أئمة الإثنی عشر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أئمة الإثنی عشر - نسخه متنی

جعفر سبحانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


وكـانـت اول مواجهة عسكرية
بين المسلمين والجيش المسيحي الرومي وقعت في السنة الثامنة
من الـهجرة في ارض فلسطين , وقد
ادت هذه المواجهة الى استشهادالقادة العسكريين البارزين الثلاثة
وهم ((جعفر الطيار)) و ((زيد بن حارثة )) و ((عبد اللّه بن حارثة )).

ولـقـد تـسـبـب انسحاب
الجيش الاسلامي بعد استشهاد القادة المذكورين الى تزايدجراة الجيش
القيصري المسيحي , فكان
يخشى بصورة متزايدة ان تتعرض عاصمة الاسلام للهجوم الكاسح من قبل
هذا الجيش .

من هنا خرج رسول اللّه
(ص ) في السنة التاسعة للهجرة على راس جيش كبير جداالى حدود الشام
ليقود بنفسه اية مواجهة عسكرية ,
وقد استطاع الجيش في هذاالرحلة الصعبة المضنية ان يستعيد
هيبته الغابرة , ويجدد حياته السياسية :.

غـيـر ان هـذا الانـتـصار
المحدود لم يقنع رسول اللّه (ص ) , فاعد قبيل مرضه جيشا كبيرامن
الـمـسـلمين , وامر عليهم
((اسامة بن زيد)), وكلفهم بالتوجه الى حدود الشام ,والحضور في تلك
الجبهة .

امـا الـضلع الثاني من المثلث
الخطير الذي كان يهدد الكيان الاسلامي فكان الامبراطورية الايرانية
(الـفـارسـية ) و قد بلغ
من غضب هذه الامبراطورية على رسول اللّه (ص ) ومعاداتها لدعوته , ان
اقـدم امـبـراطور ايران
((خسرو برويز)) على تمزيق رسالة النبي (ص ), وتوجيه الاهانة الى
سـفيره باخراجه من بلاطه , والكتابة الى
واليه وعميله باليمن بان يوجه الى المدينة من يقبض على
رسول اللّه (ص ),او يقتله ان امتنع .

و ((خـسـرو))
هذا و ان قتل في زمن رسول اللّه (ص ) الا ان استقلال اليمن ـ التي رزحت تحت
اسـتـعـمار الامبراطورية الايرانية
ردحا طويلا من الزمان ـ لم يغب عن نظرملوك ايران آنذاك ,
وكـان غـرور اولـئك الملوك
وتجبرهم وكبرياؤهم لا يسمح بتحمل منافسة القوة الجديدة (القوة
الاسلامية ) لهم .

والـخطر الثالث كان هو خطر
حزب النفاق الذي كان يعمل بين صفوف المسلمين كالطابور الخامس
على تقويض دعائم الكيان
الاسلامي من الداخل الى درجة انهم قصدوا اغتيال رسول اللّه (ص ) , في
طريق العودة من تبوك الى المدينة .

فـقـد كـان بعض عناصر
هذا الحزب الخطر يقول في نفسه : ان الحركة الاسلامية سينتهي امرها
بموت رسول اللّه (ص ) ورحيله , وبذلك يستريح الجميع
((33)) .

ولقد قام ابوسفيان بن حرب بعد
وفاة رسول اللّه بمكيدة مشؤومة لتوجيه ضربة الى الامة الاسلامية
مـن الداخل وذلك عندما اتى عليا
(ع ) وعرض عليه ان يبايعه ضدمن عينه رجال السقيفة , ليستطيع
بـذلـك تشطير الامة الاسلامية
الواحدة الى شطرين متحاربين متقاتلين , فيتمكن من التصيد في الما
العكر.

ولـكن الامام عليا (ع ) ادرك بذكائه
البالغ نوايا ابي سفيان الخبيثة , فرفض مطلبه وقال له كاشفا عن
دوافعه ونواياه الشريرة :.

((واللّه مـا اردت بهذا الا
الفتنة , وانك واللّه طالما بغيت للاسلام شرا لا حاجة لنا في نصيحتك ))
((34)) .

ولـقـد بـلـغ دور المنافقين
التخريبي من الشدة بحيث تعرض القرآن لذكرهم في سورعديدة هي :
سـورة آل عـمران , والنسا,
والمائدة , والانفال , والتوبة , والعنكبوت ,والاحزاب , ومحمد, والفتح ,
والمجادلة , والحديد, والمنافقين , والحشر.

فـهل مع وجود مثل هؤلا الاعدا
الالدا والاقويا الذين كانوا يتربصون بالاسلام الدوائر, ويتحينون
الفرص للقضا عليه ,
يصح ان يترك رسول اللّه (ص ) امته الحديثة العهد بالاسلام , الجديدة التاسيس
من دون ان يعين لهم قائدا دينياسياسيا؟.

ان الـمـحاسبات الاجتماعية تقول :
انه كان من الواجب ان يمنع رسول الاسلام بتعيين قائد للامة , من
ظهور اي اختلاف وانشقاق
فيها من بعده , وان يضمن استمراروبقا الوحدة الاسلامية بايجاد حصن
قوي وسياج دفاعي متين حول تلك الامة .

ان تحصين الامة , وصيانتها من
الحوادث المشؤومة , والحيلولة دون مطالبة كل فريق ((الزعامة ))
لـنـفسه دون غيره , وبالتالي التنازع
على مسالة الخلافة والزعامة , لم يكن ليتحقق , الا بتعيين قائد
للامة , وعدم ترك الامور للاقدار.

ان هـذه الـمـحـاسـبة الاجتماعية
تهدينا الى صحة نظرية ((التنصيص على القائد بعدرسول اللّه
(ص ))) و لعل لهذه الجهة
و لجهات اخرى طرح رسول الاسلام مسالة الخلافة في الايام الاولى من
مـيـلاد الرسالة الاسلامية ,
وظل يواصل طرحهاوالتذكير بها طوال حياته حتى الساعات الاخيرة
منها, حيث عين خليفته ونص عليه
بالنص القاطع الواضح الصريح في بد دعوته , وفي نهايتها ايضا.

