قرآن الکریم فی روایات المدرستین جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قرآن الکریم فی روایات المدرستین - جلد 1

سیدمرتضی العسکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


الـنـسـي ء: نـسات الشي ء فهو منسوء, اذا اخرته والنسي ء بمعنى المنسوء مثل القتيل بمعنى المقتول ورجل ناسئ وقوم نساة على وزن فاسق وفسقة .

ليواطؤا: واطاة وافقة طابقة .

المعنى :
.
كانت العرب تحرم الشهور الاربعة وذلك مما تمسكت به من ملة ابراهيم واسماعيل , وكانوا اصحاب حـروب وغارات , فربما كان يشق عليهم ان يمكثوا ثلاثة اشهر متوالية , ذي القعدة , وذي الحجة ,
ومحرم ولا يغيرون فيها بعد ان اتموا حجهم في ذي الحجة , ويقولون : لئن توالت علينا ثلاثة اشهر
لا نصيب فيها شيئا لنهلكن , فكانوا اذا صدروا عن منى يقوم منهم رئيس , ويقول : انا الذي لا اعاب ولا
اخـاب ولا يـرد لي قضاء فيقولون : نعم صدقت انسئنا شهرا واجعل حرمة المحرم في صفر واحل
المحرم , فيفعل ذلك .

فيكون صفر تلك السنة عنهم شهر المحرم والصفر ربيع اول وهكذا يتسلسل حتى يكون ذو الحجة
الاتي بعدها في شهر محرم وكذلك كانت الاشهر تدور عندهم واحيانا يصادف عندهم ان يحجوا في
شهر ذي الحجة .

ولـمـا حـج الـنبي (ص ) حجة الوداع وافقت شهر ذي الحجة , فقال في خطبته الا وان الزمان قد
اسـتـدار كـهـيـئة يوم خلق اللّه السموات والارض السنة اثنا عشر شهرا منها اربعة حرم ثلاثة
متواليات : ذو القعدة , وذو الحجة , والمحرم , ورجب الذي بين جمادي وشعبان .

اراد (ص ) ان الاشهر الحرم , رجعت الى مواضعها وعاد الحج الى ذي الحج وبطل النسي ء وكان اول
من سن النسي عمرو بن لحي وحين جاء الاسلام كان ينساها رجل يقال له القلمس وفي ذلك قال رجل
من قومه اسمه عمير بن قيس بن جذل الطعان :

السنا الناسئين على معد.

شهور الحل نجعلها حراما((3)) .

نتيجة البحث :
.
مـا يـهمنا مما ذكرناه ان نظام الحكم في المجتمع العربي الجاهلي كان قبليا محضا عليه بنيت جميع اعراف المجتمع .

وفي مقدمة جميع اعرافهم حب كسب الفخر للقبيلة ونشر فضائلها, ومن ثم كان للشعر اكبر الاثر
فـي نفوس افراد ذلك المجتمع وكانت اهم خصيصة من خصائصها اثر الشعر فيهم , بحيث ان مديحا
واحـدا مـن شاعر لفقير مدقع يجعله شريفا يتسابق اشراف القبائل الى خطبة بناته ولملك ظافر ان
يطلق اسرى القتال .

وقصيدة واحدة تدفع القبائل للحرب والقتال , ولذلك دفعت قريش مائة ناقة للاعشى الشاعر كي لا
يـذهب الى المدينة وينصر المسلمين بشعره , وبلغ خوفهم من هجاء الشعر لهم ان يسب بهم الاحياء
والاموات , ويبقى اثره حي العقاب مثل لقب انف الناقة لبني قريع من بني تميم الذي اصبح ذما لاولاده
يعيرون به ويغضبون منه ويفرقون الى ان قال الخطيئة في مدحهم :

قوم هم الانف والاذناب غيرهم .

ومن يساوي بانف الناقة الذنبا.

فصاروا يتطاولون بهذا النسب , ويمدون به اصواتهم في جهارة .

ومن هنا نعرف حكمة مجي ء النبي (ص ) في اولئكم الناس بمعجزة القرآن الذي فاق بلاغة كل بليغ ,
وسوف ندرس في بحوثنا الاتية باذنه تعالى اثر القرآن في المجتمع العربي الجاهلي والاسلامي .

ونبدا بذكر من تاريخ القرآن على عهد الرسول (ص ) بمكة .

.

بحوث تمهيدية .
((2)) من تاريخ القرآن .
الفصل الاول : اخبار القرآن في عصر نزوله بمكة .

الفصل الثاني : اخبار القرآن في عصر نزوله في المدينة .

الفصل الاول .
اخبار القرآن في عصر نزولة بمكة .
على عهد الرسول الاكرم (ص ).
ا ـ القرآن وما فيه . ب - خصائص القرآن المكي وآثاره الادبية والفكرية .

ج ـ اخبار بدء الدعوة .

د ـ مقابلة قريش للقرآن الكريم .

ه ـ سياسة النبي في امر القراءة والاقراء.

و ـ تدوين القرآن في مكة .

ز ـ خصائص المجتمع الاسلامي على عهد الرسول (ص ).

اولا ـ القرآن وما فيه :
.
فـي ليلة السابع والعشرين من رجب وفي غار جبل حراء على بعد ثلاثة اميال من مكة انزل اللّه اول مرة مع جبرئيل على نبيه (ص ):

بسم اللّه الرحمن الرحيم (اقرا باسم ربك الذي خلق * خلق الا نسان من علق * اقرا وربك الاكرم
* الذي علم بالقلم * علم الا نسان ما لم يعلم ) (العلق / 1 ـ 5).

