ابو الاسود الدؤلی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ابو الاسود الدؤلی - نسخه متنی

هاشم محمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




وبـعـد ذلـك كله يقول
كمال ابراهيم : ((وهذا كتاب سيبويه ـ وهو بين ايدينا آوسند الرواية
فيه , فانه يروي عن السابقين , فاذا
روى عن بعضهم فقد يصل بالسند الى ابي الاسود وينتهي عنده , وهذا
يدل على انه كان
الواضع الاول )) ((340)) , اذا فسيبويه اشار الى ابي الاسود في كتابه اما بالايماء
كتعبيرالسابقين والبادئين والاولين
حيث يشعر هذا التعبير بقدمهم زمنيا لا انهم مقاربون لعصره , او
اشـار الـيه بالتصريح كما ذكره
كمال ابراهيم , ولكن ذكرالدكتور الدجني وغيره ان (سيبويه لم
يرو لابي الاسود
شيئا) ((341)) .


وقـد تـتـبـعت قدر الامكان
كتاب سيبويه فلم اجد ذكرا لابي الاسود, ولعل مراد كمال ابراهيم ان
سيبويه اشار اليه بالايماء بقوله : (البادئين الاولين ) لابالتصريح .


مع
الاعتراض الرابع
ونناقش فيه مشكلة اختلاف الروايات ,
في سبب الوضع , وفي الشكل اللفظي للروايات , وفي الواضع .


1 ـ الاختلاف في سبب الوضع :
عـرفنا سابقا مدى شيوع اللحن ,
ومدى خطره الديني واللغوي , وكان الامام (ع ) قد اطلع على بعض
مـضـاعـفات ومظاهر هذا الوباء
على الالسنة ,كما ان ابا الاسود كان يلمس بين آونة واخرى مدى
انـتـشار اللحن بين المسلمين نظرا
لثقافته اللغوية واحساسه باللحن وتفكيره الدائم في هذاالمجال ,
وكـان يـرى شواهد كثيرة
للحن بين الناس , وكان ينقل بعض هذه الشواهد والمؤشرات للامام (ع )
كما درسنا ذلك .


اذا فـالسبب الذي دعا الى وضع
النحو هو (انتشار اللحن ), ولا يمكن ان يكون اللحن منتشرا الا اذا
كانت هناك مؤشرات وشواهد
عديدة تعبر عن هذا الانتشار, اما اذا كان هناك شاهد واحد للحن ـ او
شاهدان ـ فلا تدفع مثل هذه الضالة
الامام (ع ) او ابا الاسود لوضع النحو, لانه حينئذ لا يشكل حافزا
قويا
فاعلا لوضعه , فاذا ادركنا ذلك عرفنا لماذا تعددت الاسباب لوضع النحو.


يـقول عبد الرحمن السيد: ((.


.


لانه اذا كان السبب في التفكير في هذا العلم خطا واحد فقد نتساءل :
لقد سبق هذا الخطا باخطاء اخرى نبه
اليها, وعيب بها قائلوها, فلم لم يدفع واحد منها الى وضع هذا
الـعـلم ؟ الـى تـعـدد الاسـباب والاخطاء,
وان هذا التعدد في الخطا والتنوع فيه هو الذي حفز الهمة وقوى
الـرغـبـة في محاولة التخلص
منه )) ((342)) فكانت هناك اخطاءنحوية قليلة صدرت قبل هذه
الـفترة , ولكنها لم تحفز على التفكير
في وضع النحو, وذلك لقلتها وضالتها, وانما بدا التفكير حينما
اتسعت ظاهرة اللحن آللعوامل
التي ذكرناها سابقا, والتي كانت تشجع على هذا الانتشاروالاتساع ـ
وخوفا من تزايد هذه الظاهرة في المستقبل بحيث يصعب علاجها.


2 ـ الاختلاف في متون النصوص :
كما نرى ذلك في بعض الروايات
الواردة في هذا المجال , ولكننا نلاحظ ان هذاالاختلاف لا يقتصر
عـلـيـهـا فحسب , بل نراه
ايضا حتى في الاحاديث النبوية الشريفة مع وجود حوافز اقوى واكثر
لـحـفظها وعدم اهمالها ونسيانها,
كل ذلك لاجل عدم وجود التدوين وتاخر الكتابة , والاعتماد على
الـذاكـرة فـي حفظها, والنقل
بالمعنى للاحاديث لا نقل اللفظ وهذه الحالة تفرض هذاالاختلاف في
المتن والشكل ولو
بصورة جزئية لا تؤدي الى الاختلاف الكبير في المعنى والمضمون .


3 ـ الاختلاف في الواضع :
فـان بعض الروايات ـ كما
راينا ـ تدل على ان ابا الاسود هو الذي وضع النحو, بينما البعض الاخر
منها يدل على وضعه النحو بتوجيه
من الامام (ع )بعد ان وضع له بعض القواعد الاساسية ليسير على
ضوئها, اذا فكيف نجمع بين هذه الروايات المختلفة ؟
1 ـ ولكن ـ وكما لاحظنا
في فصل سابق ـ فان الروايات والادلة لم تجمع على ابي الاسود فحسب ,
بل ان اكثر الروايات ـ
وتقرب من الاجماع ـ تنسب وضع النحو للامام (ع ), وانه تلا بعض القواعد
الـرئيـسـيـة عـلـى ابـي
الاسودواشار عليه ان يواصل البحث من خلالها, فوسع فيها ابو الاسود
واضـاف الـيـها قواعد وآراء
اخرى اكتشفها من خلال بحوثه وتجاربه في هذا المجال , اوكما يقول
عـبـد الـرحـمن السيد:
((وهذه الروايات تكاد تجمع ايضا على ان اباالاسود وضع النحو بارشاد
عـلـي2 وبعضها يروي ذلك
على لسان ابي الاسود نفسه , وقلة منها تجعل ابا الاسود هو مبتكر هذا
العلم ومبدعه دون ان يطلب اليه ذلك احد او يوجهه فيه
موجه )) ((343)) .


