أئمة الإثنی عشر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أئمة الإثنی عشر - نسخه متنی

جعفر سبحانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



التقديم :.


لا يـاتـي المرء بجديد اذا ذهب الى القول
بان الحقبة الزمنية التي شهدت البعثة المباركة لخاتم الانبياء
مـحمد (ص ) و سنوات عمره
المعطاة القصيرة كانت تشكل بحد ذاتها انعطافا رهيبا وتحولا كبيرا
فـي حـيـاة الـبشرية , في وقت
شهد فيه الخط البياني الدال على مدى الابتعاد المتسارع عن المنهج
الـسـمـاوي وشـرائعـه
المقدسة انحدارا عميقا وترديا ملحوظااصبح من العسير على احد تحديد
مدى انتهائه وحدود ابعاده .


بلى , ان مجرد الاستقراء المتعجل
لابعاد التحول الفكري و العقائدي في حياة البشرية عقيب قيام هذه
الدعوة السماوية في ارض الجزيرة
ـ المسترخية على رمال الوهم و الخداع وسيل الدم المتدافع ـ
يـكـشـف وبلا تطرف ومحاباة
عظم ذلك التاثير الايجابي الذي يمكن تحديد مساره من خلال رؤية
الـتـحـول الـمـعـاكـس فـي كـيـفية
التعامل اليومي مع احداث الحياة وتطوراتها, وبالتالي في فهم
الصورة الحقيقية لغاية خلق الانسان ودوره في بنا الحياة .


كـمـا ان هـذه الحقائق
المجسدة تكشف بالتالي عن عظم الجهد الذي بذله صاحب الرسالة (ص ) في
تحقيق هذا الامر و تثبيت اركانه ,
في وقت شهدت فيه البشرية جمعاء ضياعا ملحوظا في جميع قيمها
و معتقداتها, و خلطا و تزييفا
مدروسا في مجمل عقائدها ومرتكزات افكارها, كرس بالتالي مسارها
المبتعد عن الخطالسماوي ومناهجه
السوية , وان اي استعراض لمجمل القيم السائدة آنذاك ـوالتي
كـانـت تـشـكـل الـمـعـيار الاساسي
والمفصل المهم الذي تستند اليه مجموع السلوكيات الفردية
والجماعية وتشذب من خلاله ـ يكشف
عن عمق الماساة التي كانت تعيشها تلك الامم في تلك الازمنة
الغابرة .


فمراكز التشريع الحاكمة آنذاك
ـ و التي تعتبر في تصور العوام و فهمهم مصدر القرارالعرفي و
الشرعي المدير لشؤون
الناس و المتحكم بمصائرهم و مسار تفكيرهم ـتنحصر في ثلاث مراكز
مـعـلومة اركانها الاساسية : اليهود
بما يمتلكونه من طرح عقائدي وفكري يستند الى ثروات طائلة
كـبـيـرة , والـصـليبيون بما يشكلونه
من قوة مادية ضخمة تمتد مفاصلها ومراكزها الى ابعد النقاط
والحدود,
واصحاب الثروة والجاه من المتنفذين والمتحكمين في مصائر الناس .


و مـن هـنـا فان كل الضوابط
الاخلاقية والمبادئ العرفية والعلاقات الروحية والاجتماعية كانت
تخضع لتشذيب
تلك المراكز وتوجيهها بما يتلائم وتوجهاتها التي لا تحدها اي حدود.


ان هـذه المراكز الفاسدة كانت
تعمل جاهدة لان تسلخ الانسان من كيانه العظيم الذي اراده اللّه تعالى
لـه , و دفـعه عن دوره الكبير
الذي خلق من اجله عندما قال تعالى للملائكة : (اني جاعل في الارض
خـلـيفة ) بل تعمل جاهدة لان تحجب
تماما رؤية هذه الحقيقة العظيمة عن ناظر الانسان ليبقى دائما
بيدقا اعمى تجول به اصابعهم الشيطانية
لتنفيذ افكارهم المنبعثة من شهواتهم المنحرفة .


واما ما يمكن الاعتقاد به من
بقايا آثار الرسالات السابقة , فلا تعدو كونها ذبالات محتضرة لم تستطع
الصمود امام
تيارات التزييف والكذب والخداع التي مسخت صورتها الى ابعد الحدود.


نعم بعث محمد (ص ) الى قوم خير
تعبير عنهم قول جعفر بن ابي طالب للنجاشي :ايها الملك كنا اهل
جـاهلية نعبد الاصنام , وناكل الميتة ,
وناتي الفواحش , ونقطع الارحام , ونسي الجوار, وياكل القوي
منا الضعيف .


هذا في الوقت الذي كانت
فيه مراكز القوى تلك تتضخم وتتعاظم على حساب ضياع البشرية وموت
مبادئها.


وهـكـذا فـقد كانت الدعوة
الاسلامية الفتية و صاحبها (ص ) في مواجهة هذه المراكز بامتداداتها
الـرهـيـبـة وقـدراتها العظيمة ,
والتي شكلت اعنف مواجهة شرسة وقتال ليس له مثيل صبغ ارض
الجزيرة ورمالها الصفرا,
بلون احمر قاني لسنوات لم يعرف فيها رسول اللّه (ص ) و خيرة اصحابه
للراحة طعما وللسكون مسكنا.


ان تلك الحصون المليئة بالشر
والخراب لم تتهاوى الا بعد جهد جهيد وسيل جارف من الدما الطاهرة
التي لا توزن بها الجبال ,
من رجال اوقفوا انفسهم وارواحهم من اجل هذا الدين وصاحبه (ص ).


اسـتطاع رسول اللّه (ص )
ان يقيم حكومة اللّه تعالى في الارض وان يثبت فيها الاركان على اساس
الـواقـع والـوجـود, فلم تجد
آنذاك كل قوى الشر بدا من الاختباء في زوايا العتمة والظلام تتحين
الفرص السانحة والظروف الملائمة
للانقضاض على هذا البنيان الذي بدا يزداد شموخا وعلوا مع
تقادم السنين .


