ابو الاسود الدؤلی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ابو الاسود الدؤلی - نسخه متنی

هاشم محمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



وان نـاقـش الـبـعـض
فـي دلالـة بـعـض هـذه الامـارات عـلـى الـوثـاقة بمعناها المصطلح
بل على الحسن ((78)) .


ولـكن انكار وثاقته ـ بمعناها
المصطلح ـ لا ينافي جلالته ومدحه وقبول روايته , كما هوالملاحظ
في بعض علمائنا ورجالنا, حيث لم
ينص على وثاقتهم ولكن لم يسلب ذلك اعتبارهم وجلالتهم وقبول
روايتهم .


سيرته
خلال حياته : تمهيد:
هناك مراحل عديدة من حياة
ابي الاسود محاطة بالغموض , ورغم الحديث الطويل في مختلف الكتب
حوله الا انه لا يعدو ذكر بعض
اخباره , وليس هناك كشف تفصيلي واضح لهذه الحياة التي اعتقد بانها
كانت حافلة بمختلف النشاطات
الملائمة لمثل هذه الشخصية ,الا انني من خلال هذه الاحاديث سوف
اعطي صورة عن سيرته .


فابو الاسود رغم توجهه واهتمامه
الكبير بالمجالات الثقافية نراه قد شارك في الكثير من الحوادث
والانـشطة السياسية والاجتماعية
لتلك الفترة الحاسمة من تاريخ الاسلام , فلم يقتصر نشاطه على
الفكر والثقافة
فحسب , بل تجاوزه الى مجالات عملية اخرى سوف تعرفها في حينها.


ومـن الـجـديـر بـهـذه الـشـخصية
ان تشارك في مثل هذه الممارسات لما كان يملكه من خصائص
ومـؤهـلات , فـقـد وصف بالعقل
والذكاء والتدبير والفقاهة وغيرها مما يوجه له الانظار, او تحثه
تـوجـهاته على التفكير في مصير
الامة , ومما يفرض على ولاة الامور ان يسندوا اليه بعض المهام
التي تتلاءم ومؤهلاته واكثر ما وصفه
مترجموه انه كان متسمابالعقل وانه من العقلاء, ولعل مرادهم
من هذا التعبير حسن التصرف والتدبير
والحنكة في ادارة الامور ومعالجة القضايا, وقد نشا ذلك من
مـواهـب ذاتـيـة وراثية ,
ومن تربية جيدة , ومن خلال تجاربه في الحياة كما صرح بذلك نفسه .


قال
الجمحي في طبقات الشعراء (ص 39): ((وكان رجل اهل البصرة )).


يـقـول عـنـه ابـن
ابـي الـحـديـد: ((وكـان ابـو الاسـود الـدؤلـي مـن عـقلاء الرجال وذوي
الحزم والراي )) ((79)) .


ويقول عنه السيوطي : ((ومن اكمل الرجال رايا واسدهم عقلا, سريع
الجواب )) ((80)) .


ويقول اليافعي : ((من اكمل الرجال رايا وارجحهم
عقلا)) ((81)) .


وفي تهذيب التهذيب : ((وكان ذا دين وعقل ولسان وبيان وفهم وذكاء
وحزم )) ((82)) .


وفي شذرات الذهب : ((وكان عاقلا
حازما)) ((83)) .


ويقول عنه الجاحظ وهو يذكر
صفاته : ((ابو الاسود معدود في طبقات من الناس وهو في كلها مقدم
مـاثـور عـنـه الفضل في جميعها,
كان معدودا في التابعين والفقهاء والشعراءوالمحدثين والاشراف
والـفـرسـان والامـراء والـدهاة والنحويين والحاضري
الجواب والشيعة )) ((84)) .


وفي كتاب
البخلاء
(ص 30) قال الجاحظ عن ابي الاسود: ((وكان حكيمااديبا وداهيا اريبا)).


ولـهـذه الـمـؤهلات والخصائص
التي يمتاز بها ابو الاسود فليس من المستغرب ان تسند له بعض
المناصب المهمة آنذاك .


وقد وصل الى ما وصل اليه من
مؤهلات نتيجة لحبه للمعرفة , ولتجاربه في الحياة , ودقة ملاحظته
واستفادته من هذه التجارب ,
وفي شعره الكثير الذي يدل على تجاربه في الحياة , نذكر بعضه هنا:
فاني امرؤ اخشى الهي واتقي ----- معادي وقد جربت ما لم تجرب
ويقول :
وبلوت اخبار الرجال وفعلهم ----- فملئت علما منهم وتجاربا
فاخذت منهم ما رضيت باخذه ----- وتركت عمدا ما هنالك خائبا
ويقول ايضا:
الست تراني والتكرم شيمتي ----- وكل امرى ء جار على ما تعودا
اطهر اثوابي عن الغدر والخنا ----- وانحو الى ما كان خيرا وامجدا
اجود على المولى اذا دل حلمه ----- بحلمي وكان العود اتقى واحمدا
ويشير فيها الى فكرة
اخلاقية , وهي ان التعود والعادة تخلق الملكات النفسية وترسخها.


ويصف تجاربه في الحياة :
تعودت مس الضر حتى الفته ----- واسلمني طول البلاء الى الصبر
ووسع صدري للاذى كثرة الاذى ----- وكان قديما قد يضيق به صدري
اذا
انا لم اقبل من الدهر كل ما ----- الاقيه منه طال عتبي على الدهر
وينصح ولده بهذه النصائح والتوجيهات :
احبب اذا احببت حبا مقاربا ----- فانك لا تدري متى انت نازع
وابغض اذا ابغضت غير مباعد ----- فانك لا تدري متى انت راجع
وكن معدنا للحلم واصفح عن الخنا ----- فانك راء ما حييت وسامع
وكان ابو الاسود سريع الجواب ,والبديهة ,
وذكيا, ويجيد النكتة , وتذكر حكايات كثيرة عن سرعة
جوابه وذكائه , ونكاته .


