قرآن الکریم فی روایات المدرستین جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قرآن الکریم فی روایات المدرستین - جلد 1

سیدمرتضی العسکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


قال المؤلف : يقصد الجلد غير المدبوغ . ج ـ العلهز:

قال ابن الاثير وابن منظور في مادة العلهز:

في دعائه (ع ) على مضر: ((اللّه م اجعل عليهم سنين كسني يوسف )).

فابتلوا بالجوع حتى اكلوا العلهز, هو شي ء يتخذونه في سنين المجاعة يخلطون الدم باوبار الابل ثم
يشوونه بالنار وياكلونه .

وقـيـل : كانوا يخلطون فيه القردان ويقال للقراد الضخم العلهز, ومنه حديث عكرمة كان طعام اهل
الجاهلية العلهز.

د ـ الهبيد.

قال ابن الاثير وابن منظور ما موجزه :

الهبيد: الحنظل يكسر ويستخرج حبه وينقع لتذهب مرارته ويتخذ منه طبيخ يؤكل عند الضرورة
وفي حديث عمر وامه فزودتنا من الهبيد.

ه ـ الفصيد والبجة :

قال ابن الاثير وابن منظور في مادة الفصيد ما موجزه :

وكـانـوا يفصدون عرق الناقة ليخرج الدم منه فيشرب , يفعلونه ايام الجوع كما كانوا ياخذون ذلك
الـدم ويسخنونه الى ان يجمد ويقوى فيطعم به الضيف في شدة الزمان , اذا نزل بهم ضيف فلا يكون
عندهم ما يقريه , ويشح ان ينحر المضيف راحلته فيفصدها.

و(الـفـصيد) دم كان يوضع في الجاهلية في معى من فصد عرق البعير ويشوى وكان اهل الجاهلية
ياكلونه ويطعمونه الضيف في الازمة .

وقال ابن الاثير ـ ايضا ـ في تفسيرها:

وفـي حـديـث ابـي رجاء لا بلغنا ان النبي (ص ) قد اخذ في القتل هربنا فاستثرنا شلو ارنب دفينا
وفـصـدنا عليها فلا انسى تلك الاكلة اي فصدنا على شلو الارنب بعيرا واسلنا عليه دمه وطبخناه
واكلناه .

وقالا في مادة البجة ما موجزه :

ويقال للفصيد (البجة ) كذلك و (البجة ) دم الفصيد, ياكلونها في الازمة والبج الطعن غير النافذ, فقد
كانوا يفصدون عرق البعير.

ويـاخـذون الـدم يـتـبـلغون به في السنة المجدبة جاء في الحديث : (ان اللّه قد اراحكم من الشجة
والبجة ).

و ـ الفظ:

ماء كرش البعير.

وافتظ البعير: شق كرشه , واعتصر ماءه ليشربه , وكان المسافر في الصحراء يسقي الابل , ثم يشد
افواهها, لئلا تجتر, فاذا عطش افتظها((3)) .

وفـي تـاريـخ العرب قبل الاسلام لم يكن في وسع كثير من الجاهليين الحصول على اللحم لفقرهم
فـكانوا ياتدمون (الصليب ) وهو الودك ـ ودك العظام ـ يجمعون العظام ويكسرونها ويطبخونها, ثم
يجمعون الودك الذي يخرج منها لياتدموا به .

وقد عرفوا بـ (اصحاب الصلب ).

ولـما قدم الرسول مكة (اتاه اصحاب الصلب الذين يجمعون العظام اذا لحب عنها لحمانها فيطبخونها
بالماء ويستخرجون ودكها ياتدمون به ).

ولـم يكن في استطاعة الفقراء اكل الخبز لغلائه بالنسبة لهم لذلك عد اكله من علائم الغنى والمال ,
وكـان الـذي يـطـعم الخبز والتمر يعد من السادة الكرام وكان احدهم يفتخر بقوله (خبزت القوم
وتمرتهم ), بمعنى اطعمتهم الخبز والتمر.

وقد افتخر (بنو العنبر) بسيدهم (عبداللّه بن حبيب العنبري ), لانه كان لا ياكل التمر ولا يرغب
في اللبن , بل كان ياكل الخبز, فكانوا اذا افتخروا, قالوا: منا آكل الخبز.

وكانوا يقولون (اقرى من آكل الخبز) لانه كان جوادا.

وكـان مـنـهـم مـن رضـي وقنع بالدون من المعيشة , فعاش في فقر مدقع , والدقع الرضا بالدون من
الـمـعـيـشـة وسـوء احـتمال الفقر واللصوق بالارض من الفقر والجوع , فهم ينامون على التراب
ويـلـتحفون السماء, والدوقعة الفقر والذل , وجوع ادقع وديقوع شديد, وهم مثل (بنو غبراء) في
الفقر والحاجة , اولئك الذين توسدوا الغبراء واتخذوا التربة فراشا لهم , لعدم وجود ملجا لهم ياوون
اليه , ولا مكان يحتمون به((4)) .

* * *.

كانت تلكم بعض انواع طعامهم في ايام المخمصة واحيانا كانوا لا يجدون ما يقتاتون به , فيؤدي ذلك
بهم الى الانتحار الذي كانوا يسمونه الاعتفاد كالاتي بيانه :

وكان بين الجاهليين فقراء معدمون مدقعون لم يملكوا من حطام هذه الدنيا شيئا, وكانت حالتهم مزرية
مـؤلـمة , منهم من سال الموسرين نوال احسانهم , ومنهم من تحامل على نفسه تكرما وتعففا, فلم يسال
غـبـا ولـم يطلب من الموسرين حاجة , محافظة على كرامته وعلى ماء وجهه , مفضلا الجوع على
الـشـبع بالاستجداء, حتى ذكر ان منهم من كان يختار الموت على الدنية , والدنية هي ان يذهب الى
رجـل , فيتوسل اليه بان يجود عليه بمعروف , ومنهم من اعتفد, والاعتفاد ان يغلق الرجل بابه على
نـفـسه , فلا يسال احدا حتى يموت جوعا, وكانوا يفعلون ذلك في الجدب , قيل : كانوا اذا اشتد بهم
الـجـوع وخـافـوا ان يـمـوتوا اغلقوا عليهم بابا وجعلوا حظيرة من شجرة يدخلون فيها ليموتوا
جوعا((5)) .

