ابو الاسود الدؤلی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ابو الاسود الدؤلی - نسخه متنی

هاشم محمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




فكان يملك مواهب ثقافية واجتماعية مختلفة , فمثل هذا الشخص الفذ الذي يملك مثل هذه المواهب الا يـحـتمل انه وضع بدايات النحو بعد ان مهدالامام (ع ) له الطريق , وفتح عينه على هذا الموضوع ؟
وقـد اجـمـع الـمـؤرخـون عـلى انه اول من حرك المصحف الشريف بواسطة التنقيط, وفي هذه
العملية دلالة كبيرة على معرفته الواسعة باللغة العربية وحركات الاعراب وعلى مايملكه من عمق
في التفكير وثقافة لغوية , بل تدل على توجهه للقواعدالنحوية .


ويـتـوصـل عبد الرحمن السيد الى النتيجة التالية فيقول : ((كما لا يستطيع احدان يدعي ان عالما
مـشهودا له بالتقدم والتفوق مقصودا من الخلفاء والولاة لرسوخ قدمه في العلم وحدة ذكائه في الفهم
يـنقط المصحف كلمة كلمة ,ويلاحظ حركات حروفه حرفا حرفا, ويفعل ذلك في دقة وبراعة ثم
يـخـرج مـن عمله هذا دون ان تتكون لدية فكرة اولية عن عمل بعض الادوات اوعن حركة بعض
الـكـلمات ذات الوظيفة المتشابهة والوضع المتحد, اللهم الاان يكون راسخ القدم في الغباء بعيدا عن
صفات ابي الاسود)) ((286)) .


ونحن نضيف الى قوله : ان من يخوض هذه المهمة ويتكفل بالقيام بها لا بد ان يملك مسبقا توجها وفهما
لبعض المسائل والقواعد النحوية .


وسـوف نـبحث في فصل لاحق هذه القضية ـ قضية تحريك ابي الاسودللمصحف الشريف ـ لنبحث
عـن كيفيتها وطريقتها ودوافعها, وانها تشابه من قريب او بعيد وضعه للنحو, وان القادر على القيام
بهذه المهمة قادر على وضع الجذور الاساسية والبدائية للنحو.


2 ـ كتاب ابي الاسود:
فـهـنـاك روايـة شـائعة على السنة المؤرخين والنحاة , وهي انه كان لابي الاسودكتاب في النحو
واسـمه ((التعليقة )) الا انه ضاع واختفى كما اختفى غيره من الكتب , وكما اختفى كتابا عيسى بن
عـمـر, الـلذان اشتهرا على السنة النحاة ايضا, قال ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء: ((اول من
عـمـل فـي الـنـحـوكـتابا)) ((287)) اي ابو الاسود, وقال السيوطي : ((قال ابن عساكر في
تـاريـخه :كان ابو اسحاق ابراهيم بن عقيل النحوي الدمشقي المعروف بابن المكبري يذكر ان عنده
تـعـليقة ابي الاسود التي القاها اليه علي بن ابي طالب )) ((288)) وقد اكد وجود هذه التعليقة ابن
النديم في فهرسته واتى بكثير من القرائن والشواهد التاريخية على ذلك ((289)) .


اذا فـهذا الكتاب قد رآه ابن النديم , وهو خبير وثقة في الكتب كما صرح بذلك المؤرخون , ويذكر
ابن النديم في فهرسته قوله : ((رايت ما يدل على ان النحو عن ابي الاسود ما هذه حكايته , وهي اربع
اوراق احـسـبـهـا مـن ورق الـصين , ترجمتها هذه فيها كلام في الفاعل والمفعول عن ابي الاسود,
بخطيحيى بن يعمر, وتحت هذا الخط بخط عتيق : هذا خط علا ن النحوي , وتحته :هذا خط النضر
بن شميل )) ((290)) .


وكذلك ينقل السيد الامين عن القفطي انه راى ما يدل على وجود هذاالكتاب بخط ابي الاسود نفسه ,
وفي كتاب (تدوين السنة النبوية ), وفي مجال ذكر مؤلفات الامام (ع ).


(الـتـعـلـيـقـة النحوية التي القاها الامام (ع ) الى ابي الاسود الدؤلي , نقل خبرهاالسيوطي عن ابن
عساكر ان بعض النحاة كان يذكر ان عنده تعليقة ابي الاسود التي القاها اليه علي ) ((291)) .


وهـكـذا نـرى ان الـمـؤرخين , وخبراء الكتب , يذكرون كتابا في النحو وضعه ابوالاسود بتعليم
وتـوجـيه من الامام (ع ), ولكن اختفاءه لا ينفي وجوده , كمااختفى الكثير من الكتب , وربما كان هذا
الكتاب او التعليقة , يضم ما القاه الامام (ع ) اليه من النحو, وما اضافه ابو الاسود نفسه , كما يفهم هذا
الـمـعـنى من بعض الروايات , كما انه نتيجة للجمع بين الروايات في هذا المجال , كما يدل عليه لفظ
(الـتـعـليقة ) فانه يشعر بان هناك اصلا وتعليقة عليه , فربما كان الاصل للامام (ع ), والتعليقة لابي
الاسود, وربما دلت على هذا المعنى الرواية السابقة التي نقلناها في بداية هذا القسم من الدراسة عن
انباء الرواة ,وروايات اخرى تدل على ذلك , ويدل عليه ايضا ما في البحار ((292)) .


ان الامام (ع ) كتب رقعة ودفعها الى ابي الاسود وقال : (ما احسن هذا النحواحش له بالمسائل فسمي
نحوا) واحش اي علق عليه حواشي .


3 ـ تلاميذ ابي الاسود:
يـحـدثـنا التاريخ ان هناك تلاميذ لابي الاسود درسوا على يديه (النحو) وقدذكر المعارضون من
المعاصرين ايضا وجود النحو عندهم , وهم الذين اعتبرهم النحاة طبقة نحوية ثانية بعد ابي الاسود
فـي سـلـسلة طبقات علماءالنحو, والذين عبر عنهم عيسى بن عمر والخليل وسيبويه نفسه ـ في
كتابه آبـ (البادئين الاولين ).


