• عدد المراجعات :
  • 1027
  • 4/30/2011
  • تاريخ :

الكفر بالطاغوت

الورد

قال الله تعالى " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [البقرة: 256].

نلاحظ في الآية الكريمة تقديم «الكفر بالطاغوت» على «الإيمان بالله تعالى» وذلك مقدمة للاستمساك بالعروة الوثقى، كما أن الإنسان إذا أراد أن يستمسك بأمر ما، فعليه قبل ذلك أن يخلي يده من الشواغل، ومن ثم يكون قادراً على الاستمساك بما يريد. تماماً كما نتشهد في كل يوم فنقدّم «لا إله» على «إلا الله»، وبذلك يتعلم المسلم دروس الرفض لشتى أصناف الخضوع والعبودية لغير الله تعالى.

الطاغوت لغة مأخوذ من «الطغيان»، ومن أبرز مظاهر ومصاديق الطاغوت هم حكام الجور الذين يحكمون بغير ما أنزل الله تعالى، وأئمة الضلال.

أن الإنسان إذا أراد أن يستمسك بأمر ما، فعليه قبل ذلك أن يخلي يده من الشواغل، ومن ثم يكون قادراً على الاستمساك بما يريد.

يبقى السؤال: لماذا احتل «الكفر بالطاغوت - ومنهم حكام الجور -» هذه المنزلة؟

الجواب: أولاً: لأنهم يصدون عن ذكر الله تعالى، فحكام الجور يدفعون الأموال لوضع الأحاديث فيما يشتهون، وفي إحداث البدع في الدين، وفي منع الناس من ممارسة شعائرهم الدينية، ويروجون الإرهاب بشتى أصنافه وألوانه «الفكري والدموي» إلى شتى أنحاء العالم.

ثانياً: في ظل حاكم الجور ينتشر الفساد الأخلاقي والاجتماعي. وهذا يعني إضاعة الأعراض إثر ترويج الانحلال والشهوات والأطماع من جهة، والتهاون في محاسبة المتجاوزين على القانون من جهة أخرى.

ثالثاً: يعم الفساد الاقتصادي والمالي البلاد على أعلى المستويات، فإن سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وإن سرقت زمرة الحاكم فليس هناك من يحاسبها.

رابعاً: يفتقد المؤمنون الأمن، إذا كان «يزيد» في رأس السلطة فمن الطبيعي أن يكون الأشراف مشردين ومطاردين وفي المعتقل.

قال الله سبحانه " لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ... " [المجادلة: 22].

من كان مؤمناً حقيقياً بالله، وأن الدنيا والآخرة بيد الله تعالى، وهو الرزّاق المحيي المميت، بيده النفع والضر، ويؤمن باليوم الآخر والحساب والجزاء، هذا المؤمن لا تجد في قلبه ذرة من مودة للطاغوت الذي يحادّ ويعادي ويخالف الله ورسوله، حتى لو كان ذلك الطاغوت أقرب الناس إليه «الأب والابن والإخوة والعشيرة». وذلك لأن جميع علاقات المؤمنين - ومنها المودة والمحبة - تنطلق من الله، ولله، وبالله.

وبناء على ما تقدّم يتضح الخطأ الفادح عندما يدعو بعض الناس باستمرار الطواغيت في الحياة وفي استمرار سيطرة الطاغوت على المجتمع الإسلامي، وذلك إما بحجة الرضا بالوضع القائم، وإما بحجة خشية مجيء طاغية أشد ظلماً من الطاغية الحالي. وكلا الفريقين مخطأ في موقفه:

 

الفريق الأول «وهو الفريق الراضي بالوضع القائم في ظل الطاغوت»:

إما لكون مصالحه تسير في ركب الطاغوت لكونه من أعوانه وجنده أو المداهنين له، وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة في تهديدهم بالحشر مع الظلمة إلى جهنم وبئس المصير.

الخطأ الفادح عندما يدعو بعض الناس باستمرار الطواغيت في الحياة وفي استمرار سيطرة الطاغوت على المجتمع الإسلامي، وذلك إما بحجة الرضا بالوضع القائم، وإما بحجة خشية مجيء طاغية أشد ظلماً من الطاغية الحالي

وإما أن يكونوا قصار النظر، فهم قد قنعوا ببعض المظاهر البسيطة، ولم يدركوا الخطورة في بقاء الطاغوت. الطاغوت يهدد أمن الناس في كل وقت، ويضايقهم في أرزاقهم، ويحصي عليهم أنفاسهم، بل ويحارب الدين ويسفك الدماء، إما بنفسه مباشرة، وإما بدعم وتوليد الإرهابيين وبثهم في جميع أنحاء العالم.

