رسائل الفشارکیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رسائل الفشارکیة - نسخه متنی

السید محمدباقر الفشارکی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



الكلام في
الشبهة الحكمية التحريمية

وفيها
مسائل:(1)

الاولى،
فيما لا نصّ فيه: اختلف الاصوليّون والأخباريون في
البراءة، والاحتياط.

احتجّ
الأوّلون للأوّل بالأدلّة الأربعة.

فمن
الكتاب: قوله تعالى (لا يكلف اللّه
نفساً الاّ ما آتيها)(2).

ويشكل:
بأنّ التكليف وهو حمل الغير على مشقة، ظاهر في كون
المراد من الموصولة الفعل. والايتاء: وهو الاعطاء
ظاهر في كون المراد منها: المال، فلابدّ إمّا من
تقدير فعل يناسب المقام، وهو الاعطاء، فيصير
المعنى: لا يكلّف اللّه نفساً إعطاء شيء الاّ اعطاء
ما اعطاها إيّاه فيناسب لقوله تعالى ما قبل ذلك: (ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه)(3).

وإمّا من
حمل الإيتاء على الاقدار أي: لا يكلّف اللّه نفساً
فعلاً إلاّ فعلاً أقدره عليه. وهذا المعنى يشمل
المعنى الأوّل وغيره، وبه فسّر في « المجمع »(4) وعلى
التقديرين لا يناسب المقام.

__________________

[ 26 ]

نعم لو حمل
الموصول(1) على الحكم الواقعي، كان إيتاؤه عبارة عن
الاعلام به، وكان مناسباً لما نحن فيه أن صحّ تعلّق
التكليف به.

وفيه
اشكال: لأنّ التكليف حمل الغير على كلفة الفعل،
وايقاعه في كلفة صدوره منه، إما قهراً أو بسبب بذل
اختياره بواسطة ذلك السبب منزلة القهر.

والحاصل:
أنّ التكليف حمل الغير على صدور الفعل الشاقّ منه،
على وجه القهر والغلبة، وربّما يستعمل في احداث سبب
لاختيار الفاعل فعلاً يشقّ عليه، كالالزام
المترتّب على مخالفة العقاب.

نعم يصحّ
تعلّقه به على أن يكون مفعولاً مطلقاً، إلاّ أنّه
أيضاً مع استلزامه الاستخدام في الضمير المحذوف
العائد إليه - إن حمل على الحكم الفعلي - ، اذ لا يصح
تعلّقه به، لاستلزامه تحقّق الحكم الفعلي المتوقف
على الإعلام به قبل الاعلام، لا يناسب مورد الآية -
إن اريد به خصوص ذلك - ، ويلزم استعماله في أكثر من
معنى - إن اريد غيره أيضاً ، لأنّ تعلّق التكليف
بالحكم ليس كتعلقه بالفعل ليصحّ اسناده اليهما
بارادة الجامع بينهما، وهو مطلق الشيء، لأنّ تعلقه
بالفعل تعلّق الفعل الى المفعول به، والمفروض أنّ
تعلقه بالحكم تعلق الفعل الى المفعول المطلق.

والانصاف:(2)
أن ظاهر الآية مطابق لتفسير « مجمع البيان ». وما
أشرنا اليه من أن ظاهر الايتاء: هو الاعطاء، وهو
يناسب كون المراد من الموصول هو المال،

__________________

[ 27 ]

يمكن منعه
ايضاً، بل هو - ان تعلّق بالمال - ظاهر في الاعطاء،
واذا تعلّق بالفعل، فايتاؤه إقداره، وإذا تعلّق
بالمعلوم فايتاؤه اعلامه، لا على نحو الاشتراك
اللفظي. بل معناه: أمر ينطبق بحسب الموارد على
الامور المختلفة. وبالجملة الإتيان متعدي أتى
بمعنى جاء، المعبّر عنه بالفارسي بـ « آوردن » وهو
يختلف بحسب اختلاف المؤتى به من الآيات.

وقوله
تعالى: (وما كنا معذّبين حتى نبعث
رسولاً)(1) وجه الدلالة أنّ بعث الرسول:

إمّا كناية
عن مطلق البيان، لكون الغالب بيان التكاليف ببعث
الرسول كما يقال: اجلس حتى يؤذّن المؤذّن أي إلى وقت
الظهر، لكون الغالب مقارنة الأذان به.

وإمّا
كناية عن البيان اللفظي، ويخصّص العموم
بالمستقلات، أو يلتزم بعدم العقاب فيما يستقلّ به
العقل، بناءً على عدم حسن العقاب بدون اللطف
بالبيان اللفظي، وان حسن اللوم والذّم، أو يلتزم
بالعفو وان حسن العقاب والذم فتدل على المطلوب
وزيادة من عدم تحقّق العقاب في المستقلات من دون
ورود الدليل النقلي. وعلى أيّ تقدير يكون وقوع
العذاب مشروطاً بالبيان، فما يحتمل الحرمة ولا نص
فيه لا عقاب على ارتكابه.

وفيه : أنّ
ظاهر الآية الإخبار عن عدم تعذيبه تعالى الامم
السابقة قبل بعث الرسول والبيان ، لأنّ ظاهر ما كان
(ما كنا - ظ) لوضعه للماضي - أنّ العذاب في الزمان
الماضي كان منفيّاً إلى وقت البيان وبعث الرسول،
وهذا يدلّ على أنّ العذاب الدنيوي - من الخسف وغيره -
الواقع في الامم السابقة إنّما كان بعد البيان لعدم
تأتي العذاب الاخروي في الزمان السابق.

ودعوى انّ
كان منسلخة عن الزمان هنا نظير قوله تعالى: (وما كنت متّخذ

__________________

[ 28 ]

المضلّين
عضدا)(1) لا شاهد لها، ومجرّد قرب التجوّز لا يوجب
المصير إليه بدون دليل يوجب العدول عن الحقيقة.

ويمكن أن
يقال: إنّ دلالة أمثال هذه العبائر على الدوام ليس
لانسلاخ كان عن الزمان، بل لدلالة المقام على أنّ
النفي السابق إنّما كان لاشتمال الفعل على حزازة،
أو لعدم كون الفعل كاملاً في الحسن وهذا يقتضي أنّ
الفاعل العالم بهذه الحزازة يتركه أبداً. ومن هنا
علم أنّه لو دلّت الآية على نفي التعذيب دائماً،
فإنّما تدلّ على نفي العذاب الدنيوي.

والقول
بأنّ العذاب الدنيوي إذا كان مرفوعاً عن الامم
السابقة قبل البيان، فالاخروي مرفوع عنهم
بالأولوية إذ الأصعب أولى بالرفع، ويثبت ارتفاعه
عنّا، إمّا لدلالة الآية على نفي العذاب الدنيوي
لما أشرنا إليه، الموجب رفع الاخروي بالأولوية، أو
لما يأتي من الأخبار الكثيرة، من أنّ المسامحة في
شريعة نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله أكثر منها في
الشرائع السابقة.

مدفوع بمنع
الأولويّة، كيف؟ وكثير من البلايا الدنيوية التي
كانت في السابقة مرفوعة عن هذه الامة دون العذاب
الاخروي.

