رسائل الفشارکیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رسائل الفشارکیة - نسخه متنی

السید محمدباقر الفشارکی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



الاستحاضة
وأحكامها

قوله «
قدّس سرّه »: « ولو تكرّر منه الوطء ».

أقول: إذا
تكرر(2) أنّ الغسل يوجب العفو عن الدم المتخلّل في
أمامه والذي بعده مطلقاً، أو إلى زمان الإنقطاع.

ثمّ إعلم
إنّ الدم المنقطع، إمّا أنّه حادث في غير وقت
العبادة ومنقطع في غير وقته، أو حادث في غير وقت
العبادة قبل فعلها ومنقطع في غير وقتها، كالدم
المستمرّ من الفجر إلى قبل الزوال، وإمّا منقطع في
وقت العبادة والإنقطاع في الوقت أيضاً، إمّا قبل
الغسل أو بعده.

فنقول:
أمّا القسم الأوّل فلا حكم للإنقطاع فيه، بناءً على
اختصاص الغسل بالدم في الوقت، وأمّا على الحدثية
المطلقة فيجب الغسل، لأنّ الإنقطاع لا يؤثّر في رفع
أثر الدم، إلاّ أن يقال: إنّ بقاء القوّة في الوقت
شرط في تأثير الدم السابق على الوقت في إيجابه
الغسل، نظراً إلى أنّ مقتضى الأخبار وجوب الغسل على

___

__________________

[ 338 ]

المستحاضة،
فإذا زالت الإستحاضة ارتفع موضوع الحكم.

وفيه نظر
يظهر وجهه فيما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

وأمّا
القسم الثاني فحكمه حكم الأوّل، إلاّ أنّه يشكل بأن
الدم في الفرض حادث في الوقت وكان موجباً للغسل، و
هو لاستمراره بعد الغسل لم يرتفع أثره، وانّما عفي
عنه بالنسبة [ إلى ] الصلاة في ذلك الوقت، لأجل
الاستمرار وعدم إمكان الرفع، فحيث ارتفع المانع،
وجب الغسل لرفع الحدث.

ويمكن أن
يدفع الإشكال بأنّ الدم في وقت عبادة ليس سبباً
لعبادة وقت آخر في نفسه، وقد ارتفع حكمه بالنسبة
إلى ما كان موجباً له.

مضافاً إلى
قوله عليه السلام في رواية الصحّاف: فلتغتسل ثمّ
تحتشي وتستثفر وتصلّي الظهر والعصر، ثمّ لتنظر،
فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف
الكرسف فلتتوضأ عند وقت كلّ صلاة(1) بناءً على أنّ
الغسل المأمور به قبل الظهرين للإستحاضة، فانّه
يدلّ على أنّ الإنقطاع بعد الصلاة لا يوجب الغسل
بالنسبة إلى عبادة اخرى، وفيه تأمّل، والمسألة لا
تخلو من إشكال وتأمّل.

وأمّا
القسم الثالث وهو ما ينقطع قبل الغسل في الوقت،
فالظاهر وجوب الغسل، لأنّ الإنقطاع لا يرفع الوجوب
الثابت قبله، إلاّ أن يقال: نمنع سببية الدم الذي لم
يستمرّ الى وقت الصلاة للغسل، فإن ثبت إجماع على
السببية وإلاّ فإيجاب الغسل مشكل.

نعم عند
القائل بالسببيّة المطلقة، والقائل بكون الدم في
الوقت في الجملة حدث موجب للغسل لا إشكال في وجوب
الغسل، إلاّ أن يقال: باعتبار بقاء القوّة في حال
الصلاة عند هؤلاء أيضاً في تاثير الدم في الوقت أو
مطلقاً في إيجاب الغسل، وسيأتي الكلام فيه.

وأمّا
القسم الرابع: وهو المنقطع بعد الغسل، فالظاهر وجوب
الغسل إذا كان

__________________

[ 339 ]

قبل
الصلاة، لأنّ هذا المقدار الموجود في أثناء الغسل
وبعده كافٍ في السببية، والعفو عنه انّما ثبت ما
دام مستمرّاً، إلاّ أن نمنع سببية هذا الدم الموجود
بعد الغسل وفي أثنائه، أو يقال: انّ الدم مطلقاً، أو
في الوقت، وإن كان سبباً، إلاّ أنّه يعتبر في
تأثيره بقاء القوّة في حال الصلاة، فإذا انتفى قوّة
الجريان في حال الصلاة لم يجب الغسل.

وفيه:
مضافاً إلى إمكان دعوى تسالم الأصحاب على أنّ ما
كان من الدم مطلقاً، أو في الوقت، سبباً لا يكون
بقاؤه قوة في وقت الصلاة معتبراً في تأثير السبب،
ولذا أوجب في الذكرى(1) على من تركت وظيفة الصبح ثمّ
انقطع الدم قبل الزوال أن تغتسل للظهرين، أنّ مقتضى
مفهوم قوله عليه السلام: إن كان الدم لم يسل بينها
وبين المغرب، أنّ السيلان في الجملة قبل المغرب أو
في أثنائه كافٍ في وجوب الغسل، ولو انقلبت قبل
الصلاة الكثرة إلى القلّة.

ودعوى
اعتبار صدق اسم الاستحاضة ولو كانت قليلة، بعيدة.

والحاصل:
أنّ اعتبار بقاء الدم قوّة في الوقت في الدم السابق
عليه عند القائل بالسببية المطلقة، وبقاؤه قوّة في
وقت الصلاة عند القائل لسببية الدم في الوقت لا
شاهد عليه.

ويمكن دعوى
الإجماع على خلافه، وأمّا منع سببية الدم الموجود
بعد الغسل وفي أثنائه فيدفعه تسالم الأصحاب على
سببية الدم الموجود في الوقت.

والظاهر
أنّ الإشكال في غسل الإنقطاع من جهة الإشكال في
ثبوت العفو مطلقاً، أو ما دام الدم مستمرّاً. ومن
هنا تعلم أنّ أكثر الفروض السابقة خارج عن محلّ
البحث في غسل الإنقطاع.

وكيف كان
فالأقوى بناءً على السببية وجوب الغسل لعدم الدليل
على العفو،

__________________

[ 340 ]

ولذا قال
في الذكرى(1) ووافقه في جامع المقاصد(2) أنّما ذكره
الشيخ(3) من إيجاب الوضوء خاصة مذهب العامّة، بناءً
منهم على أنّها لا توجب إلاّ الوضوء.

