رسائل الفشارکیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رسائل الفشارکیة - نسخه متنی

السید محمدباقر الفشارکی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



القول في
أدلّة القول بوجوب الاحتياط والكفّ عمّا يحتمل
حرمته وهي الكتاب والسنّة والعقل

أمّا
الكتاب: فالمستدلّ منه به طائفتان: الاولى: الآيات
الناهية عن القول بغير علم، كقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم)(1) ومنه قوله تعالى (فان تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه
والرسول)(2) فانّ الظاهر أنّ المراد من الردّ -
واللّه العالم - : السكوت وعدم القول فيه بشيء
وانتظار ما يأتي به الرسول صلّى اللّه عليه وآله،
فعدّ الآية من الطائفة الثانية كما في الرسائل(3)
غير خال من النظر.

الثانية:
الآيات الآمرة بالاحتياط كقوله تعالى: (اتّقوا اللّه حق تقاته)(4) (وجاهدوا
في اللّه حق جهاده)(5) (فاتقوا اللّه ما استطعتم)(6) (ولا تلقوا)(7) إلى آخره.

والجواب
أمّا عن الأوّل: فبأنّ الفتوى بالاباحة الظاهرية -
مستنداً إلى ما يدلّ على البراءة من قبح التكليف
بلا بيان وغيره من الأدلّة اللفظية - ليس قولاً بغير
علم، فالدالّ على البراءة وارد على هذه الآيات.

وأمّا عن
الثانية: فبأنّ دلالة ما عدا آية التهلكة على
الوجوب ممنوعة، مضافاً إلى أنّ منافاة إرتكاب
المشتبه للتقوى والمجاهدة إنّما نسلّم، إذا كان ما
يدلّ على الرخصة

__________________

[ 75 ]

فيه غير
موجود، ومع وجوده فلا منافاة ضرورة أنّ المنافي
لهما فعل ما لا يرضى به اللّه تعالى، فما ثبت أنّه
راض به لا ينافيها.

وأمّا آية
التهلكة فيما مرّ من أنّ الضرر الاخروي بقسميه
مأمون منهما، وما يحتمل الضرر الدنيوي خارج عن
مدلول الآية.

ودعوى: أنه
قد يكون داخلاً كما اذا قام خبر ظنّي غير معتبر على
حرمة شيء ويتمّ الباقي بعدم القول بالفصل، لا اظنّ
انّها مسموعة، لانّ استلزام الخبر الظنّي الدالّ
على الحرمة الظنّ بالضرر الدنيوي - على تقدير
إفادته الظنّ بالحرمة - بديهي العدم ولا إجماع على
الفرق بين صورة الظن بالضرر الدنيوي وغيره حتى يتمّ
مطلوب الخصم.

وأمّا
السنّة فهي أيضاً طوائف: الاولى: ما يدلّ على النهي
عن القول بغير علم، كقوله تعالى (وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون)(1) ومن ذلك
قوله عليه السّلام: وأمر اختلف فيه فردّوه إلى
اللّه عزّ وجلّ(2). وقوله عليه السّلام: حق اللّه على
العباد أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا
يعلمون(3).

فانّ
الظاهر ان المراد: التوقّف عن القول دون العمل وإن
استلزمه، وعدّهما فيما يدلّ على وجوب التوقّف لا
يخلو من نظر.

والجواب:
ما مرّ في الآيات.

الثانية :
ما يدلّ على وجوب التوقّف كالأخبار المشتملة على
أنّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة(4).

وكرواية
الطيّار عن الصادق عليه السّلام انه قال عليه
السّلام عند عرض بعض خطب اللّه عليه وبلوغه موضعاً
منها: كفّ واسكت ثم قال عليه السّلام: انه

__________________

[ 76 ]

لا يسعكم
فيما ينزل بكم الاّ الكفّ والتثبّت والردّ الى ائمة
الهدى حتى يحملوكم فيه إلى القصد ويجلوا عنكم فيه
العمى ويعرّفوكم فيه الحق(1).

وكرواية
المسمعي الآمرة بالكفّ والتثبّت عند تعارض الخبرين
واختلافهما بعد الأمر بالردّ الى ائمة الهدى
والنهي عن القول بالرأي(2) إلى غير ذلك.

واجيب
بوجوه:

الأوّل: إن
أخبار البراءة أخصّ من أخبار التوقّف فيخصّص بها.

