ابن تیمیة، حیاته و عقائده نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ابن تیمیة، حیاته و عقائده - نسخه متنی

صائب عبد الحمید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



تاثير عقيدته فى الصفات على منهجه فى التفسير :
ومع هاويه التشبيه، ومن الموقف الحنبلى ايضا، لنحدد موقعا
آخر من مواقع الخطا التى اوقعت ابن تيميه فى تلك الهاويه:
يقول ابن الجوزى: اعلم ان عموم المحدثين حملوا ظاهر ما
تعلق من صفات البارى سبحانه على مقتضى الحس، فشبهوا،
لانهم لم يخالطوا الفقهاء فيعرفوا حمل المتشابه على مقتضى
الحكم.


فوجود المتشابه فى القرآن والسنه امر مسلم، اما القرآن فنصه
صريح فى ذلك، فى قوله تعالى: ( هو الذى انزل عليك الكتاب
منه آيات محكمت هن ام الكتاب واخر متشابهت ).


واما السنه فالمتشابه فيها وارد ايضا، كما فى نص ابن الجوزى
المتقدم.


لكن الذى ذهب اليه الشيخ ابن تيميه انه نفى وجود المتشابه
على الاطلاق، وجعل القول كله محكما ! فهو يقول: ان التشابه
امر نسبى، فقد يتشابه عند هذا ما لا يتشابه عند غيره، ولكن ثم
آيات محكمات لا تشابه فيها على احد، وتلك المتشابهات اذا
عرف معناها صارت غير متشابهه، بل القول كله محكم.


وعندما يجمع اهل العلم بالتفسير من الصحابه وتابعيهم على
ان المتشابه، الذى يحتمل اكثر من معنى، انما يعرف المراد منه
بعد رده الى المحكم، فينتخب المعنى الموافق للمحكم لان
القرآن لا يخالف بعضه بعضا، وانما يفسر بعضه بعضا ويبينه.


يرى ابن تيميه وحده ان المتشابه لا وجود له حقيقه وانما يعلم
معناه العلماء من غير رد الى المحكم.


كل ذلك قاله لاجل تقرير عقيدته فى الصفات، التى ورد الكثير
منها فى المتشابه من القرآن والسنه، فاذا وافق على وجوب رد
المتشابه الى المحكم فسوف تبطل عقيدته فى تفسير آيات
الصفات واحاديثها على ظاهرها !.


ويعد رايه هذا فى نفى المتشابه فى القرآن من اهم مزايا منهجه
فى التفسير.


فهو يقسم طرق التفسير الصحيحه الى اربع طرق:
الاولى : تفسير القرآن بالقرآن.


وهو محصور عنده بالمجمل والمفصل، والمختصر والمبسوط،
اما المحكم والمتشابه فقد عطله تماما كما تقدم.


الثانيه : التفسير بالسنه.


الثالثه : التفسير باقوال الصحابه.


الرابعه: التفسير باقوال التابعين.


تقسيم رائع حين يكون التطبيق رائعا ايضا.


فحين يقول: ان جمع عبارات السلف - فى التفسير - نافع جدا،
لان مجموع عباراتهم ادل على المقصود من عباره او عبارتين.


تراه فى نفس الوقت لا ياخذ من اقوال السلف فى التفسير الا ما
وافق مذهبه.


وحين يذكر الاختلاف فى التفسير واسبابه، فيعيب قوما
(اعتقدوا معان ثم ارادوا حمل الفاظ القرآن عليها)تراه يحمل
الفاظ القرآن على المعانى التى اعتقدها من مذهبه فى
التشبيه، ومن عقيده ابن حزم الاندلسى، ثم يصف كل ذلك بانه
(قول السلف)، و (اتفاق السلف)، حتى وان كان اغلب السلف
على خلافه، بل ربما لم يقل به احد من السلف، كما فى النماذج
التى عرضناها فى هذا الفصل، وعند الكلام على علم الحديث
فى الفصل السابق.


ثم تراه ياخذ باخبار الحشويه التى تخالف ضروريات الدين
وصريح القرآن، لا فى آيات الصفات التى تقدم الحديث عنها
فقط، وانما فى مواضع اخرى من التفسير، واليك هذا النموذج
الشاهد، الذى يرويه عنه احد تلامذته الذين حضروا عنده كثيرا:
يقول صلاح الدين الصفدى: سالته عن تفسير قوله تعالى: ( هو
الذى خلقكم من نفس واحده وجعل منها زوجها ليسكن اليها
فلما تغشها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما اثقلت دعوا اللّه
ربهما لئن آتيتنا صلحا لنكونن من الشاكرين فلما آتهما صلحا
جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعلى اللّه عما يشركون).


فاجاب بما قاله المفسرون فى ذلك، وهو آدم وحواء، وان حواء
لما اثقلت بالحمل اتاها ابليس فى صوره رجل، وقال: اخاف من
هذا الذى فى بطنك ان يخرج من دبرك ، او يشق بطنك، وما
يدريك لعله يكون بهيمه او كلبا ! فلم تزل فى هم حتى اتاها
ثانيا، وقال لها: سالت اللّه تعالى ان يجعله بشرا سويا، وان كان
كذلك سميه عبدالحارث.


وكان اسم ابليس فى الملائكه
الحارث، فذلك قوله تعالى: ( فلما آتهما صلحا جعلا له شركاء
فيما آتاهما ) وهذا مروى عن ابن عباس ! .


قال الصفدى: فقلت له: هذا فاسد من وجوه:
الاول : لانه تعالى قال فى الايه ( فتعالى اللّه عما يشركون )
فهذا يدل على ان القصه فى حق جماعه.


والثانى : انه ليس لابليس فى الكلام ذكر.


والثالث : ان اللّه تعالى علم آدم الاسماء كلها، فلا بد وانه كان
يعلم ان اسم ابليس الحارث.


والرابع : انه تعالى قال: ( ايشركون ما لا يخلق شيئا وهم
يخلقون ) وهذا يدل على ان المراد به الاصنام، لان (ما) لما لا
يعقل، ولو كان ابليس لقال (من) التى هى لمن يعقل.


فقال (رحمه اللّه): قد ذهب بعض المفسرين الى ان المراد بهذا
قصى، لانه سمى اولاده الاربعه: عبدمناف، وعبدالعزى،
وعبدقصى، وعبدالدار.


والضمير فى (يشركون) له ولاولاده من
اعقابه الذين يسمون اولادهم بهذه الاسماء وامثالها !.


فقلت له: وهذا ايضا فاسد ! لانه تعالى قال: ( خلقكم من نفس
واحده وجعل منها زوجها ) وليس كذلك الا آدم لان اللّه تعالى
خلق حواء من ضلعه.


فقال (رحمه اللّه): المراد بهذا ان زوجه من جنسه عربيه قرشيه
!.


قال الصفدى: فما رايت التطويل معه.


ولا نرى نحن التعليق على ما انتخبه من التفسير، ولا على
تاويله الاخير (وجعل منها زوجها ) اى ان زوجه من جنسه
عربيه قرشيه، ولكن اقرا ما ذكره القرطبى فى هذه الاقوال، ثم
قارن:
قال القرطبى: نحو هذا مذكور من ضعيف الحديث فى الترمذى
وغيره، وفى الاسرائيليات كثير ليس لها ثبات، فلا يعول عليها
من له قلب !.


فان آدم وحواء (ع) وان غرهما باللّه الغرور، فلا يلدغ المومن من
جحر مرتين.


قال: وقال قوم: ان هذا راجع الى جنس الادميين،
والتبيين عن حال المشركين من ذريه آدم (ع).


وهو الذى
يعول عليه، فقوله: ( جعلا له ) يعنى الذكر والانثى الكافرين،
ويعنى بهما الجنسان، ودل على هذا قوله: ( عما يشركون) ولم
يقل يشركان.