فـاذا اعـترف ابو الاسود نفسه
باخذه النحو من الامام (ع ) واعترف بهذه النسبة نفس القائلين بوضع
ابـي الاسـود لـلـنحو
وهي اكثر بكثير من الروايات التي تنسب وضع النحو لابي الاسود بصورة
مـستقلة , بل ربما قام
الاجماع على ذلك .


هذه المرجحات وغيرها ترجح الراي والروايات التي تدل
على دور الامام (ع ) في وضع
النحو, بينما الروايات التي تعتبر ابا الاسود مستقلا في وضع النحو لا
تملك مثل هذه المرجحات التي
تملكها تلك الروايات التي تدل على دور الامام (ع ) في وضع النحو.


2 ـ انـنـا لـو تتبعنا
((نهج البلاغة )) واحاديث الامام (ع ) في مختلف المجالات ,ومن خلال سيرته
الـفـكرية والحياتية ـ بغض النظر عن
مقدرة الامام المعصوم كما يؤمن بها الشيعة الامامية لراينا ان
الامـام اوسع من ابي الاسودثقافة
واطلاعا على لغة العرب , واكثر تركيزا ووعيا في شتى القضايا
واكـثـرفـهـما واهتماما باحتياجات
المسلمين , وبالحفاظ على القرآن الكريم والاحاديث الشريفة ,
فـعـنـدمـا ننسب النحو
لابي الاسود فمن طريق اولى نسبته للامام (ع ) على اساس الخصائص التي
يتميز بها الامام (ع ) فهو يملك اكثر
المؤهلات التي تؤهله لوضع النحو, وليس هناك مانع يمنعه عن
ذلك والروايات
الكثيرة واجماع المؤرخين كلها تدل على وقوع هذه الحقيقة ايضا.


اذا فـلا يـمكن لنا ان ننكر
دور الامام (ع ) في وضع النحو, كما لا يمكن ان ننكردور ابي الاسود
ومشاركته في ذلك , فالراي الصائب
ان نقول : ان الامام (ع )وضع بعض القواعد الرئيسية في النحو,
وفـتح عيون ابي الاسود على هذاالعلم ,
ووجهه الى الطريق واكد عليه مواصلة البحث فيه , فاضاف
ابوالاسود ـ على ضوء
ذلك ـ ابوابا وقواعد اخرى للنحو, ووسع وطور ماوضعه الامام (ع ).


وعـلى هذا الاساس فان عملية
الوضع قد شارك فيها الامام (ع ) وابو الاسود,وكان لكل منهما دوره
الفاعل الخلا ق في هذا المجال ,
وبذلك يمكن الجمع والتوفيق بين هذه الروايات المتعارضة صوريا,
فـلا حـاجـة الـى طـرح بـعـضـهـاوالالـتـزام
بالبعض الاخر ما دام الجمع ممكنا اتباعا للقواعد
والـمـقـايـيس المتبعة في مجال
الروايات المتعارضة , حيث ان (الجمع مهما امكن اولى من الطرح ),
فـذكـر الامـام بـعض القواعد
العامة , وواصل ابو الاسود المسير في تفريعاتها وتطويرها واضافة
ابواب لها بتوجيه من الامام (ع ) وتاكيد
منه على ذلك , لانه تلميذه المتميز بالخبرة اللغوية , والذهنية
الوقادة , كما ذكرناعن خصائصه فيما سبق .


ويـؤيـد الـدكتور الدجني نسبة
وضع النحو لابي الاسود, ولكنه يشكك في نسبته للامام (ع ), ومن
جملة
ادلته في ذلك اضطراب الروايات الدالة على نسبة الوضع للامام (ع ).


ولـكـن اذا كـانـت الروايات مختلفة ومضطربة ـ بتعبير الدكتور
الدجني ((344)) آحول وضع
الامام (ع ) للنحو, فهي مختلفة
ايضا حول ابي الاسود, وطريقة المعالجة لهذا الاختلاف واحدة , كما
ذكـرنـاهـا, ثـم كـيـف يمكن لنا
انكاروتكذيب هذه الروايات الكثيرة وآراء القدماء, والكثير منهم
معاصرون لتلك الفترة , وبعضهم
من غير الشيعة , التي تؤكد على نسبة وضع اصول النحو للامام (ع )؟
كما لم يمكن انكارها بالنسبة لابي الاسود.


ومـا ذكره الدكتور الدجني من
قوله : (ومن يدري لعل ابا الاسود نفسه هوالذي نسب ذلك الى الامام
علي (ع ) ارضاء لنزعته الشيعية )
كيف يتلاءم مع ما ذكره من خصال ابي الاسود وصفاته , وهل يمكن
لـلامـام (ع ) مـوافـقـة ابـي الاسـود
وامـضـائه عـلـى ذلك , وهل يجوز انكار الحقائق التاريخية
والـنصوص المسلمة , او التشكيك
فيها بمثل هذه الاجتهادات والظنون , وعلى كل حال ففيما ذكرناه
خـلال هـذه الـدراسة حول الامام (ع )
وفيما ذكره العلماء من مختلف المذاهب يكفي في مناقشة هذه
الشبهة .


ولكن هناك من ينكر نسبة
النحو للامام (ع ) على اعتبار ان الاخباروالروايات التي تثبت نسبة النحو
لـلامـام (ع ) هي من وضع الشيعة
الذين يحاولون نسبة كل علم لائمتهم (ع ) او اصحابهم , واتباعهم ,
فهي موضوعة لسبب مذهبي .


فـيقول احمد امين : ((واخشى
ان يكون ذلك من وضع بعض الشيعة الذين ارادوا ان ينسبوا كل شي ء
الى علي
واتباعه )) ((345)) .


ويقول سعيد الافغاني : ((وفي النفس
شي ء من نسبة الاولية في وضع النحووسائر العلوم لعلي بن ابي
طالب )) ((346)) , ويقول الدكتور
الدجني : (نحن نعلم ان الشيعة يتعصبون للامام علي , ويحاولون
بكل وسيلة ان ينسبوا اليه كثيرامن العلوم والاحاديث وغير
ذلك ) ((347)) .