ثمّ إنّه
يشكل الفرق بين الوضوء والغسل مع الوضوء في الكثيرة
من توابع الغسل، ويمكن أن يوجّه هنا وفي بعض الصور
السابقة كالصورة الاولى والثانية، إلاّ أن يفرّق
بينهما، فانّ سببيّة الدم للغسل تابعة لبقائها
قوّة الدم في الوقت، أو في حال الصلاة دون الوضوء،
فانّ موجبه هو مطلق الإستحاضة، والقلّة والكثرة
انّما يلاحظان بالنسبة إلى الغسل.

والحاصل:
أنّ الإستحاضة عند الأصحاب بالنسبة إلى الوضوء
كالجنابة بالنسبة إلى الغسل، وأمّا الاستحاضة
الكثيرة بالنسبة الى الغسل فليست بهذه المثابة،
ولا تلازم بين الغسل والوضوء بالنسبة الى العفو،
ولا بالنسبة إلى السببية، وممّا يشهد بكون القليلة
حكمها حكم سائر الأحداث: قوله عليه السلام في رواية
علي بن جعفر بعد السؤال عن كيفية الصلاة ما دامت ترى
الصفرة: فلتتوضأ من الصفرة ولتصلّي، ولا غسل عليها
من صفرة تراها، إلاّ في أيّام طمثها(4) فانّ الغسل من
الصفرة هو الغسل بعد الصفرة، فيدلّ على أنّ الوضوء
منه أعمّ من الوضوء حال رؤيتها في حال عدمها.

ومما يدلّ
على أنّ الغسل للإنقطاع غير واجب: موثّقة سماعة عن
الصادق عليه السلام قال عليه السلام: غسل الجنابة
واجب، وغسل الحائض إذا طهرت واجب، وغسل الإستحاضة
واجب إذا احتشت بالكرسف وجاز الدم الكرسف فعليها
الغسل لكلّ صلاة، وللفجر غسل، وإن لم يجز الدم
الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم

__________________

[ 341 ]

مرّة،
والوضوء لكلّ صلاة، وغسل النفساء واجب(1) الحديث.
فانّ ظاهره حصر غسل الإستحاضة بحسب المورد في صورة
وجود الدم واستمراره، إلاّ أن يقال أنّ المقصود
بيان كمية عدد الغسل في حال الإستمرار، وليس في
مقام بيان تمام أفراده وموارده.

والحاصل:
أنّه يمكن بملاحظة رواية الصفرة، وهذه الرواية،
الفرق بين الوضوء والغسل، ولكنّه كما عرفت لا يخلو
عن إشكال.

وأمّا
الكلام في العبادة الواقعة في حال الدم فنقول: إنّ
الدم إمّا أن ينقطع في أثناء الصلاة أو بعدها، وعلى
أيّ تقدير، إمّا أنّها تعلم بالإنقطاع، أو تشكّ
فيه، أو تعتقد خلافه، والإنقطاع إمّا لفترة تسع
الطهارة والصلاة، أو للبرء.

فنقول:
أمّا مع العلم بالإنقطاع فلا إشكال في فساد الصلاة،
وأمّا الشك والقطع بالاستمرار فالظاهر الصحّة،
لإطلاق الأخبار الشامل لصورة القطع بالإستمرار
والإنقطاع بعده وصورة الشك فيه.

إلاّ أن
يقال: إنّ الإذن إتكال على ظهور الاستمرار، أو يقال:
إنّ مورد الأخبار هو استمرار الدم، والكلّ غير
بعيد، فالمسألة لا تخلو من إشكال.

ولو علمت
بالفترة وشكّت في سعة زمان النقاء للطهارة
والصلاة، ففي وجوب الصبر إمّا احتياطاً، لعدم
العلم ببدلية الصلاة مع الغسل، أو لأصالة عدم عود
الدم إلى زمان يسع الطهارة إشكال، لإطلاق الأخبار،
وما مرّ من منع الإطلاق، واقتضاء الأصل الاحتياط.

فإن قلت:
أصالة عدم العود لا يثبت وجوب الصبر.

قلنا: يثبت
عدم الأمر بالصلاة مع الدم، لأنّها من أحكام
الاستمرار، وعلى القول بعدم الصبر لو انكشف السعة،
فهل يجب الإعادة لكشف ذلك عن فساد الصلاة أم لا
لظهور الإطلاق في أنّ التكليف الإضطراري الواقعي
في حقّ

__________________

[ 342 ]

المستحاضة
هو الصلاة مع الدم؟ إشكال. واشكل منه: الفرق بين
صورة إعتقاد عدم الفترة، وصورة الشك في الحكم بعدم
إيجاب الإعادة في الأوّل والإعادة في الثاني، إلاّ
أن نمنع الإطلاق في صورة الشك، ويتمسّك في عدم
إيجاب الصبر إلى أدلّة الحرج، فانّها لا توجب
الإجزاء على تقدير الكشف، إذ هي لا تقتضي إلاّ رفع
حرج الوجوب، وهو أعمّ من كون الإذن في حال الصلاة
ظاهرياً أو واقعياً، فهو لا يوجب تعبّد التكليف
بالصلاة مع الطهارة للتمكّن منها، كما هو الفرض في
صورة الكشف عن سعة الزمان للطهارة والصلاة بمن لم
يسبق بفعل الصلاة مع الطهارة الإضطرارية فتأمّل.

وبعبارة
اخرى: الإذن في التعجيل أعمّ من كون الغسل مبيحاً
واقعياً أو ظاهرياً، فما لم يبيّن الأوّل، يحكم
بمقتضى إطلاق أدلّة مطلوبيّة الصلاة مع الطهارة
الواقعية بوجوب الإعادة والقضاء، فافهم ذلك،
واغتنم.


مسألة

ظاهر
الأخبار وعبائر جملة من الأصحاب كما قيل: انّ الجمع
بغسل واحد، ترخيص في الاكتفاء بغسل واحد عن الغسل
لكلّ صلاة، وهذا يقتضي جواز غسل الثاني، بل عن
المحقّق الثاني(1) وصاحب المدارك(2): القطع به.

قلت: لا
إشكال انّ الجمع بغسل واحد ليس واجبا شرطياً يتوقّف
صحّة الصلاة عليه، ولا واجباً نفسياً تعبدياً،
إلاّ أنّ مجرد ذلك لا يكفي في صحّة الغسل مع بقاء
أثر الغسل الأوّل والحكم على مشروعيته، وذلك لأنّ
الأخبار الآمرة بالغسل للظهرين المشتملة على أمر
مستقل بالجمع بينهما إما مطلقاً، أو بكيفية خاصة
ظاهرها وجوب غسل واحد للظهرين في توقّف الإكتفاء به
على الجمع، فيدلّ على أنّه مع

__________________

[ 343 ]

التفريق
يجب غسلان، ولا دلالة فيها على استحباب غسل مستقل
للعصر.