وهذا قول حسن .


مع التفاسير والمفسرين :
كيف كانت رويته للتفاسير والمفسرين ؟.


له روى يذكرها فى غير موضع من كتاباته، ثم جمعها فى اجابه
له على سوال ورده عن التفاسير، ايها اقرب الى الكتاب والسنه:
الزمخشرى، ام القرطبى، ام البغوى، ام غير هولاء ؟.


فقال: اما التفاسير التى فى ايدى الناس، فاصحها: تفسير محمد
بن جرير الطبرى، فانه يذكر مقالات السلف بالاسانيد الثابته،
وليس فيه بدعه، ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير،
والكلبى.


والتفاسير غير الماثوره بالاسانيد كثيره: كتفسير عبدالرزاق،
وعبد بن حميد، ووكيع، وابن ابى قتيبه، واحمد بن حنبل،
واسحاق بن راهويه.


واما التفاسير الثلاثه المسوول عنها، فاسلمها من البدعه
والاحاديث الضعيفه: البغوى، لكنه مختصر من تفسير الثعلبى،
وحذف منه الاحاديث الموضوعه والبدع التى فيه، وحذف اشياء
غير ذلك.


واما الواحدى: فانه تلميذ الثعلبى، وهو اخبر منه بالعربيه، لكن
الثعلبى فيه سلامه من البدع وان ذكرها تقليدا لغيره.


وتفسيره
وتفاسير الواحدى: البسيط، والوسيط، والوجيز، فيها فوائد
جليله، وفيها غث كثير.


واما الزمخشرى: فتفسيره محشو بالبدعه.


وعلى طريقه
المعتزله من انكار الصفات والرويه ! والقول بخلق القرآن، وانكر
ان اللّه مريد للكائنات، وخالق لافعال العباد، وغير ذلك من
اصول المعتزله.


وقد حشا بها كتابه بعباره لا يهتدى اكثر الناس
اليها، ولا لمقاصده فيها.


مع ما فيه من الاحاديث الموضوعه،
ومن قله النقل عن الصحابه والتابعين.


وتفسير القرطبى: خير منه بكثير، واقرب الى طريقه اهل
الكتاب والسنه، وابعد عن البدع.


وان كان كل من هذه الكتب لا بد ان يشتمل على ما ينقد، لكن
يجب العدل بينها، واعطاء كل ذى حق حقه.


وتفسير ابن عطيه: خير من تفسير الزمخشرى، واصح نقلا
وبحثا، وابعد عن البدع، وان اشتمل على بعضها، بل هو خير منه
بكثير، ولعله ارجح هذه التفاسير، لكن تفسير ابن جرير الطبرى
اصح من هذه كلها.


وثم تفاسير اخر كثيره جدا كتفسير ابن الجوزى والماوردى.


والمعتزله من اعظم الناس كلاما وجدالا، وقد صنفوا تفاسير
على اصول مذهبهم، مثل: تفسير عبدالرحمن بن كيسان
الاصم، وكتاب ابى على الجبائى، والتفسير الكبير للقاضى
عبدالجبار، والتفسير لعلى بن عيسى الرمانى.


ولابى جعفر الطوسى تفسير على هذه الطريقه، لكن يضم الى
ذلك قول الاماميه الاثنى عشريه.


الفصل الثالث- مع الصوفيه
هكذا خاطب الصوفيه
مع ابن عربى فى عقائده
العقيده فى التوسل بالنبى(ص)
زياره قبور الانبياء والصالحين
هكذا خاطب الصوفيه
لم يكن خطابه للصوفيه كخطابه لليزيديه الغلاه، فحين كان
مع غلاه اليزيديه ذلك الناصح المشفق والودود الرحيم، تراه
مع الصوفيه على العكس من ذلك، فهو لا يتردد فى وصفهم
بالضلال، وتشبيههم بالكفار والمشركين حتى حين يوجه
كلامه للعوام منهم وبعض من انتحل التصوف، وان استثنى
بعض مشاهيرهم كالجنيد وابى يزيد البسطامى وعبدالقادر
الجيلى ونظرائهم.


وفى كتابه (العباده وحقيقه العبوديه) تراه كاحد الصوفيه
المصلحين، يكشف عن وجوه اخطائهم، وينتقد اغراقهم فى
بعض المعانى، ويرد عليهم بلغتهم، لغه الصوفيه، لا بلغه
الفقهاء.


فكثير من اهل التصوف قد غره حاله، وغرق فى جهله، فهم
يتكلمون عن الحقيقه وشهود الحقيقه، فيقع اكثرهم فى الوهم
الكبير حين لا يميز بين مراتب الحقيقه وشهودها.


فاول الحقائق هى الحقيقه الكونيه، ومعناها ان اللّه تعالى هو
الخالق لهذا الكون وما فيه، وكثير منهم ممن يتكلم عن
الحقيقه وشهودها انما يشهد هذه الحقيقه لا غير، فى حين لم
يكن هذا الشهود مما اختص به المومنون، بل يشترك فيه
المومن والكافر، والبر والفاجر ( ولئن سالتهم من خلق
السموات والارض ليقولن اللّه ) بل وابليس ايضا معترف بهذه
الحقيقه !.


فمن وقف عند هذه الحقيقه وعند شهودها، ولم يقم بما امر اللّه
به من الحقيقه الدينيه التى هى عبادته المتعلقه بالهيته
وطاعه امره وامر رسوله، كان من جنس ابليس واهل النار.


ومن اخذ بالحقيقه الدينيه فى بعض الامور دون بعض، او فى
مقام او حال دون آخر، نقص من ايمانه وولايته للّه بحسب ما
نقص من الحقائق الدينيه.


وهذا مقام عظيم فيه غلط الغالطون،
وكثر فيه الاشتباه على السالكين حتى زلق فيه من اكابر
الشيوخ المدعين التحقيق والتوحيد والعرفان ما لا يحصيهم الا
اللّه.


ولربما زعم بعضهم انه حين يبلغ الولى شهود الاراده كما بلغ
الخضر ونحوه، يسقط عنه الامر والنهى التعبديين ! وهذا شر
من اقوال الكافرين باللّه ورسوله.


ومنهم من يتكى على القدر حتى يظن ان المعاصى والذنوب
جاريه عليه بمشيئه اللّه وقدره، فيسلم لها ظانا ان هذا هو حق
المعرفه والرضا ! وهذا جهل كبير، فلو كان هذا عذرا لاحد لكان
عذرا لابليس ولكل كافر ! .


ولاغراقهم فى دعوى الحب تعرض كثير منهم للانزلاق
الخطير، فقد ظهر فى المتاخرين منهم من انبسط فى دعوى
المحبه حتى اخرجه ذلك الى نوع من الرعونه، فاصبح يدعى
دعاوى تتجاوز حدود الانبياء والمرسلين، او يطلب من اللّه ما لا
يصلح حتى للانبياء والمرسلين ! وهذا باب وقع فيه كثير من
الشيوخ، وسببه ضعف تحقيق العبوديه التى بينها الرسل، بل
ضعف العقل الذى به يعرف العبد حقيقته، فاذا ضعف العقل
وقل العلم بالدين، وفى النفس محبه، انبسطت النفس بحمقها
فى ذلك حتى يقول: انا محب، فلا يواخذنى اللّه ! وهذا عين
الضلال، وهو شبيه بقول اليهود والنصارى ( نحن ابناء اللّه
واحباوه ).


وكثير من السالكين سلكوا فى دعوى حب اللّه انواعا من الجهل
بالدين، كتعدى حدود اللّه، او تضييع حقوق اللّه، او ادعاء
الدعاوى الباطله التى لا حقيقه لها، كقول بعضهم: اذا كان يوم
القيامه نصبت خيمتى على جهنم حتى لا يدخلها احد! .


