فقر اسبابه و علاجه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فقر اسبابه و علاجه - نسخه متنی

لبیب بیضون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






القناعه هى الغنى




و اشد ما نهى عنه الشارع الحكيم ان يسال الانسان و هو غير محتاج، فهذا عدا عن اهانه نفسه، فهو يحرم الفقراء الحقيقيين من اخذ حقوقهم.



يقول الامام الصادق "ع": ''''من سال من غير فقر، فانما ياكل الجمر''''.



و فى الوقت نفسه حض الشارع على الزهد بالدنيا، و القناعه بما قسم الله، و عدم الحرص على المزيد من الدنيا. فالانسان يشبعه القرص و يستره الطمر، و فى المثل: ''''من عدم القناعه لم يفده المال غنى''''. و قد توعد سبحانه من يسال و لا يقنع، بالفقر الذى لايزول.



يقول النبى "ص": ''''من استغنى اغناه الله، و من فتح على نفسه باب مساله فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر لايسد ادناها شى ء''''.



و يقول "ص": ''''ارض بما قسمه الله لك تكن اغنى الناس''''.



و يقول الامام "ع" فى وصيته لابنه الحسين "ع": ''''اى بنى، عزالمومن غناه عن الناس، و القناعه مال لاينفد، و من اكثر ذكر الموت رضى من الدنيا باليسير''''. "تحف العقول ص 60"



و يقول "ع": ''''الغنى الاكبر، الياس عما فى ايدى الناس'''' "الحكمه 324 نهج".



و يقول "ع": ولاكنز اغنى من القناعه، و لا مال اذهب للفاقه من الرضا بالقوت. و من اقتصر على بلغه الكفاف فقد انتظم الراحه، و تبوا خفض الدعه'''' "الحكمه 371 نهج".



و يقول النووى:







  • وجدت القناعه اصل الفتى
    فلا ذا يرانى على بابه
    وعشت غنيا بلادرهم
    امر على الناس شبه الملك



  • فصرت باذيالها ممتسك
    و لاذا يرانى به منهمك
    امر على الناس شبه الملك
    امر على الناس شبه الملك




و يقول الامام الصادق "ع": ''''ارسل عثمان الى ابى ذر موليين له و معهما مائتا دينار. فقال لهما: انطلقا الى ابى ذر فقولا له: ان عثمان يقرئك السلام و يقول لك: هذه مائتا دينار فاستعن بها على ما نابك. فقال ابوذر: هل اعطى احدا من المسلمين مثلما اعطانى؟ قالا: لا. قال: انما انا رجل من المسلمين، يسعنى ما يسع المسلمين. قالا له: انه يقول هذا من صلب مالى، و بالله الذى لا اله الا هو ما خالطها حرام، و لا بعث بها اليك الا من حلال.



ققال ابوذر: لا حاجه لى فيها و قد اصبحت يومى هذا و انا من اغنى الناس. فقالا له: عافاك



الله و اصلحك، ما نرى فى بيتك قليلا و لا كثيرا مما يستمتع به. فقال: بلى تحت هذا الاكاف الذى ترون رغيفا شعير، قد اتى عليهما ايام. فما اصنع بهذه الدنانير؟



الحرص فقر




و كم يخطى من يجمع المال و يحرص على كثيره و عدم نقصه، بدعوى انه سيغنيه و يومن مستقبله، فاذا هو فى لحظه واحده قد ادركه الموت، فحمل الى قبره، لا مالا اخذ و لا مالا صرف، فعاش فى الدنيا عيش الفقراء، و يحاسب على ماله حساب الاغنياء.



يقول الامام على "ع": ''''عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذى منه هرب، و يفوته الغنى الذى اياه طلب. فيعيش فى الدنيا عيش الفقراء، و يحاسب فى الاخره حساب الاغنياء'''' "الحكمه 126 نهج"



و منه اخذ المتنبى المعنى حيث قال:







  • و من ينفق الساعات فى جمع ماله
    مخافه فقر، فالذى فعل الفقر



  • مخافه فقر، فالذى فعل الفقر
    مخافه فقر، فالذى فعل الفقر




و يقول الامام على "ع": ''''ان اخسر الناس صفقه و اخيبهم سعيا، رجل اخلق بدنه فى طلب ماله، و لم تساعده المقادير على ارادته، فخرج من الدنيا بحسرته، و قدم على الاخره بتبعته'''' "الحكمه 430 نهج".



