحْسِنِينَ * وَ زَكريّا وَ يَحْيى وَ عِيسى و إلْياسَ...) وليس لعيسى أب إنّما اُلحق بذريّة الأنبياء من قبل اُمّه وكذلك اُلحقنا بذريّة النبي من قبل اُمّنا فاطمة الزهراء، وزيادة اُخرى يا أميرالمؤمنين: قال اللّه عزّوجلّ: (فَمَنْ حاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعدِ جاءكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبناءَكُمْ ونِساءَنا ونِساءَكُمْ وأنْفُسَنا وأنفُسَكُمْ ثمَّ نَبْتَهِلْ...) ولم يدع ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين وهما الأبناء(1) .


7- أمّا علمه واحديث عنه فقد روى عنه العلماء في فنون العلم ما ملأ الكتب وكان يعرف بين الرواة بالعالم. وقد روى الناس عنه فأكثروا وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب اللّه(2) .


وقد ذكر الشيخ الطوسي أسماء الرواة عنه في رجاله فبلغ عددهم مائتين واثنين وستين شخصاً وقام الزميل المتتبّع الشيخ العطاردي بجمع اسماء من رووا عنه الأحاديث في مجالات شتّى فبلغ ستمائة وثمانية وثلاثين رجلا وأسماه بمسند الامام موسى الكاظم فجاء جميع ذلك في أجزاء ثلاثة .


ولقد اتّفقت كلمة المؤرّخين على أنّه استشهد مسموماً في سجن السندي ابن شاهك بأمر من الرشيد وكان الخليفة يخاف من أن ينتشر خبر شهادته في بغداد


1 . الفصول المهمة 238، والآيتان من سورتي الأنعام 84 وآل عمران 61 .


2 . المفيد: الارشاد 298 .



ولأجل ذلك لمّا مات أدخل عليه الفقهاء ووجوه بغداد وفيهم الهيثم بن علي وغيره حتّى يشهدوا على أنّه مات بأجله، واُخرج ووضع على الجسر ببغداد فنودي هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه فجعل الناس يتفسّرون في وجهه وهوميّت(1) .


وأمّا الكلام في شهادته وأخباره ممّا يطول بنا الكلام إذا أردناه ذكره فليرجع إلى محلها .


ومن أحسن كلماته ما وصّى به هشام بن الحكم(2) .


1 . مقاتل الطالبيين 504 .


2 . لاحظ الكافي 1 / 13 ـ 20 وتحف العقول 283 ـ 297 .



الإمام الثامن:



علي بن موسى بن جعفر ـ عليهم السلام ـ الرضا



هو الإمام الثامن من أئمّة أهل البيت القائم بالإمامة بعد أبيه موسى بن جعفر ـ عليهما السلام ـ وقد اجتمع أهل البيت في عصره على علمه وورعه وكفاءته لنصب الإمامة مضافاً إلى النصوص الواردة في حقّه من أبيه على إمامته(1) .


ولد في المدينة سنة 148 واستشهد في طوس من أرض خراسان في صفر 203 وله يومئذ 55 سنة وكانت مدّة إمامته بعد أبيه 20 سنة(2) .


قال الواقدي: علي بن موسى سمع الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم وكان ثقة يفتي بمسجد رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو ابن نيف وعشرين سنة وهو


1 . لاحظ للوقوف على النصوص: الكافي 1 / 311 ـ 319 والارشاد 304 ـ 305 واثبات الهداة 3/ 228، وروي فيه 68 نصاً على إمامته .


2 . الارشاد 304 .



من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة(1) .


قال الشيخ كمال الدين بن طلحة: ومن أمعن نظره وفكره، وجده في الحقيقة وارثهما (المراد علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين ـ عليهم السلام ـ ) نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفع مكانته، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتّى أدخله الخليفة المأمون، محل مهجته، وأشركه في مملكته، وفوّض إليه أمر خلافته، وعقد له على رؤوس الأشهاد عقد نكاح ابنته، وكانت مناقبه علية، وصفاته ثنية، ونفسه الشريفة زكية هاشمية، وارومته النبوية كريمة(2) .