كما
يلاحظ ذلك في الاغاني , وسننقل بعضها خلال هذه الدراسة , وقال عنه
الـسـيـد الـمـرتـضـى
فـي الامـالـي : ((وكـان ابـو الاسـود حـاضـر الجواب جيد الكلام مليح
البادرة )) ((85)) , وينقل في
الامالي : ((قيل له : انت واللّه ظرف لفظ وظرف علم ووعاء حلم غير
انك بخيل , فقال : وما خير
ظرف لا يمسك ما فيه )) وقال لبني قشير:((ما في العرب احب الي طول
بقاء منكم .


قالوا: ولم ذاك ؟ قال :
لانكم اذا ركبتم امرا علمت انه غي فاجتنبه واذا اجتنبتم امرا علمت
انه رشد
فاتبعه )) ((86)) .


ولكن تذكر في اخبار ابي الاسود
صفتان يمكن ان تعتبرا من مساوئه , وهما تزلفه للحكام والبخل , اما
تزلفه للحكام فسوف نبحث
عنه في فصل لاحق , واما البخل فالاخبار حول بخله كثيرة , بل اعتبر من
بخلاء العرب , ورويت عنه
حكايات في مختلف الكتب لا يخلوبعضها من اختلاق او تضخيم لمن تامل
فيها, ولعل في بعض شعره ما يدل
على وجود هذه الصفة فيه , ولكن حين نلاحظ اقوال مترجميه عن
تـدينه وحديثه نفسه في شعره ونثره عن
التزامه الديني , وكذلك في فخره بنفسه فانه لم يكن بخله
بـتلك الدرجة التي تنافي التزامه
الديني لان الجود والانفاق من صفات الكمال التي يحسن للانسان ان
يـتـمـتع بهاولكن بشرط الانفاق
في المجالات المشروعة والعقلائية وامتلاك القدرة المالية ايضا,
ولـعـل ابـا الاسـود كـان
اكـثر تشددا ودقة ومغالاة في تصور هذه المجالات ومحاولة بذل المال
فـيها,بحيث يحاول تحكيم
قناعاته وعقله في كل تصرف مالي , ليرى مدى صحة هذا التصرف بحسب
رايـه , وهـذه الحالة منه تخالف
العرف السائد آنذاك من الجود والانفاق , وفي شعره واحاديثه حول
الاقـتـصـاد والتصرفات المالية
تظهر منه هذه الحالة , ونحن لا ننكر انه كان مقتصدا في تصرفاته
الـمـالية بعد هذه الاحاديث
والاخبار الكثيرة حول بخله , ولكنه في شعره واحاديثه يحاول ان يبرر
هذه الصفة فيه بما يتوافق وقناعته وآراءه في الحياة .


والـحـادثـة الـتـالية تدل على ما
ذكرناه , حيث ينقل في الاغاني : ((كان بين بني الديل وبين بني ليث
مـنـازعـة , فـقتل بنو الديل
منهم رجلا ثم اصطلحوا بعد ذلك على ان يؤدوا دية ,فاجتمعوا الى ابي
الاسـود يسالونه المعونة على
ادائها, والح عليه غلام ذو بيان وعارضة ,فقال له : يا ابا الاسود, انت
شـيـخ الـعـشـيرة وسيدهم وما
يمنعك من معونتهم قلة ذات يدولا سؤدد, فلما اكثر اقبل عليه ابو
الاسود ثم قال له : لقد اكثرت
يابن اخي , فاستمع مني ,ان الرجل واللّه ما يعطي ماله الا لاحدى ثلاث
خلال : اما رجل اعطى ما له رجاء
مكافاة ممن يعطيه , او رجل خاف على نفسه فوقاها بماله , او رجل
اراد وجـه اللّه وما عنده
في الاخرة , او رجل احمق خدع عن ماله , واللّه ما انتم احد هذه الطبقات ,
ولا جئتم في شي ءمن هذا, ولا
عمك الرجل العاجز فينخدع لهؤلاء, ولما افدتك اياه في عقلك خير
لك من مال ابي
الاسود)) ((87)) .


ويقول ابو الاسود:
اكرم صديق ابيك حيث لقيته ----- واحب الكرامة من بدا فحباكها
ويقول :
ولا تطمعن في مال جار لقربه ----- فكل قريب لا ينال بعيد
وقـد حاول الدكتور الدجني
في كتابه ((ابو الاسود الدؤلي ونشاة النحو العربي )) الدفاع عن ابي
الاسـود, وانه لم يكن في الواقع
كما اشتهر عن بخله فيقول : ((ولم يكن غرضي نفي هذه التهمة او
ادافـع عـن شي باطل لاكون متحيزا
لابي الاسود, بل الامانة العلمية لها حقها اذاننا نقول الحق : ان
الـدؤلـي لـم يـكـن كريما كما يقول ,
ولم يكن بخيلا كما تقول الرواية , فانه كان وسطا بين هؤلاء,
ويـنطبق عليه قوله : (والذين اذا انفقوا
لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما), وقوله تعالى :
(ولا تـجـعـل يدك مغلولة الى
عنقك ولا تبسطها كل البسطفتقعد ملوما مدحورا) وانني وقفت هذا
الـمـوقـف من هذا الموضوع
وجعلت ابا الاسود في مركز الوسط, ليس بخيلا ولا كريما كما دلتنا
على
ذلك آثاره الشعرية , ومعاملته مع الخلفاءوالولاة والبيع وغير
ذلك )) ((88)) .


ويستعرض الدجني الحكايات المنقولة
عن بخله ويناقشها بالضعف والوضع او بعدم دلالتها على بخله .


طفولة
ابي الاسود: لـم اجد من المؤرخين من
يتحدث عن طفولته , وعن اسرته بل بدا الحديث عنه وبصورة واسعة بعد
اتـصاله بالامام علي (ع ) وخلال
خلافته بالذات , ولكن هذا الانسان الذي يملك هذه المواهب لابد ان
تـكـون له طفولة متميزة , ونشا
في بيئة واعية غرست فيه هذاالتطلع للمعرفة , وزودته بمثل هذه
الثقافة والقدرات التي ظهرت خلال حياته .


