متعتان بین النص و الاجتهاد نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

متعتان بین النص و الاجتهاد - نسخه متنی

طاهر موسوی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




«المتعتان
بين النص والاجتهاد»

طاهر الموسوى
بسم اللّه الرحمن
الرحيم


الحمدللّه رب العالمين والصلاه والسلام على سيد
المرسلين
محمدوعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.


تحت هذه العنوان: (المتعتان بين النص والاجتهاد) ،
يعرف
الكاتب بمساله تشريعيه هامه وهى مساله النص
والاجتهاد
فى الشريعه، كما يعرف بمساله الموقف المتعامل مع
ورثه
الاجتهاد كنص مقدس، ويوضح خطا هذا الاتجاه اسلاميا.


وموضوع الدراسه فى هذا الكتاب يدور حول اجتهاد
الخليفه
عمر بن الخطاب مقابل مواقف نصيه صدرت عن
الرسول(ص)تتعلق بمتعه الحج ومتعه النساء ومسائل
اخرى
كمساله الطلاق، كما يتعرض الكاتب ايضا الى الموقف
المذهبى المتوارث من تلك الاجتهادات، وفى هذه
الرداسه ايضا
اتخذ من كتاب الغدير لمولفه الشيخ عبدالحسين
الامينى
(ره)اساسا ومنطلقا لدراسته لهاتين المسالتين:
وعند الحديث عن النص والاجتهاد المصطلحين
الاصوليين
الهامين فى عالم الفكر الاسلامى ينبغى توضيحهما
وتحديددائره كل منهما، والموقف الشرعى منه،
والكاتب فى
حواره مع اجتهاد الخليفه الثانى عمر بن الخطاب،
يعرف
بالنص، كمايراه الاصوليون وهو اللفظ الذى لا يحتمل
اكثر من
معنى، ولا يحمل اكثر من دلاله، لذا فلا مجال
للاجتهاد فيه.


اما الاجتهاد فمجاله الموارد التى تحتمل اكثر من
معنى.


لذا
ثبتت القاعده القائله: (لا اجتهاد مع النص).


ومثل هذا الحوار: حوار النص والاجتهاد.


ليس مساله
يتوقف
مفهومها واثرها عند مسائل ومفردات مثاره، امثال
متعه النساء،
ومتعه الحج والطلاق، بل هى مساله تمتد جذورها الى
مفهوم
اعمق، ونظريه اشمل، كما يذكرها الفقيه
الراحل،الشهيد السيد
محمدباقر الصدر فى كتابه (نشاه الشيعه والتشيع)
المشار اليه
فى هذا وفى التدقيق فى نظريه المتقبلين لفكره
الاجتهاد
مقابل النص نجد خطا بين الاجتهاد الموضوعى،
والاجتهاد فى
الحكم، عداما فيها من خطا فى الموقف من النص.


ذلك لان الاجتهاد: هو عمليه استنباط الحكم من
الدليل، لا
يمتد ليكون موقفا حكميا من النص القطعى الدلاله.


ان
الاجتهاد فى هذه الحاله لا يعنى الا اسقاط الحكم
واستبداله
بغيره من غير دليل مسوغ، سوى تقديرات وقناعات شخصيه
ومواقف من يرى لنفسه صلاحيه الاجتهاد هذه.


وكثيرا
ما وقع
الخلط فيها بين الحكم والموضوع كاعتباره لتحقق
الفراق بين
الزوج وزوجته الذى لا تجوز العوده معه الى الزوج
الا بعد ان
تتزوج غيره بمجرد قول الزوج للزوجه، انت طالق ثلاث
مرات
فى مجلس واحد، فى حين ان هذه التطليقات تعد تطليقه
واحده كما يقطع النص بذلك، والكتاب يوضح ان هذا
النمط
من الاجتهاد مبنى على حساب تقديرى يصرح به صاحبه
وهو
ان هذا التشديد هو للتضييق على الناس، ليمتنعوا عن
الاكثارمن الطلاق.


وبذا نقرا الرد على هذا الاتجاه
فى كتاب
(المتعتان بين النص والاجتهاد) بانه اجتهاد انطلق
من خلفيه
وموروث اجتماعى كانت العرب تمارسه قبل الاسلام،
اذ كانوا
يعملون بهذا النمط من الطلاق.


وليس اجتهادا علميا.