واليك بيان كلا هذين المقامين :.

1ـ النبوة والامامة توامان :.

بـغض
النظر عن الادلة العقلية و الفلسفية التي تثبت صحة الراي الاول
بصورة قطعية ,هناك اخبار وروايـات وردت فـي الـمـصادر
المعتبرة تثبت صحة الموقف والراي الذي ذهب اليه علما الشيعة
وتـصـدقـه , فقد نص النبي (ص )
على خليفته من بعده في الفترة النبوية من حياته مرارا وتكرارا,
واخرج موضوع الامامة من مجال الانتخاب الشعبي والراي العام .

فـهـو لـم يـعين ( و لم ينص
على ) خليفته و وصيه من بعده في اخريات حياته فحسب ,بل بادر الى
الـتـعريف بخليفته و وصيه
في بد الدعوة يوم لم ينضو تحت راية رسالته بعد سوى بضع عشرة من
الاشـخـاص , وذلك يوم امر من
جانب اللّه العلي القدير ان ينذر عشيرته الاقربين من العذاب الالهي
الاليم وان يدعوهم الى عقيدة التوحيد
قبل ان يصدع رسالته للجميع ويبدا دعوته العامة للناس كافة .

فحمع اربعين
رجلا من زعما بني هاشم وبني المطلب , ثم وقف فيهم خطيبا فقال :.

((ايكم يؤازرني
على هذا الامر على ان يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟)).

فاحجم القوم , وقام علي
(ع ) واعلن مؤازرته وتاييده له , فاخذ رسول اللّه (ص )برقبته , والتفت الى
الحاضرين , وقال :.

((ان هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم ))
((35)) .

وقد عرف هذا الحديث
عند المفسرين والمحدثين : ب ((حديث يوم الدار)) و ((حديث بد الدعوة )).

على ان رسول اللّه (ص )
لم يكتف بالنص على خليفته في بد رسالته , بل صرح في مناسبات شتى في
الـسـفـر والـحـضر , بخلافة
علي (ع ) من بعده , ولكن لا يبلغ ‌شي من ذلك في الاهمية والظهور
والصراحة والحسم ما بلغه حديث الغدير.

2ـ قصة الغدير:.

لما انتهت مراسيم الحج , و تعلم المسلمون مناسك الحج
من رسول اللّه (ص ) قرررسول اللّه (ص ) الرحيل عن مكة , والعودة الى المدينة ,
فاصدر امرا بذلك , ولمابلغ موكب الحجيج العظيم الى منطقة
((رابـغ ))
((36)) الـتي تبعد عن ((الجحفة )) ((37)) بثلاثة اميال , نزل امين الوحي جبرئيل
على رسول اللّه (ص ) بمنطقة تدعى ((غديرخم )), وخاطبه بالاية التالية :.

(يـا ايـهـا الـرسول بلغ ما انزل
اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الناس )
((38)) .

ان لـسـان الاية وظاهرها يكشف عن
ان اللّه تعالى القى على عاتق النبي (ص ) مسؤولية القيام بمهمة
خطيرة , واي امر اكثر خطورة
من ان ينصب عليا (ع ) لمقام الخلافة من بعده على مراى ومسمع من
مائة الف شاهد؟ مـن هنا اصدر رسول اللّه (ص )
امره بالتوقف , فتوقف طلائع ذلك الموكب العظيم ,والتحق بهم من
تاخر.

لـقد كان الوقت وقت الظهيرة ,
و كان المناخ حارا الى درجة كبيرة جدا, و كان الشخص يضع قسما
من عباته فوق راسه و القسم
الاخر منها تحت قدميه , وصنع للنبي (ص ) مظلة وكانت عبارة عن عباة
الـقيت على اغصان
شجرة (سمرة ), وصلى رسول اللّه (ص ) بالحاضرين الظهر جماعة وفيما كان
الـنـاس قـد احاطوا به
صعد(ص ) على منبر اعد من احداج الابل واقتابها, وخطب في الناس رافعا
صوته ,وهو يقول :.

((الـحـمـد للّه ونستعينه ونؤمن
به ونتوكل عليه , ونعوذ به من شرور انفسنا, ومن سيئات اعمالنا
الذي لا هادي لمن اضل ,
ولا مضل لمن هدى , واشهد ان لا اله الا هو,وان محمدا عبده ورسوله .

اما بعد: ايها الناس اني اوشك ان
ادعى فاجيب , واني مسؤول وانتم مسؤولون , فماذاانتم قائلون ؟)).

قالوا: نشهد انك قد بلغت ونصحت وجهدت , فجزاك اللّه خيرا.

قـال (ص ) : ((الـسـتم
تشهدون ان لا اله الا اللّه , وان محمدا عبده ورسوله , وان جنته حق , وان
الساعة آتية لا ريب فيها, وان اللّه يبعث من في القبور؟)).

قالوا: بلى نشهد بذلك .

قال (ص ) : ((اللهم اشهد)).

ثم قال (ص )
: ((واني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا)).

فناد مناد: بابي انت وامي يا رسول اللّه وما الثقلان ؟.

قال (ص ) : ((كتاب
اللّه سبب طرف بيد اللّه , وطرف بايديكم , فتمسكوا به , والاخرعترتي , وان
الـلطيف الخبير نباني انهما
لن يفترقا حتى يردا علي الحوض , فلاتقدموهما فتهلكوا, ولا تقصروا
عنهما فتهلكوا)).

وهنا اخذ بيد ((علي
(ع ) )) ورفعها, حتى رؤي بياض اباطهما, وعرفه الناس اجمعون ثم قال :.

((ايها الناس من اولى الناس بالمؤمنين من انفسهم ؟)).

قالوا: اللّه ورسوله اعلم .

فقال (ص ) :.

