قرآن الکریم فی روایات المدرستین جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قرآن الکریم فی روایات المدرستین - جلد 1

سیدمرتضی العسکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


فـقـال لهم رسول اللّه (ص ): ما بهذا بثعت , انما جئتكم من اللّه بما بعثني به فقد بلغتكم ما ارسلت به الـيكم , فان تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والاخرة وان تردوه علي اصبر لامر اللّه , حتى يحكم اللّه
بيني وبينكم .

قـالـوا: فـان لـم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك , فسل ربك ان يبعث ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك
وتـسـالـه فيجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك تبتغي فانك تقوم
بالاسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضل منزلتك من ربك ان كنت رسولا كما تزعم .

فـقـال لـهم رسول اللّه (ص ): ما انا بفاعل ما انا بالذي يسال ربه هذا وما بعثت اليكم بهذا ولكن اللّه
بـعثني بشيرا ونذيرا فان تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والاخرة وان تردوه علي اصبر
لامر اللّه حتى يحكم اللّه بيني وبينكم .

قالوا فاسقط السماء علينا كسفا كما زعمت ان ربك ان شاء فعل فانا لا نؤمن لك الا ان تفعل .

فقال رسول اللّه (ص ): ذلك الى اللّه ان شاء فعل بكم ذلك .

فـقـالـوا: يا محمد فاعلم ربك انا سنجلس معك ونسالك عما سالناك عنه ونطلب منك ما نطلب فيتقدم
اليك ويعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك ايضا اذا لم تقبل منا ما جئنا به فقد بلغنا انه
انـما يعلمك هذا رجل بالميامة يقال له الرحمن وانا واللّه ما نؤمن بالرحمن ابدا اعذرنا اليك يا محمد
اما واللّه لا نتركك وما بلغت بنا حتى نهلكك او تهلكنا.

قـال قـائلهم نحن نعبد الملائكة وهن بنات اللّه وقال قائلهم لن نؤمن لك حتى تاتينا باللّه والملائكة
قبيلا فلما قالوا ذلك قام رسول اللّه (ص ) عنهم وقام معه عبداللّه بن ابي امية بن المغيرة بن عبداللّه
بـن عـمـرو بن مخزوم وهو ابن عمته ابن عاتكة ابنة عبد المطلب فقال له : يا محمد عرض عليك
قـومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سالوك لانفسهم امورا ليعرفوا منزلتك من اللّه فلم تفعل ذلك ثم
سـالـوك ان تعجل ما تخوفهم به من العذاب فواللّه لا اومن لك ابدا حتى تتخذ الى السماء سلما ترقى
فـيه وانا انظر حتى تاتيها وتاتي معك بنسخة منشورة معك اربعة من الملائكة يشهدون لك انك كما
تقول وايم اللّه لو فعلت ذلك لظننت ان لا اصدقك ثم انصرف عن رسول اللّه (ص ) وانصرف رسول
اللّه (ص ) الـى اهـلـه حـزيـنا اسيفا لما فاته مما كان يطمع فيه من قومه حين دعوه ولما راى من
مباعدتهم اياه .

فلما قام عنهم رسول اللّه (ص ) قال ابو جهل : يا معشر قريش ان محمدا قد ابى الا ما ترون من عيب
ديننا وشتم آبائنا وتسفيه احلامنا وسب آلهتنا واني اعاهد اللّه لاجلسن له غدا بحجر قدر ما اطيق
حمله فاذا سجد في صلاته فضخت راسه به((07)) .

فـانـزل اللّه عـلـيـه في ذلك : (وقالوا لن نؤمن لك بشرا رسولا) وانزل عليه في قولهم (لن نؤمن
بالرحمن ) (كذلك ارسلناك في امة قد خلت ) وانزل عليه فيما ساله قومه لانفسهم من تسيير الجبال
وتقطيع الجبال وبعث من مضى من آبائهم من الموتى (ولو ان قرآنا سيرت به الجبال ).

واخبر اللّه عن تعنتهم برسول اللّه (ص ) : في سورة الاسراء وقال سبحانه وتعالى :

(قل لئن اجتمعت الا نس والجن على ان ياتوا بمثل هذا القرآن لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض
ظهيرا * ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فابى اكثر الناس الا كفورا * وقالوا لن نؤمن
لـك حـتـى تـفجر لنا من الارض ينبوعا * او تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها
تفجيرا * او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا او تاتي باللّه والملائكة قبيلا * او يكون لك بيت
مـن زخـرف او ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل
كنت الا بشرا رسولا * وما منع الناس ان يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا ان قالوا ابعث اللّه بشرا رسولا
* قـل لـو كـان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا * قل كفى
باللّه شهيدا بيني وبينكم انه كان بعباده خبيرا بصيرا) (الايات / 88 ـ 96)((08)) .

واستمرت قريش في تعنتها برسول اللّه كما اخبر اللّه عن موقفهم في آيات كثيرة منها قوله تعالى
في سورة الفرقان :

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

(تـبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا * الذي له ملك السموات والا رض ولم
يـتـخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شي ء فقدره تقديرا * واتخذوا من دونه آلهة لا
يـخـلـقـون شـيئا وهم يخلقون ولا يملكون لا نفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا
نـشـورا * وقالوا مال هذا الرسول ياكل الطعام ويمشي في الاسواق لولا انزل اليه ملك فيكون معه
نذيرا * او يلقى اليه كنز او تكون له جنة ياكل منها وقال الظالمون ان تتبعون الا رجلا مسحورا *
ومـا ارسلنا قبلك من المرسلين الا انهم لياكلون الطعام ويمشون في الاسواق وجعلنا بعضكم لبعض
فـتـنة اتصبرون وكان ربك بصيرا * وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك
لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا).

