وليد البيت في ذكر مولد الإمام عليّ بن أبي طالب
___________________________________نشرت هذه القصيدة في كرّاس "من وحي ذكرى أهل البيت عليهم السلام": 13، الحلقة الثانية، "1376 ه- 1975 م".]
للشاعر السيّد مرتضى الوهّاب الحائري:
ركبُ الوجود شدا بعذبِ حُدائِهِ++
ونفى العذار وشلّ برد حيائهِ
وتناسقتْ أنغامهُ وتتابعتْ++
تنسابُ كالأنوارِ في أجوائهِ
والدوحُ عادَ إلى التصابي وانبرى++
ماءُ الحياة يسيلُ من أعضائهِ
طربَ العنادلُ والقماري غرّدتْ++
فوقَ الغصونِ اللّدنِ في أفنائهِ
واخضرّ روضُ العيشِ بعدَ ذُبُولِهِ++
فاخضرّت الأحلامُ في أنحائهِ
وتناشدَ العشّاقُ ألحانَ الهوى++
وفنون موسيقاهُ في أصدائهِ
ومواكبُ النورِ استطالتْ في الفضا++
فسمتْ من البطحا إلى جوزائهِ
فاسمعْ صفيفَ الغُصنِ حيثُ تحيله++
طلق النسيم ومرتقى ورقائهِ
لاحتْ تباشير الصباح نديّة++
بالطلّ فاستنشق شذا صهبائهِ
والبيت شعّ بركنه ومقامه++
وسرى بزمزمه السنا وصفائهِ
واستبشرتْ عرفاته شوقاً إلى++
النبأ العظيم يمور في أبهائهِ
خرجتْ بكنز اللَّه حيرى اُمّه++
حيث اقتضى التكوين من إبدائه ر
حملتْه فانتبذتْ به البيتَ الذي++
خصّتْ لوضع وليدها بلوائهِ
فأجاءَ "فاطمة" المخاضُ وقد جلا++
في الأرض "سيف اللَّه" من عليائهِ
وأتى "عليٌّ" ساجداً وجبينهُ++
أثرُ السجودِ يلوحُ في سيمائهِ
وُلِدَ الذي نسفَ التماثيلَ التي++
نصبتْ ببيتِ اللَّهِ في أفنائهِ
وُلِدَ الذي دَكَّ العُروشَ وكانَ في++
الهيجا ملوكُ الأرضِ من اُسرائهِ
وُلِدَ الذي خضعتْ لقائمِ سيفهِ++
أسدُ الشّرى والوحشُ في بيدائهِ
وُلِدَ الذي بوجودِهِ نُشِرَ الهدى++
والدّينُ تمّ بأرضِهِ وسمائهِ
يلقى الكتائبَ والخيولَ بصرخةٍ++
فتفرُّ ناكصةً لرعبِ نِدائهِ
ما إنْ أتاهُ القرمُ إلّا وانبرى الن++
ّاعون قبلَ نِزاله لِرِثائهِ
فيكادُ إذْ يومي بذات فِقارِهِ++
يأتي على الجرّارِ في إيمائهِ
تبدي الفوارسُ في الوغى سوآتِها++
خوفَ القضا من بطشهِ ومضائهِ
سَلْ بُسرَ وابنَ العاصِ لمّا أضحكا++
الجيشينِ في صِفِّينَ عندَ لقائهِ
فأشاحَ عن مرأى الرذيلةِ وجهَهُ++
لِعُلوّ هِمّتهِ وفرطِ حَيائهِ
وكذاكَ عن "مروانَ" حينَ أجارَهُ++
الحَسَنانِ عَفَّ وكانَ من عُتقائهِ
ما شادَ صرحَ الدينِ إلّا سيفُهُ++
فتحمّلَ الصدماتِ في إعلائهِ
تركوهُ حينَ البأسِ في بأسائِهِ++
وتنافسوا للغنمِ في سرّائهِ
مستدركاً زيغَ البصائرِ مُؤثِراً++
للدينِ صبراً في أذى زهرائه ر
للَّهِ صبرُ أبي الأئمّةِ قادراً++
عمّا جنى الإسلامُ من طُلَقائهِ
هُوَ مِن رسولِ اللَّهِ حيثُ أقامَهُ++
هارونُ من موسى على استثنائهِ
بِعُلى نُبُوّتهِ ونبلِ خصالِهِ++
وسموِّ مَحْتِدِهِ وحسنِ روائهِ
زفّتْ كريمةُ أحمدٍ سكناً لهُ++
واستأثرتْ منهُ بطيبِ حِبائهِ
لولاهُ لمْ يغشَ البتولةَ صاحبٌ++
كُفْؤاً لها بينَ الورى ببنائهِ
ربحَ التجارةَ حيثُ تاجرَ ربَّهُ++
بالمكرماتِ وكانَ من عُملائهِ
نادى "سَلُوني قبلَ أَنْ..." مُتحدّياً++