ثمّ إنّ من
الاصوليين من تمسّك بالآية على البراءة في المقام،
ودفع الاستدلال بها على نفي الملازمة بين حكم شرع
وحكم العقل، بأنّ نفي العذاب فعلاً لا ينافي
الاستحقاق وهذا بظاهره تناقض فانّ نفي الفعليّة ان
لم يلازم نفي الاستحقاق فلا يثبت بها البراءة هنا
وإن لازمه، فالاستدلال بها على عدم الملازمة لا
يندفع بما ذكر.

ويمكن دفعه
بأنّ عدم الفعلية وإن لم يلازم عدم الاستحقاق إلاّ
أنّ الأخباري لمّا كان عمدة أدلته، وهي قاعدة وجوب
دفع الضرر، وأخبار التثليث(2) إنّما يوجب الاحتياط،
لأنّ إرتكاب المشتبه بالحرام ايقاع النفس في هلكة
العذاب، لعدم

__________________

[ 29 ]

الأمن منه،
كارتكاب سائر المحرّمات الواقعيّة، وكان مسلّماً
للإباحة الظاهرية، على تقدير ارتفاع العقاب للحرام
بالعفو، ولو كان ذلك بملاحظة أدلّة البراءة كقوله:
كلّ شيء مطلق على الإباحة الظاهرية فيما لا نهي فيه
عموماً وخصوصاً، لعدم وجود نهي بعد اندفاع ما دلّ
على حرمة الايقاع في الهلكة، لعدم تحقّق هلكة في
ارتكاب ما يحتمل الحرمة؛ كان نفي الفعلية وان لم
يلازم نفي الاستحقاق في نفسه كافياً في دفع دليله.

والحاصل،
أنّه لمّا كان الخصم يسلّم الإباحة الظاهرية
بمقتضى أدلة البراءة، على تقدير اندفاع ما يدّعى
وروده عليها من الأدلّة الدالّة على حرمة إيقاع
النفس في التهلكة، لدلالة دليل على عدم وجود هلكة
كالآية كانت الآية كافية في دفع حجّته لدلالتها على
عدم التهلكة.

ولكن دعوى
الجزم بان الخصم يسلّم ذلك على تقدير نفي الفعلية
مشكلة كما يأتي في ذكر أدلّتهم، إن شاء اللّه تعالى.

ويمكن دفعه
تارة بأنّه لمّا فهم المستدلّ بالآية أنّ الخصم
إنّما يمنع عن ترك الاحتياط لأجل زعمه أنّ في ترك
الاحتياط احتمال الوقوع في هلكة العذاب الاخروي،
وانّه إذا قطع بعدم فعليّة العذاب لا يمنع عن ذلك
لاستدلاله بخبر التثليث وأمثاله، الزمه بان
الفعلية مقطوع العدم للآية، وان لم تكن الآية كافية
في إثبات البراءة، لعدم الملازمة بين عدم الفعلية
وعدم الاستحقاق، ولأجل ذلك يمنع عن الاستدلال بها
للملازمة في بابها.

واخرى أنّه
لمّا كان الاجماع في هذه المسألة قائماً على أنّه
على تقدير عدم الفعلية لا يكون الاستحقاق أيضاً إذ
لم يكن في باب الملازمة هذا الاجماع ثابتاً اثبت
عدم الفعلية بالآية، واستدلّ بها على المدّعى
لضميمة هذه المقدمة المسلّمة ومنع عن الاستدلال
بها هناك. والفرق بين الوجهين أنّه على الأول: يكون
الاستدلال جدلياً، وعلى الثاني: برهانياً.

وحاصل
الوجهين: أنّه لمّا كان عدم الفعلية هنا ملازماً
لعدم الاستحقاق، إمّا

[ 30 ]

بتسليم
الخصم لما فهم من دليله تسليمه ذلك، وإمّا للاجماع
على ذلك صحّ الاستدلال بالآية، ولمّا لم يكن في باب
الملازمة ملازمة بين عدم الفعلية وعدم الاستحقاق
لم يصحّ الاستدلال بها هناك. ومن الآيات قوله تعالى:
(وما كان اللّه ليضلّ قوماً بعد
إذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتقون)(1) فإنّ الاضلال
هنا: هو الخذلان، لعلاقة السببية، والمعنى حينئذٍ:
أنّ الخذلان من اللّه سبحانه وتعالى لا يقع على قوم
بعد إذ هداهم إلى الإسلام حتّى يبيّن لهم ما
يتّبعونه ويجتنبونه من الأفعال والتروك، وإذا كان
الخذلان كذلك فالعذاب اولى بذلك. وفيه: أنّ الظاهر
من الآية كالآية السابقة، أنّ ذلك لم يقع في الامم
السابقة، والأولويّة ممنوعة على تقدير تسليم
إفادتها الدوام، لأنّ الخذلان أعظم من العذاب، إذ
هو عبارة عن عدم نصرة العبد وإيكال أمره إليه، الذي
هو سبب للضلال الذي لا هداية بعده، وللعذاب الذي لا
ينتهى أمده.

ولا ريب
أنّ عدم الاضلال قبل البيان - بهذا المعنى - لا ينافي
استحقاق العقاب قبله، والفعلية في الجملة التي
ترفع تارة بالشفاعة، واخرى باللطف والتخفيف.

ومن الآيات
قوله تعالى: (ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من
حيّ عن بيّنة)(2).

وفيه: أن
الاستدلال انّما يتمّ اذا كان في الآية دلالة على
أنّه لا يقع الهلاكة إلاّ عن بيّنة، ولا دلالة فيها
على ذلك، وانّما تدلّ على أنّ الهلاكة في هذه
القضية - أي قضيّة « بدر » أنّما كان عن بيّنة، ولا
تدلّ على أنّ البيان يقع في جميع الوقائع، لأجل أنّ
الهلكة بدون البيان لا تقع.

ومن الآيات
قوله تعالى: (قل لا أجد في ما اوحي إليّ
محرّماً على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دماً
مسفوحاً)(3). فإنّه تعالى أمر نبيّه صلّى اللّه عليه
وآله أن يبطل تشريع الكفّار، بعدم وجدانه ما حرّموه
في جملة ما حرّم اللّه تعالى عليه، ولولا أنّ

__________________

[ 31 ]

في عدم
الوجدان كفاية في الحكم بالحلّية الظاهرية لما
ابطل كلامهم بذلك، فالنكتة في التعبير بعدم
الوجدان مع امكان أن يقول: ليس فيما اوحي اليّ
محرّم، هي الاشارة الى أنّ عدم الوجدان كافٍ في عدم
الحرمة.