من سنخ
الاجتهادالمجاز فى الشريعه وهو استنباط الحكم من
دليله.


وجاءت المناقشه هذه مع اجتهاد الخليفه عمر، او
بالاحرى مع
هذه النظريه.


مبنيه على ادله شرعيه، وتحليلات
علميه.


ومركز الغدير اذ يتبنى نشر هذا الكتاب انما يعسى
لتعميق روح
الوعى لمفهوم النص والاجتهاد وتسليط الضوء
على قضايا اسى ء
فهمها، وكذا فتح آفاق الحوار العلمى فى قضايا الفقه
واصوله
بين المذاهب والمدارس الاسلاميه، خدمه
للفكرالاسلامى
وتعميقا للفائده.


نسال اللّه سبحانه التسديد وقوبل العمل انه سميع
مجيب
مركز الغدير
المتعتان
بين النص والاجتهاد
(صدع رسول اللّه(ص) برساله ربه فامن به من آمن وكفر
بنبوته
من كفر.


وككل المومنين واتباع الرسالات فى التاريخ
كان
المومنون برساله الاسلام متفاوتين فى تلقيهم
الرساله الجديده
وتفاعلهم معها.


فمن هولاء من محض الايمان محضا،
واعط ى
ازمه قياده للدين الجديد، فاثبت فى مواردالاختبار
انه يعيش
القيم الجديده عقيده وموقفا وسلوكا.


ومنهم من
حمل معه هذا
القدر او ذاك من قيم الماضى واخلاقياته، فلم يستطع
التخفف
من عب ء هذه القيم وتاثيرها فى سلوكه، بل كانت هذه
تزاحم
العقيده الجديده وتطل براسها بين الفينه والاخرى
معلنه عن
نفسها بهذا الموقف او ذاك.


والمتتبع لحياه الرساله وتاريخ التجربه الاسلاميه
زمن
الرسول(ص) يمكنه التاشير على اتجاهين رئيسيين
ينتظمان
المومنين بهذه الرساله، ويعبر كل واحد منهما عن
فهم معين
للعلاقه بهذه الرساله والتفاعل معها.


واحد
هذين الاتجاهين هو
التسليم المطلق بالنص الدينى والتعبد به كتابا كان
او سنه،
لافرق فى هذا التسليم بين ان يكون النص يعالج قضيه
غيبيه او
عباديه اواجتماعيه او غير ذلك.


والاتجاه الاخر: هو الاتجاه الذى يضيق من سلطه النص
ويحصر
مرجعيته فى اطار محدد من القضايا الغيبيه
والعباديه، ويعط ى
لنفسه حق التصرف بتجميد او تعطيل النص وفقما يراه
من
المصلحه وبحسب تغير الظروف والاوضاع.


وهذا الاختلاف فى فهم النص الدينى والموقف منه ادى
الى
ظهور تيارين داخل الامه الواحده والى بروز نتائج
عقائديه
وسياسيه لهذا الاختلاف، فقدقدر لممثلى الاتجاه
الثانى، اى
تيار الانتقاء فى التعامل مع النص، ان يسودممثلا
رسميا
للاسلام على الصعيدين السياسى والعقائدى فى حين
انكفاتيار
الانقياد للنص يمارس وجوده العقائدى ونشاطه الفكرى
والسياسى فى اطار الامه الاسلاميه العام كاقليه
معارضه
حملت منذ البدء اسم (الشيعه)((1)).


ولسنا هنا بصدد الحديث عن النتائج العقائديه لهذا
الاختلاف
وما ادى اليه من الصراعات السياسيه الداميه وما قاد
اليه من
الانحراف عن تعاليم الشريعه نصا وروحا، فهذا
الموضوع له
مجاله الخاص من البحث والدراسه.


ما يعنينا هو
تسليط الضوء
على ظاهره ماسمى بالاجتهاد بما هى ظاهره تكرر
حدوثها زمن
الرسول(ص) وبعد وفاته.


واستشفاف دلالاتها و
خلفياتها.


والمقصود بالاجتهاد هنا هو الاعتراض على ما بلغه
رسول
اللّهللناس او تغييره قرآنا كان او سنه، وسواء كان
المبلغ قضيه
غيبيه او حكماشرعيا فى قضيه اجتماعيه او سياسيه.