ولكن مثل هذا قد يصدر فى حال سكر وغيبه وفناء يسقط فيها
تمييز الانسان، او يضعف حتى لا يدرى ما قال، والسكر هو لذه
مع عدم التمييز، لهذا كان بعضهم اذا صحا استغفر من ذلك
الكلام.


وهذا النوع من الفناء هو (الفناء عن شهود السوى) وكثيرا ما
يحصل للسالكين، فانهم لفرط انجذاب قلوبهم الى ذكر اللّه
وعبادته ومحبته، وضعف قلوبهم عن ان تشهد غير ما تعبد، لا
يخطر بقلوبهم غير اللّه، بل ولا يشعرون الا به، كما قيل فى قوله
تعالى : ( واصبح فواد ام موسى فارغا ) قالوا: فارغا من كل شى ء
الا من ذكر موسى.


اما اكابر الاولياء فلم يقعوا بمثل هذا الفناء، ولا كان هذا حال
الصحابه الكرام، وانما وقع شى ء منه بعد الصحابه.


واما مرتبه الكاملين من الانبياء والاولياء فهو الفناء عن اراده ما
سوى اللّه،وهوالمراد من قوله تعالى: ( الا من اتى اللّه بقلب
سليم ) قالوا: هو السليم مما سوى اللّه.


وهو المعنى الذى قصده
الشيخ ابو يزيد حين قال: اريد ان لا اريد ما يريد.


وعلى هذا النحو سار فى كتابه (التحفه العراقيه فى الاعمال
القلبيه) وقد فسر الاعمال القلبيه بالمقامات والاحوال.


فى آفاق الصراع : name="link52">
اخذ صراعه مع الصوفيه - رجالهم وعقائدهم وممارساتهم -
ردحا طويلا من عمره، وشغل من مصنفاته حصه توازى ما كتبه
فى الصفات.


ونالت هذه الحصه حظها الوافر فى ما كتب عنه قديما وحديثا،
غير ان احدا من الذين كتبوا لم يقف على اسرار منهجه فى
ذلك الصراع، وانما اغراهم انه واجه الصوفيه، وكشف اخطاءهم،
وشنع عليهم، وابطل حيلهم، من غير ان يلتفتوا الى سوال
خطير لا بد ان يتصدر اى بحث علمى فى مثل هذا الميدان، الا
وهو: هل كان الشيخ ابن تيميه مصيبا فى كل ما واجه به
الصوفيه ؟.


وحين كان يرد على ما اسماه (ضلالهم وانحرافهم) هل وقف هو
على الاحكام الحقه الموافقه للكتاب والسنه ؟.


ثم اشياء قد تستنكرها، ولكنها الحقيقه التى لا غبار عليها ولا
تقبل تاويلا ! .


لقد وقع ابن تيميه اثناء ردوده على الصوفيه فى اخطاء كبيره
ليست اقل خطرا من اخطائهم التى ذهب ينتقدها، فحين وجد
فيهم ميلا عن الصواب فى بعض ما لديهم، نازعهم فيه، فبالغ
فى النزاع حتى مال هو ايضا عن الصواب ولكن الى الجانب
الاخر ليكون على الطرف النقيض لهم ابدا.


ثم استفاد من لباقته التى تستحوذ على القارى فسلك اسلوبا
فى المناقشه والاحتجاج لا يبيحه البحث العلمى بشكل من
الاشكال ! .


فى الفقرات التاليه نبذ موجزه من هذا الاسلوب، وتلك الاخطاء،
وذاك التطرف.


مع ابن عربى فى عقائده
فى البدء: من هو ابن عربى ؟ .


هو محمد بن على بن محمد ابن العربى، ابو بكر الحاتمى
الطائى، المعروف بالشيخ الاكبر محيى الدين بن عربى.


مولده بالاندلس فى سنه 560 ه.


وزار الشام وبلاد الروم والعراق،
ثم زار مصر فحبس فيها بسبب (شطحات صدرت منه) كما
قيل، واراد بعضهم قتله، ولكن سعى آخرون فى خلاصه، فنجا،
وخرج من مصر الى دمشق، فاقام فيها حتى توفى سنه 638 ه.


وكان فيلسوفا متصوفا، من ائمه المتكلمين فى كل علم، وله
تصانيف عديده قدرت بنحو اربعمئه كتاب ورساله، وله ديوان
شعر اكثره فى التصوف.


وصفه الذهبى فقال: هو قدوه المتكلمين بوحده الوجود.


ووحده الوجود عند ابن عربى تعنى كما عبر عنها هو:
(انه ما فى الوجودالا اللّه، ونحن وان كنا موجودين فانما وجودنا
به -تعالى، وفى هذا المعنى قول لبيد: الا كل شى ء ما خلا اللّه
باطل .


قال رسول اللّه (ص) فى هذا البيت: (اصدق بيت قالته
العرب قول لبيد)).


وابن عربى من اكثر من وقع تحت مطرقه ابن تيميه، فوصفه
بالكفر والضلال، ونسب اليه من الاقوال ما يثير الدهشه، فيمر
على البسطاء والمقلدين الواثقين بشيخهم مرور البراهين
المحكمه، والحقائق الثابته ! ولكن ما ان يكلف المرء نفسه قليلا
فى البحث عن الحقيقه، ويلقى جلباب التقليد وراءه، حتى يجد
انه كلام ليس فيه من الحق شى ء ! .


بل يجد اغرب من ذلك، يجد وهو يتنقل بين الحقيقه والافتراء
ما هو اشبه ببعض اللعب السياسيه، او المسرحيات الساخره ! .


لذا وسمت الفقرات التى ساعرضها هنا (بالمشاهد) وما ان تقرا
شيئا منها حتى توافقنى على هذا العنوان.


المشهد الاول : name="link54">
قال ابن تيميه:
ومنهم - اى الصوفيه - من يدعى ان خاتم الاولياء افضل من
خاتم الانبياء من جهه العلم باللّه، وان الانبياء يستفيدون العلم
باللّه من جهته، كما زعم ذلك ابن عربى صاحب كتاب
(الفتوحات المكيه) وكتاب (الفصوص)، فخالف الشرع والعقل
مع مخالفه جميع انبياء اللّه واوليائه.


كلام ابن عربى فى الانبياء والاولياء :
ننقل من كلام محيى الدين بن عربى فى كتابه (الفتوحات
المكيه) عده نصوص فى هذا الشان ليتضح الامر وتسهل
المقارنه.


قال ابن عربى: ان اللّه اصطفى من كل جنس نوعا، ومن كل نوع
شخصا، واختاره عنايه منه بذلك المختار..


فاختار من النوع
الانسانى: المومنين، واختار من المومنين الاولياء، واختار من
الاولياء الانبياء، واختار من الانبياء الرسل، وفضل الرسل بعضهم
على بعض.


وهذا صريح فى تفضيل الانبياء على الاولياء.


وقال: اعلم ان الرسل اعدل الناس مزاجا، لقبولهم رسالات
ربهم، وكل شخص منهم قبل من الرساله قدر ما اعطاه اللّه فى
التركيب، فما من نبى الا بعث خاصه الى قوم معينين لانه على
مزاج خاص مقصور، وان محمدا ما بعثه اللّه الا برساله عامه الى
جميع الناس كافه، ولا قبل هو مثل هذه الرساله الا لكونه على
مزاج عام يحوى على مزاج كل نبى ورسول، فهو اعدل الامزجه
واقومها واكمل النشات.


وقال: ان شرط اهل الطريق - يعنى مشايخ الصوفيه - فى ما
يخبرون عنه من المقامات والاحوال ان يكون عن ذوق، ولا
ذوق لنا ولا لغيرنا ولا لمن ليس بنبى صاحب شريعه فى نبوه
التشريع ولا فى الرساله، فكيف نتكلم فى مقام لم نصل اليه، او
على حال لم نذقه لا انا ولا غيرى ممن ليس بنبى
ذى شريعه من اللّه،ولارسول؟! حرام علينا الكلام فيه.