وفيه: أن
الغرض من الآية ابطال تشريع الكفار للحكم بحرمة
امور، ويكفي في ابطال التشريع عدم القطع بالحرمة،
لعدم وجدان ما حرّموه فيما حرّم اللّه تعالى ولا
يوجب حرمة الحكم بالتحريم الواقعي وجوب الحكم
بالإباحة الظاهرية وحرمة الاحتياط، ليستفاد من ذلك
كفاية عدم الوجدان في الحكم بالاباحة الظاهرية،
وعدم وجوب الاحتياط، والحاصل ان الآية لو كان الغرض
منها إبطال الاحتياط أمكن أن يقال: إنّ إبطاله لعدم
الوجدان مع امكان الابطال بالحكم، لعدم الوجود
للدلالة على كفاية عدم الوجدان في عدم وجوب
الاحتياط، ولكنّها في مقام دفع التشريع والتوبيخ
على الحكم بالحرمة، وهو لا يستلزم المنع عن
الاحتياط، مع إمكان دفع الاستدلال على تقدير كون
الآية في مقام رفع الاحتياط بأنّ عدم وجدانه دليل
على عدم الوجود، والنكتة في العدول لين الكلام مع
الخصم، المؤكّد لرفع الخصومة ولعلّه النكتة في
العدول دفع التشريع ايضاً بالحكم بعدم الحرمة.

ومن الآيات
قوله تعالى: (وما لكم ألاّ تأكلوا ممّا ذكر
اسم اللّه عليه وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم)(1).

وجه
الاستدلال ان التوبيخ على عدم الأكل وتركه مع عدم
وجوده فيما حرّم اللّه وهذا يدلّ على كفاية عدم
الوجدان في الحكم بعدم الوجود وترك الاحتياط.

وفيه
مضافاً إلى ما مرّ من أنّ الغرض من النهي عن الترك
بناءً على انّه لازم واقعاً هو النهي عن التشريع
وهو لا يلازم النظر عن الترك للاحتياط انّ الآية
تدلّ بنفسها على أنّ الكفار كانوا عالمين بعدم حرمة
ما بنوا على تحريمه والاجتناب عنه فانّ الموصول
يدلّ على العموم ولا ريب انّه يحصل القطع بعدم وجود
محرّم غير ما فصّل إذا

__________________

[ 32 ]

كان ما
فصّل جميع المحرّمات فكان المعنى ما لكم لا تأكلون
ممّا ذكر اسم اللّه عليه وقد علمتم انّه غير محرّم،
وحينئذٍ فلا ربط له بما نحن فيه أصلاً، والفرق بين
الوجهين: أنّ الأوّل مبنيّ على دعوى العلم من
الخارج، ولو من الآيات السابقة عليها أنّ الغرض دفع
التشريع، وهذا الوجه مبني على دلالة نفس الآية على
أنّ الغرض نفي التشريع والتوبيخ عليه لما فيها من
الدلالة على علمهم بأنّه ليس يحرم ما حرّموه.

وفيه: أنّ
تفصيل المحرّمات انما يلازم العلم بأنّ غيره ليس
بمحرّم اذا كان المخاطبون عالمين بأنّ ما فصّل جميع
المحرّمات وأمّا اذا كان في الواقع جميع المحرّمات
ولم يكن المخاطبون عالمين بذلك، فلا يستلزم العلم
بعدم حرمة غيرها حتى يكون النهي عن التشريع مع
العلم بمخالفة الحكم للواقع الذي فصّله.

ومن السنّة
أخبار منها: قوله صلّى اللّه عليه وآله: « رفع عن
امّتي تسعة أشياء الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا
عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا
عليه »(1). وجه الدلالة أنّ حرمة ما لا دلالة على
حرمته غير معلومة، فهي مرفوعة، والمراد من رفعها:
إما رفع المؤاخذة، أو رفع جميع آثارها التي منها
المؤاخذة.

وأورد
عليه: بأنّ الظاهر أنّ المراد « ممّا لا يعلمون » ما
يصدر من المكلّف من الأفعال والتروك التي هي مشتبهة
عليه ولا يعلمها كشرب المائع الذي لا يعلم انه شرب
خمر، لا مطلق ما لا يعلمه، حتى يشمل مثل الحرمة
والوجوب المجهولين، لأنّ المراد من سائر التسعة
المرفوعة هو ما يصدر من المكلّف ضرورة، فهي قرينة
على أنّ المراد ممّا لا يعلمون ذلك أيضاً. فالحديث
حجة على البراءة في الشبهات الموضوعية لا الحكمية.

مع أنّه
على تقدير أن يكون المراد من رفع التسعة رفع
المؤاخذة كما هو الظاهر يكون المراد رفع المؤاخذة
على نفس تلك الامور، والحرمة الغير المعلومة لا
يؤاخذ عليها، وانّما المؤاخذة على موضوعها(2)، وهو
فعل المكلف، فالمراد من رفع ما لا يعلمون

__________________

[ 33 ]

رفع
الأفعال المجهولة بقرينة الاخوات، وبظهور تعلّق
المؤاخذة المرفوعة بنفس التسعة.

ولكن يمكن
أن يقال: إنّ المراد ممّا لا يعلمون(1) الواجب
والحرام. وعدم العلم بهما تارة لأجل عدم العلم
بعنوان الفعل الذي يدور الحرمة والوجوب على ثبوته
وعدم ثبوته، وتارة لأجل عدم العلم بنفس الوجوب
والحرمة، وليس في الخبر ما يدلّ على إرادة عدم
العلم من جهة خاصة، فهو باطلاقه شامل لعدم العلم في
أيّ وجه كان، فشرب التتن الذي هو حرام مثلاً في
الواقع، لا نعلم أنّه فعل حرام، لعدم الدليل على
حرمته، وقد رفع المؤاخذة على كلّ حرام لا يعلم
حرمته.

ويؤيّد
ذلك: أنّ تعلّق المؤاخذة بما لا يعلمون على تقدير
تحقّقه في طرف الواقع، انّما هو لأجل إتّصافه
بعنوان خاص، كالوجوب أو الحرمة، لا لأجل اتّصافه
بسائر العناوين فالمناسب أن يراد من الموصولة
أيضاً ذلك العنوان، أو يقال: المناسب لكلمة الرفع
ونسبته إلى ما لا يعلمون كون الموصول كناية عن
الفعل بملاحظة عنوانه الذي يكون الفعل لأجله
ثقيلاً ولا ريب أنّ ذلك ليس إلاّ كون الفعل فعلاً
حراماً، وكون الترك ترك واجب.

والحاصل:
أنّ نسبة الرفع إلى ما لا يعلمون إمّا أن يكون من
قبيل نسبة حكم المضاف الى المضاف اليه مجازاً أو
يكون باضمار لفظ المؤاخذة. وعلى كلا التقديرين يكون
المناسب للمقام أن يراد من الموصولة: الحرام،
والواجب(2) لا الفعل بعنوان آخر، أو بهذا العنوان
المطلق، لأنّ جهة المؤاخذة والجهة التي يكون الفعل
لأجلها ثقيلاً اتصافه بالحرمة والوجوب. والمناسب
في مقام نسبة الشي الى الشيء، أن يلاحظ الموضوع
بعنوان يناسب المحمول، لا بعنوان آخر.

فحاصل
الخبر: أنه رفع عن امّتي تسعة أشياء، منها: ما لا
يعلمون من الواجبات والمحرّمات، والمورد لمّا فسّر
الموصولة: بالأفعال الخارجية من غير ملاحظة الوجوب

__________________

[ 34 ]

والحرمة في
عناوينها منع عن صحة الاستدلال بالنسبة إلى الشبهة
الحكمية، لكن يبعّد هذا الوجه: أنّه عبّر عن التسعة
المنسوب اليها الرّفع بالأشياء الظاهرة في ارادة
الأفعال بعناوينها العرفيّة.