وفيه: إن
أخبار البراءة لا تكون قابلة لمعارضة أخبار
الاحتياط، لورودها عليها - كما مرّ - وأمّا بعض
الأخبار الخاصة: كقوله كل شيء مطلق حتى يرد فيه
نهي(3) فهي وإن اقتضت البراءة فيما لا نصّ فيه، إلاّ
أنّ ادلّة التوقّف دلالتها على وجوب الاحتياط فيما
يتعارض فيه النصّان تامّة من غير معارض، لفقدان ما
يصلح للمعارضة عدا هذا الخبر، وهو مختصّ بالبراءة
فيما لا نصّ فيه، فانّ ما ورد فيه نصّان متعارضان،
حصل فيه غاية الاباحة الظاهرية الدالّة عليها هذا
الخبر وهي ورود النهي، وحينئذٍ فيتمّ أخبار
التوقّف لما لا نصّ فيه، وان اقتضى هذا الخبر
تخصيصها، لعدم القول بالفصل.

والحاصل:
أنّ عموم العام في غير مورد التعارض سليم عن
المعارض، فيجب العمل به ويتمّ المطلوب في مورد
المعارضة، لعدم القول بالفصل، فانّ العمل بالخاص
في قبال العام انما يصحّ إذا لم يعارضه دليل آخر،
والاجماع المنضمّ إلى العموم بالنسبة الى غير مورد
التخصيص معارض للخاص هنا.

إلاّ أن
يقال: كما يمكن إتمام مقصود الأخباري بالعمل
بالعموم في غير مورد المعارضة وفيه بعدم القول
بالفصل، كذلك يمكن إتمام مقصود الاصولي بالعمل

__________________

[ 77 ]

بقاعدة
تعارض العموم والخصوص في مورد المعارضة، واتمام
المقصود في غير مورد التعارض بعدم القول بالفصل،
فكما يمكن أن يعمل بدليل الاحتياط فيما تعارض فيه
النصّان، ويتمسّك للعموم فيما لا نصّ فيه بالاجماع
المركّب، كذلك يمكن العكس، وهو إتمام ادلّة
البراءة الخاصة بظاهرها بما لا نص فيه لما تعارض
فيه النصّان بالاجماع المركّب.

بل يمكن أن
يقال: إنّ هذا أولى، لأنّه يستلزم ابقاء حكم العام
في بعض مصاديقه، كما في الشبهة المحصورة، بخلاف
العكس فانّه يستلزم الغاء ادلّة البراءة بالمرّة.

ولكن يرد
عليه: انّ ابقاء عموم العام في بعض مصاديقه الذي لا
يمكن إرادته من العموم خاصة، لاستلزام تخصيص العام
في أكثر مصاديقه مثل طرح العموم بالمرّة، وليس ذلك
موجباً لترجيح العمل بالاجماع المركّب في طرق
أخبار البراءة دون أخبار الاحتياط.

ويمكن أن
يقال: إنّ قوله عليه السّلام: كل شيء مطلق إن فرض
غايته ورود مطلق النهي فهو بنفسه يردّ نفسه، لأنّ
مفهومه يقتضي الاحتياط فيما يتعارض فيه النصان،
لأنّه يدلّ على حصر الاباحة الظاهرية في غير صورة
ورود النهي الأعم من النهي المعارض بغيره ومن الذي
لا معارض له كما هو المفروض، وحينئذٍ فإن اخذنا
بمفهومه، وجب طرح منطوقه بالاجماع، وإن انعكس
الأمر، وجب طرح مفهومه بالاجماع، وهذا الخبر لا
يصلح للمعارضة لتلك العمومات الدالّة على وجوب
الاحتياط. ويأتي تتمة الكلام إن شاء اللّه بعد
الدليل العقلي وردّه.