اسرة
رفيعة : فـهـناك رواية يذكرها صاحب
((الاغاني )) تشير الى هذا المعنى يقول : ((كان بين الديل وبين بني
لـيـث منازعة , فقتلت بنو الديل
منهم رجلا, ثم اصطلحوا بعد ذلك على ان يؤدوا ديته ,فاجتمعوا الى
ابـي الاسـود يـسـالونه المعاونة على
ادائها, والح عليه غلام منهم ذو بيان وعارضة , فقال له : يا ابا
الاسود,
انت شيخ العشيرة وسيدهم , وما يمنعك من معاونتهم قلة ذات يد ولا
سؤدد)) ((89)) .


فـهـذه الرواية توضح لنا ان ابا الاسود
لم يكن عضوا مهملا في عشيرة بني الديل , بل كانت له مكانة
مـرموقة فيها, ولست ادري
هل اكتسب مكانته هذه من خلال ثقافته ومنزلته الاجتماعية التي حصل
عـلـيـها بعد دخوله الاسلام
او ان اسرته بالذات كانت تملك مثل هذه المكانة في العشيرة حتى قبل
دخـوله الاسلام ؟ والذي ارجحه
هو الثاني لما يظهر من هذه الرواية نفسها ان نسبه ونسب اسرته
كـان رفـيعا وللوضع العشائري
الذي يرفع اصحاب الاسر الرفيعة , ولعل كلام الجاحظ السابق يدل
على شرف اسرته .


ويؤكد هذا المعنى الدجيلي حين يعلق
على الرواية السابقة : ((ولا يكون في مثل هذه المكانة عندهم
الا اذا كـان فـي سـنـام
الـعـشـيـرة وعـلى راسها في الشرف وعمود النسب وشدة الباس وسداد
الراي )) ((90)) .


ولـو تـصـفـحـنـا ديوانه لراينا
وجود بعض الابيات التي يشير فيها الى مكانته ومكانة اسرته في
عشيرته , فمنها قوله :
وما ولدت امي من القوم عاجزا ----- ولا كان ريشي من ذنابى ولا لغب
ولا كنت فقعا نابتا بقراره ----- ولكنني آوي الى عطف رحب
ومنها قوله :
واني
ليثنيني عن الجهل والخنا ----- وعن شتم ذي القربى خلائل اربع
حياء واسلام وتقيا وانني ----- (كريم ) ومثلي قد يضر وينفع
طفولة
واعية : لا توجد نصوص تاريخية حول
طفولته , ولكن ربما نكتشف من سيرته في كبره ان اباالاسود لم يكن
طـفلا خاملا بل كان محبا للاطلاع
والمعرفة , ويتساءل ليتزود بالثقافة ,وهذه الرغبة والتلهف بقي
مـلازمـا لـه حـتى
اواخر ايامه حيث يروي صاحب ((الاغاني )) ان ابا الاسود كان يخرج في ايام
مـرضـه خـارج بـيته
((فقال له رجل : يا ابا الاسود, اراك تكثرالركوب وقد ضعفت عن الحركة
وكـبرت , ولو لزمت منزلك
كان اودع لك , فقال له ابوالاسود: صدقت , ولكن الركوب يشد اعضائي
واسمع من اخبار الناس ما لم اسمعه
في بيتي )) ((91))
وقـد ذكـرنـا بـعـض ابـيـاتـه
الشعرية حول تجاربه في الحياة وحول تطلعه الغريزي للمعرفة
الـتي رسخت فيه الملكات والصفات
النفسية , ويشير في شعره الى كثرة ما استنتجه من الحكم خلال
دراسـته للناس والحياة , والحصول
على الثقافة آنذاك لا يتوقف على دراسة لدى اساتذة , بل يكفي ان
يـكـون الانسان متطلعا للمعرفة ومحبا
للثقافة وان يكون واعيا وذكياليتوصل الى ذلك , ومن مستقبل
ابـي الاسـود ربـمـا نكشف انه
لم يكن طفلا خاملا, بل كان يتساءل و يبحث ليطلع ويتزود بالثقافة
المتعارفة آنذاك , فبحكم قابلياته وبحكم
نشاته في البادية ومخالطته ايضا لقبيلة هذيل مثال الفصاحة
الـعـربية قد اثر كل ذلك على لسانه وسلوكه ,
فثقافته اللغوية والادبية الواسعة لعلها تنبى انه عاش
بـيـئة واعـية وانه كان طفلامتطلعا
واعيا, فحين جاء الى المدينة جاء ليواصل هذا البحث الذي بدا
حـيـن كـان فـي قـبـيـلـته
ولم يقتصر على مجالات الادب واللغة فحسب , بل توسع في ذلك حين
ظهرت مجالات اخرى للثقافة
يعترف بها المجتمع آنذاك كالقراءة والفقه والحديث وغيرها.


حياته
في ظل الاسلام : فـليس لدينا ـ اذا ـ ما يشير
الى طفولة ابي الاسود الا هذه المؤشرات التي تعرفنا ـ ولو من بعيد ـ
عـلـى طـفولته , وحين ناتي الى
دور المراهقة وبدايات الشباب نراه ايضا يكاد يكون مفقودا, وفجاة
نـراه يـظهر في زمن خلافة
عمر كما في بعض رواياته , اما في زمن الرسول6 او في زمن ابي بكر
فليس له اي ذكر في كتب التاريخ ,
ولعل هذا ما يؤكدالقول ان ابا الاسود نزح الى مكة والمدينة بعد
وفاة الرسول6 .