روى الـسيوطي بتفسيره سورة قريش عن عمر بن عبد العزيز انه قال : كانت قريش في الجاهلية
تـعـتفد وكان اعتفادها: ان اهل البيت منهم كانوا اذا سافت يعني هلكت اموالهم خرجوا الى برار من
الارض فـضربوا على انفسهم الاخبية ثم تناوبوا فيها حتى يموتوا من قبل ان يعلم بخلتهم حتى نشا
هـاشـم بـن عبد مناف , فلما نبل وعظم قدره في قومه قال يا معشر قريش ان العز مع الكثرة , وقد
اصـبـحتم اكثر العرب اموالا واعزهم نفرا, وان هذا الاعتفاد قد اتى على كثير منكم , وقد رايت
رايا.

قالوا: رايك راشد فمرنا ناتمر قال : رايت ان اخلط فقراءكم باغنيائكم فاعمد الى رجل غني , فاضم
الـيه فقيرا عياله بعدد عياله فيكون يوازره في الرحلتين رحلة الصيف الى الشام ورحلة الشتاء الى
اليمن , فما كان في مال الغني من فضل عاش الفقير وعياله في ظله وكان ذلك قطعا للاعتفاد((6)) .

قالوا نعم مما رايت فالف بين الناس ((7)) .

وتـفـصـيل الخبر بتفسير السورة عند القرطبي وبعضه بمادة (عفد) من لسان العرب واكثر لفظ
الخبر من القرطبي عن ابن عباس انه قال :

ان قـريـشـا كـانوا اذا اصابت واحدا منهم مخمصة((8)) جرى هو وعياله الى موضع معروف ,
فضربوا على انفسهم خباء فماتوا, حتى كان عمرو بن عبد مناف , وكان سيدا في زمانه , وله ابن يقال
له : اسد, وكان له ترب ((9)) من بني مخزوم , يحبه ويلعب معه , فقال .

له : نحن غد نعتفد وتاويله : ذهابهم الى ذلك الخباء, وموتهم واحدا بعد واحد.

قال : فدخل اسد على امه يبكي , وذكر ما قاله تربه .

قـال : فـارسلت ام اسد الى اولئك بشحم ودقيق , فعاشوا به اياما, ثم ان تربه اتاه ايضا فقال : نحن غدا
نـعـتـفد, فدخل اسد على ابيه يبكي , وخبره خبر تربه , فاشتد ذلك على عمرو بن عبد مناف , فقام
خـطيبا في قريش وكانوا يطيعون امره , فقال : انكم احدثتم حدثا تقلون فيه وتكثر العرب , وتذلون
وتـعـز الـعـرب , وانتم اهل حرم اللّه ـ جل وعز ـ واشرف ولد آدم , والناس لكم تبع , ويكاد هذا
الاعتفاد ياتي عليكم .

فقالوا: نحن لك تبع .

قال : ابتداوا بهذا الرجل ـ يعني ابا ترب اسد ـ فاغنوه عن الاعتفاد ففعلوا, ثم انه نحر البدن , وذبح
الكباش والمعز, ثم هشم الثريد, واطعم الناس , فسمى هاشما, وفيه قال الشاعر:

عمرو العلا هشم الثريد لقومه .

ورجال مكة مسنتون((0)) عجاف .

ثـم جـمـع كل بني اب على رحلتين : في الشتاء الى اليمن , وفي الصيف الى الشام للتجارات , فما ربح
الغني قسمه بينه وبين الفقير,.

حـتى صار فقيرهم كغنيهم , فجاء الاسلام وهم على هذا, فلم يكن في العرب بنو اب اكثر مالا ولا
اعز من قريش , وهو قول شاعرهم :

والخالطون فقيرهم بغنيهم .

حتى يصير فقيرهم كالكافي .

فـلم يزالوا كذلك , حتى بعث اللّه رسوله محمد (ص ), فقال : (فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم
من جوع ) بصنيع هاشم .

(وآمنهم من خوف ) ان تكثر العرب ويقلوا((1)) .

ومـع ذلـك ـ ايضا ـ لم يكن كل افراد قريش اثرياء مرفهين , بل كانت الكثرة الكاثرة منهم يتحملون
السغب والجوع , ومن ثم كانت كثرة العيال لهم محنة يتعسر عليهم تحملها.

ونذكر مثالين من سيرة الرسول كدليل على الوضع الاقتصادي لدى سروات مكة :

ا ـ روى ابن اسحاق وقال :

ان قريشا اصابتهم ازمة شديدة , وكان ابو طالب ذا عيال كثير, فقال رسول اللّه (ص ) للعباس عمه ,
وكان من ايسر بني هاشم :

يـا عـباس , ان اخاك ابا طالب كثير العيال , وقد اصاب الناس ما ترى من هذه الازمة , فانطلق بنا اليه
فلنخفف عنه من عياله , آخذ.

من بنيه رجلا وتاخذ انت رجلا فنكلهما عنه , فقال العباس : نعم .

فـانـطلقا حتى اتيا ابا طالب , فقالا له : انا نريد ان نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم
فيه .

فقال لهما ابو طالب : اذا تركتما لي عقيلا وطالبا فاصنعا ما شئتما.