ونناقش هذا الراي :
1 ـ انـنـا لو نسبنا تهمة الوضع
للروايات التي تنسب وضع النحو للامام (ع )لامكن لنا ان ننسب نفس
التهمة للروايات التي تسنده
لابي الاسود, اذ كان ابو الاسود ـ باعتراف الجميع ـ من اقطاب الشيعة
وكـبـارهـم , اذا فـلـنـتـهـم
هـذه الروايات بالوضع ايضا, بالاضافة الى ان ابا الاسود ادنى درجة
مـن الامام (ع ) علميا وفكريا وادبيا
ولغويا ـ وهما من عصر واحد ـ فتكون التهمة بالنسبة اليه اشد
مـنـها بالنسبة للامام (ع ) لما
يملكه الامام (ع ) من المؤهلات التي تفوق مؤهلات ابي الاسود في هذا
المجال .


2 ـ ان الـروايـات التي تنسب
وضع النحو للامام (ع ) اكثر رواتها ورجالها من غير الشيعة , واكثر
الـمـصادر التي ذكرتها غير
شيعية , بل اكثر من قال بنسبة النحو للامام (ع ) والتزم بهذا الراي من
غـير الشيعة , فلو كان فيها اقل ريب
اوشبهة لحاول الكثير الطعن فيها او اغفلها, مع محاولة الكثير
الـتكتم او الطعن في الروايات الشيعية ,
فلا بد ان تكون هذه الفضيلة والنسبة قد بلغت حداكبيرا من
الـشـيـوع والانتشار والواقعية بحيث
لا يمكن للكثير اغفالها او الطعن فيها, وليس لهم الا التسليم
لـلامـر الواقع , فذكرهم للروايات
والاراء في كتبهم دليل على عدم وجود مغمز فيها, ودليل على
وصـولـهـا الـى الـحد الذي لايقبل
الطعن والزيف والوضع , يقول محمد الطنطاوي بعد ذكر موجة
العداءللشيعة : ((فكيف يدعون
امرا خطيرا كهذا يمضي على كر الزمان , ويخلد في بطون الاسفار,
وهم احر الناس على الغض من
شان العلويين وشيعتهم , ولاسيما في مثل هذا الشان ذي البال والاثر
الخالد)) ((348)) ومراده من الامر هونسبة وضع النحو للامام (ع ) ولابي الاسود.


3 ـ ان الـشـيعة يدعون ان اكثر
العلوم منسوبة لائمة اهل البيت (ع ) واتباعهم ,والحقائق التاريخية
تـثـبـت ذلـك ولا يدعون ذلك
جزافا بدون ادلة مقنعة وقوية , اذ تدل الروايات الصحيحة والحقائق
التاريخية التي يذعن بها حتى مخالفيهم
على نسبة اكثر العلوم اليهم ((349)) فلا يوجد هناك مبرر
لاسـتثناءالنحو منها, وهناك عوامل
كثيرة ادت الى نشاة اكثر العلوم على ايدي الشيعة ليس هنا مجال
ذكـرهـا, ومـنـهـا ان الـشيعة
تفرغوا اكثر للاعمال الفكرية والثقافية وبذل جهودهم في مثل هذه
المجالات لاكثر من سبب دفعهم لذلك .


4 ـ وبـالاضـافـة لـذلك
كله , ما ذكرناه في موضوع ((الاختلاف في الوضع )) من كثرة الروايات
والاراء, ومـن دلالة ((نهج
البلاغة )) وغيرها على ذلك , فمن الروايات ما ذكره الحافظ ابن كثير
في ذيل تفسيره ((فضائل
القرآن )) ص 15ـ طبع في ذيل المجلد الرابع ـ ((قد توجد مصاحف على
الـوضع العثماني يقال انها بخط
علي2 وفي ذلك نظر.


قال في بعضها: (كتبه علي بن ابي طالب )وهذا
لـحـن مـن الكلام , وعلي2 من ابعد
الناس عن ذلك فانه كما هوالمشهور عنه هو اول من وضع علم
الـنـحـو ـ فـيـما رواه عنه
ابو الاسود ظالم بن عمرو الدؤلي ـ وانه قسم الكلام الى : اسم وفعل
وحـرف , وذكـر اشـياء
اخرتممها ابو الاسود بعده , ثم اخذ الناس عن ابي الاسود فوسعوه فصار
عـلمامستقلا)) وهو يؤكد ما ذكرناه
من الجمع بين الروايات المختلفة في هذا المجال ,وعن بدائية
النحو الذي وضع .


وقـال ابـن جني في الخصائص 2
/ 8 ـ الطبعة الحديثة , تحقيق محمد علي النجار ـ : ((وروي من
حـديـث عـلي2 مع الاعرابي
الذي اقراه المقرى (ان اللّه بري ء من المشركين ورسوله ) حتى قال
الاعرابي : برئت من رسول
اللّه فانكر ذلك علي (ع ) ورسم لابي الاسود من عمل النحو ما رسمه ما
لا يجهل موضعه .


.


.


)).


وغيرها من الروايات التي ذكرنا
بعضها في هذه الدراسة , وهناك كثير لم نذكره ـ يراجع في الكتب
ـ كلها تؤكد على دور الامام (ع ) في وضع النحو.


زمن الوضع ومكانه :
يبقى هنا زمن اكتساب ابي الاسود النحو من الامام (ع ) ومكانه .


هناك روايات عديدة تصرح
بان ابا الاسود كان قد اخفى النحو حيث اكتسبه من الامام (ع ) بالاضافة
الـى ان ((الـكـثـير من المؤرخين
يشير الى انه حين اخذ العلم من الامام علي او وضعه من نفسه لم
يخرجه
الى احد)) ((350)) .


ومـن ذلـك مـا قاله ابو عبيدة
معمر بن المثنى ((اخذ ابو الاسود عن علي بن ابي طالب (ع ) العربية
فـكـان لا يـخرج شيئا مما
اخذه عن علي بن ابي طالب (ع )الى احد حتى بعث اليه زياد: اعمل شيئا
تكون فيه اماما ينتفع
الناس به )) ((351)) .


