أئمة الإثنی عشر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أئمة الإثنی عشر - نسخه متنی

جعفر سبحانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


ان لـلامام الصادق فضل
السبق وله على الاكابر فضل خاص , فقد كان ابو حنيفة يروي عنه ,
ويراه اعـلم الناس باختلاف الناس , واوسع
الفقها احاطة , وكان الامام مالك يختلف اليه دارسا راويا وكان له
فضل الاستاذية على ابي حنيفة فحسبه ذلك فضلا.

وهـو فـوق هذا حفيد علي زين
العابدين الذي كان سيد اهل المدينة في عصره فضلاوشرفا ودينا
وعـلـما, وقد تتلمذ له ابن شهاب
الزهري , وكثير من التابعين وهو ابن محمد الباقر الذي بقر العلم
ووصـل الـى لـبابه فهو ممن
جعل اللّه له الشرف الذاتي والشرف الاضافي بكريم النسب , والقرابة
الهاشمية , والعترة المحمدية
((125)) .

وبما كتبه الاستاذ اسد حيدر اذ قال :.

كـان يـؤم مـدرسـتـه طلاب العلم
و رواة الحديث من الاقطار النائية , لرفع الرقابة و عدم الحذر
فارسلت الكوفة , والبصرة ,
وواسط, والحجاز الى جعفر بن محمد افلاذاكبادها, ومن كل قبيلة من
بـنـي اسد ومخارق , وطي ,
وسليم , وغطفان , وغفار,والازد, وخزاعة , وخثعم , ومخزوم , وبني
ضـبـة , ومـن قـريـش ,
ولا سـيـما بني الحارث بن عبد المطلب , وبني الحسن بن الحسن ابن علي
((126)) .

ولـمـا توفي الامام شيعه عامة
الناس في المدينة , وحمل الى البقيع ودفن في جوارابيه وجده (ع ),
وقد انشد فيه ابو هريرة العجلي قوله :.

اقول و قد راحوا به يحملونه على كاهل من حامليه و عاتق .

اتدرون ماذا تحملون الى الثرى ثبيرا ثوى من راس عليا شاهق .

غداة حثا الحاثون فوق ضريحه ترابا و اولى كان فوق المفارق .

فسلام اللّه عليه يوم ولد و يوم مات و يوم يبعث حيا.

الامام السابع :.

ابو الحسن موسى بن جعفر (ع ) الكاظم .

سـابـع ائمـة اهـل البيت الطاهر ولد بالابوا
بين مكة والمدينة يوم الاحد في 7 صفر سنة128 ه , واسـتـشـهـد بـالسم في
سجن الرشيد عام 183 ه , ودفن في بغداد في الجانب الغربي في المقبرة
المعروفة بمقابر قريش المشهورة في ايامنا هذه بالكاظمية .

كـان (ع ) انـموذج عصره , و فريد
دهره , جليل القدر, عظيم المنزلة , مهيب الطلعة ,كثير التعبد,
يـطـوي لـيـله قائما ونهاره
صائما, عظيم الحلم , شديد التجاوز, حتى سمي لذلك كاظما, لاقى من
المحن ما تنهد لهولها الجبال
فلم تحرك منه طرفا,بل كان (ع ) صابرا محتسبا كحال آبائه واجداده ـ
عليهم السلام .

يعرف باسما عديدة منها: العبد الصالح , والكاظم , والصابر, والامين .

قال ابن الصباغ : روى عبد
الاعلى عن الفيض بن المختار قال : قلت لابي عبد اللّه جعفر الصادق (ع )
: خذ بيدي من النار, من لنا
بعدك ؟ فدخل موسى الكاظم وهويومئذ غلام , فقال (اي الصادق (ع ) ):
((هذا صاحبكم فتمسك به ))
((127)) .

قـال الـشيخ المفيد: هو الامام بعد
ابيه , والمقدم على جميع بنيه لاجتماع خصال الفضل فيه , وورود
صحيح النصوص وجلي
الاقوال عليه من ابيه بانه ولي عهده والامام القائم من بعده
((128)) .

وقد تولى منصب الامامة بعد
ابيه الصادق (ع ) في وقت شهدت فيه الدولة العباسية استقرار اركانها
و ثبات بنيانها, فتنكرت للشعار
الذي كانت تنادي به من الدعوة لال محمد ـ عليه و عليهم السلام ـ,
فـالتفتت الى الوريث الشرعي لشجرة
النبوة مشهرة سيف العدا له ولشيعته تلافيا من تعاظم نفوذه ان
يـؤتـي عـلـى اركـان دولـتـهـم
ويـنـقـضـها, فشهد الامام الكاظم (ع ) طيلة سني حياته صنوف
الـتـضييق والمزاحمة , الا ان ذلك
لم يمنعه (ع ) من ان يؤدي رسالته في حماية الدين وقيادة الامة ,
فعرفه المسلمون آية من آيات العلم
والشجاعة , ومعينا لا ينضب من الحلم والكرم والسخا, ونموذجا
عظيما لا يدانى في التعبد والزهد والخوف من اللّه تعالى .

ولـقد افرد الباحثون والمحققون تاليف
كثيرة في سيرة هذا الامام العظيم , كفتنا عن التعرض لها هنا
في هذه العجالة , الا اننا سنحاول
في هذه الصفحات التعرض لجوانب مختارة من تلك السيرة العطرة :.

1 ـ روى الـخـطـيـب
في تاريخ بغداد بسنده قال : حج هارون الرشيد فاتى قبر النبي (ص ) زائرا,
وحوله قريش ومعه موسى بن جعفر,
فلما انتهى الى القبر قال : السلام عليك يا رسول اللّه يا بن عمي
ـ افتخارا على من حوله ـ ,
فدنى موسى بن جعفرفقال : ((السلام عليك يا ابة )) فتغير وجه الرشيد
وقال : هذا الفخر يا ابا
الحسن حقا((129)) .

