ابو الاسود الدؤلی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ابو الاسود الدؤلی - نسخه متنی

هاشم محمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




1 ـ فالملاحظ ان المعارضين الذين يعارضون نسبة النحو ـ بمعناه المصطلح آلابي الاسود, جميعهم يـؤيدون نسبة التنقيط والتحريك اليه , مع ان عملية تحريك المصحف الشريف بالتنقيط ـ وبالصورة
الـتـي ذكـرت , والتي رويت عن ابي الاسود نفسه ـ تعتمد على ملاحظة حركات الاعراب , وهي
عـملية تحتاج الى ان يكون صاحبها عالما ببعض الافكار والمسائل النحوية , اضافة الى انها عملية لا
تـقـل تـعقيدا وتركيزا عن عملية وضع بدايات النحو,فالقادر على التحريك لا تصعب عليه عملية
وضـع النحو في بداياته , وهذه العملية يفسرها ابو الاسود كما في الرواية ((خذ المصحف , وصبغا
يخالف لون المداد, فاذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحروف , واذا ضممتها فاجعل النقط الى جانب
الـحـرف , واذا كـسـرتـهـا فاجعل النقطة الى اسفله , واذا اتبعت شيئا من هذه الحركات غنة فانق
ط نقطتين )) ((363)) .


ونـحن حينما نتامل هذه الرواية جيدا ـ التي يؤيدها حتى المعارضون لفكرة وضعه النحو ـ نرى ان
هـذه الـعـملية التي قام بها ابو الاسود تدل على مدى ثقافة ابي الاسود النحوية واللغوية وعلى مدى
تـركـيـز ذهـنـيـتـه وتـطـورهـا,ونـرى ايـضا ان هذه الرواية تشير الى بعض المصطلحات ,
كالحركات والكسر والفتح والضم , وهي مصطلحات تدل على وجود قابلية الابداع والتركيز ـ ولو
بـصـورة بـدائية بسيطة ـ عند بعض رجال ذلك العصر, وعلى تقدير اكتساب هذه العملية ـ عملية
الـتـحـريـك بالتنقيط ـ ومصطلحاتها من السريان آنذاك ـ كما يتبنى هذا الراي احمد حسن الزيات
ـ ((364)) فان ذلك لايؤخر مرحلة وضعها عن زمان ابي الاسود وانه الواضع لها.


فـالمعارضون يقولون : ((ان الامر قد اختلط على الرواة اذ كانوا يقصدون بالنحو ضبط الكلام على
سـبـيل العرب وسمتها في القول , فابو الاسود نقطالمصحف , وهذا النقط هو النحو المقصود بكلام
الرواة )) ((365)) .


2 ـ ولـكـن الـملاحظ من الروايات انها ((لم تكتف بان ابا الاسود وضع النحواو العربية فقط, بل
ذكـرت ابوابا من النحو نسبت اليه , فكيف ناخذ شق الرواية ونترك شقها الاخر؟ جـميعا او تطرح جميعا)) ((366)) فمن الابواب التي ينسب وضعها الى الامام (ع ) وبعضها ينسب
لابـي الاسـود:بـاب الـتعجب والاضافة والظاهر والمضمر وتقسيم الكلمة وباب الفاعل والمفعول
وحرف الرفع والنصب والجر والجزم .


3 ـ اضـافـة الـى ان بعض الروايات تشير الى ان ابا الاسود وضع تشكيل المصحف الشريف بالنق
ط والـنحو او العربية , فتفصل بينهما, مما يدل على اختلاف معنييهما ومما يدل على انه كان هناك فرق
بـيـن مـفهومي التنقيط وبين العربية والنحو في اذهان الرواة والمؤرخين , وابن حجر ينقل رواية
تـؤكـدمـثـل هـذا الـفصل بين مفهومي التنقيط والنحو, فقد نقل ان زيادا ((امر اباالاسود ان ينق
ط الـمـصـاحـف فـنـقطها, ورسم من النحو رسوما)) ((367)) وهناك روايات وآراء اخرى تؤكد
وتصرح بهذا المعنى , ويقول ابو العباس المبرد:((اول من وضع العربية ونقط المصاحف ابو الاسود
الدؤلي )) ((368)) .


وقـال الـدكـتور الدجني : (يجب علينا ان نفرق بين عملين قام بهما ابو الاسودالدؤلي , حيث اختل
ط الامـر بـيـن الكتاب المحدثين خاصة , حتى وصل بالبعض ان ينكر عمل ابي الاسود (تاليف النحو),
واعـتـبـر الـعمل الثاني (نقطالمصحف ) العمل الوحيد له , كما اعتبر بعضهم نقط المصحف البذرة
الاولـى فـي غرس النحو العربي , اما القدماء فلم يقعوا في هذه الاشكالات فقد فرقوا بين العملين اذ
رووا عـنـدمـا ذكـروا ابـا الاسـود الـدؤلـي ونـشـاة الـنحو انه ((اول من اسس العربية ونق
ط المصحف ))) ((369)) .


بـالاضـافـة الى ان المفهوم من كلمة النحو او العربية غير المفهوم من كلمة التنقيط كما هو ظاهر,
فكيف يكون المعنى في كليهما واحدا؟ ويـذكـر الـسيد محسن الامين : ((واعراب القرآن لا دخل له بوضع علم النحو,الذي كان في زمن
امير المؤمنين (ع ) وبامره لا بامر زياد, ويجوز ان يكون ابوالاسود اظهر كتابه يومئذ, وكان الفه
قـبـل ذلـك , او رتـب يـومـئذ مـا كـان تـلـقـنـه مـن امـير المؤمنين (ع ) واضافه هو اليه فجعله
كتابا)) ((370)) .


واخيرا.. فالملاحظ ان هناك علاقة وثيقة بين النحو واعراب القرآن ,فالمتمكن من اعراب القرآن
الـكريم والذي يقوم بمهمة تحريك المصحف الشريف يدل على ان له علما ومعرفة بالنحو وتركيزا
فـي الـتـفـكـيـر, ولكن على كل حال فان العمل بوضع النحو غير العمل بتحريك القرآن وتنقيطه
كمايؤكد ذلك المؤرخون .