وأمّا
الأخبار الآمرة بالجمع لغسل واحد، فإن كان المراد
كما لا يبعد إيجاب الصلاتين معاً مع الإكتفاء بغسل
واحد، فيرجع مفادها إلى الصنف الأوّل، وإن كان
المراد الجمع بين الصلاتين في الغسل، فمدلولها
توقّف الظهرين مجموعاً على غسل مستقل، في قبال
المتوسّطة التي كانت تكتفي بغسل واحد لجميع الخمس،
فيبقى الحكم بالمشروعيّة متوقّفاً على أمر هو
مفقود.

نعم إن
قلنا بجواز الفصل بين الصلاة والغسل بأجنبي ينافي
المعاقبة كان في الأخبار الآمرة بالغسل لكلّ صلاة،
أو عند وقت كلّ صلاة دلالة على ذلك، لوجوب حمل الأمر
حينئذٍ على الإستحباب، مع إشكال في دلالة الأخير،
لجواز أن يكون المراد من الوقت، الوقت المتعارف
سابقاً، فيكون الأمر مبنيّاً على صورة التفريق.

وأمّا قوله
عليه السلام في مرسلة يونس: ثمّ تغتسل وتتوضأ لكل
صلاة(1)، فدلالته لا يخلو عن إشكال، لاحتمال أن يكون
القيد راجعاً إلى الوضوء خاصّة.

وأمّا ما
دل: على أنّ الطهر على الطهر حسن(2)، فهو مع عدم
دلالته على محلّ الكلام، إذ المقصود الغسل للعصر لا
بنيّة التجديد.

فمدفوع
بأنّ التجديد في الغسل غير معهود، خصوصاً مع منع
صدق الطهر على الغسل الغير الرافع، فالأحوط إن لم
يكن أقوى ترك الغسل إن كان منافياً لمعاقبة العصر
لغسل الظهر، لأنّه حينئذٍ لا يؤثّر رفعاً ولا
إباحةً، فيكون أجنبيّاً محضاً.


مسألة

المشهور
وجوب معاقبة الصلاة للغسل، واستدلّ له بأمور:

__________________

[ 344 ]

منها: ظاهر
قوله عليه السلام في رواية ابن سنان: المستحاضة
تغتسل عند صلاة الظهر وتصلّي الظهر والعصر، ثمّ
تغتسل عند المغرب فتصلّي المغرب والعشاء، ثمّ
تغتسل الصبح فتصلّي الفجر(1) الخبر، بناءً على ظهور
« عند » في المقارنة كما هو المحكي عن السرائر(2)
ناسباً له إلى لغة العرب.

ومنها:
الأخبار الآمرة بالجمع بين الصلاتين بتأخير الاولى
وتعجيل الثانية(3)، بناءً على أنّ الظاهر هو أنّ أصل
الجمع واجب، والكيفية الخاصة مستحبّ.

ومنها:
أصالة عدم جواز الصلاة مع الحدث إلاّ ما خرج
بالدليل، وهو صورة المقارنة.

وفي الكلّ
نظر.

أمّا
الأوّل فلأنّ المراد من صلاة الظهر هو زمان حضور
وجوبه، ويشهد لذلك: قوله عليه السلام عند المغرب
وعند الصبح(4) . . . . . المعتبر في العبادات تعلّق
القربة بالفعل، ولو بعنوان المغاير لعنوان الأمر،
حتى تكون معنى عبادية غسل الحيض أن يكون وجوده
الخارجي مقروناً بقصد القربة، وإن لم يكن المقصود
القربة به، بل كان بعنوان آخر متّحد معه في الوجود،
كان مقتضى ذلك سقوط الأمر المتعلّق بغسل الحيض،
ولكنّ الإلتزام بذلك دونه خرط القتاد.

مع أنّ
اختلاف حقائق الأغسال مع فرض اتّحادها بحسب
الأجزاء والشرائط من غير إرجاعه إلى القصد مشكل،
ومعه كيف يعقل حصول المأمور به من غير القصد إليه
تفصيلاً أو إجمالاً ؟ فضلاً عن حصول شرائط سقوط
الأمر به.

إذا عرفت
ما ذكرنا، فإن كان مراد المحقّق: أنّ الغسل ماهية
واحدة تعلّق بها

__________________

[ 345 ]

الأمر من
جهات مختلفة، فقد عرفت أنّ مع ذلك ترجع الأوامر عند
اجتماع الأسباب إلى أمر واحد مؤكّد، ومع هذا لا
يبقى مجال لما ذكره من المناقشة من أنّ الأعمال
بالنيّات(1)، إذ المكلّف به ليس إلاّ الغسل بقصد
القربة، والفرض حصوله، ولا مجال أيضاً لما ذكره من
السؤال عن حصول الثواب والأجر، ولا لما استدركه
بقوله: نعم لا تأبى أن تكون الإتيان الى آخره، وإن
كان مراده أنّ الماهيّات المختلفة لإمكان اجتماعها
يحصل عند اجتماع أسباب وجوبها بغسل واحد، فقد عرفت
ما فيه من أنّ تحقّق الماهيات بدون(2) لا يخلو عن
الإشكال فضلاً عن سقوط الأوامر التعبّديّة
المتعلّق بها، ويرد أيضاً على ما فرعه على قاعدة
التحسين من أنّ استحقاق الفاعل للمدح مع عدم قصده
عنوان الحسن، أنّه لا يتفرّع ذلك على القاعدة
المذكورة.

نعم إن
أراد ترتّب فوائد الفعل وآثاره المترتّبة عليه،
ولو كان حصوله قهرياً كان حسناً، ولكن لا دخل لذلك
باستحقاق الفاعل للمدح والثواب، كما هو ظاهر كلامه
قدّس سرّه.

قوله «
قدّس سرّه » في آخر كلامه: « مع أنّ ظاهر الروايات(3)
الكفاية ».

مراده: أنّ
ظاهر الروايات امتثال أوامر الأغسال بغسل واحد،
فلابدّ من تقييدها بمقتضى ظاهرها بعد البناء على
عدم حصول الامتثال بغسل واحد بصورة نيّة الجمع.

__________________

[ 346 ]

قوله «
قدّس سرّه »: « وكذا لو شككنا . . . الخ ».

يحتمل أن
يكون مراده: أنّ الشك في كفاية غسل واحد في مقام
الامتثال، يوجب الشك في كون رواية الكفاية معارضة
بما هو أقوى منها، وإذا كانت الرواية حالها من حيث
المعارض مجهولة لا يمكن التعلّق بها، ولكن ذلك مع
إشكال في تماميّته لا ينطبق على ظاهر عبارة
المحقّق.