ونحن لا نستبعد هذا الراي
لاننا نعلم ان ابا الاسود اكتسب النحو من الامام (ع ) حين جاء الامام (ع )
الـى الـعراق ـ كما ذكرت
ذلك بعض الروايات التي ذكرنا قسما منها في فصول هذه الدراسة ـ ولا
يـمـكـن ان يـكـون مـثـل
هـذاالاكـتساب قد حصل حين كانا في المدينة , اذ اتصلت بوضع النحو
بـعـض الـحوادث , كشيوع
اللحن مثلا الذي كان منتشرا في العراق بعد انتشارالاجانب فيه وتوسع
الـبـلاد الاسلامية واختلاطهم
بالشعوب والثقافات الاخرى , بالاضافة الى انه ليس هناك من مبرر
وسـبب يفرض التكتم على النحو
واخفائه خلال هذه المدة من حين اكتسابه من الامام (ع ) حين كان
في المدينة يتعلم ويدرس الثقافة
الاسلامية على يد الامام (ع ) الى حين ولاية زياد في ايام معاوية .


فـالـراي الـراجح هو ان
ابا الاسود اكتسب القواعد الاساسية للنحو من الامام (ع ) حين مجيئه الى
العراق , وبعد ان لمس انتشار اللحن
وادرك اخطاره الكبيرة وخصوصا في المجال الديني .


ولكن هناك
عـوامـل كـثـيـرة ادت الـى اخـفائه
ـ سنذكر بعضها في موضوع التنقيط ـ ولعل منها ظروف تلك
الـمـرحلة المثيرة الصاخبة
التي ادت الى عدم الاعلان عنه الى ان تهدا الاجواء, لان اباالاسود كان
مـشاركا ايضا في شتى المهام
والانشطة العسكرية والسياسية والاجتماعية في تلك المرحلة ـ كما
ذكـرنـا ذلك في ترجمته
ـ ولكن بعد شهادة الامام (ع ) في محراب مسجد الكوفة , وحين هدا الجو
لابـي الاسـود ولـم
تـعـدالحوادث والمناصب تستغرق اوقاته حينذاك ـ كما ذكرنا في ترجمته ـ
تـفرغ الى البحث والدراسة
واظهر ما اكتسبه من الامام (ع ) بعد الحاح الحاجة والضرورة الى ذلك ,
ولم يكتف بما اكتسبه من الامام (ع )
بل حاول التوسع فيه جهد طاقته وبما يملكه من فكر وثقافة .


وقد ذهب الدكتور الدجني الى
ان ابا الاسود وضع النحو في عهد الامام (ع ),ولكنه اظهره بعد ذلك .


يـقول : (كان ابو الاسود قد عمل
شيئا في النحو العربي في عهد الامام علي ولم يظهره الا في حالة
اضـطـرارية عندما راى اللحن فاشيا
ورغبة في تحقيق امل زياد بن ابيه ) ((352)) .


وما ذكره من
تـاريـخ الوضع ,وتاريخ اظهاره لا
يبعد صحته , الا اننا ذكرنا مناقشتنا له في رايه ان الواضع هو ابو
الاسود وحده , كما ان
ما ذكر من ان اظهاره كان بسبب الاستجابة لرغبة زياد بن ابيه , ليس صحيحا,
فـان اظـهـاره كان بسبب تفشي
اللحن ,ورفع الاجواء التي ذكرنا بعض ظروفها في موضوع تنقيط
الـمـصـحف الشريف , ويؤيد
ما ذكرناه ما ذكره السيد الامين (واراد زياد منه ـ اي ابي الاسود ـ ان
يـكـتـب فـي ذلك ـ في النحو
ـ كتابا فلم يقبل الى ان سمع قارئا يقرا:(ان اللّه بري ء من المشركين
ورسوله بكسر لام رسوله ) فوضع كتابا في النحو وهو اول كتاب
كتب ) ((353)) .


وحين كان يجلس في مسجد
البصرة ويتردد عليه بعض طلاب الثقافة اوحين كان يجتمع مع الناس
في كل مكان كان
يعرفهم حينذاك على هذه الفكرة الجديدة وعلى كيفية ولادتها.


ونـحـتـمـل اخـيـرا
ان الامـام (ع ) حين اقصي عن الخلافة بعد وفاة الرسول (ص ),حيث تجاهل
الكثيرون تلك النصوص والتاكيدات
الكثيرة من الرسول (ص )على خلافة الامام علي (ع ) وولايته
ووصـايته , وتقدمه على الاخرين ,
في علمه , وجهاده , ودينه , وغيرها, فانما كان ذلك لاسباب , ليس
هـنـا مـوضـع ذكرها, والبحث
عنها.


تجاهلوا هذه الاحاديث والتاكيدات , وتجاهلوا فضل الامام (ع )
وتـقـدمـه , فـاقـصي
عن الخلافة , واغتصب حقه , وبذلك تفرغ الامام (ع ) اكثر من اي وقت آخر,
للانشطة الثقافية والفكرية والعلمية ,
فربى في تلك الفترة جماعة من الصحابة والتابعين , تعلموا على
يـديه مختلف المجالات الثقافية , كما
انه كان مرجعا للخلفاء في الكثير من القضايا والمسائل وقد ذكر
انه اهتم بجمع القرآن الكريم
وتفسيره , وهذا الاهتمام منه في المجالات الثقافية , عرفه على بعض
القضايا والمسائل , وخاصة تلك المسائل
التي ربماكان عدم الاهتمام بها, مما له خطره على الشريعة
الاسـلامية , والقرآن الكريم ,والسنة
النبوية , ولعل منها النحو, وتحريك القرآن الكريم , وتفسيره
وبـعـض الـمـسـائل الـفقهية
والعقائدية وغيرها, سواء كان هذا الاهتمام منه , او من بعض اصحابه
الـمقربين , بتوجيه وتعليم من
الامام (ع ), كما يلاحظ ذلك في الكتب التي بحثت عن الحركة العلمية
والـثـقـافـيـة عند الامام (ع )
واصحابه , حيث ذكرت بعض الانشطة والاعمال الثقافية , والمؤلفات
والـكـتـابـات لـه , اولاصـحـابـه .