2ـ ذكر الزمخشري في
ربيع الابرار: ان هارون كان يقول لموسى بن جعفر: يا اباالحسن خذ فدك
((130)) حـتـى اردهـا
عـليك , فيابى , حتى الح عليه فقال : ((لاآخذها الا بحدودها)) قال : و ما
حدودها؟ قال : ((يا امير المؤمنين
ان حددتها لم تردها)), قال : بحق جدك الا فعلت , قال : ((اما الحد
الاول فـعدن )) فتغير وجه
الرشيدوقال : هيه , قال : ((والحد الثاني سمرقند)) فاربد وجهه , قال :
((والـحـد الـثالث افريقيا))فاسود
وجهه وقال : هيه , قال : ((والرابع سيف البحر مما يلي الخزر
وارمينية )), قال الرشيد: فلم
يبق لنا شي فتحول في مجلسي , قال موسى (ع ) : ((قد اعلمتك اني ان
حددتها لم تردها)).

فعند ذلك عزم على قتله
((131)) .

3ـكـان يـصلي نوافل الليل
ويصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتى تطلع الشمس ويخرللّه ساجدا, فلا
يرفع راسه من الدعا والتحميد حتى يقرب زوال الشمس .

وكـان يـدعو كثيرا فيقول :
((اللهم اني اسالك الراحة عند الموت , والعفو عند الحساب )),ويكرر
ذلك .

وكان
من دعائه (ع ) : ((عظم الذنب من عبدك , فليحسن العفو من عندك )).

وكان يبكي من خشية اللّه حتى تخضل لحيته بالدموع .

وكان اوصل الناس لاهله ورحمه .

وكان يتفقد فقرا المدينة في الليل فيحمل
اليهم الزنبيل فيه العين والورق والادقة والتمور, فيوصل
اليهم ذلك ولا يعلمون من اي جهة هو
((132)) .

4ـ فـي تـحـف العقول للحسن
بن علي بن شعبة : قال ابو حنيفة : حججت في ايام ابي عبداللّه الصادق
(ع ) فلما اتيت المدينة
دخلت داره فجلست في الدهليز انتظراذنه , اذ خرج صبي فقلت : يا غلام اين
يـضع الغريب الغائط من
بلدكم ؟ قال : ((على رسلك )), ثم جلس مستندا الى الحائط, ثم قال : ((توق
شطوط الانهار, ومساقطالثمار,
وافنية المساجد, وقارعة الطريق , وتوار خلف جدار, وشل ثوبك ,
ولاتـسـتـقـبـل القبلة
ولا تستدبرها, وضع حيث شئت )) فاعجبني ما سمعت من الصبي فقلت له : ما
اسمك ؟ فقال :: ((انا موسى
بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب )) فقلت له :
يا غلام ممن المعصية ؟ فقال :
((ان السيئات لا تخلومن احدى ثلاث : اما ان تكون من اللّه وليست من
العبد فلا ينبغي للرب ان يعذب العبد
على ما لا يرتكب , واما ان تكون منه ومن العبد وليست كذلك فلا
يـنـبغي للشريك القوي ان يظلم الشريك
الضعيف , واما ان تكون من العبد ـ وهي منه ـفان عفا فكرمه
وجوده وان عاقب فبذنب العبد وجريرته )).

قال ابو حنيفة : فانصرفت ولم الق ابا عبد اللّه واستغنيت بما سمعت .

وروى ابـن شـهـر آشـوب
فـي الـمناقب نحوه الا انه قال : ((يتوارى خلف الجدار ويتوقى اعين
الـجـار)), وقـال : فلما سمعت
هذا القول منه نبل في عيني , وعظم في قلبي وقال في آخر الحديث :
فقلت : ذرية بعضها من بعض
((133)) .

5ـروى ابـو الفرج الاصفهاني :
حدثنا يحيى بن الحسن قال : كان موسى بن جعفر اذابلغه عن الرجل
مـا يـكره بعث اليه بصرة دنانير
وكانت صراره ما بين الثلاثمائة والى المائتين دينار, فكانت صرار
موسى مثلا.

وقـال : ان رجـلا مـن
آل عـمـر بن الخطاب كان يشتم علي بن ابي طالب اذا راى موسى بن جعفر,
ويؤذيه اذا لقيه , فقال له بعض
مواليه وشيعته : دعنا نقتله , فقال : ((لا)),ثم مضى راكبا حتى قصده
في مزرعة له فتواطاها بحماره , فصاح : لا تدس زرعنا.

فلم يصغ اليه و اقبل حتى
نزل عنده فجلس معه و جعل يضاحكه , و قال له : ((كم غرمت على زرعك
هـذا))؟ قـال : مـائة
درهـم , قـال : ((كم ترجو ان تربح ))؟ قال : لاادري , قال : ((انما سالتك كم
تـرجـو)), قـال : مـائة اخـرى
قـال : فاخرج ثلاثمائة دينارفوهبه له , فقام فقبل راسه , فلما دخل
المسجد بعد
ذلك وثب العمري فسلم عليه وجعل يقول : اللّه اعلم حيث يجعل رسالته .

وكـان بعد ذلك كلما دخل موسى خرج
وسلم عليه ويقوم له , فقال موسى لجلسائه الذين طلبوا قتله :
((ايما كان خيرا ما اردتم او ما اردت ))
((134)) .