وأمّا
العقل: فيقرّر بوجهين: الأوّل إنّا نعلم قبل
المراجعة إلى أدلّة الأحكام: أنّ من الأفعال ما
يكون محرّماً في الواقع ولا يريد الشارع أن يصدر
تلك الأفعال من المكلّفين، ومقتضى هذا العلم
الكفاية في تنجّز الخطاب المعلوم بالاجمال، وفي
جواز العقاب على مخالفة الخطاب المعلوم بحكم
العقل، الاحتياط في جميع اطراف الشبهة حتى يحصل
القطع بفراغ الذمّة عن ذلك التكليف المعلوم
بالإجمال الذي حسن

[ 78 ]

العقاب على
مخالفته عند العقل، لأنّ تحصيل البراءة اليقينية
عن الاشتغال اليقيني واجب بحكم العقل ثم انّا بعد
المراجعة لم يحصل لنا القطع بمحرّمات بمقدار
المعلوم بالاجمال بحيث يوجب ذلك القطع بزوال العلم
الاجمالي في غير المقطوعات، بحيث يكون الشك فيها
شكّاً بدوياً. وأمّا ما دلّ على حرمة الأدلّة
الظنية فهي وإن كانت بمقدار المعلوم بالاجمال، بل
يمكن أن يقال: انّها أكثر الاّ أنّ الحرمة الظاهرية
المعلومة بالأدلّة الظنية لا يوجب رفع حكم العقل في
موارد الشبهة بالاحتياط الاّ إذا كان الأمر بالعمل
بالأدلّة متضمّناً لبيان اكتفاء الشارع في مقام
امتثال الخطاب المعلوم بالاجمال بالعمل
بمؤدّياتها.

والجواب
عنه بوجوه:

الأوّل:
انّا لا نعلم بوجود محرّمات في الأفعال بحيث تكون
الأفعال التي لم يقم طريق على حرمتها داخلة في
أطراف الشبهة، بل العلم الاجمالي الموجود هو العلم
بوجود محرّمات في ما قام الطريق على حرمتها، إذ مع
إلقاء بعض الأفعال التي لا طريق على حرمتها بمقدار
المعلوم بالاجمال الذي يدّعى وجودها في المجموع لا
يزول العلم الاجمالي بوجود المحرّمات في مؤديات
الطرق، ومع إلغاء بعض ما قام الطريق على حرمتها
بمقدار المعلوم بالاجمال في المجموع، لا يبقى لنا
علم إجمالي بوجود محرّمات في البعض الباقي، ممّا
قام الطريق على حرمتها وغيرها من الأفعال التي لم
يقم طريق على حرمتها.

والحاصل:
أنّ من يدّعي وجود العلم الاجمالي بالمحرّمات في
الأفعال:

إمّا أن
يدّعي علماً إجمالياً واحداً وهو العلم بمحرمات في
الافعال الاعم ممّا قام الطريق على حرمته وممّا لم
يقم طريق على حرمته.

أو يدّعي
أنّ لنا علماً إجمالياً بوجود محرّمات بين الأفعال
زيادة على المقدار الذي نعلم وجودها في مؤدّيات
الطرق، فإن اقتصر في مقام الدعوى على الأوّل.

فجوابه:
أنّ إلقاء بعض الأفعال التي لم يقم طريق على حرمتها
بمقدار المعلوم بالاجمال لا يوجب زوال العلم
الاجمالي، وهذا دليل على أنها خارجة عن اطراف
الشبهة

[ 79 ]

وإن ادّعى
البراءة(1)، فجوابه: أنّ القاء بعض ما قام الطريق على
حرمتها بمقدار ما يعلم وجودها من المحرّمات في
مؤدّيات الطرق خاصة يوجب زوال العلم الاجمالي في
غير ما القي في موارد الطرق وسائر الأفعال التي لا
طريق على حرمتها، وهذا دليل عدم وجود العلم
الاجمالي بالزائد الذي ادّعاه، لأنّه لو كانت
محرّمات زائدة على المقدار المعلوم وجوده في
الطريق، لم يلزم من فرض عدم ما يكون بمقدار ذلك
المعلوم وجوده في مؤدّيات الطريق عدم العلم
الاجمالي.

وهذا
الجواب انّما يفيد إذا ادّعى إن أطراف الشبهة في
العلم الاجمالي الذي يدّعى انحصارها في ما قام
الطريق خصوص ما قام الطريق المعتبر على حرمته،
فانّه إذا كان من اطراف الشبهة ما قام على حرمته
طريق غير معتبر، لم يمكن التمسّك فيه بالبراءة بل
يمكن إتمام الاحتياط فيما لا نصّ فيه اصلاً بعدم
القول بالفصل ان ثبت كما هو الظاهر.