ثمّ إنّ
ارادة رفع جميع الآثار في الخبر وإن كان أقرب إلى
رفع الحقيقة المعلوم عدمه، ويؤيّده ما في المحاسن:
عن الرجل يستحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملكه
أيلزمه ذلك؟ فقال عليه السلام: لا. قال رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وآله: « رفع عن امتي ما اكرهوا
عليه، وما لم يطيقوا، وما أخطأوا »(1).

فإنّ
الاستدلال على رفع المذكورات بالحديث الدالّ على
أنّ المراد: ليس رفع خصوص المؤاخذة يقتضي أن يكون
المراد منه أيضاً رفع ما يعمّ المؤاخذة إذ على
تقدير كون ما استشهد به الامام عليه السلام غير ذلك
الحديث لاختلاف الترتيب في العبارة، وعدم الاعتناء
باحتمال النقل بالمعنى في إحداهما يصلح إرادة
الأعمّ منه أن يكون قرينة على إرادة الأعم من الآخر
إلاّ أنّه يبّعده انه غير ملائم لكلمة الرفع ،
فانّه سواء كان المراد به خصوص الرفع أو الأعم منه
والدّفع كما يأتي ينسب إلى ما يكون في ثبوته ثقل:
ولا ريب أنّ كثيراً من أفراد المذكورات ما يتحقق في
الخارج، ولها آثار لا يكون ثبوتها ثقيلاً على
المكلّف ولا منّة في رفع مثل هذه الآثار، فلو باع
ماله عمر وخطأ من زيد، ثمّ كان صلاح كلّ من
المتعاقدين مضيّ هذا العقد، لكون كل منهما محتاجاً
إلى عوض ماله في غاية شدّة الحاجة فلا يصحّ أن يقال:
إنّ في رفع هذه المعاملة منّة عليهما. ومثل ذلك كثير
في الخارج، بل يمكن دعوى مساواته لما فيه ثقل ان لم
تدّع غلبته بل يوجد في أفراد الخطأ كثيراً ما ليس
أثر ثقيل نظير التحجير خطأ.

مع أنّه
يمكن أن يقال: إنّ المروي في « المحاسن » أيضاً لا
يجب أن يكون المراد منه رفع جميع الآثار بل من
الجائز أن يكون المقصود رفع المؤاخذة الأعم من
المؤاخذة

__________________

[ 35 ]

المترتبة
على ذات الفعل والمترتّب عليه، بملاحظة أثره
الوضعي مثلاً، ولا يقتضي ذلك رفع جميع الآثار حتّى
الأثر الوضعي الذي لا يترتّب عليه حكم تكليفي.

والحاصل:
أنّ من القريب أن يكون المراد رفع المؤاخذة الأعم
من المؤاخذة على ذات الفعل، وما يترتّب على الفعل
بواسطة أثره الوضعي من غير أن يرفع سائر آثاره، وأن
يكون الأفراد التي ليس لها أثر تكليفي يترتّب عليه
المؤاخذة خارجاً عن مورد الرواية.

ويدفع:
بأنّ الملحوظ في نسبة الرفع هوالجنس في كلّ واحد من
التسعة، ويصحّ نسبة الرفع إلى الجنس وإرادة رفع
جميع آثاره، اذا كان في آثاره ما يكون ثقيلاً، ويصح
أن يقال: إنّ في رفع هذا الجنس منّة على المكلّف.

نعم اذا
كان الامتنان يحصل برفع بعض الآثار فيجب أن يكون في
رفع الآثار التي لا منّة في رفعها على المكلف مصلحة
توجب عدم لغوية رفع تلك الآثار، وذلك فيما نحن فيه
يمكن أن يكون هو الاطراد، وكون الافراد على نسق
واحد مثلاً وحينئذٍ فإذا سلم ظهور الحديث في رفع
جميع الآثار، لا ينبغي رفع اليد عن ظهوره بملاحظة
عدم كون رفع الآثار منّة على المكلّفين.

والانصاف:
عدم ظهوره في رفع جميع الآثار، بل الظاهر منه رفع
المؤاخذة، وحيث لم يمكن إرادة رفع المؤاخذة على نفي
الجنس بلا واسطة لما في خبر « المحاسن » من الدلالة
على إرادة ما فوق ذلك، نحمله على إرادة رفع
المؤاخذة على الفعل ولو بواسطة بعض آثاره الوضعية،
ويكون معنى رفع تلك المؤاخذة رفع ما يوجب تحققها
وهو الأثر الوضعي الذي أوجب التكليف الذي يؤاخذ
المكلّف على مخالفته.

ثمّ انّه
ربّما يورد على من استظهر منه رفع المؤاخذة، أنّ
كون الحديث في مقام الامتنان يوجب أن لا يكون
المراد رفع المؤاخذة، فإنّ كثيراً من الامور
التسعة ما يستقلّ العقل برفع المؤاخذة عليها، بل لا
يصحّ نسبة الرفع الى المؤاخذة عليها، فإنّ ما لا
يعلمون، والخطأ والنسيان، وما اضطرّوا إليه، وما
لا يطيقون، ممّا يستقلّ العقل بعدم المؤاخذة عليها
وقبح أخذ أحد عليه، سواء كان من هذه الامّة، أو
غيرها،

[ 36 ]

فحمله على
رفع المؤاخذة ينافي كلمة الرفع والاختصاص المفهوم
من نسبة الرفع الى الامة، والامتنان الذي يظهر من
سياق الحديث.

وفيه: أنّه
يتوجّه على من فسّره برفع المؤاخذة على نفس الامور
التسعة، وأمّا على ما فسّرناه فلا، إذ تحقّق
المؤاخذة على عدم قبض(1) الثمن الى المشتري مثلاً في
البيع الواقع خطأ، لا يستقل العقل بقبحه.

والحاصل:
أنّ من الجائز أن يكون الامتنان ونسبة الرفع على ما
ذكرنا، انما هو بملاحظة المؤاخذة المترتّبة على
التسعة بواسطة آثارها الوضعية التي نشأ منها
التكليف.

نعم يبقى
أنه لا منّة في رفع المؤاخذة على ما يعلمون بنفسه
بلا واسطة، وقد مرّ الجواب عنه.

وقد يجاب
عن ذلك بأنّ المراد من رفع المؤاخذة على الخطأ
والنسيان عدم المؤاخذة عليهما اذا كان حصولهما
بسبب ترك التحفّظ، لأنّ العقاب عليهما إذا كان
منشؤهما ترك التحفّظ ليس ممّا يستقلّ العقل بقبحه
والمراد من رفع المؤاخذة على ما لا يعلمون عدم
المؤاخذة على ذلك مع امكان الاحتياط كالشاك في حرمة
شيء، ولا يستقلّ العقل برفع المؤاخذة على ما لا
يعلمون اذا كان الاحتياط ممكناً، والمراد من رفع
المؤاخذة على ما لا يطاق، رفع المؤاخذة على ما لا
يتحمّل عادة دون ما لا يقدر عليه، كالطيران في
الهواء، ولكن يشكل ذلك بأن العقل كما يستقلّ بقبح
المؤاخذة على الخطأ والنسيان، وما لا يعلمون، على
تقدير التحفّظ وعدم امكان الاحتياط، كذلك يستقلّ
بقبح العقاب على الخطأ والنسيان، وما لا يعلمون،
على تقدير عدم التحفظ والاحتياط؟ مع امكانه كيف
ومعظم أدلّة القائلين بالبراءة فيما نحن فيه هي
القاعدة العقليّة، وهي: قبح عقاب الغافل والجاهل.