كما يقول "ع": ''''يا ابن آدم، ما كسبت فوق قوتك، فانت فيه خازن لغيرك'''' "الحكمه 192 نهج".



و يقول يحيى بن الفضل الاندلسى:







  • جمعت مالا ففكر هل جمعت له
    المال عندك مخزون لوارثه
    ما المال مالك الا حين تنفقه



  • يا جامع المال- اياما تفرقه
    ما المال مالك الا حين تنفقه
    ما المال مالك الا حين تنفقه




و يقول ابوالحسن على المنجم فى ذم الحرص:







  • وذى حرص تراه يلم وفرا
    ككلب الصيد يمسك و هو طاو
    فريسته لياكلها سواه



  • لوارثه و يدفع عن حماه
    فريسته لياكلها سواه
    فريسته لياكلها سواه




و يقول احدهم:







  • دع الحرص على الدنيا
    و ما تجمع من مال
    فان الرزق مقسوم
    فقير كل ذى حرص
    غنى كل من يقنع



  • و فى العيش فلا تطمع
    فلا تدرى لمن تجمع
    وسوء الظن لاينفع
    غنى كل من يقنع
    غنى كل من يقنع




الغنى الحقيقى هو العبوديه لله وحده




المومن يستمد غناه من الله، و يتوثق ذلك كلما ازداد يقينه بالله.



و تبدو النوازع التى تسيطر على نفس الانسان وفق اتجاهين:



نوازع تدفعه نحو الله، و نوازع تدفعه نحو الماده و الشهوات. و بقدر تحرر الانسان من ربقه الشهوات و ارتباطه بالله يصبح غنيا، لانه يستغنى عن كل شى ء فى الوجود ماخلا موجد الوجود. و تصبح كل الاشياء فى نظره حقيره امام الله تعالى، و تلك هى العباده الحقه.



يقول الامام على "ع": ''''ان من حق من عظم جلال الله سبحانه فى نفسه، و جل موضعه من قلبه، ان يصغر عنده كل ما سواه'''' "الخطبه 214 نهج".



و ليس من فرق بين من يعبد الاوثان الحجريه، و من يعبد اصنام الماده و المال، يكرس حياته لخدمتها، و يرى انها هى اتى تنفع و تضر، حتى يصبح اسيرا لها، تتحكم به دون ان يتحكم بها. فكلاهما يحمل حقيقه الشرك و التبعيه لغير الله، كما قال الشاعر الكبير اقبال:







  • سيان فى الشرك هذا عابد ذهبا
    يسعى الى جمعه، او عابد وثنا



  • يسعى الى جمعه، او عابد وثنا
    يسعى الى جمعه، او عابد وثنا




و مثل هذا الانسان و ان كان ظاهره الغنى الا انه من افقر الفقراء.



و فى مقابل ذلك من يكسسب الاموال فينفقها فى سبيل الله، و يدفعها الى الفقراء و المستضعفين، و لا يمسك منها غير قوت الكفاف، فهذا و ان كان فى ظاهره فقيرا، الا انه اعظم الاغنياء.



و لاينفى هذا ان يكون المومن غنيا، فالشارع حض على الغنى، ولكن المحرم ان لايكون الغنى عبدا لماله، بل ان يكون المال عبدا له، و يحدث ذلك عندما يعرف المومن ربه حق معرفته، و يبلغ فى نظره من العظمه حدا تصغر دونه كل الاشياء.



يقول الامام على "ع":



''''ان من حق من عظم جلال الله سبحانه فى نفسه، و جل موضعه من قلبه، ان يصغر عنده كل



ماسواه. و ان احق من كان كذلك لمن عظمت نعمه الله عليه، و لطف احسانه اليه. فانه لم تعظم نعمه الله على احد الا ازداد حق الله عليه عظما'''' "الخطبه 214 نهج".



و فى هذا المعنى تروى القصه التاليه:



ان شخصا سمع بزاهد فاراد ان يزوره، و لما قدم عليه وجده يعيش فى قصر فخم، و من حمله الرياش و الخدم. فقال له: عجبت من امرك، و قد سمعت انك زاهد، و ما ارى آثار ذلك عليك. فقال الزاهد: ليس الزهد ان لاتملك المال، و انما الزهد ان لايملك المال. و لقد انعم الله على بهذه الخيرات التى ترى، و انا اعمل على انفاقها فى سبيل الله، و اسخرها لقضاء حوائج المومنين، و ارى ان وجودها و عدم وجودها عندى سيان.