فـاخـذ رسول اللّه (ص ) عليا فضمه اليه , واخذ العباس جعفرا فضمه اليه , فلم يزل علي مع رسول
اللّه (ص ) حتى بعثه اللّه ـ.

تـبـارك وتعالى ـ نبيا, فاتبعه علي(رض ) ـ وآمن به وصدقه , ولم يزل جعفر عند العباس حتى اسلم
واستغنى عنه((2)) .

كانت اعالة الذكور من الاولاد مشكلة لغير ذوي اليسار في سنة الجدب والقحط.

اما اعالة البنات , فقد كانت مشكلة في العصر الجاهلي تعم الفقير منهم وذوي اليسار في سني الجدب
والرخاء كما نرى ذلك في الخبر الاتي :

ب ـ روى ابن اسحاق ـ ايضا ـ وقال :

كـان رسـول اللّه (ص ) قـد زوج عتبة بن ابي لهب رقية او ام كلثوم , فلما بادى قريشا بامر اللّه ـ
تعالى ـ وبالعداوة , قالوا: انكم قد فرغتم محمدا من همه , فردوا عليه بناته , فاشغلوه بهن فمشوا الى
ابـي الـعـاص فـقـالـوا لـه : فـارق صـاحـبـتك ونحن نزوجك اي امراة من قريش شئت , قال : ها
للّه*((3)) , اني لا افارق صاحبتي , وما احب ان لي بامراتي امراة من قريش .

وكان رسول اللّه (ص ) يثني عليه في صهره خيرا, فيما بلغني .

ثم مشوا الى عتبة بن ابي لهب , فقالوا له : طلق بنت محمد ونحن ننكحك اي امراة من قريش شئت .

فـقـال : ان زوجـتـموني بنت ابان بن سعيد بن العاص , او بنت سعيد بن العاص فارقتها فزوجوه بنت
سعيد بن العاص , وفارقها, ولم يكن دخل بها فاخرجها اللّه من يده كرامة لها وهوانا له , وخلف عليها
عثمان بن عفان بعده((4)) .

ان قريشا لما ارادت ان تكيد برسول اللّه كيدا يقعده عن دعوته للتوحيد عمدت الى ارجاع بناته الى
بيته ليشغلوه بهن عن مقارعتهم ومقابلتهم .

وذلـك لان الـمـراة لـم تكن تشترك يومذاك في الغزو ولا في سفر التجارة وغيرهما من الاعمال
الجالبة للثروة , ومن ثم كانت ابدا.

ودائما عالة على الرجل وكان ذلك اهم سبب لواد البنات في الجاهلية , كما نشير الى بعض اخبارها
في ما ياتي بحوله تعالى .

واد البنات :((25)).
كانت العرب تئد البنات بسبب الفقر وحمية الجاهلية , اما الفقر, فقد اخبر اللّه عنه وقال سبحانه في سورة الاسراء:

(ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم كان خطئا كبيرا)(الاية / 31).

وقال تعالى (واذا الموءودة سئلت * باي ذنب قتلت )(التكوير / 8 ـ 9).

قـال الـقرطبي : الموءودة المقتولة , وهي الجارية تدفن وهي حية , سميت بذلك لما يطرح عليها من
التراب , فيؤودها اي يثقلها حتى تموت .

وروى عن ابن عباس انه قال :

كانت المراة في الجاهلية اذا حملت حفرت حفرة , وتمخضت على راسها, فان ولدت جارية رمت بها
في الحفرة , وردت التراب عليها, وان ولدت غلاما حبسته , ومنه قول الراجز:

سميتها اذ ولدت تموت .

والقبر صهر ضامن زميت ((6)) .

الزميت الوقور.

وفـي تـفـسير الطبري ما موجزه : كان الرجل من ربيعة او مضر يشترط على امراته , ان تستحي
جـارية وتئد اخرى , فاذا كانت الجارية التي تواد غدا الرجل او راح من عند امراته , وقال لها: انت
عـلـي كظهر امي ان رجعت اليك ولم تئديها, فتخد لها في الارض خدا وترسل الى نسائها فيجتمعن
عندها ثم يتداولنها حتى اذا ابصرته راجعا دستها في حفرتها ثم سوت عليها التراب ((7)) .

قال المؤلف : ونظير هذا اسقاط الجنين المتداول في عصرنا.

وفـي تـفـسـير القرطبي والطبري عن قتادة , قال : كانت الجاهلية يقتل احدهم ابنته , ويغذو كلبه ,
فعاتبهم اللّه على ذلك , وتوعدهم بقوله : (واذا الموءودة سئلت )((8)) .

قال المؤلف :

انـمـا كـانـوا يـغذون كلبهم , لانه كان ينفعهم في حراسة بيتهم وماشيتهم بينما لم تكن البنت تجلب
لاولئك الوائدين نفعا.

* * *.

كانت تلكم امثلة من الواد خشية الاملاق , اما الواد بسب الحمية حمية الجاهلية فكالاتية اخبارها:

الواد بداعي الحمية الجاهلية .
ذكـر اهـل الاخـبـار ان بـعـض السبايا من نساء اشراف القبائل اخترن البقاء عند من سباهن وابين الـرجـوع الى عشائرهن عند المصالحة فاثار ذلك عندهم حمية الجاهلية ووادوا بناتهم كما روى
ابو الفرج في الاغاني في خبر قيس بن عاصم التميمي السعدي وقال :

ان سـبب واد قيس بناته ان المشمرج اليشكري اغار على بني سعد فسبى منهم نساء واستاق اموالا,
وكـان فـي الـنـساء امراة , خالها قيس بن عاصم , فرحل قيس اليهم يسالهم ان يهبوها له او يفدوها,
فوجد عمرو بن المشمرج قد اصطفاها لنفسه .