(الايات / 1 ـ 3 و 7 ـ 8 و 20 و 32).

وقوله تعالى في سورة الانعام :

(ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين * وقالوا
لـولا انـزل عـليه ملك ولو انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون * ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا
ولـلـبـسنا عليهم ما يلبسون * ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به
يستهزءون * قل سيروا في الا رض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) (الايات / 7 ـ 11).

* * *.

لم تنجح جميع محاولات قريش في اسكات الرسول عن الدعوة الى القرآن بما فيه من عيب لالهتهم
وتسفيه لاحلامهم فاشتدت خصومتهم للرسول وقرآنه كما نذكر امثلة منها في ما ياتي بحوله تعالى .

اشتداد الخصومة الفكرية بين قريش والرسول (ص ):
.
قص اللّه اخبار خصومة قريش مع القرآن ومبلغه واحتجاجهم الواهي وكيف اجاب عنها في الايات الاتية :

ا ـ اخبر عن تعنتهم في سورة ((ص )) وقال :

(وعـجـبوا ان جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب * اجعل الالهة الها واحدا ان هذا
لـشـي ء عجاب * وانطلق الملا منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم ان هذا لشي ء يراد * ما سمعنا
بـهذا في الملة الاخرة ان هذا الا اختلاق * اانزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل
لما يذوقوا عذاب ).

(الايات / 4 ـ 8).

وروى الطبري وغيره في شان نزول الايات واللفظ للطبري قال :

ان ناسا من قريش اجتمعوا, فيهم ابو جهل بن هشام والعاص بن وائل والاسود بن المطلب والاسود
بـن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش فقال بعضهم لبعض , انطلقوا بنا الى ابي طالب , فنكلمه فيه ,
فلينصفنا منه , فليكف عن شتم آلهتنا وندعه والهه الذي يعبد, فاننا نخاف ان يموت هذا الشيخ فيكون
مـنا شي ء فتعيرنا العرب يقولون تركوه حتى اذا مات عمه تناولوه فبعثوا رجلا منهم يسمى المطلب
فـاسـتاذن لهم على ابي طالب فقال هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم يستاذنون عليك قال ادخلهم فلما
دخـلـوا عليه قالوا يا ابا طالب انت كبيرنا وسيدنا فانصفنا من ابن اخيك فمره فليكف عن شتم آلهتنا
ونـدعـه والهه فبعث اليه ابو طالب فلما دخل عليه رسول اللّه (ص ) قال يا ابن اخي هؤلاء مشيخة
قـومـك وسـرواتـهـم قد سالوك النصف ان تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك والهك فقال اي عم اولا
ادعوهم الى ما هو خير لهم منها قال : والام تدعوهم , قال : ادعوهم الى ان يتكلموا بكلمة يدين لهم بها
الـعرب ويملكون بها العجم , فقال ابو جهل من بين القوم : ما هي وابيك فنعطينكها وعشر امثالها قال :
تـقول ((لا اله الا اللّه )) فنفروا وقالوا سلنا غير هذه قال لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في
يـدي مـا سـالتكم غيرها فغضبوا وقاموا من عنده غضابا وقالوا: واللّه لنشتمنك والهك الذي يامرك
بهذا:

(وانـطـلـق الملا منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم ان هذا لشي ء يراد * ما سمعنا بهذا في الملة
الاخرة ان هذا الا اختلاق ).

(الايات / 6 , 7)((09)) .

وايضا اخبر اللّه تعالى عن تعنتهم في الايات / 43 ـ 45 من سورة سبا وقال :

(واذا تـتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا الا رجل يريد ان يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما
هـذا الا افك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم ان هذا الا سحر مبين * وما آتيناهم من كتب
يـدرسـونـهـا ومـا ارسلنا اليهم قبلك من نذير * وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم
فـكـذبـوا رسلي فكيف كان نكير) واجاب اللّه عن مثل هذا النوع من التحجج واقام البراهين على
عجز آلهتهم وصحة رسالة خاتم الانبياء في آيات كثيرة نورد بعضها في ما ياتي بحوله تعالى :

ب ـ قال سبحانه في اثبات التوحيد ونفي الالهة التي يعبدونها في الاية 10 و11 من سورة لقمان :

(خـلـق الـسـمـوات بغير عمد ترونها والقى في الارض رواسي ان تميد بكم وبث فيها من كل دابة
وانـزلـنـا مـن الـسماء ماء فانبتنا فيها من كل زوج كريم * هذا خلق اللّه فاروني ماذا خلق الذين من
دونه ).

وقال في الاية 4 و 5 من سورة الاحقاف :

(قـل ارايـتم ما تدعون من دون اللّه اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات ائتوني
بـكـتـاب مـن قـبل هذا او اثارة من علم ان كنتم صادقين * ومن اضل ممن يدعوا من دون اللّه من لا
يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) وقوله تعالى في الاية 3 من سورة الفرقان :

(واتـخـذوا مـن دونـه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا
يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا).

(الاية / 3).

ووصفهم في الاية 21 من سورة النحل وقال :

(اموات غير احياء وما يشعرون ايان يبعثون ).

واخبر انهم ومن معهم لن يستطيعوا ان ياتوا بمثل هذا القرآن وقال سبحانه في سورة البقرة :

(وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون اللّه ان كنتم
صـادقـيـن * فـان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين )
(الايات / 23 , 24).