ويحتمل أن
يكون مراده: أنّ مقتضى ظاهر أوامر الأغسال، الإتيان
بعنوانها الذي تعلّق الأمر به، فإن حصل القطع بحصول
الامتثال عرفاً بمجرّد حصول المأمور به في الخارج
من غير قصد إليه، كان ذلك مخصّصاً قطعياً لتلك
الأدلّة، وأمّا مع الشك في ذلك، تكون الرواية
الدالّة على غسل واحد معارضة لظاهر تلك الأدلّة،
وقد عرفت أنّها أقوى من هذه الرواية، فيرجع الأمر
إلى عدم العمل بعموم تلك الأدلّة مع الشك في حصول ما
يوجب تخصيصها، فلا مناص في إمتثال تلك الأوامر من
الإتيان بأغسال متعدّدة أو غسل واحد بنيّة الجميع،
وهذا الوجه أوفق بظاهر عبارته رحمه اللّه.

ثمّ إن
قلنا بكفاية غسل الجنابة عن غيره، فالظاهر سقوط
الوضوء، ويدلّ عليه مضافاً إلى ظهور الاتّفاق من
القائلين بإجزاء غسل الجنابة عن الوضوء، على أنّه
مجز عن الوضوء من كلّ سبب حتى الواجب لأجل رفع حدث
الحيض، بناءً على القول بالتشريك في رافعيّة الغسل
والوضوء لحدث الحيض، قوله تعالى: (وإن كنتم جنباً فاطهّروا)(1) لظهوره في عدم وجوب
الوضوء على الجنب لأجل الدخول في الصلاة، بناءً على
أنّه عطف على قوله تعالى: (فاغسلوا
وجوهكم)(2) لا على قوله تعالى: (إذا قمتم
إلى الصلاة)(3)، فمحصّل المعنى هو التفصيل بين الجنب
وغيره في وجوب الوضوء

__________________

[ 347 ]

للصلاة،
ولو كان الجنب مسبوقاً بحدث موجب للوضوء كما هو
مقتضى الاطلاق.

وقد يؤكّد
الإستدلال به بما رواه محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي
جعفر عليه السلام: إنّ أهل الكوفة يروون أنّ عليّاً
عليه السلام كان يأمر بالوضوء قبل غسل الجنابة، قال
عليه السلام: كذبوا ما وجدوا ذلك، في كتاب علي عليه
السلام: انّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (وإن كنتم جنبا فاطهّروا)(1) فانّ الإمام عليه
السلام استشهد بالآية على عدم وجوب الوضوء، وفيه
تأمّل، لإمكان أن يكون الاستشهاد لظهور الآية في
كفاية الغسل لرفع الجنابة، بعد كون المقام مقام
بيان تمام ما هو رافع لها، ألا ترى أنّه إذا قال
الطبيب لمن [ عنده ] صداع: اشرب السكنجبين، يفهم
العرف منه أنّ شرب السكنجبين كافٍ في رفع الصداع.

وممّا
يؤكّد ما ذكرنا ظهور الحال في وجوب الوضوء لرفع
الجنابة بقرينة قوله: قبل الغسل فانّ احتمال وجوب
تقديم وضوء الصلاة على الغسل بعيد في الغاية.

والحاصل :
أنّ الآية مع قطع النظر عن ظهورها في التفصيل بين
الجنب وغيره، خصوصاً بملاحظة آية التيمّم(2)، وإن
دلّت على أنّ الجنابة ترتفع بالغسل، ولا دخل للوضوء
في رفعها، لا تدلّ على وجوب الوضوء للصلاة إذا كان
مع الجنابة بعض أسبابه، وليس في الاستشهاد أيضاً
دلالة على ذلك، فتأمّل.

ويمكن
الاستدلال أيضاً بما ورد من أنّ غسل الجنابة ليس
قبله ولا بعده وضوء(3)، بناءً على أنّ المراد وضوء
الصلاة لا لرفع الجنابة، كما لا يبعد ظهوره في ذلك،
حتى لا ينافي وجوب الوضوء للصلاة.

ويمكن
الاستدلال بمرسلة جميل السابقة(4)، بناءً على ظهوره
في رفع الأحداث

__________________

[ 348 ]

الموجبة
لسائر الأغسال، وفيه تأمّل.

ثمّ إنّ
ظاهر الأصحاب كما قيل عدم الفرق في كفاية غسل
الجنابة عن غيره، بين عدم الإلتفات إلى ذلك الغسل،
وبين الإلتفات إليه وقصد سقوطه، وبين الإلتفات
إليه وقصد عدم سقوطه.

وربما
يناقش في شمول الإجماع للصورة الأخيرة. وفيه: أنّ
الإجماع المنقول عن السرائر(1) وجامع المقاصد(2) مطلق
كالنص، إلا أن يدّعى انصرافها إلى غير هذه الصورة،
وفيه: أنّ المفهوم من النص(3) والإجماع أنّ كفاية غسل
الجنابة عن غيره، لكونه رافعاً للأحداث الموجبة
لتلك الأغسال، وأنّ ذلك من خواصه وآثاره المترتبة
على حصوله، ولا دخل لقصد الفاعل فيه، كما أنّ رفع
الحدث الأصغر من خواص الوضوء.

نعم من
استشكل في كون الوضوء رافعاً مع قصد عدم الرفع كان
إشكاله سارياً في هذا المقام أيضاً.

الصورة
الرابعة: أن ينوي ما عدا غسل الجنابة، والكلام هنا
في مقامين:

الأوّل: في
صحّة هذا الغسل على ما نواه، وذلك بناءً على إجزائه
عن غيره لا إشكال فيه، انّما الإشكال فيه على القول
بعدم الإغناء عن غيره، كما هو الأقوى، نظراً إلى
إطلاق الأمر المقتضي للإجزاء، وقوله صلّى اللّه
عليه وآله: لكلّ امرئ ما نوى(4)، ومن أنّ صحّته في
نفسه مع عدم إغنائه عن الجنابة، يوجب بقاء الأقوى
مع ارتفاع الأضعف، وهو غير معقول، وأمّا الإطلاقات
فلا يشمل ما نحن فيه، لأنّ وجوب غسل الحيض هنا بعد
فرض إغناء غسل الجنابة عنه، لا يمكن أن يكون شيئاً

__________________

[ 349 ]

من أقسام
الوجوب، فلا يكون واجباً.