الخلاصة :
من خلال ما ذكرناه نستطيع التوصل للنتيجة التالية : ان الامام (ع ) شعربضرورة وضع القواعد التي
تـحـفـظ اللسان من الخطا, وخاصة في قراءة القرآن الكريم بعد ان وجد اللحن شائعا على الالسنة ,
وبـما انه خليفة المسلمين آنذاك كانت عليه مهمة الحفاظ على سلامة القرآن الكريم من اللحن , وبما
ان ابا الاسود كان مرجعا للخلفاء والولاة في القيام بمثل المهام التي تمس اللغة العربية ـ نتيجة لثرائه
في اللغة ولذكائه ومستواه الثقافي آفاعطى الامام (ع ) مهمة وضع هذه القواعد لابي الاسود بعد ان
مـهـد له الطريق بوضع بعض القواعد الاساسية ليسير على ضوئها ويواصل البحث من خلالها, وقد
سـار ابـو الاسود في هذا الدرب الذي رسمه الامام (ع )وواصل البحث فيه بصورة اشمل فاكتشف
بعض المسائل والابواب النحوية التي ترتبط وثيقا بشيوع اللحن , اي ان المجال الذي يشيع فيه اللحن
كـان يدفع ابا الاسود للبحث والنظر فيه حتى ياخذ فكرة عامة عنه , وبسيطة بدائية لا فكرة مفصلة
مـتـطـورة كالتي نراها اليوم في الكتب النحوية , ولذلك قلنا: ان النحو الذي وضعه ابو الاسود كان
بـدائيـا بـسـيـطـا, ويـقـتصر على ابواب قليلة دعت اليها الحاجة وضرورة محاربة شيوع اللحن
فيهاخاصة .


والـدلـيـل عـلى هذا الراي تواتر الروايات , وتضافر الاراء, وكثير من الرواة قريبو العهد بعصر
الامام (ع ).


وقد احتمل البعض اكتساب النحو من الحضارات الاجنبية , ولم يتم مثل هذاالاتصال الوثيق بالثقافات
الاجنبية الا في زمن متاخر من عصرالامام (ع ).


ولا يـمكن ان يكون الاكتساب من النحو اليوناني , لان النحو العربي كان موجودا قبل ترجمة الكتب
اليونانية , ولانه يختلف في طبيعته عن النحواليوناني .


وكذلك لا يمكن ان يكون مكتسبا من النحو العبري , لان مرحلة نشاته متاخرة عن النحو العربي .


اذا فـلا بد ان يكون الاكتساب من النحو السرياني ـ على القول بانه سبق النحو العربي في وضعه ـ
لـوجـود الـسريانيين في المجتمع الاسلامي آنذاك ,ونتيجة لاحتكاك المثقفين من العرب بهم انتقل
النحو منها.


ولكن هذا الاحتمال لا يؤخر بداية النحو عن تلك الفترة من عصرالامام (ع ) اذ ان السريانيين دخلوا
الاسلام في خلافة عمر, وهم كانوامقيمين داخل المجتمع الاسلامي , فيحتمل ـ ما دام الامر يقوم
على الاحتمال والفروض دون الاعتماد على الروايات التي لا تشير الى هذه الفكرة ـ ان اطلع الامام
ـ مـع الـغض عن فكرة علم الامام المعصوم ـ او اطلع ابو الاسودعلى ثقافة السريان وعلى نحوهم
فاكتسب منهم بعض قواعدهم وآرائهم النحوية , ولا يمنع مثل هذا الاتصال والاكتساب اي مانع .


لـكن هذا القول الاخير انما يعتمد على الفرض والاحتمال دون ان يكون له اي سند روائي , وكذلك
يـعـتـمـد على القول بان النحو العربي مكتسب وليس اصيلا, وهذه الفكرة الاخيرة ينفيها كثير من
الـمحدثين من العرب والمستشرقين , بالاضافة الى ان التاريخ لا يشير ابدا الى فرضية الاكتساب مع
اختلاف طبيعة النحو السرياني عن النحو العربي , كما ذكره البعض .


وعـلى اى احتمال , فان بداية وضع النحو العربي لا تخرج من تلك الفترة آفترة عصر الامام (ع ) ـ
سـواء قـلـنـا بـاصـالـة النحو العربي في بداياته كما هوالراي الحق , وراي اجماع القدماء وبعض
المعاصرين , او قلنا بانه مكتسب من النحو السرياني كما هو راي البعض الاخر من المعاصرين .


الملحق الاول : ((دراسة حول تقسيم الامام (ص ) للكلمة وتعريفاته لهذه الاقسام ))
نـرى مـن الـجـديـر ان نتعرف ولو بايجاز على تقسيم الامام (ع ) للكلمة ,وتعريفاته لهذه الاقسام ,
مـسـتـفـيدين في هذا البحث الموجز من آراء علمائناالمحققين , سواء في الفلسفة او علم الاصول ,
ونـسـتـعـرض خلاصة هذه الاراءبصورة مبسطة , ولم نحاول ذكر مقدماتها او التعمق فيها وترك
التعمق والتوسع فيها لمن يريد التوسع , وعليه مراجعة الكتب الفلسفية والاصولية في هذا المجال .


قـسـم الـنـحـويـون الـكلمة الى ثلاثة اقسام : الاسم والفعل والحرف . واستدلواعلى هذا التقسيم
بالاستقراء وبعض الوجوه العقلية .


وعـرفـوا كـل قسم منها بتعاريف , وبعض هذه التعاريف , كانت ناظرة للفظ,كتعريفهم الاسم بانه ما
يـصلح ان يقع في الجملة مسندا ومسندا اليه , والفعل بانه ما لا يصلح ان يكون الا مسندا. واما الحرف
فما لا يصلح ان يقع مسنداولا مسندا اليه .


ولكن الاشهر عندهم تعريفها من خلال ملاحظة معانيها لا الفاظها.