والـمـعـروف من تلاميذه : يحيى بن يعمر, وعنبسة الفيل , وميمون الاقرن ,وعطاء بن ابي الاسود,
وابـو حرب بن ابي الاسود, ونصر بن عاصم , وعبدالرحمن بن هرمز, ولو راجعنا كتب التراجم
والتاريخ لرايناها تصرح بان هناك تلاميذ لابي الاسود درسوا على يديه النحو والعربية ((293)) ,
كـمـا انـنانلاحظ انهم حينما يتعرضون لترجمة هؤلاء يذكرون انهم كانوا من النحاة وانهم تعلموا
الـنـحو من ابي الاسود. يقول ابن الاثير في تاريخ الكامل حول حوادث سنة تسعين للهجرة : (وفيها
توفي نصر بن عاصم الكليني النحوي اخذ النحو عن ابي الاسود الدؤلي ) ((294)) , وفي حوادث
سـنة تسع وعشرين ومئة قال : (وفيها مات يحيى بن يعمر العدوي بخراسان وكان قد تعلم النحومن
ابي الاسود الدؤلي ) الكامل ج5 / 6(ع )3 وغيرها من اقوال كتب التراجم والتاريخ والنحو.


فاذا قلنا ان طبيعة المرحلة البدائية التي عاشها الامام (ع ) وابو الاسود تمنع مثل هذه النسبة ـ نسبة
النحو ـ لانهم عاشوا قبل الارتباط الثقافي مع الثقافات الاجنبية , وقبل نضج الفكر والتطور الثقافيين
للمسلمين , فكذلك يصح لنا ان نقول مثل هذا القول في الطبقة التالية لهما ايضا, اذ انهم عاشوا في فترة
زمنية متقاربة لتلك الفترة , اي انهم عاشوا نفس المناخ الفكري والثقافي , اذا فلماذا ننسبه الى الطبقة
الثانية دون الاولى مع انهم يعيشون مناخا ثقافيا وحضاريا متشابها؟
4 ـ وجود النحو في تلك الفترة :
تـوجـد بـعـض الاخـبار المتناثرة هنا وهناك في كتب التاريخ والادب والترجمة حين تؤرخ فترة
الـعـصر الاموي , بل حتى قبله , وتذكر الخلفاء والولاة اورجال العصر الاموي تؤكد وجود النحو
آنذاك , فيذكر انه ((كان من اعظم المصائب في نفس عبد الملك ان ابنه الوليد كان لحانة وانه اخذه
بتعلم العربية فلم يفلح )) ((295)) .


ويذكر ان الدافع الذي دفع عبد العزيز بن مروان الى الاهتمام بالعربية ما رواه ابن عساكر قبل هذا
الخبر انه دخل على عبد العزيز رجل يشكو صهرا له فقال : ((ان ختني فعل بي كذا وكذا)) فقال له
عبد العزيز: ((من ختنك ؟)) فقال له : ((ختنني الختان الذي يختن الناس )) فقال عبد العزيز لكاتبه :
((ويحك , بم اجابني ؟)) فقال له : ايها الامير انك لحنت ـ وهو لا يعرف اللحن ـ وكان ينبغي ان تقول :
ومـن خـتـنك ؟ فقال عبد العزيز: اراني اتكلم بكلام لا يعرفه العرب , لا شاهدت الناس حتى اعرف
الـلـحـن , فـاقـام فـي الـبيت جمعة لا يظهرومعه من يعلمه العربية فصلى بالناس الجمعة , وهو من
افصح الناس ((296)) .


وفي ((البحار)) في لفظة (النحو) نقلا عن كتاب الجواهر للكراجكي : ((قال اميرالمؤمنين (ع ):
العلوم اربعة : الفقه للاديان , والطب للابدان , والنحو للسان ,والنجوم لمعرفة الازمان )) ((297)) .


وفـي الـعـقـد الـفريد ج2 ص 198 ـ 199 (ابو عبيدة قال : مر الشبعي بقوم من الموالي يتذاكرون
النحو, فقال لهم : لئن اصلحتموه انكم لاول من افسده ),والشعبي من التابعين , والمشهور ان مولده كان
لست سنين خلت من خلافة عمر.


وقال عبد الملك بن مروان : تعلموا النحو كما تتعلمون السنن والفرائض .


وقـال رجـل لـلـحسن ـ ولعله البصري ـ : ان لنا اماما يلحن , قال : اميطوه عنكم فان الاعراب حلية
الكلام .


وفي لسان العرب ج1 ص 589 (والاعراب الذي هو النحو, انما هو الابانة عن المعاني والالفاظ),
ومـثله في تاج العروس ج3 ص 335, وفي تاج العروس ايضا (والتعريب تهذيب المنطق من اللحن ,
والتعريب تعليم العربية , وفي حديث الحسن انه قال له البتي : ما تقول في رجل رعف في الصلاة ؟ فقال
الحسن : ان هذا يعرب الناس , وهو يقول رعف , اي يعلمهم العربية ويلحن ).


وقد فسرت العربية في بعض تفسيراتها (بتوافق الكلام مع قواعد النحو).


والملاحظ, ان لفظة الاعراب او العربية , وان ذكر لها معان اخرى , ولكن ظروف الرواية وسياقها
تـقتضي حملها على المعنى الذي ذكرناه , ويدل على هذا المعنى ايضا ما ذكره المبرد (اول من وضع
العربية ونقط المصحف ابوالاسود) وظاهره انه وضع قواعد العربية لا نفسها اذ لا معنى له .


ولفظة (النحو) لغة بمعنى القصد والطريق , يكون ظرفا, ويكون اسما.