ثم توالى نزول القرآن ثلاثا وعشرين سنة قال تعالى :

(ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي ء وهدى ورحمة ) (النحل / 89).

وكما اخبر اللّه سبحانه في سورة الجمعة :

(هـو الـذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان
كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) (الاية / 2).

وكما قال تعالى في سورة البقرة :

(كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم
تكونوا تعلمون ) (الاية / 151).

انـزل اللّه في القرآن جميع انواع المعرفة الدينية من صفات الخالق واخبار المعاد واحكام الاسلام
وآدابـه واصـنـاف الـمعرفة بجميع عوالم الوجود, عوالم السموات والارض , وعوالم الملائكة
والـجن والانس والنبات والحيوان , واخبار الامم السابقة والبائدة وانبيائها, واخبار الغيوب الاتية ,
واودع مفاتيح تلك الكنوز من المعرفة , الى رسول اللّه (ص ) وقال تعالى في سورة النحل /44:

(وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ).

نـزل الـقـرآن على رسول اللّه (ص ) ثلاث عشرة سنة في مكة وعشر سنوات في المدينة ولكل
خصائصه , كما نذكرها في ما ياتي .

بحوله تعالى .

ثانيا ـ خصائص القرآن المكي وآثاره :
.
ا ـ الخصائص الادبية في القرآن المكي :
.
نزل القرآن بمكة في ثلاث عشرة سنة قصيرة آياته صغيرة في جل سوره . وفـي الـقـرآن المكي ما يدحض مزاعم قريش الباطلة في تعدد الالهة , ويدمغ حججهم الواهية في
الـتـمسك بها وباعرافهم الجاهلية بحجج رصينة ويجيب عن اسئلتهم باجوبة شافية وافية وما فيه
تعنيف شامت ورد على اقتراحاتهم الجاهلية .

ومنه ما يقص ما جرى بين الرسول (ص ) وقريش من مناظرات ومجادلات , وما يحكي عن حوادث
معاصرة او غابرة مما جرى بين الانبياء واممهم يضرب بها مثلا لكفار قريش وما يجري بينهم وبين
نبيهم من مشاجرات , ومنه ما يصور اهوال يوم القيامة مما يقشعر لها جلد العربي ذو الحس المرهف ,
ولـكـلام اللّه في القرآن الكريم ميزات كثيرة على كلام البشر جلية نقتصر في ما ياتي على ذكر
الامتياز البلاغي ـ الادبي ـ ثم الفكري للقرآن المكي بحوله تعالى :

اثر الامتياز الادبي في القرآن الكريم :
.
امثلة من آيات تتجلى فيها الميزة الادبية في القرآن المكي :
بسم اللّه الرحمن الرحيم .

(والـضـحى * واليل اذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى * وللاخرة خير لك من الاولى * ولسوف
يعطيك ربك فترضى *.

الـم يجدك يتيما فوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فاغنى * فاما اليتيم فلا تقهر * واما
السائل فلا تنهر * واما بنعمة ربك فحدث ) (الضحى / 1 ـ 11).

ايـة قطعة فنية من كلام البشر شعرا كان ام نثرا تضاهي هذه السورة او تدانيها, ام اية قطعة ادبية
من كلام البشر توازي او تداني قوله تعالى في سورة الرحمن :

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

(الـرحـمـن * عـلـم القرآن * خلق الا نسان * علمه البيان * الشمس والقمر بحسبان * والنجم
والشجر يسجدان *.

والسماء رفعها ووضع الميزان * فباي آلاء ربكما تكذبان ) (الايات / 1 ـ 7 و 13).

ام اية قطعة ادبية من كلام الادميين توازي او تداني قوله عز اسمه في سورة التكوير:

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

(اذا الـشـمـس كورت * واذا النجوم انكدرت * واذا الجبال سيرت * واذا العشار عطلت * واذا
الـوحوش حشرت * واذا البحار سجرت * واذا النفوس زوجت * واذا الموءودة سئلت * باي ذنب
قتلت فاين تذهبون * ان هو الا ذكر للعالمين *.

لمن شاء منكم ان يستقيم ) (الايات / 1 - 9 و 26 ـ 28).

خذ اي فن من فنون كلام بلغاء الادميين , وقارنه بما شئت من مثيله في القرآن الكريم , لترى بلاغة
الـقـرآن كضوء الشمس يخفي ضياؤه لمعان كل نجم في سماء الادب صغيرا كان او كبيرا خذ مثلا
الفن القصصي من كلام الادميين وقارنه بنظيره في القرآن الكريم حيث قال ـ سبحانه وتعالى ـ في
سورة الفيل :

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

(الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل * الم يجعل كيدهم في تضليل * وارسل عليهم طيرا ابابيل *
ترميهم بحجارة من .

سجيل * فجعلهم كعصف ماكول ).