فساله فيها, فقال : قد جعلت امرها اليها فان اختارتك فخذها, فخيرت , فاختارت عمرو بن المشمرج
فانصرف قيس فواد كل .

بـنـت , وجـعل ذلك سنة فى كل بنت تولد له , واقتدت به العرب في ذلك , فكان كل سيد يولد له بنت
يئدها خوفا من الفضيحة .

وقال :

وفد قيس بن عاصم على رسول اللّه (ص ) فسال بعض الانصار عما يتحدث به عنه من الموءودات
التي وادهن من بناته , فاخبر انه ماولدت له بنت قط الاوادها ثم اقبل على رسول اللّه (ص ) يحدثه
فـقـال لـه : كـنت اخاف سوء الاحدوثة والفضيحة في البنات , فما ولدت لي بنت قط الا وادتها, وما
رحـمـت منهن موءودة قط الا بنية لي ولدتها امها وانا في سفر فدفعتها امها الى اخوالها فكانت فيهم ,
وقدمت فسالت عن الحمل , فاخبرتني المراة انها ولدت ولدا ميتا.

ومـضـت عـلـى ذلـك سنون حتى كبرت الصبية ويفعت فزارت امها ذات يوم , فدخلت فرايتها وقد
ضـفـرت شـعـرها وجعلت في قرونها شيئا من خلوق ونظمت عليها ودعا, والبستها قلادة جزع ,
وجعلت في عنقها مخنقة بلح : فقلت : من هذه الصبية فقد اعجبني جمالها وكيسها؟ فبكت ثم قالت : هذه
ابـنـتك , كنت خبرتك اني ولدت ولدا ميتا, وجعلتها عند اخوالها حتى بلغت هذا المبلغ فامسكت عنها
حـتـى اشـتـغلت عنها, ثم اخرجتها يوما فحفرت لها حفيرة فجعلتها فيها وهي تقول : يا ابت ما تصنع
بي ؟ وجـعـلت اقذف عليها التراب وهي تقول : يا ابت امغطي انت بالتراب ؟ عني ؟ عـلـيها التراب ذلك حتى واريتها وانقطع صوتها, فما رحمت احدا ممن واريته غيرها فدمعت عينا
النبي (ص ) ثم قال : ((ان هذه .

لقسوة , وان من لا يرحم لا يرحم ))((9)) .

وقال القرطبي :

ان قيس بن عاصم سال النبي (ص ) وقال : يا رسول اللّه قال : ((فاعتق عن كل واحدة منهم رقبة )).

قال : يا رسول اللّه اني صاحب ابل .

قال : ((فاهد عن كل واحدة منهن بدنة ان شئت ))((0)) .

وقـال (القرطبي ): ((انه كان من العرب من يقتل ولده خشية الاملاق , كما ذكر اللّه ـ عز وجل ـ
وكان منهم من يقتله سفها بغير.

حجة منهم في قتلهم , وهم ربيعة ومضر, كانوا يقتلون بناتهم لاجل الحمية .

وروي ان رجـلا مـن اصحاب النبي (ص ) وكان لا يزال مغتما بين يدي رسول اللّه (ص ), فقال له
رسول اللّه (ص ): مالك تكون .

محزونا؟.

فقال : يا رسول اللّه , اني اذنبت ذنبا في الجاهلية فاخاف الا يغفره اللّه لي وان اسلمت .

فقال له : اخبرني عن ذنبك .

فقال : يا رسول اللّه , اني كنت من الذين يقتلون بناتهم , فولدت لي بنت , فتشفعت الي امراتي ان اتركها,
فـتركتها حتى كبرت وادركت , وصارت من اجمل النساء فخطبوها, فدخلتني الحمية , ولم يحتمل
قلبي ان ازوجها او اتركها في البيت بغير زواج , فقلت للمراة : اني اريد ان اذهب الى قبيلة كذا وكذا
فـي زيارة اقربائي , فابعثيها معي , فسرت بذلك , وزينتها بالثياب والحلي , واخذت علي المواثيق بالا
اخونها.

فـذهـبـت الـى راس بئر فنظرت في البئر ففطنت الجارية اني اريد ان القيها في البئر فالتزمتني ,
وجعلت تبكي , وتقول : يا ابت ايش تريد ان تفعل بي ؟.

فرحمتها, ثم نظرت في البئر, فدخلت علي الحمية , ثم التزمتني وجعلت تقول : يا ابت لا تضيع امانة
امي فـجـعـلت مرة انظر في البئر ومرة انظر اليها فارحمها حتى غلبني الشيطان , فاخذتها والقيتها في
البئر منكوسة , وهي تنادي في البئر: يا ابت , قتلتني .

فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت .

فـبـكـى رسـول اللّه (ص ) واصـحـابـه , وقال : ((لو امرت ان اعاقب احدا بما فعل في الجاهلية
فعالبتك ))((1)) .

وفي شان هؤلاء انزل اللّه تعالى في سورة النحل / 58:

(واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ).

ولـمـا كـانوا يعتقدون بان اللّه اصطفى من الملائكة بنات له كما سياتي ذكره بحوله تعالى في بحث
اديان العرب قال سبحانه :

(واذا بشر احدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) (الزخرف / 17).

قال ابن الاثير في ترجمة صعصعة من اسد الغابة ما موجزه :

صـعـصـعـة بـن نـاجية جد الفرزدق همام بن غالب الشاعر, وكان من اشراف بني تميم , وكان في
الجاهلية يفتدي المؤودات وقد مدحه الفرزدق بذلك في قوله :

وجدي الذي منع الوائدات .

واحيا الوئيد فلم يواد.