فالنحو: القصد نحو الشي ء, ونحوت نحوه اي قصدت قصده ((298)) , فالنحو انماهو انتحاء سمت
كـلام العرب في تصرفه من اعراب وغيره , ليلحق من ليس من اهل اللغة العربية باهلها في الفصاحة
فينطق بها وان لم يكن منهم , او ان شذ بعضهم عنها رد به اليها, وهو في الاصل مصدر شائع ثم خص
بـه انتحاءهذا القبيل من العلم , كما ان الفقه في الاصل مصدر فقهت الشي ء اي عرفته ثم خص به علم
الشريعة من التحليل والتحريم ((299)) .


امـا حـول سـبب تسميته فقد وردت فيه روايات متعدده منها ما ذكره الخليل في العين (وبلغنا ان ابا
الاسـود وضـع وجـوه الـعـربـيـة فـقـال لـلـنـاس : انـحـوا نحوهذا, فسمي نحوا ويجمع على
الانحاء) ((300)) . وهناك رواية اخرى نقلهاالذهبي في تاريخ الاسلام وغيره (وقد امره ـ اي ابا
الاسـود ـ عـلـي2 بـوضـع الـنـحـو, فلما اراه ابو الاسود ما وضع قال : ما احسن هذا النحو الذي
نـحـوت ,ومـن ثـم سمي نحوا) ((301)) , ويمكن الجمع بينهما بصدور الكلامين منهما ولامنافاة
بينهما.


وذكر الرافعي (لفظ العربية اطلقه ابو الاسود على النحو وعرف به النحو في عصره وبعد عصره
ايضا, ولكن الرواة لم يبالوا بالفروق التاريخية بين الالفاظ) ((302)) .


ويـذكـر الدكتور الدجني (والخلاصة ان كلمة نحو ومدلولها, لم تكن مستعملة عند النحاة الاوائل
فلذلك اطلقوا اصطلاح العربية تارة واخرى كلاماواحيانا الاعراب حتى استقر الراي على تسميته
(النحو) وذلك عند علماءالقرن الثاني الهجري , واذا حققنا في تلك الاصطلاحات السابقة (العربية
آالكلام ـ الاعراب ) نجدها لاتتناقض مع معنى النحو, الا انها لا تلتزم الدقة في تلك الالفاظ, وهكذا
نلاحظ ان العلماء الاوائل الذين نسب اليهم نشاة النحو العربي وهم (الامام علي بن ابي طالب المتوفى
سـنة 40 ه, وابو الاسودالدؤلي المتوفى سنة 69 ه ونصر بن عاصم الليثي المتوفى سنة 89 ه,
وعـبـدالـرحـمـن بن هرمز المتوفى سنة (ع )11 ه) لم يستعملوا اصطلاح النحو بل اطلقوا تلك
المصطلحات التي ذكرتها, وبقيت تلك المصطلحات هي السائدة , طيلة القرن الاول الهجري , وهذا ما
اتـفـق عـلـيـه مـعـظم الباحثين والرواة الا انهم اغفلوا حقيقة هامة وهي عدم معرفة الرجل الذي
اطلق (اصطلاح النحو) ((303)) .


وهـذا راي وجـيـه , الا انـنـا راينا استعمال مصطلح (النحو) في تلك الفترة في بعض الاقوال التي
نقلناها, مع ذكر اسباب التسمية الا ان يشكك في تلك الروايات , او تحمل على غير المعنى المصطلح .


فـهـذه الـروايـات والاخـبار وامثالها تدل على توجه ابناء العصور الاسلامية الاولى للحن وللنحو
وقـواعـد العربية , وتدل على وجود النحو والعربية في عصر ابي الاسود او العصر المقارب له ,
وقـبـل الاتصال بالثقافة اليونانية وقبل تطور العقلية العربية ونضجها في العصر العباسي كما ادعاه
البعض .


اذا فـاولـئك الـذيـن يـنـسبون وضع النحو الى افراد مقاربين لعصر الامام (ع )وابي الاسود لماذا
يـحـاولـون ـ وبـمـختلف الاساليب والمظاهر ـ التهرب من نسبته للامام (ع ) او لابي الاسود, او
التشكيك فيها وتكذيبها؟ او الاعتراض او التكتم على هذه النسبة .


مع الاعتراض الثاني
النحو العربي والثقافات الاجنبية :
الـمعارضون يعترضون على اصالة النحو العربي ويعتقدون بان النحو العربي قد اكتسبه الواضع من
الـنـحـو الـيوناني وانه لم يتم مثل هذا الاتصال الا في مرحلة زمنية متاخرة عن تلك المرحلة التي
عاشها ابو الاسود, فقد ذهب رينو ((الى تاثر النحو العربي بمنطق ارسطو, كما ذهب الى هذا غير
واحد من المستشرقين )) ((304)) .


ولكن يمكن توجيه عدة مناقشات لهذا الاعتراض :
1 ـ ان مرحلة وضع النحو العربي متقدمة زمنيا على مرحلة الاتصال بالثقافة اليونانية , والملاحظ ان
بـعض المعارضين حينما يبحثون حول جذورالنحو العربي نراهم ينتهون الى عبداللّه بن اسحاق ـ
الـمـتـوفـى سنة (ع )11 هـ آوالذي تتلمذ على يد تلامذة ابي الاسود, وعاش في زمن سابق على
زمـن الاتـصال الثقافي والتلاقح الحضاري بين المسلمين واليونان , اذ ان العرب تعرفوا على الثقافة
اليونانية بعد ترجمتها الى اللغة العربية , وقد بدات حركة الترجمة في العصر العباسي , وكما ذكرنا
فـي البحث السابق وجود النحو خلال العصر الاموي , ومن هنا ندرك ان النحو العربي كان موجودا
قبل حركة الترجمة , وقبل العصر العباسي , اي قبل زمن الاتصال الثقافي .