وهـي تـحـكي عن قصة شاهدتها قريش في عصرها ومصرها وان شئت فخذ مثلا ما حكى اللّه من
قـصص الانبياء السابقين مع اممهم الغابرة وقارن بين ما قصه البشر من القصص المتوسطة وبين ما
حكى اللّه عن نوح وقومه حيث قال في سورة نوح :

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

(انا ارسلنا نوحا الى قومه ان انذر قومك من قبل ان ياتيهم عذاب اليم * قال يا قوم اني لكم نذير مبين
* ان اعبدو اللّه واتقوه واطيعون * يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم الى اجل مسمى ان اجل اللّه اذا
جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون * قال رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي الا فرارا
* وانـي كـلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا اصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم واصروا واستكبروا
استكبارا * ثم اني دعوتهم جهارا * ثم اني اعلنت لهم واسررت لهم اسرارا * فقلت استغفروا ربكم
انـه كـان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل
لـكـم انـهـارا * ما لكم لا ترجون للّه وقارا * وقد خلقكم اطوارا * الم تروا كيف خلق اللّه سبع
سموات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا * واللّه انبتكم من الارض نباتا * ثم
يعيدكم فيها ويخرجكم اخراجا * واللّه جعل لكم الا رض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا * قال
نـوح ربـ انـهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده الا خسارا * ومكروا مكرا كبارا * وقالوا
لاتـذرنـ آلـهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا * وقد اظلوا كثيرا ولا تزد
الـظـالـمين الا ضلالا * مما خطيئاتهم اغرقوا فادخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون اللّه انصارا *
وقـال نـوح رب لا تذر على الا رض من الكافرين ديارا * انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا
فـاجرا كفارا * رب اغفرلي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين
الا تبارا) (الايات / 1 ـ 28).

وخذ للمقارنة قصص بلغاء البشر الكبيرة من قصص القرآن , وخذ ان شئت في سورة يوسف احسن
الـقـصـص او قـصص زكريا ومريم وعيسى ـ عليهم السلام ـ في سورة مريم او قصص هارون
وموسى مع فرعون وبني اسرائيل في سائر السور.

وهكذا لا يجارى القرآن ولا يبارى في اي فن من فنون البلاغة في التعبير, وكذلك لا شبيه له ولا
نظير في ما يحوي من فنون العلم بالمبدا والمعاد واخبار عوالم الملائكة والجن والانس والحيوان
والـنـبات والجماد والسموات والكواكب وانظمة لحياة الانسان وسائر فنون المعرفة الصحيحة ,
وكـان لـبلاغة القرآن والجانب الادبي فيه الاثر البليغ في نفوس قريش كما يدل عليه امثال الخبر
الاتي :

تاثير القرآن المكي في قريش واستماعهم اليه سرا:
.
روى ابن هشام وغيره واللفظ لابن هشام , قال :
ان ابا سفيان بن حرب وابا جهل بن هشام والاخنس بن شريق بن عمرو ابن وهب الثقفي , حليف بني
زهـرة , خـرجوا ليلة ليستمعوا من رسول اللّه (ص ) وهو يصلي من الليل في بيته , فاخذ كل رجل
منهم مجلسا يستمع فيه , وكل لا يعلم بمكان صاحبه , فباتوا يستمعون له , حتى اذا طلع الفجر تفرقوا
فجمعهم الطريق , فتلاوموا, وقال بعضهم لبعض : لا تعودوا, فلو رآكم بعض سفهائكم لاوقعتم في
نفسه شيئا, ثم انصرفوا حتى اذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم الى مجلسه , فباتوا يستمعون
لـه , حـتـى اذا طـلـع الفجر تفرقوا, فجمعهم الطريق , فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا اول مرة ثم
انـصرفوا حتى اذا كانت الليلة الثالثة اخذ كل رجل منهم مجلسه , فباتوا يستمعون له , حتى اذا طلع
الـفجر تفرقوا, فجمعهم الطريق , فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد الا نعود: فتعاهدوا على
ذلك , ثم تفرقوا.

فـلـما اصبح الاخنس بن شريق اخذ عصاه , ثم خرج حتى اتى ابا سفيان في بيته فقال : اخبرني يا ابا
حنظلة عن رايك فيما سمعت من محمد؟.

فقال : يا ابا ثعلبة , واللّه لقد سمعت اشياء اعرفها واعرف ما يراد بها, وسمعت اشياء ما عرفت معناها,
ولا ما يراد بها.

قال الاخنس : وانا والذي حلفت به كذلك .

قال : ثم خرج من عنده حتى اتى ابا جهل وكان اول من دخل عليه يته فقال : يا ابا الحكم , ما رايك فيما
سمعت من محمد؟.

فـقـال : ماذا سمعت وحـمـلوا فحملنا, واعطوا فاعطينا, حتى تحاذينا على الركب , وكنا كفرسي رهان , قالوا: منا نبي
ياتيه الوحي من السماء, فمتى ندرك مثل هذه قال : فقام عنه الاخنس وتركه((4)) .

هكذا كان للجانب الادبي من القرآن الكريم الاثر البليغ في نفوس من يستمع اليه ولذلك بذلت قريش
جـهـدهـا لتمنع الحجيج من الاستماع الى قراءة الرسول للقرآن الكريم كما سياتي خبره في بحث
الخصائص الفكرية في القرآن المكي الاتي .

الخصائص الفكرية في القرآن المكي :
.
يعرض القرآن المكي في سور صغيرة عقيدة التوحيد في الالوهية والربوبية ورسالة خاتم الانبياء وعـوالم المعاد بعد حياة الدنيا, وان القرآن كلام اللّه نزل لهداية البشر, ويدحض اعراف مشركي
قريش الوثنية والجاهلية وحججهم على الرسول والقرآن الكريم , ويدعوهم الى العمل الصالح في
الحياة الدنيا ومن امثلة ذلكم :

ا ـ في التوحيد:

قال ـ سبحانه وتعالى ـ في سورة التوحيد:

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

(قل هو اللّه احد * اللّه الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا احد).

ب ـ في خبر المعاد:

قال سبحانه وتعالى في سورة يس :

(وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي انشاها اول مرة وهو
بكل خلق عليم ) (الايات / 78 ـ 79).