فالاسم : كلمة دلت على معنى في نفسها من غير اقتران بزمان .


والـفعل : كلمة دلت على معنى في نفسها مع اقترانها باحد الازمنة الثلاثة , اماالماضي او الحاضر او
المستقبل , او انها دلت على معنى وزمان .


والحرف : ما دل على معنى في غيره .


ولعل هذا التعريف هو الاقرب لاراء الاصوليين في هذا المجال .


تـعـرض بـعـض عـلـمـائنـا فـي عـلم الاصول , في مباحث الالفاظ الى الرواية الشريفة عن امير
الـمـؤمنين (ع ) المنقولة عن ابي الاسود الدؤلي في تقسيم الكلمة , واعتمدوها في تفسيرهم لحقيقة
الاسـم والـفـعـل والحرف , بل ان البعض منهم كتب فيه رسالة مستقلة , وفي هذه الدراسة نتعرض
بايجاز الى بعض الاراء الاصولية , وخاصة الجديدة المتطورة في المعنى الاسمي والحرفي ,والفرق
بينهما, وكذلك نتعرض الى معنى الفعل .


ويـجـدر ان نـشير في البداية , ان الاصوليين يرون ان المعنى الاسمي بماله من معنى عندهم يشمل
ايـضـا الفعل بمادته , لان الفعل مؤلف من مادة وهيئة ,ومادته معنى اسمي , وهيئته معنى حرفي , ولكن
يـتـمـيـز الـفعل باقترانه بالزمان ,وكذلك ليس المراد من المعنى الحرفي , خصوص حروف الجر
وامـثـالـهـا, بـل تـشمل كل ما يصدق عليه المعنى الاصولي للحرف , لذلك يشمل النسبة في القضايا,
والهيئات وغيرها, فيقصد منه ما يقابل الاسم والفعل , فلا يشمل حروف الكلمة نفسها.


وبـما ان مسائل هذا الموضوع كثيرة ولها علاقة بالكثير من البحوث الاصولية والفقهية , لذلك نحن
نـكـتفي ببعض الاراء والخطوط العامة , بما يرتبط بالرواية الشريفة عن الامام (ع ) في مجال تقسيم
الكلمة .


فانهم تعرضوا في بداية علم الاصول , في مباحث الالفاظ, الى مبحث الوضع , فبعد ان بحثوا عن حقيقة
الـوضع , والاراء حوله , بحثوا عن اقسام الوضع , حيث انه يعني وضع اللفظ لمعنى , فلا بد من تصور
المعنى ليوضع له اللفظ, ولا يمكن الوضع لمجهول , ومن هنا بحثوا عن ذلك المعنى الذي وضع له اللفظ
فـي الاسـماء والحروف , وما يتصوره الواضع حين الوضع ثم ما يوضع اللفظ له , ومن هنا بحثوا عن
المعنى الاسمي , والمعنى الحرفي . ونستعرض هناالاراء الاساسية في المعنى الحرفي .


الـراي الاول : مـا ذهـب الـيه صاحب الكفاية , من ان معنى الحرف هو بنفسه معنى الاسم المشابه له ,
فمعنى كلمة (من ) الحرف هو نفس معنى كلمة (الابتداء) الاسم , وهو كلي الابتداء, وهو الموضوع
لـه فـي كـلـيـهـمـا, ويـدلان عـلـى مفهوم واحد, وانما الاختلاف بينهما في اللحاظ والاستعمال ,
فـالـمستعمل تارة يلاحظ الابتداء بصورة مستقلة , ويريد استعماله مستقلا, كما لو ارادترتيب حكم
على الابتداء نفسه , فيقول (ابتداء الامور خير من انتهائها),ويسمى هذا باللحاظ الاستقلالي , وكلمة
(الابـتداء) الاسمية تدل على هذاالمعنى ملحوظا بهذا اللحاظ الاستقلالي , واخرى يلاحظ الابتداء
نـفـسـه ولكنه مرتبط وقائم في غيره , ويستعمله كذلك قائما بغيره , ويسمى باللحاظالالي , وكلمة
(من ) تدل عليه ملحوظا بهذا اللحاظ, كما لو قال (سرت من البصرة الى الكوفة ).


اذن , فـعـلى هذا الراي , ليس هناك اختلاف بين معنى الاسم والحرف بالذات ,وفي المعنى الموضوع
له , وانما الفرق بينهما في اللحاظ وفي مقام الاستعمال وهوامر خارج عن ذات المعنى الموضوع له ,
وطارى عليه , ولا يؤخذ هذااللحاظ الالي او الاستقلالي في معناهما الموضوع له .


ولعل هذا التعريف هو الاقرب لاراء الاصوليين في هذا المجال .


ويـجـدر هـنـا الاشارة الى بعض اراء الاصوليين من علمائنا المعاصرين حول هذه المفاهيم الثلاثة
الاسم والفعل والحرف .


وقد تعرض بعض علمائنا في علم الاصول , في مباحث الالفاظ الى هذه الرواية الشريفة .


الـراي الـثاني : وهو راي المحقق الاصفهاني حيث ذهب الى ان الاختلاف بين الاسم والحرف ذاتي ,
فـهـما برايه متباينان , ولا علاقة لاحدهما بالاخر في المعنى الموضوع له , وكل منهما وضع لمعنى
معين . ومن المقدمة التي ذكرناها في تقسيم الوجودات يتضح هذا الراي اكثر.


وفي رايه ان الحروف وضعت للوجود الرابط, وذلك لان الحكماء بعد ان ذهبوا الى ان الوجود حقيقة
واحـدة مـشـكـكـة فيكون لها مراتب واقسام , وقدقسم الوجود ابتداء, للوجود المستقل والوجود
الرابط. اما الوجود المستقل ويسمى بالوجود النفسي والمحمولي وربما اطلق عليه بالمعنى الاسمي ,
مـا كـان مـسـتقلا في وجوده , وقد قسم بدوره لثلاثة اقسام : الى واجب الوجودبالذات , وهو ما لم
يكتسب الوجود من غيره , ووجود الجوهر وهو مااكتسب الوجود من غيره , ولا يحتاج في وجوده
لـمـوضـوع , ووجـود العرض ,وهو ما احتاج في وجوده لموضوع , وهذه الاقسام الثلاثة مستقلة
بالمفهومية ويمكن للذهن تصورها بنفسها.