6ـ حـكي ان الرشيد ساله
يوما: كيف قلتم نحن ذرية رسول اللّه (ص ) و انتم بو علي وانما ينسب
الرجل الى جده لابيه دون
جده لامة ؟ فقال الكاظم (ع ): ((اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه
الـرحـمـن الـرحـيم :
(ومن ذريته داود وسليمان وايوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي
الـمحسنين # وزكريا ويحيى
وعيسى والياس ) وليس لعيسى اب انما الحق بذرية الانبيا من قبل امه ,
وكـذلـك الـحـقـنـابـذرية النبي
من قبل امنا فاطمة الزهرا, و زيادة اخرى يا امير المؤمنين : قال
اللّه عـزوجل : ( فمن حاجك فيه من بعدما
جاك من العلم فقل تعالوا ندع ابناناوابناكم ونسانا ونساكم
وانـفـسـنـا وانـفسكم ثم
نبتهل ) ولم يدع (ص ) عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن
والحسين وهما الابنا))
((135)) .

7ـ اما علمه والحديث عنه فقد روى
عنه العلما في فنون العلم ما ملا الكتب , وكان يعرف بين الرواة
بالعالم وقد
روى الناس عنه فاكثروا, وكان افقه اهل زمانه واحفظهم لكتاب اللّه
((136)) .

وقـد اتـفقت كلمة المؤرخين
على ان هارون الرشيد قام باعتقال الامام الكاظم (ع )وايداعه السجن
لسنين طويلة مع تاكيده على سجانيه بالتشديد والتضييق عليه .

قـال ابـن كـثير: فلما طال سجن الامام
الكاظم (ع ) كتب الى الرشيد: اما بعد يا اميرالمؤمنين انه لم
يـنـقـض عـنـي يوم من البلا
الا انقضى عنك يوم من الرخا, حتى يفضي بنا ذلك الى يوم يخسر فيه
المبطلون
((137)) .

ولـم يزل ذلك الامر بالامام
(ع ), ينقل من سجن الى سجن حتى انتهى به الامر الى سجن السندي بن
شـاهـك ((138)) , و كـان فـاجرا
فاسقا, لا يتورع عن اي شي تملقا ومداهنة للسلطان , فغالى في
سـجن الامام (ع ) وزاد
في تقييده حتى جا امرالرشيد بدس السم للكاظم (ع ) , فاسرع السندي الى
انفاذ هذا الامر
العظيم واستشهد الامام (ع ) بعد طول سجن ومعاناة في عام 183 ه.

ولما كان الرشيد يخشى ردة
فعل المسلمين عند انتشار خبر استشهاد الامام (ع ), لذاعمد الى حيلة
ماكرة للتنصل
من تبعة هذا الامر الجلل , فقد ذكر ابوالفرج الاصفهاني و غيره
((139)) : ان الامام
الكاظم لما توفي مسموما ادخل عليه
الفقهاووجوه اهل بغداد, وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ليشهدوا
عـلـى انـه مـات حـتـف انـفـه
دون فـعـل مـن الـرشيد وجلاوزته , ولما شهدوا على ذلك اخرج
بـجـثـمـانه الطاهر ووضع على
الجسر ببغداد ونودي بوفاته فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد
سجينا مظلوما مسموما, ويوم يبعث حيا.

الامام الثامن :.

علي بن موسى بن جعفر ـ عليهم
السلام ـ الرضا.

هو الامام الثامن من ائمة اهل البيت ـ عليهم السلام
ـ , القائم بالامام بعد ابيه موسى بن جعفر ـ عليهما الـسـلام ـ لـفضله على جماعة
اهل بيته وبنيه واخوته في عصره ,ولعلمه وورعه وكفاته لمنصب
الامامة , مضافا الى النصوص الواردة في حقه من ابيه على امامته
((140)) .

ولـد في المدينة
سنة 148 ه, واستشهد في طوس من ارض خراسان في صفر 203 ه,وله يومئذ
55 سنة , وكانت مدة امامته بعد ابيه 20 سنة
((141)) .

قـال الـواقـدي : عـلي بن
موسى , سمع الحديث من ابيه وعمومته وغيرهم , وكان ثقة يفتي بمسجد
رسـول اللّه (ص ) وهـو ابن نيف وعشرين
سنة , وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من اهل المدينة
((142)) .

قـال الشيخ كمال الدين بن طلحة :
و من امعن نظره و فكره , وجده في الحقيقة وارثهما(المراد علي
بن ابي طالب و علي بن الحسين
ـ عليهما السلام ـ) نما ايمانه , و علاشانه , و ارتفعت مكانته , وكثر
اعوانه , وظهر برهانه , حتى ادخله
الخليفة المامون محل مهجته , واشركه في مملكته , وفوض اليه
امـر خـلافـتـه , وعـقد له على
رؤوس الاشهاد عقد نكاح ابنته , وكانت مناقبه علية , وصفاته ثنية ,
ونفسه الشريفة زكية هاشمية , وارومته النبوية كريمة
((143)) .

وقـد عـاش الامام
الرضا (ع ) في عصر ازدهرت فيه الحضارة الاسلامية , وكثرة الترجمة لكتب
الـيـونانيين والرومانيين وغيرهم ,
وازداد التشكيك في الاصول والعقائد من قبل الملاحدة واحبار
اليهود, وبطارقة النصارى , ومجسمة اهل الحديث .

وفي تلك الازمنة اتيحت له (ع )
فرصة المناظرة مع المخالفين على اختلاف مذاهبهم , فظهر برهانه
وعلا شانه يقف على ذلك من اطلع على مناظراته واحتجاجاته مع هؤلا
((144)) .

ولاجل ايقاف القارئ على نماذج من احتجاجاته نذكر ما يلي :.

دخـل ابـو قـرة المحدث على
ابي الحسن الرضا (ع ) فقال : روينا ان اللّه قسم الرؤية والكلام بين
نبيين , فقسم لموسى (ع ) الكلام ولمحمد (ص ) الرؤية .

فـقـال ابو الحسن (ع ) : ((فمن
المبلغ عن اللّه الى الثقلين الجن والانس : انه (لا تدركه الابصار),
و(لا
يحيطون به علما), و(ليس كمثله شي ), اليس محمد (ص )))؟قال : بلى .