وبعباره
اخرى هو الاعتراض على ماصدر عن رسول اللّه وتضمن
معالجه
وتنظيما لحياه الفرد او الجماعه، وبهذانعرف ان
الاجتهاد هنا لا
يعبر عن راى فى اطار الشريعه ولا عن جهدلاستكشاف
موقفها
من هذه القضيه او تلك، بل انه يعبر عن حاله
من المعارضه
والموقف من الشريعه ذاتها.


ولا نرغب ان نقود القارى ء بهذا الكلام الى
الاغراق فى
الاستنتاج، فنحن لانريد التفتيش عن النوايا واصدار
الاحكام
على اصحابها بل ما نريده هوتقويم الاعمال فى ضوء
الضوابط
التى حددتها الرساله وطالبت اتباعهابالالتزام بها.


فبصرف
النظر عن نوايا هولاء (المجتهدين) وموقفهم الحقيقى
من
الرساله يبقى ما صدر عنهم فى هذا المجال - وهو كثير
-
يمثل بظاهره مخالفه صريحه لاسس الايمان بالرساله
ومقوماتها
من مثل قوله تعالى (ما اتاكم الرسول فخذوه وما
نهاكم عنه
فانتهو((2))
وقوله (وما كان لمومن ولا مومنه اذا قضى اللّه
ورسوله امرا ان يكون لهم الخيره من امرهم ومن يعص
اللّه
ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)((3)).


والناظر فى حالات الاجتهاد مقابل النص التى حصلت فى
حياه
الرسول(ص)وبعد انتقاله الى الدار الاخرى والتى عبرت
فى
كثير من مواردها عن معارضه صريحه وفجه لقرارات
الرسول
ومواقفه سيجد ان للخليفه عمر بن الخطاب الحظ
الاوفر من
مصاديق الاجتهاد هذه.


فقد عرف عن هذا الخليفه مواقفه الاجتهاديه الجريئه
قبال
مواقف الرسول وما كان يبلغه للمومنين من احكام،
وما يصدره
من اوامر او يتخذه من مواقف.


ومواقف الخليفه
الاجتهاديه هذه
استوعبت حياته فى الاسلام كلها، ووجدت مجالها
الاوسع فى
التطبيق عند استلامه مقاليد الحكم وصيرورته خليفه
على
المسلمين.


وحين نستعرض الموارد التى اعمل فيها الخليفه
اجتهاده
مقابل النص، نجدان بالامكان تصنيفها ضمن ثلاث
مجاميع:
المجموعه الاولى: هى الموارد التى اظهر فيها
الخليفه موقفا
معارضاوعبر فيها بشكل صريح عن رفضه للقول او الفعل
النبوى.


رفض يحمل تخطئه مباشره لرسول اللّه(ص)
وبعضها
كان فى حضوره(ص) ومواجهته عيانا.


ومن امثلتها:
1 - رفض عمر طلب رسول اللّه(ص) وهو على فراش الموت
الاتيان بكتف ودواه، وتعليله لهذا الرفض بان رسول
اللّه يهجر!
اى لا يعى ما يقول!!
اخرج البخارى بسند ينتهى الى ابن عباس، قال: لما حضر
رسول اللّه(ص)وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب،
قال
النبى(ص): هلم اكتب لكم كتابالا تضلوا بعده، فقال
عمر: ان
النبى(ص) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا
كتاب
اللّه((4)).


ويبدو ان عباره: قد غلب عليه الوجع هى نقل لقوله
(يهجر)
بالمعنى،(يدلك على هذا ان المحدثين حيث لم يصرحوا
باسم
المعارض نقلواالكلام بعين لفظه)((5)) كما فعل البخارى باب
جوائز الوفد ومسلم فى آخركتاب الوصيه، حيث قالا:
قالوا: هجر
رسول اللّه!
2 - موقفه من صلح الحديبيه ورفضه لهذا الصلح.


اخرج البخارى عن المسور بن مخرمه ومروان قالا: فقال
عمر
بن الخطاب:فاتيت نبى اللّه(ص) فقلت: الست بنبى اللّه
حقا؟قال: بلى.


قلت: السنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى.


قلت: فلم نعط ى الدنيه فى ديننا اذا؟
قال: انى رسول اللّه ولست اعصيه وهو ناصرى.


قلت: او ليس كنت تحدثنا انا سناتى البيت فنطوف به؟
قال: بلى.


افاخبرتك انا ناتيه العام؟ قلت: لا.