وقد عاش الامام في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية وكثرت الترجمة لكتب اليونانيين والرومانيين وغيرهم وازداد التشكيك في الاُصول والعقائد من قبل الملاحدة وأحبار اليهود، وبطارقة النصارى ومجسّمة أهل الحديث .


وفي تلك الأزمة اُتيحت له ـ عليه السلام ـ الفرصة للمناظرة مع المخالفين على اختلاف مذاهبهم فظهر برهانه وعلا شأنه. يقف على ذلك من اطّلع على مناظراته واحتجاجاته مع هؤلاء(3) .


ولأجل ايقاف القارئ على نماذج من احتجاجاته نذكر ما يلي:


دخل أبو قرة المحدّث على أبي الحسن الرضا ـ عليه السلام ـ فقال: روينا أنّ اللّه قسم الرؤية والكلام بين نبيَّين، فقسم لموسى ـ عليه السلام ـ الكلام ولمحمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الرؤية. فقال أبو الحسن ـ عليه السلام ـ فمن المبلِّغ عن اللّه إلى الثقلين الجنّ والإنس: انّه (لا تدركه الأبصار) و (لا يحيطون به علما)و (ليس




1 . تذكرة الخواص ابن الجوزي 315 .


2 . الفصول المهمة 243 نقلا عن مطالب السؤول .


3 . لقد جمع الشيخ الطبرسي قسماً من هذه الاحتجاجات في كتابه الاحتجاج 2 / 170 ـ 237 طبع النجف .




كمثله شي) أليس محمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ؟ قال: بلى. قال: فكيف يجيء رجل إلى الخلف جميعا فيخبرهم انّه جاء من عنداللّه وانّه يدعوهم إلى اللّه بأمر اللّه فيقول: (لا تدركه الأبصار) و (ولا يحيطون به علما) و (ليس كمثله شي).


ثمّ يقول: أنا رأيته بعيني واُحطت به علما، وهو على صورة البشر. أما تستحيون؟! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عنداللّه بشي ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر. قال أبو قرة: فانّه يقول: (ولَقَدْ رَآهُ نزلةً اُخْرى) فقال أبو الحسن ـ عليه السلام ـ إنّ بعده هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال:(ما كذب الفؤاذُ ما رأى) يقول: ما كذب فؤاد محمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ما رأت عيناه ثمّ أخبر بما رأى فقال: (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الكُبْرى) فآيات اللّه غير اللّه. وقال(لا يُحيطون بِهِ عِلْما) فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة. فقال أبو قرة: فتكذب الروايات؟ فقال أبو الحسن: إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذّبتها وما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يحاط به علما، ولاتدركه الأبصار، وليس كمثله شيء(1) .


انتشر علم الامام وفضله فأخذت الأفئدة والقلوب تشدّ إليه وفي الاُمّة الإسلامية رجال واعون يميزون الحق من الباطل، فكانت تأتي الأخبار المرعبة إلى مركز الخلافة العباسية بمرو. فحاول المأمون الرشيد القاء القبض على الامام من خلال لعبة سياسية لقتل الثورة في مهدها، فأنفذ رجالا إلى المدينة حتّى يحملوا الطالبيين وفيهم علي بن موسى الرضا ـ عليه السلام ـ إلى مرو. فساروا بالامام عن طريق البصرة حتّى وصلوا به إلى مرو. فأنزلوه داراً وأكرموه .


واجتمع المأمون معه في مجلس ليس فيه غيرهما وقال له: إنّي اُريد أن أخلع


1 . الاحتجاج للطبرسي 2 / 184، البحراني: البرهان 4 / 228 .