قـال قـدمت على النبي (ص ) فعرض علي الاسلام , فاسلمت وعلمني آيا من القرآن فقلت : يا رسول
اللّه انـي عـمـلـت اعـمـالا في الجاهلية فهل لي فيها من اجر قال , وما عملت , قلت : ضلت ناقتان لي
عشراوان , فخرجت ابغيهما على جملى لي , فرفع لي بيتان في فضاء من الارض , فقصدت قصدهما,
فـوجـدت فـي احدهما شيخا كبيرا فبينما هو يخاطبني واخاطبه اذ نادته امراة قد ولدت قال وما
ولـدت قـالـت جارية قال فادفنيها فقلت انا اشتري منك روحها لا تقتلها فاشتريتها بناقتي وولديهما
والـبـعـيـر الذي تحتي وظهر الاسلام وقد احييت ثلثمائة وستين موؤدة اشتري كل واحدة منهن
بـناقتين عشراوين وجمل فهل لي من اجر؟ فقال رسول اللّه (ص ) هذا باب من البر لك اجره اذ من
اللّه عليك بالاسلام((2)) .

ثالثا ـ النظم الاجتماعية :
.
بـدانـا بذكر النظم القبلية والوضع الاقتصادي وما يتصل بهما من شؤون العرب في العصر الجاهلي وفي ما ياتي نذكر بعض مظاهر النظم الاجتماعية في العصر الجاهلي باذنه تعالى .

ونبدا بذكر حمية الجاهلية وحكمها.

اـ حمية الجاهلية وحكمها.
قال اللّه ـ سبحانه ـ :
1 ـ في سورة المائدة :

( بـبـعـض ذنوبهم وان كثيرا من الناس لفاسقون * افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من اللّه حكما
لقوم يوقنون ) (الايات / 49 , 50).

2 ـ في سورة الفتح :

(اذ جـعـل الـذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فانزل اللّه سكينته على رسوله وعلى
المؤمنين والزمهم كلمة التقوى وكانوا احق بها واهلها وكان اللّه بكل شي ء عليما) (الاية / 26).

وفي سورة المائدة :

(لا يؤاخذكم اللّه باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين
مـن اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ذلك كفارة
ايـمـانكم اذا حلفتم واحفظوا ايمانكم كذلك يبين اللّه لكم آياته لعلكم تشكرون * يا ايها الذين آمنوا
انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) (الايات
/ 89 , 90).

هذا ما اخبر اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ عن حمية الجاهلية , وفي ما ياتي نذكر باذنه تعالى تفصيل النظم
الاجتماعية في العصر الجاهلي .

ب ـ حكام العرب :
.
قال اليعقوبي :
وكان للعرب حكام ترجع اليها في امورها, وتتحاكم في منافراتها, ومواريثها, ومياهها, ودمائها, لانه
لم يكن دين يرجع الى شرائعه , فكانوا يحكمون اهل الشرف , والصدق والامانة , والرئاسة , والسن ,
والمجد, والتجربة .

ثم ذكر اسماء ثلاثة وعشرين منهم , من ضمنهم خمسة كانوا من قريش مثل عبد المطلب ((3)) .

ج ـ شعراء العرب واثر الشعر في الانسان العربي :
.
قـال الـيـعـقـوبي : وكانت العرب تقيم الشعر مقام الحكمة وكثير العلم , فاذا كان في القبيلة الشاعر الـمـاهـر, الـمـصيب المعاني , المخير الكلام , احضروه في اسواقهم التي كانت تقوم لهم في السنة
ومواسمهم عند حجهم البيت , حتى تقف وتجتمع القبائل والعشائر,.

فتسمع شعره , ويجعلون ذلك فخرا من فخرهم , وشرفا من شرفهم .

ولم يكن لهم شي ء يرجعون اليه من احكامهم وافعالهم الا الشعر, فبه كانوا يختصمون , وبه يتمثلون ,
وبه يتفاضلون , وبه يتقاسمون , وبه يتناضلون , وبه يمدحون ويعابون .

فـكان ممن قدم شعره في جاهلية العرب على ما اجتمعت عليه الرواة واهل العلم بالشعر, وجاءت به
الاثار والاخبار من شعراء العرب في جاهليتها مع من ادركه الاسلام , فسمي مخضرما, فانهم دخلوا
مـع مـن تقدم , فسموا الفحول , وقدموا على تقدم اشعارهم في الجودة , فان كان بعضهم اقدم من بعض
وهـم عـلـى مـا بينا من اسمائهم ومراتبهم على الولاء, فاولهم امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن
عمرو آكل المرار بن معاوية بن ثور, وهو كندة .

ثم ذكر اسماء ثمانية وثمانين شاعرا بانسابهم((4)) .

وفي المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام((5)) .

ورووا ان الـمحلق كان ممن رفعه الشعر بعد الخمول , وذلك ان الاعشى قدم مكة وتسامع الناس به ,
وكانت للمحلق امراة عاقلة ,.

وقيل بل ام , وكان المحلق فقيرا خامل الذكر, ذا بنات , فاشارت عليه , ان يكون اسبق الناس اليه في
دعوته الى الضيافة , ليمدحهم ,.

فـفعل فلما اكل الاعشى وشرب , واخذت منه الكاس , عرف منه انه فقير الحال , وانه ذا عيال , فلما
ذهب الاعشى الى عكاظ انشد.

قصيدته :

ارقت وما هذا السهاد المؤرق .

وما بي من سقم وما بي معشق .

ثـم مـدح المحلق , فما اتم القصيدة الا والناس ينسلون الى المحلق يهنئونه , والاشراف من كل قبيلة
يتسابقون اليه جريا يخطبون بناته , لمكان شعر الاعشى .

ويـذكر الرواة ان القبيلة كانت اذا نبغ فيها شاعر احتفلت به , وفرحت بنبوغه , واتت القبائل فهناتها
بذلك , وصنعت الاطعمة ,.