قال: فانك آتيه ومطوف به.


قال: فاتيت ابا بكر، فقلت: يا ابا بكر اليس هذا نبى
اللّه حقا؟
قال: بلى.


قلت: السنا على الحق وعدونا على الباطل؟
قال: بلى.


قلت: فلم نعط ى الدنيه فى ديننا اذا؟
قال: ايها الرجل انه لرسول اللّه وليس يعصى ربه وهو
ناصره
فاستمسك بغرزه فواللّه انه لعلى الحق.


قال: فقلت:
اليس كان
يحدثنا انا سناتى البيت ونطوف به؟ قال: بلى،
افاخبرك انك
تاتيه العام؟ قال: قلت: لا.


قال: فانك آتيه ومطوف به.


قال عمر:
فعملت لذلك اعمالا((6)).


واخرج مسلم عن سهل بن حنيف ان عمر بن الخطاب اتى
رسول اللّه فقال:يارسول اللّه السنا على الحق وهم
على الباطل؟
قال: بلى.


قال: اليس قتلانا فى الجنه وقتلاهم فى النار؟.


قال:
بلى.


قال: ففيم نعط ى الدنيه فى ديننا ونرجع ولما يحكم
اللّه بيننا
وبينهم؟
فقال: يابن الخطاب انى رسول اللّه ولن يضيعنى اللّه
ابدا.


قال: فانطلق عمر فلم يصبر متغيظا فاتى ابا بكر،
فقال، يا ابا بكر
السنا على حق وهم على الباطل؟ قال: بلى.


قال: اليس
قتلانا
فى الجنه وقتلاهم فى النار؟ قال: بلى.


قال: فعلام
نعط ى الدنيه
فى ديننا ونرجع ولما يحكم اللّه بينناوبينهم؟ فقال:
يا بن
الخطاب انه رسول اللّه ولن يضيعه اللّه ابدا((7)).


هكذا ورد الخبر فى الصحيحين، جاء عمر الى رسول
اللّه
يستفسره عن الصلح.


فاجابه(ص) بما اجابه، ثم ذهب الى
ابى
بكر ليساله نفس ما سال به رسول اللّه!!
غير ان مدونى السيره وكتاب التاريخ قدموا صياغه
اخرى وقلبوا
سياق الحادثه.


جعلوا عمر ياتى ابا بكر اولا
فيناقشه فى الصلح ثم
يذهب الى رسول اللّه ليثير معه(ص) نفس المناقشه!! ثم
اضافوا
على لسانه عباره: وانااشهد انه رسول اللّه جوابا
لقول: ابى بكر
له: فانى اشهد انه رسول اللّه، وهى عباره لم يرد
لها ذكر فى
الصحيحين.


وهناك حالات اخرى كثيره يمكن تصنيفها ضمن هذه
المجموعه نعرض عنها خشيه الاطاله.


المجموعه الثانيه: الموارد التى اجتهد فيها
الخليفه مع توفر
نصوص قاطعه من الكتاب والسنه.


وهى حالات عارض فيها الخليفه النصوص الوارده بدعوى
وجود مصلحه تلجئه الى هذه المخالفه، وقد نص فى بعض
هذه
الموارد على العله فى ذلك وتبرع من جاء بعده
للاعتذار عنه
وتبرير بوادره فى هذه المواردوغيرها، ثم تحول ما
اعتذر عنه
بعد الى سنه يتعبد بها ويدان من يخالفها!
وفى هذا السياق نكتفى بذكر موردين والاشاره الى
الثالث الذى
نحن فيه:
1 - ايقاعه طلاق الثلاث بكلمه واحده، وقد كان المطلق
فى
زمن النبى وابى بكر وسنتين من خلافه عمر اذا جمع
الطلقات
الثلاث بفم واحدجعلت واحده.


اخرج مسلم فى صحيحه واحمد فى مسنده عن ابن عباس،
قال: كان الطلاق على عهد رسول اللّه(ص) وابى بكر
وسنتين
من خلافه عمر طلاق الثلاث واحده، فقال عمر: ان
الناس قد
استعجلوا فى امر كانت لهم فيه اناه،فلو امضيناه
عليهم فامضاه
عليهم((8)).