وقال تعالى في سورة الزلزلة :

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

(اذا زلـزلـت الا رض زلـزالها * واخرجت الا رض اثقالها * وقال الا نسان ما لها * يومئذ تحدث
اخبارها * بان ربك اوحى لها * يومئذ يصدر الناس اشتاتا ليروا اعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيرا
يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ).

ج ـ دعوته للعمل الصالح :
.
قال ـ سبحانه وتعالى ـ في سورة العصر:
بسم اللّه الرحمن الرحيم .

(والـعـصر * ان الا نسان لفي خسر * الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا
بالصبر).

كـانت تلكم امثلة من الايات التي يتجلى فيها الامتياز البلاغي للقرآن الكريم ثم امثلة من الايات التي
تتجلى فيها الخصائص الفكرية للقرآن المكي .

ولـم نـقـصـد مـن ايـراد آيـات لتعريف الميزات الادبية في القرآن الكريم ثم آيات اخر لتعريف
الـخـصائص الفكرية فيه , تصنيف آيات القرآن الى صنفين متقابلين : آيات تمتاز ببلاغتها في الكلام
واخـرى بـمـا تحوي من فكر وعلم , كلا (فـيتامينات ) مقومة لحياته في ثمار لذيذة الطعم كالتمر والتفاح والعنب والليمون والمشمش كذلك
جـعـل مـا تـحتاجه نفسه من افكار مقومة لحياته النفسية والجسدية في فنون من الكلام في القرآن
الكريم تهش الى سماعها نفسه .

وكـمـا ان الانـسان قد يصاب في جسده بغدد سرطانية يجب البدء باستئصالها من جذورها ثم القيام
بـتـقـويـة جسده وتقويمه بما يحتاجه الجسد من مقومات الحياة في طعامه وشرابه , كذلك الانسان
الـمـتلوث فكره بالوثنيات والاعراف الجاهلية يجب البدء باستئصال افكاره المريضة الراسخة في
اعـمـاق نـفـسـه وقـطـعها من جذورها ولذلك بدا خليل اللّه ابراهيم دعوته الناس الى عبادة اللّه
بزعزعة عقيدة عبدة الكواكب وكسر اوثان عبدة الاصنام وبدا خاتم الرسل بدعوة المشركين الى
ان يـقـولـوا: لا اله الا اللّه , اي ان ينبذوا جميع اصنامهم التي يعبدونها اللات والعزى ومناة الثالثة
الاخرى وسائر آلهتهم .

وكـمـا ان الانسان المدمن للخمور واستعمال المخدرات يصرف كل طاقاته الفكرية والجسدية في
سـبـيل ادامة تعاطي الخمور والمخدرات ويقاوم بكل ما اوتي من حول وقوة من يرد ان يحول بينه
وبينها كـذلـك الانـسـان الـمـتـلوث فكره بالوثنيات والاعراف الجاهلية يصرف جميع طاقاته في سبيل
الـمـحافظة على ما تلوث به فكره واعتاده من اعراف جاهلية وعبادات وثنية ويحارب من يريد ان
يـحـول بـيـنه وبين اعرافه وعباداته ومن هنا يلقى ابراهيم في النار لتحرقه ويقابل خاتم الانبياء
بصنوف من الاذى والطغيان ولمن آمن بقرآنه بانواع من العسف والظلم والعدوان .

لـو اقـتـصر القرآن في مكة على عرض الجوانب الفنية والادبية في الكلام ولم يتعرض لاعراف
قـريش الجاهلية , ولم يسفه احلامهم , ويسب الهتهم , لرفعت قريش الرسول فوق اكتافها, وشمخت
بـنـافـهـا, وفاخرت به قبائل العرب وكاثرت به , ونافرت , لكن القرآن خاصمهم في كل جانب من
جـوانـب اعـرافهم الجاهلية فوقع بينهم وبين القرآن ومبلغه الرسول ما سنذكره بحوله تعالى بعد
ايراد مثالين من اثر القرآن الفكري في الانسان العربي في ما ياتي :

ا ـ قيام قريش لمقابلة الاثر الفكري للقرآن الكريم :
.
بذلت قريش جهودا ضخمة لصد الاثر الفكري للقرآن المكي عن الناس نذكر منها على سبيل المثال الموارد الاتية :

ذكـر ابـن عـساكر وغيره في ترجمة عتبة ما موجزه قال : ان قريش جتمعت برسول اللّه (ص )
ورسول اللّه (ص ) في المسجد, فقال لهم عتبة بن ربيعة دعوني حتى اقوم الى محمد, فاكمله , فاني
عسى ان اكون ارفق به منكم .

فقام عتبة , حتى جلس اليه , فقال يا ابن اخي : انك اوسطنا بيتا وافضلنا مكانا وقد ادخلت على قومك ما
لـم يدخل رجل على قومه قبلك , فان كنت تطلب بهذا الحديث مالا, فذلك لك على قومك ان تجمع لك
حـتى تكون اكثرنا مالا, وان كنت تريد شرفا فنحن مشرفوك , حتى لا يكون احد من قومك فوقك ,
ولا نقطع الامور دونك .

وان كان هذا عن لمم يصيبك لا تقدر عن النزوع عنه , بذلنا لك خزائنا في طلب الطب لذلك منه .

وان كنت تريد ملكا ملكناك .

قال رسول اللّه (ص ): افرغت يا ابا الوليد؟.

قال : نعم .

فقرا (ص ) حم السجدة حتى مر بالسجدة فسجد وعتبة ملق يده خلف ظهره حتى فرغ من قراءتها.

وقام عتبة لا يدري ما يراجعه به حتى اتى , نادى قومه فلما راوه مقبلا قالوا لقد رجع اليكم بوجه ما
قام به من عندكم .