ولـم يستطع مشركو قريش ولا الدهريون ولا الزنادقة والملحدون ولا اليهود ولا النصارى ولا
اي خـصم آخر ان ياتوا بمثل هذا القرآن ولن يفعلوا ابد الدهر ولن ياتوا بمثل هذا القرآن ولو كان
الخصوم بعضهم لبعض ظهيرا.

وتـحداهم سبحانه في قولهم ان القرآن مفترى ان ياتوا بعشر سور مثله مفتريات ان كانوا صادقين
وقال سبحانه في سورة هود:

(فـلعلك تارك بعض ما يوحى اليك وضائق به صدرك ان يقولوا لولا انزل عليه كنز او جاء معه ملك
انـمـا انـت نـذير واللّه على كل شي ء وكيل * او يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات
وادعـوا مـن استطعتم من دون اللّه ان كنتم صادقين * فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم
اللّه وان لا اله الاهو فهل انتم مسلمون ) (الايات / 12 ـ 14).

وفي آية اخرى تحداهم بان ياتوا بسورة مثله وقال في سورة يونس :

(وما كان هذا القرآن ان يفترى من دون اللّه ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه
مـن ربـ العالمين * ام يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون اللّه ان كنتم
صـادقين * بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما ياتهم تاويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف
كـان عـاقـبة الظالمين * ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك اعلم بالمفسدين ) (الايات /
37 ـ 40).

ج ـ واجـاب عـن تـشـكيكهم في المعاد في الايات 78 ـ 83 من آخر سورة ياسين وقال سبحانه
وتعالى :

(وضـرب لـنـا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي انشاها اول مرة
وهـو بـكل خلق عليم* الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقدون * اوليس الذي
خلق السموات والا رض بقادر على ان يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم * انما امره اذا اراد شيئا
ان يقول له كن فيكون * فسبحان الذي بيده ملكوت كل شي ء واليه ترجعون ).

روى الـمفسرون وقالوا: انزل اللّه تعالى هذه الايات الكريمة بعد ان قدم العاص بن وائل وابو جهل
وغيرهما من عتاة قريش بعظم حائل امام الرسول (ص ) فذراه في الريح وقال من يحيي العظام وهي
رميم ؟.

وفـي روايـة اتى ابي بن خلف الى النبي (ص ) ومعه عظم قد وتر فجعل يفته بين اصابعه ويقول : يا
محمد سـيـحـيـا بـعدما قد بلي فقال رسول اللّه (ص ) نعم ليميتن الاخر ـ اي يميتن ابيا ـ ثم ليحيينه ثم
ليدخلنه النار((10)) .

* * *.

وانـدحـرت قـريش في مقابلة الادلة التي اقامها القرآن لهم فتحججوا واقترحوا اقتراحات غير
معقولة كالاتي خبره :

مقابلات اخرى من قريش واستهزاء بالرسول (ص ) ودعوته .
وكان خمسة من عتاة قريش دائبين على الاستهزاء برسول اللّه (ص ) منهم العاص بن وائل السهمي وكـان اذا ذكر رسول اللّه (ص ) يقول : دعوه فانما هو رجل ابتر لا عقب له لو مات لانقطع ذكره
واسترحتم منه وانزل اللّه في حقه سورة الكوثر وقال سبحانه :

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

(انا اعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * ان شانئك هو الابتر)((11)) .

وقالوا له الابتر بعد موت ابنه القاسم بمكة والكوثر: العدد الكثير((12)) .

وقـد صـدق اللّه وعـده لرسوله فانه لا يعرف اليوم نسل للعاص بن وائل واكثر اللّه نسل رسوله
(ص ) من ابنته فاطمة (ع ) على وجه الارض .

نهاية امر المستهزئين :
.
قال ابن اسحاق ما موجزه :
فـاقام رسول اللّه (ص ) على امر اللّه صابرا محتسبا مؤديا الى قومه النصحية على ما يلقى منهم من
التكذيب فلما تمادوا في الشر واكثروا الاستهزاء برسول اللّه (ص ) انزل اللّه ـ تعالى ـ عليه :

(فـاصـدع بما تؤمر واعرض عن المشركين * انا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع اللّه الها
آخر ) (الحجر / 94 ـ 96).

ثم روى ابن اسحاق كيف اهلك جبرائيل كل واحد من المستهزئين((13)) ,وقال :

ان جبرئيل اتى رسول اللّه (ص ) وهم يطوفون بالبيت , فقام وقام رسول اللّه (ص ) الى جنبه , فمر
به الاسود بن المطلب , فرمى في .

وجـهـه بـورقـة خضراء فعمي , ومر به الاسود بن عبد يغوث , فاشار الى بطنه فاستسقى [بطنه ]
فـمـات مـنه حبنا((14)) , ومر به الوليد بن المغيرة فاشار الى اثر جرح باسفل كعب رجله كان
اصـابه قبل ذلك بسنين وهو يجر سبله((15)) وذلك انه مر برجل من خزاعة وهو يريش نبلا
لـه فـتـعلق سهم من نبله بازاره فخدش في رجله ذلك الخدش , وليس بشي ء, فانتقض ((16)) به
فـقتله , ومر به العاص بن وائل فاشار الى اخمص رجله , فخرج على حمار له يريد الطائف فربض
بـه عـلى شبرقة((17)) فدخلت في اخمص رجله شوكة فقتلته , ومر به الحرث ابن الطلاطلة
فاشار الى راسه فامتخض قيحا فقتله .