قال ابن القيم فى تسويغ بادره الخليفه هذه: ولكن
امير
المومنين عمر راى ان الناس قد استهانوا بامر
الطلاق، وكثر
منهم ايقاعه جمله واحده، فراى من المصلحه عقوبتهم
بامضائه
عليهم، فاذا علموا ذلك كفوا عن الطلاق((9))!
2 - اسقاطه (حى على خير العمل) من الاذان والاقامه بعد
ما
كان جزءامنهما على عهد رسول اللّه(ص) وكان تبريره
لهذا
الاسقاط ان الناس اذا عرفواان الصلاه خير العمل
انصرفوا اليها
يبتغون الثواب الكامل فيها واستغنوا بهاعن الجهاد
فى سبيل
اللّه!
قال القوشجى فى اواخر مبحث الامامه من شرح التجريد:
قال
عمر ابن الخطاب: ثلاث كن على عهد رسول اللّه وانا
انهى
عنهن واحرمهن واعاقب عليهن: متعه النساء، ومتعه
الحج،
وحى على خير العمل((10)).


3 - تحريمه المتعتين: متعه الحج ومتعه النساء، مع
ثبوتهما
والعمل بهما ايام رسول اللّه(ص) وسياتى تفصيل
الحديث فيهما.


المجموعه الثالثه: ابتداعه امورا لم يرد فيها كتاب
ولا سنه
والزام المسلمين بالعمل بها، من ذلك تشريعه صلاه
التراويح
فى شهر رمضان واضافه: الصلاه خير من النوم على
الاذان
لصلاه الصبح((11)).


الخلفيه والدلالات:
ولو استعرضنا موارد الاجتهاد العمرى باصنافها
الثلاثه هذه
لوجدنا ان مادفع الخليفه اليها وشجعه على ارتكابها
هو طغيان
الاحساس لديه بان رسول اللّه(ص) بشر كسائر الناس
يخط ى ء
كما يخطئون ويصيب كما يصيبون،وليس لديه من امتياز
على
الاخرين سوى امتياز الرساله والتبليغ عن اللّه،
وماعدا هذا
فالرسول كغيره، فهو عرضه للوقوع فى الخطا
والاشتباه، كما ان
ماصدره من احكام قابل للتغيير والتبديل، بل وعرضه
للنسخ
والالغاء،ولغيره ومن يقوم مقامه حق التشريع واصدار
الاحكام.


هكذا كانت نظره الخليفه لشخصيه الرسول ودوره والتى
تكشف عنها بكل وضوح النصوص التى نقلناها والوقائع
التى
اشرنا اليها((12)).


فاذاما ترك الباحث وهذه
النصوص بعيدا عن
هاله القداسه وثوب العصمه اللذين اضفاهما التاريخ
والسياسه
على بعض الصحابه وصاغاهما فى قالب من العقيده
والالتزام
الدينى فانه لا يسعه سوى الاقرار بان مثل
هذه النظره التى
حملها الخليفه لرسول اللّه(ص) ليست هى النموذج فى
العلاقه معه(ص) الذى سعى القرآن الكريم لايجاده
وتربيه
المسلمين الاوائل عليه،بل سيجد اكثر من ذلك، سيجد
ان
مصاديق هذه العلاقه فى سلوك الخليفه وبعض الصحابه
كانت
مما نهى القرآن الكريم عنها وحذر المومنين
من ارتكابها
ووصف اصحابها بالضلال المبين - قال تعالى (وما كان
لمومن ولا مومنه اذا قضى اللّه ورسوله امرا ان
يكون لهم الخيره
من امرهم ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ضلالا
مبينا).


وليس غرضنا هنا ان نتعسف الواقع ونناقش المسلمين
الاوائل
الحساب ان لم يطهروا دواخلهم كليا، بمجرد الايمان
بالرساله،
من موروث الجاهليه الاخلاقى ورواسبها
الاجتماعيه، فهذا مالا
يقول به منصف يعى طبيعه البشرويدرك سلطه الموروث
الاجتماعى على سلوك الافراد وافكارهم ولولاشعوريا.


فمن الطبيعى ان يحمل قسم من المومنين الاوائل، الى
جانب
ايمانهم المخلص بالرساله، جزءا غير قليل من هذا
الموروث
الذى كثيرا ما تفاعل مع المزاج الشخصى للافراد وطفح
بشكل
مواقف شاذه من الرساله وصاحبها.