فـجـلـس اليهم فقال يا معشر قريش قد كلمته بالذي امرتموني به حتى اذا فرغت كلمني بكلام لا
واللّه ما سمعت اذناي بمثله قط فما دريت ما اقول له يا معشر قريش اطيعوني اليوم واعصوني فيما
بـعـده اتركوا الرجل واعتزلوه فواللّه ما هو بتارك ما هو عليه وخلوا بينه وبين سائر العرب فان
يـكـن يـظـهر عليهم يكن شرفه شرفكم وعزه عزكم وملكه ملككم وان يظهروا عليه تكونوا قد
كفيتموه بغيركم .

قالوا: اصبات اليه يا ابا الوليد((5)) .

* * *.

تـاثر جمع من افراد قبائل قريش بالقرآن , وآمنوا به , وسنشير الى خبرهم في آخر هذا البحث ـ
ان شاء اللّه تعالى ـ, ولم ينحصر تاثير القرآن في قريش وحدها بل كان تاثيره في العرب , من غير
افـراد قـريش اكثر من تاثيره في قريش كما نرى مثله في خبر قيام قريش لمقابلة الاثر الفكري
الاتي :

ب ـ الاثر الفكري والادبي للقرآن المكي في الانسان العربي من غير قريش :
.
قصة اسلام الطفيل بن عمرو الدوسي :
روى ابن هشام((6)) وغيره واللفظ لابن هشام , قال :

(كان رسول اللّه (ص ), على ما يرى من قومه , يبذل لهم النصحية ويدعوهم الى النجاة مما هم فيه ,
وجعلت قريش حين منعه اللّه منهم , يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب .

وكـان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث : انه قدم مكة ورسول اللّه (ص ) بها, فمشى اليه رجال من
قـريش , وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا, فقالوا له : يا طفيل , انك قدمت بلادنا, وهذا الرجل
الـذي بـيـن اظهرنا قد اعضل بنا, وقد فرق جماعتنا, وشتت امرنا, وانما قوله كالسحر يفرق بين
الـرجـل وبـين ابيه , وبين الرجل وبين اخيه , وبين الرجل وبين زوجته , وانا نخشى عليك وعلى
قومك ما قد دخل علينا, فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا.

قـال : فـواللّه مـا زالوا بي حتى اجمعت ام لا اسمع منه شيئا ولا اكلمه , حتى حشوت في اذني حين
غدوت الى المسجد كرسفا فرقا.

من ان يبلغني شي ء من قوله , وانا لا اريد ان اسمعه .

قال : فغدوت الى المسجد, فاذا رسول اللّه (ص ) قائم يصلي عند الكعبة .

قال : فقمت منه قريبا فابى اللّه الا ان يسمعني بعض قوله .

قال : فسمعت كلاما حسنا.

قـال : فـقـلت في نفسي واثكل امي , واللّه اني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح , فما
يمنعني ان اسمع من هذا الرجل .

ما يقول قال : فمكثت حتى انصرف رسول اللّه (ص ) الى بيته فاتبعته , حتى اذا دخل بيته دخلت عليه , فقلت :
يا محمد, ان قومك قد قالوا لي كذا وكذا, للذي قالوا, فواللّه ما برحوا يخوفونني امرك حتى سددت
اذنـي بـكـرسف , لئلا اسمع قولك , ثم ابى اللّه الا ان يسمعني قولك , فسمعته قولا حسنا, فاعرض
علي امرك .

قال : فعرض علي رسول اللّه (ص ) الاسلام , وتلا علي القرآن , فلا واللّه ما سمعت قولا قط احسن
منه , ولا امرا اعدل منه قال :

فـاسـلـمـت وشهدت : شهادة الحق , وقلت : يا نبي اللّه , اني امرؤ مطاع في قومي , وانا راجع اليهم ,
وداعيهم الى الاسلام ).

ثم روى ابن هشام بعد ذلك كيف دعا عمرو بن الطفيل عشيرته دوس الى الاسلام عندما رجع اليهم
وكيف انتشر فيهم الاسلام وكيف وفدوا الى رسول اللّه (ص ) بعد غزوة خيبر.

* * *.

ان امـثـال هـذا الـنـوع مـن الاثـر دعت قريشا ان يجتمعوا ويتشاوروا كيف يصدون الحجيج عن
الاستماع الى قراءة الرسول (ص ) للقرآن كما سنذكره بعد ايراد خبر بدء الدعوة في ما ياتي باذنه
تعالى .

ثالثا بدة الدعوة :
.
1 ـ دعوة اقارب الرسول (ص ):
وبـدا الـتـبليغ علنا بدعوة بني عبد المطلب ثم عم تبليغه للناس اجمعين بين اللّه شعار الرسول في
التبليغ في هذه المرحلة وقال في سورة الانعام / 19:

( واوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ ).

فـبـدا بـدعـوة بـني عبد المطلب كما روى ذلك جمع من اهل الحديث والسير مثل : الطبري , وابن
عساكر, وابن الاثير وابن كثير,.

والمتقي , وغيرهم ـ واللفظ للاول ـ قال عن علي بن ابي طالب (ع ) قال :

لـمـا نزلت هذه الاية على رسول اللّه (ص ) (وانذر عشيرتك الاقربين ) دعاني رسول اللّه (ص )
فـقـال لـي : يـا علي ان اللّه امرني ان انذر عشيرتي الاقربين فضقت بذلك ذرعا, وعرفت اني متى
ابـاديهم بهذا الامر ارى منهم ما اكره فصمت عليه حتى جاءني جبريل , فقال : يا محمد انك الا تفعل ما
تـؤمـر بـه يعذبك ربك , فاصنع لنا صاعا من طعام , واجعل عليه رجل شاة , واملا لنا عسا من لبن ثم
اجمع لي بني عبد المطلب , حتى اكلمهم , وابلغهم ما امرت به .