ولـقـد كـان رسـول اللّه (ص )
يـدرك عيانا ان نقطة ضعف هذه الامة يكمن في تفرقها وفي تبعثر
جـهودها سيمكن من ظهور منافذ
مشرعة في هذا البنيان الكبير لا تتردداركان الكفر واعدا الدين
المتلونين والمتسترين من النفوذ
خلالها والتسلل بين اهلها, وفي ذلك الخطر الاكبر ولذا فان رسول
اللّه (ص )
كان يصرح ويحذر من افتراق امته , ويلوح للمفترقين بالنار والجحيم .


بـيـد ان مـا حذر منه (ص )
وما كان يخشاه , بدت اول معالمه الخطرة تتوضح في اللحظات الا ولى
لـرحـيـله (ص ) وانتقاله الى عالم
الخلود, وعندها وجد اعداهذا الدين الفرصة مؤاتية للولوج الى
داخل هذا البنا والعمل على هدمه بمعاول اهله لا بمعاولهم هم .


فتفرقت هذه الامة
فرقا فرقا وجماعات جماعات , لا تتردد كل واحدة من ان تكفرالاخرى وتكيل
لـهـا الـتـهـم الـباطلة والافتراات
الظالمة , وانشغل المسلمون عن اعدائهم بقتال اخوانهم والتمثيل
باجسادهم , وحل بالامة
وبا وبيل بدا يستشري في جسدها الغض بهدؤ دون ان تنشغل بعلاجه .


نـعـم بـعـد هذه السنين المرة
من الفرقة والتشتت بدا المسلمون في اخريات المطاف يلعقون جراح
خلفتها سيوف اخوانهم
لا سيوف اعدائهم في حين ينظر اليهم اعداؤهم بتشف وشماتة .


ان مـا حـل بالمسلمين من مصائب
و تخلف في كافة المستويات اوقعتهم في براثن المستعمرين اعدا
اللّه و رسله يعود الى تفرق
كلمتهم وتبعثر جهودهم وتمزق وحدتهم , ولعل نظرة عاجلة لما يجري
فـي بـقاع المعمورة المختلفة يوضح
لناهذه الصورة المؤلمة والمفجعة , فمن فلسطين مرورا بلبنان
وافـغـانـسـتان , والبوسنة والهرسك ,
والصومال وغيرها وغيرها مشاهد مؤلمة لنتائج هذا التمزق
والتبعثر.


وان كـان مـن كـلمة تقال فان
للجهود المخلصة الداعية الى الالتفات الى مصدر الدا لااعراضه فقط
الـثقل الاكبر في توقي غيرها من
المضاعفات الخطيرة التي تتولد كل يوم في بلد من بلاد المسلمين
لا في غيرها.


ولا نغالي اذا قلنا بان للجمهورية
الاسلامية في ايران ومؤسسها الامام الخميني ـرضوان اللّه تعالى
عليه ـ الفضل الاكبر في تشخيص موضع الدا وتحديد موطنه .


ولـعـل الاسـتقرا المختصر
لجمل توجيهات الامام ـ رحمه اللّه ـ طوال حياته ولسنين طويلة يدلنا
بوضوح على قدرته التشخيصية
في وضع يده على موضع الدا,ودعوته الى الالتفات الى ذلك , لا الى
الانشغال بما عداه .


فـمـن ندا له ـ
رحمه اللّه ـ الى حجاج بيت اللّه الحرام في عام (1399 ه) قال : و من واجبات هذا
الـتـجمع العظيم دعوة الناس
و المجتمعات الاسلامية الى وحدة الكلمة و ازالة الخلافات بين فئات
المسلمين , و على الخطبا و الوعاظ
و الكتاب ان يهتموا بهذا الامر الحياتي و يسعوا الى ايجاد جبهة
لـلـمـسـتـضـعفين للتحرربوحدة
الجبهة و وحدة الكلمة و شعار (لا اله الا اللّه ) من اسر القوى
الاجنبية الشيطانية و
المستعمرة و المستغلة , و للتغلب بالاخوة الاسلامية على المشاكل .


يا مسلمي العالم , و يا اتباع
مدرسة التوحيد رمز كل مصائب البلدان الاسلامية هواختلاف الكلمة و
عدم الانسجام , و رمز الانتصار
وحدة الكلمة و الانسجام , و قدبين اللّه تعالى ذلك في جملة واحدة :
( واعـتصموا بحبل اللّه جميعا
ولا تفرقوا)والاعتصام بحبل اللّه تبيان لتنسيق جميع المسلمين من
اجل الاسلام وفي اتجاه الاسلام ولمصالح
المسلمين , والابتعاد عن التفرقة والانفصال والفئوية التي
هي اساس كل مصيبة وتخلف .


وقال ـ رحمه اللّه ـ في كلمة
له مع وفد من كبار علما الحرمين الشريفين (1399 ه):رمز انتصار
المسلمين في صدر الاسلام كان وحدة الكلمة وقوة الايمان .


لو كان ثمة وحدة كلمة اسلامية ,
و لو كانت الحكومات والشعوب الاسلامية متلاحمة فلا معنى لان
يـبـقـى ما يقارب مليارد انسان
مسلم تحت سيطرة القوى الاجنبية , لوان هذه القدرة الالهية الكبرى
تقترن بقوة الايمان ويسيروا جميعا
متاخين على طريق الاسلام فلا تستطيع اية قوة ان تتغلب عليهم .


واكد ـ رحمه اللّه ـ على
مغزى سر انتصار المسلمين في صدر الاسلام الاول رغم قلة عددهم و
تـواضـع امـكـانياتهم , و انكسارهم
في الوقت الحاضر مع عظم امكانياتهم و كثرة عددهم بقوله : يا
مسلمى العالم ماذا دهاكم فقد
دحرتم في صدر الاسلام بعدة قليلة جدا القوى العظمى واوجدتم الامة
الـكـبـرى الاسـلامية الانسانية ,واليوم
وانتم تقربون من مليارد انسان وتملكون مخازن الخيرات
الـكـبـرى الـتـي هـي اكـبـر حربة
تقفون امام العدو بمثل هذا الضعف والانهيار , اتعلمون ان كل
ماسيكم تكمن في
التفرقة والاختلاف بين زعما بلدانكم وبالتالي بينكم انتم انفسكم .