نفسي من الخلافة واُقلّدك إيّاها فما رأيك؟ فأنكر الرضا ـ عليه السلام ـ هذا الأمر وقال له: اُعيذك باللّه يا أميرالمؤمنين من هذا الكلام وأن يسمع به أحد، فرد عليه الرسالة فإذا أبيت ما عرضت عليك فلابد من ولاية العهد بعدي فرد عليه الرضا اباءً شديداً، ثمّ استدعاه إليه ثانياً وخلا به ومعه الفضل بن سهل ذو الرياستين ليس في المجلس غيرهم وقال له: إنّي قد رايت أن اُقلّدك أمر المسلمين وافسخ ما في رقبتي واضعه في رقبتك فقال له الرضا ـ عليه السلام ـ : اللّه اللّه يا أميرالمؤمنين انّه لا طاقة لي بذلك ولا قوّة لي عليه قال له: فانّي موليك العهد من بعدي فقال له: اعفني من ذلك يا أميرالمؤمنين فقال له المأمون كلاما فيه التهديد له على الامتناع عليه وقال في كلامه: انّ عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدّك أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ وشرط في من خالف منهم أن يضرب عنقه ولابد من قبولك ما اُريد منك فإنّي لا أجد محيصاً عنه فقال له الرضا ـ عليه السلام ـ : فإنّي اُجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على انّني لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا اقضي ولا اُولي ولا أعزل ولا اُغيّر شيئاً ممّا هو قائم فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه (1) .


بعد قبول علي بن موسى الرضا ـ عليهما السلام ـ بولاية العهد قامَ بين يديه الخطباء والشعراء فخفقت الألوية على رأسه وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل ابن علي الخزاعي فلمّا دخل عليه قال: قلت قصيدة وجعلت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك فأمره بالجلوس حتّى خف مجلسه ثم قال له: هاتها. فأنشد قصيدته المعروفة:





  • ذكرت محل الربع من عرفات
    فأجريت دمع العين على الوجنات



  • فأجريت دمع العين على الوجنات
    فأجريت دمع العين على الوجنات



1 . الارشاد للمفيد 310 .






  • وقد خانني صبري وهاجت صبابتي
    مدارس آيات خلت من تلاوة
    ومنزل وحي مقفر العرصات



  • رسوم ديار اقفرت وعرات
    ومنزل وحي مقفر العرصات
    ومنزل وحي مقفر العرصات



حتّى أتى على آخرها. فلمّا فرغ من إنشادها قام الرضا ـ عليه السلام ـ فدخل إلى حجرته وأنفذ إليه صُرّة فيها مائة دينار واعتذر إليه فردّها دعبل وقال: واللّه ما لهذا جئت وانّما جئت للسلام عليك والتبرّك بالنظر إلى وجهك الميمون وانّي لفي غنى فإن رأيت أن تعطيني شيئاً من ثيابك للتبرّك فهو أحب فأعطاه الرضا جبّة خز وردّ عليه الصرة(1) .


كان الامام في مرو يقصده البعيد والقريب من مختلف الطبقات وقد انتشر صيته في بقاع الأرض وعند ذلك أحسَّ المأمون أنّ اعطاءه ولاية العهد ربّما يؤدّي إلى الاطاحة بخلافته، وقوّى ذلك الظن أنّ المأمون بعث إليه يوم العيد في أن يصلّي بالناس ويخطب فيهم فأجابه الرضا ـ عليه السلام ـ : إنّك قد علمت ما كان بيني وبينك ما كان من الشروط في دخول الأمر فاعفني في الصلاة بالناس فقال له المأمون: إنَّما اُريد بذلك أن تطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضلك، ولم تزل الرسل تتردّد بينهما في ذلك حتّى ألحّ عليه المأمون. فارسل إليه الرضا: إن أعفيتني فهو أحبّ إلىّ وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ فقال له المأمون: اُخرج كيف شئت وأمر القوّاد والحجاب والناس أن يبكروا إلى باب الرضا قال: فعقد الناس لأبي الحسن ـ عليه السلام ـ في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه فاغتسل أبو الحسن ولبس ثيابه وتعمّم بعمامة بيضاء من قطن، ألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفه ومسّ


1 . ابن الصباغ: الفصول المهمة 246 والمفيد: الارشاد 316 وللقصة صلة ومن أراد فليرجع إلى المصدرين المذكورين .