قـال : ((فـكيف يجيئ رجل الى
الخلق جميعا فيخبرهم انه جا من عند اللّه و انه يدعوهم الى اللّه ,
بـامـر اللّه , فيقول :(لا تدركه
الابصار), و(لا يحيطون به علما),و(ليس كمثله شي ), ثم يقول : انا
رايـته بعيني واحطت به علما,
وهو على صورة البشر اما تستحيون ؟ بهذا: ان يكون اتي عن اللّه بامرثم ياتي بخلافه من وجه آخر)).

فقال ابو قرة : فانه يقول :(ولقد رآه نزلة اخرى ).

فقال ابوالحسن (ع ): ((ان بعد
هذه الاية ما يدل على ما راى حيث قال : (ما كذب الفؤادما راى ) يقول :
مـا كـذب فـؤاد محمد
(ص ) ما رات عيناه ثم اخبر بما راى فقال :(لقد راى من آيات ربه الكبرى )
فـايـات اللّه غـير اللّه , وقال :
(لا يحيطون به علما)فاذا راته الابصار فقد احاط به العلم ووقعت
المعرفة )).

فقال ابو قرة : فتكذب بالرواية ؟.

فقال ابو الحسن : ((اذا كانت الرواية
مخالفة للقرآن كذبتها, وما اجمع المسلمون عليه :انه لا يحاط
به علما, ولا تدركه الابصار, وليس كملثه شي ))
((145)) .

و لـمـا انـتشر علم الامام
و فضله , اخذت الافئدة و القلوب تشد اليه , و في الامة الاسلامية رجال
واعون يميزون الحق من
الباطل , فكثر التفات المسلمين حول الامام الرضا (ع ) و ازدادت اعدادهم ,
مـمـا دفـع بالخلافة العباسية
الى محاولة سحب البساط من تحت ارجل الامام (ع ) واعوانه قبل ان
تستفحل الامورويصعب السيطرة
على الموقف بعدها, فلجا المامون الى مناورة ذكية ما كرة استطاع
من خلالها قلب تيار الاحداث لصالحه ,
حيث استقدم الامام الرضا (ع )وجملة من وجوه الطالبيين الى
مقر الحكومة آنذاك في
مرو من مدينة رسول اللّه (ص ) , معززين مكرمين حتى انزلوهم الى جوار
مقر الخلافة ريثما يلتقي المامون بالامام علي بن موسى (ع ).

ومـا كـان مـن المامون الا ان
بعث الى الامام الرضا (ع ) قبل اجتماعه به : اني اريد ان اخلع نفسي من
الـخـلافـة و اقـلدك اياها
فما رايك ؟ فانكر الرضا (ع ) هذا الامر وقال له : ((اعيذك باللّه يا امير
المؤمنين من هذا الكلام وان
يسمع به احد)) فرد عليه الرسالة : فاذا ابيت ما عرضت عليك فلابد من
ولاية العهد بعدي , فابى عليه الرضا ابا شديدا.

فاستدعاه وخلا به ومعه الفضل
بن سهل ذو الرياستين ـ ليس في المجلس غيرهم ـوقال له : اني قد
رايت ان اقلدك امر المسلمين وافسخ ما في رقبتي واضعه في رقبتك .

فقال له الرضا (ع ) : ((اللّه
اللّه يا امير المؤمنين انه لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه )).

قال له : فاني موليك العهد من بعدي .

فقال له : ((اعفني من ذلك يا امير المؤمنين )).

فـقـال لـه المامون ـ كلاما فيه
التهديد له على الامتناع عليه وقال في كلامه ـ: ان عمر بن الخطاب
جـعل الشورى في ستة احدهم
جدك امير المؤمنين (ع ) وشرط فيمن خالف منهم ان يضرب عنقه ,
ولابد من قبولك ما اريد منك فاني لا اجد محيصاعنه .

فـقـال لـه الرضا (ع ) : ((فاني
اجيبك الى ما تريد من ولاية العهد على انني لا آمر , ولاانهى , ولا
افـتي , ولا اقضي , ولا اولي , ولا
اعزل , ولا اغير شيئا مما هو قائم ))فاجابه المامون الى ذلك كله
((146)) .

اقـول : لـيـس بـخاف على ذي
لب مغزى اصرار المامون على تولية الامام الرضا (ع )لمنصب ولاية
الـعـهـد, وتـبـدو هـذه
الصورة واضحة عند استقرا الاحداث التي سبقت او رافقت هذه المؤامرة
المحكمة .

فـعندما قدم هارون الرشيد ولده
الامين رغم اقراره و معرفته بقوة شخصية المامون وذكائه قياسا
بـاخـيه المدلل الذي لا يشفع له
الا مكانة امة زبيدة الحاكمة في قصرالرشيد, كان يعني ذلك ايذانا
بـقـيـام الـفـتنة التي
حصلت من بعد وراح ضحيتهاعشرات الالوف وعلى راسهم الامين الذي وقف
الـعـبـاسـيـون الى صفه وقاتلوامعه ,
ولما انتقلت السلطة باكملها الى المامون المستقر في خراسان
والمدعوم باهلها آنذاك , فقد واجه
خطر نقمة اكثر العباسيين وعدائهم له وتحينهم الفرص السانحة
للانقضاض عليه وعلى حكمه .

وفـي الجانب الاخر كان الشيعة
في كل مكان يرفضون ويناصبون الخلافة العباسية العدا نتيجة سؤ
صنيعهم وظلمهم للعلويين
ولال البيت خاصة , والذين يشكل شيعة خراسان جانبا مهما منهم .

وكـان في اول سنة لخلافة
المامون ان خرج السري بن منصور الشيباني المعروف بابي السرايا في
الـكوفة مناديا بالدعوة لمحمد
بن ابراهيم بن اسماعيل بن الحسن بن الحسن بن علي (ع ) حيث بايعه
عامة الناس على ذلك .