فقر الصالحين




يسمى الفقر الذى لايكون الانسان فيه مفتقرا الا الى الله "فقرالصالحين" و هو ارقى درجه يبلغها المومن فى معارج الفضيله و الصلاح و السمو و الفلاح، حيث يترفع عن موثرات الدنيا الفانيه، زاهدا بمظاهرها و متعها.



و يحصل هذا الفقر فى آخر درجات تربيه النفس، تربيه تسير بها الى العباده الحقه و الفضيله الانسانيه، حيث يدرك الانسان المومن ان المال وسيله لاغايه. وسيله للاكتفاء و الترفع عن حاجه الناس، ثم وسيله المواساه الاخرين و رفع البوس عنهم.



و ليس يعنى هذا القعود عن العمل و التواكل على الغير، بل انه ينطوى على العمل و الجهاد، لتسخير الوجود كله لخدمه الانسان، و نشر العداله والسعاده بين كل بنى الانسان.



انه اقتفاء طريق العارفين، و ارتواء القلب من عين اليقين... انه عزه للنفس و اباء، يوصلان الى الجوزاء، و توحيد صادق لله خالص من كل رياء.



و فى ذلك يقول الفيلسوف الاسلامى الكبير الدكتور محمد اقبال:







  • يا عبيد الماء و الطين اسمعوا
    هو عرفان طريق العارفين
    ذلك الفقر عزيز فى غناه
    يرعش الدهر اذا دوى صداه
    فقرنا ليس برقص او غناء
    فقرنا معناه تيسير الجهود
    فقرنا العادى سراج لوظهر
    انه ايمان بدر و حنين
    قم و ابلغ نوره للعالمين
    قم و اسمعه البرايا اجمعين



  • ما هو الفقر الغنى الارفع
    وارتواء القلب من عين اليقين
    هامه الجوزاء من ادنى خطاه
    ليس غير الله فى الكون اله
    ليس سكر النفس فى موت الرجاء
    فقرنا معناه تسخير الوجود
    يخجل الشمس و يزرى بالقمر
    انه زلزال تكبير الحسين
    قم و اسمعه البرايا اجمعين
    قم و اسمعه البرايا اجمعين






و على هذا الصراط سار سائر الانبياء و خاتم الرسل محمد "ص"، كما سار ربيب النبوه الامام على "ع" و تلامذته المخلصون كابى ذر الغفارى "رض"، فكانوا ازهد اهل زمانهم.



الزهد صفه العارفين




فاما نبينا محمد "ص" فقد ولد يتيما فقيرا، فى حين كان اعداوه يرتعون فى نعيم العيش ولذات الدنيا، و قد امره تعالى ان يلازم الفقراء من اصحابه لانهم يذكرونه بالله، حيث قال: ''''واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداه و العشى يريدون وجهه، و لا تعد عيناك عنهم، تريد زينه الحياه الدنيا" "الكهف- 28". و لقد عرضت عليه الدنيا فابى ان يقبلها. خرج من الدنيا خميصا، و ورد الاخره سليما. لم يضع حجرا على حجر، حتى مضى لسبيله، و اجاب داعى ربه.



و اما موسى "ع" كليم الله، فقد خاطب ربه قائلا "رب انى لما انزلت الى من خير فقير" و لم يساله الا خبزا ياكله، لانه كان ياكل من بقول الارض. و لقد كانت خضره البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله و تشذب لحمه.



و اما داود "ع" صاحب المزامير، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده، و يقول لجلسائه: ايكم يفكينى بيعها، و ياكل قرص الشعير من ثمنها.



و اما عيسى "ع" روح الله، فلقد كان يتوسد الحجر و يلبس الخشن و ياكل الجشب. و كان ادامه الجوع، و سراجه فى الليل القمر، و ظلاله فى الشتاء مشارق الارض و مغاربها، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الارض للبهائم.



مثال الامام على "ع":



اما الامام على "ع" فقد ضرب اروع مثل على التحرر الوجدانى و الطهاره النفسيه، لاسيما و انه احد الخمسه اصحاب الكساء الذين قال الله فيهم ''''انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يظهركم تطهيرا" "الاحزاب- 33".



و اذا تصفحنا سيره الامام "ع" وجدناها تنبض بالحريه و تفيض بالتحرر الوجدانى الرفيع. لابل انه لم يكتف بتحرير نفسه و تطهيرها من كل علائق الماده و الدنيا، بل قام يعمل جاهدا طوال حياته ليدخر من عرق جبينه الدراهم، ليشترى بها العبيد فيعتقهم لوجه الله تعالى، حتى توفى و لم يخلف درهما قط.