اذن فـالامام (ع ) كان اكثر تفرغا خلال الفترة التي عاشها بعد
وفـاة الـرسـول (ص ) الى زمان
خلافته , مما وفر له الظروف المناسبة للاهتمام بالكثيرمن القضايا
الـثـقـافية , يضاف لذلك ما يتمتع
به الامام (ع ) من علم زاخر,وذهنية كبيرة يشهد له الجميع بذلك ,
بـغض النظر عن علمه الموهوب
من اللّه , مما عرفه هذا الاهتمام على بعض المسائل التي ربما كان
المعالم الرئيسية لهذه الحلول ليواصلوا
هم او غيرهم من ابناء الاجيال اللاحقة البحث عنها, والتوسع
فيها, وتطويرها.


ولـسنا في مجال الحديث عن
الشبهات التي اثيرت حول نهج البلاغة ,والجواب عنها, فان هذه الكتب
الـقـيمة قامت بهذه المهمة خير
قيام ,وناقشت هذه الشبهات بروح علمية وموضوعية وفندتها بقوة ,
ويـلـزم عـلـى الـقارى مراجعتها
من اجل التعرف على واقع الشبهات التي اثيرت حول وضع النحو,
والجواب عنها, ليعرف ان
بعض الافراد الذين اعترضوا على وضع الامام (ع ) او ابي الاسود للنحو,
هـم بـانـفـسـهـم قد اعترضوا
على نسبة نهج البلاغة للامام علي (ع ) امثال احمد امين , والاهداف
والـشـبـهـات متشابهة ,
كما ان الاجوبة متشابهة .


وحين نراجع في هذا المجال كتاب ((مصادر نهج
البلاغة )), نرى ان الشبهات
التي اثيرت حول نهج البلاغة تشابه كثيرا الشبهات حول وضع النحو,
كـمـا انـه مـن الاجوبة التي
ذكرها هذاالكتاب وغيره لهذه الشبهات يظهر الجواب عن الكثير من
الشبهات التي اثيرت حول وضع النحو بصورة علمية موضوعية .


والـمـلاحـظ ان قصة الشبهات
التي اثيرت حول نسبة ((نهج البلاغة ))للامام (ع ), اذ انهم نسبوه
لـلشريف الرضي , هذه الاسطورة
قد قضي عليهااخيرا على ايدي بعض الكتاب المؤمنين المخلصين
الـذيـن قاموا بدراسات واعية
وبحوث احصائية اءثبت من خلالها اءن ((نهج البلاغة )) لايمكن اءن
يـكـون مـن انشاء الشريف
الرضي , وذلك لوجود اكثر الخطب والاحاديث في مصادر وكتب متقدمة
زمـيـنـا عـلى زمان الشريف
الرضي , اذا فاذا ثبتت صحة نسبة ((نهج البلاغة )) للامام (ع ) لما في
((نهج البلاغة )) من تعريفات وتقسيمات
ومصطلحات وافكار عالية المضامين والمعاني دل ذلك على
ابداع وعلى قوى فكرية هائلة .


ونحن نلاحظ ان القرآن الكريم
يشتمل عى الكثير من التقسيمات والمضامين السامية , فلا يستغرب
صدور مثل هذه التقسيمات والابداعات
في تلك الفترة الزمنية من الامام (ع ) وهو تلميذ القرآن , الذي
عـايـش الـقـرآن الـكريم منذ
صغره , وكذلك نلاحظ وجود التقسيمات والتعريفات والمصطلحات
في الاحاديث النبوية , فلا غرابة
في ان يتعلم منها من نشا وعاش في اجوائها,وخاصة الامام (ع ) الذي
يملك من القوى الفكرية الزاخرة ما يشهد به الجميع .


ولـيـس الـشيعة وحدهم يعترفون
بهذا الراي , بل هناك احاديث وآراء من اهل السنة تثبت هذا العلم
الـواسع الزاخر للامام علي (ع )
موجودة في كتبهم وصحاحهم .


كل ذلك يدل على ان الامام (ع ) كان
يمتلك علما يتميز به عن الاخرين .


مع
الاعتراض الخامس
ونناقش فيه الراي الذي يذهب اليه
المعارضون ان المراد من العربية او النحوـ في الروايات ـ هو
تحريك المصحف الشريف بتنقيطه وليس النحو بمعناه المصطلح .


وقـبـل ان نـدخل في مناقشتنا
لهذا الراي يجدر بنا ان نبحث حول عملية تحريك المصحف الشريف
بالتنقيط التي قام بها ابو الاسود باجماع القدماء.


فـتـذكـر ـ في الكتب والمصادر
القديمة والحديثة ـ الطريقة التي ابتكرها ابوالاسود في تحريك
الـمـصحف الشريف وهي في
واقعها الاساس للحركات الاعرابية التي تعتمد على المعرفة النحوية
واللغوية وتدل ايضا على قوة الابداع
والابتكار التي يملكها ابو الاسود وهو يؤكد اكثر ابداعه لعلم
الـنـحـو,فيقول ابو العباس المبرد عن ابي الاسود: ((اول من نقط
المصاحف )) ((354)) ,ويقول
الـسيرافي : ((كان ابو
الاسود لا يخرج شيئا مما اخذه عن علي بن ابي طالب (ع ) الى احد حتى بعث
اليه زياد وقال له : اعمل شيئا
لتكون فيه اماماينتفع به الناس وتعرب به كتاب اللّه , غير ان ابا الاسود
رفـض حـتـى سمع قارئا يقرا:
(ان اللّه بري ء من المشركين ورسوله ) فقال : ما ظننت ان امرالناس
يـصـل الـى هذا, فرجع الى زياد فقال : انا
افعل ما امر به الامير فليبغني كاتبا لقنا يفعل ما اقول , فاتي
بـكاتب من عبد القيس فلم يرضه ,
فاتي باخر,وقال ابو العباس : احسبه منهم , فقال له ابو الاسود: اذا
رايـتـني فتحت فمي بالحرف
فانقط نقطة بين يدي الحرف , وان كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف ,
فـان اتـبعت
شيئا من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين , فهذه نقط ابي
الاسود)) ((355)) ولعل
مـراده مـن الـنـقطتين هو التنوين
وان التنوين علامته نقطتان .