وقد اشار القرآن الكريم الى نماذج عديده من هذا
السلوك
وانتهج فى علاجها اسلوبا تربويا دووبا يراعى ما
تقتضيه حاله
البناء من تدرج فى الاعداد والتوجيه، وسلك فى
تحقيق ذلك
منهجا يركز على محوريه الرسول فى الجماعه المومنه
ويربى
المومنين على عدم الفصل بين الرساله وصاحبها،
فترى القرآن
الكريم يوجه المومنين فى مواطن عديده
الى الابتعاد عما
تستثيره تقاليدهم الموروثه من مشاعر المساواه
واحاسيس الاعتزاز بالذات فى علاقتهم برسول اللّه،
ويلفت
نظرهم فيها الى الموقع الخاص الذى ينبغى عليهم ان
يحلوا
رسول اللّه(ص) فيه.


ولا يمكننا هنا التعرض لجميع الايات التى تعالج هذا
الموضوع
ولكننانكتفى بالاشاره الى صنفين من الايات الكريمه
فى هذا
الخصوص وهما.


1 - القسم الذى يربط المومنين برسول اللّه(ص) بوصفه
مبلغا
ومشرعا ووليا.


ويشار فى هذا السياق الى جميع الايات
التى قرن
اللّه تعالى اسمه باسم نبيه الكريم وطاعته بطاعته
كقوله تعالى
(واطيعوا اللّه والرسول)((13)) ومنها قوله تعالى
(لاتجعلوا دعاء
الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا)((14)) ودعاءالرسول هو
دعوته الناس الى امر من الامور كدعوتهم الى الايمان
والعمل الصالح((15)).


وكقوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا لا تقدموا بين
يدى اللّه ورسوله
واتقوا اللّه ان اللّه سميع عليم)((16)).


ومعناه لا تقطعوا امرا دون اللّه ورسوله ولا تعجلوا
به.


وقوله تعالى (فان تنازعتم فى شى ء فردوه الى اللّه
والرسول)((17)).


وهناك آيات اخرى كثيره تتعلق بهذا الجانب لا يسعنا
المجال
لذكرهاجميعا.


2 - القسم الذى يحدد للمومنين نمط السلوك الاجتماعى
الذى ينبغى عليهم ان يسلكوه مع رسول اللّه ويوجههم
الى
ترسم الاداب الصحيحه فى هذا السلوك.


فالحديث معه(ص)
مثلا لا ينبغى ان يجرى بنفس الطريقه التى يجرى
فيها بين اى
اثنين آخرين، كما ان الجلوس مع النبى وفى بيته
له قواعد
وضوابط يجب التقيد بها ولا يجوز التفريط بها وايذاء
النبى،
وهكذاكل ما يتصل بهذه العلاقه فى اطارها الانسانى
العام من
حب واحترام وتفضيل على النفس والولد والمال.


قال تعالى (يا ايها الذين آمنوا لا ترفعوا اصواتكم
فوق صوت
النبى ولاتجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط
اعمالكم وانتم لا تشعرون)((18)).


اى، غضوا اصواتكم عند مخاطبتكم اياه وفى مجلسه فانه
ليس
مثلكم اذيجب تعظيمه وتوقيره من كل وجه((19)).


وفى تفسير آخر لقوله تعالى (لا تجعلوا دعاء الرسول
بينكم
كدعاءبعضكم بعضا)((20)): يعنى كدعاء احدكم اذ دعا
اخاه
باسمه، ولكن وقروه وعظموه وقولوا له يارسول
اللّه، ويانبى
اللّه((21)).


وقال تعالى (يا ايها الذين آمنوا اذا ناجيتم الرسول
فقدموا بين
يدى نجواكم صدقه)((22)) اى: اذا ساررتم الرسول
فقدموا قبل
ان تساروه صدقه،واراد بذلك تعظيم النبى، وان يكون
ذلك
سببا لان يتصدقوا فيوجروا،وتخفيفا عنه((23)).


وقال تعالى (يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت
النبى الا ان
يوذن لكم الى طعام غير ناظرين اناه ولكن اذا دعيتم
فادخلوا
فاذا طعمتم فانتشروا ولامستانسين لحديث، ان ذلكم
كان
يوذى النبى فيستحيى منكم واللّه لايستحيى من الحق
واذا
سالتموهن متاعا فسئلوهن من وراءحجاب، ذلك اطهر
لقلوبكم
وقلوبهن وما كان لكم ان توذوا رسول اللّه ولاان
تنكحوا ازواجه
من بعده ابدا ان ذلكم كان عنداللّه عظيما)((24)).