ولـكـن هـنـاك روايـة يـذكرها
ابن ابي الحديد حول واقعة السقيفة , ولست ادري هل كان معاصرا
ومـشاهدا لهذه الواقعة , ام انه سمعها
من غيره ؟ ولعل هذا يؤكد وجوده في المدينة حين السقيفة لو
كان مشاهدا لها, وقد ذكرها
ابن ابي الحديد في موضعين من كتابه ((92)) :((قال ابوبكر احمد بن
عـبـدالعزيز, واخبرنا ابو
زيد عمر بن شبة , قال : حدثنا ابراهيم بن المنذر, عن ابن وهب , عن ابن
لهيعة , عن ابي الاسود, قال :
غضب رجال من المهاجرين في بيعة ابي بكر بغير مشورة , وغضب علي
والزبير فدخلا بيت فاطمة3
معهما السلاح ,فجاء عمر في عصابة , منهم اسيد بن حضير وسلمة بن
سـلامة بن وقش ـ وهما
من بني عبد الاشهل ـ فصاحت فاطمة3 وناشدتهم اللّه , فاخذوا سيفي علي
والـزبـيـر فـضـربوابهما
الجدار حتى كسروهما, ثم اخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا, ثم قام
ابوبكر فخطب الناس واعتذر اليهم ,
قال : ان بيعتي كانت فلتة وقى اللّه شرها, وخشيت الفتنة , وايم
اللّه مـاحـرصـت عليها
يوما.


.


.


)).


وهناك رواية يذكرها البحار عن ابي الاسود حول مقتل حجربن
عـدي واصحابه في مرج عذراء,
رواه ابن وهب عن ابي لهيعة عن ابي الاسود, قال :((دخل معاوية
على
عائشة .


.


.


)) ((93)) .


ابو
الاسود في البصرة : وقـد بقي في المدينة سنوات
صاحب فيها الصحابة يغترف منهم وخاصة الامام عليا(ع )شتى صنوف
الـثقافة والمعرفة , وربما نكتشف
بقاءه في المدينة مدة , قبل هجرته للبصرة ,من خلال ما ذكروه من
شـيوخه في القراءة , والحديث , فان
بعض هؤلاء ممن لم يكن في البصرة , بل كان في المدينة , فيكون
ابو الاسود قد تعلم على ايديهم هناك .


وقد ذكرنا سابقا انه يظهر من
رواية ان قدومه للمدينة كان في عهد خلافة عمر وربماكانت هناك
مـرات عديدة اتى فيها المدينة , وليست
هذه هي المرة الاولى , ولكن يظهر منهاانه لم يكن حتى ذلك
الـوقت مستقرا
في المدينة , ولما ارتفع مستواه الثقافي هاجر الى البصرة في خلافة
عمر ((94))
كـمـا هـاجـر الـيـها والى غيرها
من الامصار كثير من الصحابة والتابعين , هذا ما يذكره كثير من
الـمؤرخين , اما دوره وعمله في
البصرة آنذاك , وقبل خلافة الامام (ع ) فيكاد يغفله التاريخ , ولكن
صـاحـب ((الاغـانـي ))
يـذكـر: ((واسـتـعمله عمربن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن ابي
طالب )) ((95)) ولم
يذكر اين استعمل , واي منصب اسند اليه , ويقول صاحب ((خزانة الادب )):
(واسـتـعمله [اي الامام (ع )]
على البصرة بعد ابن عباس , وقبل هذا كان استعمله عمر بن الخطاب
وعـثـمان بن
عفان )) ((96)) ولعله
يقصد من ذلك منصب الولاية , لان الامام (ع ) كان قد جعله خلفا
لابـن عـبـاس والياعلى البصرة , كما
ان كلمة استعمله ـ من العمل والعامل ـ آنذاك كانت تطلق على
الوالي ,ولكن حين مراجعة تاريخ تلك
الفترة لم نجد من يذكر ان ابا الاسود كان واليا على البصرة ايام
عـمـر وعثمان , فلعله اسند اليه
بعض المناصب غير البارزة والا لسلطت عليه الاضواء,اما الولاية
فلم يقل بتولي ابي الاسود لها احد من المؤرخين لتلك الفترة .


وفـي ((انـبـاء الـرواة )) لـلقفطي
يذكر رسالة ارسلها عمر الى ابي موسي في البصرة : ((ليعلم
ابـوالاسـود
اهـل الـبصرة الاعراب )) ((97)) ولكن ما مقصوده من الاعراب ؟ فاذا كان المراد
مـنـه النحو, فهو بعيد لان النحو
ظهر متاخرا عن تلك المرحلة , وان قصد منه اللغة العربية ,فيمكن
القول بصحة هذا الراي لما يتمتع
به ابو الاسود من ثقافة واسعة في اللغة العربية وخاصة بعد فساد
اللغة على السنة العرب
نتيجة لاختلاطهم بسائر الشعوب , كما ذكرنا في بحث دور ابي الاسود في
الـنـحو انه ظهر فساد
اللسان في زمان خلافة عمر, وخاصة في البصرة المركز الحضاري , وقد
فـسـر مـحمد الانطاكي
(الاعراب ) بتفسير يوضح هذا المعنى وحمل عليه الاحاديث النبوية التي
ورد فـيـها لفظ الاعراب .


قال : ((ان ما ورد من الاحاديث التي فيها حض على اعراب القرآن , ليس
فـيـها دليل على شي ء, لان
كلمة (الاعراب ) التي وردت فيها لم تكن تعني تحريك اواخر الكلمات ,
وكـيـف تعني ذلك ولم يكن
الاعراب ولا النحو قد خلق بعد, لقد عنى الرسول6 بكلمة (الاعراب )
وضـوح الـنـطـق وظـهـور
الـمـخـارج , وخـلو التلاوة من عيوب اللسان التي تذهب بالكثير من
حـلاوة الـقـرآن )) ((98)) , وبـهـذا التفسير يمكن حمل مهمة ابي الاسود على تعليم الاعراب ,
كـمـااعـترض الانطاكي على
مثل هذه الاحاديث عن الرسول6 بانها موضوعة .


