• عدد المراجعات :
  • 1548
  • 11/26/2007
  • تاريخ :

الكافر إذا أسلم بعد الميقات
الحج

 

مسألة 95 ـ لو أسلم الكافر بعد المرور على الميقات يجب عليه العود إليه والإحرام منه ، سواء كان أحرم منه أو لم يحرم منه ، ولو لم يتمكن من العود إليه فهل يحرم من موضعه، أو يسقط عنه الحج في سنته، فإن بقي على الاستطاعة إلى السنة المستقبلة يأتي به، وإلاّ فلا شيء عليه ؟

ظاهر الفتاوى أنه يحرم من موضعه ، وعن المدارك: أنه علّله بأن ذلك حكم الناسي والجاهل ، والمسلم في المقام أعذر منهما ، فإذا كان حكم الإحرام من الميقات مرفوعاً عنهما للنسيان والجهل فالذي أسلم أولى بذلك .

مضافاً إلى أنه يمكن أن يقال : إنّه يجب بالإسلام عنه أصل الحج ، فحكم الإحرام من الميقات أولى بذلك . إلاّ أن ذلك يتمّ لو قلنا بعدم جبِّ أصل وجوب الحج في هذه السنة عنه بالإسلام ووجوبه عليه في القابل ، وإن لم تبقَ استطاعته فلا شيء عليه أصلا ، إذاً فمقتضى القاعدة براءة ذمته عن الحج .

اللهمّ إلاّ أن يقال بإلحاقه بالجاهل والناسي إذا لم يكن مقصِّراً في تركه الإسلام، ولايبعد التفصيل بين أن يكون أمامه ميقات آخر فيكفيه الإحرام منه وبين أن لايكون كذلك فليس عليه الحج في سنته . ولعلّه يجيء بعض الكلام بعون الله وتوفيقه في أحكام المواقيت .

فيمن ارتد بعد الحج ثم تاب

مسألة 96 ـ قال في الجواهر : ( ولو حج المسلم ثم ارتد بعده ثم تاب لم يعد على الأصح ، للأصل بعد تحقق الامتثال، وعدم وجوب حج الإسلام في العمر إلاّ مرة وقد حصلت ، خلافاً للمحكي عن الشيخ بناءً منه على أن الارتداد يكشف عن عدم الإسلام في السابق ، لأن الله لايضل قوماً بعد إذ هداهم . وفيه : أنه مخالف للوجدان ولظواهر الكتاب والسنة ، وآية الإحباط إنما تدل على عدم قبول عمل الكافر حال كفره، لا ماعمل سابقاً حال إسلامه ، ومع التسليم فهو مشروط بالموافاة على الكفر ، كما هو مقتضى الجمع بينها وبين الآية الاُخرى الدالة على ذلك . هذا كله، مضافاً إلى قول الإمام أبي جعفر ـ عليه سلام الله ـ في خبر زرارة : «من كان مؤمناً فحج ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب يحسب له كل عمل صالح عمله ولايبطل منه شيء»، ونحوه غيره )  .

أقول : أما الاستدلال المحكىّ عن الشيخ (قدس سره) بـ ( إنّ الله لايضلّ قوماً بعد إذ هداهم)فالمراد منه الاستدلال بقوله تعالى : ( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إنّ الله بكل شيء عليم )  .

وفيه: أنّه لا دلالة للآية الكريمة على عدم وقوع الكفر والارتداد بعد الإيمان ، بل قوله تعالى : ( حتى يبين لهم مايتقون ) يدل على وقوع ذلك ، فيمكن أن يكون المراد من إضلاله قوماً خذلانهم وتركهم على ما هو عليه، فهذا لايقع منه بعد إذ هداهم بالهداية التكوينية بعقولهم وفطرتهم حتى يبين لهم ما يتقون بوسيلة الأنبياء(عليهم السلام)، فلايتركهم على حالهم، بل يهديهم بإنزال كتبه وإرسال رسله إليهم .

وأما آية الإحباط فهي مثل قوله تعالى : ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ) . وقوله تعالى : ( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ).