واجـتـمعت النساء يلعبن بالمزاهر, وتباشروا به لانه حماية لهم , ولسانهم الذاب عنهم المدافع عن
اعـراضـهم واحسابهم وشرفهم بين الناس وكانوا لا يهناون الا بغلام يولد او فرس تنتج او شاعر
ينبغ فيهم((6)) .

فـالـشـاعـر هو صحيفة القبيلة و(محطة اذاعتها), وصوته , يحط ويرفع ويخلد, لا سيما اذا كان
مؤثرا, فيرويه الناس جيلا بعد جيل .

وكـان اثره في الناس اثر السيف في الحروب , بل استعمله المحاربون اول سلاح في المعارك فيبدا
الفارس بالرجز, ثم يعمد الى السيف او الرمح او آلات القتال الاخرى ولاثره هذا, جاء في الحديث
عن الرسول قوله : ((والذي نفسي بيده , لكانما تنضحونهم .

بـالنبل بما تقولون لهم من الشعر))((7)) مخاطبا بذلك شعراء المسلمين , الذين حاربوا الوثنيين
بهذا السلاح الفتاك , سلاح الشعر.

وقد كان الوثنيون قد اشهروه ايضا وحاربوا به المسلمين .

وطالما قام الشعراء بالسفارة والوساطة في النزاع الذي كان يقع بين الملوك والقبائل , او بين القبائل
انـفـسـهـا, فلما اسر (الحارث بن ابي شمر) الغساني (شاس بن عبدة ) في تسعين رجلا من (بني
تميم ), وبلغ ذلك اخاه (علقمة بن عبدة ), قصد (الحارث ).

فمدحه بقصيدته :

طحا بك قلب بالحسان طروب .

بعيد الشباب عصر حان مشيب .

فلما بلغ طلبه بالعفو عن اخيه وعن بقية الماسورين , قال الحارث : نعم واذنبه , واطلق له شاسا اخاه ,
وجماعة اسرى بني تميم , ومن سال فيه او عرفه من غيرهم((8)) .

ولم يقل اثر الشاعر في السلم وفي الحرب عن اثر الفارس , الشاعر يدافع عن قومه بلسانه , يهاجم
خصومهم , ويهجو سادتهم , ويحث المحاربين على الاستماتة في القتال , ويبعث فيهم الشهامة والنخوة
لـلاقدام على الموت حتى النصر والفارس يدافع عن قومه بسيفه , وكلاهما ذاب عنهم محارب في
الـنـتـيـجة بل قد يقدم الشاعر على الفارس , لما يتركه الشعر من اثر دائم في نفوس العرب , يبقى
محفوظا في الذاكرة وفي اللسان , يرويه الخلف عن السلف , بينما يذهب اثر السيف , بذهاب فعله في
الـمعركة , فلا يترك ما يتركه شعر المديح او الهجاء من اثر في النفوس , يهيجها حين يذكر, وكان
من اثره ان القبائل كانت اذا تحاربت جاءت بشعرائها, لتستعين بهم في القتال فلما كان يوم (احد), قال
(صفوان بن امية ) لابي عزة عمرو بن عبداللّه الجمحي : ((يا ابا عزة انك امرؤ شاعر.

فاعنا بلسانك , فاخرج معنا فقال : ان محمدا قد من علي ولا اريد ان اظاهر عليه .

قـال : فاعنا بنفسك , فلك اللّه علي ان رجعت ان اغنيك , وان اصبت ان اجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما
اصـابهن من عسر ويسر, فخرج ابو عزة يسير في تهامة ويدعو بني كنانة )) شعرا الى السير مع
قريش لمحاربة المسلمين((9)) .

وكـان للرسول (ص ) شاعره (حسان بن ثابت ) يدافع عن الاسلام والمسلمين , وكان للمشركين من
اهل مكة شاعرهم (عبداللّه بن الزبعري ) يرد عليه , ويهاجم المسلمين في السلم وفي المعارك .

وقد دونت كتب السير والاخبار والتواريخ اشعارهم وما قاله احدهم في الاخر, وقد فات منه شي ء
كثير, نص رواة الشعر على انهم تركوه لما كان فيه من سوء ادب وخروج على المروءة .

وكان الى جانب الشاعرين شعراء آخرون , منهم من ناصر المسلمين , لانه كان منهم , ومنهم من ناصر
المشركين لانه كان .

مـنهم بل كان المحاربون اذا حاربوا, فلابد وان يبداوا حربهم بتنشيطها وبتصعيد نارها برجز او
بقريض .

ومن خوفهم من لسان الشاعر ما روي من فزع ابي سفيان , لما سمع من عزم (الاعشى ) على الذهاب
الـى يـثـرب ومن اعداده شعرا في مدح الرسول , ومن رغبته في الدخول في الاسلام فجمع قومه
عندئذ, وتكلم فيما سيتركه شعر هذا الشاعر من اثر في الاسلام وفي قريش خاصة ان هو اسلم ,
ولـهذا نصحهم ان يتعاونوا معه في شراء لسانه وفي منعه من الدخول في الاسلام باعطائه مائة ناقة
فـوافقوا على رايه , وجمعوا له ما طلبه , وتمكن ابو سفيان من التاثير فيه , فعاد الى بلده (منفوحة )
ومات بها دون ان يسلم((0)) .

قـال (الـجـاحظ) يبلغ من خوفهم من الهجاء ومن شدة السب عليهم , وتخوفهم ان يبقى ذكر ذلك في
الاعـقاب , ويسب به الاحياء والاموات , انهم اذا اسروا الشاعر اخذوا عليه المواثيق , وربما شدوا
لسانه بنسعة , كما صنعوا بعبد يغوث بن وقاص الحارثي حين اسرته بنو تيم يوم الكلاب ((1)) و
(عبد يغوث ابن وقاص ) شاعر قحطاني , كان شاعرا من شعراء الجاهلية , فارسا سيد قومه من بني
الـحـارث بن كعب , وهو الذي قادهم يوم الكلاب الثاني , فاسرته بنو تيم وقتلته , وهو من اهل بيت
شـعـر مـعروف في الجاهلية والاسلام , منهم اللجلاج الحارثي , وهو طفيل بن زيد بن عبد يغوث ,
واخـوه (مـسـهر) فارس شاعر, ومنهم من ادرك الاسلام : جعفر بن علبة بن ربيعة بن الحارث بن
عبد يغوث , وكان شاعرا صعلوكا((2)) .