واذا كان المراد من
الاعـراب النحو, فالرواية
مشكوكة ((99)) , ويمكن ان يكون سبب هجرته ماذكرناه , انه هاجر
الـى المناطق المفتوحة , كما هاجر
اليها الكثير من الصحابة والتابعين والمسلمين آنذاك , ويظهر من
بـعـض الـروايـات انـه كـان
يـشـتـغل بالتجارة في البصرة , وقداثرى نتيجة ذلك , فكان ذا عبيد
وامـاء ((100)) ولـعـل عـمله
هذا كان في الفترة بين نزوحه للبصرة الى خلافة الامام (ع ), ولعله
بـبـضاعة له , وكان الغلام
يصيب من الشراب فوجد عليه ابو الاسود في بضاعة كان استبضعه اياها
وقد غضب ابو الاسودعلى هذا الرجل , وقال فيه :
واني امرؤ قد قال في الحق قولة ----- لملتمس تصديقها ببيانها
دع الخمر تشربها الغواة فانني ----- وجدت اخاها مجزيا لمكانها
فان لايكنها او تكنه فانه ----- اخ ارضعته امه
بلبانها ((101))
ويظهر
من الاغاني , انه كان يبيع اللقاح ((102)) , واللقحة هي الناقة الحلوب .


وقـد نـصح ابنه بان يطلب
الرزق في التجارة , فينقل الاغاني : كان ابو حرب بن ابي الاسودقد لزم
منزل ابيه بالبصرة لا ينتجع ارضا
ولا يطلب الرزق في تجارة ولا غيرها, فعاتبه ابوه على ذلك , فقال
ابوحرب : ان كان لي رزق فسياتيني , فقال له :
وما طلب المعيشة بالتمني ----- ولكن الق دلوك في الدلاء
تجئك بملئها يوما ويوما ----- تجئك بحماة وقليل
ماء ((103))
سيرته
في خلافة الامام علي : لاحـظنا ان حياة ابي الاسود
في البصرة الى حين خلافة الامام (ع ) تكاد تكون غامضة ايضا في كتب
الـمؤرخين , ولا نعلم الا
انه سكن البصرة في خلافة عمر, واما دوره الاجتماعي والسياسي الذي
لعبه خلال تلك الفترة فهو
غامض الى حين خلافة الامام (ع )فيظهر فجاة وتسلط عليه الاضواء.


مناصبه
خلال هذه الفترة : ولا نريد الحديث عن السياسة التي
نهجها الامام (ع ) ايام خلافته فلذلك حديث طويل ,الا اننا نقول ان
الامام (ع ) اختلف كثيرا عن
غيره في ادارة الدولة , وفي خصوص تعيين الافراد في مناصب الدولة ,
وقـد ابـتعد في ذلك عن الالاعيب
السياسية والممارسات الملتوية التي التزم بها بعض الحكام , فكان
يـلاحـظ فـي شـتى خطواته
رضا اللّه تعالى وراي الاسلام ومصلحة المسلمين , لذلك رايناه نصب
افـرادا وعـزل آخـرين ـ من
الولاة وغيرهم ـ من مناصب الدولة نتيجة لالتزامه بهذا المبدا رغم
الاخطار السياسية التي تحدق بهذا
الموقف من وجهة نظر السياسة الزمنية والسياسيين المحترفين ,
وهـو الـذي يـقـول : ((واللّه ما
معاوية بادهى مني ولكنه يغدر ويفجر, ولولا كراهية الغدر لكنت
مـن ادهـى الـنـاس , ولكن كل غدرة
فجرة , وكل فجرة كفرة , ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة ,
واللّه مـا استغفل
بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة )) ((104)) وقد رسم سياسته في خطبته الاولى
الـتـي خطبها بعد استخلافه ,
والتي اثارت اولئك المنتفعين واصحاب المصالح فثاروا بوجه خلافته
العادلة .


ولكن ما هو دور ابي الاسود في كل ذلك ؟
لم يعطنا التاريخ صورة
واضحة متسلسلة عن دور ابي الاسود في البصرة خلال خلافة الامام (ع ).


فـتـارة يـقـول :
((وكـان ابـن عـبـاس لـمـا خـرج مـن الـبـصـرة اسـتـخلف عليها ابا الاسود
فـاقره علي )) ((105)) .


وفي الشعر والشعراء (وولي البصرة لابن
عباس ) ((106)) .


واخـرى يـقـول : ((وولي
ابو الاسود القضاء بالبصرة في ولاية عبداللّه بن العباس واستخلفه حين
خـرج الـى
الـحـكـمـيـن )) ((107)) وفـي تـهـذيـب الـتـهـذيـب : ((قـال ابـو حـاتـم : ولي
قضاءالبصرة )) ((108)) .


وحينا يقول : ((واستعمله على البصرة بعد ابن
عباس )) ((109)) .


ويـقـول ايـضـا: ((وكـان ابـو الاسـود كـاتـبا لابن عباس على
البصرة )) ((110)) , وفي كتاب
خـزانـة الادب : ((وقـال
ابـو عـبـيـدة مـعـمـر بـن الـمـثنى : كان ابو الاسود كاتبا لابن عباس
على البصرة )) ((111)) .


وكـذلـك : ((وحـكـى خليفة
بن خياط ان عبداللّه بن عباس , كان عاملا لعلي (ع ) على البصرة فلما
شخص الى الحجاز استخلف ابا الاسود عليها فلم يزل حتى
قتل علي (ع ))) ((112)) .


او: ((واستعمله امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع ) على
البصرة )) ((113)) .


هذه وغيرها من النصوص
التاريخية التي يظهر منها دور ابي الاسود ايام خلافة الامام (ع ).


ولكن ما هو الصحيح
منها؟ وهل نعتبرها سلسلة حياته آنذاك مع ما بين بعضها من الاختلاف ؟
يمكن ان نقول : من خلال
اقوال التاريخ ومترجمي ابي الاسود يتبين ان ابا الاسود شغل ثلاثة مناصب :
الكتابة , والقضاء, والولاية .


وقبل ان نبحث حول كيفية اشغاله
لهذه المناصب نرى من الجدير ان نتعرف على هذه المناصب بمعناها
المصطلح .


وارى ان تعريف القضاء او الولاية
واضح في الاذهان , وانما الذي يحتاج الى توضيح موجز هو منصب
الكتابة , لذلك فسوف نؤكد على تعريفه وتحديده اكثر من غيره .


وقد بحث العلماء هذه المصطلحات
وامثالها مما يتصل بالجهاز الحكومي والاداري للدولة الاسلامية
في مختلف
الكتب , وخاصة الكتب التي تبحث عن النظام السياسي والاداري في الاسلام .