2 ـ اخـتـلاف طبيعة النحو العربي عن النحو اليوناني . يقول الدكتور ابراهيم السامرائي في مجال
عـدم تـاثـر الـنـحو العربي بالنحو اليوناني : ((... ولقد فاته ان اليونانية تختلف نحوا وطبيعة عن
الـعـربية , ولم يكن واضع النحو عارفا اومتاثرا باليونانية باي وجه من الوجوه )) ((305)) وفيه
اشـارة لكلا المناقشتين ,كما اشار اليهما ايضا فؤاد حنا ترزي في بحثه عن ((اللغة )) التي اكتسب
العرب منها نحوهم : ((ومن الواضح ان هذه اللغة لا يمكن ان تكون السنسكريتية الهندية او الفارسية
لاختلاف نحوهما عن نحو العربية لعدم انتمائها الى الفصيلة السامية , كما لا يمكن ان تكون اليونانية
لـلـسـبـب ذاتـه , ولان وضـع الـنـحـوالـعـربي اسبق في الزمن من احتكاك العرب الوثيق بعلوم
اليونان وفلسفتهم )) ((306)) .


ونـحن نلاحظ ان القائلين بتاثر النحو العربي بالنحو اليوناني اما بصورة مباشرة او بوساطة النحو
الـسـرياني , على اعتبار ان النحو السرياني قداكتسب نحوه من النحو اليوناني , والنحو العربي قد
اكـتـسب نحوه من السريانية , فهو بالتالي قد اكتسب نحوه من النحو اليوناني , فهذه الفكرة هي نتيجة
لتقليد هؤلاء المحدثين للمستشرقين في اقوالهم , فالى مثل هذا الراي ذهب دي پور ((307)) .


وفكرة الاكتساب لم يكن لها عند القدماء اثر, وانما ابتدعها المستشرقون واتبعهم بعض المحدثين من
العرب , وخاصة الكتاب المصريين كما يقول ابراهيم السامرائي ((308)) , ولعل هذا الراي جزء من
تـلـك الـحـمـلة المسعورة التي شنها الغرب على السامية , والتي كان من اقطابها رينان , ولعل هدفها
الـرئيـس هـو الاسـلام ((فـقد ذهب هؤلاء الى ان العقلية العربية الاسلامية قد تاثرت في صورها
الـمـختلفة بالعقلية الاغريقية , واول من اطلق هذه الاحكام هم المستشرقون , ومن بين هؤلاء من لم
يـتـصف بالعدل والقصد, فما امر رينان الفرنسي في القرن الماضي ببعيد, فقد ذهب الى ان العرب او
قـل : ان الـعقلية السامية لا ترقى الى غيرها من العقليات كالاغريقية والرومانية , ومن اجل هذا كان
هـؤلاء عيالا على غيرهم من الشعوب في حضارتهم , وقد اسرف هذا الفرنسي المسيحي المتعصب
لاكـثـر مـن غرض واحد, ولسنا بصدد بيان هذا, وقد ذهب غيره هذا المذهب دون ان يلتزم بعنفه
وشدته , ولا اريد ان ادفع عن ثقافتنا تاثير الاغريق فما الى ذلك قصدت وانا ان فعلت ذلك فقدجرت
على الحقيقة كما جار النفر الاخر)) ((309)) .


ان لـهـذه الـحـملة المسعورة على السامية ـ اسبابها واهدافها واساليبها ـ لسنا في مجال البحث عنها
فـلـلـحديث عنها مجال آخر, ومن هنا ذهب هؤلاء الى تاثرالنحو العربي بالنحو اليوناني اما بصورة
مـبـاشـرة او بـوسـاطة النحو السرياني ,ولم يقولوا بتاثره بالنحو السرياني فحسب , لان السريان
ساميون ايضا, بينمااليونان غير ساميين , وهم لا يريدون الاعتراف بالساميين .


ولـكـن نقول : ان النحو العربي لم يتاثر بالنحو اليوناني بصورة مباشرة لماذكرناه , وكذلك لم يتاثر
بالنحو السرياني كما سنبحثه , فينهار اساس التاثربالنحو اليوناني .


وقـد ذهب بعض المعاصرين الى ان النحو العربي قد اكتسبه العرب من النحوالسرياني المشابه في
كـثـيـر مـن اصوله واحكامه للنحو العربي , على اعتباراشتراكهما في السامية , ولان الاتصال بين
الـعـرب والـسـريـان قـد تم قبل الاتصال بين العرب واليونان , فلا بد ان يتعرف العرب على ثقافة
الـسريان ومنها النحو, وذلك لان النحو السرياني قد وضع قبل وضع النحو العربي كمايقول جرجي
زيدان : ((ان السريان دونوا نحوهم والفوا فيه الكتب في اواسطالقرن الخامس الميلادي , واول من
باشر ذلك منهم الاسقف يعقوب الرهاوي الملقب بمفسر الكتب , المتوفى سنة 640م )) ((310)) .


ولا يحتمل اكتساب النحو العربي من النحو العبري , لان النحو العبري لم يدون الا في القرن العاشر
الميلادي , اي بعد تدوين النحو العربي ((311)) . (فقدكان سعيد بن يوسف الفيومي فيلسوف اليهود
فـي الـقـرن العاشر اول النحاة العبريين الذين وضعوا قواعد النحو العبري على غرار قواعد اللغة
العربية في كتابه المعروف بـ (اكرون ) اي المجموعة ) ((312)) .


ولا يـهـمنا في هذا المجال الحديث حول النحو السرياني , وهل هو مكتسب من النحو اليوناني ـ كما
يصرح بذلك الكثير من الباحثين ـ وخاصة ان الاتصال الثقافي بين اليونان والسريان كان وثيقا, فانتقل
عـلـى اثـر ذلـك الـكثير من الافكار الفلسفية والنحوية اليهم , وانما نستهدف هنا البحث حول مدى
تاثرالنحو العربي بالنحو السرياني .