وفـي الـمدينة خرج محمد
بن سليمان بن داود بن الحسن , وفي البصرة علي بن محمدبن جعفر بن
عـلي بن الحسين وزيد بن موسى
بن جعفر الملقب بزيد الغار, وفي اليمن ابراهيم بن موسى , ومن ثم
فقد ظهر في
المدينة ايضا الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين المعروف بالافطس .

وهكذا فقد اندلعت في انحا الدولة
الكثير من الثورات تناصرها الالاف من الناس الذين ذاقوا الامرين
من حكم الطواغيت والظلمة .

وهكذا فقد ادرك المامون مدى
تازم الموقف و تخلخل وضع الحكومة آنذاك , فلم يجد بدا من تظاهره
امـام الراي العام الشيعي ـ الذي
كان من اقوى التيارات المؤهلة للاطاحة بالخلافة العباسية دون اي
شك ـ بتنازله عن الخلافة ـ التي
قتل اخاه من اجلها ـ الى الامام الرضا (ع ) امام الشيعة وقائدهم .

و هـكـذا فـبـعـد قـبول علي بن
موسى الرضا ـ عليهما السلام ـ بولاية العهد قام بين يديه الخطبا
والشعرا, فخفقت الالوية على
راسه , وكان فيمن ورد عليه من الشعرادعبل بن علي الخزاعي , فلما
دخـل عـليه قال : قلت قصيدة
وجعلت على نفسي ان لا انشدها احدا قبلك , فامره بالجلوس حتى خف
مجلسه ثم قال له : ((هاتها))فانشد قصيدته المعروفة :.

مدا آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات .

لال رسول اللّه بالخيف من منى و بالركن و التعريف و الجمرات .

ديار علي و الحسين و جعفر و حمزة و السجاد ذي الثفنات .

ديار عفاها كل جون مبادر و لم تعف للايام و السنوات .

الى ان قال :.

قبور بكوفان و اخرى بطيبة و اخرى بفخ نالها صلواتي .

و قبر ببغداد لنفس زكية تضمنها الرحمن بالغرفات .

فاما المصمات التي لست بالغا مبالغها مني بكنه صفات .

الى حشر حتى يبعث اللّه قائما يفرج منها الهم و الكربات .

الى ان قال :.

الم تر اني مذ ثلاثين حجة اروح و اغدو دائم الحسرات ؟.

ارى فيئهم في غيرهم متقسما و ايديهم من فيئهم صفرات .

اذا وتروا مدوا الى اهل وترهم اكفا من الاوتار منقبضات .

حتى اتى على آخرها, فلما فرغ
من انشادها قام الرضا (ع ) فدخل الى حجرته و انفذاليه صرة فيها
مـائة ديـنار واعتذر اليه ,
فردها دعبل وقال : واللّه ما لهذا جئت , وانماجئت للسلام عليك والتبرك
بـالنظر الى وجهك الميمون , واني
لفي غنى , فان رايت ان تعطني شيئا من ثيابك للتبرك فهو احب الى
فاعطاه الرضا جبة خز وردعليه الصرة
((147)) .

كان الامام في مرو يقصده البعيد
و القريب من مختلف الطبقات و قد انتشر صيته في بقا الاررض , و
عـظـم تـعلق المسلمين به , مما
اثار مخاوف المامون و توجسه من ان ينفلت زمام الامر من يديه على
عـكـس ما كان يتمناه , و ما كان يبتغيه
من ولاية العهد هذه , وقوى ذلك الظن ان المامون بعث اليه يوم
الـعيد في ان يصلي بالناس ويخطب
فيهم فاجابه الرضا (ع ) : ((انك قد علمت ما كان بيني وبينك من
الـشـروطفي دخول الامر, فاعفني
في الصلاة بالناس )) فقال له المامون : انما اريد بذلك ان تطمئن
قلوب الناس , ويعرفوا فضلك .

ولـم تزل الرسل تتردد بينهما في
ذلك , فلما الخ عليه المامون , ارسل اليه الرضا: ((ان اعفيتني فهو
احب الي وان لم تعفني
خرجت كما خرج رسول اللّه (ص ) واميرالمؤمنين (ع ) )) فقال له المامون :
اخرج كيف شئت وامر القواد والحجاب والناس ان يبكروا الى باب الرضا (ع ).

قـال : فـقـعد الناس لابي
الحسن (ع ) في الطرقات و السطوح , و اجتمع النسا و الصبيان ينتظرون
خروجه , فاغتسل ابوالحسن و لبس
ثيابه و تعمم بعمامة بيضا من قطن , القى طرفا منها على صدره و
طـرفـا بـين كتفه , و مس شيئا من
الطيب , واخذبيده عكازة وقال لمواليه : ((افعلوا مثل ما فعلت ))
فـخرجوا بين يديه وهو حاف
قدشمر سراويله الى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة , فمشى قليلا
ورفـع راسـه الـى السما وكبر وكبر
مواليه معه , فلما رآه الجند والقواد سقطوا كلهم عن الدواب
الـى الارض , ثـم كبر و
كبر الناس فخيل الى الناس ان السما و الحيطان تجاوبه , وتزعزعت مرو
بـالـبكا و الضجيج لما راوا الامام
الرضا (ع ) و سمعوا تكبيره , فبلغ ‌المامون ذلك فقال له الفضل بن
سهل : ان بلغ الرضا المصلى على هذا
السبيل فتن به الناس , وخفنا كلنا على دمائنا, فانفذ اليه ان يرجع
فارسل اليه من
يطلب منه العودة , فرجع الرضا (ع ) واختلف امر الناس في ذلك اليوم
((148)) .

وقد اشار الشاعر البحتري الى تلك القصة بابيات منها:.

ذكروا بطلعتك النبي فهلووا لما طلعت من الصفوف و كبروا.

حتى انتهيت الى المصلى لابسا نور الهدى يبدو عليك فيظهر.

