ابن تیمیة، حیاته و عقائده نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ابن تیمیة، حیاته و عقائده - نسخه متنی

صائب عبد الحمید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



قلب الشيخ اوراق يزيد فوجد اجماع المورخين على انه كان لا
يقيم الصلاه، ولا يدع الخمره، ولا يفارق الغانيات ! فاغمض
عينيه عن كل هذا، ووضع اصبعيه فى اذنيه، وغاص فى بحور
التاويل ليستنقذ غريقه، ومضى حتى اخرجه بريئا من قتل
الحسين غير ملوم فيه، بكلام سياتى ذكره لاحقا، ثم قال: ولكن
ظهر من امره فى اهل الحره ما لا نستريب انه عدوان محرم،
وكان له موقف فى القسطنطينيه - وهو اول جيش غزاها - ما
يعد من الحسنات !.


فهل ذهب يزيد الى القسطنطينيه فاتحا، حاملا رساله القرآن
وآداب النبوه بين جنبيه يبلغها هناك ، ام كان ابوه قد حشره
فى ذلك الجيش ليصطنع له منقبه يرددها عباد الملوك
فيجعلون منه بطلا مغفورا له ما تقدم وما تاخر ؟ فمن سيكون
اذن اولى منه بخلافه ابيه ؟! .


حين اشار المغيره بن شعبه على معاويه بولايه العهد ليزيد،
قائلا: لقد وضعت رجل معاويه فى غرز بعيد الغايه على امه
محمد، وفتقت عليهم فتقا لا يرتق ابدا ! .


منذ ذلك الحين كان معاويه واصحابه يحتالون لاقناع الناس
بالمرشح الجديد لخلافه ابيه، بعث معاويه الى زياد بن ابيه
عامله على البصره يذكر له ما اظهره المغيره ويحثه على
الدعوه ليزيد بولايه العهد، فاستشار زياد اصحابه فى ان يكتب
جوابا لمعاويه يقول فيه:
ان كتابك ورد على بكذا، فما يقول الناس اذا دعوناهم الى بيعه
يزيد وهو يلعب بالكلاب والقرود ويلبس المصبغ ويدمن الشراب
ويمشى على الدفوف، وبحضرتهم الحسين بن على، وعبداللّه
بن عباس، وعبداللّه بن الزبير، وعبداللّه بن عمر ؟! .


فاشاروا عليه ان لا يكتب هذا فيغيض معاويه، ولكن يتوصلون
اليه ان يامر يزيد بان يتخلق باخلاق هولاء حولا وحولين فعسانا
ان نموه على الناس ! .


وكان معاويه عارفا بذلك ، بعث اليه المغيره عشره - وقيل اكثر
- من اهل الكوفه اعطاهم ثلاثين الف درهم وبعث معهم ابنه
موسى بن المغيره، فاتوا معاويه يزينون له البيعه ليزيد.


فقال لهم معاويه: لا تعجلوا باظهار هذا وكونوا على رايكم.


ثم قال لموسى بن المغيره: بكم اشترى ابوك من هولاء دينهم
؟ .


قال: بثلاثين الف درهم.


قال معاويه: لقد هان عليهم دينهم ! .


فلما كانت غزوه القسطنطينيه كانت الفرصه الذهبيه امام
معاويه ليرفع فيها من شان يزيد، فكيف كان اشتراك يزيد فيها
؟ .


قال ابن الاثير فى احداث سنه 49 ه: فى هذه السنه، وقيل سنه
خمسين، سير معاويه جيشا كثيفا الى بلاد الروم للغزاه، وجعل
عليهم سفيان بن عوف، وامر ابنه يزيد بالغزاه معهم فتثاقل
واعتل ! فامسك عنه ابوه.


قال: فاصاب الناس فى غزاتهم جوع ومرض شديد، فانشا يزيد
يقول:
ما ان ابالى بما لاقت جموعهم
بالفرقدونه من حمى ومن موم
اذا اتكات على الانماط مرتفعا
بدير مران عندى ام كلثوم
وام كلثوم امراته بنت عبداللّه بن عامر.


فبلغ معاويه شعره فاقسم عليه ليلحقن بسفيان فى ارض الروم،
فسار ومعه جمع كثير اضافهم اليه ابوه.


هكذا انضم يزيد الى جيش القسطنطينيه، وهكذا اشترى
معاويه والمغيره وزياد من الناس دينهم بثمن بخس.


ثم لنرى مصير تلك الحسنات التى يذكرها الشيخ هنا، لنرى
مصيرها فى هذا الحديث الذى يسوقه ابن تيميه نفسه:
يقول ابن تيميه: يزيد بن معاويه قد اتى امورا منكره، منها وقعه
الحره، وقد جاء فى الصحيح عن على (رضى اللّه) عن النبى (
قال: (المدينه حرم ما بين عائر الى كذا، فمن احدث فيها حدثا
او آوى محدثا فعليه لعنه اللّه والملائكه والناس اجمعين، ولا
يقبل اللّه منه صرفا ولا عدلا).


هذا هو مصير (حسنات) يزيد اذن ! .


ولكن لا تظن ان المفتى سيترك مولاه فى هذه الورطه، فهو
اشد وفاء لمولاه مما ظننت، وميدان التاويل ميدان مفتوح،
ولاى شى ء يراد التاويل ان لم يسخر لخدمه الامير ؟! .


يقول ابن تيميه: فاما اهل الحره فانهم لما خلعوا يزيد واخرجوا
نوابه، ارسل اليهم مره بعد مره يطلب الطاعه فامتنعوا، فارسل
اليهم مسلم بن عقبه المرى وامره اذا ظهر عليهم ان يبيح
المدينه ثلاثه ايام، وهذا هو الذى عظم انكار الناس له من فعل
يزيد ! .


هكذا كان الخليفه معذورا فى غزو المدينه، وفى قتل اهلها
حتى لم يكد ينج منهم احد، وفيهم الصحابه من المهاجرين
والانصار وابنائهم، فهو فى كل ذلك كان متاولا لحفظ ملكه ! .


انما عظم انكار الناس لاباحته المدينه واغتصاب نسائها ( حتى
افتضت نحو الف عذراء) ! .


يقول ابن تيميه متمما عذر الخليفه: لكنه - اى يزيد - لم يقتل
جميع الاشراف ، ولا بلغ عدد القتلى عشره آلاف، ولا وصلت
الدماء الى قبر النبى !! .


فاين منه اناس تفيض اعينهم لذكر النبى، وينتحبون انتحاب
الثاكلات عند ذكر قبره الشريف ؟!
هل آلمه ان الدماء البريئه لم تصل قبر النبى ؟!
ام فرح بذلك ليتخذ منه عذرا يعود به يزيد خفيف الذنب ؟! .


اين منه اولئك ؟!
واين منه اناس تذوقوا الاخلاق الكريمه وعشقوها ؟! واين منه
اناس اشمازوا من ذكر القبائح والجرائم وسفك الدماء البريئه ؟!
ولم يكل (الناصر للسنه) (المكافح عن السلف) من الكلام، يلف
ويدور، ويروح ويجى ء، ورغم اطالته الكلام فى الكفاح عن يزيد،
فهو لم يذكر حرفا واحدا فى اسباب خروج اهل المدينه المنوره
على يزيد، لاى شى ء كانت وقعه الحره ؟
وماذا اراد منهم يزيد بعدها ؟!
ان زعيم حركه المدينه المنوره كان عبداللّه بن حنظله، وابوه
حنظله هو غسيل الملائكه الذى استشهد فى احد جنبا صبيحه
عرسه ، فقال فيه النبى(ص): (ان صاحبكم تغسله الملائكه).


قال عبداللّه بن حنظله الثائر فى اسباب نهضته على يزيد: (واللّه
ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان نرمى بالحجاره من السماء !
انه رجل ينكح امهات الاولاد، والبنات، والاخوات، ويشرب
الخمر، ويدع الصلاه).