مَنْ يدّعي الإعجازَ من عُلمائهِ
هُوَ في غنىً عن مدح ما قد صيغَ مِن++
أصحابِهِ بالمدحِ من أعدائهِ
ما جاءَ لفظُ "المؤمنين" بذكرِهِ++
إلّا وخُصَّ "المُرتضى" بِنِدائهِ
شُرِّفتَ ياحرمَ الحجازِ مُخلّداً++
شرفَ الوِلادة في سما بَطحائهِ
عجباً لأحناءِ القِماطِ تضمُّ مَنْ++
قد ضاقَ رحبُ الكونِ عن إيفائهِ
نفسُ النبيّ وصهرُهُ ووصيُّهُ++
وأبُو الهُداةِ الغُرُّ من أبنائهِ
هلْ كانَ "أنفُسُنا" سواهُ مقصداً++
أمْ هلْ عداهُ المُصطفى بإخائهِ
الصدقُ والإعجازُ والإيثارُ في++
إيمانِهِ وبَيانِهِ وبَلائهِ
والرعدُ والغيثُ المروّي والسَنا++
مِن صوتِهِ وسَخائِهِ وبَهائهِ
قد طلّقَ الدُنيا ثلاثاً زاهداً++
فيها ولمْ يغترْ بطولِ بقائهِ
في اللَّهِ أَنفقَ مالَهُ لمْ يُبقِ مِن++
صفرائِهِ عَرَضاً ومِن بيضائهِ
أصفى العبادةَ والمحبّةَ والتُقى++
للَّهِ فاستوفى جزا إصفائهِ
أولاهُ تقسيمَ الجحيمِ وجنّةِ ال++
-فِردوسِ ربُّ العرشِ من آلائهِ
يَسقي المُوالي سائغاً من حوضِهِ++
ويذودُ مَنْ عاداهُ مِن إروائهِ
لمْ ينجُ مِن نارِ الجحيمِ أَخُو تُقىً++
بسوى مودّتِهِ وصدقِ وِلائهِ
طوبى لِمَنْ جاءَ الإلهَ بحبّهِ++
والويلُ للآتي غداً بِعِدائهِ
سَنَّ الفصاحةَ والبيانَ بِنطقهِ++
وبنى لعلمِ النحوِ اُسَّ بِنائهِ
للغربِ بانتْ معجزاتُ بيانِهِ++
واحتارَ فيه الصّيدُ من بُلَغائهِ
نهجُ البلاغةِ توأمُ القرآنِ في++
آياتِهِ قد صِيغَ من إِيحائهِ
فعنى بهِ المستشرقونَ وأيّدوا++
إعجازَهُ وخُلُودَهُ بِبقائهِ
هُوَ توأمُ الفتحِ المبينِ إذا غزا++
والنصرُ مقرونٌ بذيلِ لِوائهِ
القابضُ الأرواحِ في حَمَلاتِهِ++
والباسطُ الإرشادَ في إفتائهِ
المقبرُ الإلحادَ في أحيائِهِ++
والباعثُ الإيمانَ في إِحيائهِ
الراكعُ السجّادُ في محرابِهِ++
والفالقُ الهاماتِ في هَيْجائِهِ ___________________________________ديوان السيّد مرتضى الوهاب، انتشارات المكتبة الحيدرية- قم، 1422 ه.]
في مولد أميرالمؤمنين
للشاعر الشيخ العلّامة عبد العظيم الربيعي ___________________________________ديوان الربيعي "للشاعر الشيخ عبد العظيم الربيعي": 50-46، "1323-1399ه".] بعنوان:
يهتزُّ بيتُ اللَّه بالأركانِ++
طرباً بمقدمِ خيرة النسوانِ
هذي عقيلةُ هاشمٍ من شبلهِ++
أسدٍ حصانٌ بنتُ خيرِ حصانِ
حملتْ أميرَ المؤمنين فأصبحتْ++
في قدرها تسمو على كيوانِ
يتلو كتابَ اللَّهِ وهو ببطنِها++
إذْ بطنُها للعرشِ كالبُطنانِ
فتلا بها البيت الحرام صحيفةً++
لكنّما التقديرُ للعنوانِ
قالت إلهي إنَّ قلبي مؤمنٌ++
بكَ يا عطوفُ حقيقةَ الإيمانِ
سهّلْ عليّ بحقّ سرّكَ مودعاً++
بضمائري فاعتزّ فيه كياني
البابُ سُدَّ بوجهها بيمين ذي++
كفرٍ هوى في الشركِ للأوثانِ
لو يفتحُ اللَّهُ الرِتاجَ لها غدتْ++
تعزى الفضيلة للإله الثاني ___________________________________أي الأصنام بزعم المشركين لأن الذي سد الباب من بني عبد الدار عبدها، والرتاج: الباب العظيم.]
