توابون نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

توابون - نسخه متنی

ابراهیم البیضون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


معاوية وتحويل الخلافة الى ملك وراثي

بعد تنازل الحسن، سقطت آخر معاقل الخلافة الراشدية، وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ الاسلام مختلفة تماماً في أبعادها ومناهجها عن المرحلة السابقة. وغدت دمشق مركز الحكم وعاصمة الخلافة الاموية التى أرسى قواعدها معاوية. ولقد كان هذا الاخير يمتلك طموحاً بعيداً، فانصرف بكل ما أوتي من جهود الى بناء مجتمع جديد، مطبوع بشخصيته المكيافيلية، ومتأثر برواسبه القبلية الى أبعد حدود التأثر.

كانت مشكلة الحكم من أهم ما التفت اليه معاوية، ولم يقعده بلوغ الخلافة وتحقيق أحلامه في السلطة عن التفكير بها ومحاولة الوصول الى حل جذري لها. وقد رأى في تجارب الخلفاء الذين سبقوه، والازمات التي مرت بها الخلافة، مسوغاً لاحداث تغييرات أساسية في نظام الحكم، بتحويله من نظام قائم على الشورى الى ملكي أوتوقراطي أو بمعنى آخر من حكم اسلامي ديني الى سياسي دنيوي(1).

وكانت أبرز جوانب هذه المشكلة برأي معاوية، ما

____________

(1) لويس : العرب في التاريخ 89.

[56 ]

يمكن ان يتمخض عن هذه التغييرات من معارضة، ربما تؤدي الى حرب أهلية. فالحسن منافسه لا زال في المدينة ووراؤه حزب كبير، لن يقبل بأي اجراء يجعل من الخلافة ملكاً متوارثاً لبني أمية، فضلاً عن ان ذلك مناقض للمعاهدة التي عقدت بين الحسن ومعاوية(1). وكذلك فان الاحزاب الاخرى ستنفر من هذه الفكرة وستقابلها بالرفض.

ولكن معاوية لا تقلقه كثيراً هذه التصورات فهو يعرف جيداً ماذا يريد، ولديه من اخلاص جنوده الشاميين ما يدفعه لتنفيذ مخططاته مهما كان السبيل الى ذلك. بدأ أولاً بتصفية الحسن فأزاح بهذا منافساً رئيسياً من طريقه(2). وانتشر رجاله في أقاليم الدولة يبشرون بفكرة الوراثة ويمهدون لقبول الناس بيزيد خليفة بعد أبيه. وكانت مهمة صعبة أمام هؤلاء، لم تقتصر على الاقناع بالمبدأ فقط، ولكن أيضاً حول صلاحية الشخصية المرشحة لولاية العهد التي لم تكن بنظر الناس مؤهلة لتولي منصب حساس كالخلافة.

____________

(1) كان من بنودها : ان يكون الامر للحسن بعد معاوية. فان حدث شيء للحسن فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية ان يعهد به الى احد : صلح الحسن 253 - 254. خالد محمد خالد : ابناء الرسول في كربلاء 87.

(2) المسعودي : مروج الذهب 2/427.

[57 ]

على أن ولاية العهد رغم ما أثارته من استهجان في أوساط المسلمين، فقد تمكن معاوية بواسطة أجهزته من أخذ البيعة ليزيد بغير صعوبة فيما عدا اقليمين كان يعرف هو سلفا موقفهما وهما : العراق والحجاز. الاول لرفضه الخلافة الاموية أساساً والتزامه بقضايا مختلفة تماماً، تحركها عوامل سياسية واقليمية واضحة. والثاني كانت لديه نفس الاعتبارات تقريباً مع فارق واحد يعطي له أهمية خاصة بالنسبة لمعاوية. فهو مهد الاسلام ومركز العاصمة الاولى للخلافة وملتقى كبار رجالات الاسلام الذين تمتعوا بالاحترام والتأييد الشعبي الواسع.

واذا كان العراق الذي افتقر حينئذ الى القيادات الفعلية، قد أرغم بمعظمه على البيعة تحت وطأة السلطة الحديدية التي كان على رأسها زياد بن أبيه، فان الحجاز كان له موقفاً أشد صلابة عندما رفض ثلاثة من زعمائه الكبار البيعة ليزيد وهم : الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير(1).

كان هؤلاء - وهم جميعاً أبناء صحابيين كبار، تولى اثنان منهم (عمر وعلي) الخلافة والثالث (الزبير) نازع علياً عليها وقتل في معركة الجمل - يحظون بمكانة عالية

____________

(1) ابن الاثير : 2/252.

[58 ]

في الحجاز لا سيما الحسين الذي كان اكثرهم قدرة على تحريك الناس ضد معاوية والامويين. ومن أجل ذلك قرر معاوية أن يجابه الموقف بنفسه في الحجاز ويخوض معركة ولاية العهد مباشرة، فذهب الى المدينة على رأس ألفي فارس وألقى في مسجدها خطبة أشاد فيها بشخصية يزيد المؤهلة - بنظره - لتولي الخلافة، ثم غادرها الى مكة حيث انتقل اليها الزعماء الثلاثة ليبحث معهم مسألة ولاية العهد وليأخذ البيعة منهم طوعاً أو كرهاً. وكان هؤلاء قد كلفوا ابن الزبير محاورته باسمهم فرد عليه وأنكر محاولاته في خرق الشرعية والخروج على سنة الأوائل من الخلفاء. وكان معاوية حاداً في جوابه لابن الزبير اذ قال له مهدداً «أقسم باللّه لئن رد علي أحد منكم كلمة في مقالي هذا لا ترجع اليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف الى رأسه فلا يبقين رجل الا على نفسه»(1). وكان أيضاً مناوراً كعادته حيث جمع الناس في المسجد وخطب فيهم : «ان هؤلاء - ويقصد بهم الثلاثة الممتنعين - قد رضوا وبايعوا ليزيد، فبايعوا على اسم الله»(2).

وكانت مداهمة معاوية لهؤلاء الزعماء واحراجهم

____________

(1) الخضري : محاضرات في تاريخ الامم الاسلامية 1/89.

(2) ابن الأثير : 2/252.

[59 ]

باعلان بيعتهم دون أن يأخذ منهم تصريحاً بذلك نهاية المطاف بالنسبة للجدل الذي أثير حول ولاية العهد. ولم يكن أمام زعماء الحجاز الا التسلح بالصبر والانضمام الى فريق الساخطين الذي أخذ حجمه يزداد يوماً بعد آخر، بانتظار الظروف الملائمة للتعبير بالوسائل السلبية عن الرفض المطلق لنظام الوراثة في الحكم الذي ابتدعه معاوية.


/ 20