ويمكن ان يكون مراد السيرافي من
(الـشـي ء) فـي قوله :
((كان ابو الاسود لا يخرج شيئا مما اخذه عن علي بن ابي طالب (ع ))) هو
تنقيطالمصحف , ويمكن ان يكون النحو.


((ومـن كـتاب المطالع السعيدة
لجلال الدين السيوطي قال : واخرج ابن الانباري من طريق العتبي ,
قال : كتب معاوية الى زياد يطلب
عبيد اللّه , فلماقدم عليه كلمه , فوجده يلحن , فرده الى ابيه , وكتب
الـيه كتابا يلومه فيه ,ويقول :
امثل عبيد اللّه يضيع ؟ ان هذه الحمراء ـ واراد بهم العجم
لغلبة الحمرة على الوانهم ـ قدافسدت السن العرب , فلو وضعت
شيئا يصلح به الناس كلامهم
ويعرب به كتاب اللّه , فابى ذلك ابو الاسود, فوجه زياد رجلا, فقال له :
اقعد في طريق ابي الاسود فاذا مربك
فاقرا شيئا من القرآن وتعمد اللحن فيه , ففعل ذلك ,فلما مر به
ابو الاسود رفع صوته يقرا
(ان اللّه بري ء من المشركين ورسوله )فاستعظم ذلك ابو الاسود فقال :
عز وجه اللّه ان يتبرا من رسوله ,
ثم رجع من فوره الى زياد, فقال : قد جئتك الى ما سالت , ورايت ان
ابدا باعراب القرآن ,فابعث
الي ثلاثين رجلا, فاحضرهم زياد, فاختار ابو الاسود عشرة , ثم لم يزل
يـخـتارهم حتى اختار منهم
رجلا من عبد القيس , فقال : خذ المصحف وصبغا يخالف لون المداد, فاذا
فـتـحـت شـفـتي فانقط واحدة
فوق الحرف , واذاضممتهما فاجعل النقطة الى جانب الحروف , فاذا
كـسـرتـهـما فاجعل النقطة
في اسفل الحرف , فان اتبعت شيئا من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين ,
فابتدابالمصحف حتى اتى على آخره , ثم وضع المختصر المنسوب اليه
بعدذلك )) ((356)) .


وهـنـاك روايـات وآراء
اخـرى تـؤكد نسبة التنقيط لابي الاسود, وان كان هناك بعض الاختلاف
الـضئيل في متون هذه الروايات , ولكن
لو تاملنا فيهالراينا عدم تعارضها واختلافها, اذ يمكن الجمع
بينها.


والـملاحظ ان هذا العمل من
ابي الاسود قد تم في زمان زياد ومعاوية ـ كماتؤكده الروايات ـ وان
ابا الاسود كان عالما به قبل هذا
الزمان , وربما كان بتعليم وتوجيه من الامام (ع ) كما تحتمله عبارة
السيرافي ـ وكما سنذكره بعدذلك
ـ ولكن بالرغم من علمه بذلك في زمان سابق فان ابا الاسود كان
يـخـفيه وكان به ضنينا, ويمكن
ان نحتمل اسبابا كثيرة ادت الى اخفائه والى تاخيراظهاره الى زمان
زياد ومعاوية , اذ يمكن ان نرجع ذلك الى الاسباب التالية :
فربما كان السبب في التاخير
الظروف السياسية والاجتماعية والحربية الصاخبة آنذاك في الفترة
التي عاشها امير المؤمنين (ع ) حيث لم تسمح له بنشر هذا العمل .


وربـمـا كـان الـسـبب هو المنع
الذي كان مفروضا على التدوين والكتابة عامة ,وخاصة بما يرتبط
بـالشريعة الاسلامية , وبالاخص
على اصحاب اميرالمؤمنين (ع ) ومواليه وشيعته , خوفا من كتابة
ونـشـر بـعـض الكتابات التي ترفع
من شان اهل البيت (ع ) وتحط من اعدائهم ومخالفيهم , فالشيعة
كـانـوامطاردين في تصرفاتهم واقوالهم
وكتاباتهم , لذلك لم تسمح السلطة بامثال هذه الاعمال منهم ,
فـربـمـا لـو كان ابو الاسود يبدا
بهذا العمل من نفسه لم يكن له مثل هذا الانتشار والتاثير, وربما
حـاربـته السلطة الحاكمة , ولكنه
كان ينتظر الفرصة المناسبة التي يشعر بها المسؤولون والحكام
انفسهم بخطراللحن على الامة وبالحاح
من الظروف والناس ليطلبوا منه او من غيره القيام بهذا العمل .


وربـمـا كـان حـجـة الـذين منعوا
من التدوين والكتابة بصورة عامة , وخاصة بمايرتبط بالشريعة
الاسـلامـية , هو الخوف من
اختلاطها بالقرآن الكريم ,وبذلك لا يحافظ على اصالة القرآن الكريم
وسلامته .


اذا فـكيف بمثل هذا العمل الذي
يتعرض بصورة مباشرة للقرآن الكريم ومحاولة تحريكه وتشكيله
واضـافـة بعض الكتابات فيه ؟ مما
يكون عامل المنع فيه اقوى , وهذه الحجة وان كان وراءها دوافع
واغراض
سياسية ,ولكن قد تذرع بها البعض للمنع من التدوين والكتابة .


او ان الـسـبب في ذلك عدم
انتشار اللحن في القرآن الكريم وفي كلام العرب ,وانما اخذ بالانتشار
والـذيـوع بعد اختلاط
العرب بغيرهم مما ادى الى ظهوراللحن باتساع والى الشعور اكثر بخطر
المشكلة .