ذاك كان ذنب اهل المدينه المنوره فى خروجهم على
(الخليفه) ! فلعله فاتهم ان (الخليفه) كان متاولا فى ذلك كله،
كما كان متاولا فى قتلهم، والمتاول مثاب على حسن قصده !! .


وبعد ذلك اوجب على من بقى حيا من اهل المدينه المنوره ان
يبايع على انه عبد ليزيد بن معاويه ! ومن ابى ضربت عنقه،
ومن قال ابايع على كتاب اللّه وسنه رسوله ضربت عنقه ! وليس
هذا مما يغيض ابن تيميه (المنتصر للسنه والمكافح عن
السلف) لان ذلك كان بتاويل ! فلم يفعله يزيد الا لحفظ ملكه ! .


واحراق الكعبه كان ايضا بتاويل ! .


قال المورخون: ان جيش يزيد لما قضى على حركه اهل
المدينه فى وقعه الحره توجه الى مكه قاصدا ابن الزبير الذى
كان معتصما بها، فحاصروه ورموه بالمنجنيق حتى احرقوا
الكعبه، فصعد قاضى ابن الزبير ينادى: يا اهل الشام، هذا حرم
اللّه الذى كان مامنا فى الجاهليه ! فاتقوا اللّه.


فيصيح الشاميون: الطاعه الطاعه ! الكره الكره ! الرواح قبل
المساء ! فلم يزالوا على ذلك حتى احترقت الكعبه.


وقال اهل
الشام: ان الحرمه والطاعه اجتمعتا، فغلبت الطاعه الحرمه ! .


وفى تلك الاثناء جاءهم النبا بهلاك يزيد، فانصرفوا، فماذا ترى
مدرسه التاويل ؟! .


ابن تيميه يقول: ان حريق الكعبه لم يقصده يزيد، وانما كان
مقصوده حصار ابن الزبير، والضرب بالمنجنيق كان له لا
للكعبه ! ويزيد لم يهدم الكعبه، ولم يقصد احراقها لا هو ولا
نوابه باتفاق المسلمين !! .


بمثل هذا التاويل وهذا الاتفاق ينتصر (شيخ الاسلام) لدين
الاسلام وحرماته وحدوده ! .


فلماذا لا يكون الدين (افيون الشعوب) عندما لا يكون سوى آله
لتمهيد دنيا (الخليفه) ؟ حتى هذا الخليفه الذى لم يترك
شرب الخمره حتى فى بيت اللّه حين بعثه ابوه معاويه اميرا
على الحج ! .


ثم ختم عمره بفاجعه المدينه المنوره، ثم حريق الكعبه ! .


مع حديث الامام احمد فى لعن يزيد :
للامام احمد بن حنبل حديث فى يزيد بن معاويه ينقله ابن
تيميه هنا، فلنرى كيف ينقله .


؟! وكيف يستفيد منه؟! :
يقول ابن تيميه: ويزيد بن معاويه قد اتى امورا منكره منها وقعه
الحره.


ولهذا قيل للامام احمد: اتكتب حديث يزيد ؟ .


فقال: (لا، ولا كرامه، اوليس هو الذى فعل باهل الحره ما
فعل؟!).


وقيل له: ان قوما يقولون : انا نحب يزيد ! .


فقال: (وهل يحب يزيد احد يومن باللّه واليوم الاخر ؟!).


فقال له - ابنه صالح -: فلماذا لا تلعنه ؟! .


فقال الامام احمد: (ومتى رايت اباك يلعن احدا) انتهى.


لعلك علمت لماذا قال (انتهى) ؟ قالها لان الحديث لم ينته،
ولانه يريد ان يستبدل تتمه الحديث بكلام من عنده، فقال على
الفور: ومذهب اهل السنه والجماعه انهم لا يكفرون اهل القبله
بمجرد الذنوب ولا بمجرد التاويل ! .


اى ذنوب هذه .


؟! واى تاويل ؟! حتى لو كان استباحه نساء
المهاجرين والانصار وبناتهم حتى ولدت منهن نحو الف بنت لا
يعرف من اولدهن ؟! .


اولئك المهاجرون والانصار الذين يقول فيهم ابن تيميه : (ان
من طعن فيهم فهو اضل من حمار اهله) يجعل قتلهم وانتهاك
اعراضهم وقتل ابنائهم مجرد ذنب او مجرد تاويل ! .


وحتى لو كان الذنب قتل اولاد النبى، سيكون عنده مجرد
تاويل !! .


وحتى حين يرتكب يزيد العمل الذى انذر منه النبى (ص) وقال
فى فاعله : (عليه لعنه اللّه والملائكه والناس اجمعين، ولا يقبل
اللّه منه صرفا ولا عدلا) حتى هذا حين يرتكبه يزيد يقال : انه
تاويل !!
تركه الصلاه عمود الدين تاويل، وشرب الخمر تاويل، وقضاء
الليالى مع الغانيات تاويل، واحراق الكعبه تاويل ! فلم يبق الا
استبدال القرآن بكتاب جديد، ولو فعله لدخل ايضا فى ساحه
التاويل، بل بحور التاويل التى ابتلعت كل معالم الدين وما زالت
تتسع للمزيد، حتى يكتفى يزيد !
ولنعد الى حديث الامام احمد حيث قال الشيخ انه انتهى، ولم
ينته بعد، بل واصل الامام احمد قائلا: (ولم لا يلعن من لعنه اللّه
تعالى فى كتابه ؟!).


فقيل له: واين لعن اللّه يزيد فى كتابه ؟
فقرا احمد قوله تعالى: ( فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا فى
الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم اللّه فاصمهم
واعمى ابصرهم ).


ثم قال: فهل يكون فساد اعظم من القتل ؟! .


هذا هو حديث الامام احمد الذى اثبت فيه ان يزيد ملعون فى
كتاب اللّه، وتلك هى امانه (شيخ الاسلام) فى نقل عقائد السلف
واحاديثهم.


وابو الفرج ابن الجوزى الفقيه الحنبلى الشهير ينقل هذا
الحديث كاملا فى كتاب صنفه فى الرد على من منع لعن يزيد،
واسماه (الرد على المتعصب العنيد) وقال فيه:
صنف القاضى ابو الحسين محمد ابن القاضى ابى يعلى بن الفراء
كتابا فى بيان من يستحق اللعن وذكر فيهم يزيد، وقال:
الممتنع من ذلك اما ان يكون غير عالم بجواز ذلك ، او منافقا
يريد ان يوهم بذلك ، وربما استفز الجهال بقوله: (المومن لا
يكون لعانا) وهذا محمول على من لا يستحق اللعن.


فهل كان ابن تيميه جاهلا بجواز ذلك ؟
لقد قرا ابن تيميه كتاب ابى الفرج ابن الجوزى المذكور، فقال:
اما ابو الفرج ابن الجوزى فله كتاب فى اباحه لعنه .


ثم بعد ذلك
صنف ابن تيميه فى المنع من سب يزيد فى كتابه (فضائل
معاويه وفى يزيد وانه لا يسب) !
كما استفز الجهال بقوله (المومن لا يكون لعانا) فى كتابه
(منهاج السنه) ! وقال فيه: فمن اين يعلم الانسان ان يزيد لم
يتب من هذه، او لم تكن له حسنات ماحيه ؟ .


ارايت تقوى كهذه ؟!
فهل غاب عليه شى ء من حال يزيد ؟! ام غاب عليه ما قاله
معاويه بن يزيد نفسه بعد هلاك ابيه ؟!
قال معاويه بن يزيد: ان اعظم الامور علينا علمنا بسوء مصرعه
وقبح منقلبه، وقد قتل عتره الرسول، واباح الحرمه، وحرق
الكعبه ! .