وفي جمهرة انساب العرب :

(وهـؤلاء بـنـو قـريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة ولد قريع بن عوف : جعفر, وهو انف
الناقة : لقب بذلك لان اباه نحر ناقة , فقسمها في نسائه , واعطى ابنه جعفرا راس الناقة , فاخذ بانفها,
فقيل له : ما هذا؟ فقال : ((انف الناقة فلقب بذلك فكان ولده يغضبون منه , الى ان قال الحطيئة مادحا لهم :

قوم هم الانف والاذناب غيرهم .

ومن يساوي بانف الناقة الذنبا.

فصار ذلك مدحا لهم , يفتخرون به )((3)) .

وفي المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام 9 / 113:

ولـمـا مدح الحطيئة (بغيض بن عامر بن لاي بن شماس بن لاي بن انف الناقة ), واسمه (جعفر بن
قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ), وهجا (الزبرقان ), واسمه (الحصين بن بدر
بـن امـرئ القيس بن خلف بن عوف ابن كعب ), صاروا يفخرون ويتباهون بان يقال لهم (انف الناقة ),
وكـانـوا يعيرون به ويغضبون منه ويفرقون من هذا الاسم , حتى ان الرجل منهم كان يسال ممن هو
فـيـقـول من (بني قريع ) فيتجاوز جعفرا انف الناقة , ويلغي ذكره فرارا من هذا اللقب , الى ان قال
(الحطيئة ) هذا الشعر فصاروا يتطاولون بهذا النسب , ويمدون به اصواتهم في جهارة , اذ قال :

قوم هم الانف والاذناب غيرهم .

ومن يسوي بانف الناقة الذنبا((4)) .

وقـد تـعـزز الاعـشى على قومه , وبين مكان فضله عليهم , اذ كان لسانهم الذاب عنهم المدافع عن
اعراضهم , الهاجي لاعدائهم بشعر هو كالمقراض يقرض اعداء قومه قرضا.

ادفع عن اعراضكم واعيركم .

لسانا كمقراض الخفاجي ملحبا((5)) .

وذكـر ان بـني تغلب كانوا يعظمون معلقة عمرو بن كلثوم ويروونها صغارا وكبارا, حتى هجاهم
شاعر من شعراء خصومهم ومنافسيهم بكر بن وائل , اذ قال :

الهي بني تغلب عن كل مكرمة .

قصيدة قالها عمرو بن كلثوم .

يروونها ابدا مذ كان اولهم .

يا للرجال لشعر غير مسئوم((6)) .

ولسلاطة السنة بعض الشعراء, ولعدم تورع بعضهم من شتم الناس ومن هتك الاعراض , ومن التكلم
عنهم بالباطل , تجنب الناس قدر امكانهم الاحتكاك بهم , وملاحاتهم والتحرش في امورهم , خوفا من
كـلمة فاحشة قد تصدر عنهم , تجرح الشخص الشريف فتدميه , و ((جرح اللسان كجرح اليد)),
كما عبر عن ذلك امرؤ القيس احسن تعبير((7)) .

ولامر ما قال طرفة :

رايت القوافي تتلجن موالجا.

تضايق عنها ان تولجها الابر.

وفي هذا المعنى دون (الجاحظ) هذه الابيات :

وللشعراء السنة حداد.

على العورات موفية دليله .

ومن عقل الكريم اذا اتقاهم .

وداراهم مدارة جميله .

اذا وضعوا مكاويهم عليه .

وان كذبوا ـ فليس لهن حيله((8)) .

و ((كـان عـمر بن الخطاب (رض ) عالما بالشعر, قليل التعرض لاهله : استعداه رهط تميم بن ابي
مـقـبـل عـلى النجاشي لما هجاهم , فاسلم النظر في امرهم الى حسان بن ثابت , فرارا من التعرض
لاحدهما, فلما حكم حسان انفذ عمر حكمه على النجاشي كالمقلد من جهة الصناعة , ولم يكن حسان
ـ على علمه بالشعر ـ ابصر من عمر (ص ) بوجه الحكم , وان اعتل فيه بما اعتل ))((9)) .

د ـ الكهانة .
كـهن له يكهن وكهن يكهن كهانة اخبره بالغيب والكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الـزمـان ويـدعي معرفة الاسرار, ومنهم من كان يزعم ان له تابعا من الجن يلقي اليه الخبر وكانوا
يروجون اقاويلهم باسجاع تروق السامعين يستميلون .

بها القلوب ((0)) كما اشتهر ذلك عن سطيح ربيع بن ربيعة بن مسعود الغساني الذي كان قبل بعثة
الرسول (ص ).

وروي ان مـلك اليمن ذا جدن اراد ان يجرب علم سطيح لما قدم عليه , فخبا له دينارا تحت قدمه ثم
ساله عما خبا له .

فـقـال سطيح : حلفت بالبيت والحرم والحجر الاصم والليل اذا اظلم والصبح اذا تبسم وبكل فصيح
وابـكم لقد خبات لي دينارا بين النعل والقدم فقال الملك : من اين علمك هذا يا سطيح ؟ قال : من قبل اخ
لي جني ينزل معي فقال له الملك : اخبرني عما يكون في الدهور ((1)) .