بيان ذلك:
أنّ الوجوب العيني خلاف مقتضى الإجماع على إغناء
غسل الجنابة، لأنّ تعيّن الشيء مع تعيّن المسقط
لغو، والتخييري غير معقول، وأمّا الثاني أعني
الوجوب التخييري فلا مانع منه، إذ رفع الحدث لما
يشترط فيه الطهارة واجب عند وجوبه، فيجب سببه الذي
هو أحد الأمرين من غسل الجنابة والحيض، غاية الأمر
أنّ غسل الجنابة يجب من جهتين لتأثيره في رفع حدث
الجنابة والحيض.

المقام
الثاني : في كفاية هذا الغسل عن غسل الجنابة، فعن
المحقّق في الشرائع(1) والمعتبر(2) والشهيدين(3 و 4)
والمحقق الثاني(5) هو ذلك، بل عن بعض(6) نسبته إلى
المشهور، [ وعن الشيخ(7)، والسرائر(8)، والوسيلة(9)،
وبعض كتب العلاّمة(10)، والإيضاح(11)، والموجز(12)،
وشرحه(13) ]، بل عن أكثر من تعرّض للمسألة عدم
الكفاية، بل قد يستظهر من عبارة السرائر(14)
المحكيّة شمول الإجماع المدّعى فيها

__________________

[ 350 ]

على كفاية
غسل الجنابة عن غسل الحيض، لعدم كفاية غسل الحيض عن
الجنابة، قال: إن كانت المرأة حائضاً ثمّ طهرت فقبل
أن تغتسل جاءها زوجها، فالواجب عليها أن تغتسل غسل
الجنابة دون الحيض، لأنّ غسل الجنابة له مزيّة
وقوّة وترجيح على غسل الحيض، لأنّه لا خلاف في أنّه
يستباح بمجرّده الصلاة وليس كذلك غسل الحيض،
وأيضاً غسل الجنابة قد عرفت وجوبه من القرآن، وغسل
الحيض عرفت وجوبه من السنّة المتواترة، ثمّ قال:
والمعتمد في ذلك الإجماع، انتهى. فانّ الإجماع
المدّعى، إن كان على أنّ الواجب نية الجنابة دون
الحيض، فظاهر أنّه يقتضي عدم كفاية غسل الحيض عن
الجنابة، لأنّ الوجوب المنفي عن نيّة غسل الحيض
الثابت لغسل الجنابة، إمّا مطلق الوجوب أو الوجوب
العيني، ولا ريب أنّ ثبوت الوجوب العيني لغسل
الجنابة، وعدم ثبوته لغسل الحيض، أو عدم ثبوت
الوجوب مطلقاً له لازم، لعدم كفاية غسل الحيض عن
غسل الجنابة، وإن كان على ثبوت المزية المقتضية
لكفاية غسل الجنابة عن غسل الحيض دون العكس فتثبت
المزية المذكورة، فيثبت المطلوب.

ولكن لا
يخفى أنّ الإجماع على هذا التقدير على المزيّة،
وأمّا اقتضاؤها عدم كفاية غسل الحيض عن غسل الجنابة
فهو اجتهاد لا ربط له بمعقد الإجماع.

وكيف كان
فاستدلّ للأوّل بإطلاق ما دلّ(1) على كفاية غسل
واحد، وبأنّ غسل الحيض غسل صحيح نوى به الاستباحة،
فيجب أن يكون رافعاً لحدث الجنابة، وبأنّ الحدث
الذي هو نجاسة معنوية أمر واحد، وإن تعدّد أسبابه.

والجواب
أمّا عن الاطلاق فبالمنع، وعن الثاني والثالث بمنع
الملازمة والاتّحاد، مضافاً إلى الموثّق(2) الدالّ
على وجوب غسل الجنابة، وعدم سقوطه بغيره.

__________________

[ 351 ]

وقد يستدلّ
أيضاً بما مرّ من الاخبار(1) الدالّة على أنّ غسل
الجنابة والحيض واحد، وقد عرفت الجواب عنها.

وقد يستدلّ
أيضاً بما دلّ(2) على أنّ الحيض أعظم من الجنابة،
فترتفع الجنابة برافعه، كما أنّ الحدث الأصغر
يرتفع برافع الأكبر.

وفيه: أنّ
الأعظميّة لم يعلم أنّها من حيث النجاسة، بل لعلّها
لعدم قابلية الإرتفاع المانع عن الوجوب، بل وجوب
الصلاة، فلا مجال لوجوب غسل الجنابة، ولو سلّم، فلا
دليل على أنّ رافع كلّ اكبر رافع للأصغر، ألا ترى
أنّ الحدث الأكبر المانع عن قراءة العزائم ودخول
المساجد ترتفع بغسل الحيض، ولا يرتفع الأصغر إلاّ
مع الوضوء، وبالجملة لا دليل يوجب الخروج عن مقتضى
الأصل.

ومما ذكرنا
يعلم عدم كفاية غسل الحيض عن غسل الإستحاضة، وغسل
المس، وغيرهما من الأغسال الواجبة، وقد يستظهر من
المحقّق(3) والعلاّمة(4) في بعض كتبه: أنّ الخلاف في
إغناء غسل الحيض من غسل الجنابة، مبني على القول
بعدم إغنائه عن الوضوء كما هو المشهور، ولعلّ وجهه
اتّحاد حقيقة الأغسال، وعليه فلا ينبغي الخلاف في
إغناء غسل الحيض، عن غير غسل الجنابة من الأغسال،
ولكن الاتّحاد محلّ المنع، والاتّفاق لم يثبت .

الصورة
الخامسة: أن ينوي غسلاً مطلقاً ينوي به استباحة
الصلاة، أو القربة، والكلام فيه هو الكلام في إغناء
غسل الحيض عن غيره، بل لا يجري فيه بعض ما مرّ.

والحاصل:
أنّك قد عرفت سابقاً: أنّ مقتضى ظاهر جملة من
الأخبار، اختلاف

__________________

[ 352 ]

ماهية
الأغسال، فعند تحقّق أسبابها واشتغال الذمة بها،
يجب تحصيل الفراغ، والعلم به لا يحصل من الإتيان
بغسل مجرّد، إذ لعلّها متباينة أو متصادفة يتوقّف
تصادفها على نية الجمع، على أنّا لو سلّمنا عدم
ثبوت اختلاف الماهية، فالشك فيه كافٍ في عدم
الاكتفاء بغسل مجرد، لأنّ تعدّد الأوامر معلوم،
والشكّ في حصول الفراغ عن عهدة تلك الأوامر، إذ لم
يثبت أنّ متعلّق تلك الأوامر ماهية واحدة، بل
لعلّها متباينة، أو متصادقة يتوقّف تصادقها على
نيّة الجميع.