وبعد، فهذا الرجل الذى يريك هذا التحرج الشديد فى امر يزيد
هو بعينه صاحب ذلك الكلام الجرى ء بحق على بن ابى طالب
(ع) !
مقتل الحسين (ع) فى فلسفه ابن تيميه
الى هنا وابن تيميه لا يرى ان قتل الحسين (ع) مما يعد فى
ذنوب يزيد، ولا هو من الامور المنكره التى ارتكبها !
يقول ابن تيميه: ان يزيد لم يظهر الرضى بقتله، وانه اظهر الالم
لقتله، واللّه اعلم بسريرته ! وقد علم انه لم يامر بقتله ابتداء،
ولكنه مع ذلك ما انتقم من قاتليه ، ولا عاقبهم على ما فعلوا اذ
كانوا قتلوه لحفظ ملكه ! ولا قام بالواجب فى الحسين واهل
بيته، ولم يظهر له من العدل وحسن السيره ما يوجب حمل
امره على احسن المحامل، ولا نقل احد انه كان على اسوا
الطرائق التى توجب الحد ! ولكن ظهر من امره فى اهل الحره
ما لا نستريب انه عدوان محرم ! .


هكذا اذن لم يكن فى قتل الحسين (ع) وما جرى له ولاهل بيته
عدوان ولا عمل محرم !
وحتى فى تعطيل حدود اللّه بحق قاتليه، لانه هنا متاول !
فهولاء انما قتلوا الحسين لحفظ ملكه !
سنه بنى اسرائيل !!
قال تعالى: ( ان الذين يكفرون بئايت اللّه ويقتلون النبين بغير
حق ويقتلون الذين يامرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب
اليم اولئك الذين حبطت اعملهم فى الدنيا والاخره وما لهم
من نصرين ) وان نصرهم اصحاب التاويل وجادلوا عنهم فى
الحياه الدنيا ( فمن يجدل اللّه عنهم يوم القيمه )؟!.


روى الطبرى باسناده: كان الوحى ياتى انبياء بنى اسرائيل
فيذكرون فيقتلون، فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدقهم
فيذكرون قومهم فيقتلون، فهم الذين يامرون بالقسط من
الناس.


وروى ايضا عن النبى (ص) انه سئل: من اشد الناس عذابا يوم
القيامه ؟ .


فقرا النبى (ص) هاتين الايتين، ثم قال: (قتلت بنو اسرائيل
ثلاثه واربعين نبيا من اول النهار فى ساعه واحده، فقام مئه
رجل واثنا عشر رجلا من عباد بنى اسرائيل فامروا من قتلهم
بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار فى
ذلك اليوم، وهم الذين ذكر اللّه عزوجل).


هذا قول اللّه ورسوله، وصدق اللّه ورسوله، لكن ابن تيميه يقول:
ان خروج هولاء على سلطان زمانهم فساد كبير وشر عظيم
وسبب للفتن ! .


اما قوله: (ان يزيد لم يظهر الرضى ..


وانه اظهر الالم ، وانه لم
يامر بقتله ابتداء) فهى دعوى بوسع كل امرى ان يطلقها حين
لا تكون هناك مسووليه عن الكلمه، ولا اظنك نسيت قوله فى
حديث الامام احمد (انتهى)، فقوله هنا (قد علم) هو اشبه شى ء
بقوله هناك : (انتهى) .


او قوله : (باتفاق العلماء) ونحوه، فالذى
قد علم حقا هو العكس تماما !
فهل استبعد هذا من يزيد لعلمه بصلاح حاله وتقواه ؟! الرجل
الذى ارتكب فى مدينه الرسول ما لم يفعله حتى المغول،
ايحجزه شى ء عن الفظائع ؟!
وما الذى يحجزه عن قتل الحسين؟! الم يرث من اسرته ذاك
العداء التاريخى لاسره الحسين ؟!
الم ينشا ومل ء اذنيه لعن على والحسن والحسين على منابر
ابيه، ثم كان ذلك مل ء فيه منذ تعلم الكلام، فامضاه على منبره
سنه يتعبد بها كل يوم مرات ؟!
وبالامس كان ابوه قد اغتال الحسن اخا الحسين بالسم، وحارب
عليا ابا الحسين بسيفه ولسانه حتى هلك ، وجده ابو سفيان
كان شيخ المحاربين لجد الحسين محمد (ص)، وجدته هند
حالها لا يخفى !
فالجد ابو سفيان، والجده هند، والاب معاويه، والابن يزيد،
والابن شر الاربعه بلا خلاف، فلم ينسب اليه احد شعره من دين
كانت تنسب لابيه او جده وحتى جدته، بصدق او بمين.


فمن
يستنكر اقدام يزيد على قتل الحسين (ع) ؟!
ولقد كان مروان بن الحكم الذى هو فضض من لعنه نبى اللّه،
كما وصفته ام المومنين عائشه، كان هو الاخر خيرا من يزيد،
ولقد قال لوالى المدينه حين دعا الحسين (ع) لياخذ منه
البيعه ليزيد، قال له مروان: اشدد يدك بالحسين فلا يخرج
حتى يبايع، فان ابى فاضرب عنقه ! .


وفوق هذا المعلوم من امره شهاده عبيداللّه بن زياد واليه على
قتل الحسين:
عاش عبيداللّه بن زياد بعد موت يزيد، فاضطربت عليه الاحوال
فى العراق فخرج الى الشام ومعه مئه رجل من الازد يحفظونه،
وفى بعض الطريق راوه قد سكت طويلا، فخاطبه احدهم
ويدعى مسافر بن شريح اليشكرى، فقال له: انائم انت ؟ .


قال: لا، كنت احدث نفسى.


قال له مسافر: افلا احدثك بما كنت تحدث به نفسك ؟ .


قال: هات.


قال مسافر: كنت تقول: ليتنى لم اقتل حسينا.


فقال عبيداللّه بن زياد: اما قتلى الحسين فانه اشار الى يزيد
بقتله او قتلى، فاخترت قتله.


تذكر الان قوله (قد علم) ثم انظر القول الاتى:
قال ابن العماد الحنبلى: قال التفتازانى فى (شرح العقائد
النسفيه): (اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين، او امر
به، او اجازه، او رضى به، والحق ان رضا يزيد بقتل الحسين
واستبشاره بذلك واهانته اهل بيت رسول اللّه (ص) مما تواتر
معناه وان كان تفصيله آحادا، فنحن لا نتوقف فى شانه، بل فى
كفره وايمانه، لعنه اللّه عليه وعلى انصاره واعوانه).


ونقل هذا الكلام الشبراوى ايضا، وذكر اعمال يزيد ثم قال: ولا
شك عاقل ان يزيد بن معاويه هو القاتل للحسين (رضى اللّه)
لانه هو الذى ندب عبيداللّه بن زياد لقتل الحسين.


ثم لعنه الامام احمد بن حنبل بسبب قتل الحسين (ع)، ونقل
الشبراوى حديثه كاملا عن ابن الجوزى، وفى آخره: قال احمد:
وكيف لا يلعن من لعنه اللّه تعالى فى كتابه ؟ قال له ابنه صالح:
واين لعن اللّه يزيد فى كتابه ؟ فقال: فى قوله تعالى: (فهل
عسيتم ان توليتم ان تفسدوا فى الارض وتقطعوا ارحامكم
اولئك الذين لعنهم اللّه فاصمهم واعمى ابصرهم ) وهل يكون
فساد اعظم من قتل الحسين(رضى اللّه)؟! وقدقال تعالى:(ان
الذين يوذون اللّه ورسوله لعنهم اللّه فى الدنيا والاخره ) واى
اذى اشد على محمد (ص) من قتل الحسين الذى هو له
ولابنته البتول قره عين؟! .