واما الوجود الرابط, فهو ما ليس له وجود مستقل خارجا, وما لا يمكن تصوره مستقلا الا بالارتباط
بـالـوجودات المستقلة , نظير وجود النسبة في القضية , فلو لا وجود الموضوع والمحمول لم يكن
للنسبة وجود, وهو صرف الربط والتعلق لا شي ء له الربط.


وقـبـل صـدر الـمتالهين لم يقل احد بتحقق الوجود الرابط خارجا, وانما في رايهم المتحقق وجود
الـجوهر والعرض فحسب , ولكن صدر المتالهين ذهب لوجوده خارجا ولكنه وجود ضعيف بالنسبة
لـلـوجـود الـمـسـتـقل , وتطورت هذه النظرية من بعده اكثر, واقيمت الادلة على تحققه خارجا,
ووسعواالوجود الرابط بما يشمل سائر الممكنات , بتوضيح عميق , ولسنا في مجال البحث حول هذه
النظرية العميقة , وللتوسع في هذا الموضوع اكثر تراجع الكتب الموسعة .


فـفـي راي المحقق الاصفهاني ان الحروف وضعت للوجود الرابط بواقعه الخارجي , اي انها وضعت
للروابط الخارجية , التي تعرفنا عليها في المقدمة ,والتي لا وجود مستقل في نفسها, وانما وجودها
بـوجـود طـرفـيها, فلم توضع الحروف لمفهوم الرابط, بل لواقع الوجود الرابط خارجا, بعد قيام
الـبـرهان على وجوده , وذلك لان الوجود الرابط لاماهية له لضعفه , ليتصورهاالواضع ويضع اللفظ
لـهـا, اذ لا يـمكن تصور الوجود الرابط في نفسه , مع تقومه بالطرفين , وانما يمكن تصور عناوين
اسـمية تشير اليه , فيقول وضعت (من )لذلك الوجود الرابط الخارجي الذي يعبر عنه بالابتداء, اذن
فالحروف وضعت للوجود الرابط الخارجي .


واما الاسماء, سواء كانت من الجواهر او الاعراض , فبما انها لها ماهيات , لذايمكن تصورها مستقلة
فـي الـذهـن , ويوضع اللفظ لماهياتها, ولا توضع لوجودها الخارجي , فيضع اسم (الابتداء) لماهية
الابـتـداء ـ فـلم يؤخذ في الموضوع له الوجود الخارجي او الذهني او العدم , لان المعاني الاسمية
مفاهيم ومعان مستقلة , ولها ماهيات يمكن تصورها مستقلة في الذهن , وتوضع الالفاظ لتلك الماهيات .


ولـكن بعض الاعلام ذهب الى ان المحقق الاصفهاني لا يقول بوضع الحروف للوجود الرابط بالحمل
الـشـائع في واقعه الخارجي , وانما الحروف وضعت للنسب بين المعاني الاسمية , وانما شبه النسبة
بـالـوجود الرابط, فكما ان الوجودالرابط ليس له وجود مستقل خارجا وماهية متصورة في نفسها,
في مقابل الطرفين , لانه وجود لا في نفسه , كذلك النسبة لا يمكن ان توجد بدون طرفيها, فلا يمكن
ان تتصور النسبة بين زيد وقائم , الا مع وجود زيد قائم ,واما بدون هذه الجملة فلا يمكن ان يتحقق
لـلـنسبة اي وجود, ولا يمكن تصورها وتحققها, ولعل هذا التفسير للمحقق الاصفهاني يتلاءم اكثر
مع كلامه في حاشيته على كفاية الاصول .


الـراي الـثـالـث : مـا اختاره المحقق النائيني , وهو ان معاني الحروف ايجادية , بينمامعاني الاسماء
اخطارية .


بمعنى ان الحرف , حين يطلق وحده , دون ان يكون مرتبطا بغيره من المعاني الاسمية , فلا يخطر في
الـذهـن مـنه معنى , وانما يظهر له معنى حين يقع في تركيب كلامي , وهو يوجد ويحقق الربط بين
المعاني الاسمية , وكلماته , فلو لم تكن هناك حروف لم يتحقق الربط في الذهن بين الكلمات والمعاني
الاسـمـيـة , وان كـان الارتباط الخارجي بين المعاني الاسمية بوجوداتها الخارجية تكويني ,ولكن
الارتـبـاط بـيـنها في عالم المعنى واللفظ لا يتم الا بوساطة الحرف ,فالحرف يمتاز عن الاسم بان
الحرف هو الموجد لمعناه , وليس له قبل الاستعمال معنى موجود في عالم الادراك كالاسماء لانه هو
الذي يوجد الربطبينها, فلو قلت زيد دار, لم يوجد اي ارتباط بين معنى زيد والدار, فلابدلاحداث
الارتـبـاط بـيـن الـكـلمتين ومعنييهما من كلمة (في ) فتقول : (زيد في الدار) فالموجد للربط بين
الـمـعنيين , هو الحرف (في ), فالحروف وضعت لايجادالربط بين المعاني , اضافة الى انها ليست لها
مـعـان مـسـتـقـلـة , اذ لا يـفـهـم منهامعنى بدون الارتباط بغيرها في تركيب كلامي مشتمل على
المعاني والاسماء.


فمعنى الحرف آلي , بمعنى :
1 ـ ان الحروف لا يظهر لها معنى , ولا يتصور الذهن لها معنى الا بالارتباطبغيرها.


وانـهـا كـالالات تـحقق وتوجد الارتباط بين المعاني الاسمية , وذلك لاجل ان استعمال الحرف في
الجملة هو الموجد لمعناه الربطي اطلق على الحرف انه ايجادي .