((ان اللّه مولاي وانا مولى المؤمنين
وانا اولى بهم من انفسهم , فمن كنت مولاه فعلي مولاه
((39)) .

اللهم وال من والاه , وعاد
من عاداه , وانصر من نصره , واخذل من خذله , واحب من احبه , وابغض من
بغضه , وادر الحق معه حيث دار))
((40)) .

فـلـما نزل من المنبر,
استجاز حسان بن ثابت شاعر عهد الرسالة في ان يفرغ ما نزل به الوحي في
قالب الشعر, فاجازه الرسول , فقام وانشد:.

يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم و اكرم بالنبي مناديا.

يقول فمن مولاكم و وليكم فقالوا و لم يبدوا هناك التعاميا.

الهك مولانا و انت ولينا و لم تر منا في الولاية عاصيا.

فقال له قم يا علي فانني رضيتك من بعدي اماما و هاديا.

فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له انصار صدق مواليا.

هناك دعا: اللهم
مصادر الواقعة :.

هذه هي واقعة الغدير استعرضناها لك على وجه الاجمال , و هي
بحق واقعة لايسوغ لاحد انكارها بـادنى مراتب التشكيك و القدح ,
فقد تناولها بالذكر ائمة المؤرخين امثال : البلاذري , و ابن قتيبه , و
الـطبري و الخطيب البغدادي ,
و ابن عبدالبر, وابن عساكر, وياقوت الحموي , وابن الاثير, وابن
ابي الحديد, وابن خلكان , واليافعي ,
وابن كثير, وابن خلدون , والذهبي , وابن حجر العسقلاني ,وابن
الـصـبـاغ الـمـالـكـي , والمقريزي ,
وجلال الدين السيوطي , ونور الدين الحلبي الى غير ذلك من
المؤرخين الذين جادت بهم القرون والاجيال .

كـمـا ذكـره ايضا ائمة الحديث
امثال : الامام الشافعي , و احمد بن حنبل , و ابن ماجة , والترمذي و
الـنـسـائي و ابـو يـعـلى الموصلي ,
و البغوي و الطحاوي , و الحاكم النيسابوري , وابن المغازلي ,
والـخـطـيـب الـخـوارزمي ,
والكنجي , ومحب الدين الطبري , والحمويني , والهيثمي , والجزري ,
والـقسطلاني , والمتقي الهندي ,
وتاج الدين المناوي , وابو عبد اللّه الزرقاني , وابن حمزة الدمشقي
الى
غير ذلك من اعلام المحدثين الذين يقصر المقال عن عدهم وحصرهم .

كـمـا تـعـرض لـه كبار
المفسرين , فقد ذكره : الطبري , والثعلبي , والواحدي في اسباب النزول ,
والـقـرطـبـي , وابـو الـسعود,
والفخر الرازي , وابن كثير الشامي , والنيسابوري ,وجلال الدين
السيوطي , والالوسي , والبغدادي .

وذكـره مـن الـمتكلمين طائفة
جمة في خاتمة مباحث الامامة و ان ناقشوا نقضا و ابرامافي دلالته
كالقاضي ابي بكر البلاقلاني في
تهميده , و القاضي عبد الرحمن الايجي في مواقفه , والسيد الشريف
الـجرجاني في شرحه , وشمس
الدين الاصفهاني في مطالع الانوار, والتفتازاني في شرح المقاصد,
والقوشجي في شرح التجريد
الى غير ذلك من المتكلمين الذين تعرضوا لحديث الغدير وبحثواحول
دلالته ووجه الحجة فيه .

واقعة الغدير ورمز الخلود:.

اراد الـمـولـى عـز وجـل ان يبقى حديث الغدير غضا طريا على مر
الاجيال لم يكدرصفا حقيقته الناصعة تطاول
الاحقاب , وكر الازمان , وانصرام الاعوام , ويرجع ذلك الى امور ثلاثة :.

1ـ ان الـنـبي (ص ) قد
هتف به في مزدحم غفير يربو على عشرات الالاف عندمنصرفه من الحج
الاكـبـر, فـنهض بالدعوة
والاعلان , وحوله جموع من وجوه الصحابة واعيان الامة , وامر بتبليغ
الشاهد الغائب ليكونوا كافة على علم وخبربما تم ابلاغه .

2ـ ان اللّه سبحانه قد انزل في تلك
المناسبة آيات تلفت نظر القارئ الى الواقعة عندمايتلوها واليك
الايات :.

ا ـ (يـا ايها الرسول بلغ ما انزل
اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الناس )
((41)) .

وقد ذكر نزولها في واقعة الغدير
لفيف من المفسرين يربو عددهم على الثلاثين , وقدذكر العلامة
الـبـحـاثة المحقق الاميني
في كتاب ((الغدير)) نصوص عبارات هؤلا,فمن اراد الاطلاع عليها,
فليرجع اليه .

ب ـ (اليوم
اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام
دينا)((42)) .

وقد نقل نزول الاية جماعة منهم يزيدون على ستة عشر.

ج ـ (سال سائل بعذاب واقع # للكافرين ليس له دافع # من اللّه ذي
المعارج )((43)) .

وقـد ذكـر ايضا نزول هذه الاية
جماعة من المفسرين ينوف على الثلاثين , اضف الى ذلك ان الشيعة
عن بكرة
ابيهم متفقون على نزول هذه الايات الثلاث في شان هذه الواقعة
((44)) .

3ـ ان الحديث منذ صدوره من
منبع الوحي , تسابقت الشعرا و الادبا على نظمه , وانشاده في ابيات و
قصائد امتدت رقعتها منذ عصر
انبثاق ذلك النص في تلك المناسبة الى عصرنا هذا , وبمختلف اللغات
والـثـقافات , وقد تمكن البحاثة المتضلع
العلامة الاميني من استقصا وجمع كل ما نظم باللغة العربية
حـول تـلـك الحادثة , والمؤمل والمنتظر
من كافة المحققين على اختلاف السنتهم ولغاتهم استنهاض
هممهم لجمع ما نظم وانشد في ادبهم الخاص .