الثاني: إن
العلم بوجود المحرّمات مع ورود أدلّة البراءة لا
يوجب الاحتياط، لأنّ هذا العلم الاجمالي ليس خاصاً
وجوده بمن هو في زماننا - اعني زمان قطع الأيدي عن
الوصول الى الائمة عليهم السّلام - بل كان متديّن
بهذا الدين يعلم أنّ فيه أحكاماً وفي الأفعال يكون
محرّمات وواجبات، ويعلم أيضاً أنّ في بعض الأفعال
محرّمات ولا يحتمل عنده وجوب شيء منها، وكذا يعلم
بأنّ بعض الأفعال فيها واجبات، ويعلم بأنّ شيئاً
منها ليست بمحرّمة، ولا ريب أنّ أدلّة البراءة ليس
المخاطب بها خصوص من حصل له العلم بمحرّمات بمقدار
المعلوم بالاجمال بحيث زال بسبب ذلك علمه الاجمالي.

بل يمكن أن
يقال: إنّ مثل هذا الشخص نادر وجوده لا يمكن أن يكون
المقصود بالأخبار بيان حكمه، فعلم أنّ أخبار
البراءة كلّها واردة في بيان عدم وجوب الاحتياط في
موارد الشبهة من الاطراف الذي ليس فيه بخصوصه دليل
على حكمه،

__________________

[ 80 ]

ولا ريب
أنّ إذن الشارع بعدم وجوب الاحتياط في بعض أطراف
الشبهة وإن لم يوجب رفع العلم الاجمالي، موجب لرفع
حكمه - وهو وجوب الاحتياط - لأنّ مبناه هو احتمال
الضرر مع اذن الشارع لا يحتمل وجود الضرر فيرتفع
موضوع حكم العقل، فتأمّل.

الثالث:
أنّ قيام الطريق على حرمة أفعال بمقدار المعلوم
حرمته بالاجمال ممّا لا ريب فيه، وهذا يوجب رفع حكم
العلم الاجمالي عمّا لا طريق الى حرمته، وبيانه
يحتاج إلى مقدّمة.

وهي أنّ
العلم اذا تعلّق بثبوت حكم لأحد الفعلين من الحرمة
أو الوجوب مثلاً، ولم يكن علم للمكلف بعنوان ينطبق
على موضوع ذلك الحكم الاّ عنوان أحدهما، أو عنوان
آخر ينطبق على كل واحد من المشتبهين كفعل مثلاً،
ولا ريب أنّ هذا العلم الاجمالي موجب لتنجّز الواقع
إن كان المحرّم الواقعي كما زعمه المكلّف بمقدار
المعلوم بالاجمال، كما إذا زعم أنّ أحد الغنمين
موطوء، وكان في الواقع موطوءً ايضاً منحصراً في
واحد، وموجباً لتنجّز الواقع بمقدار المعلوم
اجمالاً على نحو التخيير بين أفراد الواقع اذا كان
المحرّم الواقعي أزيد ممّا علمه المكلّف - كما في
المثال - وكان كل منهما في الواقع محرّماً، فانّ
الذي يجب عليه منجّزاً هو الاجتناب عن احد الغنمين
على نحو التخيير، ضرورة أنّ العقاب على مخالفة
الزائد عن الواحد عقاب بدون بيان بالفرض، وإذا حصل
للمكلّف بعد هذا العلم الاجمالي علم بحرمة أحد
الفعلين، أو أحد الغنمين تفصيلاً فهو على قسمين:
أحدهما أن يحصل له العلم التفصيلي بحكم أحدهما
بواسطة حصول سبب جديد للحكم، أو يعلم بالحكم،
ويحتمل أن يكون سبب هذا الحكم امراً حادثاً
فالأوّل: كما اذا علم أنّ أحد الغنمين موطوء ثم صار
أحدهما المعيّن موطوءً وعلم به، والثاني: كما إذا
أخبره أحد بانّ الغنم الفلاني موطوء وحصل له من
قوله العلم، ولكن احتمل عنده أن يكون إخبار المخبر
لعلمه بوطءٍ حادث غير ما علمه السامع، ومن هذا
القبيل لو علم لموضوع الحكم عنواناً لا ينطبق الاّ
على واحد منهما واقعاً واشتبه عليه الانطباق، ثم
حصل له علم بأنّ المشتبهين له

[ 81 ]

حكم على
طبق الحكم المعلوم بالاجمال لكن بسب آخر، أو مع
احتمال كونه بسبب آخر، كما اذا علم أنّ أحد الصوتين
غناء، ثم علم بعد ذلك أنّ المعيّن منهما صوت
الأجنبية - إن قلنا بحرمة سماعها - والحكم في جميع
هذه الصور هو الاحتياط في الطرف الذي بقي اشتباه
حكمه، لأنّ الاشتغال بالاجتناب عن المعلوم
بالاجمال حاصل، وهو يستدعي البراءة اليقينية، ولا
يحصل ذلك الاّ بالاجتناب عن كلا الفردين.