خامسا ـ سياسة النبي في امر القراءة والاقراء:
.
وفـي مقابل كل ذلك الاستهزاء كان رسول اللّه (ص ) والمسلمون الاوائل لا يالون جهدا في اسماع القرآن لكل من امكنهم اسماعه وفي ما ياتي امثلة من انواع الجهد الذي بذلوه في هذا السبيل :

ان الـرسول بدا اسماع الناس للقرآن وتبليغهم وانذارهم بالقرآن واقتدى به المسلمون الاوائل في
ذلـك امـا الرسول فقد كان يسمع القرآن لكل سامع يمر عليه عندما كان يتلوا القرآن في صلاته في
الـمـسجد الحرام بمنظر ومسمع من قريش في انديتهم حول الكعبة ومنظر ومسمع من شتى قبائل
العرب التي تفد الى مكة للحج وتطوف حول البيت وعندما تنزل الايات في رد احتجاج المشركين .

عـلـى رسول اللّه واختلف معاصر ورسول اللّه في مقابلتهم لقراءة الرسول فمنهم المشركون الذين
اخبر اللّه عن قولهم وقال سبحانه :

(وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ).

(فصلت / 26).

ومنهم من اخبر اللّه عنهم وقال سبحانه :

(واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا
فاكتبنا مع الشاهدين ).

(المائدة / 83).

مثل عداس النصراني في الطائف ((18)) .

ومن الجن ـ ايضا ـ كما اخبر اللّه عنهم وقال :

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

(قـل اوحـي الي انه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي الى الرشد فمنا به ولن
نشرك بربنا احدا * وانا لما سمعنا الهدى آمنا به ) (الجن / 1 ـ 2 و 13).

* * *.

كذلكم اختلف الذين سمعوا القرآن من النبي (ص ) اما امر كيفية اقراء القرآن , فكالاتي خبره :

كيفية الاقراء:
.
ا ـ اقراء اللّه جل اسمه لرسوله (ص ):
.
قد بين اللّه كيفية اقرائه لرسوله والنظام الذي يتبعه الرسول في تلقي القرآن في قوله تعالى :
(ان علينا جمعه وقرآنه * فاذا قراناه فاتبع قرآنه * ثم ان علينا بيانه ) (القيامة / 17 ـ 19).

اي : ان الـنـص الـقـرآني مع بيان معناه بوحي غير قرآني ينزل من اللّه على رسوله (ص ) فاذا تم
نزوله على النبي (ص ) ان يتابع قراءته .

وان عـلى اللّه جمع القرآن بكل مالجمع القرآن من معنى ووعد الرسول بانه سوف لا ينسى القرآن
الذي يقرئه اللّه وقال :

(سـنـقـرئك فـلا تـنسى ) والاقراء تعليم اللفظ والمعنى معا وتضمينا لحفظ القرآن ابد الدهر من
النسيان فرض اللّه على الجميع قراءة القرآن في كل ركعة من صلوات الفريضة والنافلة وقال :

(اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا) (الاسراء /
78).

وفرض على رسوله (ص ) خاصة قيام الليل وشرفه بالخطاب وقال له :

(يـا ايـهـا الـمـزمـل * قم الليل الا قليلا * نصفه او انقص منه قليلا * او زد عليه ورتل القرآن
ترتيلا).

هـكـذا فـرض اللّه عـلـى نبيه احياء ثلث من كل ليلة عمره في ترتيل القرآن في نافلة الليل وندب
المسلمين الى ذلك ((19)) .

وفـي شـهر رمضان من كل عام كان جبريل يعارض الرسول القرآن مرة اي ان جبريل كان يقرا ما
نـزل من القرآن الى ذلك التاريخ على رسول اللّه (ص ) مرة ورسول اللّه ـ ايضا ـ كان يقراه عليه ,
وفي عام وفاته عارضه القرآن مرتين((20)) .

ب ـ اقراء الرسول (ص ) للناس :
.
وحـقـق ذلـك اولا فـي اقـرائه من آمن به في مرحلة الدعوة الخاصة حيث آمن به خديجة وعلي فـاقـراهما القرآن وصليا معه , وبعد ما يقارب ثلاث سنوات انتهت الدعوة الخاصة عندما نزلت على
رسـول اللّه (ص ) (وانـذر عـشيرتك الاقربين ) فدعا عامة اقربائه ثم تلا ذلك نزول قوله تعالى
عليه : ( واوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ ) (الانعام / 19).

وقد تولى نزول القرآن بعد ذلك على رسول اللّه (ص ) في مكة والمدينة , وكان لابد في الدعوة , من
اقـراء الـمؤمنين سرا ومن اجل ذلك نظم الرسول (ص ) خلايا سرية لاقراء المستضعفين القرآن
كالاتي بيانه .

اتـخذ الرسول (ص ) من دار الارقم بن ابي الارقم مركزا سريا للاقراء والارقم هو ابو عبداللّه
بـن عـبـد مناف المخزومي اسلم قديما وكان السابع او الثاني عشر ممن اسلم وشهد مع رسول اللّه
بـدرا وما بعدها وتوفي بالمدينة سنة خمسة وخمسين من الهجرة وكانت داره في اصل الصفا بمكة
وكان المسلمون الاوائل يجتمعون فيها برسول اللّه (ص ) يقرئهم القرآن .

قال ابن سعد وغيره بترجمة عمر بن الخطاب وخبر اسلامه , واسلم فيها (دار الارقم ) قوم كثير
ودعيت دار الاسلام .