شيئاً من الطيب وأخذ بيده عكازة وقال لمواليه افعلوا ما فعلت فمشى قليلا ورفع رأسه إلى السماء وكبّر وكبّر مواليه معه، فلمّا رآه الجند والقواد سقطوا كلّهم عن الدواب إلى الأرض ثمّ كبّر وكبر الناس فخيل إلينا أنّ السماء والحيطان تجاوبه وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوه فبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل: إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل فتن به الناس، وخفنا كلّنا على دمائنا، فأنفذ إليه أن يرجع فرجع الرضا ـ عليه السلام ـ واختلف أمر الناس في ذلك اليوم(1) .


وقد أشار الشاعر البحتري إلى تلك القصّة بأبيات:





  • ذكروا بطلعتك النبي فهللوا
    حتّى انتهيت إلى المصلى لابساً
    ومشيت مشية خاشع متواضع
    للّه لا يزهى ولا يتكبر(2)



  • لما طلعت من الصفوف وكبروا
    نور الهدى يبدو عليك فيظهر
    للّه لا يزهى ولا يتكبر(2)
    للّه لا يزهى ولا يتكبر(2)



إنّ هذا وأمثاله وبالأخص خروج أخ المأمون زيد بن موسى بالبصرة على المأمون. لأنّه فوض ولاية العهد لعلي بن موسى الرضا وبالتالي سيؤدي إلى خروج الأمر من بيت العباسيين ـ كل ذلك ـ دفع المأمون إلى أن يريح نفسه وقومه من هذا الخطر فدسّ إليه السم على النحو المذكور في التاريخ .


ومن لطيف ما نقل عن أبي نواس انّه كان ينشد الشعر في كل جليل وطفيف ولم يمدح الامام فاعتذر عنه بالأبيات التالية.





  • قيل لي أنت أحسن الناس طرّاً
    لك من جوهر الكلام بديع
    فعلام تركت مدح ابن موسى
    والخصال الّتي تجمّعن فيه



  • في فنون من الكلام النبيه
    يثمر الدر في يدي مجتنيه
    والخصال الّتي تجمّعن فيه
    والخصال الّتي تجمّعن فيه



1 . المفيد: الارشاد 312 .


2 . أعيان الشيعة 2 / 21 ـ 22 .






  • قلت لا أستطيع مدح إمام
    كان جبرئيل خادماً لأبيه



  • كان جبرئيل خادماً لأبيه
    كان جبرئيل خادماً لأبيه



ولمّا لم يقبل هذا العذر منه أنشد قصيدة مطوّلة فيها مايلي:





  • مطهّرون نقيّات جيوبهم
    من لم يكن علويا حين تنسبه
    اللّه لمّا برأ خلقاً فأتقنه
    فأنتم الملأ الأعلى وعندكم
    علم الكتاب وما جاء به السور(1)



  • تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
    فما له في قديم الدهر مفتخر
    صفاكم واصطفاكم أيّها البشر
    علم الكتاب وما جاء به السور(1)
    علم الكتاب وما جاء به السور(1)



وأمّا من روى عن الرضا ـ عليه السلام ـ فحدّث عنه ولا حرج فقد ذكر الشيخ الطوسي في رجاله(2)والسيد الأمين في أعيانه أسماء من رووا عنه. وقد قام الفاضل المعاصر الشيخ العطاردي بجمع ما روي عنه من الأحاديث والخطب والمواعظ والمناظرات وأسماه مسند الامام الرضا ـ عليه السلام ـ ورتّب أسماء الراوين عنه حسب حروف المعجم فجاء 312 رجلا.


فسلام اللّه عليه يوم ولد، ويوم استشهد ويوم يبعث حيّا.


1 . ابن خلكان: وفيات الأعيان 3 / 270 .


2 . رجال الشيخ 366 ـ 397 ذكر فيه 315 رجلا .


/ 23