فلذلكَ انشقّ البناءُ لها، وهلْ++
يعصي بناءُ البيت أمرَ الباني
وكذلك التأَمَ البناءُ كأصلِهِ++
والغيبُ تشهدُ صنعهُ العينانِ
فتخالُ بيتَ اللَّه ساعةَ سدِّهِ++
بعدَ انفتاحِ البيتِ كالقرآنِ
عبثاً يحاولُ فتحَ بابٍ سيّدُ ال++
بطحا بمولدِ قالعِ البيبانِ
العالَمُ العُلويُّ هيّأَ جندَهُ++
مستبشراً بصنيعةِ الرحمانِ
وانظرْ إلى الملكوتِ لا تلقى بِهِ++
إذْ ذاكَ غيرَ بشائرٍ وتهاني
أمّا السماءُ فقد تضاعَفَ نورُها++
وكذاكَ ضوءُ نُجومِها النُوراني
وكذاك يُظهرُ ذُو الجلال سُرُورَهُ++
في الخلق جلّ جلاله السبحاني
لو لم تكنْ حوريّةٌ في جنّة ال++
فردوسِ لم تطعمْ ثمارَ جنانِ
هبطتْ لها حوّاءُ تزجي مريم ال++
-عذراء تقفو إثرَها امرأتانِ
ألستُّ آسيةٌ واُمُّ ربيبِها++
وحبيبِها موسى فتى عمرانِ
وعلى الرخامةِ تمَّ مولدُ حيدرٍ++
في البيتِ ربَّةِ أحمر الألوانِ
واذكرْ لهُ مذ خرَّ في محرابِهِ++
صَبَغَ الرُخامَ بفيضِ هامٍ قاني
وُلِدَ ابنُ فاطمة الفخارِ مطهّراً++
عفَّ المآزرِ طاهرَ الأردانِ
ما بينَ أحضانِ الحرائرِ خيرِ مَنْ++
خلقَ الإلهُ مفاخرِ النسوانِ
حوّاءُ أتحفها السلامَ تحيةً++
إنّ السلام تحيّةُ الرضوانِ
وتشهّدَ الهادي شهاداتِ الهدى++
والدين وهي ثلاثةٌ لا اثنانِ
هذي الفضيلة لم ينلْها قبلَهُ++
أو بعدَهُ في الوضعِ من إنسانِ
بقيتْ ثلاثاً اُمّهُ في الكعبةِ ال++
غرّا وقرّتْ بابنها العينانِ
وهنالكَ انفتحَ البِنا لِخروجِها++
فدخولُها وخروجُها سيّانِ
سمّتْهُ حيدرةً لِما وجدتْ بِهِ++
"أثرَ الشجاعةِ ساطع البرهانِ"
لا تُوثقيهِ بِستّةٍ أو سبعةٍ++
قمطاً ولو في قوّةِ الأشطانِ
قطعَ القيودَ يقولُ كفّي إنّني++
حُرٌّ وما قيدُ الورى من شاني
هذا ولكن قيّدتْهُ وصيّةٌ++
بنجادِ ماضيهِ فتى الفتيانِ
حملتْ وصيَّ محمّدٍ بِذِراعها++
حملَ الذِراع الشمسَ ذات الشانِ
فليهنَ والدَهُ وعُذراً لو قضى++
يوم البشارة ميتة الجذلانِ
لا سيّما لمّا دعاهُ ذُو العلى++
وأمدّهُ بنواله الربّاني
إنّي العَليُّ فسمِّهِ باسمي لكي++
يعلُو فيعلمُ قدرَهُ الثقلانِ
لو لم تلدْهُ فتاةُ هاشمَ لم تجدْ++
لمحمّدٍ في الناسِ من أقرانِ
جاءتْ إليهِ بهِ فألفتْ توأمي++
مجدٍ وطرفي حلبةٍ وعنانِ
عرفَ النبيّ وصيّهُ فاهتزّ مِن++
بشرِ اللقاءِ كلاهما للثاني
إنْ كانَ بالإنجيلِ أصبحَ ناطقاً++
عيسى فحيدرُ قارى ءُ الفرقانِ
لو لم يكنْ للمؤمنينَ أميرَهُمْ++
ما اختارَ سورتَهُمْ من القرآنِ
قد أفلحوا بكَ في شهادة أحمدٍ++
فتميرُهُمْ بالعلمِ والعرفانِ
ولذاكَ غذّاهُ إلى حيث ارتوى++
إبهامهُ بالعلمِ لا الألبانِ
وأقامَ يتّبعُ النبيَّ كظلّهِ++