ففعلت ما امرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ اربعون رجلا يزيدون رجلا او ينقصونه فيهم اعمامه
ابـو طـالب وحمزة والعباس وابو لهب , فلما اجتمعوا اليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم , فجئت به
فـلما وضعته , تناول رسول اللّه (ع ) حذية من اللحم , فشقها باسنانه , ثم القاها في نواحي الصحفة ثم
قـال , خـذوا بسم اللّه فاكل القوم حتى مالهم بشي ء حاجة , وما ارى الا موضع ايديهم وايم اللّه الذي
نفس علي بيده وان كان الرجل الواحد منهم لياكل ما قدمت لجميعهم , ثم قال اسق القوم , فجئتهم بذلك
العس , فشربوا منه , حتى رووا منه جميعا وايم اللّه ان كان الرجل الواحد منه ليشرب مثله .

فلما اراد رسول اللّه (ص ) ان يكلمهم بدره ابو لهب الى الكلام , فقال لهدما سحركم صاحبكم , فتفرق
الـقـوم , ولـم يـكلمهم رسول اللّه (ص ) فقال الغد يا علي ان هذا الرجل سبقني الى ما قد سمعت من
القول , فتفرق القوم قبل ان اكلمهم , فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم الي .

قال : ففعلت , ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالامس , فاكلوا حتى ما لهم بشي ء
به حاجة ثم قال :

اسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا ثم تكلم رسول اللّه (ص ) فقال يا بني عبد
الـمـطلب اني واللّه ما اعلم شابا في العرب جاء قومه بافضل مما قد جئتكم , به اني قد جئتكم بخير
الـدنـيا والاخرة وقد امرني اللّه ـ تعالى ـ ان ادعوكم اليه فايكم يوازرني على هذا الامر على ان
يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟.

قال فاحجم القوم عنها جميعا وقلت واني لاحدثهم سنا وارمصهم عينا واعظمهم بطنا واحمشهم ساقا
انا يا نبي اللّه اكون وزيرك عليه .

فاخذ برقبتي ثم قال : ان هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا.

قال فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب : قد امرك ان تسمع لابنك وتطيع((7)) .

2 ـ دعوته عامة قبائل العرب :
.
في سيرة ابن هشام ما موجزه :
ا ـ قـال الراوي : كان رسول اللّه (ص ) يقف على منازل القبائل من لعرب فيقول : ((يا بني فلان , اني
رسـول اللّه اليكم , يامركم ان تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا, وان تخلعوا ما تعبدون من دونه من
هذه الانداد, وان تؤمنوا بي وتصدقوا بي , وتمنعوني حتى ابين .

عـن اللّه ما بعثني به )) قال : وخلفه رجل احول وضئ له غديرتان*((8)) عليه حلة عدنية , فاذا
فرغ رسول اللّه (ص ) من قوله وما دعا اليه قال ذلك الرجل : يا بني فلان , ان هذا انما يدعوكم الى
ان تسلخوا اللات والعزى من اعناقكم وحلفاءكم من الجن من بني .

مـالـك بن اقيش الى ما جاء به من البدعة والضلالة , فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه , قال : فقلت لابي : يا
ابت , من هذا الذي يتبعه ويرد عليه ما يقول ؟ قال : هذا عمه عبد العزى بن عبد المطلب ابو لهب .

ب ـ وفـي رواية اخرى : انه اتى كندة في منازلهم وفيهم سيد لهم يقال له : مليح , فدعاهم الى اللّه ـ
عز وجل ـ, وعرض علهيم نفسه , فابوا عليه .

ج ـ وفـي روايـة : انـه اتـى كلبا في منازلهم الى بطن منهم يقال لهم : بنو عبداللّه , فدعاهم الى اللّه ,
وعـرض عـليهم نفسه , حتى انه ليقول لهم ((يا بني عبد اللّه , ان اللّه ـ عز وجل ـ قد احسن اسم
ابيكم )).

فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم .

د ـ وفي رواية : ان رسول اللّه (ص ) اتى بني حنيفة في منازلهم , فدعاهم الى اللّه , وعرض عليهم
نفسه , فلم يكن احد من العرب اقبح عليه ردا منهم .

هـ ـ وفـي روايـة : انـه اتى بني عامر بن صعصعة , فدعاهم الى اللّه ـ عز وجل ـ وعرض عليهم
نفسه , فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس واللّه لو اني اخذت هذا الفتى من قريش لاكلت به
العرب .

ثـم قـال لـه : ارايـت ان نحن تابعناك على امرك , ثم اظهرك اللّه على من خالفك , ايكون لنا الامر من
بعدك ؟ قال : ((الامر الى اللّه يضعه حيث يشاء)).

لا حاجة
للعرب دونك , فاذا اظهرك اللّه كان الامر لغيرنا؟ لنا بامرك , فابوا عليه , فلما صدر الناس رجعت بنو عامر الى شيخ لهم قد كانت ادركته السن حتى لا
يـقدر ان يوافي معهم المواسم , فكانوا اذا رجعوا اليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم , فلما قدموا
عـلـيه ذلك العام سالهم عما كان في موسمهم , فقالوا: جاءنا فتى من قريش , ثم احد بني عبد المطلب ,
يـزعـم انه نبي يدعونا الى ان نمنعه , ونقوم معه , ونخرج به الى بلادنا, قال : فوضع الشيخ يديه على
راسه , ثم قال : يا بني .