ولكن الظاهر منهما وغيرهما حبس ثواب الأعمال وآثاره الحسنة عنهم ماداموا باقين على الكفر والشرك . ويدل عليه قوله تعالى : ( ومن يرتدِدْ منكم عن دينه فَيَمُت وهو كافر فاُولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ) .وأما خبر زرارة فهو ما رواه الشيخ بإسناده: عن الحسين بن علي، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « من كان مؤمناً فحج وعمل في إيمانه ثم أصابته في إيمانه فتنة فكفر ثم تاب وآمن قال : يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه ولايبطل منه شيء »  .

وتعبير الجواهر عنه بالخبر ، وهكذا السيد في العروة مشعر بالضعف ، وقيل في وجه ذلك : إنّ طريق الشيخ إلى الحسين بن علي غير مذكور في الفهرست ولافي المشيخة .

ولكن حكى السيد الخوئي (قدس سره) عن رجال الشيخ، أنه ذكره فيمن لم يروِ عنهم(عليهم السلام)، وقال : ( الحسين بن علي بن سفيان البزوفري خاصّي، يكنّى أبا عبدالله ، له كتب، روى عنه التلعكبري، وأخبرنا عنه جماعة ، منهم محمد بن نعمان، والطريق إلى كتبه صحيح، فالرواية صحيحة ) .

أقول : قد أشرنا مسبقاً إلى أن رواية الشيخ من مثل البزوفري رواية كُتُبِه التي كانت في يد أهل الحديث عنه بواسطة الرواة كان جرياً على ما هو المتعارف بينهم . فمثل هذه الأحاديث إن رواها مثل الشيخ عن أصحاب الكتب يدل على وجودها في كتبهم المعلومة نسبتها إليهم فلاينبغي أن يعد مثلها من المراسيل، ومن هذه الأحاديث روايات كثيرة في النصوص على الأئمة الاثني عشر ومولانا صاحب الأمر ـ صلوات الله عليهم ـ كلها مأخوذ من كتب أرباب الاُصول .

وكيف كان فهذه الرواية تدل على عدم بطلان الصادر من المؤمن إن أصابته فتنة فكفر ثم تاب .

بل يمكن أن يقال : إنّه لايحكم ببطلانه وإن لم يتب من الكفر ، لابمعنى تأثيره في تقربّه إلى الله تعالى ، فإنه منعه كفره من ذلك ، بل بمعنى أنه لايعاقب بترك ما أتى به ، إلاّ أن يقال بكون عدم الموت على الكفر من شرائط صحة العبادة على نحو الشرط المتأخر .

ولو ارتّد ثم استطاع في حال ردّته يجب عليه حجة الإسلام، ولايجري فيه ماذكرنا في الكافر الأصلي، فيجب عليه الإسلام ولايجب عنه بالإسلام ما وجب عليه في حال ردّته وقبلها، حتى على قول من لايرى الكفار مكلفين بالفروع ، فإن ذلك إن قيل به مختص بالكافر الأصلي دون المرتد، سواء كان ملياً أو فطرياً .

نعم ، في المرتد الفطرىِّ تترتب الأحكام الثلاثة عليه، وهي: تقسيم أمواله بين ورثته، وقتله، وبينونة زوجته منه ، نعم، لايجزي عنه الحج والإحرام في حال ردته ، فإن حج أو أحرم في تلك الحال يجب عليه إعادته لعدم صحته من الكافر .

ولو أحرم مسلماً ثم ارتد ثم أسلم لايجب عليه تجديد إحرامه على الأصح ، كمن ارتد في أثناء الغسل أوالوضوء، فليس الفصل مضرٍّ المضر بالموالاة فيهما مانعاً من الوضوء والغسل، فلايخرج المحرم بالارتداد من الإحرام، فحرام عليه ما يحرم على المحرم، ويجب عليه الكفارة فيما فيه الكفارة.