فإن قلت:
إنّ القدر المعلوم ثبوته في كلّ من هذه الأوامر هو
إرادة الغسل المردّد بين كونه هو مطلق طبيعته، أو
نوعاً منه، ومع الشك في الأقلّ والأكثر، الأصل
البراءة، فالقدر الذي يحكم العقل بإشتغال الذمة به
في هذه الأوامر، هو تحصيل صرف الطبيعة التي تحصل
قطعاً بالإتيان بغسل مجرّد، والقيود الزائدة التي
لا يعلم اجتماعها في فرد واحد، لا يعلم التكليف
بها، والأصل البراءة عنها.

قلت: لمّا
علم من الخارج أنّ مطلوبية الغسل هنا غيرية لأجل
رفع ما حدث بتلك الأسباب لم يجز الإكتفاء مع الشكّ
في ارتفاع الحادث بغسل مجرد، ومسألة البراءة،
والاحتياط، مع قطع النظر عن هذه الجهة، وأمّا في
مثل هذه الصورة فلا ريب أنّ الأصل هو الاشتغال.

فإن قلت:
إذا فرضنا أنّ ظاهر الدليل اقتضاء كلّ واحد من
الأسباب شيئاً ولم يعلم أنّ مقتضاها هو الطبيعة، أو
أنواع بما يحسب ظاهر اللفظ كان ظهور الدليل في
فعلية اقتضاء كلّ واحد من الأسباب كافياً في إثبات
اختلاف حقائق الأغسال، إذ مع فرض اتّحاد الماهية لا
يكون المقتضي الفعلي إلاّ الحادث أولاً.

قلت:
اقتضاء كلّ واحد الغسل، قد يكون لأجل إحداثه أمراً
متبايناً لما حدث بالأوّل، وقد يكون لأجل تأكّد
الحادث أوّلاً، والذي ينافي اتّحاد الحقيقة بناءً
على أنّ اختلاف الأحداث يوجب اختلاف الأغسال هو
الأوّل، وظاهر الأدلّة لا يعيّن الأوّل، وكون
المقتضي فعلاً هو السبب الأوّل ممنوع، لأنّ اقتضاء
كلّ سبب لذات الغسل فعلي.

[ 353 ]

نعم اقتضاء
السبب للأمر بالغسل فعلي بالنسبة الى السبب
الأوّل، وشأني بالنسبة إلى الثاني، لأنّه لا يعقل
تأثيره بعد حصوله، ولكنّه أيضاً يؤثّر تأكّد الأمر
كما لا يخفى، فتأمّل.

فإن قلت:
إنّا نشك في أنّ الحادث بالسبب الثاني أمر مغاير
للحادث بالسبب الأوّل، بحيث يقتضي رافعاً مخالفاً
للرافع الأوّل ولو بحسب الماهية، ومع الشك في ذلك،
الأصل البراءة عن التكليف الزائد عن ما يثبت بأوّل
الأسباب.

قلت: إذا
سلّمت أنّ ظاهر الدليل هو اقتضاء كلّ سبب حتى عند
اجتماعه مع سابق عليه حصول الغسل، أو نوع منه، وعلم
من الخارج أيضاً أنّ ذلك لا يكون إلاّ لأجل تأثير
السبب أثراً يجب رفعه، وأنّ مطلوبية الغسل ليس إلاّ
لأجل تأثيره في رفع ذلك الحادث، غاية الأمر أنّ
الأثر الحادث ثانياً، إن كان واقعه غير رافع الأثر
الحادث كان السبب موجباً لتأكّد مطلوبية ذلك
الرافع، وإن كان مغايراً كان السبب موجباً لحدوث
تكليف كان اللازم هنا الاحتياط لا غير، إذ تحصيل
الفراغ برفع آثار الأسباب واجب مقدّمة للدخول فيما
يتوقّف على دفعها، ولا يحصل اليقين إلاّ بالاحتياط.

نعم لو فرض
الشك في حصول أثر للسبب الثاني، مغايراً لأثر السبب
الأوّل أو متّحداً، كان أصالة عدم حدوث الأثر
الجديد سليمة عن المعارض، ولكنّ ذلك أيضاً لا يجدي
في الاكتفاء بالغسل المجرّد، إذ لعلّ رافع السبب
الأوّل غسل خاص لا يحصل بالغسل بقصد القربة من غير
قصد إلى أمر آخر، ولو إجمالاً.

نعم لو كان
لإطلاقات الأوامر ظهور في أنّ المطلوب هو الغسل من
حيث هو كان مقتضى ذلك الظهور بضميمة الإجماع السابق
الإكتفاء بالغسل بقصدالقربة. فتلخّص من جميع ما
ذكرنا: أنّ مقتضى الأصل عدم الإكتفاء بالغسل
المجرّد بقصد القربة، أو المنويّ به استباحة
الدخول في العبادة، إذا لم يرجع ذلك إلى قصد جميع
الأغسال، ولقد أطلنا الكلام خوفاً عن فوت بعض ما
يجب التنبيه عليه، هدانا اللّه وإيّاك إلى صراط
مستقيم، أنّه حميد مجيد.

[ 354 ]

ثمّ إنّ
المحكيّ عن المحقّق القمي قدّس سرّه(1): أنّ الأكثر
على أنّ التداخل في مورد جوازه رخصة لا عزيمة.

وفيه
إشكال، لأنّ المكتفي بكلّ واحد من الأغسال عن غيره
سواء بني على إغناء كلّ غسل عن الوضوء، أو خصّ ذلك
بالجنابة لا يبقى عنده مورد حتى للغسل ثانياً،
وأمّا من خصّ ذلك بغسل الجنابة وأنكر التداخل في
غيره، فإن بنى على أنّ تقديم غير غسل الجنابة عليه
لا يكون في نفسه صحيحاً أيضاً، كما هو المحكيّ عن
بعض كلمات العلاّمة(2) ظاهراً، فلا ريب أنّ التداخل
عليه أيضاً عزيمة.

نعم إن
قلنا بصحّة الغسل المقدّم كما هو الأقوى، وقد عرفت
وجهه مفصّلاً، كان التداخل رخصة.