وفي سيرة ابن هشام :

قـيـل لسطيح : انى لك هذا العلم ؟ فقال : لي صاحب من الجن استمع اخبار السماء من طور سيناء حين
كلم اللّه ـ تعالى ـ منه موسى (ع ) فهو يؤدي الي من ذلك ما يؤديه((2)) .

وفـي صـحيح مسلم بسنده عن ابن عباس ما موجزه : بينا الانصار كانوا جالسين ليلة مع رسول اللّه
(ص ) رمي بنجم فاستنار.

فـقـال لـهـم رسول اللّه (ص ): ((ماذا كنتم تقولون في الجاهلية , اذ رمي بمثل هذا؟)) قالوا: اللّه
ورسوله اعلم كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم ومات رجل عظيم فقال رسول اللّه (ص ): ((فانها لا
يـرمـى بـهـا لـموت احد ولا لحياته ولكن ربنا, ـ تبارك وتعالى اسمه ـ اذا قضى امرا سبح حملة
العرش , ثم سبح اهل السماء الذين يلونهم , حتى يبلغ التسبيح اهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يلون
حـمـلـة الـعـرش لـحـملة العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ماذا قال , قال فيستخبر بعض اهل
الـسـمـاوات بعضا, حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا, فتخطف الجن السمع فيقذفون الى اوليائهم ,
ويرمون به فما جاؤوا به على وجهه فهو حق , ولكنهم يقرفون((3)) .

فيه ويزيدون )).

وفي رواية قبلها:

سـال انـاس رسـول اللّه (ص ) عن الكهان ؟ فقال لهم رسول اللّه (ص ): ((ليسوا بشي ء)) قالوا: يا
رسـول اللّه يـخـطـفـهـا الـجـنـي فـيقرها في اذن وليه قر((4)) الدجاجة , فيخلطون فيها اكثر من مائة
كذبة ))((5)) .

واخبر اللّه ـ سبحانه ـ عن جهل الجن بالغيب في ما حكى عنهم مع النبي سليمان (ع ) في سورة سبا,
وقال :

(فـلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته الا دابة الارض تاكل منساته فلما خر تبينت الجن ان لو
كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ) (الاية / 14).

الـتـفسير: لما قضينا على سليمان بالموت ومات وكان متكا على عصاه يراقب عمل الجن بقي كذلك
مـتكا على عصاه وهو ميت والجن دائبون في عملهم فاكلت الارضة عصاه وسقط, فتبين من ذلك ان
الجن لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا ان سليمان المتكئ على .

عصاه امامهم ميت , ولما لبثوا بعد موته في العذاب المهين لهم .

واخـبـر ـ سبحانه ـ عن منشا علمهم وانهم كانوا يرهقون من يلوذ بهم من الكهنة وانه انقطع عنهم
منشا علمهم بعد مبعث خاتم الانبياء في قوله تعالى في سورة الجن :

(قـل اوحـي الي انه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي الى الرشد فمنا به ولن
نشرك بربنا احدا *.

وانـه كـان رجال من الا نس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا * وانا لمسنا السماء فوجدناها
مـلـئت حرسا شديدا وشهبا * وانا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الان يجد له شهابا رصدا)
(الايات / 1 ـ 2 و 6 و 8 ـ 9).

اذا كـانـوا يسترقون السمع من الملائكة , ويحدثون بها من يلوذون بهم من كهنة الانس ويزيدونهم
في ما يحدثونهم رهقا اي :

سفها وكذبا وطغيانا.

وبعد مبعث خاتم الانبياء (ص ) منعوا من استراق السمع برمي الشهب اليهم .

من مجموع ما تقدم يظهر ان عمل الجن مع الكهنة كان يستند:

1 ـ الـى اخبارهم الكاهن عن المخبوء عن نظر الانسي , لان الجان ليس لهم جسم يمنعهم من النفوذ
الى تحت قدم الملك ومعرفة الدينار المخبوء ـ مثلا ـ.

2 ـ الى ما استرقوا اليه من كلام الملائكة عما بلغها من اخبار الغيوب من قبل اللّه سبحانه وهذا ما
منعوا عنه بعد مبعث خاتم الانبياء.

3 ـ الى ما يكذبون فيما يسالون عنه من اخبار الغيوب التي لم يعلموا بها, لانهم لم يكونوا يقولون في
مثل هذه الحالة : لا نعلم هذا.

الامر الذي تسالونا عنه , وفي هذه يزيدون الانسان رهقا.

والـكـهـانـة لم تقتصر على العرب الجاهليين قديما, بل كانت ولا تزال منتشرة بين الامم الجاهلية
القديمة والمعاصرة والكهنة كانوا رجال دين الامم الجاهلية يمارسون طقوسهم الدينية .

وقد ظهر اخذ الانس من الجن في عصرنا على شكل ما يسمى باحضار الارواح كما يزعمون وقد قرات ان بعضهم احضر روح ابن سينا كما زعم واستفسر عنه عن عالم ما بعد الموت , فاجاب
وقرات عن آخر انه زعم اكثر من ذلك وكل هذا يندرج في باب اتصال الجن بهؤلاء ويجيبهم الجني
الـوسـيط عما يجري في خراج المجلس ويزيدهم رهقا حين يطلب من الانسان الوسيط ان يحضر
لـهـم روح انـسـان قد توفي ويزعم الجني الوسيط انه ذلك الروح المطلوب حضوره وقد حضر
ويجيب عن اسئلتهم بكل كذب يشاؤه .

ه ـ التفاؤل والتطير.
التفاؤل :
اصـل الـفال الكلمة الحسنة يسمعها الانسان فيتفاءل به مثل عليل يسمع رجلا ينادي من اسمه سالم ,
فيتفاءل بانه سوف يعافى من علته .

والتطير: التشاؤم .

/ 14