وحـصـيـلـة الـكـلام : قـلـمـا
نـجد حادثة تاريخية حظيت في العالم البشري عامة , و في التاريخ
الاسـلامـي والامة الاسلامية
خاصة بمثل ما حظيت به واقعة الغدير, وقلمااستقطبت اهتمام الفئات
الـمختلفة من المحدثين والمفسرين
والكلاميين والفلاسفة والادبا والكتاب والخطبا وارباب السير
والمؤرخين
كما استقطبت هذه الحادثة , وقلما اعتنوا بشي مثلما اعتنوا بها.

هـذا ويـسـتفاد من مراجعة
التاريخ ان يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام كان معروفا بين
الـمسلمين بيوم عيد الغدير,
وكانت هذه التسمية تحظى بشهرة كبيرة الى درجة ان ابن خلكان يقول
حول ((المستعلى ابن المستنصر)):.

((فبويع
في يوم غدير خم , وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة 487 ه))
((45)) .

وقـال في ترجمة المستنصر
باللّه , العباسي : ((وتوفي ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي
الحجة سنة سبع وثمانين واربعمائة ,
قلت : وهذه هي ليلة عيدالغدير اعني ليلة الثامن عشر من شهر
ذي الحجة , وهو غدير خم ))
((46)) .

وقـد عـده ابـو ريحان البيروني
في كتابه الاثار الباقية ((مما استعمله اهل الاسلام من الاعياد))
((47)) .

ولـيـس ابـن خلكان , وابو ريحان
البيروني , هما الوحيدان اللذان صرحا بكون هذا اليوم هو عيد من
الاعـيـاد, بـل هـذا الـثعالبي قد اعتبر
هو الاخر ليلة الغدير من الليالي المعروفة بين المسلمين ))
((48)) .

ان عـهـد هـذا الـعـيـد
الاسلامي , وجذوره ترجع الى نفس يوم ((الغدير)) لان النبي (ص )امر
الـمـهـاجرين والانصار, بل امر
زوجاته ونساه في ذلك اليوم بالدخول على علي (ع ) وتهنئته بهذه
الفضيلة الكبرى .

يـقـول زيـد بـن ارقـم :
كـان اول من صافح النبي (ص ) وعليا: ابوبكر, وعمر, وعثمان ,وطلحة ,
والزبير, وباقي المهاجرين والانصار, وباقي الناس
((49)) .

الحمد للّه الذي جعلنا من المتمسكين بولاية علي بن ابي طالب (ع ).

بعض خصائصه :.

يـطـيـب لـي ان اشـير الى بعض خصائصه قياما ببعض الوظيفة تجاه
ما له من الحقوق على الاسلام والمسلمين عامة , فنقول : ان له خصائص لم يشترك فيها احد:.

1ـ ولادته في جوف الكعبة .

2ـ احتضان النبي الاكرم (ص ) له منذ صغره .

3ـ سبقه الجميع في الاسلام .

4ـ مؤاخاة النبي (ص ) له من دون باقي الصحابة .

5ـ حمله
من قبل النبي (ص ) على كتفه لطرح الاصنام الموضوعة في الكعبة .

6ـ استمرار ذرية رسول اللّه (ص ) من صلبه .

7ـ بصاق
النبي (ص ) في عينيه يوم خيبر, ودعاؤه له بان لا يصيبه حر ولا قر.

8ـ ان حبه ايمان وبغضه نفاق .

9ـ ان النبي (ص ) باهل النصارى به وبزوجته واولاده دون سائر الاصحاب .

10ـ تبليغه سورة براة عن النبي (ص ).

11ـ ان النبي (ص ) خصه يوم الغدير بالولاية .

12ـ انه القائل : ((سلوني قبل ان تفقدوني )).

13ـ ان النبي (ص ) خصه بتغسيله وتجهيزه والصلاة عليه .

14ـ ان الـنـاس جـمـيـعـا
مـن ارباب الاديان , و غيرهم ينظرون اليه كاعظم رجل عرفه التاريخ
((50)) .

الامام الثانى :.

ابو محمد الحسن
بن على (ع ) المجتبى .

هـو ثـاني ائمة اهل البيت الطاهر , واول
السبطين , واحد سيدي شباب اهل الجنة ,وريحانة رسول اللّه (ص ), واحد الخمسة
من اصحاب الكسا, امه فاطمة بنت رسول اللّه (ص ) سيدة نسا العالمين .

ولـد فـي المدينة ليلة النصف
من شهر رمضان سنة ثلاث او اثنتين من الهجرة , وهواول اولاد علي
وفاطمة (ع ).

نسب كان عليه من شمس الضحى نور و من فلق الصباح عمودا.

و روى عن
انس بن مالك قال : لم يكن احد اشبه برسول اللّه (ص ) من الحسن بن علي (ع )
((51)) .

فـلما ولد الحسن قالت
فاطمة لعلي : سمه , فقال : ((ما كنت لاسبق باسمه رسول اللّه (ص ) )), فجا
النبي (ص ) فاخرج اليه فقال : ((اللهم
اني اعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم واذن في اذنه اليمنى
واقام في اليسرى .

اشهر القابه : التقي والزكي والسبط.

امـا علمه : فيكفي انه كان
يجلس في مسجد رسول اللّه (ص ) و يجتمع الناس حوله فيتكلم بما يشفي
غـلـيل السائل و يقطع حجج
المجادلين من ذلك ما رواه الامام ابو الحسن علي بن احمد الواحدي في
تـفـسـيـر
الـوسيط: ان رجلا دخل الى مسجدالمدينة فوجد شخصا يحدث عن رسول اللّه (ص )
والـناس حوله مجتمعون فجااليه
الرجل , قال : اخبرني عن (شاهد ومشهود)؟ فقال : نعم , اما الشاهد
فيوم الجمعة والمشهود فيوم عرفة .