وقـال ايـضـا: اثـاره الاختلافات
بين المذاهب الاسلامية من الخطط الاجرامية التي تدبرها القوى
الـمـسـتـفيدة من الخلافات بين المسلمين ,
بالتعاون مع عملائهاالضالين بمن فيهم وعاظ السلاطين
الـمـسـودة وجـوهـهم
اكثر من سلاطين الجورانفسهم , وهؤلا يؤججون نيران هذه الاختلافات
بـاسـتـمـرار, وكـل يـوم
يـرفـعون عقيرتهم بنعرة جديدة , وفي كل مرحلة ينفذون خطة لاثارة
الخلافات , آملين بذلك هدم صرح الوحدة بين المسلمين من اساسه .


وهكذا فان الصورة تبدو
اكثر وضوحا عند قراة سلسلة خطب الامام الخميني وتوصياته المستمرة
الـى عموم المسلمين و
خصوصا في مواسم الحج التي تشكل افضل تجمع اسلامي تشارك فيه اعداد
ضـخـمـة مـن المسلمين و
من شتى بقاع المعمورة في مؤتمر ضخم لا بد من ان يكرسه المسلمون
لـتـدارس امـورهم وعلاج مشاكلهم
ومناقشة معتقداتهم , حيث ان الامام ـ رحمه اللّه ـ كان يواظب
على اثارة هذه الامور الحساسة
والمهمة في حياة الاسلام والمسلمين , ولم يدخر في ذلك جهدا.


كـما ان الاطلاع على فتاوى
الامام ـ رضوان اللّه تعالى عليه ـ يكشف بوضوح عمق توجهه الى هذا
الامر الحيوي والدقيق , وتاكيده عليه .


فمن توجيهاته ـ رحمه
اللّه ـ الى الحجاج نورد هذه الملاحظات المختصرة :قال : يلزم على الاخوة
الايـرانـيـين و الشيعة في سائر
البلدان الاسلامية ان يتجنبواالاعمال السقيمة المؤدية الى تفرقة
صـفـوف الـمـسـلمين ,
ويلزم الحضور في جماعات اهل السنة , والابتعاد بشدة عن تشكيل صلاة
الـجـمـاعـة فـي الـمـنازل ووضع
مكبرات الصوت بشكل غير مالوف وعن القا النفس على القبور
المطهرة وعن الاعمال التي قد تكون مخالفة للشرع .


يـلـزم ويـجـزي (اي يكفي ) في الوقوفين
متابعة حكم القاضي من اهل السنة , وان حصل لكم القطع
بخلافه .


عـلـى عـامـة الاخوة والاخوات
في الدين ان يلتفتوا الى ان واحدا من اهم اركان فلسفة الحج ايجاد
التفاهم وترسيخ الاخوة بين المسلمين .


وغير ذلك من الفتاوى
المهمة التي ندعو جميع المسلمين الى مطالعتها والتامل فيها.


وعـلـى هـذا الـخـط الـمـبارك
واصلت الجمهورية الاسلامية مسارها في الدعوة الى وحدة كلمه
المسلمين بعد رحيل الامام الخميني
ـ رضوان اللّه تعالى عليه ـ واخذت تؤكد عليه في كل مناسبة و
مـكـان عـلى لسان قائدها سماحة
آية اللّه السيدعلي الخامنئي ـ حفظه اللّه ـ وباقي مسؤوليها, ولم
تـدخـر جـهـدا فـي الـعمل على اقامة
هذا الامر الشرعي المهم والدفاع عنه , من خلال توجيهاتها
المستمرة في هذا المنحى
او دعمها غير المحدود لكل الجهود المخلصة في هذا الميدان .


و اخـيـرا فـان هـذا الكتاب الماثل
بين يدي القارئ الكريم ـ و هو بقلم الباحث القديرالشيخ جعفر
السبحاني ـ دعوة للتامل ضمن
الحدود التي اشرنا اليها في حديثنا,و هي بالتالي تعكس صورة صادقة
عـن حـجم الهجمة الكافرة
التي ارادت تمزيق الامة ودفعها الى التشتت , وبيان ما اخذت من مساحة
واسعة في فكر هذه الامة ومعتقداتها.


بـلـى لسنا في معرض الدفاع
عن الوجود المقدس لهذه الشريعة السماوية فحسب , بل ابتغينا ازاحة
اللثام واماطة الخبث عن الدسائس الخبيثة التي تريد بالامة الهلاك .


وقد قامت معاونية شؤون التعليم
والبحوث بنشره , حتى يعم نفعه ويتعرف المسلمون على الشيعة عن
كثب .


واللّه تعالى من ورا القصد.


الائمة الاثنا عشر(ع ).


بسم اللّه الرحمن الرحيم .


تعرف الشيعة الامامية بالفرقة
الاثني عشرية , ومبعث هذه التسمية هو اعتقادهم باثني عشر اماما من
بني هاشم نص عليهم رسول اللّه
(ص ), كما هو معلوم للجميع , ومن ثم نص كل امام على الامام الذي
بعده , بشكل يخلو من الشك والابهام .


لـقد تضافر عن رسول اللّه (ص )
انه يملك هذه الامة اثنا عشر خليفة كعدد نقبابني اسرائيل و كما
هو معلوم و مبسط في كتب الشيعة
بشكل لا يقبل الشك ان هذه الروايات مع ما فيها من المواصفات لا
تـنـطـبـق الا عـلى ائمة
الشيعة والعترة الطاهرة ((واذا كان رسول اللّه (ص ) هو الشجرة وهم
اغـصانها, والدوحة وهم افنانها,
ومنبع العلم وهم عيبته , ومعدن الحكم وهم خزائنه , وشارع الدين
وهـم حـفـظته , وصاحب الكتاب وهم
حملته ))((1)) فتلزم علينا معرفتهم , كيف وهم احدالثقلين
اللذين تركهما الرسول (ص ) , قدوة للامة ونورا على جبين الدهر.