عـامر, هل لها من تلاف ؟ هل لذناباها من مطلب ؟ والذي نفس فلان بيده ما تقولها اسماعيلي قط, وانها
لحق , فاين رايكم كان عنكم ؟.

قال ابن اسحق : فكان رسول اللّه (ص ) على ذلك من امره , كلما اجتمع له الناس بالموسم اتاهم يدعو
القبائل الى اللّه والى الاسلام , ويعرض عليهم نفسه , وما جاء به من اللّه من الهدى والرحمة , وهو لا
يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف الا تصدى له , فدعاه الى اللّه , وعرض عليه ما عنده .

هـكذا كان ديدن النبي (ص ) مع قبائل العرب في موسم الحج , حتى لقي رهطا من الخزرج , فدعاهم
الـى الاسلام , وتلا عليهم القرآن , وكانوا قد سمعوا من اليهود في المدينة خبر بعثة نبي آن اوانه ,
فكانوا اذا كان بينهم شي ء قال اليهود لهم ان نبيا مبعوث الان قد اظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد
وارم فـلـمـا كـلـمـهم رسول اللّه ودعاهم الى اللّه قال بعضهم لبعض : يا قوم واللّه انه للنبي الذي
تـوعـدكـم به يهود, فلا تسبقنكم اليه , فاجابوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام فلما قدموا
المدينة الى قومهم ذكروا لهم امر رسول اللّه (ص ) ودعوهم الى الاسلام حتى فشى فيهم , فلم تبق
دار من دور الانصار الا وفيها ذكر رسول اللّه (ص ), حتى اذا كان العام المقبل وافى الموسم منهم
اثـنـا عـشـر رجلا, فلقوه في العقبة , فبايعوه على بيعة النساء على السمع والطاعة , وذلك قبل ان
يـفـتـرض الحرب وبعث معهم النبي مصعب بن عمير يقرئهم القرآن , ويعملهم الاسلام ويفقههم في
الـديـن , حـتى اذا كان العام المقبل خرج الى الحج من المدينة المشركون منهم والمسلمون , فاجتمع
الـمـسـلـمون منهم بالنبي وواعدهم العقبة فتسلل منهم ثلاثة وسبعون رجلا ومعهم امراتان فبايعه
الرجال بيعة الحرب وهي بيعة العقبة الثانية , واتخذ منهم اثنا عشر نقيبا, فلما قدموا المدينة انتشر
فيها الاسلام فاذن اللّه ـ تبارك وتعالى ـ لرسوله (ص ) في الهجرة الى المدينة((00)) .

رابعا ـ مقابلة قريش للقرآن الكريم :
.
اخبر اللّه سبحانه عن استهزاء قريش برسول اللّه (ص ) وقال في سورة الانبياء:
(واذا رآك الـذيـن كـفروا ان يتخذونك الا هزوا اهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم
كافرون ) (الاية / 36).

واخبر عن قريش انهم كانوا يصفون الرسول (ص ) بانه شاعر ومجنون وقال : في سورة الصافات :

(انـهـم كـانوا اذا قيل لهم لا اله الا اللّه يستكبرون * ويقولون اانا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون )
(الايات / 35 , 36).

وانهم كانوا يقولون ان القرآن قول شيطان رجيم كما اخبر عن ذلك في سورة التكوير قوله تعالى :

(وما صاحبكم بمجنون * ولقد رآه بالافق المبين * وما هو على الغيب بضنين * وما هو بقول شيطان
رجيم * فاين تذهبون * ان هو الا ذكر للعالمين ) (الايات / 22 ـ 27).

واخبر عنهم انهم كانوا يصفون الرسول بانه رجل مسحور وقال تعالى في سورة الاسراء:

(واذا ذكـرت ربـك فـي الـقـرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا * نحن اعلم بما يستمعون به اذ
يـسـتـمعون اليك واذ هم نجوى اذ يقول الظالمون ان تتبعون الا رجلا مسحورا) (الايات / 46 ,
47).

كـان هـذا الـنوع من المقابلة للقرآن الكريم من باب ( وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا
)(النمل /14) مع شعورهم بعجزهم عن مقابلة القرآن الكريم كما ندرس ذلك في ما ياتي :

ا ـ قريش تتشاور كيف تمنع تاثير القرآن في النفوس :
.ذكـر ابـن هشام((01)) وغير واللفظ لابن هشام في خبر تحير الوليد بن المغيرة فيما يصف به
القرآن وقال : اجتمع اليه نفر من قريش , وكان ذا سن فيهم , وقد حضر الموسم , فقال لهم : يا معشر
قـريش , انه قد حضر هذا الموسم , وان وفود العرب ستقدم عليكم فيه , وقد سمعوا بامر صاحبكم
هذا, فاجمعوا فيه رايا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا, ويرد قولكم بعضه بعضا.

قـالوا: فانت يا ابا عبد شمس , فقل واقم لنا رايا نقل به , قال بل انتم فقولوا اسمع , قالوا: نقول كاهن ,
قـال لا واللّه مـا هـو بـكاهن , لقد راينا الكهان فما هو بزمزمة((02)) الكاهن ولا سجعه , قالوا:
فـنـقـول : مـجـنون , قال : ماهو بمجنون لقد راينا الجنون وعرفناه , فما هو بخنقه ولا تخلجه ولا
وسوسته , قالوا: فنقول : شاعر, قال : ما هو بشاعر: لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه
ومـقـبوضه ومبسوطه , فما هو بالشعر, قالوا: فنقول : ساحر, قال : ما هو بساحر, لقد راينا السحار
وسحرهم , فما هو بنفثهم ولا عقدهم((03)) .