فـمن الباحثين الذين يؤمنون بتاثر النحو العربي ـ في بدايته ـ بالنحو السرياني احمد حسن الزيات
حيث يقول : ((والغالب في ظننا ان ابا الاسود لم يضع النحو والنقط من ذات نفسه وانشائه وانما نظن
انه الم بالسريانية ـ وقد وضع نحوها قبل نحو العربية ـ او اتصل بقساوسها واحبارها فساعده ذلك
عـلـى وضـع مـا وضـع )) ((313)) والـى هـذا الـراي ذهـب ابـراهـيـم مـدكـور ((314))
وجـرجـي زيـدان ((315)) وفـؤاد حـنـا تـرزي ((316)) وغـيـرهـم , وكـذلـك بـعـض
الـمـسـتشرقين ,وينقل فؤاد حنا ترزي تاكيدا لرايه هذا, حديثا عن العلماء السريان الذين عاصروا
بـدايات الحركة الثقافية الاسلامية : ((والاسقف سوپرس سيبوخت , المتوفى عام 666م , وقد كان
يتقن اليونانية ونقل بعض كتبها في الفلسفة والمنطق , كما عني بالصرف والنحو السريانيين , وشجع
التعاون الثقافي بين المسلمين والسريان )) ((317)) .


اصالة النحو العربي
1 ـ القائلون بالاصالة :
وهـذا الراي الذي يذهب الى اكتساب النحو العربي عارضه بعض المعاصرين الذين ذهبوا الى اصالة
الـنحو العربي ابتداء وان تاثر في بعض مجالاته في مراحل تطوره ـ بعد ذلك ـ بالثقافات الاجنبية ,
فلم يتاثر لابالنحو الاغريقي واليوناني مباشرة , ولا بوساطة النحو السرياني .


يـقـول الـسـامـرائي : ((والـقـول بـهـذا الـتـاثـر نتيجة تقليد هؤلاء المحدثين للمستشرقين في
اقوالهم )) ((318)) .


ويـذهـب لذلك الطنطاوي فيقول : ((نشا النحو في العراق في صدر الاسلام ,ولاسبابه نشاة عربية
على مقتضى الفطرة , ثم تدرج به التطور تمشيا مع سنة الترقي حتى كملت ابوابه غير مقتبس من لغة
اخرى لا في نشاته ولا في تدرجه )) ((319)) .


ويـذهـب لـهذا الراي الدكتور الدجني , فبعد ان يناقش فرضية الاكتساب من اليونانية او السريانية
مـناقشة قوية , وفق المستندات والنصوص التاريخية ,وادلة اخرى يقول : (والخلاصة التي وصلنا
اليها بعد هذا العرض للاراء والردعليها في اصل النحو العربي , توصلت الى ان النحو العربي عربي
عريق العروبة اصيل الطابع .. اما النحو العربي فهو الاعراب من فعل وفاعل ومفعول الى آخر اقسامه
المختلفة فهو عربي اصيل العروبة في نشاته وتسميته ايضا, ولم يستعن المؤسس بالنحو السرياني
ولا غيره ) ((320)) .


ويذهب الى هذا الراي ايضا بعض المستشرقين , فيقول ليتمان : ((ونحن نذهب في هذه المسالة مذهبا
وسطا, وهو انه ابدع العرب علم النحوابتداء..)) ((321)) .


وهـبـو تولد فايل يقول : ((حفظت لنا الرواية العربية في مجموعات مختلفة من كتب التراجم وصفا
لمسلك نمو هذا العلم الذي هو اجدر العلوم ان يعد عربيامحضا)) ((322)) .


ويذكر بروكلمان : ((ان علماء العرب يرددون دائما الراي القائل بان النحوالعربي صدر عن روح
عـربية خالصة , ويرى انه ليس من الممكن ابداء راي موثوق به عن المسالة مسالة اتصال علماء اللغة
الاول بـنـمـاذج اجنبية نسجواعلى منوالها, ويذكر راي برونيش القائل بان تاثير الاجانب في علم
اللغة العربية ـ النحو العربي ـ لم يحدث الا ابتداء من سيبويه الفارسي في حين ان استاذه الخليل كان
عربيا خالصا)) ((323)) .


وبـذلـك نـرى ان بـعـض المستشرقين منصفون في آرائهم واحكامهم , ولكن لايعني ذلك ان ننظر
لـلـجـميع تلك النظرة الامينة والصادقة , بل حتى الباحثون المنصفون منهم والذين يحاولون معالجة
القضايا الاسلامية معالجة منصفة وموضوعية يتوصلون احيانا الى آراء غير سليمة , لانهم لم يعيشوا
الـروح والمشاعر الاسلامية والاجواء التراثية والثقافية التي يعيشها الانسان المسلم وهذا لا يمنع
ان تكون لهم آراء صائبة في بعض المجالات .


2 ـ فرضية الاكتساب :
الـمـلاحـظ ان الـراي الذي يذهب الى ان ابا الاسود قد تاثر بالثقافة السريانية يعتمد على الفرض
فحسب , اذ ليست هناك اية رواية , او اي سند تاريخي ,او راي من القدماء يثبت لنا هذا التاثر بصورة
مـوثـوقـة , فـلـم يتعرض له حتى واحد من القدماء الذين ذكروا ان ابا الاسود وضع النحو العربي ,
بالرغم من ان المعروف عن علمائنا القدامى تتبعهم وتحقيقهم في البحث عن المسائل العلمية والثقافية ,
وقد ذكروا تاثر المسلمين باليونان او غيرهم في بعض العلوم امثال المنطق والفلسفة , ولم يذكروا
مـثـل ذلك عن بدايات علم النحوولم يتعرضوا ولو باشارة عابرة الى تعلم ابي الاسود للسريانية او
تعرفه عليها.