وقال ايضا: حضرت فى مجلس فيه جماعه من العارفين، فسال
بعضهم بعضا: من اى مقام سال موسى الرويه.


فقال الاخر: من مقام الشوق.


فقلت له: لا تفعل، اصل الطريق ان نهايات الاولياء بدايات
الانبياء، فلا ذوق للولى فى حال من احوال انبياء الشرائع، ومن
اصولنا انا لا نتكلم الا عن ذوق، ونحن لسنا برسل ولا انبياء
شريعه، فباى شى ء نعرف من اى مقام سال موسى الرويه ؟! .


الان، وبعد ان قرانا عقيده ابن عربى اصبحنا قادرين على معرفه
مدى صحه ما نسبه اليه ابن تيميه، وسنزداد يقينا مع المشاهد
التاليه.


المشهد الثانى : name="link56">
قال ابن تيميه:
ولما كانت احوال هولاء شيطانيه، كانوا مناقضين للرسل صلوات
اللّه تعالى وسلامه عليهم، كما يوجد فى كلام صاحب
(الفتوحات المكيه) و (الفصوص) واشباه ذلك، يمدح الكفار
مثل: قوم نوح وهود وفرعون وغيرهم، وينتقص الانبياء: كنوح
وابراهيم وموسى وهارون ! ويذم شيوخ المسلمين المحمودين
عند المسلمين: كالجنيد بن محمد، وسهل بن عبداللّه
التسترى وامثالهما، ويمدح المذمومين عند المسلمين:
كالحلاج ونحوه.


مع ابن عربى : name="link57">
ان الصحيح من عقيده ابن عربى الثابت فى كتبه هو على الضد
تماما مما ذكره ابن تيميه.


فعن المقام الاول : حيث نسب اليه ابن تيميه مديح الكفار وذم
الانبياء، اقرا هذا النص من كلام ابن عربى:
قال ابن عربى: ينبغى للمذكر ان يراقب اللّه ويستحى منه
ويكون عالما بما يورده، وما ينبغى لجلال اللّه، ويتجنب
الطامات فى وعظه، فان الملائكه يتاذون اذا سمعوا فى الحق
وفى المصطفين من عباده ما لا يليق، وهم عالمون بالقصص،
وقد اخبر( ان العبد اذا كذب الكذبه تباعد منه الملك ثلاثين
ميلا من نتن ما جاء به، فتمقته الملائكه.


فاذا علم المذكر ان مثل هولاء يحضرون مجلسه، فينبغى له ان
يتحرى الصدق ولا يتعرض لما ذكره المورخون عن اليهود من
زلات من اثنى اللّه عليهم واجتباهم، ويجعل ذلك تفسيرا
للقرآن، ويقول: قال المفسرون ! .


وما ينبغى ان يقدم على تفسير كلام اللّه بمثل هذه الطوام،
كقصه يوسف وداود وامثالهم، ومحمد (، بتاويلات فاسده
واسانيد واهيه عن قوم قالوا فى اللّه ما قد ذكر اللّه عنهم، فاذا
اورد المذكر هذا فى مجلسه مقتته الملائكه ونفروا عنه، ومقته
اللّه، ووجد الذى فى دينه نقص رخصه يلجا اليها فى معصيته،
ويقول: اذا كانت الانبياء قد وقعت فى مثل هذا فمن اكون انا ؟
وحاشا واللّه الانبياء مما نسبت اليهم اليهود لعنهم اللّه.


وهولاء الذين يرددون افتراءات اليهود نقله عن اليهود، لا عن
كلام اللّه، لما غلب عليهم من الجهل، فواجب على المذكر اقامه
حرمه الانبياء(ع)، والحياء من اللّه، وان لا يقلد اليهود فى ما قالوا
فى حق الانبياء(ع)، ونقله المفسرين خذلهم اللّه.


هكذا عظم ابن عربى حرمه الانبياء(ع)، ورد جميع ما رواه
اليهود من الاسرائيليات التى تناقلها حشويه المفسرين.


فاين هذا مما نسبه اليه الشيخ ؟!.


بل اين هذا من كلام الشيخ نفسه حين ذهب يفسر قوله تعالى:
( جعلا له شركاء فيما آتاهما )؟!.


وللشيخ ابن عربى فى وصف الانبياء (ع) ابيات من الشعر، نذكر
منها قوله:
هم انبياء احباء باجمعهم
بلا خلاف، وهم من جمله الامم
وهم على فضلهم اعلى التفاضل فى
تقريبهم، ولهم جوامع الكلم
وعن المقام الثانى : حيث زعم ابن تيميه ان ابن عربى يذم
الجنيد وسهل بن عبداللّه التسترى، اقرا ما قاله ابن عربى فى
هذين الرجلين وامثالهما من الشيوخ الممدوحين:
قال الشيخ ابن عربى فى كلامه عن الهباء باعتباره المخلوق
الاول فى العالم، قال: وقد ذكره - اى الهباء - على بن ابى
طالب (رضى اللّه)، وسهل بن عبداللّه وغيرهما من اهل التحقيق
اهل الكشف والوجود.


وقال فى موضع آخر: وطائفه اخرى من علماء هذه الامه
يحفظون عليها احوال الرسول (ص) واسرار علومه كعلى بن
ابى طالب (رضى اللّه)، وابن عباس، وسلمان - الى ان قال -
ومن نزل عنهم بالزمان كشيبان الراعى..


والجنيد والتسترى
ومن جرى مجرى هولاء من الساده فى حفظ الحال النبوى
والعلم اللدنى والسر الالهى.


هذا هو قوله فى الجنيد والتسترى، وهكذا اطراهم كلما
ذكرهم، واثنى عليهم فى مواضع يصعب حصرها.


فهل بعد هذا التبجيل تبجيل ؟! يقرنهم بعلى بن ابى طالب
(ع)، ويجعلهم من الساده الذين حفظوا الحال النبوى، والعلم
اللدنى، والسر الالهى ! .


واما المقام الثالث : حيث زعم ابن تيميه ان ابن عربى يمدح
الحلاج، فان خلاصه راى ابن عربى فى الحلاج قد جمعها فى
قوله: ان الحلاج ليس من اهل الاحتجاج.


افى هذا شى ء من المديح، ام هو طعن صريح فى الحلاج ؟! .


فهل رايت الشيخ انصف فى شى ء مما ذكره، ام تراه عمد الى
اقوال ابن عربى فقلبها الى العكس ليتخذها ذريعه الى طعنه
ورميه بالكفر والضلال ؟ .


وفى المشهد الاتى يزداد الوضوح:
المشهد الثالث: name="link58">
ما زال الشيخ ابن تيميه ينسب ابن عربى الى القول بالاتحاديه،
اى ان وجود المحدث هو عين وجود القديم.


واستخدم فى الرد عليه عبارات ساخره استهزاء به فى غير
موضع من كتابه (الفرقان) وغيره.


ثم تكلم على الاتحاديه فقال: يجعلون الحقيقه انه - اى اللّه
تعالى - هو عين الموجودات، وحقيقه الكائنات، وانه لا وجود
لغيره ! .


ثم قال مفسرا قولهم هذا بانه: لا بمعنى ان قيام الاشياء به -
تعالى - ووجودها به، كما قال النبى : (اصدق كلمه قالها الشاعر
لبيد: الا كل شى ء ما خلا اللّه باطل)، وكما قيل فى قوله: ( كل
شى ء هالك الا وجهه )، فانهم لو ارادوا ذلك لكان ذلك هو
الشهود الصحيح، لكنهم يريدون انه هو عين الموجودات.


فهذا
كفر وضلال.


لاحظ كيف فسر كلامهم ليرميهم بالكفر والضلال ! .