قال ابو الفرج ابن الجوزى الحنبلى فى رده على المتعصب
العنيد: ان انكاره على من استجاز ذم المذموم ولعن الملعون
من جهل صراح، فقد استجازه كبار العلماء، منهم الامام احمد
بن حنبل (رضى اللّه) وقد ذكر احمد فى حق يزيد ما يزيد على
اللعنه.


ثم قال ابن الجوزى: وما يكاد احد ينصح عن احد الا وهو محب
له، وقد صح عن رسول (ص): (المرء مع من احب).


نهضه الحسين (ع) فى فلسفه ابن تيميه
(لا واللّه، لا اعطيهم بيدى اعطاء الذليل، ولا اقر اقرار العبيد).


(ايها الناس، ان رسول اللّه (ص) قال: من راى سلطانا جائرا
مستحلا لحرم اللّه، ناكثا لعهد اللّه، مخالفا لسنه رسول اللّه،
يعمل فى عباد اللّه بالاثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل ولا
قول كان حقا على اللّه ان يدخله مدخله.


الا وان هولاء قد لزموا طاعه الشيطان وتركوا طاعه الرحمن،
واظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستاثروا بالفى ء، واحلوا حرام
اللّه وحرموا حلاله، وانا احق من غير).


وخير لبنى الانسان الف مره ان يكون فيهم خلق كخلق
الحسين الذى اغضب يزيد بن معاويه، من ان يكون جميع بنى
الانسان على ذلك الخلق الذى يرضى به يزيد.


اما ابن تيميه فيقول: هذا راى فاسد، فان مفسدته اعظم من
مصلحته، وقل من خرج على امام ذى سلطان الا كان ما تولد
على فعله من الشر اعظم مما تولد من الخير ! .


ويقول: ولم يكن فى خروجه مصلحه لا فى دين ولا فى دنيا !
وكان فى خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد فى
بلده ! .


ولا ينسى ان يدس بين هذه العبارات الجافيه عباره رقيقه
تستهوى العواطف، فيقول: بل تمكن اولئك الظلمه الطغاه من
سبط رسول اللّه (ص) حتى قتلوه مظلوما شهيدا ! .


لا ريب انه كان صادقا حين يتكلم بلغه الدنيا والمصلحه الزائله،
وحين ينظر الى هذه الاحداث بمنظار بنى اسرائيل الذين
يمنحون التقديس دائما للسلطان المنتصر، ويلقون باللائمه
على السلطان المغلوب فى ميدان السيف والحصان، وان كان
غالبا قاهرا فى ميدان القيم ! .


ولكن ما ابعده عن الصدق حين يوزن بلغه القرآن ومنظار
الانبياء، فهل مجد القرآن احدا بعد الانبياء كتمجيده الشهداء ؟ .


( ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل اللّه اموت بل احياء ولكن لا
تشعرون).


( ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل اللّه اموتا بل احياء عند ربهم
يرزقون فرحين بما ءاتهم اللّه من فضله ويستبشرون بالذين لم
يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون ).


اذن هم يستبشرون باخوانهم الذين سيمضون بعدهم على هذا
الطريق ، طريق الشهاده والكرامه التى لا تفنى، طريق كله خير
وحياه ! .


( قتل اصحب الاخدود النار ذات الوقود اذ هم عليها قعود
وهم على ما يفعلون بالمومنين شهود ).


اما ابن تيميه فيرى ان هولاء المومنين حين انكروا دين الملك
كانوا سببا لفساد كبير وشر عظيم لم يكن ليحصل لو انهم
سكتوا وقعدوا فى بيوتهم ومضوا على دين الملك ! .


انه يقول: ان ما قصده الحسين من تحصيل الخير ودفع الشر لم
يحصل منه شى ء بل زاد الشر بخروجه وقتله ونقص الخير بذلك
وصار سببا لشر عظيم ! .


صار الحسين (ع) بخروجه على يزيد سببا لشر عظيم !! .


لماذا ؟ لان خروجه مما اوجب الفتن ! .


ويعنى بالفتن التى كان الحسين سببا فيها: حركه اهل المدينه
المنوره، وحركه ابن الزبير، وحركه التوابين، وحركه القراء،
وحركه زيد بن على، وغيرها من النهضات التى خرجت على
الامويين فى زمن يزيد وبعده ! .


انها لغه العبيد الذين لا يفهمون للكرامه والحريه معنى، ولا
يدركون لرساله السماء حقيقه، فكيف لا يستنكرون صنع من
يضع روحه واهله وكل ما يملك فداء على طريقها ؟! .


وكم بين لغه بنى اسرائيل ولغه الانبياء ؟! .


قال النبى (ص): (ان من كان قبلكم من بنى اسرائيل اذا عمل
فيهم العامل الخطيئه فنهاه الناهى تعذيرا، فاذا كان من الغد
جالسه وواكله وشاربه كانه لم يره على خطيئه بالامس، فلما
راى اللّه تعالى ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض
ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا
يعتدون.


والذى نفسى بيده لتامرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر،
ولتاخذن على ايدى المسى ء، ولتاطرنه على الحق اطرا، او
ليضربن اللّه بقلوب بعضكم على بعض، ويلعنكم كما لعنهم).


(واعجب شى ء ان يطلب الى الحسين بن على ان يبايع مثل هذا
الرجل ويزكيه امام المسلمين ويشهد له عندهم انه نعم
الخليفه المامول صاحب الحق فى الخلافه وصاحب القدره
عليها ! ولا مناص للحسين من خصلتين: هذه، او الخروج،
لانهم لن يتركوه بمعزل عن الامر لا له ولا عليه.


ان بعض المورخين من المستشرقين، وضعاف الفهم من
الشرقيين ينسون هذه الحقيقه ولا يولونها نصيبا من الرجحان
فى كف الميزان.


وكان خليقا بهولاء ان يذكروا ان مساله
العقيده الدينيه فى نفس الحسين لم تكن مساله مزاج او
مساومه، وانه كان رجلا يومن اقوى الايمان باحكام الاسلام،
ويعتقد اشد الاعتقاد ان تعطيل حدود الدين هو اكبر بلاء يحيق
به وباهله وبالامه قاطبه فى حاضرها ومصيرها، لانه مسلم،
ولانه سبط محمد، فمن كان اسلامه هدايه نفس، فالاسلام عند
الحسين هدايه نفس وشرف بيت).


لكن مدرسه التاويل ترى ان صنع الحسين كان خطا، وسببا فى
فتنه تخشى على هذه الامه ! .


يقول ابن تيميه: ومما يتعلق بهذا الباب ان يعلم ان الرجل
العظيم فى العلم والدين من الصحابه والتابعين ومن بعدهم
الى يوم القيامه، اهل البيت وغيرهم، قد يحصل منه نوع من
الاجتهاد مقرونا بالظن ونوع من الهوى الخفى، فيحصل بسبب
ذلك ما لا ينبغى اتباعه فيه وان كان من اولياء اللّه المتقين،
ومثل هذا اذا وقع صار فتنه ! .


هكذا يصف نهضه الحسين (ع): هى نوع من الاجتهاد، مقرون
بالظن، ونوع من الهوى الخفى !! وعلى هذا لايجوز اتباعه فيه.


ومزيدا من التقدم تراه فى تاويل مدرسه بنى اسرائيل، حين
تستنتج من كل ما تقدم ان نهضه ابناء الانبياء هى من نوع
الفساد الذى نهى اللّه عنه، واللّه يامر بالصلاح لا بالفساد ! .


ابن تيميه الذى قال آنفا: قد كان فى خروج الحسين وقتله من
الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد فى بلده.


يعزز عقيدته بقوله:
لذا اشار عليه بعضهم ان لا يخرج، وهم بذلك قاصدون
نصيحته، طالبون لمصلحته ومصلحه المسلمين ! واللّه ورسوله
انما يامر بالصلاح، لا بالفساد !! .