فـتـجـاوزه الـى آخر غيره
يحدث في المسجد, فساله عن (شاهد و مشهود) قال : اماالشاهد فيوم
الجمعة , واما المشهود يوم النحر.

قـال : فـتـجـاوزه الـى
ثالث , غلام كان وجهه الدينار, و هو يحدث في المسجد, فساله عن شاهد و
مـشهود, فقال : ((نعم , اما الشاهد
فرسول اللّه (ص ) واما المشهود فيوم القيامة , اما سمعته عزوجل
يقول : (يا ايها النبى انا ارسلناك
شاهدا ومبشراونذيرا) ((52)) , وقال تعالى : (ذلك يوم مجموع له
الناس و ذلك يوم
مشهود)))((53)) .

فـسـال عـن الاول , فـقالوا: ابن
عباس , وسال عن الثاني , فقالوا: ابن عمر, وسال عن الثالث , فقالوا:
الحسن بن علي بن ابي طالب (ع )
((54)) .

واما زهده : فيكفي في ذلك ما نقله
الحافظ ابو نعيم في حليته بسنده انه (ع ) قال : ((اني لاستحي من
ربي ان القاه ولم امش
الى بيته )) فمشى عشرين مرة من المدينة الى مكة على قدميه .

و روي عـن الحافظ ابي نعيم
في حليته ايضا: انه (ع ) خرج من ماله مرتين , وقاسم اللّه تعالى ثلاث
مرات ماله وتصدق به .

وكان (ع ) من ازهد الناس في الدنيا
ولذاتها, عارفا بغرورها وآفاتها, وكثيرا ما كان (ع )يتمثل بهذا
البيت شعرا:.

يا اهل لذات دنيا لا بقا لها ان اغترارا بظل زائل حمق
((55)) .

وامـا حـمله : فقد روى ابن خلكان
عن ابن عائشة : ان رجلا من اهل الشام قال : دخلت المدينة ـ على
سـاكـنها افضل الصلاة
و السلام فرايت رجلا راكبا على بغلة لم اراحسن وجها و لا سمتا و لا
ثوبا و لا دابة منه , فمال قلبي اليه
فسالت عنه فقيل :هذا الحسن بن علي بن ابي طالب , فامتلا قلبي له
بـغـضـا وحسدت عليا ان يكون له
ابن مثله , فصرت اليه وقلت له : اانت ابن علي ابن ابي طالب ؟ قال :
((انـا ابـنه )),قلت : فعل
بك وبابيك , اسبهما, فلما انقضى كلامي قال لي : ((احسبك غريبا))؟قلت :
اجـل , قـال : ((مـل بنا فان احتجت
الى منزل انزلناك او الى مال آتيناك او الى حاجة عاوناك )) قال :
فـانـصـرفت عنه وما
على الارض احب الي منه , وما فكرت فيما صنع وصنعت الا شكرته وخزيت
نفسي (1).

واما امامته : فيكفي في ذلك
ما صرح به النبي (ص ) من قوله : ((هذان ابناي امامان قامااو قعدا )).

وروت الـشـيعة بطرقهم عن
سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت امير المؤمنين (ع )حين اوصى الى
ابـنه الحسين (ع ) و اشهد
على وصيته الحسين (ع ) و محمدا وجميع ولده و رؤسا شيعته و اهل
بـيـته , ثم دفع اليه الكتاب
والسلاح وقال له : ((يابني انه امرني رسول اللّه (ص ) ان اوصي اليك ,
وادفع اليك كتبي وسلاحي ,
كمااوصى الي ودفع الي كتبه وسلاحه , وامرني ان آمرك اذا حضرك
الموت ان تدفعهاالى اخيك
الحسين , ثم اقبل على ابنه الحسين (ع ) فقال : وامرك رسول اللّه (ص )ان
تـدفعها الى ابنك هذا, ثم اخذ
بيد علي بن الحسين وقال : وامرك رسول اللّه ان تدفعها الى ابنك محمد
بن علي فاقراه من رسول اللّه ومني السلام ))
((56)) .

روى ابـوالفرج الاصفهاني : انه
خطب الحسن بن علي بعد وفاة اميرالمؤمنين علي (ع )و قال : ((قد
قبض في هذه الليلة رجل لم
يسبقه الاولون بعمل , و لا يدركه الاخرون بعمل , و لقد كان يجاهد مع
رسـول اللّه (ص ) فـيقيه بنفسه , ولقد
كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن
يـسـاره , فـلا يرجع حتى يفتح اللّه
عليه ,ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم ,
ولـقـد تـوفـي فـيـها يوشع بن
نون وصي موسى , وما خلف صفرا ولا بيضا الا سبعمائة درهم بقية
من عطائه اراد ان يبتاع بها خادما لاهله )).

ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه .

ثـم قـال : ((ايـها الناس من عرفني
فقد عرفني , و من لم يعرفني فانا الحسن بن محمد(ص ) انا ابن
الـبشير, انا ابن النذير, انا ابن
الداعي الى اللّه عزوجل باذنه , وانا ابن السراج المنير, وانا من اهل
الـبـيـت الذين اذهب اللّه
عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا, والذين افترض اللّه مودتهم في كتابه اذ
يقول : (ومن يقترف
حسنة نزد له فيها حسن ) ((57)) فاقتراف الحسنة مودتنا اهل البيت )).

قـال ابـو مـخنف عن رجاله : ثم قام
ابن عباس بين يديه فدعا الناس الى بيعته فاستجابواله وقالوا: ما
احبه الينا واحقه بالخلافة , فبايعوه
((58)) .

وقـال الـمـفيد: كانت بيعته يوم
الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة اربعين من الهجرة ,
فرتب العمال
وامر الامرا, وانفذ عبد اللّه ابن العباس الى البصرة ,ونظر في الامور
(3) ((59)) .

وقال ابو الفرج الاصفهاني : وكان
اول شي احدثه الحسن انه زاد في المقاتلة مائة مائة , وقد كان علي
فعل
ذلك يوم الجمل , وهو فعله يوم الاستخلاف , فتبعه الخلفا بعد ذلك
((60)) .