المؤمن الواعي لا يقنع بتوفير الأمن الشخصي لنفسه أو توفير الطعام والشراب والمسكن لنفسه، فهو يدرك - وبعمق - النقص الذي يقاسيه الفقراء والأيتام إثر السياسات الطاغوتية.

المؤمن الواقعي وإن كان حراً طليقاً، لكنه يتألم للمعتقلين المظلومين خلف قضبان الحديد، وهو مفجوع كل يوم إثر ما يقوم به الإرهابيون تحت مظلة الطاغوت ومساندته.

أما الفريق الثاني «الذين يتمنون استمرار الطاغوت خشية مجيء طاغية أشد ظلماً من الطاغية الحالي» فقد فاتهم السعي للتغيير إلى أحسن حال، والدعاء بأن يغيّر الله تعالى سوء حالنا بحسن حاله.

عندما يعاني الإنسان من مشكلة ومصائب، فليس من الصحيح أن يدعو ربه أن يديم عليه هذا البلاء خوفاً من بلاء أشد، بل الصحيح أن يدعو ويسعى لتغيير سوء الحال إلى الحسن.

في الحديث قال صفوان بن مهران الجمال: دخلت على أبي الحسن الأول - الإمام موسى بن جعفر الكاظم  - فقال لي: يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً.

قلت: جعلت فداك أي شيء؟

قال  : اكراؤك جمالك من هذا الرجل - يعني هارون غير الرشيد -.

قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا لصيد ولا للهو، ولكني أكريه لهذا الطريق - يعني طريق مكة -، ولا أتولاه بنفسي ولكن أنصب غلماني.

فقال لي  : يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟

قلت: نعم جعلت فداك.

فقال لي  : أتحب بقائهم حتى يخرج كراؤك؟

قلت: نعم.

قال  : فمن أحب بقائهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار.

قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون، فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك؟

قلت: نعم.

فقال: لِمَ؟

قلت: أنا شيخ كبير وأن الغلمان لا يفون بالأعمال.

فقال: هيهات هيهات، إني لأعلم من أشار عليك بهذا، موسى بن جعفر.

قلت: مالي ولموسى بن جعفر.

فقال: دع هذا عنك فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك.

من خلال الحديث السابق وأمثاله ندرك الأهمية الكبرى للبراءة من الطواغيت، فصفوان الجمّال كان يكري جماله للطاغية هارون غير الرشيد في طريق الحج، لا في طريق اللهو والمعصية، ولم يكن يذهب معه في الطريق، بل كان يرسل غلمانه ليخدموا هارون في طريقه إلى مكة المكرمة. ورغم كل ذلك نجد الإمام الكاظم  ألفت صفوان وألفتنا جميعاً إلى حقيقة نغفل عنها.

صفوان - بطبيعة الحال - يريد أجرة الجمال، وبالتالي فهو يحب ويتمنى أن يبقى الطاغية هارون على قيد الحياة فترة زمنية إلى أن يعطيه أجرة الجمال. فأجابه الإمام الكاظم  أن من أحب بقاء الطواغيت والجبابرة [ولو بهذا المقدار البسيط من أجل الحصول على أجرته] فهو من الطواغيت والجبابرة، ومن كان منهم كان ورد النار.

 

يقول الشاعر أبو القاسم الشابي:

 

لك الويلُ يا صَرْحَ المظالـمِ مـن غـدٍ
إذا نهضَ المستضعفون، وصمّموا!
إذا حـطَّــم المسـتـعـبَـدون قـيـودَهــم
وصبُّوا حميـم السخـط أيَّـان تعلـمُ..!
أغرّك أن الشعبَ مُغْضٍ علـى قـذى
وأنّ الفضاء الرّحْبَ وسنانُ، مظلمُ؟
ألاَ إنّ أحــــــلامَ الـــبـــلادِ دفــيــنـــةٌ
تَجَمْجَـمَ فــي أعماقِـهَـا مــا تَجَمْـجَـمُ
ولـكـن سيـأتـي بـعــد لأي نـشـورُهـا
ويـنـبـثـقُ الــيـــوم الـــــذي يـتــرنّــمُ
هو الحقُّ يُغفي.. ثمّ ينهـضُ ساخطًـا
فيـهـدمُ مــا شــادَ الـظِّـلامُ، ويَـحْـطِـمُ

 

 

الشيخ مرتضى الباشا


أنا دولة فلسطين انصفوني

القدس الدم النابض في أفئدة المسلمين

الفكر الأصيل- التبليغ والإعلام في الإسلام (1)

الفكر الأصيل- الحكومة الإسلامية في ظل ولاية الفقيه (1)

الفكر الأصيل - حقوق الإنسان في الإسلام (1)

الفكر الأصيل _ الحكومَة الإسلاميّة (1)

الشيعة والاعتداء على المقدسات.. البقيع وسامراء مثالاً

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)