[
لقد نص الامام الحسن فى خطبته بعد وفاه ابيه على ان اباه لم يترك سوى سبع مائه درهم اراد ان يشترى بها خادما لاهله.] و كان لايفتا يلبس الخشن و ياكل القديد و هو الخبز اليابس.



و من ابلغ اقواله التى تدل على زهده و تحرره و مشاركته لكل فرد فى دولته بالمكاره و الحرمان، كتابه الذى وجهه الى عثمان بن حنيف الانصارى عامله على البصره، و قد بلغه انه دعى الى وليمه قوم من اهل البصره فمضى اليها، و فيها يقول:



''''الا و ان لكل ماموم اماما يقتدى به و يستضى بنور علمه. الا و ان امامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه "اى ثوبيه الباليين" و من طعمه بقرصيه "اى رغيفى الشعير". الا و انكم لاتقدرون على ذلك، ولكن اعينونى بورع و اجتهاد وعفه و سداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا "اى ذهبا" و لا ادخرت من غنائمها وفرا، و لا اعددت لبالى قوبى طمرا...'''' الى ان يقول "ع":



''''و انما هى نفسى اروضها بالتقوى لتاتى آمنه يوم الخوف الاكبر، و تثبت على جوانب المزلق. و لو شئت لاهتديت الطريق الى مصفى هذا العسل، و لباب هذا القمح، و نسائج هذا القز، ولكن هيهات ان يغلبنى هواى او يقودنى جشعى الى تخير الاطعمه، و لعل بالحجاز او اليمامه من لاطمع له فى القرص و لا عهد له بالشبع. او ابيت مبطانا و حولى بطون غرثى و اكباد حرى! اكون كما قال الشاعر:







  • وحسبك داء ان تبيت ببطنه
    و حولك اكباد نحن الى القد



  • و حولك اكباد نحن الى القد
    و حولك اكباد نحن الى القد




ااقنع من نفسى بان يقال هذا اميرالمومنين، و لا اشاركهم فى مكاره الدهر، او اكون اسوه لهم فى جشوبه العيش؟ فما خلقت ليشغلنى اكل الطيبات، كالبهيمه المربوطه همها علفها، او المرسله شغلها نقممها''''.



فالامام عليه السلام لم يكن ليرضى ان يكون همه فى الحياه و شغله الشاغل، التمتع باللذائذ الماديه و الطيبات من الطعام و الشراب، كما هو حال الحيوانات و البهائم، لابل ان الانسان ارفع من ذلك، فلقد خلق ليحمل مبدا و ينشر رساله، و تلك هى رساله



الحق و العدل و المساواه.



لقد اكتفى الامام "ع" من دنياه كلها بثوبيه الباليين و برغيفيه الشعير يقيم بهما اوده، و ماذا يريد بعد ذلك من حطام الدنيا و لذائذها. لقد روض نفسه على القناعه و الزهد و التقوى، مما لايستطيع غيره ان يفعله او يصبر على تطبيقه، و حرى به ان يكون بهذه المنزله من التحرر الوجدانى و السمو النفسانى، لانه هو القدوه لجميع المسلمين، و هو الامام لجميع الانام.



لقد كانت تحت تصرفه "ع" كل اصناف النعم و كل الوان الطيبات، من العسل المصفى و الخبز الطازج و الحرير الناعم، ولكنه مع ذلك آثر ان يكون حظه من هذه الماديات كحظ اقل فرد من رعيته، لان من ابرز مبادى رسالته التى قام ينشرها و يطبقها، المساواه بين الناس و نشر العداله بينهم، و تامين القسط الانسانى الضرورى لحياتهم، و الرفع من سويتهم المعيشيه، ليصبح الجميع مكتفين و اغنياء، لايحتاج احد منهم الى احد



مثال ابى ذر الغفارى:



و على هذا المنوال الرائد سار الصحابه الاوائل رضوان الله عليهم، الذين لم يبدلوا و لم يغيروا، و لم يلههم سلطان و لا مال، عن تطبيق ما عاهدوا الله عليه، و نشر ما وطنوا انفسهم عليه، و من اعظم امثلتهم الصحابى الجليل ابوذر الغفارى.