وامـا الاسماء فالمعاني التي وضعت لها مستقلة في عالم المعنى , وغير قائمة في الغير, فلا يعتبر في
ظهور معنى الاسم ان يكون ضمن تركيب كلامي , وانمايحضر الاسم في الذهن مستقلا عندما يطلق
وحـده , فـهـو مـعنى قائم بنفسه في عالم المعنى , فاذا قيل (انسان ) حضر في الذهن المعنى المقابل
لـلشجر اوالفرس . اذن فمعنى لفظ الانسان قائم بنفسه , ويحضر في الذهن بنفسه من دون الاحتياج
لتركيب كلامي , فيخطر معناه في الذهن بنفسه وبصورة مستقلة دون احتياجه للانضمام لغيره , ومن
هـنا اطلق على المعنى الاسمي , انه معنى خطوري , ولفظ الاسم انه اخطاري , موجب لخطور معناه
في الذهن .


وهناك آراء اخرى في تفسير حقيقة الاسم والحرف , والمعنى الاسمي والحرفي تلاحظ في الكتب
الاصولية الموسعة والمعمقة , وقد ذكر كل واحد من هؤلاءالاعلام المحققين ادلة عديدة لرايه كما
تـعرضت هذه الاراء الى اعتراضات ومناقشات ولكننا هنا ذكرنا اهم الاراء الاصولية المتطورة في
هذا المجال .


ولـعـل هـذه الاراء وامـثـالـهـا, تـشترك في تعريف الحرف , بانه ما يدل على معنى غير مستقل في
الـمفهومية , فلا يمكن للذهن ان يفهم من الحرف معنى بمجرده ,دون ان يكون ضمن غيره , بان يكون
ضـمـن جـملة يرتبط بها الحرف , فلايمكن ان يظهر للفظ الحرف معنى الا اذا كان ضمن غيره من
الاسـمـاء, ولعله لهذا المعنى يشير الامام (ع ) في تعريفه للحرف : بانه ما دل على معنى في غيره ,اي
انـمـا يـظـهـر له معنى اذا كان في غيره , ولفظ الحرف انما يدل على هذا المعنى الارتباطي , او ان
الـحـرف يـوجـد الارتـباط بين المعاني الاسمية , فيدل على ذلك المعنى التركيبي في الاسماء كما
وضحناه في راي المحقق النائيني .


وامـا الاسم : فيدل على معنى مستقل في المفهومية , فيفهم الذهن من الاسم معناه بصورة مستقلة سواء
كان ضمن جملة ام لا, ولفظ الاسم يحكي وينبى عن هذا المعنى المستقل في الذهن ولعله لهذا المعنى
يشير الامام (ع ) في تعريفه للاسم بانه (ما دل على معنى في نفسه ), او (ما انبا عن المسمى ).


واما (الفعل ), فقد عرفه الامام (ع ) بانه (ما انبا عن حركة المسمى ).


وقد حاول علماؤنا تفسير حركة المسمى , التي ينبى عنها الفعل ويدل عليها.


فـقـد فـسـر المحقق النائيني هذا التعريف بتفسير عميق , وذكر له بعض المقدمات العلمية الدقيقة
نذكر خلاصة رايه في هذا المجال .


فـانـه يـرى ان الـفعل مركب من مادة وهيئة , وهيئته تدل على انتساب المبداللذات , واما المادة فهي
الـمـبدا, فالمراد من المسمى في هذا التعريف هو مبداالاشتقاق , وبما ان مبدا المشتقات يشترط ان
يـكـون غـيـر مـتـحـصـل وغـيـرمـتـشكل بهيئة ما, فانه لو كان متشكلا بهيئة ما, لم يكن مبدا
لـلاشـتـقاق ,وساريا في جميع المشتقات , لذلك بما ان هذا المبدا او المسمى معرى من الهيئة وغير
متحصل , فان الفعل بهيئته يمنحه التحصل والشكل , (فبالفعل يخرج المبدا عن اللاتحصلية , ويتحرك
من القوة الى التحصلية والفعلية , فالفعل بجملته يظهر وينبى عن حركة ذلك المسمى ـ الذي هو مبدا
الاشـتـقاق ـ من القوة الى الفعلية , ومن اللاتحصلية الى التحصلية في عالم المفهومية , حيث كان غير
متحصل فصار بواسطة هيئة الفعل متحصلا) ((371)) .


وفـسـر الـمحقق الاصفهاني هذا التعريف : ان هيئة الفعل تدل على نسبة المبدا اوالمادة الى الذات ,
وهـذه النسبة معنى حرفي , واما نفس المادة فهي معنى اسمي ,(والنسبة في الفعل لها جهة حركة من
الـعـدم الى الوجود فيحضر في الذهن من سماع ضرب زيد مثلا حركة الضرب حقيقة من العدم الى
الـوجـود بـحـقـيـقـة الـحـركـة الـصدورية , فكانه يرى الحدث المخصوص متحركا من العدم
الى الوجود). ((372)) .


ويـمـكـن ان نفسر دلالة الفعل على حركة المسمى : بان الفعل بما انه يدل على الزمان كما رايناه في
تعريف بعض النحويين للفعل , والزمان بنفسه متحرك ,وغير قار, وانما حقيقته التصرم وعدم الثبات .


لذلك دل الفعل على حركة المسمى , اي حركة معناه وعدم ثباته لاخذ الزمان فيه .


ولكن علماءنا انكروا دلالة الفعل على الزمان بالوضع , اذ لم يؤخذ الزمان في مدلوله . وذلك لان الفعل
مـركـب مـن مادة وهو المبدا, وهو معنى اسمي , بينماهيئته مثل هيئة (ضرب ), فانها معنى حرفي ,
وهـي تـدل على انتساب المبدالذات ما, فاين دلالة الفعل بمدلوله على الزمان , اذ ليس فيه الا الهيئة
والـمـادة وقـد راينا عدم دلالتهما على الزمان , ومن هنا عبر البعض عن الفعل بانه مركب من الاسم
والحرف , وبذلك يمكن تفسير حركة المسمى بتفسيريتلاءم ومدلوله .