و مشيت مشية خاشع متواضع للّه لا يزهى و لا يتكبر
((149)) .

ان هـذا و امـثـاله , و بالاخص
خروج اخ المامون زيد بن موسى بالبصرة على المامون ,لانه فوض
ولاية العهد لعلي بن موسى
الرضا الذي كان في تصوره سيؤدي الى خروج الامر من بيت العباسيين ,
كـل ذلـك وغـيره دفع المامون
الى ان يريح نفسه وقومه من هذا الخطر فدس اليه السم على النحو
المذكور في كتب التاريخ .

ومـن لـطيف ما نقل عن ابي نواس انه
كان ينشد الشعر في كل جليل و طفيف و لم يمدح الامام , و لما
عوتب على ذلك من قبل
بعض اصحابه حيث قال له : مارايت اوقح منك , ما تركت خمرا ولا طردا ولا
مـعـنـى الا قـلت فيه شيئا, وهذا
علي بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئا, فقال ابو نواس :
واللّه ما تركت ذلك الا اعظاما له ,
وليس قدر مثلي ان يقول في مثله , ثم انشد بعد ساعة هذه الابيات :.

قيل لي انت احسن الناس طرا في فنون من الكلام النبيه .

لك من جيد القريض مديح يثمر الدر في يدي مجتنيه .

فعلام تركت مدح ابن موسى و الخصال التي تجمعن فيه .

قلت لا استطيع مدح امام كان جبريل خادما لابيه .

وقال فيه (ع ) ايضا:.

مطهرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة عليهم اينما ذكروا.

من لم يكن علويا حين تنسبه فما لم في قديم الدهر مفتخر.

اللّه لما برا خلقا فاتقنه صفاكم و اصطفاكم ايها البشر.

فانتم الملا الاعلى و عندكم علم الكتاب و ما جات به السور
((150)) .

ولـمـا اسـتشهد الامام (ع )
دفن في مدينة طوس في قبر ملاصق لقبر هارون الرشيد,وقبر الامام
الرضا الان مزار مهيب يتقاطر المسلمون على زيارته والتبرك به .

فسلام اللّه عليه يوم ولد, ويوم استشهد, ويوم يبعث حيا.

الامام التاسع :.

محمد بن علي بن موسى ـ عليهم السلام
ـ الجواد.

هو الامام التاسع من ائمة اهل البيت ـ عليهم السلام
ـ , ولد بالمدينة المنورة في شهررمضان من سنة خـمـس وتـسـعين بعد المائة ,
فورث الشرف من آبائه واجداده ,واستسقت عروقه من منبع النبوة ,
وارتوت شجرته من منهل الرسالة .

قام بامر الولاية بعد
شهادة والده الرضا (ع ) عام 203 ه, واستشهد ببغداد عام 220ه,ادرك خلافة
المامون واوائل خلافة المعتصم .

اما امامته ووصايته فقد وردت فيها النصوص الوافرة
((151)) .

يـلقب بالجواد والقانع والمرتضى
والنجيب والتقي والزكي وغيرها من الالقاب الدالة على علو شانه
وارتفاع منزلته .

اقـول : لما توفي الرضا (ع ) كان الامام
الجواد في المدينة و قام بامر الامامة بوصية من ابيه و له من
الـعـمـر تـسع او عشر سنين ,
و كان المامون قد مارس معه نفس السياسة التي مارسها مع ابيه (ع )
خلافا لاسلافه من العباسيين , حيث انهم
كانوا يتعاملون مع ائمة اهل البيت بالقتل والسجن , وكان ذلك
يـزيـد فـي قـلـوب الناس حبا
لاهل البيت وبغضا للخلفا, ولما شعر المامون بذلك بدل ذلك الاسلوب
بـاسـلـوب آخـروهـو اسـتـقـدام
اهـل الـبـيـت مـن موطنهم الى دار الخلافة لكي يشرف على
حركاتهم وسكانتهم ,
وقد استمرت هذه السياسة في حقهم الى الامام الحادي عشر كماستعرف .

ومـا كـان مـن المامون عندما
استقدم الامام الى مركز الخلافة , الا ان شغف به لما راى من فضله مع
صـغـر سـنـه وبـلوغه في العلم
والحكمة والادب وكمال العقل ما لم يساوه فيه احد من مشايخ اهل
الـزمـان , فـزوجـه ابـنـته ام الفضل
وحملها معه الى المدينة , وكان حريصا على اكرامه وتعظيمه
واجلال قدره , ونحن نكتفي في المقام بذكر امرين :.

1ـ لـمـا تـوفـي الامام الرضا
(ع ) و قدم المامون بغداد, اتفق ان المامون خرج يومايتصيد, فاجتاز
بـطرف البلدة و صبيان يلعبون
و محمد الجواد واقف عندهم , فلمااقبل المامون فر الصبيان و وقف
مـحـمد الجواد, و عمره آنذاك تسع
سنين , فلماقرب منه الخليفة قال له : يا غلام ما منعك ان لا تفر
كـما فر اصحابك ؟ حسن انه لايفر منك من لا ذنب
له , ولم يكن بالطريق ضيق فانتحي )) فاعجب المامون كلامه وحسن
صـورتـه فـقـال لـه :
مـا اسـمـك يا غلام ؟ قال : ((محمد بن علي الرضا (ع ) ))فترحم على ابيه
((152)) .

2ـ لما اراد المامون تزويج ابنته ام الفضل
من الامام الجواد ثقل ذلك على العباسيين و قالوا له : ننشدك
اللّه ان تـقيم على هذا الامر
الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فانا نخاف ان تخرج به عنا امرا
قـد مـلكناه اللّه وما كان عليه الخلفاالراشدون قبلك
من تبعيدهم والتصغير بهم , وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا
حتى كفى اللّه المهم من ذلك ـ الى ان
قالوا ـ: ان هذا الفتى وان راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له
فامهله حتى يتادب ويتفقه في الدين ثم اصنع ما ترى .