لقد آمن ابوذر بالرساله الجديده ايمانا عميقا، حتى اضطرمت الحقيقه فى قلبه، و تلجلج صدره بانوار التحرر و اليقين، فاصبح يرى كل شى ء فى هذه الدنيا رخيصا امام مبدئه و دينه، فوهب لعقيدته كل ما يملك، و كل ما اوتى من قوه و عزيمه.



هاهو ابوذر يطوف فى ربوع مكه المكرمه، مجاهرا بمبدئه الحق، معلنا حربه على العبوديه و الاستغلال و الجهل و الضلال.



لقد قام يحذر الناس من مغبه كنزالاموال



[
المقصود هو كنزالاموال من قبل الحكام و اعوانهم الذين كانوا ياخذون اموال الدوله و بيت المال لانفسهم " كما اوضحه السيد جعفر مرتضى فى مقال له حول ابى ذر وطبعت ترجمته الفارسيه تحت عنوان: ''''ابوذر مسلمان يا سوسياليست''''.]، و يدعوهم الى البذل و العطاء و السماحه و المشاركه، دون ان يضع فى حسبانه خوفا من سلطه او رهبه من قوه.



لقد بدا اول ما بدا بنفسه يطبق عليها مبادى هذا البذل و العطاء و المساعده و المشاركه و العداله و المساواه. فانفق كل مالديه على الفقراء و المساكين، ثم سار فى ارجاء البلاد يدعو الناس الى مادعا نفسه اليه، بكل صمود و تصميم و ايمان و يقين.



فلما جاء عهد الخليفه عثمان و انحرف الناس عن مبادى ء الاسلام و حقائق الايمان، قام ابوذر يعلنها حربا شعواء على كل منحرف و معاند، قد استهوته الحياه و مادياتها،



[
قد تقدم ان صرخته كانت فى وجه الذين يستاثرون باموال بيت مال المسلمين لانفسهم.] حتى صرفته عن دينه و انسانيته. فلم يترك مسجدا و لا حلقه و لا مجلسا الا استغله لتوجيه الناس و الهاب عواطفهم الطيبه و نبذ عاداتهم السيئه. دون ان يساوره خوف او هلع، او يفت فى عضده وهن او ضعف. و مم يخاف؟ و هو الذى لايملك مالا فتاخذه الدوله، و لا ارضا فتستملكها، و لا دارا فتصادرها و لا وظيفه فتصرفه عنها. انه لايملك من حطام الدنيا شيئا فيخاف عليه، فعاد لايخاف الا الله. لقد قطع عن نفسه كل علائق الماده فاصبحت نفسه حره بكل معانى الصفاء و التحرر.



انظر اليه و قد قام خطيبا فى الناس يصور ما آلت اليه الامور فى عهد عثمان، و يستكر مظاهر الانحراف التى حصلت، فيقول: ''''لقد حدثت اعمال ما اعرفها. و الله ما هى فى كتاب الله و لا سنه نبيه. و الله انى لارى حقا يطفا، و باطلا يحيا، و صادقا مكذبا، و اثره بغير تقى. يا معاشر الاغنياء و اسوا الفقراء. و بشر الذين يكنزون الذهب و الفضه و لا ينفقونها فى سبيل الله بمكا و من نار، تكوى بها جباهم و جنوبهم و ظهورهم''''.



''''اتخذتم ستور الحرير و نضائد الديباج، و تالمتم الاضطجاع على الصوف الاذربى، و كان رسول الله "ص" ينام على الحصير. واختلف عليكم بالوان الطعام، و كان رسول الله "ص" لايشبع من خبز الشعير''''.



و عاش ابوذر طوال حياته، ينفق ماله على اليتامى و المحرومين، و يوزع حصيله اتعابه على الفقراء و المعسرين، و قد وقف نفسه لخدمه المساكين و المحتاجين، يدافع عن حقوقهم و يعرض نفسه للهلاك من اجلهم، حتى نفى الى صحراء "الربذه"، و هى مكان بين المدينه و الشام. فعاش هناك تحت خباء خيمته وحيدا فريدا مع زوجته. و صدق فيه قول النبى "ص": ''''يا اباذر، تمشى وحدك، و تموت وحدك، و تبعث وحدك''''.



فكان فقره هذا اعظم الغنى، و كانت فاقته تلك هى اعظم السعه. و كان و هو فى سجنه فى منفاه، اعظم انسان حر عرفته البشريه. و لتلك حال من ينسلخ من علائق الماده و التراب، ليصبح نورا متالقا فوق السحاب.