ويدفع ذلك:
بأنّ المراد من رفع المؤاخذة هنا رفعها، وبمعنى عدم
التكليف بما

__________________

[ 37 ]

يمكن أن
يكلّف به، ليترتّب عليه المؤاخذة واستحقاق العقاب.

فالمراد من
رفع الخطأ والنسيان: عدم ايجاب التحفّظ الموجب
للمؤاخذة على تقدير ترك التحفّظ وحصول النسيان
والخطأ.

والمراد من
رفع ما لا يعلمون: عدم ايجاب الاحتياط الموجب
للمؤاخذة، واستحقاق العقاب على تقدير مخالفة
الواقع وترك الاحتياط.

ولا ريب
أنّ العقل أنّما يستقل بقبح العقاب على الثلاثة اذا
لم يكلّف الأمر بالتحفظ والاحتياط، وأمّا مع هذا
التكليف ومخالفة المكلّف فهو مستقلّ باستحقاق
العقاب.

فإن قلت:
ايجاب الاحتياط على الشاك في التكليف إمّا ايجاب
مقدّمي، أو إرشادي، أو نفسي.

أمّا
الأوّلان فتحقّقهما منوط بتنجّز الخطاب بالواقع
وفعليّته، مضافاً الى أنّ الاحتياط لا يكون ممّا
يتوقف عليه الاجتناب عن الحرام الواقعي ، و انّما
هو مقدّمة لتحصل العلم بالاجتناب ، فلا يمكن أن
يكون رفع ما لا يعلمون(1) باعتبار عدم ايجاب
الاحتياط مقدّمة أو إرشاداً.

وأمّا
الثالث: فثبوته لا يوجب المؤاخذة، على مخالفة
الخطاب المجهول، إذ لا يكون مزيلاً للجهل به، بل
المؤاخذة المترتبة على تركه انما هو مؤاخذة على
مخالفة الخطاب المتعلّق به.

والحاصل:
أنّ ايجاب الاحتياط على الأوّلين مترتّب على تنجّز
الخطاب بالواقع، وعلى الثالث لا يوجب تنجّز الخطاب
الواقعي، فلا يصحّ أن يكون المراد رفع استحقاق
العقاب على مخالفة ما لا يعلمون بملاحظة رفع
التنجّز بواسطة ايجاب الاحتياط.

قلت
أوّلاً: إنّ ايجاب الاحتياط نفساً، وان لم يكن
موجباً لتنجّز الخطاب

__________________

[ 38 ]

الواقعي
المجهول، الاّ أنّه إذا كان سببه حصول التحفّظ عن
مخالفة الواقع يصحّ أن يقال: إنّ المؤاخذة على تركه
مؤاخذة على مخالفة الواقع.

توضيح ذلك:
أنّ ايجاب الاحتياط عند الشك لا يكون الغرض منه
الاّ أن يحصل بسببه التحفّظ عن مخالفة الخطابات
الواقعيّة الثابتة في الموارد المشكوكة التي لا
يتمكّن المكلّف من العلم بها، والتمييز عن غيرها
حال الشك. فمطلوبية الاحتياط نفساً نظير مطلوبية
التعلّم قبل الوقت نفساً، فإنّه انّما يمكن مطلقاً
لأجل مصلحة في غيره، وإذا كان منشأ الخطاب بفعل
حصول فائدة في غيره وموافقة خطاب آخر، يصحّ أن يقال:
إنّ المؤاخذة على مخالفة هذا الخطاب مؤاخذة على
مخالفة ذلك الخطاب، وأن يقال: إنّ رفع هذا الخطاب
رفع المؤاخذة عن ذلك الخطاب.

وثانياً:
إنّا نمنع أنّ ايجاب الاحتياط نفساً لا يوجب تنجّز
الخطاب الواقعي المجهول، ولا يكون المؤاخذة على
مخالفة الاحتياط مؤاخذة على مخالفة ذلك الخطاب
الواقعي. وانّه يستقلّ العقل بقبح المؤاخذة على
مخالفة ذلك الخطاب المجهول لأجل كون مناط قبح
الخطاب - وهو الجهل - باقياً حال ايجاب الاحتياط
أيضاً.

وتفصيل
ذلك: أنّ ايجاب الاحتياط نفساً نظير ايجاب العمل
بالامارات - بناء على القول: بان الأمر بالعمل بها،
إنّما هو لأجل الايصال إلى الواقع، لا لاشتمالها
على أمر آخر، فان الطريق لما كان منها ما يطابق
مضمونه الواقع، ومنها ما يخالف مضمونه الواقع، ولم
يتمكّن المكلّف من تمييز الموافق للواقع عن
المخالف للواقع - امر الشارع بالعمل بجميع أفراد
الطريق حفظاً للعبد من الوقوع في مخالفة الواقع في
موارد موافقة الطريق للواقع على تقدير مخالفته
للطريق.

والحاصل:
أنّه أوجب اشتمال الطريق على الأحكام الواقعية
واختلاط موارد موافقته للواقع مع موارد مخالفته في
نظر العبد، أن يطلب المولى منه العمل بالطريق. وهذا
الطلب طلب نفسي، لكن لا على حدّ سائر النفسيّات،
بحيث يكون مخالفته موجباً لاستحقاق العقاب مطلقاً
بل على تقدير فوت ما هو غرض المولى من الخطاب، وهو
عدم الوقوع في مخالفة الواقع فتارك العمل بالطريق
انما يستحق العقاب على

[ 39 ]

مخالفة هذا
الأمر من حيث إنّه مخالفة في موارد مطابقة الطريق
للواقع، وأمّا في موارد مخالفته للواقع، فلا يستحق
العقاب على مخالفة هذا الأمر.

نعم إن
قلنا: إنّ المتجرّي على المخالفة مستحق للعقاب،
قلنا بالاستحقاق هنا لأجل وجود مناطه هنا، وهو عدم
المبالاة بوقوع خلاف مراد المولى والجرأة على
مخالفته، ونظير الطريق جميع الأحكام الظاهرية من
الاستصحاب، والاحتياط، وغيرهما، وإن كان بينهما
فرق، فإن في الطريق اراءة وكشفاً للواقع، والغاء
لاحتمال الخلاف تعبّداً، فكان الفاعل يفعله على
انه هو الواقع، وفي الاصول جعل حكم ظاهري، والسرّ
في ذلك أنّ مخالفة الأمر انّما توجب استحقاق العقاب
لأجل انّه تفويت لغرض المولى، فالواجبات النفسية
التي تعلّق الطلب بها، ان كان الغرض حصولها في
الخارج لكونها بأنفسها مطلوبة في الواقع ومشتملة
على جهة محسّنه أمر الشارع لأجلها بتلك الواجبات،
يكون مخالفة أوامرها موجباً لاستحقاق العقاب
مطلقاً، لأنّ مخالفتها موجبة لفوات الغرض الداعي
للأمر مطلقاً، وأمّا الواجبات النفسية التي لا
يفوت الغرض بسبب مخالفتها الاّ على بعض التقادير،
وفي بعض الموارد يكون استحقاق العقاب عند مخالفتها
منوطاً بفوت الغرض، فترك العمل بالطريق لما كان فوت
الغرض به انما هو على تقدير مطابقته للواقع، كان
استحقاق العقاب به منوطاً بكونه مطابقاً للواقع.