فهما لإنسانِ الهدى جَفنانِ
ماذا ترى بغذيّ دَرِّ محمّدٍ++
ونجيّهِ في السرِّ والإعلانِ
أتراهُ لا يرقى إلى أوجِ العُلى++
هلْ قريةٌ من بعدِ عبّادانِ
ما آيةٌ نزلتْ ولا علمٌ أتى++
إلّا وكانا فيه كالميزانِ
حتّى إذا صدعَ النبيُّ بأمرِهِ++
ودعا العشيرةَ مِن بني عدنانِ
لم يستجبْ إلّا أبو حسنٍ فقدْ++
لبّى النّدا قبلَ الصّدا بزمانِ
ولذاكَ كانَ وزيرَهُ وأخاً لَهُ++
وخليفةً لخليفةِ الدّيانِ
فهما لدَوحةِ دينهِ جذرانِ++
وهما لبابِ الرُّشدِ مصراعانِ
مَضيا يشقّانِ الطريقَ كلاهما++
لم يحفلا بتجمهُرِ العُدوانِ
فالدّينُ منحصرٌ ببيتٍ واحدٍ++
يحوي خديجة عندها العَلمانِ
أمّا الصلاةُ فإنّها في مكّةٍ++
قامتْ بهمْ وقيامُها صفّانِ
حتّى إذا رحلتْ إلى دار الجزا++
خفراً لأكرم ناصرٍ معوانِ ___________________________________المراد به: أبو طالب.]
هجر النبيُ بلادَهُ وببردِهِ ال++
تحفَ الوصيُّ الليثُ ثبتَ جنانِ
لو كانَ أوجسَ خيفةً منهمْ لما++
ذاقتْ كرىً في ليلهِ العينانِ
وأداةُ مكرٍ في العِدا بثباتِهِ++
باهى الإلهُ ملائكَ الرحمنِ
وهُنا أتى دورُ الحُروبِ وإنّما++
هُوَ مِن رَحاها القُطبُ في الميدانِ
وبراية الإسلامِ خَفَّ مجاهداً++
من عُمرهِ لم يُنْهِ عقداً ثاني
لم تخلُ منهُ غزوةٌ وسَلِ العِدا++
مَنْ كانَ ثَمَّ مجدّلَ الشجعانِ
لم يعترضْ إلّا وقطّ وما علا++
إلّا وقدّ القرنَ دونَ توانِ
سَلْ عنهُ بَدراً في البرازِ وإنّه++
لمبرّزٌ لمّا التقى الجمعانِ
ولقدْ أطاحَ شباه في أُحُدٍ بمَنْ++
حملوا لواءَ الشركِ والطغيانِ
نصرَ النبيّ بِهِ ومذْ أغراهمُ++
طمعٌ فباءَ الجيشُ بالخذلانِ
سَلْ مَنْ دعا جبريلُ ثمّةَ باسمِهِ++
في حيث تسمعُ صوتَهُ الثقلانِ
"لا سيفَ إلّا ذُو الفِقارِ ولا فَتى++
إلّا عليٌّ" فارسُ الفرسانِ
عجبتْ ملائكةُ السماءِ لصبرِهِ++
ولردّهِ لكتائبِ العدوانِ
وتكشّفَ الأحزابُ رُعباً مذْ برى++
ساقَ ابنَ وَدٍّ مفرد الأقرانِ
ولمرحَبٍ قسمَ الوصيُّ بسيفهِ++
فلذاكَ أصبحَ قاسمَ النيرانِ
وببطشِ حيدرَ تَمَّ نصرُ المصطفى++
بحنينَ بعدَ تطاحُنٍ وطِعانِ
وتزوّجَ الزهرا فضاعَفَ مجدهُ++
أعظمْ بهِ صِهراً بخيرِ قِرانِ
مَنْ مثلُهُ شرفاً أنافَ وفرعهُ++
سبطا النبيّ المصطفى الحَسَنانِ
هيهاتَ يُحصي فضلَهُ إلّا الذي++
في بيتَهَ وَلَدْتُه خيرُ حصانِ
وببيتِهِ الثاني بيثربَ قد غدا++
لأخيهِ أحمدَ ثانيَ السكّانِ
عينانِ أبصرتا الضيا بفنائِهِ++
قد أغمضا مذْ فيه أصبح فاني
وعلى الهدى والفوز عند مليكه++
سهرتْ له في بيتهِ العَينانِ
الفوزُ أدركَهُ لديْهِ موحّدٌ++
وإليهِ عادَ ورأسُهُ نِصفانِ