ولكن في المقابل هناك الكثير من الروايات المتواترة والاراء العديدة واجماع القدامى على وضع ابي
الاسـود لـلـنحو بتوجيه من الامام (ع ), حيث تؤكد آبل تستدل ـ على اصالة وضعه وعدم تاثر ابي
الاسود في ذلك بالثقافات الاخرى كما يقول كمال ابراهيم : ((لم يثبت تاريخيا ان ابا الاسود او غيره
ممن عمل في وضع قواعد لغة العرب من بعده كان يعرف اليونانية , او انه اختلطبالسريان , او عرف
السريانية واخذ النحو او شيئا من هذه اللغة منها,ومؤرخو السير العرب لم يتركوا شيئا من تفاصيل
حياة ابي الاسود الاذكروه , وكذلك الامر بالنسبة لمن سواه , ولو ان احدا منهم وقع له شي ء من هذا
القبيل لما فات واحدا على الاقل من مؤرخي تلك السير)) ((324)) .


فـهـم بـالرغم من قرب عهدهم من ابي الاسود, وتتبعهم في مثل هذه القضايا,وامانتهم ووثاقتهم في
الـنـقـل , لـم يـتعرضوا من قريب ولا بعيد لتاثر ابي الاسودـ او غيره من واضعي النحو العربي ـ
بالثقافات الاجنبية , ثم يظهر بعد اجيال طويلة من يتبنى هذا الراي , فهل عثر على شي ء جديد كان قد
خـفـي عـلى علمائنا المعاصرين وغير المعاصرين لابي الاسود؟ فرضية لا تعتمد على سند تاريخي .


3 ـ طبيعة التشابه :
ان وجود التشابه لا يدل على الاكتساب فاننا قد راينا سابقا مدى الحاجة الملحة لحفظ القرآن الكريم
مـن الـضـياع والغموض , وبدافع من تلك الحاجة والضرورة الدينية كان لا بد من التفكير في وضع
الـنحو ((ووجود تشابه في شي ء من النحو بين لغة ولغة لا يدل بالضرورة على ان نحو هذه قد اخذ
مـن نحو تلك ولا سيما بين اللغات الناشئة في منطقة جغرافية واحدة او مناطق متقاربة ذات احتكاك
بينها)) ((325)) .


امـا ((الـتشابه بين العربية من جهة والسريانية والعبرية من جهة اخرى فهوامر طبيعي , ذلك لان
هذه اللغات الثلاث من فروع لغة واحدة هي اللغة السامية الاصلية , ولا ريب ان ما ورثته كل لغة هو
عين ما ورثته الاخرى من اللغة الام , والتوافق كثير بين كل لغة واختها)) ((326)) .


ونرى هذا التوافق بينهما ليس في مجال النحو فحسب , بل يشمل الكثير من المجالات اللغوية , وهذا
ناشى من تشابه اللغتين في الاصول وفي كثير من الملامح , لانهما من منبع واحد هو اللغة السامية .


اذا ((فـالقواعد التي تستنبط من كل لغة تاتي متشابهة الى حد كبير وقواعداللغة الاخرى , وهذا لا
يعني ان نحو هذه اخذ من نحو تلك , بل لان الطبيعة اللغوية قد فرضت ذلك )) ((327)) ونرى ذلك
جليا في مجال التشابه في تقسيم الكلمة الى ثلاثة اقسام في اكثر اللغات , لان طبيعة الالفاظ البشرية
تـقـتـضـي ذلـك , وما دام الامر كذلك فلا ضرورة للاكتساب ما دام هذا التوافق في الطبيعة اللغوية
مـوجـودا, ويـكفي الفرد المثقف الواعي القاء نظرة واعية نافذة الى لغته ليبصر ويكتشف امثال هذه
الاقـسام او غيرها من الابواب اللغوية ,فليس النحو علما خرج من العدم , وانما هو قواعد موجودة
فـي الـلـغـة يعتمداكتشافها على الاستقراء, وقوة الملاحظة , وعمق في التفكير والوعي ,ومعرفة
واسـعـة في اللغة , وخاصة لو وجد الدافع الذي يحرك هذا التطلع في الانسان ويثيره للبحث عنها,
وقد توفرت كل هذه العناصر في ابي الاسود.


4 ـ مدى تاثير الثقافات الاجنبية :
ولكن القول باصالة النحو العربي اصالة عامة شاملة في بداياته وفي مراحل تطوره وتوسعه وفي كل
ابوابه وتفريعاته ومسائله لا يصح القول به ايضا, اذنتيجة لمرور الزمن وسعة وشدة اتصال العرب
بـالاجـانـب واخـتـلاطـهم بهم والتلاقح الثقافي بينهم والانبهار والتاثر الشديد بالفلسفة والمنطق
وبـعض العلوم الوافدة من الثقافات الاخرى , دخلت للنحو مسائل وعناصرجديدة وغريبة عن وجهه
واصالته , كما تاثرت سائر العلوم الاسلامية بمثل هذه الثقافات الوافدة بالرغم من اصالتها في بداياتها
((فـالـعـرب تـاثـروا بـهـمـا آاي بالفلسفة والمنطق اليونانيين ـ في تنظيم النحو وتهذيبه , وفي
بعض مصطلحاته واساليبه , وفي طريق الحجاج والمناقشة فيه , وهناك فرق بين نقل النحو عنهم او
تـقـلـيـدهـم والـتاسي بهم في ابداعه وانشائه , وبين الافادة من هذا المنطق في طريقة البحث فيه
والاستدلال عليه وفي استعارة بعض مصطلحاته او السير على نهجه واسلوبه )) ((328)) .


وهـذا الراي الذي يذهب الى تاثر النحو العربي في مراحل تطوره بالثقافات الاجنبية قد اعترف به
حتى بعض النحاة والمؤرخين القدامى , لا في بدايات نشاته .


ومـن هـنـا ظـهرت حركة عند بعض القدامى والمعاصرين من النحاة في تهذيب النحو وتجريده من
العناصر الدخيلة فيه والمسائل المتاثرة بالفلسفة والمنطق واعادته الى وجهه الاصيل , مما يدل على
وجود قواعد ومسائل اصيلة في النحو غير متاثرة بالثقافات المستوردة والاجنبية .