ثمّ إنّ
الغسل الواحد الكافي عبادةً يحتاج إلى أمر، وذلك
بناءً على أصالة التداخل في الأسباب، هو الأمر
الحادث بالسبب الأوّل، وبناءً على أصالة التداخل
في الإمتثال - كما اختاره المحقّق الخوانساري - رحمه
اللّه(3) - هو كلّ واحد من الأوامر، وللمكلّف أن يقصد
جمعها وبعضها، إذ عرفت أنّ المعتبر عنده في امتثال
الأمر التعبّدي هو قصد القربة ولو لأمر آخر، وأمّا
بناءً على أصالة عدم التداخل في الأسباب
والإمتثال، فإن كان إطلاق الأخبار في كفاية كلّ غسل
حتى الغسل المجرد تامّاً، كان ذلك كاشفاً عن وحدة
الحقيقة، فالأمر هو الحادث بأوّل الأسباب، وإن لم
يثبت، وقد عرفت أنّ مقتضى كثير من الأخبار إختلاف
ماهية الأغسال، فالأمر الموجود هو الأوامر
المتعلّقة بتلك الماهيّات المختلفة، ولا يسقط شيء
منها إلاّ بقصده في نفسه، غاية الأمر أنّه يمكن قصد
امتثال الجمع لفعل واحد، وأما كفاية غسل الجنابة عن
غيره، بناءً على ذلك فليس من باب الإمتثال، بل هو
مسقط حقيقة لأوامر تلك الأغسال.

__________________

[ 355 ]

المسألة
الثانية

أن تجتمع
أغسال مندوبة.

والكلام
هنا أيضاً تارة في إجزاء غسل واحد بنيّة الجميع،
واخرى في إجزاء غسل واحد بنية بعضها، أما الأوّل
فالظاهر كما عن المشهور، هو الإجزاء، وعن ظاهر
الإرشاد(1) عدمه، وهو كما عرفت أوفق بالأصل، إلاّ
أنّ ظاهر الصحيحة المتقدّمة(2) يطابق المشهور،
واحتمال اختصاص ذلك بما لو كان الأغسال المجتمعة
مشتملاً على واجب ضعيف، وإلاّ كان إحتمال الإجزاء
في الواجبات أيضاً بما لو كان معها غسل مستحب
متطرّقاً، مع أنّ قوله عليه السلام: إذا اجتمعت
للّه عليك حقوق(3) عام لجميع الصور.

ودعوى ظهور
الحقوق في الواجبات.

مدفوعة
بظهور تفرّع الكلّيّة على الكلام السابق، وهو
قرينة على أنّ المراد أعمّ، وأمّا الثاني فالظاهر
عدم إجزائه عن غيره، كما أنّ الظاهر صحّته، أمّا
الأوّل فللأصل، وعدم الدليل الصالح لتخصيصه، عدا
إطلاق الصحيحة، وقد عرفت منعه بما لا مزيد عليه.

وقد يستدل
للإجزاء: بقوله عليه السلام في رواية عثمان بن يزيد
إن اغتسل بعد الفجر كفاه غسله الى الليل في كلّ موضع
يجب فيه الغسل، ومن اغتسل ليلاً كفاه غسله إلى طلوع
الفجر(4). وحكي عن جماعة(5) الاعتناء بدلالتها، وعن
بعض(6)

__________________

[ 356 ]

الإهتمام
بسنده، حتى قيل: انّ عثمان بن يزيد مصحّف عمر بن
يزيد، بقرينة رواية عذافر عنه.

أقول: إما
أن يكون المراد من الغسل مطلقه الشامل للواجب
والمستحب، والمجرّد عن قصد خصوصية، أعني الغسل
بقصد القربة، ويكون المراد حينئذٍ أنّ من صدر منه
غسل يكفيه ذلك الغسل لكلّ مكان يحتاج الغسل لأجل
الدخول فيه إلى الليل، ولو كان ذلك الغسل لكلّ مكان
يحتاج الغسل لأجل الدخول فيه إلى الليل ولو كان ذلك
الغسل لأمر آخر غير الدخول في ذلك المكان، فتدلّ
الرواية بإطلاقها على أنّ الغسل واجباً كان أو
ندباً يجزئ عن الغسل لأجل المكان، سواء كان المكلّف
قاصداً للدخول في ذلك المكان وملتفتاً إلى أنّه
يكون الغسل له راجحاً شرعاً، أو لم يكن قاصداً، أو
كان قاصداً وغير ملتفت، فتدلّ بضميمة عدم القول
بالفصل أنّ المستحب من الأغسال يسقط بمثله
وبالواجب، وإن كان الغسل المسقط سابقاً على
التكليف ممّا يسقط به، فيكون مدلول الرواية حكمان:

أحدهما:
إجزاء كلّ غسل عن الغسل المستحبّ.

والثاني:
بقاء أثر الغسل الرافع في أوّل الفجر من حيث
الإجزاء عن غسل المكان إلى الليل.

وأمّا أن
يكون المراد خصوص الغسل لأجل الدخول في مكان، ويكون
المراد أنّ الغسل لأجل الدخول في مكان يترتّب عليه
فضيلة الدخول مع الغسل في ذلك المكان إلى الليل،
وكذلك إذا كان في الليل إلى الفجر، والظاهر أنّ
الرواية في مقام بيان بقاء أثر الغسل الرافع في
أوّل الفجر إلى الليل، والرافع في الليل إلى الفجر،
وليس فيه إطلاق بالنسبة إلى الغسل المجزي، ويشهد له
الفقرة الثانية، كما لا يخفى على المتأمّل.

فحاصل معنى
الرواية أنّ الغسل الذي يكفي لأجل الدخول في المكان
إذا وقع في أوّل الفجر يبقى أثره إلى الليل، وإن وقع
في أوّل الليل يبقى أثره إلى الفجر، فليس لها
إرتباط بمسألة التداخل في الأغسال أصلاً وإطالة
البيان لغرض التوضيح.

[ 357 ]

وإزالة ما
يقع في النفس من الشبهة في بدو النظر في الرواية،
وأمّا صحّته في نفسه فلإطلاق الأمر المتعلّق به.
فتبيّن أنّ التداخل رخصة لا عزيمة.

وهل يكفي
بناءً على كفاية الغسل الواحد بنيّة الجميع أن يأتي
بغسل واحد بقصد كلّ غسل عليه في الواقع وان لم يعلم
به، أو يجب العلم بما يلزم تفصيلا ؟

الأقوى:
بناءً على عدم جواز الإحتياط مع التمكّن من العلم
التفصيلي هو الأوّل.


المسألة
الثالثة

أن تجتمع
أغسال بعضها واجب وبعضها مندوب.

والكلام
هنا تارة في إجزاء الواجب عن غيره واخرى في العكس.

أمّا
الأوّل فالمشهور كما عن جماعة(1) سقوط المستحبّ به
إن كان غسل جنابة، وعن غير واحد حكايةالإتّفاق
عليه، وهو المحكي عن ظاهر السرائر(2).

ويدلّ
عليه: مضافاً إلى ذلك، مرسلة جميل المتقدّمة(3).

وفحوى ما
روي في باب الصوم من كفاية غسل الجمعة لمن نسى غسل
الجنابة(4)، مع أنّ المقصود منالغسل المندوب
ليس إلاّ التنظيف الحاصل بالغسل الواجب.