ونـحـن نـحـاول هـنـا
ان نـعرض في هذا الفصل موجزا عن احوالهم وحياتهم متوخين الاختصار
والايجاز في ما نورده , لان بسط
الكلام عنهم يحتاج الى تدوين موسوعة كبيرة , وقد قام بذلك لفيف
مـن عـلـمـا الاسلام فاثبتوا
الشي الكثير عن حياتهم وسيرتهم واقوالهم , جزاهم اللّه عن الاسلام
واهله خير الجزا.


الامام الاول :.


الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع ).


ان الامام علي بن ابي طالب اشهر من ان يعرف , و
لقد لفيف من السنة الشيعة بتاليف كتب و موسوعات عـن حياته , ومناقبه , وفضائله ,
وجهاده , وعلومه , وخطبه ,وقصار كلماته , وسياسته , وحروبه مع
الناكثين والقاسطين والمارقين , فالاولى
لناالاكتفاء بالميسور في هذا المجال , واحالة القارئ الى تلك
الموسوعات ,
بيد انانكتفي هنا بذكر اوصافه الواردة في السنة فنقول :.


هو امير المؤمنين , و سيد المسلمين ,
و قائد الغر المحجلين , و سيد الوصيين , و اول القوم ايمانا, و
اوفـاهـم بـعـداللّه , و اعـظمهم
مزية , واقومهم بامر اللّه , واعلمهم بالقضية , وراية الهدى , ومنار
الايـمـان , وبـاب الـحـكـمة ,
والممسوس في ذات اللّه ,خليفة النبي (ص ), الهاشمي , وليد الكعبة
الـمـشرفة , ومطهرها من كل
صنم ووثن ,الشهيد في البيت الالهي (جامع الكوفة ) في محرابه حال
الصلاة سنة 40 ه.


وكـل جـمـلة من هذه الجمل ,
وعبارة من هذه العبارات , كلمة قدسية نبوية اخرجهاالحفاظ من اهل
السنة
((2)) .


الامام علي ومكونات الشخصية :.


تعود شخصية كل انسان ـ حسب مايرى علما النفس
ـ الى ثلاثة عوامل هامة لكل منها نصيب وافر في تكوين الشخصية واثر عميق في بنا كيانها.


وكـان الـشخصية الانسانية
لدى كل انسان اشبه بمثلث يتالف من اتصال هذه الاضلاع الثلاثة بعضها
ببعض , وهذه العوامل الثلاثة هي :.


1ـ الوراثة .


2ـ التعليم والثقافة .


3ـ البيئة والمحيط.


ان كـل مـا يـتصف به المر من
صفات حسنة او قبيحة , عالية او وضيعة تنتقل الى الانسان عبر هذه
القنوات الثلاث , وتنمو فيه من خلال هذه الطرق .


وان الابـنـا لا يـرثـون مـنـا المال
والثروة والاوصاف الظاهرية فقط كملامح الوجه ولون العيون
وكـيفيات الجسم , بل يرثون
كل ما يتمتع به الابا من خصائص روحية وصفات اخلاقية عن طريق
الوراثة كذلك .


فالابوان ـ بانفصال جزئي ((الحويمن ))
و ((البويضة )) المكونين للطفل منهما ـ انماينقلان ـ في
الـحـقيقة ـ صفاتهما ملخصة الى الخلية
الاولى المكونة من ذينك الجزاين , تلك الخلية الجنينية التي
تنمو مع ما تحمل من الصفات والخصوصيات الموروثة .


ويـشكل تاثير الثقافة والمحيط,
الضلعين الاخرين في مثلث الشخصية الانسانية , فان لهذين الامرين
اثـرا مهما وعميقا في تنمية السجايا
الرفيعة المودعة في باطن كل انسان بصورة فطرية جبلية او
المتواجدة في كيانه بسبب الوراثة من الابوين .


فان في مقدور كل معلم ان يرسم مصير
الطفل ومستقبله من خلال ما يلقي اليه من تعليمات وتوصيات
ومـا يـعطيه من سيرة وسلوك
ومن آرا وافكار, فكم من بيئة حولت افرادا صالحين الى فاسدين , او
فاسدين الى صالحين .


وان تاثير هذين العاملين المهمين
من الوضوح بحيث لايحتاج الى المزيد من البيان والتوضيح على اننا
يجب ان لاننسى دور ارادة الانسان نفسه ورا هذه العوامل الثلاثة .


الامام علي (ع ) والجانب الموروث في شخصيته :.


لم
يكن الامام علي (ع ) كبشر بمستثنى من هذه القاعدة .


فـقـد ورث الامام امير المؤمنين
(ع ) جانبا كبيرا من شخصيته النفسية والروحية والاخلاقية من
هذه العوامل والطرق الثلاثة , واليك تفصيل ذلك :.


1ـ الامام علي (ع ) والوراثة من الابوين :.


لـقد انحدر الامام علي من صلب والد عظيم الشان ,
رفيع الشخصية هو ابو طالب ,ولقد كان ابو طالب زعـيـم مـكة , وسيد البطحا,
ورئيس بني هاشم , وهو الى جانب ذلك ,كان معروفا بالسماحة والبذل
والـجـود والـعطاء والعطف والمحبة والفدا
والتضحية في سبيل الهدف المقدس , والعقيدة التوحيدية
المباركة .


فهو الذي تكفل رسول اللّه منذ توفي
عنه جده و كفيله الاول عبدالمطلب و هوآنذاك في الثامنة من
عـمـره , و تـولـى العناية
به و القيام بشؤونه , و حفظ و و حراسته في السفر والحضر, باخلاص
كـبـير واندفاع وحرص لانظير
لهما, بل وبقي يدافع عن رسالة التوحيد, والدين الحق الذي جا به
النبي الكريم (ص ) ويقوم في سبيل
ارسا قواعده ونشر تعاليمه بكل تضحية وفدا, و يتحمل لتحقيق
هذه الاهداف العليا كل تعب ونصب وعنا.