مرحلة الوضع الزمنية :
وقـد نسلم للمعارضين ونقول : ان النحو العربي ليس اصيلا في وضعه , بل هومكتسب , وقد اكتسب مـن الثقافات الاجنبية , فحتى على هذا الفرض , فان مرحلة وضع النحو العربي لا تتاخر عن عصر
الامام (ع ), ولا ينهار الراي الذي يذهب الى وضع الامام (ع ) وابي الاسود للنحو العربي وذلك :
1 ـ تـاثـيـر الـثقافة اليونانية : قلنا: انه لا يمكن ان يكون الاكتساب من الثقافة اليونانية , وذلك لاننا
ذكـرنا انه لا يمكن ان يكون الاكتساب من هذه الحضارة لان اتصال المسلمين بها قد حدث في فترة
متاخرة , والنحو العربي كان موجودا قبل زمن الاتصال وقبل نقل الكتب اليونانية وترجمتها,فسيبويه
والخليل وعيسى بن عمر ينقلون عن نحاة قبلهم يعبرون عنهم بآ((البادئين الاولين )).


2 ـ تـاثـيـر الثقافة السريانية : اذا فلا بد ان يكون الاكتساب من غير الحضارة الاغريقية المتاخر
وفـودهـا لـلـبـلاد الاسـلامـية , وكما يذهب اليه بعض المعاصرين ان النحو العربي متاثر بالنحو
السرياني , فالسريانيون دخلواالاسلام في خلافة عمر وخالطوا المسلمين مخالطة وثيقة آنذاك ـ
وخـصوصافي العراق ـ, ((ولم يكن العلماء السريان هم السبيل الوحيد لهذا التاثر, بل اشترك معهم
وربـمـا بزهم اولئك الموالي من السريان الذين استعربوا واسهموافي الدراسات النحوية والعربية
اسهاما مباشرا)) ((329)) .


وكما مر ان (سيبوخت ) قد شجع التعاون الثقافي بين المسلمين والسريان ,فمثل هذا الاتصال الثقافي
الـوطـيد بين العرب والسريان منذ صدر الاسلام يفرض ان يطلع المسلمون على التجارب الفكرية
والـثـقـافـيـة ـ ومـنها النحو آلدى السريان , ومن هنا تنشا فكرة احتمال اكتساب النحو في بدايته
من السريان , ونحن قد ناقشنا هذا الاحتمال .


3 ـ ولكن هذا الاحتمال ـ على تقدير تسليمه ـ لا يؤخر زمن الوضع عن تلك الفترة التي حددناها ـ
اي زمن الامام (ع ) ـ اذ ليس هناك اي ضرورة للتاخير وقد كان السريان منتشرين منذ خلافة عمر
فـي الاوسـاطالاسـلامـيـة , فـفي خلال هذه المدة الى زمان خلافة الامام (ع ) الا يحتمل ان يكون
المسلمون قد تعرفوا على الثقافة السريانية ومنها النحو؟
يـقـول العقاد في هذا المجال : ((ولكن الروايات العربية لا تنتهي الى مصدرارجح من هذا المصدر,
وغـيرها من الروايات الاجنبية والفروض العلمية لاتمنع عقلا ان يكون الامام (ع ) اول من استنب
ط الاصـول الاولـى لـعـلـم الـنـحوالعربي من مذاكرة العلماء بهذه الاصول بين ابناء الامم التي تغشى
الـكـوفـة وحواضر العراق والشام وهم هناك غير قليل , ولا سيما السريان الذين سبقوا الى تدوين
نحوهم , وفيه مشابهة كبيرة لنحو اللغة العربية ((330)) )).


فـاذا كـان الاتصال بالسريانيين ممكنا في عصر الامام (ع ) وابي الاسود فلايتاخر التدوين عن تلك
الفترة على تقدير اكتساب ابي الاسود النحومنهم .


4 ـ بل يمكن لنا القول : ان النحو السرياني مكتسب من النحو العربي , فقدذكر المؤرخون ان يعقوب
الـرهـاوي هـو اول مـن وضـع الـنـحـو السرياني ودونه ((فهو اول من باشر وضع هذه القواعد
لـلسريانيين )) ((331)) وقد ذكر جرجي زيدان ان يعقوب الرهاوي قد توفي سنة 640م , ولكن
هـذا غير صحيح , اذذكر عبد الحميد حسن نقلا عن ((اللمعة الشهية )) انه توفي سنة 08(ع )م ,
كـمـاذكـر ذلـك ايـضا دي پور واحمد امين وفؤاد حنا ترزي , وقبل هذا التاريخ كان قد توفي ابو
الاسود, اذ انه توفي سنة 688م , وهو اول من وضع النحوالعربي .


اذا فـقد توفي ابو الاسود قبل وفاة الرهاوي بعشرين سنة , فهو اسبق زمنيامنه , وابو الاسود عاش
85 سـنـة كـمـا ذكرناه في ترجمته , كما انه لم يضع النحو في اواخر عمره , بل وضعه في زمان
خـلافـة الامام (ع ), فيكون قد وضع النحوقبل وفاته بـ 33 سنة , مضافة الى 20 سنة , فيكون قد
وضـع الـنـحـو قـبـل وفـاة الـرهاوي بـ 53 سنة , فهل يمكن اكتساب النحو من السريانيين قبل
وضع نحوهم وقبل تدوينه ؟.


اذا فلماذا لا نفرض العكس ونقول : ان السريان قد اكتسبوا نحوهم من العرب ـ كما ذهب البعض الى
((332)) ولماذا الاصرار على ضرورة
؟ الاكـتـسـاب ؟ المحفزة على ذلك ؟ وانا لا اريد ان اؤيد نظرية الاصالة وعدم الاكتساب بصورة مطلقة وشاملة , بل اريد ان اقول : انه لا
يمكن اكتساب النحو العربي من النحوالسرياني , للاسباب التي ذكرناها.