قـال الـمفيد: فلما بلغ معاوية
وفاة اميرالمؤمنين و بيعة الناس ابنه الحسن , دس رجلامن حمير الى
الـكـوفة , ورجلا من بني القين
الى البصرة ليكتبا اليه بالاخبار ويفسداعلى الحسن الامور, فعرف
ذلك الحسن فامر باستخراج
الحميري من عند لحام في الكوفة فاخرج وامر بضرب عنقه وكتب الى
البصرة باستخراج القيني من بني سليم فاخرج و ضربت عنقه
((61)) .

ثـم انه استمرت المراسلات
((62)) بين الحسن معاوية وانجرت الى حوادث مريرة الى ان ادت
الى الصلح واضطر
الى التنازل عن الخلافة لصالح معاوية , فعقداصلحا واليك صورته .

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

هذا ما صالح عليه الحسن بن علي
بن ابي طالب معاوية بن ابي سفيان , صالحه على ان يسلم اليه ولاية
الـمـسلمين على ان يعمل فيهم
بكتاب اللّه وسنة رسول اللّه ,وليس لمعاوية ان يعهد الى احد من بعده
عهدا, على ان الناس آمنون
حيث كانوامن ارض اللّه تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم وحجازهم .

و عـلى ان اصحاب علي وشيعته آمنون
على انفسهم واموالهم ونسائهم واولادهم حيث كانوا, وعلى
معاوية بذلك عهد اللّه وميثاقه .

وعـلى ان لا يبغي للحسن
بن علي ولا لاخيه الحسين ولا لاحد من اهل بيت رسول اللّه (ص ) غائلة
سؤ سرا وجهرا, ولا يخيف
احدا في افق من الافاق شهد عليه بذلك فلان وفلان , وكفى باللّه شهيدا
((63)) .

ولـما تم الصلح صعد معاوية المنبر
و قال في خطبته : اني و اللّه ما ما قاتلتكم لتصلواولا لتصوموا,
ولا لـتـحـجوا ولا لتزكوا, انكم
لتفعلون ذلك , ولكني قاتلتكم لاتامرعليكم , وقد اعطاني اللّه ذلك
وانتم كارهون الا واني كنت
منيت الحسن واعطيته اشيا وجميعها تحت قدمي هاتين لا افي بشي منها
له
((64)) .

شـهادته : لما نقض معاوية عهده
مع الامام الحسن (ع ) وما كان ذلك بغريب على رجل ابوه ابو سفيان
وامـه هـنـد, وهـو طـلـيق ابن
طلقا ـ عمد الى اخذ البيعة ليزيد ولده ـالمشهور بمجونه وتهتكه
وزندقته ـ وما كان
شي اثقل عليه من امر الحسن بن علي (ع ) , فدس اليه السم , فمات بسببه .

فـقـد روي : ان معاوية
ارسل الى ابنة الاشعث ـ وكانت تحت الحسن (ع ) : اني مزوجك بيزيد ابني
على ان تسمي الحسن بن علي .

وبعث اليها
بمائة الف درهم , فقبلت وسمت الحسن , فسوغها المال ولم يزوجها منه
((65)) .

فـلـما دنى موته اوصى لاخيه
الحسين (ع ) وقال : ((اذا قضيت نحبي غسلني وكفني واحملني على
سـريـري الـى قبر
جدي رسول اللّه (ص ) ثم ردني الى قبر جدتي فاطمة بنت اسد فادفني هناك ,
وباللّه اقسم عليك ان تهريق في امري محجمة دم .

فـلما حملوه الى روضة رسول اللّه
(ص ) لم يشك مروان و من معه من بني امية انهم سيدفنونه عند
جـده رسول اللّه (ص ) فتجمعوا
له و لبسوا السلاح , و لحقتهم عائشة على بغل و هي تقول : مالي و
لـكم تريدون ان تدخلوا بيتي
من لا احب عـثـمان في اقصى المدينة ويدفن
الحسن مع النبي وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبني امية ولاجل
وصية الحسن مضوا به الى البقيع ودفنوه عند جدته فاطمة بنت
اسد((66)) .

وتـوفـي الحسن وله من العمر 47
عاما وكانت سنة وفاته سنة 50 من الهجرة النبوية والعجيب ان
مـروان بـن الـحـكم حمل
سريره الى البقيع فقال له الحسين : ((اتحمل سريره تجرعه
الغيظ)) فقال مروان : اني كنت افعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال
((67)) .

ولما بلغ معاوية موت
الحسن (ع ) سجد و سجد من حوله وكبر وكبروا معه , ذكره الزمخشري في
ربيع الابرار وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهما.

فقال بعض الشعرا:.

اصبح اليوم ابن هند شامتا ظاهر النخوة ا مات الحسن .

يا ابن هند ان تذق كاس الردى تك في الدهر كشي لم يكن .

لست بالباقي فلا تسمت به كل حي للمنايا مرتهن
((68)) .

هـذه لـمـحـة عن حياة الحسن
المشحونة بالحوادث المريرة وتركنا الكثير مما يرجع الى جوانب
حـيـاتـه , خصوصا ما نقل عنه
من الخطب والرسائل والكلم القصار, ومن اراد التفصيل فليرجع الى
تحف العقول ((69)) فقد ذكر قسما كبيرا من كلماته .

الامام الثالث :.

الحسين بن علي بن ابي طالب (ع )
سيد الشهدا.

هـو ثـالث ائمة اهل البيت الطاهر, وثاني
السبطين , وسيدي شباب اهل الجنة ,وريحانتي المصطفى (ص ),
واحد الخمسة اصحاب الكسا, وسيد الشهدا,وامه فاطمة بنت رسول اللّه (ص ).