إذا عرفت
ذلك فاعلم: أنّ الأمر بالعمل بالطريق كما يكون
موجبا لتنجيز الخطابات الواقعية المطابقة لمضمون
الطريق، كذلك الأمر بالعمل بالاستصحاب، والاحتياط
يكون موجباً لتنجيز الخطابات الواقعية المطابقة
للاستصحاب والاحتياط، فإذا أوجب الشارع الاحتياط
في موارد الشبهة تنجّز بأمره تلك الواقعيّات
المشتبهة، واذا لم يأمر بالاحتياط ولم يوجبه لم
يتحقّق شرائط تنجّز الواقع والحاصل ان الجهل
بالواقع كما أنّه لا يرتفع بايجاب الاحتياط، كذلك
لا يرتفع بايجاب العمل بالطرق الظنية، فكما أنّها
موجبة لتنجّز الواقع مع بقاء الجهل، كذلك يكون
ايجاب الاحتياط موجباً لتنجّز الواقع إذ المفروض
أن كيفية مطلوبية

[ 40 ]

الاحتياط
لا تخالف كيفية مطلوبية العمل بالطريق، ولا يكون
الطريق من خواصّه رفع الجهل بالواقع، فاذا لم يكن
العقل آبياً عن العقاب على مخالفته الواقع المطابق
للطريق وحكم بان جعل الطريق موجب لتنجّز الواقع،
كذلك وجب ان يحكم مثله عند جعل الاحتياط، فانّ مناط
عدم حكمه هنا إن كان الجهل بالواقع، فقد عرفت أنّه
لا يرتفع بجعل الطريق، وإن كان جهة حكمه بالتنجّز
هناك كون الغرض من الأمر حصول الواقع واشتمال
الطريق على الواقع في بعض الأحيان، فقد عرفت أنّ
الغرض من ايجاب الاحتياط ايضاً إدراك الواقع وهو
ايضاً مطابق في بعض الاحيان، فلا مناص من أحد
الأمرين: إمّا الحكم بتنجّز الواقع بجعل الاحتياط،
وإمّا الحكم بعدمه مع جعل الطرق الظاهرية، لعدم
وجود فارق بين المقامين يوجب اختلاف الحكم فيهما.

فإن قلت:
إنّ استحقاق العقاب على المعصية انّما هو لأجل
كونها بنفسها من القبائح وجهة قبحها كونها من قبيل
الظلم، فإنّ من حق المولى على العبد ان يطيعه بفعل
ما يأمره به، وترك ما ينهاه عنه، وهذه الجهة لا
يتفاوت فيها بين أن يكون الغرض من الأمر حصول الفعل
بنفسه في الخارج، أو لكون حصوله موجباً لحصول أمر
آخر وحينئذٍ فاذا أمر الشارع بالاحتياط أو بالعمل
بالطريق يكون مخالف الأمر مستحقاً للمؤاخذة، وأمّا
عدم الالزام بالاستحقاق على تقدير مخالفة الطريق
للواقع انما هو لأجل عدم تسليم كون الأمر به
تكليفاً والبناء على كونه إرشاداً محضاً.

قلت: لا شك
أنّ الأمر بذي المقدّمة أمر بمقدّماته، بل ادّعي
بداهة اللزوم بين الأمرين عند العقل ولا ريب أنّ
ترك المقدّمة ليس موجباً لاستحقاق العقاب عليه،
وأنّما يوجب استحقاق العقاب على ما يلزمه من ترك ذي
المقدمة والحاصل أن استحقاق العقاب على مخالفة
الأمر المعلوم وعدم الاستحقاق يتبع فوت الغرض
وعدمه. هذا غاية ما يقال في هذا المقام، ولكنّه بعد
محلّ تأمّل.

ثم إنّه
ربما يورد على من بنى على حمل الحديث على رفع جميع
الآثار بأنّ ذلك يوجب كثرة الإضمار وهذا بظاهره كما
ترى فإنّ إرادة رفع الآثار من رفع التسعة

[ 41 ]

يمكن أن
يكون على وجه الكناية، وأن يكون بتقدير لفظ الآثار،
وعلى الاوّل لا إضمار أصلاً، والاضمار على الثاني
لا يكون أكثر من إضمار المؤاخذة.

نعم يمكن
أن يكون المقصود من كثرة الإضمار: أنّ حمله على رفع
جميع الآثار يوجب الالتزام برفع امور كثيرة، وحمله
على رفع المؤاخذة لا يوجب ذلك، والقدر المتيقّن رفع
المؤاخذة على التقديرين، وإرادة الزائد يحتاج إلى
دليل.

وفيه: مع
مخالفته لظاهر اللفظ أنّ ذلك كلام من يسلّم إجمال
الحديث، والكلام هنا في تشخيص ما هو ظاهر فيه اللهم
الاّ أن يدّعى أنّ الحديث بنفسه وان لم يكن ظاهراً
في شيء من الأمرين، الاّ انّه بملاحظة تخصيص عمومات
كثيرة على تقدير إرادة رفع جميع الآثار يكون ظاهراً
في إرادة رفع المؤاخذة.

وفيه: انّ
الاجمال المخصّص لا يرتفع بعموم العام إذا كان
العمل بالعموم لأجل التعبّد بأصالة عدم المخصّص
وإن كان لأجل ظهوره نوعاً في إرادة العموم فهو يتبع
المقامات باعتبار اتّصال المخصّص وانفصاله وغير
ذلك من الامور التي يوجب ظهور اللفظ في معنى
احياناً.

وقد يورد
أيضاً على حامل الحديث على رفع جميع الآثار بانّ
ذلك يوجب كثرة التخصيص في الحديث فان آثار الخطأ
والنسيان غير مرتفعة.

وفيه: أنّ
الآثار التي يدلّ الحديث على رفعها هي الآثار
المختصة بالفعل من حيث هو مع قطع النظر عن كونه
صادراً على وجه الخطأ أو العمد، أو الاكراه
والاجبار، وعن كونه معلوماً أو مجهولاً، فانّ
الآثار المترتّبة على الفعل تارة يترتّب عليه
بواسطة صدوره على وجه العمد وهي الآثار الشرعية
التي موضوعاتها الأفعال العمديّة، كالقتل عمداً،
والافطار عمداً، وتارة يترتّب عليه بواسطة صدوره
على وجه الخطأ أو النسيان كالكفّارة المترتّبة على
قتل الخطأ، ووجوب سجدة السهو المترتّب على صدور
الفعل نسياناً، وتارة يترتّب عليه من حيث هو مع قطع
النظر عن العنوانين وهي الآثار التي موضوعاتها في
الأدلّة الشرعية نفس الفعل من غير تقييد بالعمد
والخطأ.