اذا ـ وكـمـا قـلـنـا سـابقا ـ فان فكرة اكتساب النحو في بدايته (فرضية ) لا تثبتهاادلة وروايات
تـاريـخـيـة عـلـى العكس من (اصالته ) التي تثبتها ـ بالاضافة الى الادلة التي يذكرها المعاصرون
والـقـدامـى ـ روايـات ونصوص تاريخية تؤكدهذا الراي , وان الامام (ع ) او ابا الاسود قد وضع
النحو العربي .


ولـكن على اي احتمال فلا يتاخر تاريخ بداية النحو عن تلك المرحلة الزمنية التي عاشها الامام (ع )
وابو الاسود.


مع الاعتراض الثالث
ونناقش فيه الراي الذي يذهب الى ((ان اقدم من نسبت اليه آراء نحوية هوعبداللّه بن اسحاق , ولا
يجد رايا لابي الاسود, ولا لطبقتين بعده في كتاب سيبويه او ما بعده )) ((333)) كما مر ذكره .


ومناقشتنا ـ كما هو منهجنا ـ على خطوات :
1 ـ تاخر التدوين :
فـقد تاخر التدوين والكتابة في شتى المجالات الثقافية ـ الا في المصحف الشريف ـ وليس في مجال
النحو فحسب , بحيث كانت المسائل تحفظ في الذاكرة دون محاولة تدوينها وكتابتها ـ كما تذكر ذلك
الـمـصـادر الـتـاريـخـيـة آومـن هـنا نفسر اختلاف الروايات في شكلها ومتنها ـ حتى بالنسبة
للحديث الواحد ـ, وهذا الامر نلاحظه حتى في الاحاديث النبوية الشريفة , فكيف في الروايات التي
لا تملك ذلك الحافز الديني ولا تلك القداسة التي يملكهاالحديث النبوي كهذه الروايات ـ كما سياتي
الـبـحث في هذا الامر ـ, فلم تسجل او تدون آراء ابي الاسود, او آراء الطبقة الثانية التي من بعده ,
لـعـدم شيوع التدوين آنذاك , وللاعتماد على الذاكرة والحفظ في الصدور فحسب ,التي تكون عادة
عرضة للنسيان والاهمال ((334)) .


2 ـ بدائية آراء ابي الاسود:
واضـافة الى تاخر التدوين ((فان مسائل النحو ليست مسائل ثابتة لا تتغير,وانما هي مسائل ياخذها
الـخـلـف عـن السلف , يزيدون عليها ويفرعون فيهابحسب الضرورة الداعية والتلاميذ المتعلمين ,
واظـنـنـا نـشـاهـد ذلك بعد ان استقرت مسائل النحو وثبتت قواعده , ونشاهد تيسيرا وتعديلا لا
يختلف حقيقة مع الاصل , ولكنه يتفق مع العقلية ومع الحاجة الداعية )) ((335)) .


فـعدم ذكر راي لابي الاسود في كتاب سيبويه ليس لاجل عدم وجود راي نحوي له , بل لبعد الزمن
وعـدم تـسجيل آرائه كتابة , بينما ذكرت آراء عبداللّه بن ابي اسحاق ـ مثلا ـ لان الخليل كان قد
تـلـقـاهـا مـنـه مـبـاشرة ونقلها الى تلميذه سيبويه , وكذلك لتطور الاراء النحوية بحيث لا تتلاءم
بـعـقليتهاومنهجيتها وطبيعتها البدائية العامة مع كتابتها وعرضها في كتاب سيبويه ـ او في غيره من
الـكتب النحوية ـ بعد ان طورها ووسعها تلامذة ابي الاسود ومن بعدهم وفرعوا فيها واعتمد على
مـنـاهـج واسـالـيـب وآراء تـتلاءم وروح عصرها ووعيه بحيث وصلت لسيبويه بالصورة الثانية
المتطورة وليست بالشكل الذي وضعه ابو الاسود.


وحـتـى آراء عـبداللّه بن ابي اسحاق النحوية ـ الذي يصفه النحاة والمؤرخون ((بانه اول من بعج
النحو ومد القياس والعلل )) ((336)) ـ لم تذكر ولم يالفهاالنحاة بعد ذلك ((يقول محمد بن سلام :
سمعت رجلا يسال يونس عن ابن ابي اسحاق وعلمه , قال : هو والنحو سواء, اي هو الغاية فيه , قال :
فـايـن علمه من علم الناس اليوم ؟ قال : لو كان في الناس اليوم من لا يعلم الا علمه لضحك به ولو كان
فـيـهـم احد له ذهنه ونفاذه , ونظر نظره كان اعلم الناس )) ((337)) فاذا كان شان آراء ابن ابي
اسحاق كما ذكر فكيف يكون الحال في آراء ابي الاسود وهو متقدم زمنيا عليه ؟
3 ـ الرواة المعاصرون لابي الاسود:
ولكن كل ذلك ليس بشي ء امام ذلك الحشد الكبير من الروايات المثبتة لهذه النسبة ((وبعض الروايات
لـمـؤرخـين كانوا قريبي العهد الى عصر وضع النحو)) ((338)) كما مر ذكرهم , اضافة الى ما
ذكـره الـنـحاة في كتبهم وسيبويه نفسه ((من ذكر اصطلاحات نحوية وقواعد عرفت بالنقل عن
الـبادئين الاولين , والناقلون هم من اوثق الثقات كالخليل بن احمد وابن العلاء, فقددرس هؤلاء على
رجـال الـطـبـقة الثانية )) ((339)) فاذا لم يكن البادئون الاولون ابا الاسود وتلاميذه , اذن فمن
يـكونون ؟ ابي الاسود فترة زمنية واسعة , هذا كله بالاضافة للشواهد التي ذكرناها سابقا والتي تدل على وجود
كتاب لابي الاسود في النحو وتعرض بعض الكتب النحوية لارائه ووضعه امثال تقسيم الكلمة .


4 ـ سيبويه وابو الاسود:

/ 11