الامـارة : فـيطلق على القائم بها:
العامل , والامير, والوالي , ومهمته ان يتولى الاشراف على قطر او
مصر, وتسمية الامير بالعامل تومى الى
سلطته الواسعة العملية , فهو يعمل كل مايراه الافضل في كل
مرفق من مرافق الحياة دينيا ودنيويا.


وقد قسم الفقهاء الامارة الى نوعين : امارة خاصة , وامارة عامة .


فـفـي
الامـارة العامة تكون له صلاحيات اكثر في شؤون البلاد من الامارة
الخاصة ((114)) وفي
توضيح هذه الاقسام
تراجع الكتب الموسعة , والملاحظ ان العامل يحتاج الى تدبيروفقاهة .


الـقـضـاء: ويتولى فيها القاضي الفصل
بين الناس في قضايا النزاع , وقد قسم ايضا الى القضاء الخاص
والقضاء العام , وفي القضاء
العام يكون للقاضي صلاحيات اكثر ((115)) ومن الواضح ان القضاء يحتاج
الى فقاهة وتدبير ايضا.


الـكـتـابة : يذكر احمد
شلبي في كتابه ان القلقشندي الف كتاب ((صبح الاعشى )) في اربعة عشر
جزءا حول الكتابة وشروطها وصفاتها
ووظائفها, ويذكر القلقشندي حول الكتابة : ((والملك يحتاج
في انتظام
امور سلطانه الى ثلاثة اشياء لا ينتظم ملكه مع وجودخلل فيها:
1 ـ رسـم مـا يـجـب ان يرسم لكل
من العمال والقادة ومخاطبتهم بما تقتضيه السياسة من امرونهي
وترغيب ووعيد واحماد واذمام .


2 ـ استخراج الاموال من وجوهها واستيفاء الحقوق السلطانية فيها.


3 ـ تـفـريـقـها على مستحقيها
وتوصيل الاجور الى اعوان الدولة واوليائها الذين يحمون حوزتها
ويسدون ثغورها ويحفظون اطرافها.


وهـذه الاعمال لا يقوم بها الا كتاب
السلطان , ولا سبيل لهم الى الكتابة الا بالتدبر في الصناعة , فهي
اذا من اعظم
الصنائع )) ((116)) .


ويـقـول صـبـحي الصالح : ((ولقد
حرص الخلفاء على ان يتولى كتابة الرسائل من ينتمون الى نسب
رفيع , ومن اتاحت لهم ظروفهم ان
يتمتعوا بسعة العلم وعمق الثقافة , اذ كان مركزالكاتب ـ احيانا ـ
يـتـمـيـز بقوة الشخصية والدهاء
والذكاء يعادل مركز الوزير, فهو الذي يحرر الرسائل الرسمية
والـسـيـاسـيـة داخـلـية
وخارجية , وهو الذي ينشر بين الناس المراسيم والقرارات والبلاغات
والتراتيب الادارية , وقد كان يتاح
له ايضا في بعض الظروف ان يجلس مع الخليفة نفسه على منصة
القضاء لينظر في الدعاوي والشكاوي ويختمها اخيرابخاتم
الخليفة )) ((117)) .


وقـد بحث ابن خلدون عن
الكاتب وشروطه ووظائفه في مقدمته , حيث ذكر من جملة ماذكره ((.


.


وانـمـا اكد الحاجة اليها [الكتابة ]
في الدولة الاسلامية شان اللسان العربي والبلاغة في العبارة عن
المقاصد, فصار الكتاب يؤدي كنه
الحاجة بابلغ من العبارة اللسانية في الاكثر, وكان المكاتب للامير
يـكون من اهل نسبه ومن عظماء قبيله
كما كان للخلفاءوامراء الصحابة بالشام والعراق لعظم امانتهم
وخـلـوص اسـرارهم ,
وكان الكاتب يصدرالسجلات مطلقة ويكتب في آخرها اسمه ويختم عليه
بخاتم السلطان , ومن خطط الكتابة التوقيع ,
وهو ان يجلس الكاتب بين يدي السلطان في مجالس حكمه
وفـصـلـه ويـوقع على القصص المرفوعة
اليه احكامها والفصل فيها متلقاة من السلطان باوجز لفظ
وابـلغه ويحتاج الموقع الى عارضة
من البلاغة يستقيم بها توقيعه , واعلم ان صاحب هذه الخطة لابد
مـن ان يـتـخـيـر ارفـع طـبـقـات
الـنـاس واهل المرواة والحشمة فيهم وزيادة العلم وعارضة
الـبـلاغـة .


.


)) ((118)) الـى آخر ما ذكره ثم يذكر نصا عن عبدالحميد الكاتب في تحديدالكاتب
وصـفـاتـه وشـروطـه ووظائفه ,
ويلخص بانه يحتاج الى ثقافة واسعة وادب رفيع وبلاغة وبيان
وتدبير وذكاء وغيرها من الصفات .


وهكذا نرى ان الكتابة منصب
خطير, لا يتولا ه الا من تتوفر فيه خصائص ثقافية وادبية واخلاقية
كـبـيـرة , ولا يـقل اهمية
عن منصب الوزارة , والملاحظ ايضا ان هذه المناصب قدتعرضت للتغير
والتطور على امتداد التاريخ الاسلامي .


وبـعـد ان تـعرفنا على ما
يملكه ابو الاسود من خصائص ومؤهلات وثقافة , نعرف انه يستحق هذه
الـمناصب , فهو يعد من العقلاء
والفقهاء والادباء, وقد احس ولاة الامور بمايتمتع به ابو الاسود من
ذلك , لذلك اسندوا له هذه المناصب .