ولـد فـي المدينة المنورة في
الثالث من شعبان سنة ثلاث او اربع من الهجرة , و لما ولدجيئ به الى
رسول اللّه (ص ) فاستبشر به , واذن
في اذنه اليمنى واقام في اليسرى ,فلما كان اليوم السابع سماه
حـسـيـنـا, وعق عنه
بكبش , وامر امه ان تحلق راسه وتتصدق بوزن شعره فضة , كما فعلت باخيه
الحسن , فامتثلت (ع ) ما امرها به .

ولـقـد استشهد بوم الجمعة
لعشر خلون من المحرم سنة 61 من الهجرة , وقيل يوم السبت , وكان قد
ادرك مـن حـياة
النبي الاكرم (ص ) خمس او ست سنوات ,وعاش مع ابيه 36 سنة , ومع اخيه 46
سنة .

ان حياة الامام الحسين
من ولادته الى شهادته حافلة بالاحداث , و الاشارة ـ فضلاعن الاحاطة ـ الى
كل ما يرجع اليه يحتاج الى تاليف
مفرد, و قد اغنانا في ذلك ماكتبه المؤلفون و الباحثون عن جوانب
مـن حـيـاته (ع ), حيث تحدثوا في
مؤلفاتهم المختلفة عن النصوص الواردة من جده وابيه في حقه ,
وعن علمه و مناظراته ,
وخطبه وكتبه وقصار كلمه , وفصاحته وبلاغته , ومكارم اخلاقه وكرمه
وجـوده ,وزهـده وعـبادته ,
ورافته بالفقرا والمساكين , وعن اصحابه والرواة عنه , والجيل الذي
تربى على يديه وذلك في مؤلفات قيمة لا تعد ولاتحصى .

غـيـر ان الـحسين (ع )
ورا ذلك , خصيصة اخرى و هي كفاحه و جهاده الرسالي والسياسي الذي
عـرف بـه , و الذي اصبح مدرسة
سياسية دينية , لعلها اصبحت الطابع المميز له (ع ) والصبغة التي
اصـطـبغت حياته الشريفة بها,
واسوة وقدوة مدى اجيال وقرون , ولم يزل منهجه يؤثر في ضمير
الامـة ووعـيـهـا, ويـحـرك العقول المتفتحة ,
والقلوب المستنيرة الى التحرك والثورة ومواجهة
طواغيت الزمان بالعنف والشدة .

وهـا نـحـن نـقـدم الـيك نموذجا
من غرر كلماته في ذلك المجال حتى تقف على كفاحه وجهاده امام
التيارات الالحادية والانهيار الخلقي .

اباؤه للضيم ومعاندة الجور:.

لـمـا تـوفي اخوه الحسن في العام الخمسين من
الهجرة اوصى اليه بالامامة فاجتمعت الشيعة حوله , يرجعون اليه في حلهم و ترحالهم , و
كان لمعاوية عيون في المدينة يكتبون اليه ما يكون من الاحداث
الـمـهمة التي لا توافق هوى
السلطة الاموية المنحرفة , والتي قد تشكل خطرا جديا على وجودها
غير المشروع , ولقد كان هم هذه السلطة
هو الامام الحسين (ع ) لما يعرفونه عنه من موقف لا يلين
ولا يـهـادن فـي الـحق , ومن هنا
فقد كتب مروان بن الحكم ـ وكان عامل معاوية على المدينة ـ: ان
رجـالا مـن اهل العراق ووجوه
اهل الحجاز يختلفون الى الحسين بن علي وانه لا يامن وثوبه , ولقد
بحثت عن ذلك فبلغني
انه لا يريد الخلاف يومه هذا, ولست آمن ان يكون هذا ايضا لما بعده .

ولمابلغ الكتاب معاوية كتب رسالة
الى الحسين وهذا نصها: اما بعد: فقد انتهت الي امور عنك ان كانت
حـقا فاني ارغب بك عنها, ولعمر
اللّه ان من اعطى اللّه عهده وميثاقه لجدير بالوفا, وان احق الناس
بالوفا من كان في خطرك وشرفك ومنزلتك التي انزلك اللّه لها
((70)) .

ولـمـا وصـل الكتاب الى الحسين
بن علي , كتب اليه رسالة مفصلة ذكر فيها جرائمه ونقضه ميثاقه
وعهده , نقتبس منها ما يلي :.

((الـسـت قـاتـل حـجـر بـن
عـدي اخا كندة و اصحابه المصلين , العابدين , الذين ينكرون الظلم ,
ويـسـتفظعون البدع , ويامرون
بالمعروف , وينهون عن المنكر, ولا يخافون في اللّه لومة لائم , ثم
قـتـلتهم ظلما وعدوانا من بعد
ما اعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة , ولا تاخذهم بحدث
كان بينك وبينهم , جراة على اللّه واستخفافا بعهده .

اولـسـت قـاتـل عـمرو
بن الحمق صاحب رسول اللّه , العبد الصالح الذي ابلته العبادة فنحل جسمه
واصفر لونه , فقتلته بعد ما
امنته واعطيته العهود ما لو فهمته العصم لنزلت من شعف الجبال .

اولـسـت الـمـدعي زياد بن سمية
المولود على فراش عبيد بن ثقيف فزعمت انه ابن ابيك , وقد قال
رسـول اللّه (ص ):
الـولـد لـلفراش وللعاهر الحجر, فتركت سنة رسول اللّه (ص ) تعمدا وتبعت
هـواك بـغـيـر هدى من اللّه , ثم
سلطته على اهل الاسلام يقتلهم , ويقطع ايديهم وارجلهم , ويسمل
اعينهم ,
ويصلبهم على جذوع النخل ,كانك لست من هذه الامة وليسوا منك .

اولـسـت صـاحـب الحضرميين
الذين كتب فيهم ابن سمية انهم على دين علي ـصلوات اللّه عليه ـ
فـكتبت اليه : ان اقتل كل من كان على
دين علي , فقتلهم ومثل بهم بامرك , ودين علي هو دين ابن عمه
(ص ) الـذي كـان يـضرب
عليه اباك ويضربك , وبه جلست مجلسك الذي انت فيه , ولولا ذلك لكان
شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتا والصيف ))
((71)) .