قال المؤلف :
.
وتفرعت من هذه الخلية خلايا اخرى صغيرة بمكة كن منها: دار سعيد بن زيد بن نفيل العدوي كما تـحـدث عنها الصحابي الخليفة عمر بن الخطاب وقال في حديثه عن خبر اسلامه انه سمع باسلام
اخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد, فذهب الى دارهما, قال :

وقـد كـان رسـول اللّه (ص ) يـجـمـع الرجل والرجلين اذا اسلما عند رجل به قوة فيكونان معه
ويـصـيـبان من طعامه وقد كان ضم الى زوج اختي رجلين , قال : فجئت حتى قرعت الباب فقيل : من
هـذا؟ قـلـت : ابـن الخطاب , قال : وكان القوم جلوسا يقرؤون القرآن في صحيفة معهم فلما سمعوا
صوتي تبادروا واختفوا وتركوا او نسوا الصحيفة من ايديهم , قال : فقامت المراة ففتحت لي فقلت يا
عدوة نفسها قد بلغني انك صبوت قال فارفع شيئا في يدي فاضربها به قال فسال الدم , قال : فلما رات
الـمـراة الـدم بـكـت , ثم قالت : يا ابن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل فقد اسلمت فجلست على السرير, فنظرت , فاذا بكتاب في ناحية البيت , فقلت : ما هذا الكتاب اعطينيه , فقالت : لا
اعطيك لست من اهله , انت لا تغتسل من الجنابة , ولا تطهر, وهذا (لايمسه الا المطهرون ).

قـال فـلـم ازل بـهـا حتى اعطتنيه فاذا فيه (بسم اللّه الرحمن الرحيم ) فلما مررت بـ (الرحمن
الـرحـيـم ) ذعـرت ورمـيت بالصحيفة من يدي قال : ثم رجعت الي نفسي فاذا فيها (سبح للّه ما في
الـسموات وما في الا رض وهو العزيز الحكيم ), قال : فكلما مررت باسم من اسماء اللّه عز وجل
ذعـرت ثـم تـرجع الي نفسي حتى بلغت : (آمنوا باللّه ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه )
حتى بلغت الى قوله : (ان كنتم مؤمنين ) قال : قلت اشهد ان لا اله الا اللّه واشهد ان محمدا رسول اللّه
(ص )((21)) .

وفـي روايـة ابـن سعد وابن هشام واللفظ للاخير قال : كان خباب بن الارت يختلف الى فاطمة بنت
الـخـطـاب يقرئها القرآن ـ الى قوله : فرجع عمر الى اخته وختنه وعندهما خباب بن الارت معه
صـحيفة فيها طه يقرئهما اياهما فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في بعض البيت واخذت فاطمة
بـنـت الـخـطـاب الـصـحيفة فجعلتها تحت فخذها ـ الى قوله ـ فاعطته الصحيفة وفيها (طه ) ـ
الحديث ((22)) .

قـال الـصـحابي عمر, كان رسول اللّه (ص ) ((يجمع الرجل او الرجلين اذا اسلما عند الرجل به
قـوة )) وهـذا ما سميناه بتشكيل الخلايا السرية لاقراء القرآن كما وجدنا خباب بن الارت يقرئ
فـاطـمـة وزوجـها القرآن عندما اقتحم الدار عليهم عمر الخطاب , وكان شغل المسلمين الشاغل
يومذاك حفظ القرآن عن ظهر قلب واليكم خبرين يدلان على حفظهم القرآن عن ظهر قلب .

خبر اجهار ابن مسعود بقراءة القرآن :
.
ومن الذين استمعوا الى القرآن , وآمنوا به في المرحلتين الاخيرتين من اقتدى بالرسول في اسماع القرآن للناس مثل عبداللّه بن مسعود.

روى ابن عبد البر وابن الاثير وابن حجر وغيرهم في ترجمة عبداللّه بن مسعود من كتب تراجم
الصحابة , وكذلك روى في كتب .

الـتـاريـخ كـل من الطبري وابن الاثير وابن كثير وغيره في ذكر حوادث قبل هجرة المسلمين
الاولى الى الحبشة وقالوا:

كـان اول مـن جـهر بالقرآن بمكة بعد رسول اللّه (ص ) عبداللّه بن مسعود وذلك لانه اجتمع يوما
اصـحـاب رسول اللّه (ص ), فقالوا: واللّه ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط فمن رجل
يـسـمعهم فقال عبداللّه بن مسعود انا فقالوا: انا نخشاهم عليك انما نريد رجلا له عشيرة تمنعه من
القوم ان ارادوه فقال : دعوني فان اللّه سيمنعني فغدا عبداللّه حتى اتى المقام في الضحى وقريش في
انـديـتـهـا, حـتى قام عند المقام , فقال رافعا صوته : ( بسم اللّه الرحمن الرحيم * الرحمن * علم
القرآن ).

فاستقبلها فقرا بها فتاملوا فجعلوا يقولون ما يقول ابن ام عبد ثم قالوا: انه ليتلو بعض ما جاء به محمد
فـقـامـوا فـجـعلوا يضربون في وجهه وجعل يقرا حتى بلغ منها ما شاء اللّه ان يبلغ ثم انصرف الى
اصحابه , وقد اثروا بوجهه فقالوا: هذا الذي خشينا عليك .

فـقـال مـا كـان اعداء اللّه قط اهون علي منهم الان ولئن شئتم غاديتهم بمثلها غدا قالوا: حسبك قد
اسمعتهم ما يكرهون((23)) .

والخبر الثاني ياتي ذكره في الفصل الاتي .

هـكذا قرا ابن مسعود عن ظهر قلب سورة الرحمن وكان ذلك قبل هجرتهم الى الحبشة في السنة
الخامسة من البعثة .