والاكثر من هذا غرابه شيئان:
الاول : ان كلامه الذى جعله تفسيرا صحيحا مطابقا للحديث
النبوى فى شعر لبيد، ومطابقا للايه الكريمه، ثم سماه (الشهود
الصحيح)، ان هذا الكلام بعينه وحروفه هو كلام الشيخ محيى
الدين بن عربى، غير ان ابن تيميه قدم فيه جمله واخر اخرى،
ولكن من غير ادنى زياده فى لفظ او معنى ! فاقرا هذه الفقره
من كلام ابن عربى لترى العجب:
قال ابن عربى:
اعلم ان العالم عباره عن كل ما سوى اللّه، وليس الا الممكنات
سواء وجدت او لم توجد، فانها بذاتها علامه على علمنا بواجب
الوجود لذاته وهو اللّه - الى ان قال - فالعالم ان نظرت حقيقته
انما هو عرض زائل، اى فى حكم الزوال، وهو قوله تعالى: ( كل
شى ء هالك الا وجهه )، وقال رسول اللّه (: (اصدق بيت قالته
العرب قول لبيد: الا كل شى ء ما خلا اللّه باطل) يقول: ما له
حقيقه يثبت عليها من نفسه، فما هو موجود الا بغيره، ولذلك
قال (: (اصدق بيت قالته العرب: الا كل شى ء ما خلا اللّه باطل).


فهل زاد ابن تيميه حرفا واحدا على هذا الكلام فى ما اسماه
الشهود الصحيح؟ .


والثانى : قوله: ان ابن عربى يقول: (ان وجود المحدث هو عين
وجود القديم) والمحدث: هو المخلوق، والقديم: هو الخالق جل
جلاله ! .


وابن عربى ابرا ما يكون من هذا، وقد شرح عقيدته فى عباره
يفهمها الصغار كما يفهمها الكبار، فى مواضع عديده من كتبه
يصعب حصرها، ومنها:
قوله المتقدم: اعلم ان العالم عباره عن كل ما سوى اللّه..


الى
آخر كلامه المذكور.


وقوله: يستحيل تبدل الحقائق، فالعبد عبد، والرب رب، والحق
حق، والخلق خلق.


وقوله: لا يجتمع الخلق والحق ابدا فى وجه من الوجوه، فالعبد
عبد لنفسه، الرب رب لنفسه، فالعبوديه لا تصح الا لمن يعرفها
فيعلم انه ليس فيه من الربوبيه شى ء، والربوبيه لا تصح الا لمن
يعرفها فيعرف انه ليس فيه من العبوديه شى ء، فاوجب على
عبده التاخر عن ربوبيته، فشرع له الصلاه، ليسميه بالمصلى،
وهو المتاخر عن رتبه ربه.


وغير هذا كثير فى البراءه من القول بالاتحاديه.


اذن لم ينقل الشيخ حرفا واحدا من كلام ابن عربى بامانه حين
وجده مطابقا للعقيده الحقه ! .


لقد حمله تعصبه الشديد ضد ابن عربى على ان يقلب عقيدته
راسا على عقب ليفتى بكفره وضلاله !!.


وربما يقال انه لم يقرا كتب ابن عربى، ولكنه سمع من بعض
من يثق به من خصوم ابن عربى، فقال ما قال ! ولعل هذا احسن
الاعذار ! .


العقيده فى التوسل بالنبى (ص)
من اهم محاور صراعه المذهبى عامه، ومع الصوفيه خاصه:
العقيده فى التوسل بالنبى (ص) وبشفاعته.


فقد اكثر فيها
الكلام وصنف فيها كتبا ورسائل مفرده.


وخلاصه عقيدته فيها انه قسم التوسل الى ثلاثه معان، اباح
اثنين منها، وحرم الثالث، فقال:
لفظ التوسل يراد به ثلاثه معان:
احدها : التوسل بطاعه النبى والايمان به.


وهذا هو اصل الايمان
والاسلام، ومن انكره فكفره ظاهر للخاصه والعامه.


والثانى : التوسل بدعائه وشفاعته - اى ان النبى هنا هو الذى
يدعو ويشفع مباشره - وهذا كان فى حياته، ويكون يوم القيامه،
يتوسلون بشفاعته.


ومن انكر هذا فهو كافر مرتد يستتاب، فان
تاب والا قتل مرتدا.


والثالث : التوسل بشفاعته بعد موته، والاقسام على اللّه بذاته.


وهذا من البدع المحدثه.


وبعد هذا التقسيم، والتعريف بكل قسم، يطيل الكلام فى القسم
الثالث، فيظهر فى كلامه الاضطراب، ويكثر فيه التكرار، واللف
والدوران.


والسبب فى ذلك كله اصراره على انكار سنن ثابته
واحاديث صحيحه يعترف بصحتها حينا، ثم يعود وكانه نسى
ذلك فينفى وجود شى ء منها اصلا ! وينسب الى الصحابه
اجماعا، ثم ياتى عنهم بنقيضه، فيجد نفسه مضطرا الى اللف
والدوران للخروج من تلك المازق، ولكن لا مخرج له منها.


واليك موجزا لشى ء من تلك الاضطرابات ليريك فيها من جراته
عجبا:
قال ابن تيميه: كان الصحابه يتوسلون الى اللّه تعالى بنبيه، وهو
توسلهم بدعائه وشفاعته، ومن ذلك ما رواه اهل السنن
وصححه الترمذى: (ان رجلا قال للنبى(: ادع اللّه ان يرد على
بصرى.


فامره ان يتوضا ويصلى ركعتين، ويقول: اللهم انى اسالك
واتوجه اليك بنبيك محمد نبى الرحمه، يا محمد، يارسول اللّه،
انى اتوجه بك الى ربى فى حاجتى ليقضيها اللهم فشفعه فى).


قال: فهذا طلب من النبى (، وامره ان يسال اللّه ان يقبل شفاعه
النبى له فى توجهه بنبيه الى اللّه، وهو كتوسل غيره من
الصحابه به الى اللّه، فان هذا التوجه والتوسل هو توجه وتوسل
بدعائه وشفاعته.


وقال: كان الصحابه يطلبون من النبى الدعاء، فهذا مشروع فى
الحى.


ثم انتقل للرد على من توسل بشفاعته ودعائه بعد موته، فقال:
معلوم ان الملائكه تدعو للمومنين وتستغفر لهم، كما قال
تعالى: ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم
ويومنون به ويستغفرون للذين آمنوا).


وقال تعالى: ( والملائكه يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن
فى الارض).


فالملائكه يستغفرون للمومنين من غير ان يسالهم احد.


وكذلك ما روى ان النبى (ص) او غيره من الانبياء والصالحين
يدعو ويشفع للاخيار من امته، هو من هذا الجنس، هم يفعلون
ما اذن اللّه لهم فيه بدون سوال احد.


قال: واذا لم يشرع دعاء الملائكه، لم يشرع دعاء من مات من
الانبياء والصالحين، ولا ان نطلب منهم الدعاء والشفاعه وان
كانوا يدعون ويشفعون، لوجهين:
احدهما : ان ما امرهم اللّه به من ذلك هم يفعلونه وان لم يطلب
منهم، وما لم يومروا به لا يفعلونه ولو طلب منهم، فلا فائده فى
الطلب منهم ! .


الثانى : ان دعاءهم وطلب الشفاعه منهم فى هذه الحال يفضى
الى الشرك بهم، ففيه هذه المفسده ! .


وهنا ثلاث وقفات مع ثلاث مسائل:
الاولى: مع قوله: (واذا لم يشرع دعاء الملائكه، لم يشرع دعاء
من مات من الانبياء والصالحين).


فماهووجه القياس هنا ؟! وما وجه الشبه بين الامرين حتى
اطلق هذا الحكم القطعى ؟ .