بو اذن بالبعد عن الحسين كل البعد، فالحسين الذى خرج
(مفسدا يطلب الفساد فى الامه) هو سيد شباب اهل الجنه،
فاختر لنفسك منزلا غير ذلك فانت داعيه الصلاح ! .


ارايت تسخير الدين فى خدمه السلطان كيف يكب اصحابه على
مناخرهم فى مستنقعات الحيره والضلال ؟! .


(ان القول بصواب الحسين معناه القول ببطلان تلك الدوله،
والتماس العذر للحسين معناه القاء الذنب على يزيد، وليس
بخاف كيف ينسى الحياء وتبتذل القرائح احيانا فى تنزيه
السلطان القائم وتاثيم السلطان الذاهب ! .


فليس الحكم على صواب الحسين او على خطئه اذن بالامر
الذى يرجع فيه الى اولئك الصنائع المتزلفين الذين يرهبون
سيف الدوله القائمه ويغنمون من عطائها، ولا لصنائع مثلهم
يرهبون بعد ذلك سيفا غير ذلك السيف، ويغنمون من عطاء
غير ذلك العطاء).


وانى يتسنى لهولاء الصنائع ان يصغوا لكلمه واحده تدير الكيل
عن كفه السلطان القائم، وحتى لو كانت تلك الكلمه هى كلمه
الامام الحسين الذى هم بصدد الحكم عليه ؟! .


وحين سمع الشيخ كلام الناصحين، فما له وضع اصبعيه فى
اذنيه حين اجابهم الحسين (ع) ؟! .


نعم، اشار بعض الصالحين على الامام الحسين (ع) بالبقاء فى
مكه لانها حرم اللّه الامن، وهم يظنون ان يزيد لا ينتهك
حرمتها، فاجابهم الامام الحسين (ع) بجوابه الذى لا تجد منه
حرفا واحدا فى كل ما كتب ابن تيميه، وكيف ياتى منه بحرف
فيعود اللوم على يزيد ؟! .


قال الامام الحسين (ع) فى جوابهم: (واللّه لئن اقتل خارجا منها
- اى مكه - بشبر احب الى من ان اقتل فيها، ولئن اقتل خارجا
منها بشبرين احب الى من ان اقتل خارجا منها بشبر.


وايم اللّه لو كنت فى جحر هامه من هذه الهوام لاستخرجونى
حتى يقضوا بى حاجتهم، واللّه ليعتدن على كما اعتدت اليهود
فى السبت) ! .


سنه بنى اسرائيل !! .


وكان (ع) يقول: (واللّه لا يدعوننى حتى يستخرجوا هذه العلقه
من جوفى)! .


كان عبداللّه بن عباس احد اولئك الناصحين الذين اشاروا على
الامام الحسين (ع) بالمكث فى مكه، فهل كان ابن عباس يرى
ما رآه ابن تيميه فى نهضه الحسين وخروجه ؟ .


كتب يزيد الى ابن عباس كتابا يتقرب به اليه، فاجابه ابن عباس
فى كتاب طويل، قال فيه:
(لا تحسبنى - لا ابا لك - نسيت قتلك حسينا وفتيان بنى
عبدالمطلب..


وما انسى من الاشياء فلست بناس اطرادك
الحسين بن على من حرم رسول اللّه(ص) الى حرم اللّه ودسك
اليه الرجال لتغتاله فاشخصته من حرم اللّه الى الكوفه.


ثم انك
الكاتب الى ابن مرجانه - عبيداللّه بن زياد - ان يستقبل حسينا
بالرجال، وامرته بمعاجلته وترك مطاولته، والالحاح عليه حتى
يقتله ومن معه من بنى عبدالمطلب، اهل البيت الذين اذهب
اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).


اذن كان فارق كبير بين ما ادركه اولئك الناصحون، وما وقع
فيه ابن تيميه.


وانه لفارق كبير ايضا بين الحسين (ع) وبين اولئك الناصحين،
حتى عظمائهم واجلائهم.


فارق بين رجل خلق لمثل هذا الامر العصيب، وبين آخرين
خلقوا لغيره.


فارق بين رجل تجمعت فيه مزايا وسجايا جعلته سيد شباب
اهل الجنه، وبين آخرين لم يعرفوا بين جوانحهم شيئا من ذلك
.


فارق بين رجل نشا فى حجر النبى وترعرع فى بيت على،
وآخرين لم يدركوا سر هذا البيت.


فارق بين سبط النبى، وافاضل صالحين.


ولكن مدرسه التاويل لا تقف عند حد من هذه الحدود ! .


وذلك لسبب بسيط، هو انها لم تفهم ان سبط النبى هو غير
اولئك الافاضل والمجتهدين الكبار، لم تفهم ان السبط من
سنخ آخر، هو فرع من سنخ النبى، فروحه وسجاياه واحساسه
ونظراته للاحداث هى من سنخ ذلك الاصل النبوى الذى لا
يمكن ان يحكم عليه بحكم المنظار الارضى.


ان من يفهم هذا لا يصف عمل الاسباط بانه من جنس الاجتهاد
الممزوج بالظن ونوع من الهوى الخفى !
ان مدرسه بنى اسرائيل حين نظرت الى سلوك الانبياء بمنظار
الارض لا بمنظار السماء حكمت بكل بساطه بخطا موسى
وهارون حين قادا اتباعهما الى ذلك التيه العجيب الذى دام
اربعين سنه حتى مات فيه موسى وهارون جميعا !
وبهذا المنظار نفسه وقع حكمهم على دعوه زكريا
ويحيى عليهماالسلام بانها دعوه الى افساد امر الناس، فالخير
الذى ارادا تحصيله لم يحصل منه شى ء، بل حصل بقتلهما تلك
القتله الشنيعه شر عظيم وفساد لم يكن يحصل لو قعدا فى
بيوتهما !
وبهذا المنظار وبهذا المنطق حكم ابن تيميه على مسيره سبط
خاتم النبيين(ص) وهو يعلم انه سبط النبى ويقول بذلك ،
ولكنه وقع بما وقعت به بنو اسرائيل من جراء نظرتها القاصره.


وفى حكم تلك النظره وذاك المنظار اى خير او صلاح خلفه
المومنون حين اعلنوا خروجهم على دين الملك ، فخد لهم
الاخدود واضرم فيه نيرانه ثم امرهم ان يلقوا بانفسهم فيه او
يعودوا الى دين الملك ، فثبتوا جميعا على دينهم والقوا
بانفسهم فى ذلك الاخدود المشتعل، ومن تلكا منهم زخه فيه
زبانيه الملك ، فلم ينج منهم حتى الرضع فى حجور امهاتهم ؟!
اى خير او صلاح صنعوه ليمجدهم القرآن كل ذلك التمجيد،
ويتوعد اللّه اعداءهم باشد وعيد فيقول جل جلاله: ( قتل
اصحب الاخدود النار ذات الوقود اذ هم عليها قعود وهم
على ما يفعلون بالمومنين شهود وما نقموا منهم الا ان يومنوا
باللّه العزيز الحميد ) ؟!
ان هذا الفعل الذى مجده القرآن ورفع اهله الى احسن منزله
هو فى منطق ابن تيميه فساد وشر عظيم، لا لشى ء الا لانهم لم
يتمكنوا من ان يغلبوا الملك فيصبحوا ملوكا يحكمون
فيمجدهم التاريخ الذى مضى على سنه بنى اسرائيل فى
تعظيم السلطان الغالب وتخطئه المغلوب ! .


كما ان هذا الملك الذى توعده اللّه تعالى بكل ذاك الوعيد هو
فى فلسفه ابن تيميه ليس عليه باس لانه كان متاولا، فلم يقتل
اولئك المومنين الخارجين عليه الا لحفظ ملكه، وفى هذا
صلاح للمملكه !! .