[ 42 ]

والمراد من
الحديث رفع قسم الأخير من الآثار، فانّه المتبادر
منه، مضافاً إلى إستلزامه التناقض إن اريد من رفع
آثار الخطأ الآثار الثابتة في هذه الشريعة له،
وإرادة رفع الآثار الثابتة لهذه العناوين في
الشرائع السابقة ايضاً بعيدة.

والحاصل:
أنّ المتبادر من الحديث أنّ الآثار المترتّبة على
الفعل مرفوعة في حال اتّصافه بهذه العناوين لا اثار
نفس هذه العناوين، كما أنّ المراد من الآثار الآثار
الشرعيّة لا الآثار العقلية والعادية، فانّها غير
قابلة للرفع، وكذلك الآثار التي يترتّب على الآثار
العقلية والعادية، فانها آثار لها لا للأفعال حتى
يدلّ ما يدلّ على رفع آثار الفعل على كونها مرفوعة.

ثم اعلم
أنّ الظاهر من الرّفع إعدام ما كان ثابتاً، وإرادة
هذا المعنى من الحديث غير ممكن، فالأمر دائر بين أن
يكون المراد رفع ما هو ثابت بمقتضى ظواهر الأدلّة
التي يكشف هذا الحديث عن عدم كون ما يدلّ على رفعه
مراداً منها، وبين أن يكون المراد عدم جعل ما يكون
المقتضي لجعله موجوداً لأجل الامتنان، أو مانع آخر
عن فعلية إقتضاء المقتضي، والأوّل لقربه من المعنى
الحقيقي يتعيّن حمل الحديث عليه، إلاّ أنّه غير
ممكن، لأنّ الاحكام المجهولة ليس لها آثار وأحكام
بمقتضى ظواهر الأدلّة حتى يقال: انّ رفعها عبارة عن
رفع تلك الآثار، فيجب أن يكون المراد من رفعها رفع
ما يكون المقتضي لجعله موجوداً وهو هنا جعل
الاحتياط حال الجهل الموجب لكون الحكم ثابتاً حال
الجهل كثبوته حال العلم به.

فان قلت:
إنّ من الاحكام الشرعية ما يكون ثبوتها سبباً لثبوت
حكم آخر كوجوب أداء الدين الموجب لفساد العبادة
والنهي عنها - بناء على مذهب من يقول: ببطلانها حين
وجوب الأداء لأجل النص لا لأجل اقتضاء الأمر بالشيء
النهي عن ضدّه - وحينئذٍ فيمكن أن يكون المرفوع تلك
الاحكام التي يترتّب ثبوتها على ثبوت تلك الأحكام
المجهولة.

والحاصل:
أنّ من الاحكام الشرعية ما يلزمه أحكام اخر كوجوب
أداء الدين الذي يلزمه شرعاً النهي عن العبادة قبل
الأداء، فيمكن أن يكون المراد من رفع

[ 43 ]

الأحكام
المجهولة رفع الأحكام التي يترتّب ثبوتها على ثبوت
تلك الأحكام المجهولة فيكون تلك الاحكام حال الجهل
بملزوماتها وانّ الملازمة بين الحكمين إنما هو حال
العلم بالملزوم لا مطلقاً.

قلت: سياق
الحديث يقتضي أن يكون رفع التسعة لأجل الامتنان،
ولزوم حكم لحكم شرعي نادر لا يكون الاّ في قليل من
الموارد، فلا ينبغي حمل رفع الاحكام المجهولة لأجل
الامتنان على رفع تلك اللوازم، فانّ رفع الامتنان
يقتضي أن يكون المرفوع أعظم من ذلك.

فان قلت:
إنّ الاحتياط من آثار الأحكام المجهولة من حيث
إنّها مجهولة اذ الاحتياط حال العلم غير معقول فلا
يصحّ أن يقال: إنّ المراد من رفع الأحكام عدم ايجاب
الاحتياط حال الجهل بها والشك في ثبوتها.

قلت: ليس
المراد من رفع تلك الأحكام رفع الاحتياط، بل المراد
رفع ما يكون إثباته متوقّفاً على جعل الاحتياط،
بيان ذلك: أنّ الأحكام الثابتة لمّا كان تنجيزها
وفعليّتها حال الجهل غير ممكن إلاّ بجعل الطريق وما
يجري مجراها من ايجاب الاحتياط، وجب على الحاكم اذا
أراد تنجيز حكمه حال الجهل أن يوجب الاحتياط عند
عدم تمكّن المكلّف من تحصيل طريق إلى الحكم إمّا
علماً أو علميّاً، فالمراد من رفع الأحكام
المجهولة: عدم توجيهها إلى المكلّف حال الجهل بسبب
ايجاب الاحتياط، كما أنّ المراد من رفع الخطأ
والنسيان عدم ايجاب التحفّظ الموجب تركه صحة
العقاب على مخالفة الواقع خطأ ونسياناً.

ثم انّه قد
يستدلّ بهذه الصحيحة على صحّة عبادة من نسي بعض
الأجزاء.

وتحقيق
الكلام فيه: أنّه إن قلنا انّ المقصود من الحديث رفع
المؤاخذة على التسعة، فإمّا أن نقول: إنّ ظاهر رفع
التسعة رفع أحكامها الموجب للمؤاخذة واقعاً، وإمّا
أن نقول: إنّه ظاهر في رفعها ظاهراً، وإمّا أن نقول:
إنّه لا ظهور له في شيء من الأمرين.

فان قلنا
بالأوّل وصحّ ابقاء هذا الظاهر في ما لم يقم دليل
على خلافه وقلنا إنّ

[ 44 ]

رفع حكم
الجزء المنسيّ واقعاً ممكن عقلاً وليس ما لا يعلمون
في عدم امكان رفع حكمه واقعاً، صحّ الاستدلال
بالحديث على صحّة العبادة التي نسي بعض أجزائها،
فانّ رفع وجوب الجزء واقعاً يستلزم كون المأمور به
ما عدا الجزء المنسيّ واقعاً والمفروض الاتيان به
فالمأتيّ به حال النسيان مطابق للأمر صحيح.

وأمّا اذا
قلنا: أنّ رفع التسعة ظاهر في ذلك وقلنا(1) انه بعد
قيام الدليل على عدم إرادة هذا الظاهر في بعض
التسعة لا يمكن إبقاؤه في ما لم يقم دليل على إرادته
بالنسبة إليه، بل يجب حمل الرفع على القدر المشترك
بين الرفع واقعاً وظاهراً أو قلنا بأحد الوجهين
الأخيرين فلا يصحّ الاستدلال، أمّا على تقدير
ارادة رفع الحكم ظاهراً فظاهر، وأمّا على تقدير
إرادة رفع القدر المشترك فتعيين أحد الفردين يحتاج
إلى دليل، ولا دليل يوجب تعيين إرادة رفع وجوب
الجزء المنسيّ حال النسيان واقعاً حتى يوجب صحة
العبادة الخالية عنها.