وكـان رسـول اللّه اذا قـرا القرآن في صلاته في البيت ربما جهر بالقرآن سب المشركون القران
ومن انزله ومن جاء به وكان الرجل اذا اراد ان يسمع رسول اللّه (ص ) بعض ما يتلوا استرق فرقا
مـنـهم , فاذا راى انهم عرفوا انه يستمع ذهب خشية اذاهم , فلم يستمع , فكان المشركون يطردون
الـناس عنه , ويقولون : لا تسمعوا لهذا القرآن , والغوا فيه لعلكم تغلبون , فوصف اللّه ذلك في سورة
فصلت / 26 وقال :

(وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ).

وكـان رسـول اللّه (ص ) اذا اخـفى قراءته لم يسمع من يحب ان يسمع القرآن فانزل اللّه تعالى في
سورة الاسراء / 110:

(ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا).

* * *.

كـانـت تـلـكـم امثلة مما حوى القرآن المكي من اخبار المعارك الفكرية بين كفار قريش والقرآن
وحـمـلته , وامثلة مما جاء فيه سائر فنون المعرفة في القرآن المكي , نكتفي بما اوردنا من كل ذلك
لندرس في ما ياتي كيفية تبليغ الرسول (ص ) بمكة باذته تعالى .

تبليغ الرسول القرآن بمكة والنظام الذي سنه لاقرائه .
لمعرفة ذلك ينبغي الحديث عن امرين :
ا ـ شان القرآن الذين نزل بمكة .

ب ـ كيفية تبليغ الرسول (ص ) القرآن والنظام الذي سنه لاقرائه .

اولا ـ شان القرآن الذي نزل بمكة :
.
نـزل القرآن على رسول اللّه (ص ) ثلاث عشرة سنة بمكة , قصيرة آياته , صغيرة جل سوره , مما يـحفظه العربي المتولع بحفظ القصائد والامثال السارية عادة لسماعه مرة واحدة , مثل قوله تعالى :
(انـا اعـطيناك الكوثر) و (قل يا ايها الكافرون ) كانت تنزل في حادثة ما, او جواب سؤال , او رد
تعنت فكان من الطبيعي ان يحفظه عن ظهر قلب من كان قريبا منه , مثل خديجة وعلي وجعفر وزيد,
وكـذلـك الـمـسلمون الاوائل , مثل : مصعب بن عمير وابن مسعود وابن ام مكتوم وخباب بن الارت
والارقم بن ابي الارقم ونظرائهم .

اذا فـقد كان من الطبيعي ـ ايضا ـ ان يجمع ما نزل من القرآن متدرجا, بمكة جل المسلمين الاوائل :
اي : يحفظونه عن ظهر قلب .

ولنا على ذلك ادلة من التاريخ , سنذكرها بعيد هذا ان شاء اللّه تعالى .

ثانيا ـ تبليغ الرسول والنظام الذي سنه :
.
كان رسول اللّه (ص ) تنفيذا لامر اللّه واداء لرسالته يتلو القرآن :
عـلـى الـملا من قريش وحجيج بيت اللّه الحرام بمكة , يسمعهم آيات اللّه جهرا يتم عليهم الحجة
بذلك .

ويقرئ من شاء ان يهتدي يعلمهم القرآن مع تفسيره سرا.

اما عمله مع الصنف الاول فسوف نشرحه في الخاتمة ان شاء اللّه تعالى .

واما عمله مع الصنف الثاني , فكان لا يتم جهرا مع مظاهرة كفار قريش عليهم وتعذيبهم المسلمين .

فـكان لابد له من القيام باداء هذا الواجب سرا ومن اجل ذلك نظم خلايا سرية لاقراء المستضعفين ,
القرآن كما مر بنا خبره وفيما ياتي ندرس باذنه ـ تعالى ـ خبر تدوين القرآن بمكة .

.

سادسا ـ تدوين القرآن .
ا ـ من كان يقرا ويكتب في مكة :
.
ونبدا فيه بذكر امر الكتابة في مكة قبل نزول القرآن ثم نذكر باذنه تعالى شان تدوين القرآن بمكة .
امر الكتابة في مكة قبل نزول القرآن .
قال البلاذري في فتوح البلدان :
دخـل الاسـلام وفـي قـريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب وهم : عمر بن الخطاب , وعلي بن ابي
طـالب , وعثمان بن عفان وابو عبيدة بن الجراح وطلحة ويزيد بن ابي سفيان , وابو حذيفة بن عتبة
بـن ربـيعة , وحاطب بن عمرو اخو سهيل بن عمرو العامري من قريش , وابو سلمة بن عبد الاسد
الـمـخـزومي , وابان بن سعيد بن العاصي بن امية , وخالد بن سعيد اخوه , وعبداللّه بن سعد ابن ابي
سـرح الـعـامري , وحويطب بن عبد العزى العامري , وابو سفيان , وجهيم بن الصلت بن مخرمة بن
المطلب بن عبد مناف , ومن حلفاء قريش العلاء بن الحضرمي((24)) .

اما امر تدوين القرآن , فان النظام الذي كان قد سنه الرسول (ص ) لتدوين القرآن في مكة والمدينة
كان امرا واحدا وسوف ندرس نظام تدوين القرآن في اخبار القرآن في المدينة ان شاء اللّه تعالى .

