توابون نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

توابون - نسخه متنی

ابراهیم البیضون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


البابُ الثالث .. التوابون (الشعور بالدنب والتقصير)

[95 ]

عاد ابن زياد، المنفذ الرئيسي لمجزرة كربلاء، الى الكوفة يحمل في كفيه وزر الجريمة النكراء دون أن يرتعش لهولها او يدخل في روعه الندم. فقد كان مستعداً للسير في خدمة النظام الاموي، وهو أحد أركانه، بلا حدود، بعيداً عن أي التزام يتعدى المصلحة الخاصة أو المكاسب الشخصية. لذلك نجده يدخل الى المدينة التي كانت تمثل القاعدة الجماهيرية الاولى للحسين، والارض التي كان ينبغي أن تشتعل فوقها الثورة، متحدياً شامخاً، وكأنه ينتظر وسام البطولة. ألم يصل به الامر ذروة التحدي حين وقف على منبر الكوفة في محاولة منه لتسويغ ما جرى في كربلاء متهجماً على الحسين وواصفاً اياه بالكذاب ابن الكذاب، وحين أمر بقتل أحد الكوفيين الذي انتقض عليه ورد على التحدي بمثله(1).

وكانت الكوفة حينئذ أشبه ببركان عشية الانفجار، فهي أكثر من غيرها تتحسس ثقل الذنب ومرارة الندم، باعتبارها طرفاً مباشراً ومسؤولاً في قضية الحسين. فهي

____________

(1) البلاذري : انساب الاشراف 4/64.

[96 ]

التي ألحت عليه بالخروج الى ارض الثورة التي تتعطش الى قائدها المنتظر، ثم تقاعست في أحرج الظروف عن الالتزام بما وعدت به والوفاء بالعهد الذي قطعته على نفسها. واذا كانت الاحداث التي تلاحقت بصورة مفاجئة بُعيد تحرك الحسين من الحجاز، قد حالت دون القيام بواجبها وتنفيذ مخططها المرسوم، فان ذلك لم يكن ليخفف عنها عمق المأساة لانها افتقدت بمصرع الحسين الشخصية الاكثر جدارة التي وضعت فيها الشيعة كل آمالها وطموحها للوصول الى الحكم.

والواقع انه ليس من الصعوبة أن يتصور المرء وضع الكوفة في تلك الفترة القلقة من تاريخها، فقد كانت تتفاعل بالغضب ويحدق بها شعور بضخامة الاثم الذي غرقت فيه. وكان لابد من مخرج لهذه المحنة وتصحيح للموقف المتخاذل بآخر يجلو عنها بعض العار، ويخفف عن كاهلها شيئاً من فداحة الذنب. فالمدينة كانت معبأة بالحقد وتتفجر بالثورة ضد النظام الاموي، المسؤول عن مقتل الحسين. وعلى ذلك لم يكن صعباً على أي زعيم او مغامر ان يكتّل المدينة بمعظمها ويقودها الى الثورة ورفع راية العصيان على الامويين. ولكن الكوفة حينئذ برغم موجة السخط والتذمر التي شملت مختلف فئاتها، كانت تفتقر الى الموقف

[97 ]

المتجانس والرأي الموحد. فالتركيب البشري والسياسي للمدينة كانت تتوزعه ثلاث قوى رئيسية :

1 - أنصار الثورة الذين يشددون على اتخاذ موقف سريع وحاسم.

2 - أنصار الثورة غير الايجابيين، وهؤلاء برغم حقدهم على النظام الاموي، فان موقفهم كان متردداً وتعوزه الجدية.

3 - أنصار السلطة القائمة، الذين كانوا على استعداد للتعاون مع أي شكل من أشكال النظام السياسي في حدود حرصه على مصالحهم وحمايته لها، وكان هؤلاء يمثلون طبقة ارستقراطية لها نفوذها التقليدي ومصالحها الخاصة وهم أساساً من كبار رؤساء القبائل او الاشراف كما كانوا يعرفون.

تلك هي التركيبة البشرية والسياسية للمجتمع الكوفي كما كانت تبدو في أعقاب عودة ابن زياد وجنده من معسكره في النخيلة(1) بعد ارتكابه المجزرة، وكان ذلك مأساوياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة، ومشهداً مؤثراً لم تستطع جماعة الحسين التي كان مقدراً لها أن تشارك في ثورته، تحمله او السكوت عنه، ولذلك كان لا بد من التحرك والانتقام.

____________

(1) الطبري : 7/47.

[98 ]

أخذ زعماء تلك الفئة المخلصة التي أطلقنا عليها «أنصار الثورة» وكان معظمهم من أصل يماني يجتمعون بعد مقتل الحسين مباشرة في اطار من السرية التامة ويعقدون مناقشات أشبه ما تكون بالنقد الذاتي لمحاسبة أنفسهم على التقصير الذي أظهروه ازاء الحسين والتشاور على كيفية التكفير عن الذنب وغسل العار الذي لحق بهم نتيجة هذا التخاذل. فقد جاء في الطبري : «لما قتل الحسين بن علي تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم، ورأت انها قد أخطأت خطأ كبيراً بدعائهم الحسين الى النصرة وتركهم اجابته، ومقتله الى جانبهم ولم ينصروه. ورأوا انه لا يغسل عارهم والاثم عنهم في مقتله الا بقتل من قتله او القتل فيه»(1).

____________

(1) الطبري : 7/47.


/ 20