وقـد انـعـكـست هذه الحقيقة وتجلى
موقفه هذا في كثير من اشعاره وابياته المجموعة في ديوانه
بصورة كاملة مثل قوله :.


ليعلم خيار الناس ان محمدا نبي كموسى و المسيح ابن مريم .


الم تعلموا انا وجدنا محمدا رسولا كموسى خط في اول الكتب
((3)) .


ان من المستحيل ان تصدر امثال
هذه التضحيات التي كان ابرزها محاصرة بني هاشم جميعا في الشعب
ومقاطعتهم القاسية من دافع غير الايمان
العميق بالهدف والشغف الكبير بالمعنوية , الذي كان يتصف به
ابـوطالب , اذ لا تستطيع
مجردالوشائج العشائرية , وروابط القربى , ان توجد في الانسان مثل هذه
الروح التضحوية .


ان الـدلائل عـلى ايمان ابي
طالب بدين ابن اخيه تبلغ من الوفرة والكثرة بحيث استقطبت اهتمام كل
الـمـحـقـقين المنصفين والمحايدين ,
ولكن بعض المتعصبين توقف في ايمان تلك الشخصية المتفانية
العظيمة , بالدعوة المحمدية , بينماتجاوز
فريق هذا الحد الى ما هو ابعد من ذلك , حيث قالوا بانه مات
غير مؤمن .


ولـو صحت عشر هذه الدلائل
الدالة على ايمان ابي طالب الثابتة في كتب التاريخ ‌والحديث , في حق
رجـل آخر لما شك احد في ايمانه
فضلا عن اسلامه , ولكن لايعلم الانسان لماذا لاتستطيع كل هذه
الادلة اقناع هذه الزمرة , و انارة الحقيقة لهم ؟ هذا عن والد الامام امير المؤمنين (ع ).


وامـا امـه فهي فاطمة
بنت اسد بن هاشم وهي من السابقات الى الاسلام والايمان برسول اللّه (ص )
وقد كانت قبل ذلك تتبع ملة ابراهيم .


انـها المراة الطاهرة التي
لجات ـ عند المخاض الى المسجد الحرام , والصقت نفسها بجدار الكعبة
واخذت تقول :.


((يـا رب انـي مؤمنة بك وبما
جاء من عندك من رسل وكتب , واني مصدقة بكلام جدي ابراهيم وانه
بـنـى الـبـيت العتيق , فبحق
الذي بنى هذا البيت و(بحق ) المولود الذي في بطني الا ما يسرت علي
ولادتي )).


فدخلت فاطمة بنت اسد في الكعبة ووضعت عليا
هناك ((4)) .


وتـلك فضيلة نقلها قاطبة المؤرخين
والمحدثين الشيعة , وكذا علما الانساب في مصنفاتهم , كما نقلها
ثلة كبيرة من علما السنة وصرحوا
بها في كتبهم واعتبروهاحادثة فريدة , وواقعة عظيمة لم يسبق
لها مثيل
((5)) .


وقال الحاكم النيشابوري :
وقد تواترت الاخبار ان فاطمة بنت اسد ولدت اميرالمؤمنين علي بن ابي
طالب كرم اللّه وجهه في جوف الكعبة
((6)) .


وقال شهاب الدين ابو الثناء
السيد محمود الالوسي : ((و كون الامير كرم اللّه وجهه ,ولد في البيت ,
امر مشهور
في الدنيا ولم يشتهر وضع غيره كرم اللّه وجهه , كما اشتهر وضعه ))
((7)) .


2ـ الامام علي والتربية في حجر النبي (ص ):.


واما التربية الروحية والفكرية والاخلاقية
فقد تلقاها علي (ع ) في حجر رسول اللّه (ص ) وهي الضلع الثاني من اضلاع شخصيته الثلاثة .


ولـو انـنـا قـسمنا مجموعة
سنوات عمر الامام (ع ) الى خمسة اقسام لوجدنا القسم الاول من هذه
الاقسام الخمسة من حياته
الشريفة , يشكل السنوات التي قضاها(ع ) قبل بعثة النبي الاكرم (ص ).


وان هـذا القسم من حياته الشريفة
لا يتجاوز عشر سنوات , لان اللحظة التي ولد فيهاعلي (ع ) لم
يكن النبي (ص ) قد تجاوز الثلاثين
من عمره المبارك , هذا مع العلم بانه (ص ) قد بعث بالرسالة في
سن الاربعين .


وعـلـى هذا الاساس لم يكن
الامام علي (ع ) قد تجاوز السنة العاشرة من عمره يوم بعث رسول اللّه
(ص ) بالرسالة , وتوج بالنبوة .


ان ابـرز الحوادث في الامام علي (ع )
هو تكوين الشخصية العلوية , و تحقق الضلع الثاني من المثلث
الذي اسلفناه بواسطة النبي
الاكرم و في ظل ما اعطاه (ص )لعلي (ع ) من اخلاق و افكار, لان هذا
القسم في حياة كل انسان وهذه
الفترة من عمره هي من اللحظات الخطيرة , والقيمة جدا, فشخصية
الـطـفـل فـي هـذه الـفـترة تشبه صفحة
بيضاء نقية تقبل كل لون وهي مستعدة لان ينطبع عليها كل
صورة مهما كانت , وهذه الفترة من العمر
تعتبر بالتالي خير فرصة لان ينمي المربون والمعلمون
فـيـهـا كـلما اودعت يد الخالق
في كيان الطفل من سجايا طيبة و صفات كريمة , و فضائل اخلاقية
نـبـيلة , و يوقفوا الطفل عن طريق
التربية على القيم الاخلاقية و القواعد الانسانية و طريقة
الـحـيـاة الـسعيدة , وتحقيقا لهذا
الهدف السامي تولى النبي الكريم (ص ) بنفسه تربية علي (ع ) بعد
ولادتـه , وذلك عندما
اتت فاطمة بنت اسد بوليدها علي (ع ) الى رسول اللّه (ص ) فلقيت من رسول
اللّه حبا شديدا لعلي حتى انه قال لها:.