والثانيه : مع قوله فى الوجه الاول: (ان ما امرهم اللّه به من
ذلك - اى الدعاء والشفاعه - هم يفعلونه وان لم يطلب منهم،
وما لم يومروا به لا يفعلونه ولو طلب منهم، فلا فائده من
الطلب منهم).


فيقال: كيف اثبت اذن قبل قليل وفى اكثر من موضع ان
الصحابه كانوا يطلبون ذلك من النبى فيستجيب لهم،
وذكرالحديث الصحيح المثبت فى كتب السنن؟!.


ومعلوم ان الانبياء(ع) فى حياتهم لم يفعلوا الا ما يومروا به،
فلماذا لم يقل النبى(ص) لاصحابه: لافائده من طلبكم،
فاذاامرت فعلت، واذالم اومرلم افعل؟!.


لو كان ذلك حقا لعلمه النبى اصحابه وامته، ولم يلب طلباتهم
فيدعو لهم ويشفع كما كان شانه (ص).


والثالثه: مع قوله فى الوجه الثانى: (ان دعاءهم وطلب الشفاعه
منهم يفضى الى الشرك ، ففيه هذه المفسده).


فيقال بكل ايجاز: ان صح ذلك عن النبى (ص)، فليس لاحد ان
يقول: انه يفضى الى الشرك ففيه هذه المفسده.


لان المفسده
والشرك لا ياتى من الاحكام الشرعيه ذاتها، وانما ياتى من
الجهل بها وبتفاصيلها، وترك العلماء اظهار السنه واماته البدعه.


وليس هذا رهن بمساله الدعاء وحدها، بل بكل المسائل، فمتى
عم الجهل وانقطع الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ظهرت
المفاسد وشاع الشرك من ابواب شتى، لا باب واحد.


ثم لم يجد الشيخ ابن تيميه نصا عن النبى (ص) يستفيد منه
النهى عن التوسل بشفاعته بعد موته، بل على العكس، وجد فى
الصحيح الذى اقر بصحته استمرار الصحابه على هذا النوع من
التوسل، ولكن رغم ذلك كله فهو يتنكر له بعدما اعترف
بصحته، وينفى وجوده بعبارات متضاربه، فيرمى نفسه بسهامه،
ويهدم بناءه بمعاوله !.


فهو ينقل بالطرق الصحيحه حديث الصحابى الجليل عثمان بن
حنيف فى زمن الخليفه عثمان بن عفان، فيقول: روى البيهقى
ان رجلا كان يختلف الى عثمان بن عفان فى حاجه له، وكان
عثمان لا يلتفت اليه ولا ينظر فى حاجته، فلقى الرجل عثمان
بن حنيف فشكا اليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: ائت
الميضاه فتوضا ثم ائت المسجد فصل ركعتين، ثم قل: (اللهم
انى اسالك واتوجه اليك بنبينا محمد نبى الرحمه، يا محمد،
انى اتوجه بك الى ربى ليقضى لى حاجتى) ثم اذكر حاجتك،
ثم رح حتى اروح معك.


قال: فانطلق الرجل فصنع ذلك، ثم اتى بعد عثمان بن عفان
فجاء البواب فاخذ بيده فادخله على عثمان فاجلسه معه على
الطنفسه، وقال: انظر ما كانت لك من حاجه.


فذكر حاجته،
فقضاها له.


ثم ان الرجل خرج من عنده فلقى عثمان بن حنيف، فقال له:
جزاك اللّه خيرا، ما كان ينظر فى حاجتى ولا يلتفت الى حتى
كلمته فى.


فقال عثمان بن حنيف: ما كلمته، ولكن سمعت رسول اللّه
(ص) وقد جاءه ضرير وشكا اليه ذهاب بصره، فقال له النبى
(ص): (اوتصبر ؟).


فقال: يا رسول اللّه، لى قائد، وقد شق على.


فقال (ص): (ائت الميضاه فتوضا، ثم صل ركعتين، ثم قل:
اللهم انى اسالك واتوجه اليك بنبيك محمد نبى الرحمه، يا
محمد، انى اتوجه بك الى ربى فيجلى لى عن بصرى، اللهم
فشفعه فى) قال عثمان بن حنيف: فواللّه ما تفرقنا وما طال بنا
الحديث حتى دخل علينا الرجل كانه لم يكن به ضر قط.


قال البيهقى: ورواه احمد بن شبيب بن سعيد عن ابيه بطوله.


ورواه ايضا هشام الدستوائى عن ابى جعفر، عن ابى امامه بن
سهل، عن عمه عثمان بن حنيف.


قال ابن تيميه: قلت: وقد رواه ابن السنى فى كتاب (عمل اليوم
والليله) من طريقين، وشبيب هذا صدوق روى له البخارى.


ثم قال: وقد روى الطبرانى هذا الحديث فى المعجم.


ثم ذكر
الحديث بطوله باسانيد اخر، الى ان قال:
قال الطبرانى: روى هذا الحديث شعبه، عن ابى جعفر - واسمه
عمير بن يزيد وهو ثقه، تفرد به عثمان بن عمير، عن شعبه قال
ابو عبداللّه المقدسى: والحديث صحيح.


قال ابن تيميه: قلت: والطبرانى ذكر تفرده بمبلغ علمه، ولم
تبلغه روايه روح ابن عباده عن شعبه، وذلك اسناد صحيح
يبين انه لم ينفرد به عثمان بن عمير.


وقال ايضا: وروى فى ذلك اثر عن بعض السلف، مثل ما رواه ابن
ابى الدنيا فى كتاب (مجانى الدعاء) قال: حدثنا ابو هاشم،
سمعت كثير بن محمد بن كثير بن رفاعه يقول: جاء رجل الى
عبدالملك بن سعيد بن ابجر، فجس بطنه، فقال: بك داء لا
يبرا.


فقال الرجل: ما هو ؟ .


قال: الدبيله.


فتحول الرجل فقال: اللّه، اللّه، اللّه ربى لا اشرك به شيئا، اللهم
انى اتوجه اليك بنبيك محمد نبى الرحمه صلى اللّه عليه وسلم
تسليما، يا محمد، انى اتوجه بك الى ربك وربى يرحمنى مما
بى.


قال: فجس بطنه فقال: قد برئت، ما بك عله.


قال ابن تيميه: قلت: فهذا الدعاء ونحوه قد روى انه دعا به
السلف، ونقل عن احمد بن حنبل فى (منسك المروذى)
التوسل بالنبى (ص) فى الدعاء.


فالذى يشهد بكل هذا ما تظنه ان يقول بعد ؟!.


انه يقول بالحرف الواحد:
(ان احدا من الصحابه والتابعين لهم باحسان وسائر المسلمين
لم يطلب من النبى (ص) بعد موته ان يشفع له !! .


ولا ساله شيئا ! .


ولا ذكر ذلك احد من ائمه المسلمين فى كتبهم) !! .


وهكذا تغدو اسماء الصحابه والتابعين والسلف (العوبه) و (وسيله
للتمويه والخداع) انها اشبه شى ء باصوات مثيره يبدعها المخرج
المسرحى اثناء عروضه ليشد الناس الى ما يريد.


آباء النبى وام ابى هريره !
اشبه شى ء ب ( طريفه ) ! .


اقراها، ثم صفها بما ترى، فلكل قارى رويه.


يقول ابن تيميه: التوسل بدعائه - اى النبى - وشفاعته ينفع مع
الايمان به، واما بدون الايمان به فالكفار والمنافقون لا تغنى
عنهم شفاعه الشافعين فى الاخره، ولهذا نهى عن الاستغفار
لعمه وابيه وغيرهما من الكفار !.


ثم قال: وقد يدعو - اى النبى - لبعض الكفار بان يهديه اللّه او
يرزقه، فيهديه او يرزقه، كما دعا لام ابى هريره حتى هداها اللّه !
.