و حانت من ابى ذر التفاته الى زوجته، و قد ادركه النزع الاخير، فطفق يبكى. فقالت له زوجته: اجزعا من الموت تبكى يا اباذر و انت الصادق الصدوق؟! قال: لا يا امه الله، ولكنى تذكرت وصيه رسول الله لى، حين قال: ''''يا اباذر اياك ان تموت و قد خلفت قيراطين''''! فنظرت زوجته الى ما حولها لترى ما ترك زوجها فى خيمته، فلم تجد غير حصيره باليه و ابريق يشرب منه و آنيه يغتسل بها.



المال مال الله




تنطلق نظره الاسلام الى المال من حقيقه عميقه، و هى ان المال هو فى الاصل مال الله، و كل مال فى ايدينا قد اعطاه الله لنا على نحو التوكيل و ليس التمليك. فالمومن موظف على ماله ليستخدمه فيما امر الله و اراد، فاذا هو لم يستخدمه وفق ذلك فقد اساء التصرف، و على الجماعه المسلمه ممثله فى الحاكم الشرعى ان تحجر عليه، و تمنعه من التصرف به، و تقيم على المال وكيلا عنه. و بهذه الطريقه لايفسح الاسلام للمال ان يستخدم فى الظلم والاستغلال و الباطل. فالشرع يحمى المالك طالما هو ينفذ الخطه الالهيه المرسومه له، فاذا هو شذ عن ذلك نزع حمايته عنه.



المال وسيله و ليس غايه




و من هذه النظريه الرفيعه لوظيفه المال يتبين ان الاسلام يعتبر المال وسيله لاغايه، فهو فى الدرجه الاولى وسيله للاكتفاء الشخصى حتى لايحتاج الانسان الى سواه، و هو فى الدرجه الثانيه وسيله لبناء المجتمع السليم و تامين الحياه الانسانيه لكل فرد فيه، فى جويتيح لكل فرد الفرص العريضه ليعمل و يجد و يحقق كل ظاقاته و مواهبه.



و عندما ينحسر دافع الدين من قلب المومن، ينسى علاقته الاساسيه بالله، فينكب على جمع المال شغفا بالمال، فلايعود همه غيرمل ء حصالته من النقود، فلايبالى من اين جمع المال و لا الغايه من جمعه، فيصبح عبدا للماده دون ان يستفيد منها او يفيد احدا من المحتاجين اليها. و تنعدم قيمته فى الجماعه كلما فقد المجتمع الفائده منه، مصداقا لقول الامام "ع": ''''قيمه كل امرى ما يحسنه''''.



[
لا نرى تناسبا بين هذه العباره و بين ما يريد اقامتها كشاهد عليه.]



و بالنسبه للمخطط التكاملى للمجتمع يعتبر مثل هذا الفرد سرطانا، لانه يمتص كل الطاقات من حوله، دون ان يعطى شيئا، فاذا لم تتخلص الجماعه منه اتى عليها.



[
الظاهر ان المولف يريد ان يقول- ان اذا لم يوضع لهذا الفرد حد و لم يخضع لضابطه كان سرطانا يمتص كل الطاقات من حوله دون ان يعطى شيئا و يستعمل اساليبه الجهنميه من اجل جمع المال و تكديسه... فكان ان اهتم الاسلام بوضع الضوابط التى تمنع انسانا كهذا من ان يعدو طوره فحرم الاسلام الاحتكار و الربا الخ...



و انما قلنا ان هذا هو مراد الكاتب لان تحريم الاحتكار و الربا الخ... ليس معناه القضاء و التخلص من ذلك الفرد...] لذلك حرم الاسلام الربا و الاحتكار و الاستغلال و الجشع.



و من ذلك ماورد فى كتاب الامام "ع" لمالك الاشتر حين ولاه مصر. يقول "ع" :



''''فامنع من الاحتكار، فان رسول الله "ص" منع منه. وليكن البيع بيعا سمحا، بموازين عدل، و اسعار لاتجحف بالفريقين، من البائع و المبتاع، فمن قارف حكره "اى احتكارا" بعد نهيك اياه فنكل به، و عاقبه فى غير اسراف'''' "الخطبه 292 نهج".



اسباب الفقر





اسباب الفقر متعدده، منها من الخالق سبحانه و منها من المخلوق، و منها من الفرد و منها من الجماعه. و سوف نتناول هذه الاسباب فى هذا الفصل، علما بان الاسلام كنظام لم يقر الفقر فى مجتمعه، بل واده فى مهده عن طريق نظامه التكاملى.

/ 8