وما اروع الادب القرآنى وهو يجمع فى كلمات قليله
اطراف
هذه العلاقه بين النبى والمومنين، ويرسم فى عباره
مكثفه
صوره التمازج الفكرى والعاطفى لهولاء المومنين
بالشخصيه
النبويه الساميه من خلال هذه الايه الشريفه (النبى
اولى
بالمومنين من انفسهم)((25)).


قال العلامه الطباطبائى فى تفسيره لهذه الايه:
ففيما اذا توجه
شى ء من المخاطر الى نفس النبى فليقه المومن
بنفسه ويفده
نفسه، وليكن النبى احب اليه من نفسه واكرم عنده من
نفسه،
ولو دعته نفسه الى شى ء والنبى الى خلافه او ارادت
نفسه شيئا
واراد النبى خلافه كان المتعين استجابه النبى
وطاعته
وتقديمه على نفسه.


وكذا النبى اولى بهم فيما يتعلق بالامور الدنيويه
او الدينيه، كل
ذلك لمكان الاطلاق فى قوله (النبى اولى بالمومنين
من
انفسهم)((26)).


هكذا ادب القرآن الكريم صحابه النبى(ص) وربى فى
عقولهم
ونفوسهم اسس العلاقه السليمه بنبيه الكريم، علاقه
تتفاعل
فيها مواقف الانقيادوالطاعه والتسليم بمشاعر الحب
والاكبار
والتعظيم، ونظره تتكامل بين طرفيها هذين شخصيه
المسلم
فى كدحه الى اللّه ووقطعه جذور العلاقه بالجاهليه
وقيمها.


فاذا حصل ان خرج احد المومنين عن الواجب فى هذه
العلاقه،
وتجاوزالحدود المعينه فى ذلك رده الوحى الى
الصواب، اورده
ايمانه الى اللّهيستغفره ذنبه ويتوب اليه مما بدر
منه.


عوده الى اجتهادات الخليفه:
ولنعد الان الى اجتهادات الخليفه فى هذا المجال
ونقيمها فى
ضوءالضوابط التى عرضناها آنفا لنرى مقدار ما تحقق
من
الارتفاع فى سلوك الخليفه ونظرته الى ما يمثله
رسول اللّه،
ولنحدد ايضا نجاحه فى تجاوزارث الماضى ومواضعاته
الاخلاقيه والاجتماعيه.


ولئلا يساء فهم ما نقول فاننا نعيد التاكيد هنا على
ما اسلفناه
من ان غرضنامن هذا البحث هو دراسه الظاهره بما هى
واستنطاق دلالاتها والبحث عن خلفياتها فى ضوء
النصوص التى
نعالجها، ولا يعنينا البحث فى الجوانب الاخرى من
حياه
الخليفه، فنحن لا نقصد من هذا البحث اصدار
حكم يستوعب
كل سيرته، كما لا يعنينا البحث فى التداعيات
السياسيه والعقائديه لظاهره الاجتهاد هذه.


فهذان
امران
خارجان عن اطار البحث.


لو رجعنا الى موقف الخليفه من صلح الحديبيه مثلا
وما كان له
من بدوات فى التعبير عن موقفه المعارض للصلح.


لوجدنا ان
من الصعب علينا الاعتقاد بان الخليفه قد تصرف فى
هذه
القضيه على النحو الذى يعكس الالتزام بما يمثله
رسول
اللّه(ص) والتسليم بما يراه او يامر به.


فالمتمعن فى النص الذى اوردناه آنفا عن هذا الصلح
والمنقول
عن صحيحى البخارى ومسلم سيكتشف غرابه موقف
الخليفه
وعمق المفارقه فى سلوكه الرافض للصلح.


فالخليفه -
تبعا لهذا
النص - يعبر عن رفضه هذابمجموعه اسئله انتقاديه
ساخطه
يطرحها على رسول اللّه(ص) فيجيبه النبى الكريم على
اسئلته
بسعه صدره المعهوده مذكرا اياه باولى البديهيات
التى يتعين
على المسلم ادراكها او الايمان بها، وهى انه(ص) رسول
اللّه!
قال له:انى رسول اللّه ولست اعصيه وهو ناصرى.


وفى
لفظ
مسلم: انى رسول اللّهولن يضيعنى.