فـان الـفعل كما ذكرنا, يدل على انتساب الحدث للذات , والملاحظ ان هذاالانتساب ليس ثابتا قارا,
لـعـدم ثـبـات الـحدث في حال انتسابه للذات ,فالضرب مثلا المنتسب للضارب , هو في حال انتسابه
وصدوره منه , في حالة تجدد وحدوث وحركة , باي معنى فسرنا الحركة , بتفسير المحقق النائيني ,
او الاصفهاني بخروج الحدث من العدم الى الوجود, او لاجل ارتباط الحدث بزمان , والزمان متحرك ,
او بمعنى آخر, وبذلك ينبى الفعل عن حركة المسمى والحدث .


الملحق الثاني : مدى تاثير العامل القومي في تصرفات المسلم الملتزم
ذكرنا ان البعض غالى في دور العامل القومي في وضع النحو, واكد عليه كثيرا, مع تجاهله او تقليله
لـدور الـعـامـل الـديـني , ولكن ذكرنا, ومن خلال الشواهد, ان الدافع الديني , وحفظ النصوص من
الـتـحـريـف والاشـتـبـاه والالـتـبـاس كـان اقـوى الـدوافع عند الواضعين الاولين امثال الامام
اميرالمؤمنين (ع ) وابي الاسود الدؤلي , كما كان له تاثيره في وضع الكثير من العلوم .


ولـذلـك راينا من الجدير ان نستعرض بايجاز مدى تاثير الدافع القومي في تصرفات المسلم الملتزم
وان كان فيه استطراد, مع التاكيد على ان حب الانسان لقومه ولغته ووطنه , بما لا يتصادم وعقيدته
الاسلامية , مما لايرفضه الاسلام , ومنها تفكيره في وضع القواعد للغته حفاظا عليها, وان هذا الحب
والولاء كما سنذكره من الميول الطبيعية المغروسة في كل انسان وخاصة في تلك المجالات النبيلة
والفاعلة المتعلقة بقومه وامته , ولكن وككل الميول والرغبات , ربما تعرضت لعوامل الانحراف التي
جاء الاسلام لتعديلهاواعادتها الى حالة التوازن والاستقامة المشروعة .


ولذلك , ومن خلال الواقع الموضوعي للمسلم الملتزم , وراي الاسلام في هذاالموضوع , في تعاليمه
وتـجـارب الـمسلمين الملتزمين , نحاول هنا تسليط بعض الضوء على مدى صحة المغالاة في العامل
الـقـومـي , وهـل لـه تـاثيره الوحيد اوالاكبر في تصرفات المسلم الملتزم , وخاصة فيما لو كانت
متصادمة مع التعاليم الاسلامية ورضا الاسلام وارادته .


فـالقرآن الكريم يعتبر تقسيم البشر الى وحدات سياسية بطابع فئوي قطري او قومي او طبقي او
امثال ذلك , عذابا دنيويا تتعرض له الامم , ويؤدي بالتالي الى دمار البشرية ((373)) . قال تعالى : (او
يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض ) ((374)) .


وكـذلـك يعتبر تقسيم الامة , من اساليب الطغاة في سبيل اذلال الشعوب ,والاستيلاء عليها, والقضاء
على روح المقاومة والقوة فيها, فقد استخدم فرعون عدة اساليب في سبيل تحكيم سلطانه وطغيانه ,
ذكرها القرآن الكريم ومنها (ان فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا) ((375)) .


ولعل هذا العذاب الدنيوي , وانهيار روح الامة , نتيجة طبيعية لتقسيم الامة ,بل البشرية عامة , وذلك
لان هـذا الـتـقـسيم سبب التفرقة والتنازع , والتفرقة سبب للضعف والفشل (ولا تنازعوا فتفشلوا
وتذهب ريحكم ).


والملاحظ ان جميع المبادى الارضية لا تملك عامل الوحدة الحقيقية بين البشر, وانما الايمان باللّه
والتقوى وحده , يملك هذا التاثير العميق في تكوين الوحدة , كما ان الايمان باللّه هو الاساس المكين
لـلالـتـزام بالمكارم الاخلاقية والقوانين العملية لما يملكه من دوافع دنيوية واخروية , ضاربة في
عمق الفطرة , واما سائر المبادى فتفقد المبرر القوي لذلك , وتوضيح هذه الفكرة اكثر في محله .


ويـرى الـقـرآن الكريم ان رسول الاسلام والرسالة الاسلامية لجميع البشركافة على السواء لا
لطائفة معينة (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ) ((376)) (وما هو الا ذكر للعالمين ) ((377)) ,
(وما ارسلناك الا كافة للناس بشيراونذيرا) ((378)) .


وان جـمـيع البشر يرجعون الى اصل واحد فلا مبرر لاستعلاء البعض على البعض الاخر بالنسب ,
وانـه لامـيزة لاحد الا بالتقوى (يا ايها الناس اتقواربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) ((379)) ,
(وهو الذي انشاكم من نفس واحدة ) ((380)) .


وان جـمـيع البشر امة واحدة في ظل الاسلام لا امم ولا طوائف ولا ميزة الابالتقوى وعبادة اللّه
(ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون ). (ياايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة
وخلق منها زوجهاوبث فيها رجالا كثيرا ونساء).


ويـحـدد الـقـرآن الكريم معيار الفضل والكرامة للانسان او الامة بالتقوى فحسب , دون غيره من
المعايير البشرية , وان على البشر الاتحاد والتعاون لاالتفرقة والشقاق (يا ايها الناس انا خلقناكم من
ذكر وانثى وجعلناكم شعوباوقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند اللّه اتقاكم ).