فان قلت:
انّ المعلوم ثبوته من التكليف بعد هذا العلم
التفصيلي ليس إلاّ تكليفاً واحداً وهو حرمة
المعلوم حرمته بالتفصيل، والاصل براءة الذمة عن
الزائد.

قلت:
اشتغال الذمة بالاجتناب المردد بين المشتبهين ثابت
بمقتضى العلم الاجمالي الأوّلي، بل نقول: العلم
بوجوب الاجتناب عنه الآن باق وسبب كون التكليف
المعلوم الآن منحصراً في الواحد ليس بزوال ذلك
العلم الاجمالي وصيرورته تفصيليّاً بل السبب في
ذلك احتمال انطباق موضوع الحكم تفصيلاً لموضوع
الحكم المعلوم اجمالاً.

وبعبارة
اخرى العلم بوجوب الاجتناب عن الفرد المردّد بين
المشتبهين حاصل والعلم بوجوب الاجتناب عن المحرّم
المعلوم تفصيلاً أيضاً حاصل، ولكن لمّا كان انطباق
المعلوم حكمه للفرد المردّد الذي علم حكمه
محتملاً، لم يبق لنا علمان بتكليفين وصار ذلك سبباً
لكون تكليف واحد معلوماً والزائد مشكوكاً، وإذا
كان وجوب الاجتناب عن الفرد المردّد بين المشتبهين
معلوماً، وجب بحكم العقل الاحتياط حتى يحصل
البراءة اليقينية بعد الاشتغال اليقيني.

وأمّا
قولك: إنّ الأصل براءة الذمّة عن الزائد، لا يجدي في
رفع الاحتياط عن الفرد الذي بقي حكمة مشتبهاً، وذلك
لأنّ براءة الذمّة - عند احتمال عدم انطباق الفرد
المردّد له - معارض بأصالة براءة الذمّة عن المعلوم
حكمه من هذه الجهة، - وإن كان الاشتغال به من جهة
اخرى معلوماً - وبعد التعارض يتساقط الأصلان، إذ لا
ترجيح بين الأصلين، - كما قرّر في محلّه -.

الثاني: أن
يحصل العلم التفصيلي بحكم أحد المشتبهين على طبق
الحكم المعلوم

[ 82 ]

بالاجمال،
مع عدم كون العلم بالحكم بواسطة حدوث سبب جديد، ولا
بواسطة أمر يحتمل معه حدوث سبب جديد، ولا ريب أنّ
العلم الاجمالي في هذه الصورة ينقلب تفصيليّاً،
فيكون المشتبه الآخر مشكوك الحكم بشك ابتدائي،
وذلك لأنّ سبب إجمال العلم إنّما كان إشتباه متعلّق
الحكم المعلوم، ولا ريب أنّه بعد هذا العلم يرفع
الاشتباه، واذا رفع ينقلب الاجمالي الى التفصيلي،
مثلاً اذا علمنا أنّ أحد الغنمين محرّم ولم نعلم
المحرّم بخصوصه ثم علمنا بحرمة أحدهما خاصّة ولم
يكن حدوث سبب الحرمة محتملاً، فلا ريب أنّ متعلّق
الحرمة المعلومة يتعيّن كونه ذلك المعلوم حرمته
تفصيلاً، ويبقى الفرد الآخر مشكوك الحكم ابتداء.