ونـحن نرى المؤرخين ومترجمي
ابي الاسود يذكرون اسناد هذه المناصب اليه , ولكن كيف ؟ ومتى
اسندت اليه ؟
قليل اولئك الذين ذكروا ان
ابا الاسود عينه الامام (ع ) واليا على البصرة بصورة مباشرة ,ولم يشر
احـد مـن المؤرخين لتلك الفترة
ـ فترة خلافة الامام (ع ) ـ ان الامام (ع ) عين اباالاسود واليا على
البصرة بصورة مباشرة , ولكن
هناك الكثير من مترجمي ابي الاسودومؤرخي تلك الفترة يؤكد على
ان ابـا الاسود استخلفه
ابن عباس على امارة البصرة حين خروج الاخير منها, سواء كان ذلك ((في
خـروجـه الى صفين او
الحكمين )) ((119)) كما في تعبير البعض , وفي البحار: ((واستعمل ابن
عباس على البصرة ابا الاسود الدؤلي وخرج حتى قدم على علي (ع )
بالنخيلة )) ((120)) اي حين
خـرج الى صفين
او ((عند ذهابه الى الحجاز)) ((121)) كما في تعبير آخر, ولو انني ارجح في
هـذا الـمـجال استخلافه
عند ذهاب ابن عباس الى الحجاز لان ابا الاسود كان قد اشترك في صفين
كـابـن عباس فكيف يستخلفه وهو
معه في المعركة ؟ وقد رشح ابو الاسود نفسه للتحكيم ايضا كما
سنذكر ذلك .


اذا فالارجح ـ في هذا
المجال ـ ان ابا الاسود خلف ابن عباس على امارة البصرة حين ذهاب الاخير
الـى الـحجاز لاي سبب كان
قد دفعه الى الابتعاد عن البصرة , ومن هناندرك ان ابا الاسود كانت له
مـكـانة بارزة في البصرة في
ظل ولاية ابن عباس اذ استخلفه على الولاية حين غيابه عنها, كما ان
الملاحظ ان ابن عباس
كان يخلف ابا الاسود على ولاية البصرة حين كان يغيب عنها احيانا.


ولـكـن نـتساءل هنا عن المكانة
التي كان عليها ابو الاسود, فكل مؤرخ يسند له منصبا في ولاية ابن
عباس يختلف عن المنصب الاخر, فتارة يعتبره
كاتبا ((122))
وحيناقاضيا ((123)) .


وحـيـنـما نعترف بان ابا الاسود
كان يملك المؤهلات والقدرات من الثقافة والعقيدة والتدبيربحيث
يـسـتـحـق معها ارفع المناصب ,
فلابد ان يسند له منصب كبير, فحين تولى ابن عباس امارة البصرة
وكـان فـيـهـا ابـو الاسـود
ـ كـمـا مـر سـابـقـا ـ ((جـعـله كاتبا في اول الامر ثم ولا ه قضاء
الـبـصـرة )) ((124)) ومنصب
القضاء وكذا الكتابة منصب خطير لا يقل عن منصب الوالي اهمية ,
فـلـذلـك حـيـن غـاب ابن
عباس عن البصرة لم يجد غير ابي الاسود ليستخلفه على هذا المنصب ,
والامام (ع ) وافقه على ذلك
ـ اذ يشترط في الاستخلاف موافقة الخليفة ـ لما يعرفه عن ابي الاسود
مـن مـؤهلات , وبذلك
نجمع بين الروايات التي تتحدث عن دورابي الاسود ايام خلافة الامام (ع ),
فـكـان اولا كاتبا لعبداللّه
بن عباس , وبعد ذلك تولى القضاء, وبعده تولى ولاية البصرة , بعد خروج
عبداللّه بن عباس منها,
وذكر بعض الباحثين انه جمع بين الولاية والقضاء بعد خروج ابن عباس .


وتذكر بعض القضايا عن قضائه بين
الناس , ويلاحظ منها انه كان يحكم بالعدالة ولو على صديقه , مما
يدل على تقواه , وعدالته .


مـنها ما ذكر الاغاني : ((كان لابي
الاسود الدؤلي صديق من بني تميم بن سعد يقال له مالك بن اصرم ,
وكانت بينه وبين ابن عم له خصومة
في دار له , وانهما اجتمعا عند ابي الاسودفحكماه بينهما, فقال
لـه خـصـم صديقه : اني بالذي
بينك وبين هذا عارف فلا يحملنك هذاعلى ان تحيف علي في الحكم ,
وكان صديق ابي الاسود ظالما,
فقضى ابو الاسود على صديقه لخصمه بالحق , فقال له صديقه : واللّه
ما بارك اللّه لي في صداقتك ولا نفعني
بعلمك وفقهك , ولقد قضيت علي بغير الحق , فقال ابو الاسود:
اذا كنت مظلوما فلا تلف راضيا ----- عن القوم حتى تاخذ النصف فاغضب
وان
كنت انت الظالم القوم فاطرح ----- مقالتهم واشغب بهم كل مشغب
وقارب بذي جهل وباعد بعالم ----- جلوب عليك الحق من كل مجلب
فان حدبوا فاقعص وان هم تقاعسوا ----- ليستمكنوا مما وراءك فاحدب
ولاتدعني
للجور واصبر على التي ----- بها كنت اقضي للبعيد على ابي
فاني امرؤ اخشى الهي واتقي ----- معادي وقد جربت مالم
تجرب ((125))
ومـنها اختصم لابي
الاسود رجلان , فكان احدهما نحيف الجسم وكان رجلا فهما,والاخر جهيرا
فدما, فاستعلاه
النحيف , ولكن ابا الاسود قضى بينهما بالعدل , وقال في ذلك شعرا:
ترى الرجل النحيف فتزدريه ----- وفي اثوابه رجل مرير
وما عظم الرجال لهم بزين ----- ولكن مجدها زين وخير
وقـد بقي ابو الاسود واليا على
البصرة بعد ابن عباس الى حين مقتل الامام (ع ), والدليل على ذلك ـ
بـعد قول المؤرخين
ـ ((126)) خطبته الشهيرة التي رثى بها الامام (ع ) حين وصل اليه خبر نعيه
والـتي دعا فيها الى مبايعة الامام الحسن (ع )
خليفة للمسلمين , اذ ان هذاالموقف من بعض مهام الوالي
واعماله وقد قام به ابو الاسود.