ب ـ كيفية الاقراء:
.
يـنـقـسـم قراءة القرآن وتدوينه في العصر المكي الى ما يخص الرسول (ص ) وما يعم المسلمين كالاتي :

1 ـ ما يخص الرسول (ص ):

ان اول ما اقرا اللّه ـ جل جلاله ـ رسوله (ص ) من القرآن الكريم الايات الخمس الاولى من سورة
اقرا حيث قال سبحانه :

ا ـ في سورة العلق :

(بسم اللّه الرحمن الرحيم اقرا باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرا وربك الاكرم
* الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم ).

ب ـ في سورة الاعلى :

(سنقرئك فلا تنسى ).

ج ـ في سورة القيامة :

(لا تـحـرك بـه لسانك لتعجل به * ان علينا جمعه وقرآنه * فاذا قراناه فاتبع قرآنه * ثم ان علينا
بيانه ).

وفي صحيحي مسلم والبخاري واللفظ للاول((25)) : بسندهما عن فاطمة ان رسول اللّه (ص )
قـال لها ـ في مرض وفاته ـ : ان جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة وانه عارضه به في هذا
العام مرتين , ولا اراني الا قد حضر اجلي .

كان ذلكم امر اقراء اللّه ـ جل اسمه ـ نبيه الكريم (ص ) القرآن سواء كان في مكة او في المدينة .

2 ـ ما يعم المسلمين بمكة :
.
من خبر اقراء خباب بن الارت فاطمة اخت عمر بن الخطاب وزوجها علمنا ان الرسول (ص ) كان قد نظم خلايا سرية لاقراء المسلمين القرآن بمكة وفي ما ياتي بعض اخبار القرآن لدى المهاجرين
من مكة الى الحبشة .

المسلمون والقرآن في الحبشة :
.
في سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد وغيرهما ما موجزه :
لـما اشتد اذى قريش للمؤمنين الذين اظهروا اسلامهم امرهم الرسول بالهجرة الى الحبشة فهاجر
زهـاء ثمانين رجلا وامراة من المسلمين فاجارهم النجاشي ملك الحبشة فبعثت قريش بهدايا الى مع
عـمـرو بن العاص وعمارة بن الوليد وطلبت منه ان يعيدهم الى مكة فجمع النجاشي بين المسلمين
وعـمـرو وعـمـارة فـقرا جعفر عليه صدر سورة كهيعص ـ سورة مريم ـ فبكى النجاشي حتى
اخضلت لحيته وابى ان يعيد المسلمين الى قومهم قريش ((26)) .

لـم يـعـين ابن هشام وغيره الى اية آية قرا جعفر من سورة مريم ولابد انه قرا صدر السورة الى
الاية 34 منها والتي جاء فيها ذكر زكريا ويحيى وعيسى ومريم (ع ).

ان خـبـر ابـن مـسـعـود وخبر جعفر يدلان على ان المسلمين كانوا يحفظون ما نزل من القران ما
يـسـاعدهم ان يقراوا في كل مكان ما يناسبهم , كما ان خبر خلية بيت فاطمة ابنة الخطاب كان يدل
على وجود القرآن مكتوبا عند المسلمين بمكة .

سابعا ـ خصائص المجتمع الاسلامي على عهدالرسول (ص ):
.
وعـندما بعث الرسول (ص ) قوض بالاسلام النظام القبيلي في الجزيرة العربية والنظام الطبقي في سائر المجتمعات البشرية في ما.

بلغ عن اللّه قوله تعالى :

(يـا ايـهـا الـناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند اللّه
اتقاكم ان اللّه عليم خبير).

(الحجرات / 13).

وبقوله في خطبته (ص ) وسط ايام التشريق عام حجة الوداع :

((يا ايها الناس عربي ولا لاحمر على اسود.

ولا لاسود على احمر الابالتقوى , ابلغت ؟ قالوا: بلغ رسول اللّه (ص )((27)) .

وعـلـى هـذا الاسـاس اقام (ص ) المجتمع الاسلامي الاول في المدينة المنورة , فعاش فيه سلمان
الـفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وابو ذر العربي البدوي متخين كاسنان المشط لا تفاضل
بـيـنـهم , واربى على ذلك حين زوج مولاه زيدا ابنة عمته زينب حفيدة عبد المطلب , وضباعة بنت
الـزبـير بن عبد المطلب المقداد بن عمرو مولى بني زهرة((28)) , ووظف على بلال الحبشي
الاذان حتى علا سطح الكعبة يوم الفتح واذن عليها.

وكان من الطبيعي ان يظهر احيانا في ذلك المجتمع المثالي آثار التعصب القبيلي بين صحابة الرسول
(ص ) الذين نشاوا وعاشوا قبل الاسلام في المجتمع الذي بنيت اسسه على النظام القبيلي ونقتصر
بذكر بعض اخبارها في ما ياتي باذنه تعالى :

ا ـ التعصب القبيلي للصحابة المهاجرين من قريش .
1 ـ روى مسلم عن عائذ بن عمرو:
(ان ابا سفيان اتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا واللّه ما اخذت سيوف اللّه من عنق عدو
اللّه مخذها.

قال ابو بكر: اتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم ).

قال محمد فؤاد عبدالباقي في شرح الحديث :

هذا الاتيان لابي سفيان كان , هو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية((29)) .

2 ـ فـي سنن الدارمي وابي داود ومسند احمد وغيرها بسندهم عن عبداللّه ابن عمرو بن العاص
انه قال :

((كـنت اكتب كل شي ء اسمعه من رسول اللّه (ص ), فنهتني قريش , وقالوا: تكتب كل شي ء سمعته
من رسول اللّه (ص ) ورسول اللّه بشر يتكلم في الغضب والرضا؟.