قـال الـمامون : ويحكم اني اعرف بهذا
الفتى منكم , وان اهل هذا البيت علمهم من اللّه تعالى والهامه ,
ولم يزل آباؤه اغنيا في علم الدين
والادب من الرعايا الناقصة عن حد الكمال , فان شئتم فامتحنوا ابا
جعفر حتى يتبين لكم ما وصفت لكم من حاله قالوا: رضينا.

فـخـرجوا واتفق رايهم على ان يحيى
بن اكثم يساله مسالة وهو قاضي الزمان فاجابهم المامون على
ذلك .

واجـتمع القوم في يوم اتفقوا
عليه , وامر المامون ان يفرش لابي جعفر دست ففعل ذلك , وجلس يحيى
بن اكثم بين يديه , وقام
الناس في مراتبهم , والمامون جالس في دست متصل بدست ابي جعفر (ع ).

فقال يحيى
بن اكثم للمامون : اتاذن لي يا امير المؤمنين ان اسال ابا جعفر؟.

فقال : استاذنه في ذلك .

فاقبل عليه يحيى وقال : اتاذن لي جعلت فداك في مسالة ؟.

فقال : ((سل ان شئت )).

فقال : ما تقول ـ جعلت فداك ـ في محرم قتل صيدا؟.

فـقال ابو جعفر (ع ):
((في حل او حرم ؟ عالما كان المحرم او جاهلا؟ قتله عمدا اوخطا؟ حرا
كان المحرم او عبدا؟ صغيرا كان
او كبيرا؟ مبتدئا كان بالقتل او معيدا؟من ذوات الطير كان الصيد
ام غـيـرهـا؟ مـن صغار الصيد ام
كبارها؟ مصرا كان على ما فعل او نادما؟ ليلا كان قتله للصيد ام
نهارا؟ محرما كان بالعمرة اذ قتله او بالحج كان محرما؟)).

فتحير يحيى
وبان في وجهه العجز والانقطاع , وتلجلج حتى عرف اهل المجلس امره .

فـقـال المامون : الحمد للّه على
هذه النعمة والتوفيق لي في الراي , ثم قال لابي جعفر(ع ) : اخطب
لنفسك فقد رضيتك لنفسي وانا مزوجك ام الفضل ابنتي
((153)) .

ولـمـا تم الزواج قال المامون
لابي جعفر: ان رايت ـ جعلت فداك ـ ان تذكر الجواب فيما فصلته من
وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه ونستفيده .

فـقال ابو جعفر (ع ): (( ان
المحرم اذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطيرو كان من
كـبـارها فعليه شاة , فان اصابه
في الحرم فعليه الجزا مضافا, فان قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد
فـطـم مـن اللبن , و اذا قتله في
الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ , وان كان من الوحش وكان حمار
وحـش فـعـلـيه بقرة , وان كان نعامة فعليه
بدنة , وان كان ظبيا فعليه شاة , فان قتل شيئا من ذلك في
الـحـرم فـعـلـيـه الـجـزامـضـاعفا
هديا بالغ الكعبة , واذا اصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه
وكـان ,احـرامـه بالحج نحره
بمنى , و ان كان احرامه بالعمرة نحره بمكة , وجزا الصيدعلى العالم
والـجـاهـل سوا, وفي العمد له
الماثم وهو موضوع عنه في الخطا,والكفارة على الحر في نفسه ,
وعـلـى السيد في عبده , والصغير
لا كفارة عليه وهي على الكبير واجبة , والنادم يسقط بندمه عنه
عقاب الاخرة , والمصر يجب عليه العقاب في الاخرة )).

فقال له المامون : احسنت يا ابا جعفر
((154)) .

رجوع الجواد الى المدينة :.

ثـم ان ابـا جـعفر بعد ان اقام مدة في بغداد هاجر الى
المدينة و سكن بها مدة الى ان توفي المامون و بويع المعتصم , و لم يزل المعتصم
متفكرا في ابي جعفر يخاف من اجتماع الناس حوله و وثوبه على
الـخلافة , فلاجل ذلك مارس نفس
السياسة التي مارسها اخوه المامون من قبله فاستقدم الامام الجواد
(ع ) الـى بغداد سنة220
((155)) وبقي فيها (ع ) حتى توفي في آخر ذي القعدة من تلك السنة ,
وله
من العمر 25 سنة واشهر ودفن عند جده موسى بن جعفر في مقابر قريش .

وقال ابن شهر آشوب : انه قبض مسموما
((156)) .

فسلام اللّه على
امامنا الجواد يوم ولد, ويوم مات او استشهد بالسم , ويوم يبعث حيا.

الامام العاشر:.

ابوالحسن علي بن محمد بن على ـ عليهم السلام
ـ الهادى .

الامام علي بن محمد الهادي , هو الامام العاشر,
والنور الزاهر, ولد عام 212 ه,وتوفي بسامرا سنة 254ه, وهو من بيت
الرسالة والامامة , ومقر الوصاية والخلافة , وثمرة من شجرة النبوة .

قام (ع ) بامر الامامة بعد والده
الامام الجواد (ع ) , وقد عاصر خلافة المعتصم والواثق والمتوكل
والمنتصر
والمستعين والمعتز, وله مع هؤلا قضايا لا يتسع المقام لذكرها.

قال ابن شهر آشوب : كان اطيب
الناس مهجة , واصدقهم لهجة , واملحهم من قريب ,واكملهم من بعيد,
اذا صمت علته هيبة الوقار, واذا تكلم سماه البها
((157)) .

وقال عماد الدين الحنبلي : كان فقيها اماما متعبدا
((158)) .