فتلخّص:
أنّ العلم الاجمالي إذا لحقه العلم التفصيلي،
فتارة يكون التفصيلي سبباً لزوال الاجمالي السابق
وانقلابه الى شك بدوي وعلم تفصيلي، وقد لا يكون
كذلك، فعلى الأوّل: لا يجب الاحتياط في مشكوك
الحكم، وعلى الثاني: يجبب الاحتياط، وضابط القسمين:
هو أنّ متعلّق الخطاب المعلوم المفصّل متعلّقه
إمّا أمر لا يحتمل عدم إنطباق متعلق الخطاب المعلوم
المجمل متعلّقه عليه، وإمّا أمر يحتمل أن لا ينطبق
عليه، فعلى الأوّل: يذهب الاجمال من متعلّق العلم
الاجمالي وينقلب تفصيليّاً، إلاّ إذا كان حدوث
تكليف جديد عدا التكليف المعلوم بالاجمال محتملاً،
فانّه لا تفصيل حينئذٍ لبقاء التردّد مع هذا
الاحتمال في متعلّق الخطاب الأوّل، وعلى الثاني:
يكون العلم بالخطاب المجمل باقياً على حاله، غاية
الأمر أنّه للشك في الانطباق لا يكون التكليف
المعلوم الاّ واحداً.

وبعبارة
اخرى: إن كان جميع عناوين موضوع الحكم المجمل
متعلّقه صادقاً على كل واحد من الأطراف، فيكون
العلم بحكمه - مع عدم احتمال حدوث حكم جديد - موجباً
لرفع اجمال العلم الأوّل، وإن لم يكن كذلك، فذهاب
إجماله موقوف على العلم بثبوت عناوينه لبعض
الاطراف، ففي ما اذا كان مفهوماً مردّداً بين
مفهومين لا يصدق إلاّ على واحد منهما في الواقع،
فحكمة الحرمة لا يذهب إجمال ذلك الحكم، الاّ بعد
العلم بأنّ البعض المعيّن من الأطراف صادق عليه ذلك
المفهوم

[ 83 ]

المردّد،
ولا يكفي مجرّد العلم بأنّ الطرف الفلاني حكمه
الحرمة لرفع الاجمال، لجواز أن يكون كل واحد من
الأطراف الذي يكون مصداقاً لذلك المفهوم المردّد
واقعاً وغيره حكمه الحرمة، ومع هذا الاحتمال كيف
يرفع الاجمال.

وبعبارة
ثالثة: المناط في رفع الإجمال من العلم هو العلم
بأنّ متعلّق الحكم - الذي كان المكلف متردّداً في
تعلّقه بكل من المشتبهين - هو البعض المعيّن منهما،
وذلك عند كون جميع ما للمفهوم المردّد - الذي موضوع
ذلك الحكم في نظر المكلف من العناوين - صادقاً على
كل واحد من الأطراف، كمفهوم أحدهما، والفعل يحصل
بمجرد العلم بثبوت الحكم المطابق لبعض الاطراف مع
عدم احتمال تجدّد الحكم، وفيما إذا كان عنوان موضوع
الحكم غير صادق في نظر المكلّف إلاّ على بعض لا يعلم
ذلك البعض بتعيّناته، يجب أن يحصّل ما يرشده إلى
مورد ذلك العنوان، ولا يكفي في رفع الاجمال العلم
بكون بعض الاطراف مورداً لمثل الحكم الذي يثبت لذلك
المجمل.

لا يقال: ما
كرّرت من أنّ المفهوم الموضوع للحكم إن كان صادقاً
على كل واحد من الاطراف، يكفي في رفع الاجمال،(1)
العلم بثبوت مثل الحكم لبعض معيّن من الاطراف
ممنوع، لأنّا قد يكون لنا علم بإباحة أحد فعلين،
وعلم بحرمة الآخر مع اشتباه متعلّق العلمين، وليس
في نظرنا عنوان لشيء من موردي الاباحة والحرمة إلاّ
يصدق على كل من المشتبهين، ومع ذلك اذا علمنا بأنّ
أحدهما المعيّن حكمه الحرمة، لا يحصل لنا العلم
بإباحة الآخر ولو كان الأمر كما ذكرت للزم حصول
العلم بإباحة الآخر.

لأنّا
نقول: مع إحتمال تجدّد حكم ورفع إباحة المباح وثبوت
الحرمة مكانها، اذ ذهاب العلم الاجمالي بالاباحة
بنحوٍ آخر يمكن أن لا يحصل العلم بالاباحة وبدونه
غير معقول.