وكما دعا لدوس - قبيله ابى هريره - فقال: ( اللهم اهد دوسا
وائت بهم ) فهداهم اللّه ! .


ثم تابع فقال: فى صحيح مسلم عن ابى هريره: ان النبى (ص)
قال: (استاذنت ربى ان استغفر لامى فلم ياذن لى).


فمتى كان آباء ابى هريره اكرم على اللّه من آباء نبيه وحبيبه
وخاتم رسله؟! ولسنا فى مقام الاطاله فى البيان عن آباء النبى
(ص)، هل كانوا كفارا، ام كانوا موحدين على دين ابراهيم
الخليل عليه السلام، لذا سنكتفى بايراد قبس من كلام الفخر
الرازى فى هذا، اذ يقول: ان آباء الانبياء ما كانوا كفارا، ويدل
عليه وجوه:
منها : قوله تعالى: ( الذى يريك حين تقوم وتقلبك فى
الساجدين ) قيل: معناه انه كان ينقل نوره من ساجد الى ساجد.


ومنها : قوله (ع): (لم ازل انقل من اصلاب الطاهرين الى ارحام
الطاهرات).


وقال تعالى: ( انما المشركون نجس ) فوجب ان لا يكون احد
من اجداده مشركا.


ثم نحيل القارى الى ما كتبه السيوط ى فى ثمان رسائل اثبت
فيها جميعا نجاه آباء النبى (ص) .


فهل غابت هذه الايات والاحاديث عن ابن تيميه، ام كان
المعنى بها ابوهريره دون النبى (ص) ؟! .


زياره قبور الانبياء والصالحين
هذه العقيده والتى قبلها - عقيده التوسل - ليستا من خصائص
الصوفيه وحدهم، ولكن الشيخ ابن تيميه جعلهما من اعمده
عقائدهم لظهور تمسكهم بها، واكثر الكلام بمخالفتهم فيها،
ومن هنا ادخلناهما فى هذا الفصل.


وقد جمع كلامه فى هذه العقيده فى كتاب اسماه (كتاب
الزياره)، وصنف فيه الزياره الى نوعين: (زياره شرعيه)، و
(زياره بدعيه).


قال: فاما (الزياره الشرعيه): فهى من جنس الصلاه على الميت،
يقصد بها الدعاء للميت، كما يقصد بالصلاه عليه، كما قال اللّه
فى حق المنافقين: ( ولا تصل على احد منهم مات ابدا ولا تقم
على قبره ) فلما نهى عن الصلاه على المنافقين والقيام على
قبورهم، دل ذلك بطريق مفهوم الخطاب وعله الحكم ان ذلك
مشروع فى حق المومنين.


والقيام على قبره بعد الدفن هو من جنس الصلاه عليه قبل
الدفن، يراد به الدعاء له.


وهذا هو الذى مضت به السنه واستحبه
السلف عند زياره قبور الانبياء والصالحين.


واما (الزياره البدعيه): فهى التى يقصد بها ان يطلب من الميت
الحوائج، او يطلب منه الدعاء والشفاعه، او يقصد الدعاء عند
قبره لظن القاصد ان ذلك اجوب للدعاء.


فالزياره على هذه الوجوه كلها مبتدعه لم يشرعها النبى ولا
فعلها الصحابه لا عند قبر النبى ولا عند غيره، وهى من جنس
الشرك واسباب الشرك .


ولو قصد الصلاه عند قبور الانبياء والصالحين لكان معرضا
لغضب اللّه ولعنته كما قال النبى (ص): (اشتد غضب اللّه على
قوم اتخذوا قبور انبيائهم مساجد).


وقال: (قاتل اللّه اليهود
والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد).


وهل يجوز السفر لمجرد زياره قبور الانبياء والصالحين ؟ .


لا يجوز ذلك لما ورد فى الصحيحين عن النبى (ص) انه قال:
(لا تشد الرحال الا الى ثلاثه مساجد: المسجد الحرام،
ومسجدى هذا، والمسجد الاقصى) وهذا الحديث مما اتفق
الائمه على صحته والعمل به.


الى هنا، ثم ياتى بالغرائب ! .


فهو يقول اولا: ليس عن النبى (ص) فى زياره قبره ولا قبر
الخليل حديثا ثابتا اصلا.


ويقول: والاحاديث الكثيره المرويه فى زياره قبره كلها ضعيفه،
بل موضوعه، لم يرو الائمه ولا اصحاب السنن المتبعه - كسنن
ابى داود والنسائى ونحوهما - فيها شيئا.


لاحظ قوله : (السنن المتبعه، كسنن ابى داود والنسائى) ثم
قال: (ونحوهما) يريد:
الترمذى وابن ماجه.


ولم يسمهما لسر قد لا يدركه الا ابن
تيميه نفسه ومن عرف طريقته فى التشويش على عامه القراء
والمستمعين ! وسوف تقف على هذا السر قريبا.


وقال ايضا: ما ذكروه من الاحاديث فى زياره قبر النبى (ص)
فكلها ضعيفه باتفاق اهل العلم بالحديث، بل هى موضوعه، لم
يرو احد من اهل السنن المعتمده شيئا منها، ولم يحتج احد من
الائمه بشى ء منها.


وبعدما قرات هذا الكلام، اقرا عنه كلامه الاتى، ثم قارن:
ففى مساله قصر الصلاه فى سفر الزياره، هل يجوز ام لا ؟ قال ما
نصه:
ويقوله - اى جواز القصر - بعض المتاخرين من اصحاب
الشافعى واحمد،الحنبلى ممن يجوز السفر لزياره قبور الانبياء
والصالحين: كابى حامد الغزالى «الشافعى »، وابى الحسن بن
عبدوس الحرانى الحنبلى، وابى محمد بن قدامه المقدسى
الحنبلى، وهولاء يقولون: ان هذا السفر ليس بمحرم، لعموم
قوله (ص): (زوروا القبور).


قال: وقد احتج ابو محمد المقدسى على جواز السفر لزياره
القبور بانه(ص) كان يزور مسجد قباء.


قال: واجاب - اى ابو محمد المقدسى - عن حديث: (لا تشد
الرحال) بان ذلك محمول على نفى الاستحباب.


فها هو اذن يذكر جمله من الائمه الذين جوزوا السفر للزياره
واحتجوا باحاديثها ! .


هذا ما ذكره هنا فقط، لكنه فى موضع آخر شهد ان الامام احمد
بن حنبل نفسه كان يقر زياره المشاهد وله فى ذلك مسائل !
فحين كان ابن تيميه يرد على زوار مشهد الامام الحسين (ع)
فى القاهره وعسقلان ولاجل ان يثبت ان تلك المشاهد باطله
لا اصل لها، قال ما نصه: فاذا كانت تلك البقاع لم يكن الناس
ينتابونها ولا يقصدونها، وانما كانوا ينتابون كربلاء - اى ياتون
اليها - لان البدن هناك كان دليلا على ان الناس فى ما مضى
لم يكونوا يعتقدون ان الراس فى شى ء من هذه البقاع.


ثم قال: ولكن الذى اعتقدوه هو وجود البدن بكربلاء، حتى كانوا
ينتابونه فى زمن احمد وغيره، حتى ان فى مسائله: (مسائل
فيما يفعل عند قبره ) اى قبر الحسين (ع) ذكرها ابو بكر
الخلال فى جامعه الكبير فى زياره المشاهد ! .


قارن هذا كله بقوله المتقدم: (ولم يحتج احد من الائمه بشى ء
منها).


ثم قال: وقد يحتج من لا يعرف الحديث ! بالاحاديث المرويه
فى زياره قبر النبى (ص)، كقوله: (من زارنى بعد مماتى فكانما
زارنى فى حياتى) رواه الدارقطنى وابن ماجه.


عرفت اذن سر اخفائه اسم ابن ماجه فى ذكر اصحاب السنن
المتبعه، حين قال: لم يرو احد من الائمه ولا اصحاب السنن
المتبعه كابى داود والنسائى فيها شيئا!.