وان العامل الوحيد في الوحدة الحقيقية للبشر, وفي سعادتهم في الدنياوالاخرة هو الاعتصام بحبل
اللّه , وامـا غيره من المبادى والمعتقدات الجاهلية فهي عوامل العداء والشقاق والشقاء: (واعتصموا
بـحـبـل اللّه جـمـيـعـا ولاتـفـرقـوا واذكروا نعمة اللّه عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم
فـاصبحتم بنعمته اخوانا) ((381)) , وليس هناك شعب ممتاز او ملة سامية متفوقة على سائر الملل
(وقـالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين
# بـلـى مـن اسـلـم وجـهـه للّه وهـو مـحـسـن فـلـه اجـره عـنـد ربه ولا خوف عليهم ولا هم
يحزنون ) ((382)) .


وهناك آيات كثيرة في هذا المجال , لم نذكرها رعاية للاختصار, والملاحظ ان هذه الايات تتضمن
مفاهيم كثيرة لم نذكر الا القليل منها.


واما الاحاديث النبوية في هذا الموضوع فهي كثيرة , نذكر القليل منها مع الاشارة لبعض مدلولاتها.


فـقـد صـرح الـرسول (ص ) في خطابه الاول بعد فتحه لمكة باستنكار العصبية الجاهلية , وتعظيم
الاباء, والاستعلاء على القبائل والشعوب الاخرى , وان التفاخر بالتقاليد والمعايير الجاهلية , ليس لها
اية قيمة في الاسلام .


قال (ص ): ((لا اله الا اللّه , وحده لا شريك له , صدق وعده , ونصر عبده ,وهزم الاحزاب وحده ,
الا كل ماثرة او دم او مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين . يا معشر قريش ان اللّه قد اذهب عنكم نخوة
الـجـاهـلـيـة , وتـعـظمهابالاباء. الناس من آدم , وآدم من تراب )) ثم تلا هذه الاية : (يا ايها الناس
اناخلقناكم من ذكر وانثى ...) ((383)) .


وكانه (ص ) استهدف من خطابه الاول هذا القضاء على البقية الباقية من تقاليد الجاهلية , والاشارة الى
العامل المهم في تكوين الجاهلية والتخلف والتنازع والاختلاف لذكره في بيانه الاول بعد الفتح .


ويـصـرح الـرسـول (ص ) بـانـه لا فضل لاحد على احد الا بالتقوى , والعمل الصالح , وان الجميع
يـرجـعـون الى اصل واحد, فلا مبرر للتفاخر والاستعلاءولا فضل للقوميات والعصبيات مهما كان
نوعها.


قـال رسـول اللّه (ص ): ((يا ايها الناس الا ان ربكم واحد, وان اباكم واحد, الالافضل لعربي على
اعـجـمـي , ولا لـعـجـمـي عـلـى عـربـي , ولا لاحـمر على اسود, ولالاسود على احمر الا
بالتقوى )) ((384)) .


وقال (ص ): ((ليس لاحد على احد فضل الا بالدين او عمل صالح )) ((385)) .


(وعـن فـسـيـلة قالت : سمعت ابي يقول : سالت النبي (ص ) فقلت : يا رسول اللّه امن العصبية ان يحب
الرجل قومه ؟ قال : لا, ولكن من العصبية ان يعين الرجل قومه على الظلم ) ((386)) .


اذن فـالاسـلام لا يرفض ان يحب الانسان قومه لانه امر طبيعي , يعيشه ويدركه كل انسان وكيف
يمكن للاسلام ان يرفض شعورا طبيعيا دون ان يتنافى ومسيرته ومبادئه . وخاصة فيما لو كان قومه
متصفين بالصفات النبيلة , وكذلك لا يرفض الاسلام ان يحب قومه فيما اذا كانوا على حق , وكان حبه
لاجل اللّه , فهو في واقعه حب للحق ذاته , وكذلك يرفض الاسلام ان يبغض الانسان قوما الا اذا كان
بغضه لاجل اللّه ايضا, فيكون في واقعه بغضا للباطل .


ويرفض الاسلام ان يحب الانسان قومه اذا كانوا على باطل , وان يعينهم على الظلم , والاصرار على
البقاء على محبة قومه رغم ضلالهم وظلمهم للاخرين , كما يرفض ان يرى الانسان قومه اسمى من
سائر الاقوام بدون استحقاق او مبرر شرعي وعلى اساس التقوى .


ولاجل ذلك رفض الاسلام العصبية , بان يذوب الانسان في حب قومه .حتى لو كانوا على باطل وان
يـعينهم على الظلم والباطل وسحق حقوق الاخرين ومشاعرهم وان يصر على حماية قومه وآبائه
وتـقـالـيـدهم وحبهم وولائهم , رغم باطلهم وظلمهم , فان هذه العصبية والاصرار على تقاليدقومه
وآبائه ومعتقداتهم ضلال , وهي عادة جاهلية , سواء كانت عصبية قومية او قبلية او غيرهما, مما لا
يـقوم على اساس العقيدة والتقوى . قال الرسول (ص ): (ومن قتل تحت راية عمية ((387)) يغضب
للعصبية او يقاتل للعصبية او يدعو للعصبية فقتلته جاهلية ) ((388)) .


(ويحدد الامام زين العابدين (ع ) هذه الفكرة بقوله : ((العصبية التي ياثم صاحبها ان يرى شرار قومه
خيرا من خيار قوم آخرين , وليس من العصبية ان يحب الرجل قومه , ولكن من العصبية ان يعين قومه
على الظلم )), وهذاحسم قيم في هذا المجال , حيث ان الميل الى العصبية والقبيلة امر طبيعي ,جرت
عليه العادة , فاذا كان على اساس الحب والولاء فهو امر جيد, لكن اذاكان على اساس المحاباة وظلم
الاخـرين وعلى حساب حقوق الاباعد, اوكان من باب اعانة الظلم , فهذا هو المردود في الاسلام ,
والـذي يـدعـيه اصحاب النعرات العنصرية واهل الغرور والجهل الفارغين من القيم كبني امية هو
النوع الثاني ) ((389)) .


وقـال الرسول (ص ): ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد اذااشتكى بعضه تداعى
سائره بالسهر والحمى )) ((390)) .