قالوا: فما نقول يا ابا عبد شمس ؟.

قـال : واللّه ان لـقوله لحلاوة , وان اصله لعذق((04)) ـ وان فرعه لجناة ـ قال ابن هشام : ويقال
لـغـدق((05)) وما انتم بقائلين من هذا شيئا الا عرف انه باطل , وان اقرب القول فيه لان تقولوا
سـاحـر, جـاء بقول هو سحر يفرق به بين الم ءر وابيه , وبين المرء واخيه , وبين الم ءر وزوجته ,
وبين الم ءر وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك , فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم , لا يمر
بـهم احد الا حذروه اياه , وذكروا لهم امره فانزل اللّه ـ تعالى ـ في الوليد بن المغيرة وفي ذلك من
قوله :

(ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع ان
ازيـد * كـلا انه كان لاياتنا عنيدا * سارهقه صعودا * انه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل
كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم ادبر واستكبر * فقال ان هذا الا سحر يؤثر * ان هذا
الا قول البشر * ساصليه سقر) (المدثر / 11 ـ 26).

قريش تقترح حلا وسطا بينهم وبين الرسول (ص ).
ومـرة اخـرى اقترحت حلا وسطا بينهم وبين الرسول في عبادة الالهة كما رواه المفسرون وفي تفسير (سورة الكافرون ) وابن هشام في السيرة واللفظ لابن هشام .

قـال : الاسـود بـن الـمطلب والوليد بن المغيرة وامية بن خلف والعاص بن وائل السهمي اعترضوا
رسول اللّه (ص ) وهو يطوف بالكعبة وكانوا ذوي اسنان في قومهم , فقالوا: يا محمد هلم , فلنعبد ما
تـعبد, وتعبد ما نعبد, فنشترك نحن وانت في الامر فان كان الذي تعبد خيرا مما نعبد, كنا قد اخذنا
بـحظنا منه , وان كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد اخذت بحظك منه فانزل اللّه في رد اقتراحهم
الجاهلي((06)) .

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

(قل يا ايها الكافرون * لا اعبد ما تعبدون * ولا انتم عابدون ما اعبد * ولا انا عابد ما عبدتم * ولا
انتم عابدون ما اعبد * لكم دينكم ولي دين ).

* * *.

ب ـ تعنت قريش برسول اللّه (ص ).
مـرة اخـرى اجـتـمـعت سادة قريش برسول اللّه (ص ) في البيت وحاولت ان تقنعه بترك الدعوة وحاوروه بعنف وغلظة وسوء.

ادب كما نذكره في الخبر الاتي :

روى الـطـبـري وابـن كثير والسيوطي في تفسير قوله تعالى (لن نؤمن لك ) من سورة الاسراء
الايات / 90 ـ 93 واللفظ للاول :

ان عـتـبة وشيبة ابني ربيعة وابا سفيان بن حرب ورجلا من بني عبد الدار وابا البختري اخا بني
اسد والاسود بن المطلب وزمعة بن الاسود والوليد بن المغيرة وابا جهل بن هشام وعبداللّه بن ابي
امية وامية بن خلف والعاص بن وائل ونبيها ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا او من اجتمع منهم
بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة , فقال بعضهم لبعض : ابعثوا الى محمد فكلموه وخاصموه حتى
تـعـذروا فـيـه , فبعثوا اليه ان اشراف قومك قد اجتمعوا اليك ليكلموك فجاءهم رسول اللّه (ص )
سـريـعا وهو يظن انه بدا لهم في امره بداء وكان عليهم حريصا يحب رشدهم , ويعز عليه عنتهم ,
حتى جلس اليهم .

فـقالوا: يا محمد انا قد بعثنا اليك لنعذر فيك , وانا واللّه ما نعلم رجلا من العرب ادخل على قومه ما
ادخـلـت عـلـى قـومـك , لـقد شتمت الاباء, وعبت الذين وسفهت الاحلام , وشتمت الالهة , وفرقت
الجماعة , فما بقي امر قبيح الا وقد جئته فما بيننا وبينك .

فان كنت انما جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من اموالنا حتى تكون اكثرنا مالا.

وان كنت انما تطلب الشرف فينا سودناك علينا.

وان كنت تريد به ملكا ملكناك علينا.

وان كـان هذا الذي ياتيك بما ياتيك به رئيا تراه قد غلب عليك وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي
فربما كان ذلك , بذلنا اموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه او نعذر فيك .

فقال رسول اللّه (ص ): ما بي ما تقولون , ما جئتكم بما جئتكم به اطلب اموالكم ولا الشرف فيكم ولا
الـملك عليكم , ولكن اللّه بعثني اليكم رسولا, وانزل علي كتابا وامرني ان اكون لكم بشيرا ونذيرا
فـبـلغتكم رسالة ربي , ونصحت لكم فان تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والاخرة وان
تردوه علي اصبر لامر اللّه حتى يحكم اللّه بيني وبينكم .

فقالوا: يا محمد فان كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت انه ليس احد من الناس اضيق بلادا
ولا اقـل مـالا ولا اشـد عيشا منا فسل ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد
ضـيـقـت عـلينا ويبسط لنا بلادنا وليفجر فيها انهارا كانهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من
آبائنا, وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب , فانه كان شيخا صدوقا, فنسالهم عما تقول حق هو
ام بـاطـل فـان صـنـعت ما سالناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند اللّه وانه بعثك بالحق
رسولا كما تقول .

/ 14