ثم ارجع الى قوله: (ما ذكروه من الاحاديث فى زياره قبر النبى
فكلها ضعيفه باتفاق اهل العلم بالحديث ! بل موضوعه ! ولم يرو
احد من اهل السنن المتبعه شيئا منها) ! وها هو ياتى بالحديث
الصحيح الذى يخرجه ابن ماجه والدارقطنى ! .


اما قوله: (قد يحتج من لا يعرف الحديث) فهو تهويل على
عادته، ولم يذكر فى تعليله كلمه واحده ! .


واليك اخيرا طائفه من احاديث الزياره اخرجها البيهقى، منها:
قوله (ص): (من زارنى بعد موتى فكانما زارنى فى حياتى).


وقوله (ص): (من زارنى متعمدا كان فى جوارى يوم القيامه).


وقوله (ص): (من زار قبرى - او قال: من زارنى - كنت له
شفيعا - او شهيدا) .


ثم ذكر حديثا رابعا فيه: (من حج فزار قبرى بعد موتى كان
كمن زارنى فى حياتى) ثم قال: تفرد به حفص بن ابى داود وهو
ضعيف فى روايه الحديث.


وهذه شهاده صريحه منه على صحه الاحاديث الثلاثه
المتقدمه، خصوصا وان الاول منها قد اخرجه ابن ماجه
والدارقطنى.


فاين ذهب قوله فى هذه الاحاديث: (كلها ضعيفه باتفاق اهل
العلم، بل موضوعه) ؟! .


فهذا هو منهاجه فى مناقشه هذه العقائد، كمنهاجه فى آيات
الصفات بلا فارق: (لم يرد فى الحديث) و (اتفق السلف) و
(اجمع اهل العلم) و (لم يقل احد من الائمه) !! .


وفى حياه الشيخ ابن تيميه تصدى له امام الشافعيه العلامه
السبكى على بن عبدالكافى (683 - 756 ه) ونقض عقيدته فى
الزياره فى كتاب اسماه: (شفاء السقام فى زياره خير الانام)،
وسمى ايضا: (شن الغاره على من انكر السفر للزياره).


قال الصفدى: قراته عليه بالقاهره، وكتبت عليه نظما، منه:
لقول ابن تيميه زخرف
اتى فى زياره خير الانام
فجاءت نفوس الورى تشتكى
الى خير حبر وازكى امام
فصنف هذا وداواهم
فكان يقينا شفاء السقام
تلك مقتطفات من صميم عقائده، وفى البحوث اللاحقه اسرار
اخرى.


تعقيب جميل : name="link62">
من جميل ما قيل فى زياره النبى (ص) قول الذهبى تعقيبا
على حديث عبيده السلمانى، حين قيل لعبيده السلمانى: ان
عندنا من شعر رسول اللّه (ص) شيئا من قبل انس بن مالك.


فقال: لان يكون عندى منه شعره احب الى من كل صفراء
وبيضاء على ظهر الارض.


قال الذهبى: هذا القول من عبيده هو معيار كمال الحب، وهو
ان يوثر شعره نبويه على كل ذهب وفضه بايدى الناس.


ومثل
هذا يقوله هذا الامام بعد النبى(ص) بخمسين سنه، فما الذى
نقوله نحن فى وقتنا لو وجدنا بعض شعره باسناد ثابت، او شسع
نعل كان له، او قلامه ظفر، او شقفه من اناء شرب فيه ؟! .


فلو بذل الغنى معظم امواله فى تحصيل شى ء من ذلك، اكنت
تعده مبذرا او سفيها ؟! كلا.


فابذل مالك فى زوره مسجده الذى بنى فيه بيده، والسلام
عليه عند حجرته فى بلده، وتملا بالحلول فى روضته ومقعده،
فلن تكون مومنا حتى يكون هذا السيد احب اليك من نفسك
وولدك واموالك والناس كلهم.


وقبل حجرا مكرما نزل من
الجنه، وضع فمك لاثما مكانا قبله سيد البشر بيقين، فهناك
اللّه بما اعطاك ، فما فوق ذلك مفخر، ولو ظفرنا بالمحجن
الذى اشار به الرسول (ص) الى الحجر ثم قبل محجنه، لحق لنا
ان نزدحم على ذلك المحجن بالتقبيل والتبجيل، ونحن ندرى
بالضروره ان تقبيل الحجر ارفع وافضل من تقبيل محجنه
ونعله.


وقد كان ثابت البنانى اذا راى انس بن مالك اخذ بيده فقبلها،
ويقول: يد مست يد رسول اللّه (ص).


فنقول نحن اذا فاتنا ذلك:
حجر معظم بمنزله يمين اللّه فى الارض مسته شفتا نبينا (ص)
لاثما له.


فاذا فاتك الحج وتلقيت الوفد فالتزم الحاج وقبل فمه، وقل: فم
مس بالتقبيل حجرا قبله خليلى (ص).


نقول: وآل النبى الذين هم من دمه ولحمه، وما مس احد
جسده الشريف عناقا ولثما وتقبيلا كما مسه هولاء، افلا يكونون
اولى بالاعتناء من يد انس بن مالك، او شفه حاج قبل الحجر، او
من محجنه (ص) الذى حق لنا ان نزدحم عليه بالتقبيل
والتبجيل ؟! .


(الباب الثالث)- مع الشيعه
تمهيد
علامه الشيعه ابن المطهر
(منهاج السنه)
اخفاقات ابن تيميه فى تعريف الشيعه
تمهيد :
تميز الشيعه عن غيرهم من المسلمين فى اعتقادهم فى اهل
البيت انهم افضل هذه الامه بعد النبى، وان الامامه فيهم، لا
تصلح لسواهم، عملا بالنصوص القرآنيه والنبويه الثابته، فمثلوا
بذلك الامتداد الطبيعى السليم للاسلام المحمدى الاصيل.


ولاسباب واحداث مختلفه خرجت من هذه الفئه فرق عديده
انفردت بعقائد جديده لم تكن معروفه عند الفئه الام (الشيعه)
ولا عند غيرها من فرق المسلمين.


وبالرغم من ان هذه الفرق الجديده قد تميزت باسمائها
وعقائدها، فهى ما زالت تنسب خطا الى التشيع، والا فاين الغلاه
والباطنيه من التشيع، وانما نصيبهم منه كنصيب الخوارج
والنواصب ! بل هم اكثر بعدا.


فقد صح الحديث عن النبى (ص) انه قال لعلى (ع): (ان فيك
من عيسى مثلا، ابغضته يهود حتى بهتوا امه، واحبته النصارى
حتى انزلوه بالمنزل الذى ليس به).


وصح عن على (ع) انه قال: يهلك فى اثنان، محب يقرظنى بما
ليس فى، ومبغض يحمله شنانى على ان يبهتنى).


فهما فى البعد عنه سواء، وهو (ع) برى ء منهما على حد سواء،
ولا فرق فى البعد عنه (ع) بين متقدم مارق او متاخر زاهق، الا
باتجاه الانحراف.


بل الفرق الغاليه اشد انحرافا من الخوارج لانهم ادعوا الوهيه
العبد المخلوق فجحدوا منزله الخالق واشركوا باللّه تعالى.


يقول
الشيخ الصدوق: اعتقادنا فى الغلاه انهم كفار باللّه جل اسمه،
وانهم شر من اليهود والنصارى والمجوس.


ويبقى التشيع هو الاعتدال، والنمط الاوسط، فعلى والائمه من
ابنائه بشر، عبيد للّه، متبعون لنبيه، مهتدون بهديه، موتمرون
بامره، منتهون عما نهى عنه، عابدون، راجون، وهم الائمه فى
الدين، والخلفاء المطهرون الراشدون المهديون.


/ 12