تاويل جديد : name="link141">
ما زال ابن تيميه مصرا على ان خروج الحسين (ع) هو من
الفساد الذى نهى عنه اللّه ورسوله ! فيويد عقيدته هذه بتاويل
جديد ربما طرب له عمى القلوب، ولكن سيسخر منه بسطاء
الناس ناهيك عن عقلائهم.


انه يقول: والدليل على ان ما قام به الحسين كان خلافا لما امر
به النبى: ما ثبت فى الصحيح عن النبى (ص) انه كان ياخذ
الحسن واسامه بن زيد ويقول: (اللهم انى احبهما فاحبهما)
ففى هذا الحديث جمعه بين الحسن واسامه رضى اللّه عنهما
واخباره بانه يحبهما ودعاوه اللّه ان يحبهما، وحبه (ص) لهذين
مستفيض عنه فى احاديث صحيحه، كما فى الصحيحين عن
البراء بن عازب قال: رايت النبى(ص) والحسن على عاتقه وهو
يقول: (اللهم انى احبه فاحبه).


وهذان اللذان جمع بينهما
بالمحبه، وكان يعرف حبه لكل واحد منهما منفردا، لم يكن
رايهما القتال فى تلك الحروب ! .


فكر ثاقب ! واستنتاج رائع ! له بريق اعشى عيون اقوام لا
يفقهون ان يقولوا له كلمه واحده، لا يفقهون ان يقولوا له: ترى
كيف كان قول النبى (ص)فى الحسين؟! اكان جافيا له ساخطا
عليه ؟! .


لا يفقهون هذا ولا اقل منه لان مبدا (نبذ التقليد الاعمى) لا
يصح تطبيقه مع احاديث (شيخ الاسلام) ! .


لقد استنتج هنا استنتاجا رائعا من حب النبى (ص) للحسن
ودعائه اللّه ان يحبه، حين راى ان هذا دليل على ان كل ما يقوم
به الحسن (ع) هو مما يرضى اللّه ورسوله، فحين ترك القتال
كان فى تركه رضى للّه ورسوله.


انه استنتاج رائع بلاشك ، ولكن
اين كان عن هذا الاستنتاج وهو يدافع عن معاويه حين قتل
الحسن بالسم ؟! لم لم يقل انه قتل رجلا احبه اللّه ورسوله ؟! .


لعلك لم تنس انه قال هناك : ان معاويه حين امر بسم الحسن
وقتله كان ذلك من باب القتال الدائر بينهما.


اذن هو قتال دائر بينهما، ولم يترك الحسن القتال ! .


واذا كان قتالا دائرا فما يفعله الحسن هو المرضى عند اللّه
ورسوله بحكم الاستنتاج السابق، فقتال الحسن لمعاويه اذن هو
من رضى اللّه ورسوله، فكان معاويه اذن يحارب اللّه ورسوله فى
قتاله للحسن، او مجرد عدائه له ! .


واين كان عن مثل هذا الاستنتاج مع احاديث النبى (ص) فى
حب على، كقوله المتواتر: (لاعطين الرايه غدا رجلا يحب اللّه
ورسوله ويحبه اللّه ورسوله)؟! وفى حبه لفاطمه البتول الذى
قد لا يضاهيه حب ؟! الم يعلم ان فاطمه ماتت ولم تبايع لابى
بكر، بل ماتت ساخطه عليه وعلى عمر ؟! .


لم لم يلتفت الى هذا الاستنتاج هناك ؟! .


الم يعلم ان عليا سخط فعل السقيفه فلم يبايع سته اشهر حتى
توفيت فاطمه ، وان الحسن كان معه ؟! وحين جادل فى
حروب على (ع) لاصحاب الجمل وصفين اين كان عن هذا
الاستنتاج حتى ذهب يقول: على لم يقاتل على طاعه اللّه،
ورسوله بل قاتل ليطاع هو ؟! .


ولنعد الان الى الحسين (ع) وهذا الموضع من الكلام.


جمع النبى (ص) مره بين الحسن (ع) واسامه فحفظها ابن
تيميه، وجمع (ص) بين الحسن والحسين عليهماالسلام سبع
سنين حتى توفى النبى وعمر الحسين سبع سنين فلم يحفظ
منها ابن تيميه مره واحده ! .


وهل فرق النبى (ص) بين الحسن والحسين فى حب وحباء
وتكريم ومنزله ؟!.


فكم مره يلقاه اصحابه وهو يلثم هذا مره وهذا مره حتى اذا
اجتمع الصحابه عنده قال: (هما ريحانتاى من الدنيا).


وقال: (هذان ابناى، وابنا بنتى، اللهم انى احبهما، فاحبهما،
واحب من يحبهما).


وقال: (اللهم انى احبهما فاحبهما).


وقال: (من احبهما فقد احبنى، ومن ابغضهما فقد ابغضنى).


هذا وكثير غيره كله فى الصحاح، وما اشهر قوله (ص) فيهما:
(الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنه) ! فلم لم تدل هذه
الاحاديث الصحيحه على رضا النبى (ص) بما صنع الحسين
(ع) ؟! .


وهل يشك احد فى منزله الحسين عند النبى (ص) ؟! الم يكن
الحسين من الاربعه الذين جمعهم النبى (ص) تحت الكساء
وقال: (اللهم هولاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا) ؟! .


الم يكن واحدا ممن امر النبى بالتمسك بهم حين قال: (انى
تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه، وعترتى اهل بيتى) ؟! .


وفوق كل ذلك جاء فى الحسين حديثا لم يات حتى فى اخيه
الحسن (ع)، لا تفضيلا للحسين على الحسن عليهماالسلام،
ولكن لما كان يعلمه النبى (ص) من موقف الحسين (ع) الذى
ستقف بوجهه دوله كامله بكل ما فيها، ومما فيها محدثوها
ومورخوها ومفتوها، فقال فيه قولا يهدى من آمن باللّه ورسوله
الى ان صنع الحسين هو من هدى رسول اللّه ومن جنس
صنعه، فقال: (حسين منى وانا من حسين، احب اللّه من احب
حسينا، حسين سبط من الاسباط).


فزياده على الحب ينص
النبى (ص) على مزيد من الاختصاص الى حد الاتحاد فى الرضا
والغضب والحب والبغض والموالاه والبراءه، مع الاتفاق فى
المواقف كلها: (حسين منى وانا من حسين) (حسين سبط من
الاسباط).


فاين غاب هذا وغيره عمن يريد ان يرسم منهاج السنه النبويه
بعيدا عن الهوى والعصبيه ؟! .


هذا وهو القائل: (لكن اهل الاهواء لا يقبلون الا ما يظنون انه
يوافق اهواءهم) ! .


الصحابى انس بن الحارث الذى استشهد مع الحسين (ع) لم
يكن حديثه غائبا عن ابن تيميه، وقد رواه كل من ترجم لهذا
الصحابى، كما رواه البغوى الذى قال فيه ابن تيميه: انه من
اعلم واصدق من كتب مقتل الحسين لانه يسند ما ينقله عن
الثقات ! .


قال الصحابى انس بن الحارث: سمعت رسول اللّه (ص) يقول:
(ان ابنى هذا - يعنى الحسين - يقتل بارض يقال لها كربلاء،
فمن شهد منكم ذلك فلينصره).


ان مستشرقا المانيا لا يشده الى يزيد هوى، ولم تحركه لنصره
الدين عقيده، كان اقدر من ابن تيميه على تفسير نهضه
الحسين ! كان ذاك ماربين الالمانى حيث يقول: ان حركه
الحسين فى خروجه على يزيد كانت عزمه قلب كبير عز عليه
الاذعان وعز عليه النصر العاجل، فخرج باهله وذويه ذلك
الخروج الذى يبلغ به النصر الاجل بعد موته، ويحيى به قضيه
مخذوله ليس لها بغير ذلك حياه).


لكن هذا النصر الاجل سماه ابن تيميه فتنا ! .