ولا ريب
أنّ الحديث ظاهر في رفع المؤاخذة الأعمّ من رفع
الحكم واقعاً وظاهراً وعلى تقدير تسليم ظهوره في
رفع الحكم واقعاً لا يصحّ إبقاء هذا الظاهر مع قيام
الدليل على عدم إرادته في بعض التسعة، فانّ الرفع
نسب إلى التسعة بنسبة واحدة، ومعه لا يمكن المراد
بالنسبة إلى بعض الرفع واقعاً وبالنسبة إلى آخر
الرفع ظاهراً، بل يجب إمّا حمله على إرادة الرفع
ظاهراً، أو حمله على الأعمّ من الظاهر والواقع،
ومعه فتعيين أحد القسمين يطلب له دليل من الخارج
وحيث لا دليل بالنسبة الى رفع وجوب الجزء يوجب
تعيين أحد الاحتمالين فيه لجواز رفعه ظاهراً وجواز
رفعه واقعاً - على اشكال في الأخير يأتي في محلّه -
لا يمكن القول بمقتضى أحد الاحتمالين، مع أنّ هنا
اشكالاً آخر يسقط الاستدلال من رأسه، وهو أنّ
الحديث ظاهر في رفع المؤاخذة ولا مؤاخذة على ترك
الجزء سواء كان ذلك الترك في أوّل الوقت أو آخره.

أمّا على
الأوّل فانّ ترك الجزء ان ترتب عليه المؤاخذة،
فانّما هو بملاحظة اتّحاده

__________________

[ 45 ]

مع ترك
المجموع الذي يترتب عليه المؤاخذة، ولا ريب أنّ ترك
المجموع في أوّل الوقت لا مؤاخذة عليه، وانّما
المؤاخذة على تركه في جميع الوقت.

وأمّا على
الثاني فلأن ترك الجزء - من حيث هو - ليس عليه
مؤاخذة، وانما المؤاخذة على ترك الكل وهو غير ترك
الجزء، الاّ أنّه يشكل: بأنّ المأمور به هو المجموع
وترك المجموع يتحقّق في ضمن ترك بعض أجزائه،
وبعبارة اخرى: ترك المجموع قد يكون في ضمن ترك جميع
الأجزاء وقد يكون في ضمن ترك بعض الاجزاء، وعلى كلا
التقديرين يصدق على ترك الأجزاء أو الجزء انّه ترك
الكل، كما انّه يصدق على نسيان الجزء أنّه نسيان
المجموع، ولا ريب أنّ على ترك المجموع مؤاخذة فيصحّ
أن يقال: إنّ مؤاخذة ترك الجزء مرفوعة.

الاّ أن
يقال: إنّ ترك المجموع في آخر الوقت ايضاً لا مؤاخذة
وانّما المؤاخذة على الترك في مجموع الوقت وترك
الجزء في آخر الوقت ليس كالكل في مجموع الوقت حتى
يترتب عليه المؤاخذة المترتبة على ترك المجموع.

وإن قلنا:
إنّ المقصود من الحديث رفع جميع الآثار فقد يقال في
تقرير التمسّك به لصحة العبادة التي نسي بعض
أجزائها: ان وجوب الاعادة والبطلان حكمان شرعيان
لترك الجزء فإنّه اذا ترك عمداً يترتب عليه كلاهما
ومقتضى رفع جميع الآثار أن يكون الحكمان مرفوعين
اذا ترك نسياناً.

ويرد عليه:
أنّ البطلان ليس حكماً شرعياً، وانما هو مخالفة
المأتيّ به للمأمور به وهذا سبب لبقاء الأمر
الأوّل، فوجوب الاعادة ايضاً ليس من أحكام ترك
الجزء، بل هو لبقاء الأمر الأوّل المستند إلى أمر
غير شرعي، وهو مخالفة المأتي به للمأمور به.

وقد عرفت
أنّ الذي يدلّ على رفعه الحديث هي الآثار الشرعية
لكل من الامور التسعة لا الآثار العقلية وما لا
يترتّب على الآثار العقلية من الآثار الشرعية.

وقد يوجّه
التمسّك بالحديث: بأنّ البطلان ومخالفة المأتي به
للمأمور به الموجب لبقاء الأمر الأوّل انّما
يستندان إلى أمر شرعي، وهو كون الفعل المنسي جزءً
للعبادة حال النسيان، فانّ الجزئية من الأحكام
الشرعية الوضعية، وإذا دلّ حديث الرفع

[ 46 ]

على أنّ
الآثار الشرعية حال النسيان مرفوعة، فيدلّ على أن
الجزئية التي هي ايضاً من الآثار مرفوعة، واذا كانت
هي مرفوعة، يكون البطلان الموجب لبقاء الأمر
مرفوعاً لعدم سبب له، فانّ المأمور به اذا كان ما
عدا الجزء المنسيّ من الأفعال، لا يكون المأتي به
مع ترك ذلك الجزء مخالفاً للمأمور به.

فان قلت:
رفع جزئية الفائت نسياناً مدلول الحديث، وأمّا كون
المأمور به خصوص ما عدا الجزء المنسيّ من الأجزاء
حال النسيان فهو لا دلالة عليه.

قلت: مبنى
رفع الجزئية حال النسيان كون المأمور به ما عدا
الجزء المنسيّ، إذ على تقدير عدم كونه مأموراً به
فالمرفوع هو الأمر بالكل ووجوبه، لا جزئية الجزء.

والحاصل:
أنّ الدالّ على رفع الجزئية دالّ على كون المأمور
به ما عدا المنسي من الأجزاء.

ولكن يرد
عليه: أنّ الجزئية أيضاً نظير البطلان في عدم كونه
حكماً شرعياً، بل هي من الاعتبارات العقليّة
اللاحقة للبعض، نظير الكلية اللاحقة للكل، فانّه
إذا لوحظ امور متعدّدة بملاحظة الصورة الاجتماعية
شيئاً واحداً يلحقه بملاحظة تقوّمه بامور متعدّدة
اعتبار عقلي وهو وصف الكلية ويلحق كلّ واحد من
الأجزاء بملاحظة كونها ممّا يتقوّم بها الكل وصف
الجزئية، فهي غير قابلة للرفع كما أنّ البطلان غير
قابل له.

بقي الكلام
في أنّ فعل القاطع نسياناً هل هو مثل ترك الجزء في
عدم دلالة الحديث على رفع حكمه؟

فنقول:
يمكن أن يفرّق بينها بأن ترك الجزء ليس من أحكامه
الشرعيّة بطلان الكل بدونه، وانّما يحكم بذلك
العقل بعد العلم بدخوله في الكل، ولكن بطلان العمل
في القواطع انما هو من احكامها الشرعية ومن الحكم
استفيد مانعيتها.

والحاصل:
انّ بطلان الفعل بترك الجزء انما استفيد من حكم
العقل بعد العلم بدخوله في مفهوم العبادة،
والبطلان في القواطع انّما علم بحكم الشارع
واستفيد من ذلك الحكم المانعية، وإذا كان إبطال
العمل من أحكامها الشرعية، يكون الدالّ

/ 24