وقد يناقش
في المرسلة بالإرسال، وضعف الدلالة، إذ لعلّ
المراد من إغتسال

__________________

[ 358 ]

الجنب
اغتساله بنيّة جميع ما عليه من الأغسال، وفي الفحوى
بمنع أصله ولو سلّم فهو في حال النسيان، ولعلّنا
نقول به في الفرع على تقدير تسليم الاصل، ولعلّه
لذلك - مضافاً إلى الأصل، وقوله عليه السلام: انّما
الأعمال بالنيات(1)، وقوله صلّى اللّه عليه وآله:
لكلّ أمرئ ما نوى -(2)، إستشكل المحقّق في المعتبر(3)
ومنع العلامة(4) والمحقّق الثاني(5) كما حكي عنهم.

وأمّا
الإلتفاقات المحكية فموهونة بخلاف هؤلاء الأجلّة.

ولكنّ
الإنصاف: أنّ القول بالإجزاء لا يخلو عن قوّة، لأنّ
الإرسال منجبر بالعمل بالرواية، وضعف الدلالة
ممنوع، واستقرار الجماعة على الخلاف غير معلوم،
فينبغي التأمّل في عبائرهم.

ومن هنا
ظهر: عدم إجزاء غير غسل الجنابة من المستحبّ، وأمّا
الثاني فيعلم حال إجزائه عن الواجب بالتأمّل فيما
ذكرنا، وهل يكون صحيحاً في نفسه، أو تتوقّف صحّته
على تقديم الواجب عليه، حتى إذا لم يكن الواجب
مسقطاً عنه كغسل الحيض، والمس، لعدم إمكان حصول
النظافة ؟ وجهان: أقواهما: الأوّل: لإطلاق الأوامر
المتعلّقة بها، وعدم وجود ما يصلح لتقييدها، عدا
تخيّل عدم حصول النظافة المقصودة للمحدث، وهو
ضعيف، خصوصاً مع ورود(6) الأمر بغسل الإحرام للحائض،
وهو كاشف عن حصول التنظيف له، ولو نوى الواجب
والمندوب أجزأ عنهما، لرواية الحقوق(7) السابقة، بل
هو المتيقّن من مدلولها كما عرفت، وحيث

__________________

[ 359 ]

دلّت تلك
الرواية وغيرها من الأمارات الاخر: أنّ الأغسال
حقائق فهل به تجتمع في مصداق واحد، كان الغسل
الواحد المنويّ به غسلان فرداً لعنوانين مختلفين
في الحكم في أنفسهما، وكان ذلك الغسل مجمعاً لهما،
فهذا الفرد مجمع لجهتين: الوجوب، والاستحباب،
وأمّا فعليّة الحكمين فيه فهو غير ممكن، لاجتماع
حكمين مختلفين في النوع، أو متّحدين فيه في محلّ
واحد غير ممكن، أمّا الأوّل فلتضادّهما بالغرض،
وأمّا الثاني فلإمتناع اجتماع المثلين في محلّ
واحد.

ومن هنا
يشكل الأمر بناءً على اعتبار نيّة الوجه في صحّة
العبادة إذا نوى الغسلين معاً.

فعن
المختلف: أنّه إن نوى الوجوب عن الجمعة والجنابة لا
يجزئ، لأنّه نوى الوجوب عمّا ليس بواجب، وإن نوى
الندب لم يرفع غسل الجنابة على وجه، وإن نواهما
معاً كان الفعل الواحد قد نوى فيه الوجوب والندب
فلا يقع عليهما ولا على أحدهما، لأنّه ترجيح بلا
مرجّح انتهى(1). ينبغي أوّلاً توضيح الإشكال، ثمّ
التصدّي للجواب بما يقتضيه الحال.

فنقول: إذا
اجتمع عنوانان: أحدهما واجب والآخر مندوب في مصداق
واحد، فلا ريب أنّ ذلك المصداق الواحد لا يكون
واجباً ومندوباً، وحينئذٍ فإمّا أن نقول: إنّ ذلك
الفرد ليخرج عن العنوانين، لأنّ المقتضي للدخول في
كلّ واحد موجود، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر، أو
نقول: إنّه متّصف بالوجوب، لأنّ الجهة المانعة عن
النقيض لا تزاحمه الجهة الغير المانعة، لأنّ ما لا
يقضي المنع لا يزاحم ما يقتضي المنع.

نعم لو كان
جهة الاستحباب مقتضية للإذن في الترك لا من حيث نفس
عنوان المأمور به، بل كان كذلك حتى بالنسبة إلى
الطوارئ اللاحقة للمأمور به من العناوين المتحّدة
معه مصداقاً في بعض الأحيان، تعارضت الجهتان، وكون
النتيجة.

__________________

[ 360 ]

حينئذٍ
أيضاً خروج ذلك المصداق عن الوجوب والاستحباب، فيه
إشكال بل منع، ولعلّه يأتي إن شاء اللّه تعالى
بيانه.

إذا عرفت
ذلك فنقول: مقتضى الوجه الأوّل أنّ الغسل بقصد
الجمعة والجنابة سواء قصد الوجوب، أو الندب، أو
أحدهما خاصة، لا يكون مجزياً عن شيء منهما، أمّا
اذا نوى الوجهين فظاهر، لأنّ وقوعه على أحدهما
ترجيح بلا مرجّح، وعليهما غير ممكن، وأمّا إذا نوى
أحدهما، فعدم وقوع ما لم ينو وجهه ظاهر، لأنّه لم
يأت بتمام ما يعتبر في سقوط الأمر، وأمّا ما نواه
فلأنّه خارج عن مورد الأمر المتعلّق به، إذ الفرض
أنّه تعارض الجهتان فخرج المورد عن الحكمين. ويمكن
أن يكون مرجع كلام العلاّمة في المختلف إلى ذلك.

ومقتضى
الوجه الثاني أنّه إذا نوى الوجوب خاصّة، يقع ما
كان الوجوب جهته، وأمّا ما كان جهته الاستحباب فلا
يقع، لأنّ قصد الوجوب في الفرد لا يجامع قصد إمتثال
الأمر الندبي.

والحاصل:
أنّ الإتيان بمصداق العنوانين لكونه واجباً لا
يجامع قصد موافقة الأمر الندبي به، وإذا نوى الوجوب
والندب فلا يقع إمتثال الأمر الندبي به، لأنّه لا
يتّصف بالندب فلا يقع امتثالاً له، وأمّا الأمر(1).

__________________


(1) هنا سقط
في العبارة في نسخة الكلباسي إلى آخر البحث.

/ 24