هذا كل ما ابداه ابن تيميه من تفاعل مع مصرع الحسين (ع)
واهل بيته، ذلك المصرع الذى ابكى رسول اللّه (ص) فى حياته
وحزن له جبريل (ع) !
روى احمد فى مسنده ان عليا (ع) مر بكربلاء فى طريقه الى
صفين، فنادى: اصبر ابا عبداللّه بشط الفرات ! - وابو عبداللّه هو
الحسين (ع) - .


قيل له: ما ذاك ؟
فقال: دخلت على رسول اللّه (ص) ذات يوم وعيناه تفيضان،
فقلت: ما ابكاك يا رسول اللّه ؟
فقال:(بلى، قام من عندى جبريل قبل فحدثنى ان الحسين
يقتل بشط الفرات، وقال لى: هل لك ان اشمك من تربته ؟ -
قال - فمد يده فقبض قبضه من تراب فاعطانيها فلم املك
عينى ان فاضتا).


وعن ابن عباس قال يوم مصرع الحسين (ع): رايت رسول اللّه
(ص) فى المنام نصف النهاراشعث اغبر معه قاروره فيها دم،
فقلت: بابى وامى يا رسول اللّه، ما هذا ؟ قال: (هذا دم الحسين
واصحابه لم ازل التقطه منذ اليوم) قال : فاحصينا ذلك اليوم
فوجدناه يوم مقتله.


لكن هذا المصرع لم يهز لابن تيميه شعره، ولا خفق له قلبه
خفقه، ولا احدث فى ضميره نقمه على رووس قوم قتلوا آل
النبى ذلك القتل الشنيع، ثم تبعوه باستنقاص بعد استنقاص،
واستشفاء بعد استشفاء بمحمد وآله(ص) !
يا للشقاء.


امه لا ترتوى من دموع الانبياء ! .


بل من دماء الانبياء.


وابناء الانبياء !! .


لا ترتوى.


لا ترعوى.


يا للندامه والشقاء !! .


ويتابع الجريمه الى آخر فصولها، يدافع عن يزيد ويكذب لاجله
حتى نفسه ومن يشهد له بالصدق من اصحاب التاريخ !! .


هذا ما ستراه فى الفقرتين الاتيتين:
الفقره الاولى يزيد وراس الحسين (ع) :
اجمع المورخون الذين كتبوا فى استشهاد الحسين (ع) على
ان الرعاع الذين باشروا قتله حملوا الراس الشريف على رمح
وساروا الى عبيداللّه بن زياد مع رووس جميع من صرع معه من
اهل بيته واصحابه، فلما قضى ابن زياد حاجته فى التشفى
براس السبط الشهيد بعث به الى يزيد فى الشام ليقضى هو
الاخر حاجته تلك وتقر بذلك عينه ويرى اهل الشام ثمار
انتصاره الاول فى مطلع حكمه.


فماذا قال ابن تيميه ؟ .


قال بالحرف الواحد: (ان نقل راس الحسين الى الشام لا اصل له
فى زمن يزيد).


ولمزيد من التفصيل يقول: (ان القصه التى يذكرون فيها حمل
الراس الى يزيد ونكته بالقضيب كذبوا فيها).


باى شى ء كذبوا؟ كذبوا لانهم نقلوا ما لم يكن حقا؟ ام لانهم نالوا
بذلك من كرامه الخليفه ؟!
انظر كيف سيبرهن لك على كذب الناقلين وبراءه ساحه يزيد:
يقول: (والمصنفون من اهل الحديث فى ذلك كالبغوى وابن
ابى الدنيا ونحوهما هم بذلك اعلم واصدق بلا نزاع بين اهل
العلم).


وايضا: (من المعلوم ان الزبير بن بكار ومحمد بن سعد صاحب
(الطبقات) ونحوهما من المعروف بالعلم والفقه والاطلاع اعلم
بهذا الباب، واصدق فى ما ينقلونه من المجاهيل الكذابين).


اذن ماذا يقول هولاء ؟
نرجو ان لا يفجاك الجواب بعد ان رايت من امثاله ما رايت!
انه يقول: (ان الذين جمعوا اخبار الحسين ومقتله مثل ابن ابى
الدنيا والبغوى وغيرهما لم يذكر احد منهم ان الراس قد حمل
الى عسقلان او القاهره) !! .


هذا كل ما وجده عندهم ! .


ولكن ماذا قال هولاء اهل العلم بالنقل والصدق فى الحديث،
ماذا قالوا عن نقل الراس الى الشام بين يدى يزيد، هل كذبوه ام
اثبتوه ؟! .


لم ينقل الشيخ عنهم حرفا من ذلك لسبب واحد، هو انهم
اثبتوه باسانيدهم التى وصفها الشيخ آنفا بانها اسانيد اهل العلم
والصدق ! .


وكلام هولاء نقل طرفا منه الفقيه الحنبلى ابو الفرج ابن
الجوزى فى رده على المتعصب العنيد الذى كذب بكل ما ينال
من كرامه يزيد، وبعد ان ذكر احاديثهم فى نقل الراس الى
عبيداللّه بن زياد وما جرى فى مجلسه قال ابن الجوزى:
قال ابن ابى الدنيا: ثم دعا ابن زياد زحر بن قيس، فبعث معه
براس الحسين ورووس اصحابه الى يزيد ! .


وقال ابن ابى الدنيا: وضع راس الحسين بين يدى يزيد، وعنده
ابو برزه، فجعل يزيد ينكت بعصاه على فيه ويقول:
يفلقن هاما من رجال اعزه
علينا وهم كانوا اعق واظلما
فقال له ابو برزه: ارفع عصاك ، فواللّه لربما رايت فا النبى (ص)
على فيه يلثمه.


قال ابن ابى الدنيا: قال الحسن - البصرى -: جعل يزيد بن
معاويه يطعن بالقضيب موضع فى رسول اللّه (ص)، وا ذلاه ! -
ثم انشد الحسن اثر هذا الكلام:
سميه امسى نسلها عدد الحصى
وبنت رسول اللّه ليس لها نسل
قال ابن الجوزى وهو ينقل عن ابن ابى الدنيا ومحمد بن سعد
عن مجاهد قال: جى ء براس الحسين بن على فوضع بين يدى
يزيد بن معاويه، فتمثل هذين البيتين:
ليت اشياخى ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الاسل
فاهلوا واستهلوا فرحا
ثم قالوا لى بغيب لا تشل
قال مجاهد: نافق فيها، ثم واللّه ما بقى فى عسكره احد الا تركه،
اى عابه وذمه.


واخرج الذهبى عن الزبير بن بكار والليث بن سعد انهما ذكرا
حمل الراس الى الشام ووضعه بين يدى يزيد وتمثل يزيد بهذا
البيت:
يفلقن هاما من رووس اعزه
علينا وهم كانوا اعق واظلما
وزاد الليث بن سعد قوله: فضرب يزيد على ثنيتى الحسين
(رضى اللّه) وقال البيت .


قال الذهبى: وقال ابن سعد - صاحب الطبقات - والمدينى عن
رجالهما: قدم براس الحسين على يزيد.


هكذا اذن كان الشيخ ابن تيميه يوجه سهامه الى نحره فيكون
هوالمصروع بها دون خصمه، ويضع نفسه موضع سخريه
الجميع وهو يظن انه قد حفظ كرامه يزيد!.


فحين اراد الذب عن يزيد كذب بنقل الراس اليه وبفعله الشنيع
معه تكذيبا مطلقا لم يلتفت فيه الى شى ء قاله فى موضع آخر،
وحين اراد التكذيب بالمشاهد المبنيه بعسقلان والقاهره رجع
الى طائفه من اهل العلم فوثقهم وصدق بما نقلوه من غير ان
يلتفت الى انهم جميعا قد اثبتوا نقل الراس الى يزيد، وهو يعلم
بذلك جيدا ولكن لا ينقل منهم الا ما وافق هواه، ولم يجد
عندهم حرفا واحدا يحفظ شيئا من ماء وجه يزيد لينقله عنهم
ويحتج به، وكل الذى استفاده منهم، قوله: لم يذكر احد منهم
ان الراس قد نقل الى القاهره او عسقلان ! ولو شاء ايضا ان يقول:
لم يذكر احد منهم ان الراس قد نقل الى النرويج او اسكتلندا او
الارجنتين لكان صادقا ايضا ! .