__________________

[ 84 ]

لا يقال: ما
تنجّز على المكلّف هو الاجتناب عن المحرّم الواقعي
بذاته، لا الاجتناب عن شيء عنوانه أحدهما أو فعل
ومع ذلك يجب أن يحصل العلم بأنّ البعض المعيّن الذي
فصّل حكمه هو ذلك الواقع.

لانا نقول:
حصول هذا العلم لازم تفصيل حكم أحد المشتبهين، لأنّ
المحرّم الواقعي - الذي وجب الاجتناب عنه في مورد
الشبهة - إما كلّ واحد من الأطراف، أو أحدهما، فان
كان هو كل واحد، فالمنجّز على المكلّف لم يكن إلاّ
أحدهما على وجه الترديد، وقد حصل له العلم بحرمة
أحدهما بالمفروض، فحصل له العلم بالواقع الذي وجب
الاجتناب عنه، وإن كان واحداً معيّناً، فالأمر فيه
أوضح، إذ المفروض علم المكلّف بأنّ أحدهما محرّم.

إذا عرفت
هذه المقدمة فنقول: اذا علم المكلّف بأنّ مقداراً
من الأفعال المردّد، وذلك المقدار الذي لا عنوان له
إلاّ فعل في نظر المكلّفين، كعلمنا بأنّ للّه تعالى
محرّمات بين الأفعال وقام الطريق على حرمة مقدار من
الأفعال التي هي من أطراف الشبهة، فلا ريب أنّه يجب
البناء على لزوم الاحتياط، وذلك لأنّ الطريق
بمدلوله حاكم بأنّ الأفعال الخاصة محرّمات واقعية،
ودليل وجوب العمل بالطريق يقضي بوجوب البناء على
واقعية مدلول الطريق، فيكون تلك الأفعال محرّمات
واقعية بحكم الشارع الجاعل للطريق، ولازم ذلك
الحكم بانطباق المعلوم بالاجمال لما يدلّ على حرمة
الطريق، إذ المفروض أنّ الواجب على المكلّف لم يكن
إلاّ الاجتناب عن محرّمات واقعية، وقد فرض أن مؤدّى
الطريق - المفروضة محرّمات واقعية بحكم الشارع - فهي
بحكم الشارع تلك الواقعيات المنجّزة على المكلّف،
فالاجتناب عنه يكون اجتناباً عن المحرمات
الواقعية، فلا يجب الاحتياط في باق الاطراف.

توضيح ذلك:
أنّ العلم الاجمالي بوجود الحرام بين الأطراف في
مثل ما نحن فيه الذي لا عنوان فيه للمعلوم غير
العنوان الصادق على جميع أطراف الشبهة، لا يوجب
الاّ تنجّز الحرام الواقعي بمقدار المعلوم
بالاجمال على المكلّف، إما تعييناً لو كان مقدار
الحرام الواقعي بين الاطراف مطابقاً بمقدار
المعلوم المكلف، أو تخييراً لو كان

[ 85 ]

أزيد،
فاللازم على المكلّف إحراز الاجتناب عن المحرّم
الواقعي الكائن بين الأطراف.

وطريق
إحرازه: إمّا الاحتياط لو لم يكن طريق يثبت كون بعض
الاطراف محرّماً واقعياً، ولو كان فإمّا هو العلم،
وقد عرفت الكلام انّه موجب لزوال إجمال العلم
بحدوثه لزوال سبب الاجمال، وهو تردّد المتعلّق
للحكم بين الاطراف لانطباق المجمل حكمه على
المفصّل حكمه، وإمّا هو طريق التعبّدية من خبر
الواحد وغيره، وهو وإنّ لم يوجب زوال العلم
الاجمالي، إلاّ أنّه كالعلم في رفع الاحتياط، لأنّ
معنى حجّيته كون مؤدّاه منزّلاً منزلة الواقع عند
الشارع، فما يدلّ على حرمة من الاطراف يكون محرّماً
واقعياً بحكم جاعل الطريق، ويلزمه عقلاً الحكم
بانطباق ذلك مع الذي اشتغل ذمة المكلّف به، اذ ليس
عنوانه إلاّ المحرّم الواقعي بين الاطراف، وهو
إمّا أحدهما أو كلاهما، والانطباق على الأخير
واضح، وأمّا على الأوّل فلأنّ الحكم بأنّ أحد
الأمرين الذين يعلم أنّ واحداً منهما حرام يكون
حراما، يلزمه الحكم بأنّ هذا هو الحرام، إذ المفروض
أنّه لا حرام الاّ واحد، فالمجتنب عنه يكون مجتنباً
عن الحرام الواقعي الذي بين الاطراف عند جاعل
الطريق، فإذا كان مجتنباً يسقط عنه الاحتياط،
لأنّه انّما كان واجباً بحكم العقل، لأجل إحراز
الاجتناب عن المحرّم الواقعي الذي كان بين الاطراف
وكان ذمة المكلّف مشغولة به، وقد حصل إحراز ذلك
بالاجتناب عمّا دلّ على حرمة الطرف.