فـامـسكت عن الكتابة , فذكرت ذلك لرسول اللّه فاوما باصبعه الى فيه وقال : ((اكتب فوالذي نفسي
بيده ما خرج منه الا حق ))((30)) .

ان الـتـعـصب الجاهلي هو الذي دفع الصحابة القرشيين ان يمنعوا عبداللّه بن عمرو بن العاص من
كـتـابـة الـحـديـث لـمـا كان فيه ذكر اسماء القرشيين الذين ناهضوا الرسول , وحاربوا الاسلام
والمسلمين , وجاء ذكر افعالهم في القرآن الكريم وبيان اسمائهم في .

حديث الرسول (ص ).

ب ـ التعصب القبيلي في قبائل الانصار.
خبر مسجد ضرار. قال تعالى في سورة التوبة / 107:

(والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وارصادا لمن حارب اللّه ورسوله ).

قـال ابـن عباس : (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا) هم اناس من الانصار ابتنوا مسجدا فقال لهم ابو
عـامـر: ابنوا مسجدكم , واستمدوا بما استطعتم من قوة وسلاح , فاني ذاهب الى قيصر ملك الروم
فـتي بجند من الروم فاخرج محمدا واصحابه , فلما فرغوا من مسجدهم اتوا الرسول (ص ) فقالوا
قـد فـرغـنـا مـن بـنـاء مـسـجدنا, فنحب ان تصلي فيه , وتدعو بالبركة , فانزل اللّه (لا تقم فيه
ابدا)((31)) .

ج ـ خبر الشجار على ماء المريسيع :((132)).
عـنـدما هاجر الرسول (ص ) الى المدينة آخى بين المهاجرين من قريش من نسل نزار ورجال من الاوس والـخـزرج مـن الانصار من نسل قحطان((33)) فعاشوا بوئام واخاء حتى اذا انتهوا من
معركة غزوة بني المصطلق وقعت اول منافرة بينهما عندما وردت واردة الناس على ماء المريسيع ,
فـازدحـم عـلى الماء جهجاه بن مسعود وهو يقود فرس عمر بن الخطاب , وسنان بن وبر الجهني
حليف الخزرج , فاقتتلا, فصرخ الجهني يا معشر الانصار وصرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين فـغـضـب عـبداللّه بن ابي بن سلول الخزرجي رئيس المنافقين وعنده رهط من قومه , فقال : او قد
فـعـلوها, قد نافرونا, وكاثرونا في بلادنا ((سمن كلبك ياكلك )) اما واللّه لان رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل .

ثـم قال لمن حضره من قومه : هذا ما فعلتم بانفسكم , احللتموهم بلادكم , وقاسمتموهم اموالكم , اما
واللّه لو امسكتم عنهم ما بايديكم , لتحولوا الى غير داركم .

فـبلغ ذلك رسول اللّه , واشاروا عليه بقتله , فلم يقبل , وانما عالج الامر بحكمة , حيث امر بالرحيل
فـي غـيـر سـاعـة الـرحيل , وسار بالناس يومهم ذلك حتى اصبح , وصدر اليوم الثاني حتى آذتهم
الشمس , فلما نزل بهم ومس جلدهم الارض , وقعوا نياما وبذلك شغلهم عن حديث المنافرة .

وفي هذه الواقعة نزلت سورة (المنافقون ) ومنها الاية / 8.

(يقولون لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل وللّه العزة ولرسوله وللمؤمنين ).

وبـلـغ حـسـان بـن ثـابـت الانـصاري الذي وقع بين جهجاه وبين الفتية الانصار, فقال وهو يريد
المهاجرين :

امسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا.

وابن الفريعة امسى بيضة البلد((34)) .

الابيات .

فـجاء صفوان بن المعطل الى بعض المهاجرين وقال : انطلق بنا نضرب حسانا, فواللّه ما اراد غيرك
وغيري .

ولـمـا ابـى الـمـهاجري ذلك ذهب صفوان وحده , مصلتا بالسيف حتى ضرب حسانا في نادي قومه ,
وجرحه وقال :

تلق ذباب السيف عني فانني .

غلام اذا هوجيت لست بشاعر (135 ).

ثـم اصلح الرسول بينهم , وانتهت بذلك اول منافرة وقعت بين فرعي القبيلتين بعد ان عالجها الرسول
بحكمته .

ووقـعـت الثانية يوم وفاة الرسول (ص ), وذلك لان المجتمع العربي في شبه الجزيرة كان يتوزع
عـلـى مـجـتـمـعات قبلية متعددة , وبعد هجرة الرسول الى المدينة وفتح مكة اصبحت المجتمعات
المتعددة يحكمها مجتمع المدينة الواحد المتكون من المهاجرين والانصار.

وكـان الـمـهـاجـرون جـلهم من مكة ماعدا النادر منهم وهم ينتمون الى قريش وحلفائها ومواليها
والانـصـار كلهم من اليمن ومن قبائل سبا, وبذلك تحولت العصبية القبيلية المتعددة الى التعصب بين
مهاجرة قريش ومن انتمى اليها من نزار والانصار ومن انتمى اليها من السبايين .

واول شـجار وقع بينهما بعد الرسول (ص ) حدث في سقيفة بني ساعدة ثم امتد الى عصور طويلة
بعد ذلك كما سندرسه في ما ياتي بحوله تعالى .

* * *.

زالـت الاعراف الجاهلية ظاهرا عن شبه الجزيرة العربية بعد نزول سورة البراءة واعلامها على
الحجيج المسلم والمشرك في منى في السنة التاسعة من الهجرة .

/ 14