إذا حج المخالف ثم استبصر

مسألة 97 ـ إذا حج المخالف ثم استبصر فهل يجب عليه الإعادة وإن لم يُخِلَّ بشيء، أو لاتجب إلاّ أن يخلَّ بركن من أركان الحج ؟

فعن ابن الجنيد وابن البراج الحكم بوجوب الإعادة ، قال ابن البراج في المهذَّب : ( وإذا كان الإنسان مخالفاً للحق وأتى بجميع أركان الحج لم تُجزِهِ هذه الحجة عن حجة الإسلام، وعليه الإعادة لذلك إذا صار من أهل الحق، وقد ذكر أنها مجزئة له). والمشهور الذي لم يعرف الخلاف فيه عن غيرهما عدم الوجوب إلاّ في صورة الإخلال بركن من أركانه ) .

قال الشيخ في النهاية : ( ومن حج وهو مخالف لم يعرف الحق على الوجه الذي يجب عليه الحج ولم يُخِلَّ بشيء من أركانه فقد أجزأه عن حجة الإسلام، ويستحب له إعادة الحج بعد استبصاره، وإن كان قد أخلَّ بشيء من أركان الحج لم يجزئه ذلك عن حجة الإسلام وكان عليه قضاؤها فيما بعد ) .وقال في الشرايع : ( والمخالف إذا استبصر لايعيد الحج إلاّ أن يُخِلَّ بركن  منه ).

وقال في المختصر النافع : ( المخالف إذا لم يُخِلَّ بركن لم يعد لو استبصر، وإن أخلَّ أعاد ) .

وقال العلاّمة في القواعد : ( المخالف لايعيد حجه بعد استبصاره واجباً إلاّ أن يخل بركن ، بل يستحب ) .

قال في الحدائق : ( والروايات بذلك ـ يعني القول المشهور ـ متظافرة، منها: صحيحة بريد بن معاوية العجلي ، قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل حج وهو لايعرف هذا الأمر، ثمّ مَنَّ الله تعالى عليه بمعرفته والدينونة به عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته ؟ فقال : قد قضى فريضته، ولو حج لكان أحبَّ إلي، قال : وسألته عن رجل حج وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من الله عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجة الإسلام ؟ فقال (عليه السلام) : يقضي أحب إلي، وقال : كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّالله عليه وعرَّفه الولاية فإنه يؤجر عليه ، إلاّ الزكاة فإنه يعيدها ، لأنه وضعه في غير مواضعها، لأنها لأهل الولاية ، وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء » . وصحيحة الفضلاء : زرارة، وبكير والفضيل، ومحمد بن مسلم، وبريد، أو حسنتهم على المشهور ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام)أنهما قالا : « في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم صامه أو زكاة أو حج ، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك ؟ قال : ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة لابد أن يؤديها...

الحديث». وصحيحة ابن اُذينة أو حسنته : « كتب إلىَّ أبو عبدالله (عليه السلام) : إنّ كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم مَنَّ الله عليه وعرَّفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه ويكتب له إلاّ الزكاة ... الحديث » .

وأما مستند ابن الجنيد وابن البراج يمكن أن يكون الأخبار الدالة على بطلان عبادة المخالف. وما رواه الشيخ: عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « لو أن رجلا معسراً أحجه رجل كانت له حجة، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج، وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج » .

ورواية علي بن مهزيار قال : كتب إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني إلى أبي جعفر (عليه السلام) : « إني حججت وأنا مخالف وكنت صرورة فدخلت متمتعاً بالعمرة إلى الحج ؟ قال : وكتب إليه : أعد حجك » .

واجيب عن هذا: أما عن الأخبار الدالة على بطلان عبادة المخالف بأنه لامنافاة بينها وبين هذه الأخبار التي قد دلت على تفضّل الله تعالى عليه بقبول ذلك لدخوله في الإيمان ، وعن الروايتين بالجمع بينهما وبين سائر الروايات بحملهما على الاستحباب، ويشهد لذلك الجمع قوله (عليه السلام) في عدة من هذه الروايات : « يحج أحب إلىَّ والحج أحبّ إلىَّ، ولو حج لكان أحب إلىَّ » .