والحاصل:
أنّ الواجب على العالم اجمالاً لم يكن غير الاجتناب
عن الحرام الواقعي الذي بين الاطراف، ممّا ثبت أنّه
ذلك الحرام من الاطراف اذا احترز عنه فرغت ذمّته
عنه، سواء كان ثبوته بطريق تعبّدي، أو عقلي، وعلى
الأوّل يكون الطرف الآخر مشكوكاً حكمه حكم المشكوك
الابتدائي، كما أنّه على الأخير حقيقة مشكوك بالشك
الابتدائي فاصالة البراءة جارية فيه من غير مانع،
ولكن لقائل أن يقول: إنّ الطريق لا يوجب التعيين،
لأنّ معنى حجّيته ليس الاّ أن مؤدّاه واقع، وذلك لا
يوجب الاّ ترتتيب الآثار الشرعية الثابتة الواقعية
على مؤدّى الطريق،

[ 86 ]

ولا ريب
أنّ الحرمة الواقعية الثابتة لبعض الاطراف، انّما
يوجب ذلك سقوط العقاب على تقدير مخالفة أمر
الاحتياط في الطرف الآخر على ترك الواقع المجهول
بين الطرفين، لأجل أنّه على تقدير كونه واقعياً
ينطبق على ما وجب على المكلّف منجّزاً، لأنّه إمّا
واحد معيّن في الواقع بين الطرفين فهذا عينه، أو
أحدهما المردّد على تقدير كون كل واحد منهما
مردّداً حراما فهذا أيضاً ينطبق معه، وهذا السقوط
الواقعي لا يكون كافياً في سقوط وجوب الاجتناب عن
ذمّة المكلف الاّ بعد علمه بهذا الانطباق، أو ثبوته
بطريق تعبّدي، وثبوت ذلك بالعلم بحرمة أحد الطرفين
قد علمت وجهه، من أنّ ذهاب العلم الاجمالي بذهاب
إحتمال عدم حرمة ذلك الطرف الذي علم حرمته، وحصول
الانطباق بين المعلوم تفصيلاً والمجمل الذي علم
حرمته، والطريق إنّما يثبت ذلك اذا كان مؤدّاه أنّ
هذا الحرام الذي كان بين الطرفين، وأمّا بدونه فلا
يثبت ذلك به، فانّ إنطباق حرمته طرف معيّن مع
المجمل في نظر المكلّف انّما هو بسبب ذهاب إحتمال
عدم حرمة ذلك الطرف، والطريق لا يسدّ باب الاحتمال.

فان قلت:
الطريق وإن كان لا يسدّ باب الاحتمال، إلاّ أنّ
معنى حجيته كون احتمال مخالفته للواقع منزّلاً
منزلة العدم عند الشارع، ولازم ذلك الحكم
بالانطباق كما اشرنا إليه.

قلنا: إنّ
معنى كون الطريق حجة ليس الاّ انّه على تقدير كونه
مطابقاً للواقع لا يكون المكلّف معذوراً في مخالفة
الحكم الذي تضمّنه، أو الحكم الذي أثبت موضوعه
كحياة زيد مثلاً وذلك لا ينافي وجوب الاحتياط لأجل
العلم الاجمالي بحرمة أحد الطرفين.

وبالجملة:
رفع الاحتياط من لوازم تفصيل العلم الاجمالي،
والطريق التعبّدي لا يجعله بحكم المفصّل، لأنّه لا
يثبت أنّه منطبق مع بعض الاطراف، لا بالمطابقة إذ
عرفت أنّ مؤدّاه لا إشارة فيه إلى المعلوم بالاجمال
فيما نحن فيه، ولا بالالتزام إذ ليس مدلوله الاّ
سقوط العذر عن مخالفة الواقع.

/ 24