قال ابو الفرج ابن الجوزى: ليس العجب من فعل عمر بن سعد
وعبيداللّه بن زياد، وانما العجب من خذلان يزيد، وضربه
بالقضيب على ثنيه الحسين، واعادته الى المدينه وقد تغيرت
ريحه لبلوغ الغرض الفاسد ! افيجوز ان يفعل هذا بالخوارج؟!
اوليس فى الشرع انهم يصلى عليهم ويدفنون ؟! .


اوليس اعجب من فعل يزيد فعل من فعل المستحيل من اجل
تبرئته من كل ما تلطخت به يداه ؟!! .


الفقره الثانيه - يزيد وسبى اهل البيت :
حين اجمع المورخون على ان رجال يزيد بعد قتل الحسين
(ع) ورجاله حملوا رووسهم الى ابن زياد وحملوا معها نساء اهل
البيت(ع) اللاتى كن مع الحسين كما تحمل السبايا وانتهبوا ما
راق لهم مما راوه على النساء ايضا بعد سلبهم الشهداء وتركهم
مجردين على الرمضاء، ثم ان عبيداللّه بن زياد بعث بهذه السبايا
مع رووس رجالها باقبح هيئه الى يزيد فى الشام، ماذا قال ابن
تيميه فى هذا الاجماع ؟! .


انه اجماع يهدر كرامه يزيد بلا ريب، فكيف سيتعامل معه رجل
تبنى تزكيه يزيد اولا وآخرا ؟! انه سينفيه بكل بساطه نفيا
قاطعا لا ريب فيه ولا رجعه عنه، وهو فى مثل هذه المواقف لا
ينسب قوله الى مصدر معين لا من اصحاب العلم والفقه
والصدق فى النقل، ولا من غيرهم، بل يطلق احكامه النهائيه
جزافا وكانها من المسلمات التى لا نقاش فيها، فى حين لم
يعرف التاريخ منها شيئا، بل كله شاهد على نقيضها، ولا عرف
الناس من اهل العلم وغيرهم حرفا منها، ولا رآها هو نفسه فى
كتاب ولا سمعها من شيخ ذى معرفه ! .


انه هنا يقول: (ويزيد لم يسب للحسين حريما بل اكرم اهل
بيته) ! .


ويقول: (لا سبى اهل البيت احد، ولا سبى منهن احد) ! .


ثم يبرهن لك على صحه قوله بطريقه ساخره ودهاء جديد،
فيقول:
(اما ما يرويه من لا عقل له يميز به ما يقول، ولا له المام بمعرفه
المنقول، من ان اهل البيت سبوا، وانهم حملوا على البخاتى، و
(ان البخاتى نبت لها من ذلك الوقت سنامان) ! فهذا من الكذب
الواضح الفاضح لمن يقول به ).


ترى اليس هو فاضح ايضا لمن يزوره ؟! فمن اين هذه الفقره
المضحكه التى حشرها مع الخبر المتفق عليه عند اصحاب
التاريخ ليحكم على الموضوع كله بالبطلان مع ما يضفيه عليه
من سخريه ؟!
ولماذا صد بوجهه عما نقله ابن ابى الدنيا ومحمد بن سعد
صاحب (الطبقات) ونحوهما من اهل العلم والصدق فى النقل
؟!
لا شك ان من يقول : (ان البخاتى نبت لها من ذلك الوقت
سنامان) هو جاهل صاحب هوى، ولكنه ليس باسوا حالا ممن
ياخذ هذا الكلام فيدسه فى الاخبار الموثقه ليضفى عليها لونا
من السخريه، فيخدع بذلك اعدادا كبيره من البسطاء
المقلدين.


هذا، وهو يعلم بالحقيقه التى اتفق المورخون على
نقلها !
قال محمد بن سعد صاحب (الطبقات) وابن ابى الدنيا بعد ذكر
مقتل الحسين(ع) وانتهابهم ثيابه وسيفه وعمامته، قالا ما نصه:
واخذ آخر ملحفه فاطمه بنت الحسين، واخذ آخر حليها ! وبعث
عمر بن سعد براس الحسين الى عبيداللّه بن زياد، وحمل النساء
والصبيان، فلما مروا بالقتلى صاحت زينب بنت على: يا
محمداه! هذا حسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطع الاعضاء.


يا محمداه ! وبناتك سبايا، وذريتك قتلى تسفى عليها الصبا.


قال: فما بقى صديق ولا عدو الا بكى ! .


اللهم الا ابن تيميه !!
ثم واصل ابن الجوزى نقله عن محمد بن سعد، قال: ثم دعا ابن
زياد زحر بن قيس فبعث معه براس الحسين ورووس اصحابه
الى يزيد.


وجاء رسول من قبل يزيد فامر عبيداللّه بن زياد ان
يرسل اليه بثقل الحسين ومن بقى من اهله.


قال: ثم دعا يزيد بعلى بن الحسين والصبيان والنساء وقد اوثقوا
بالحبال !! فادخلوا عليه، فقال على بن الحسين: يا يزيد، ما
ظنك برسول اللّه (ص) لو رآنا مقرنين بالحبال، ما كان يرق لنا
؟! .


فقال يزيد: يا على، ابوك الذى قطع رحمى ونازعنى سلطانى،
فصنع اللّه به ما رايت ! .


ودعا بالنساء والصبيان فاجلسوا بين يديه، فقام رجل من اهل
الشام فقال : يا امير المومنين هب لى هذه، يعنى فاطمه بنت
الحسين ! وكانت وضيئه، فارعدت وظنت انهم يفعلون،
فاخذت بثياب عمتها زينب، فقالت زينب: كذبت واللّه ماذلك
لك ولا له.


فغضب يزيد لذلك وقال: كذبت، ان ذلك لى لو شئت لفعلته ! .


قالت: كلا واللّه ما جعل اللّه عز وجل ذلك لك الا ان تخرج من
ملتنا او تدين بغير ديننا.


ثم بعث بهم الى المدينه.


ثم قال ابن الجوزى: هكذا قال محمد بن سعد.


هذا هو قول محمد بن سعد، وهو قول ابن ابى الدنيا وغيره،
وقول سائر المورخين، لم يكتمه منهم احد ولا جادل فيه احد،
فاين رايت الكذب الذى يفضح صاحبه ؟!
قال ابن حبان فى كتاب (الثقات) انفذ عبيداللّه بن زياد
راس الحسين بن على الى الشام مع اسارى النساء والصبيان من
اهل بيت رسول اللّه (ص) على اقتاب مكشفات الوجوه
والشعور..


وادخلوا دمشق كذلك ، فلما وضع الراس بين يدى
يزيد بن معاويه جعل ينقر ثنيته بقضيب كان فى يده، ويقول: ما
احسن ثناياه ! .


واليك هذه الفقره الواحده من كتاب عبداللّه بن عباس الذى
اجاب فيه على يزيد،فقال:(الا ومن اعجب العجائب، وما عشت
اراك الدهر العجب، حملك بنات عبدالمطلب وغلمه صغارا من
ولده اليك بالشام كالسبى المجلوب ترى الناس انك قهرتنا !).


فماذا سيقول ابن عباس لو سمع كلام ابن تيميه وهو يبرى يزيد
من كل اثم حتى انه ليقول: ويزيد لم يسب نساء اهل البيت
ولكن اكرمهن ؟!

/ 12