ولـكـن , ذكـر البعض ان ابن عباس
بقي على ولاية البصرة الى ان قتل الامام (ع ), وانه لم يعين ابو
الاسـود والـيـا عـلى البصرة
ولاية دائمة , وقد ذكرنا ان ابا الاسود كان ينوب عن ابن عباس على
ولاية البصرة حين غيابه عنها
احيانا, فلعله صادف غياب ابن عباس عن البصرة حين مقتل الامام (ع )
وبذلك نجمع بين القولين .


ويدل
على هذا الراي ولعله اصوب من غيره , ان ابن عباس كان في الكوفة
حين مقتل الامام (ع ) كما
ذكر ذلك المؤرخون , وانه قد (ولي غسل الامام (ع ) ابنه الحسن وعبداللّه
بـن
عـبـاس ) ((127)) , وان
ابن عباس (قام بين يدي الامام الحسن (ع ) فدعا الناس الى بيعته فقال :
مـعاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصي
امامكم فبايعوه , فاستجاب له الناس وقالوا: ما احبه الينا واوجب
حـقـه عـلـيـنا,
وتبادروا الى البيعة له بالخلافة ) ((128)) , وان الامام الحسن (ع ) (انفذ عبداللّه
بن العباس الى
البصرة ) ((129)) وعينه
واليا عليها, وكل هذه الادلة وغيرها تلقي الشك على قصة
سـرقـة ابـن عـبـاس
لامـوال الـبـصـرة , وتـفـنـد مـا ذكـره الـبـعـض حـول هذه الحادثة او
محاولة تضخيمها ((130)) .


يـبقى شي ء, وهو السبب
الذي دفع ابن عباس للخروج من البصرة واستخلاف ابي الاسودمكانه , فان
ذلـك يـرتبط بحادثة تاريخية
مهمة دار حولها الكثير من البحوث والشكوك ,وهي قصة سرقة ابن
عـباس للمال وهروبه به
الى الحجاز ومواجهته لابي الاسودومعارضة ابي الاسود له , ثم الرسائل
الـمتبادلة بين ابي الاسود
وبين الامام (ع ) من جهة ,وبين ابن عباس وبين الامام (ع ) من جهة اخرى .


وهـذه حـادثـة ان اردنـا
البحث عنهافسوف يطول البحث كثيرا, ولكن قد كتب عنها بعض الباحثين
المعاصرين وناقشوهامناقشة علمية .


ولـكـن يـجدر بنا ان نشير اليها
هنا بايجاز, فقد ذكرت في بعض الكتب التاريخية , ففي الكامل لابن
الاثير ((وكان سبب خروجه
ـ اي عبداللّه بن عباس ـ انه مر بابي الاسود فقال : لوكنت من البهائم
لكنت جملا, ولو كنت راعيا
لما بلغت المرعى , فكتب ابو الاسود الى علي :اما بعد, فان اللّه عزوجل
جـعـلك واليا مؤتمنا وراعيا مستوليا,
وقد بلوناك فوجدناك عظيم الامانة , ناصحا للرعية , توفر لهم
فيئهم , وتكف نفسك عن دنياهم ,
ولا تاكل اموالهم , ولاترتشي في احكامهم , وان ابن عمك قد اكل ما
تـحـت يـديه بغير علمك , ولم
يسعني كتمانك رحمك اللّه , فانظر فيما هناك واكتب الي برايك فيما
احببت , والسلام )) ((131)) وقد اجابه الامام (ع ) برسالة .


ويـذكـر غيره ايضا ما وقع
بين ابي الاسود وابن عباس من مواجهة , وقد بحث الكثير هذه الحادثة ,
وبـعـضهم شكك فيها او انكرها,
وبعضهم اثبت وقوعها وبعضهم ذكر ان ابن عباس كان يملك مبررا
شرعيا في اخذ المال , غفل
عنه ابو الاسود, ولم تكن سرقة , ولكن الامام حين امر ابن عباس باعادة
المال , رده الى بيت المال , كما احتمل ذلك السيد محمدتقي الحكيم .


والافـراد الـبـارزون ـ
وخـاصـة امثال عبداللّه بن عباس لما يملكه من مميزات ومواقف واحاديث
وعلاقات ـ يحتاج في تقييمهم
الى منهج معين , والى دراسة خاصة ـ تختلف عن دراسة سائر الافراد
العاديين ـ في علم الرجال او الذين
ليست لهم مثل هذه العلاقات والمواقف التي كان يملكها عبداللّه بن
عباس , ومن هنا علينا ان نميز
في علم الرجال في تقييم ودراسة الافراد بحسب مستوياتهم ونفوذهم
وملابساتهم وظروفهم .


ولعل خلق هذه الحادثة
او تضخيمها, كان من وضع بعض اعداء اهل البيت (ع ), لان ابن عباس مصدر
زاخر للكثير من الروايات في
فضل اهل البيت :, ولانه التلميذ المتميزللامام (ع ) او من وضع بعض
اعـداء الـعـباسيين الذين كان
ابن عباس سندا هاما في دعم مشروعية خلافتهم كما يدعون , او كان
بسبب عدم الدقة في نقل الحوادث
التاريخية وتضخيمها بمرور الزمن , والاضافات التي تعلق بها من
قبل ناقليها, او غيرها من
العوامل والاسباب الاخرى المغرضة او غير المغرضة التي لها دور كبير
في تشويه كتابة التاريخ .


وقد ناقش هذه الحكاية بعض العلماء
والباحثين المعاصرين , منهم السيد الفاني في كتابه ((عبداللّه بن
عـبـاس )) وكذبها لضعف
سندها ولاعتراضات مضمونية واجتماعية اخرى ,وكذلك ناقشها وكذبها
الـسـيد جعفر مرتضى
في كتابه ((ابن عباس واموال البصرة )),وبحث عنها ايضا السيد محمد تقي
الـحـكيم في مقالة في ((مجلة
النجف )) بعنوان (قصة بيت المال في البصرة ودور ابن عباس فيها)
والـسيد محسن الامين في كتابه
(في رحاب ائمة اهل البيت ) وغيرهم من الباحثين الذين بحثوا هذه
القضية وناقشوها.


نشاطه
الحربي :

/ 11