هـذا هـو الـحسين , وهذا هو اباؤه
للضيم ودفاعه عن الحق ونصرته للمظلومين في عصر معاوية
وذكرنا
هذه المقتطفات كنموذج من سائر خطبه ورسائله التي ضبطها التاريخ .

رفضه البيعة ليزيد:.

لما هلك معاوية في منتصف رجب سنة 60 هجرية
كتب يزيد الى الوليد بن عتبة والي المدينة ان ياخذ الـحـسـيـن (ع ) بـالبيعة له ,
فانفذ الوليد الى الحسين (ع )فاستدعاه , فعرف الحسين ما اراد, فدعا
جماعة من مواليه و امرهم
بحمل السلاح و قال : ((اجلسوا على الباب )) فاذا سمعتم صوتي قد علا
فادخلوا عليه و لاتخافوا علي )).

و صـار (ع ) الى الوليد فنعى
الوليد اليه معاوية فاسترجع الحسين (ع ) ثم قرا عليه كتاب يزيد بن
مـعـاويـة , فقال الحسين
(ع ): ((انى لا اراك تقنع ببيعتي ليزيد سراحتى ابايعه جهرا فيعرف ذلك
الـنـاس )), فـقال له الوليد:
اجل , فقال الحسين (ع ):((فتصبح وترى رايك في ذلك )) فقال الوليد:
انـصـرف عـلى اسم اللّه تعالى ,
فقال مروان : و اللّه لئن فارقك الساعة و لم يبايع لا قدرت منه على
مـثـلها ابدا حتى يكثير القتلى
بينكم و بينه , احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع اوتضرب
عـنـقـه , فـوثـب عـند
ذلك الحسين (ع ) و قال : ((انت يا بن الزرقا تقتلني اوهو؟ كذبت و اللّه و
اثمت )) ثم
خرج ((72)) .

و اصبح الحسين من غده يستمع
الاخبار, فاذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه فقال : ابا
عـبداللّه اني لك ناصح فاطعني
ترشد و تسدد, فقال : ((و ما ذاك قل اسمع )) فقال : اني ارشدك لبيعة
يـزيـد فانها خير لك في دينك
و في دنياك ,فاسترجع الحسين و قال : ((انا للّه و انا اليه راجعون و
عـلى الاسلام السلام اذا بليت الامة
براع مثل يزيد, ثم قال : يا مروان اترشدني لبيعة يزيد رجـل فاسق ,لقد قلت شططا من القول
وزللا, ولا الومك فانك اللعين الذي لعنك رسول اللّه وانت في
صـلـب ابيك الحكم بن العاص , و من
لعنه رسول اللّه فلا ينكر منه ان يدعو لبيعة يزيد, اليك عني يا
عدو اللّه , فانا اهل بيت رسول
اللّه الحق فينا ينطق على السنتنا, وقد سمعت جدي رسول اللّه يقول :
الـخلافة محرمة على آل ابي سفيان الطلقا
وابنا الطلقا, فاذا رايتم معاوية على منبري فابقروا بطنه
ولقد رآه اهل المدينة
على منبر رسول اللّه فلم يفعلوا به ما امروا فابتلاهم بابنه
يزيد))((73)) .

ثـم ان الـحسين غادر المدينة الى مكة ,
و لما بلغ اهل الكوفة هلاك معاوية اجتمعت الشيعة في منزل
سـلـيـمان بن صرد فاتفقوا ان يكتبوا
الى الحسين رسائل وينفذوارسلا طالبين منه القدوم اليهم في
الـكـوفـة لان القوم قد بايعوه ونبذوا
بيعة الامويين , والحوا في ذلك الامر ايما الحاح , مبينين للامام
(ع ) ان السبل ميسرة والظروف
مهيئة لقدومه , حيث كتب له وجهاؤهم من جملة ما كتبوه :.

((اما بعد:
فقد اخضر الجناب واينعت الثمار, فاذا شئت فاقبل على جند لك مجندة )).

ولـمـا جات رسائل اهل
الكوفة تترى على الحسين (ع ) ارسل ابن عمه مسلم بن عقيل (رض ) الى
الكوفة ممثلا عنه لاخذ البيعة له
منهم , و للتحقيق من جدية هذاالامر, ثم كتب اليهم : ((اما بعد: فان
هـانئا وسعيدا قدما على بكتبكم ,
وكانا آخر من قدم علي من رسلكم , وقد فهمت كل الذي اقتصصتم
وذكـرتـم , ومـقـالة جلكم انه ليس
علينا امام فاقبل لعل اللّه ان يجمعنا بك على الحق والهدى , واني
بـاعـث الـيـكم اخي وابن عمي
وثقتي من اهل بيتي مسلم بن عقيل , فان كتب الي : انه قداجتمع راي
ملائكم وذووا الحجى والفضل منكم
على مثل ما قدمت علي به رسلكم , وقراته في كتبكم , فاني اقدم
عـلـيـكـم وشيكاان شا اللّه , فلعمري
ما الامام الا الحاكم بالكتاب , القائم بالقسط, الدائن بدين الحق ,
الحابس نفسه على ذات اللّه ))
((74)) .

ثم خرج الامام من مكة متوجها الى الكوفة
يوم التروية او يوما قبله مع اهل بيته وجماعة من اصحابه
و شيعته , و كان كتاب من مسلم بن عقيل
قد وصل اليه يخبره ببيعة ثمانية عشر الفا من اهل الكوفة ,
وذلـك قـبل ان تنقلب الامور
على مجاريهابشكل لا تصدقه العقول , حيث استطاع عبيداللّه ابن زياد
بـخبثه ودهائه , وافراطه في القتل ,
ان يثبط همم اهل الكوفة , وان تنكث بيعة الامام الحسين (ع ) ,
ويقتل سفيره بشكل وحشي بشع .

/ 7