اجـعـلـي مـهـده بـقرب
فراشي وكان (ص ) يطهر عليا في وقت غسله , ويوجر اللبن عندشربه ,
ويـحرك مهده عند نومه , ويناغيه
في يقظته , ويلاحظه ويقول : هذا اخي ,ووليي وناصري وصفيي
وذخري وكهفي , وصهري , ووصيي , و زوج كريمتي ,واميني على وصيتي
وخليفتي((8)) .


ولـقـد كانت الغاية من هذه العناية
هي ان يتم توفير الضلع الثاني في مثلث الشخصية (وهو التربية )
بواسطته (ص ) , وان لا يكون
لاحد غير النبي (ص ) دخل في تكوين الشخصية العلوية الكريمة .


وقد ذكر الامام علي (ع ) ما اسداه
الرسول الكريم اليه وما قام به تجاهه في تلكم الفترة اذ قال :.


((وقـد عـلـمـتم موضعي
من رسول اللّه (ص ) بالقرابة القريبة , والمنزلة الخصيصة ,وضعني في
حـجره وانا وليد يضمني الى
صدره , ويكنفني في فراشه , ويمسني جسده , و يشمني عرفه , وكان
يمضغ الشي ثم يلقمنيه ))
((9)) .


النبي ياخذ عليا الى بيته :.


واذ كـان اللّه تـعـالى يريد لولي دينه ان ينشا نشاة
صالحة وان ياخذ النبي عليا الى بيته وان يقع منذ نعومة اظفاره تحت تربية النبي الاكرم (ص ), الفت نظر نبيه الى ذلك .


فقد ذكر المؤرخون انه اصابت
مكة ـ ذات سنة ـ ازمة مهلكة و سنة مجدبة منهكة , وكان ابوطالب ـ
رضـي اللّه عـنـه ـ ذا مـال يـسير
وعيال كثير فاصابه ما اصاب قريشا من العدم والضائقة والجهد
والفاقة : فعند ذلك دعا رسول
اللّه عمه العباس الى ان يتكفل كل واحد منهما واحدا من ابنا ابي طالب
وكان العباس ذا مال وثروة وجدة فوافقه العباس على ذلك :.


فاخذ النبي عليا, واخذ العباس جعفرا وتكفل امره , وتولى
شؤونه((10)) .


وهكذا و للمرة
الاخرى اصبح علي (ع ) في حوزة رسول اللّه (ص ) بصورة كاملة ,واستطاع بهذه
الـمـرافـقة الكاملة ان يقتطف من
ثمار اخلاقه العالية وسجاياه النبيلة , الشي الكثير, وان يصل تحت
رعاية النبي
وعنايته وبتوجيهه وقيادته ,الى اعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي .


وهـذا هـوالامـام امير المؤمنين (ع ) يشير
الى تلك الايام القيمة والى تلك الرعاية النبوية المباركة
المستمرة اذ يقول :.


((ولـقـد كنت اتبعه اتباع الفصيل
اثر امه , يرفع لي كل يوم من اخلاقه علما ويامرني بالاقتدا به ))
((11)) .


علي في غار حراء.


كـان الـنبي حتى قبل ان يبعث بالرسالة و
النبوة ـ يعتكف و يتعبد في غار حرا شهرامن كل سنة , فـاذا انـقضى الشهر
و قضى جواره من حرا انحدر من الجبل , و توجه الى المسجد الحرام راسا و
طـاف بالبيت سبعا, ثم عاد الى
منزله وهنا يطرح سؤال : وماذا كان شان علي (ع ) في تلك الايام التي
كـان يتعبد ويعتكف فيهارسول
اللّه (ص ) في ذلك المكان مع ما عرفناه من حب الرسول الاكرم له ؟
هل كان ياخذ
(ص ) عليا معه الى ذلك المكان العجيب ام كان يتركه ويفارقه ؟.


ان الـقـرائن الـكثيرة تدل على
ان النبي (ص ) منذ ان اخذ عليا لم يفارقه يوما ابدا فهاهم المؤرخون
يقولون :.


كـان علي يرافق النبي
دائما ولايفارقه ابدا حتى ان رسول اللّه (ص ) كان اذا خرج الى الصحراء او
الجبل اخذ عليا معه
((12)) .


يقول ابن ابي الحديد:.


وقد ذكر علي (ع ) هذا الامر في الخطبة القاصعة اذ قال :.


((ولقد كان يجاور في كل سنة بحرا فاراه ولايراه غيري ))
((13)) .


ان هذه العبارة وان كانت محتملة في
مرافقته للنبي في حراء بعد البعثة الشريفة الا ان القرائن السابقة
وكـون مـجاورة النبي بحرا كانت
في الاغلب قبل البعثة , تؤيد ان هذه الجملة , يمكن ان تكون اشارة
الى صحبة علي للنبي في حرا قبل البعثة .


ان طـهـارة النفسية العلوية , و
نقاوة الروح التي كان على (ع ) يتحلى بها, و التربية المستمرة التي
كان يحظى بها في حجر
رسول اللّه (ص ), كل ذلك كان سببا في ان يتصف يتصف علي (ع ) ومنذ
نـعـومـة اظفاره ببصيرة نفاذة
وقلب مستنير,واذن سميعة واعية تمكنه من ان يرى اشيا ويسمع
امواجا تخفى على الناس العاديين
و يتعذر عليهم سماعها ورؤيتها, كما يصرح نفسه بذلك اذ يقول :.


((ارى نور الوحي والرسالة , واشم ريح النبوة ))
((14)) .


ويقول الامام الصادق (ع ):.


((كان
علي (ع ) يرى مع رسول اللّه (ص ) قبل الرسالة , الضؤ ويسمع الصوت )).


وقـد قـال له النبي (ص ) :لولا اني
خاتم الانبياء لكنت شريكا في النبوة فان لاتكن نبيا فانك وصي
نبي ووارثه , بل انت سيد الاوصيا وامام
الاتقيا((15)) .