وقـال الـمـفـيد: تقلد الامامة
بعد ابي جعفر ابنه ابو الحسن علي بن محمد, وقداجتمعت فيه خصال
الامامة وثبت النص عليه بالامامة , والاشارة اليه من ابيه بالخلافة
((159)) .

وقـد تـضـافـرت الـنـصـوص
على امامته عن طرقنا, فمن اراد فليرجع الى الكافي واثبات الهداة
وغيرهما من الكتب المعدة لذلك
((160)) .

وقـد مارس المتوكل نفس
الاسلوب الخبيث الذي رسمه المامون ثم اخوه المعتصم من اشخاص ائمة
اهل البيت من موطنهم واجبارهم
على الاقامة في مقر الخلافة ,وجعل العيون والحراس عليهم حتى
يطلعوا على دقيق حياتهم وجليلها.

وكان المتوكل من اخبث الخلفا العباسيين ,
واشدهم عدا لعلي , فبلغه مقام علي الهادي بالمدينة ومكانته
هـنـاك , ومـيـل الناس اليه , فخاف منه
((161)) , فدعى يحيى بن هرثمة وقال : اذهب الى المدينة ,
وانظر في حاله واشخصه الينا.

قال يحيى : فذهبت الى المدينة ,
فلما دخلتها ضج اهلها ضجيجا عظيما ما سمع الناس بمثله , خوفا على
عـلـي الـهادي , وقامت الدنيا على
ساق , لانه كان محسنااليهم , ملازما للمسجد لم يكن عنده ميل الى
الدنيا.

قـال يـحـيـي : فجعلت اسكنهم
و احلف لهم اني لم اؤمر فيه بمكروه , و انه لا باس عليه ,ثم فتشتت
مـنـزلـه فلم اجد فيه الا مصاحف
و ادعية و كتب العلم , فعظم في عيني ,و توليت خدمته بنفسي , و
احـسـنـت عشرته , فلما
قدمت به بغداد, بدات باسحاق بن ابراهيم الطاهري وكان واليا على بغداد,
فـقـال لـي : يا يحيى ان هذاالرجل
قد ولده رسول اللّه , والمتوكل من تعلم , فان حرضته عليه قتله ,
كان رسول اللّه خصمك
يوم القيامة فقلت له : واللّه ما وقعت منه الا على كل امرجميل .

ثم صرت به الى ((سر
من راى )) فبدات ب((وصيف )) التركي , فاخبرته بوصوله , فقال :واللّه لئن
سـقـط مـنه شعرة لا يطالب
بها سواك , فلما دخلت على المتوكل سالني عنه فاخبرته بحسن سيرته
وسـلامـة طريقه وورعه
وزهادته , واني فتشت داره ولم اجد فيها الاالمصاحف وكتب العلم , وان
اهـل الـمـديـنـة خـافـوا
عليه , فاكرمه المتوكل واحسن جائزته واجزل بره , وانزله معه سامرا
((162)) .

ومـع ان الامـام كـان يـعـيـش
في نفس البلد الذي يسكن فيه المتوكل , و كانت العيون والجواسيس
يراقبونه عن كثب , الا انه وشي
به الى المتوكل بان في منزله كتبا وسلاحا من شيعته من اهل قم , و
انه عازم بالوثوب بالدولة , فبعث اليه
جماعة من من الاتراك , فهاجموا داره ليلا فلم يجدوا فيها شيئا,
ووجدوه في بيت مغلق عليه ,
وعليه مدرعة من صوف وهو جالس على الرمل والحصى , وهو متوجه
الـى اللّه تـعـالـى يتلو آيات من القرآن ,
فحمل على حاله تلك الى المتوكل وقالوا له : لم نجد في بيته
شيئا, ووجدناه يقرا القرآن
مستقبل القبلة , و كان المتوكل جالسا في مجلس الشراب فادخل عليه و
الكاس في يده , فلما رآه هابه وعظمه
واجلسه الى جانبه , وناوله الكاس التي كانت في يده , فقال الامام
(ع ) : ((واللّه ما خامر لحمي ودمي
قط, فاعفني )) فاعفاه , فقال له : انشدني شعرا, فقال علي : ((انا
قليل الرواية للشعر)) فقال : لابد, فانشده وهو جالس عنده :.

((باتوا على قلل الاجبال تحرسهم غلب الرجال فما اغنتهم القلل .

و استنزلوا بعد عز من معاقلهم و اسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا.

ناداهم صارخ من بعد دفنهم اين الاسرة و التيجان و الحلل .

آين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الاستار و الكلل .

فافصح القبر عنهم حين سالهم تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
((163)) .

قد طال
ما اكلوا دهرا و ما شربوا فاصبحوا بعد طول الاكل قد اكلوا)).

فـبـكى المتوكل حتى بلت لحيته
دموع عينه وبكى الحاضرون , ورفع الى علي اربعة آلاف دينار ثم
رده الى منزله مكرما
((164)) .

آثاره العلمية :.

روى الـحـفـاظ و والرواة عن الامام احاديث
كثيرة في شتى المجالات من العقيدة والشريعة , وقد جمعها المحدثون في كتبهم , وبثها
الحر العاملي في كتابه الموسوم ب ((وسائل الشيعة )) على ابواب
مختلفة , ومما نلفت اليه النظر ان للامام (ع ) بعض الرسائل , وهي :.

1ـ رسـالـتـه في الرد على الجبر
والتفويض واثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين ,اوردها بتمامها
الحسن بن علي بن شعبة الحراني في كتابه الموسوم ب ((تحف العقول ))
((165)) .

2ـاجوبته ليحيى بن
اكثم عن مسائله , وهذه ايضا اوردها الحراني ايضا في تحف العقول .

3ـقطعة من احكام الدين , ذكرها ابن شهر آشوب في المناقب .

ولاجل ايقاف
القارئ على نمط خاص من تفسير الامام ناتي بنموذج من هذاالتفسير:.

/ 7