او ان الـسبب هو احتياط بعض
المسلمين وتورعهم عن اضافة بعض الكتابات في المصحف الشريف ,
لانهم كانوا يشعرون بانه يلزم
الحفاظ على المصحف الشريف كما نزل على النبي (ص ) دون اضافة ,
ومن هنا كان تجنبه تورعا عن القيام
بمثل هذا العمل , ولكن بعد ان ادرك ان الضرورة الاسلامية تحتم
عليه القيام بهذا العمل قام به
خير قيام , وكما قال الدكتور شوقي ضيف :((كان ذلك عملا خطيرا حقا
فقد احاطوا لفظ القرآن الكريم بسياج يمنع اللحن
فيه )) ((357)) .


ويـقول الدكتور مازن المبارك :
((ومعنى وضع ابي الاسود لشكل المصحف انه وضع الضوابط التي
تـمـنـع الـقـارى مـن الزلل
او اللحن في القرآن , وهل للنحوغاية اخرى ابرز من حفظ اللسان من
الخطا؟ ((358)) .


وهناك عوامل اخرى ـ ربما
لا نعلمها ـ كانت السبب في تاخير ابي الاسوداظهار هذا العمل , وتشمل
بعض هذه الاسباب النحو ايضا, اذ تاخر ابوالاسود في الاعلان عنه ايضا.


امـا عـن وجود هذا المصحف
الذي شكله ابو الاسود, فهل هو موجود اوضاع كما ضاع الكثير من
كتب التراث ؟
ذكر السيد محسن الامين في
كتابه ((اعيان الشيعة )) انه راى في خزانة الكتب الشريفة الرضوية
مـصـحـفا بخط الامام امير المؤمنين (ع )
عليه مثل هذاالشكل والتنقيط, وهذا يؤيد ما ذكرناه ان ابا
الاسـود قـد تـلـقى تحريك المصحف
بالتنقيط من الامام امير المؤمنين (ع ) كما تلقى النحو منه , الا
ان نـقـول : ان تـحريك هذا
المصحف الشريف الذي كتبه الامام (ع ) بخطه قداضيف اليه من قبل ابي
الاسود او غيره ـ بعد كتابته ـ كما يحتمل ذلك السيدالامين .


يـقـول الـسيد محسن الامين
عن القرآن المنسوب خطه الى امير المؤمنين (ع ):((جزء من القرآن
منسوب الى خطه الشريف ايضا
ـ اي امير المؤمنين (ع ) آمن اول سورة هود الى آخر سورة الكهف ,
بـشـكـل ما نسميه سفينة
ويسميه الفرس بياضا, اي ان اسفل كراريسه من جهة العرض لا من جهة
الـطول ,وكذلك باقي المصاحف
التي رايناها, رايناه في خزانة الكتب الشريفة الرضوية في 12 ربيع
الثاني 1353, عند تشرفنا
بزيارة مشهد الرضا(ع )مكتوب على الجلد الرقيق الذي لا يفترق كثيرا
عـن الـكـاغـد بـخـط كـوفـي
غـيرمنقط, وعليه نقط بالحمرة مدورة هي علامات على الشكل ,
والظاهرتاخرها عن كتابته , فللكسرة
نقطة تحت الحرف , وللفتحه نقطة فوقه ,وللضمة نقطة امامه ,
واذا كـان فـي وسـط الـكـلـمـة
تـوضع النقطة بجانبه ,وللتنوين نقطتان فوقه للمنصوب , وتحته
لـلمخفوض , وامامه للمرفوع ,
اماالحرف الساكن فليس عليه علامة , وقد كانت المصاحف اولا غير
منقطة , لاللاعجام ولا للشكل .


واول مـن نـقـطها للشكل ابو
الاسود الدؤلي في امارة زياد, كان يقول للكاتب : اذا رايتني فتحت فمي
بـالحرف فانقط نقطة فوقه
على اعلاه , وان ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف , وان كسرت
فاجعل النقطة من تحت الحرف .


وذكره ابن النديم في الفهرست , وزاد ابن الانباري في نزهة الالباء:
فان اتبعت شيئا من هذه الحركات غنة
فانقط نقطتين , وهذا بعينه تنقيط المصاحف التي رايناها, وهو
يؤيد انها بخطوطهم (ع ), وفي آخره سطرين هكذا:
كتبه علي بن
ابي طالب
وجـلده مذهب , موضوع في
صندوق مذهب , كلاهما في غاية الاتقان ,مكتوب على جلده : وقف الشاه
عـبـاس الصفوي
سنة 1008, عدد اوراقه68 , سطور كل صفحة 15, طوله 34 سانتيما, عرضه
23 سانتيما, قطره 3سانتيمات ,
وكتب الشيخ البهائي على ظهره بخط يده ما صورته : هذا الجزءمن
الـقـرآن المجيد الذي
هو بشريف خط سيد الاوصياء, وحجة اللّه على اهل الارض والسماء, نفس
الـرسـول , وزوج الـبـتول ,
وابي السبطين , وامام الثقلين ,والمخصوص باختصاص انما وليكم اللّه ,
المعزز باعزاز من كنت مولاه
فعلي مولاه .


.


)) ((359)) .