ويقول الامام علي (ع ): لقد
سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (ص ) فقلت :يا رسول اللّه ما
هذه الرنة ؟ فقال : هذا الشيطان ايس من عبادته , ثم قال له :.


((انك تسمع ما اسمع وترى ما ارى الا انك لست بنبي ولكنك وزير))
((16)) .


هذا هو الرافد الثاني
الذي كان يرفد الشخصية العلوية بالاخلاق والسجايا الرفيعة .


3ـ البيئة الرسالية وشخصية الامام :.


ولو اضفنا ذينك الامرين (اي ما اكتسبه من والديه
الطاهرين بالوراثة , وما تلقاه في حجر النبي ) الى مـا اخـذه مـن بـيئة الرسالة
والاسلام من افكار وآرا رفيعة , وتاثرعنها ادركنا عظمة الشخصية
العلوية من هذا الجانب .


ومن هنا يحظى الامام علي (ع ) بمكانة
مرموقة لدى الجميع : مسلمين وغيرمسلمين , لما كان يتمتع
به من شخصية سامقة , وخصوصيات خاصة يتميز بها.


وهـذا هو ما دفع بالبعيد والقريب
الى ان يصف عليا بما لم يوصف به احد من البشر,ويخصه بنعوت ,
حـرم مـنـهـا غـيـره , فهذا
الدكتور شبلي شميل المتوفى 1335 وهومن كبار الماديين في القرن
الحاضر يقول :.


((الامـام عـلي بـن ابي طالب
عظيم العظماء نسخة مفردة لم ير لها الشرق ولا الغرب صورة طبق
الاصل لا قديما ولاحديثا))
((17)) .


وقال عمر بن الخطاب :.


((عقمت النساء ان يلدن مثل علي بن ابي طالب ))
((18)) .


ويقول جورج جرداق الكاتب المسيحي اللبناني المعروف :.


((وماذا عليك يا دنيا لو حشدت
قواك فاعطيت في كل زمن عليا بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره ))
((19)) .


هذه الابعاد
التي المحنا اليها هي الابعاد الطبيعية للشخصية العلوية .


البعد الرابع لشخصية الامام (ع ):.


غيران ابعاد شخصية الامام علي (ع ) لاتنحصر
في هذه الابعاد الثلاثة , فان لاولياء اللّه سبحانه بعدا رابـعا, داخلا في هوية ذاتهم ,
وحقيقة شخصيتهم وهذا البعد هوالذي ميزهم عن سائر الشخصيات
واضفى عليهم بريقا خاصا ولمعانا عظيما.


وهذا البعد هو البعد المعنوي الذي
ميز هذه الصفوة عن الناس , وجعلهم نخبة ممتازة وثلة مختارة من
بين الناس وهو كونهم رسل اللّه وانبياه , او خلفاه واوصياانبيائه .


نـرى انـه سـبـحانه
يامر رسوله ان يصف نفسه بقوله : (قل سبحان ربى هل كنت الابشرارسولا)
((20)) .


فـقوله : (بشرا) اشارة الى الابعاد
البشرية الموجودة في كل انسان طبيعي , وان كانوايختلفون فيها
في ما بينهم كمالا ولمعانا.


وقـولـه : (رسـولا) اشارة الى
ذلك البعد المعنوي الذي ميزه (ص ) عن الناس وجعله معلما وقدوة
للبشر.


فـلاجل ذلك يقف المر في تحديد
الشخصيات الالهية على شخصية مركبة من بعدين : طبيعي و الهي
ولايـقـدر عـلـى تـوصيفها
الا بنفس ما وصفهم اللّه به سبحانه مثل قوله في شان الرسول الاكرم
(ص )):.


(الـذيـن يـتـبـعون الرسول النبى
الامى الذى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يامرهم
بـالمعروف وينهاهم عن المنكر و يحل
لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم
والاغـلال الـتى كانت عليهم )
((21)) وقدنزلت في حق الامام اميرالمؤمنين (ع ) آيات ووردت
روايات .


كيف وقال رسو ل اللّه (ص ):.


((عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن ابي طالب (ع )))
((22)) .


وقال (ص ):.


((سـره ان يـحيى حياتي ويموت
مماتي , ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليا بعدي , وليوال
وليه , وليقتد بالائمة من بعدي فانهم
عترتي خلـقوا من طينتي ,رزقوا فهما وعلما, وويل للمكذبين
بفضلهم من امتي , القاطعين فيهم صلتي , لاانالهم اللّه شفاعتي ))
((23)) .


وقال الامام احمد بن حنبل :.


ما لاحد من الصحابة من الفضائل بالاسانيد الصحاح مثل ما لعلي (رض )
((24)) .


وقال الامام الفخر الرازي :.


من اتخذ
عليا اماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه
((25)) .


و قال ايضا:.


من اقتدى في دينه بعلي بن ابي
طالب فقد اهتدى لقول النبي (ص ) : اللهم ادر الحق مع علي حيث دار
((26)) .


تسليط الضؤ على شخصيته السامية .


لاعـتب على اليراع لو وقف عند تحديد شخصية
كريمة معنوية خصها اللّه تعالى بمواهب وفضائل , وكفى في ذلك ما رواه
طارق بن شهاب , قال : كنت عندعبداللّه بن عباس فجا اناس من ابنا المهاجرين
فقالوا له : يا بن عباس اي رجل كان علي بن ابي طالب ؟.


قال : ملئ جوفه حكما وعلما وباسا ونجدة وقرابة من رسول اللّه (ص )
((27)) .


روى عـكـرمـة عـن ابـن عباس
قال :ما نزل في القرآن : (يا ايها الذين آمنوا) الا وعلي (ع )راسها
واميرها,
ولقد عاتب اللّه اصحاب محمد في غير مكان , وما ذكر عليا الابخير
((28)) .


وروى
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ما نزل في احد من كتاب اللّه ما نزل في
علي((29)) .


وقال ابن عباس : نزلت في علي اكثر من ثلاثمائة آية في مدحه
((30)) .