فـان مـثـل هـذا التراحم والتواد, كما هو مطلوب من المؤمنين , فانه ايضا نتيجة الايمان حقا باللّه ,
فـالايـمـان باللّه وحده يمكنه التاثير في ذلك , واما غيره من المبادى والمعتقدات فانها لا تملك هذا
الـتـاثـير الشامل والمتجذر في عمق الروح الانسانية وواقع الجاهلية القديمة والحديثة , والتنازع
والـحـروب بين الامم , بل الامة الواحدة دليل على ذلك , وما نشب من صراع بين المسلمين ناشى من
عدم التزامهم حقا بالاسلام الاصيل .


وامـا الامـام علي (ع ) فقد حارب العصبية او الحمية او النخوة الجاهلية ,بحسب تعبيراته (ع ), في
الكثير من خطب نهج البلاغة , واعتبرها من رواسب العصر الجاهلي , ومن نفثات الشيطان التي يلزم
الـمـسـلـم التنزه عنها,ونذكر هنا القليل من احاديث الامام (ع ) في هذا المجال : ((فاطفئوا ما كمن
فـي قـلـوبـكـم من نيران العصبية واحقاد الجاهلية , فانما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات
الشيطان ونخواته ونزعاته ونفثاته )) ((391)) .


((اللّه اللّه في الحمية وفخر الجاهلية )) ((392)) .


((فان كان لابد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الاخلاق )) ((393)) .


ويـفسر الشيخ المجلسي العصبية , بعد ان يذكر حديث الرسول (ص ) ((من تعصب او تعصب له فقد
خلع ربقة الايمان من عنقه )) بقوله : (من يعين قومه على الظلم , والتعصب المذموم في الاخبار هو ان
يـحـمـي قـومه او عشيرته اواصحابه في الظلم والباطل , او يلج في مذهب باطل او مسالة باطلة ,
لـكـونـه دينه او دين آبائه او عشيرته , ولا يكون طالبا للحق , بل ينصر ما لم يعلم انه حق او باطل
لـلـغـلـبـة عـلـى الخصوم , او اختار مذهبا ثم ظهر له خطاه فلايرجع عنه لالا ينسب الى الجهل
والضلال ) ((394)) .


ومـا ذكـره الشيخ المجلسي من مصاديق العصبية بمعناها الواسع , ولعل من مصاديقها الحب المنحرف
لـغـير الاسلام , بان يحب الارض او الدم او اللغة اوالاجداد او غيرها من العلاقات الارضية , حبا
مـنـحـرفـا بما يتنافى وحب الاسلام , وكما ذكرنا من ان يحب امثال هذه الامور ويتعلق بها حتى لو
كانت على باطل وضلال , ويتشبث بها دون محاولة الانفكاك عنها, وان يتفاخر بهاويشعر باستعلائها
عـلـى غـيرها, وان يقدم ارادتها والولاء لها على ارادة الاسلام , وان يصر في الالتزام بتقاليد قومه
وآبـائه ومـعتقداتهم رغم ظهوربطلانها وضلالها, وان يساعد قومه على الباطل والظلم والتجاوز
على حقوق الاخرين , والاستهانة بمشاعر الاخرين وعاداتهم ومعتقداتهم .


والـمـلاحـظ مـن سيرة الرسول (ص ) انه رفع من مكانة سلمان الفارسي المحمدي وبلال الحبشي
وغيرهما وذلك لما يتمتعون به من سمو في الايمان والحق والجهاد, ووضع من مكانة بعض اشراف
الـعـرب الـمشركين الذين وقفوا في وجه الاسلام , وذلك لما تميزوا به من باطل وانحراف وعداء
للقيم والاسلام .


وكـان مـن تـاثـيـر الـعـقـيـدة الاسلامية في نفوس المسلمين , ان يحارب المسلم قبيلته في زمان
الرسول (ص ), وبعده ايضا من المسلمين المخلصين , بل ربماحارب اقرباءه , واباه واخاه , الذين كانوا
في معسكر المشركين , او معسكرالباطل , وهكذا يجب ان يكون المسلم الحقيقي , حيث يقدم علاقته
بالاسلام على سائر العلاقات والاغلال الارضية .


قـال تعالى : (لا تجد قوما يؤمنون باللّه واليوم الاخر يوادون من حاد اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم
او ابناءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه ويدخلهم جنات
تـجـري مـن تحتها الانهارخالدين فيها رضي اللّه عنهم ورضوا عنه اولئك حزب اللّه الا ان حزب
اللّه هم المفلحون ).


اذن فـلا انتماء الا للّه , وحزب اللّه هم المفلحون . اولئك الذين يرضى عنهم اللّه ,واولئك المؤمنون
حقا, والمؤيدون من اللّه .


والاية الشريفة تشير لهذه الفكرة : (قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم
وامـوال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادهاومساكن ترضونها احب اليكم من اللّه ورسوله وجهاد
في سبيله فتربصواحتى ياتي اللّه بامره ).


ويـقـول الامـام امـيـر الـمؤمنين (ع ): (ولقد كنا مع رسول اللّه (ص ) نقتل آباءناوابناءنا واخواننا
واعمامنا, ما يزيدنا ذلك الا ايمانا وتسليما ومضيا على اللقم وصبرا على مضض الالم وجدا في جهاد
العدو) ((395)) .


وهـنـاك شـواهـد كـثيرة في زمان الرسول (ص ) وغيره , قدم فيها المسلمون اواصرالعقيدة على
اواصـر الـقـرابة , حيث قاتل فيها الابن اباه او قريبه , نذكر منهاهذا المثال , ففي معركة بدر (كان
عتبة بن ربيعة حين دعا الى البراز قام اليه ابنه ابو حذيفة يبارزه , فقال له رسول اللّه (ص ): اجلس ,
فلما قام اليه النفر,اعان ابو حذيفة بن عتبة على ابيه بضربة ) ((396)) .


الملحق الثالث : المنع من التدوين
ذكرنا ان تاخر تدوين النحو كان بسبب الحظر الذي كان مفروضا على التدوين في بعض المجالات ,
لذلك كان من الجدير البحث بايجاز عن هذاالموضوع .


/ 11