ثم إن بعد ذلك يقع الكلام في تعيين ما هو موضوع الحكم بالإجزاء . فنقول : لا ريب أنه لا يصح أن يقال : إن المستفاد من الروايات اختصاص الحكم بالإجزاء إذا كان صحيحاً عندنا ـ بدعوى أن النظر فيها إلى تصحيح عمله الصادر منه قبل استبصاره من جهة فقدان الولاية فيجزيه بعد قبولها ، وأما إذا كان فاسداً من جهات اخرى فلايشمله ولايدل على عدم وجوب إعادته ـ لأن ذلك موجب لحمل هذه الروايات الكثيرة على الفرد النادر، بل على ما لايتفق أصلا لعدم صحة حجهم ، لاأقلَّ من جهة فساد وضوئهم .

اللهمّ إلاّ أن يقال بإتيانه على طبق مذهب الحق معتقداً جواز العمل به، كما بنى عليه بعض أكابرهم، ولعله كان مبنىً لبعض متقدميهم أيضاً .

كما لا ريب أنه لا يستفاد منها عدم وجوب الإتيان بالحج وغيره من العبادات إن لم يأتِ بها أصلا، أو أتى به فاسداً عمداً .

إذاً فالظاهر من النصوص بيان حكم كل مورد يوجب تحويل عقيدته إلى العقيدة الحقة تدارك ما أتى به وإعادته فحكم بالإجزاء إلاّ في مورد الزكاة .

ولكن ربما يسأل عن وجه اشتراط الإجزاء في كلماتهم بعدم الإخلال بشيء من الأركان ، فإن حاصله هو إجزاء عمل المستبصر الذي أتى بالحج في مذهبه السابق بقصد الإتيان بالوظيفة، فمثله إن لم يقع في ترك الركن وما يبطل الحج بتركه الغير العمدي في مذهبنا كإدراك الموقفين يجزيه ذلك عن إعادة الحج، فإنّ ذلك تقييد إطلاق ما يدل على الإجزاء من غير دليل .

مضافاً إلى أنه يلزم منه الفرق بين الصلاة والحج في الحكم ، فإنّ في الصلاة الحكم هو الإجزاء مطلقاً وإن ترك الجزء الركني منها، وهو خلاف الظاهر .

إلا أنه يمكن أن يقال : إنّ ما يستفاد من بعض الكلمات أن ما هو الركن في الحج عندنا ركن عندهم ، وعليه يصح هذاالشرط; لأن الظاهر من الروايات إجزاء ما عمله المستبصر قبل استبصاره عن الإعادة والقضاء إن صار استبصاره سبباً لوقوعه في كلفة الإعادة فلايجب عليه الإعادة ، أما فيما هو ركن بحسب المذهبَين يجب عليه الإعادة ، لأنه يلزم عليه تدارك مافات منه استبصر أم لم يستبصر .

نعم ، إن كان فيما هو عندنا من الأركان ماليس عندهم منها لايستقيم اشتراط الإجزاء بعدم الإخلال بالأركان .

وبالجملة: فالقدر المتيقن مما هو الموضوع للحكم بالإجزاء ما يقع المستبصر باستبصاره في كلفة الإعادة، لامايلزم عليه وإن بقي على مذهبه . والله تعالى هو العالم.

يمكن أن يكون وجه التأمل في جواز المنع أن جواز أخذ المحق بحقه باطناً إنما يكون إذا حكم الحاكم بالبينة أو بعلمه ، لا بحلف المدعي أو المدعى عليه ، وفي المقام بعد ما لم يقم الزوج المدعي البينة وأحلف الزوجة لا يجوز له منعها باطناً، كما هو الحال في سائر موارد حكم الحاكم باليمين .

هذا، مضافاً إلى أن الحكم بجواز أخذ المحق حقه باطناً في مورد الحكم بالبينة إنما يكون إذا أمكن للمحق أن يأخذ حقه عيناً أو مقاصّةً باطناً ومن غير أن يلتفت به من عليه الحق فلا يرد به حكم الحاكم خارجاً وظاهراً ، أما في مسألتنا هذه فمنع الزوجة عن الحج وحبسها عنه لا يمكن تحققه بغير التفات منها ، فيتحقق به


اعتبار إذن الأبوين في الحج

إذا بلغ الصبي بعد الإحرام وصار مستطيعاً

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)