ونكتفي في
ترجمة علي (ع ) بكلمتين عن تلميذيه اللذين كانا معه سرا وجهرا:.


1 - قـال ابن عباس - عندما
سئل عن علي فقال : رحمة اللّه على ابي الحسن كان و اللّه علم الهدى و
كـهـف الـتـقـى و طود النهى
و محل الحجى و غيث الندى , و منتهى العلم للورى , و نورا اسفر في
الدجى , وداعيا الى المحجة العظمى
ومستمسكابالعروة الوثقى , اتقى من تقمص وارتدى , واكرم من
شـهـد الـنـجـوى بعد محمدالمصطفى ,
وصاحب القبلتين , وابو السبطين , وزوجته خير النسا فما
يـفـوقه احد, لم تر عيناي مثله , ولم اسمع
بمثله , فعلى من ابغضه لعنة اللّه ولعنة العبادالى يوم التناد
((31)) .


2ـ ان مـعـاوية سال ضرارا بن حمزة
بعد موت علي عنه , فقال : صف لي عليا, فقال : اوتعفيني ؟ قال :
صفه , قال :
او تعفيني ؟ قال : لا اعفيك , قال : اما اذ لابد فاقول مااعلمه منه :.


واللّه كـان بـعـيد المدى , شديد
القوى , يقول فصلا, ويحكم عدلا, يتفجر العلم من جوانبه , وتنطق
الـحـكـمـة مـن نواحيه ,
يستوحش من الدنيا وزهرتها, ويستانس بالليل وظلمته , كان واللّه غزير
الدمعة , طويل الفكرة , يقلب
كفيه ويخاطب نفسه ,يعجبه من اللباس ما خشن , ومن الطعام ما جشب .


كان و اللّه كاحدنا, يجيبنا اذا سالناه
ويبتدئنا اذا اتيناه , وياتينا اذا دعوناه , ونحن واللّه مع تقريبه لنا
وقـربـه مـنـا لانكلمه هيبة , ولانبتدئه
عظمة , ان تبسم فعن مثل اللؤلؤالمنظوم , يعظم اهل الدين ,
ويحب
المساكين , لا يطمع القوي في باطله , ولايياس الضعيف من عدله .


فـاشـهـد بـاللّه لقد رايته في
بعض مواقفه و قد ارخى الليل سدوله , و غارت نجومه وقد مثل في
مـحرابه قابضا على لحيته يتململ تململ
السليم ويبكي بكا الحزين وكاني اسمعه وهو يقول : يا دنيا
ابي تعرضت ؟ ام الي تشوقت
؟ هيهات , هيهات غري غيري قد باينتك ثلاثا لارجعة لي فيك , فعمرك
قصير وعيشك
حقير, وخطرك كثير, آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق .


قـال : فـذرفـت دمـوع معاوية على لحيته
فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكا, فقال
معاوية : رحم اللّه اباالحسن
كان واللّه كذلك فكيف حزنك عليه ياضرار ؟ قال : حزن من ذبح ولدها
في حجرها فلا ترقا عبرتها
ولايسكن حزنها((32)) .


هذه شذرات من فضائله ,
وقبسات من مناقبه الكثيرة التي حفظها التاريخ عن تلاعب الايدي .


غير انه لا يعرف
عليا غير خالقه , وبعده صاحب الرسالة الكبرى ابن عمه المصطفى (ص ).


تنصيب علي (ع ) للامامة :.


لا شـك فـي ان الـديـن الاسلامي دين عالمي ,
وشريعة خاتمة , وقد كانت قيادة الامة الاسلامية من شـؤون النبي الاكرم (ص ) ما دام على
قيد الحياة , وطبع الحال يقتضي ان يوكل مقام القيادة بعده الى
افضل افراد الامة واكملهم .


ان فـي هـذه الـمـسالة وهي ان
منصب القيادة بعد النبي (ص ) هل هو منصب تنصيصي تعييني او انه
منصب انتخابي ؟ اتجاهين :.


فـالشيعة ترى ان مقام القيادة منصب
تنصيصي , ولابد ان ينص على خليفة النبي من السما, بينما يرى
اهـل الـسـنة ان هذا المنصب
انتخابي جمهوري , اي ان على الامة ان تقوم بعد النبي باختيار فرد من
افرادها لادارة البلاد.


ان لكل من الاتجاهين المذكورين
دلائل , ذكرها اصحابهما في الكتب العقائدية , الاان ما يمكن طرحه
هـنا هو تقييم ودراسة المسالة
في ضؤ دراسة وتقييم الظروف السائدة في عصر الرسالة , فان هذه
الدراسة كفيلة باثبات صحة احد الاتجاهين .


ان تقييم الاوضاع السياسية
داخل المنطقة الاسلامية و خارجها في عصر الرسالة يقضي بان خليفة
الـنـبـي (ص ) لابـد ان يـعـين
من جانب اللّه تعالى , ولا يصح ان يوكل هذا الى الامة , فان المجتمع
الاسلامي كان مهددا على الدوام
بالخطرالثلاثي (الروم ـ الفرس ـ المنافقين ) بشن الهجوم الكاسح ,
والقا بذور الفساد والاختلاف بين المسلمين .


كـمـا ان مـصالح الامة
كانت توجب ان يوحد صفوف المسلمين في مواجهة الخطرالخارجي , وذلك
بـتـعـيـيـن قـائد سـياسي من
بعده , وبذلك يسد الطريق على نفوذالعدو في جسم الامة الاسلامية
والسيطرة عليها, وعلى مصيرها.


واليك بيان وتوضيح هذا المطلب :.


لقد كانت الامبراطورية الرومانية
احد اضلاع الخطر المثلث الذي يحيط بالكيان الاسلامي , ويهدده
من الخارج والداخل .


وكـانـت هـذه القوة الرهيبة تتمركز
في شمال الجزيرة العربية , وكانت تشغل بال النبي القائد على
الـدوام , حتى ان التفكير في امر
الروم لم يغادر ذهنه وفكره حتى لحظة الوفاة , والالتحاق بالرفيق
الاعلى .


/ 7