ثـم يـذكـر الـسـيـد الامـيـن
انه توجد نسخة اخرى من القرآن الكريم بخطمنسوب للامام امير
المؤمنين (ع ) وهو ((كالجزء
السابق بجميع مميزاته سوى ان سوره غير سوره , ونقط قليلة خضر
مـن تـحـت وفـوق , واقـل منها
زرق غيرنقط الشكل الحمر لم نتحقق المراد منها, وفي آخره في
سطرين هكذا:
كتبه علي بن
ابي طالب
وقـد راجعت فهرس
مخطوطات خزانة الكتب الرضوية (استان قدس رضوى ) فرايت فيه نموذجا
مصورا عن هذا المصحف الشريف
بخط الامام امير المؤمنين (ع ), مع تعريف بهذه النسخ المخطوطة
القيمة , والملاحظ ان هذاالمصحف
لا يضم القرآن الكريم كله بل بعضه , فقد ذكر في هذا الفهرس
حـول هـذا المصحف (ان
هذا المصحف الشريف كتب فيه من اول سورة هود الى آخر سورة الكهف ,
كـتبه علي بن ابي طالب ,
بخط كوفي على الجلد الرقيق , في الصفحة الاولى وقف شاه عباس , بخط
وامـضـاء الشيخ البهائي ,
بتاريخ جمادى الاول سنة 1008, وعبارة الوقف (هو الحق هذا الجزء من
الـقـرآن الـمـجيد
الذي هو بشريف خط سيد الاوصياء وحجة اللّه على اهل الارض والسماء نفس
الـرسول وزوج البتول وابي
السبطين وامام الثقلين المخصوص باختصاص انما وليكم اللّه , المعزز
باعزاز من كنت مولاه فعلي مولاه :
سلام من الرحمن نحو جنابه ----- فان سلامي لا يليق ببابه
وقـف عـلـى الـروضـة الـمنورة
المقدسة الرضية الرضوية على ساكنها الف صلاة وسلام وتحية
والـواقـف هـو تـراب
اعـتابها والمفتخر بخدمة بابها اعني سيدسلاطين الزمان واشرف خواقين
الـدوران صـاحـب النسب
الموسوي الصفوي خلد اللّه تعالى ملكه واجرى في بحار النصر والتاييد
فـلـكه بمحمدوآله الطاهرين ,
وكان ذلك في شهر جمادى الاول سنة الف وثمان من الهجرة ,حرره
تراب اقدام
العتبة المقدسة الرضوية بهاء الدين محمد العاملي عفي عنه .


وكـل صـفـحة من هذا
المصحف الشريف فيها خمسة عشر سطرا, مع اعراب وتنوين بنقاط كبيرة
مـدورة مـكـتـوبة
باللون الاحمر, وحجم السطر: 5 / 6 25* سانتيمتر, وفي الصفحة الاخيرة
سـطـران وفـي السطر
الاول عبارة (كتبه علي بن ) وفي السطر الثاني عبارة (ابي طالب ) وعدد
اوراق المصحف كما
ذكرفي اعلى الصفحة الاولى (69) صفحة , ولكن الموجود (68) صفحة .


ونشر في هذا الفهرس
نموذجا مصورا من احدى صفحات هذا المصحف من سورة ابراهيم من الاية
(ع )3 الى الاية 42
((360)) , وننشر هذا النموذج في هذاالكتاب ونرمز اليه بالرقم (1).


كما انه في فهرس آخر
لمخطوطات المكتبة الرضوية , ذكر هذا المصحف الشريف ونشر نموذجا
مـصـورا لـه , وقال عنه :
(القرآن الكريم رقم 6, بخطكوفي , من اول سورة هود الى آخر سورة
الـكـهـف , مـكـتـوب على
الجلدالرقيق , وفي الصفحة الاخيرة (كتبه علي بن ابي طالب ).


وننشر
النموذج المصور
ايضا, برقم (2), وهو من سورة النحل , الاية : 36 الى الاية : 41.


ويلاحظ في هذين النموذجين
النقاط, كما ذكره السيد الامين , فقد تكون نقطة واحدة فوق الحرف ,
وهـي تـرمـز للفتحة ,
او نقطة واحدة تحت الحرف وهي ترمز للكسرة , او نقطة واحدة في جانب
الحرف
وهي ترمز للضمة , وقدتكونان نقطتين وهما يرمزان للتنوين .


وهـكذا نرى ان ابا الاسود كان قد
تلقى علومه من الامام امير المؤمنين (ع ),ولا عجب في ذلك فانه
مـن تـلامـذته واصحابه الموالين
والمخلصين ـ كما ذكرناه في ترجمته ـ, ولعله كان لديه مصحف
بخط الامام (ع ) مشكول بهذا الشكل ,وهو
الذي اخذه من الامام (ع ) وهو الذي كان به ضنينا ـ كما في
قول السيرافي ـ .


ويـجـب ان نـعـلـم ان ما قام
به ابو الاسود هو تشكيل المصحف الشريف بالنقط,اي تمييز حركاته
بـالنقط, كما بينا طريقته في ذلك ,
واما اعجام المصحف الشريف اي نقط الحروف المتشابهة فلم يقم
بـه ابـو الاسود, وانما قام
به بعض تلامذته وهو يحيى بن يعمر كما يحدثنا به التاريخ , ففي تهذيب
التهذيب (اول من نقط
المصاحف يحيى بن يعمر) ((361)) وذلك في زمان عبد الملك بن مروان .


يقول السيد حسن الصدر في كتابه
تاسيس الشيعة لعلوم الاسلام : (اول من وضع نقط المصف وحفظه
عـن الـتـحـريف ابو الاسود
الدؤلي صاحب اميرالمؤمنين (ع ).


قال عبد الواحد بن علي ابو الطيب
الـلـغـوي فـي كـتـاب مـراتـب النحويين :
((ابو الاسود اول من نقط المصحف .


وقال جلال الدين
السيوطي في كتابه المطالع
السعيدة : ان ابا الاسود الدؤلي اعرب مصحفا واحدا في خلافة معاوية ))
وكـذا في اكثر كتب التواريخ وغيرها,
وقد تقدم نقلها, وقيل :ان يحيى بن يعمر العدواني تلميذ ابي
الاسـود اول مـن نقط المصحف والاصح الاول ,
وايهما كان فالفضل للشيعة لانهما من الشيعة بالاتفاق
كما عرفت في ترجمتهما والنصوص على
ذلك ((362)) .


ولـكـن بـمـا ذكرناه آنفا ترتفع
المنافاة بين الرايين , فان ما قام به ابو الاسود هوتحريك المصحف
بالنقط, بينما
ما قام به يحيى بن يعمر هو اعجامه وتنقيطحروفه المتشابهة .


وبعد هذا الذي ذكرناه حول
عمل ابي الاسود في تحريك المصحف الشريف بالتنقيط, نعود لمناقشة
هذا الاعتراض , ومناقشته تكون على خطوات :

/ 11