ولكن شيطان الشك او
ربما
ضيق الصدر وقصر الاناه واللجاجه التى ورثها
الخليفه عن بيئته
لم تدعه يقر له قرار او يسلم بماوقع.


فيتوجه بالسوال
مره اخرى
الى الرسول(ص) قائلا: اوليس كنت تحدثناانا سناتى
البيت
فنطوف به؟ وهو يعنى ان التنازل الذى قدمه المسلمون
فى هذا
الصلح لا يتفق مع وعد رسول اللّه اياهم بانهم
سياتون البيت
الذى طال فراقهم له فيطوفون به.


ولكن مهلا.


الم يسال نبى اللّه ابراهيم ربه ان يريه
كيف يحيى
الموتى ليطمئن قلبه؟ فلماذا الاتهام لصاحب نبى
باللجاجه وهو
يستفسر رسول اللّهعن قضيه تشير كل وقائعها
وملابساتها
الظاهريه الى تراجع فى الموقف ليتفق مع ميزان القوى
الذى
كان يميل لصالح المسلمين حينذاك؟ اوليس حرص
الخليفه
على قوه الجماعه المومنه ومستقبل الدين الجديد هو
الذى
دفعه الى هذا الموقف الصاخب؟
ونحن نقول فى الاجابه عن هذين السوالين: انه من
العسير
التشكيك بنواياالخليفه او اتهامه بانه اراد العكس
مما تظاهر به،
كما ان من الصعب العسيرادراج ما صدر عنه من شغب وصخب
تحت باب: ليطمئن قلبى!
ولنعد لتوضيح ذلك الى النص مره اخرى فنقرا جواب
رسول
اللّه(ص) لعمروهو يقول له: بلى، افاخبرتك انا ناتيه
العام؟
فيجيب عمر: لا.


فيقول له رسول اللّه بتاكيد: فانك
آتيه ومطوف
به.


وقد كان المنتظر بعد هذا الجواب الموكد ان يطمئن
قلب عمر
او يكف شغبه تعبدا بقول رسول اللّه على الاقل.


غير
ان الخليفه
لم يكتف بجواب رسول للّه(ص) له، فانطلق الى ابى بكر
يستمده
الاقتناع بالصلح، ويطرح عليه ذات الاسئله التى
طرحها على
رسول اللّه دون تغيير.


وهذا موقف يدعو الى الغرابه
حقا، فلو ان
عمر وجه الى ابى بكر اسئله غير التى طرحها على رسول
اللّه
لكان يمكن للمدافع ان يتكلف القول بان الخليفه كان
يبغى الاقتناع واطمئنان القلب لا غير.


اما ان يطرح
على ابى بكر
نفس ما سال به رسول اللّه(ص) من الاسئله فان هذا
يعنى بكل
وضوح ان عمر لم يكن يرى لكلام رسول اللّه(ص) ميزه
على
كلام غيره فى هذا المورد على الاقل.


ولاادرى ما الذى
كان
سيجده عمر عند ابى بكر مما لم يجده عند رسول
اللّه(ص)وهو
يساله نفس الاسئله؟
اللهم الا ان يقال ان عمر كان يريد ضم جواب ابى بكر
الى
جواب رسول اللّه ليطمئن قلبه العصى على الاطمئنان!
وليس
لهذا سوى معنى واحد هوالذى اشرنا اليه آنفا واقمنا
صلب
بحثنا هذا عليه، وهو ان رسول اللّه فى نظرعمر بشر
يخط ى ء
كما يخط ى ء البشر ويصيب كما يصيبون وليس لديه
من امتياز
عليهم سوى امتياز الرساله والتبليغ عن اللّه.


وقد ادرك المورخون وكتاب السيره مافى سلوك الخليفه
وموقفه فى هذه القضيه من شذوذ وتجاوز للحد،
فاعملوا يد
التصرف فى سياق الاحداث واعادوا ترتيب الوقائع
وفق نسق
خاص يخفف من عرامه الخليفه الظاهره وغلظته فى
مواجهه
رسول اللّه.


قال ابن هشام فى سيرته((27)) ثم تابعه عليه من جاء بعده
من
المورخين:
فلما التام الامر ولم يبق الا الكتاب وثب عمر بن
الخطاب، فاتى
ابا بكرفقال: يا ابا بكر اليس برسول اللّه؟ قال: بلى.


قال: اولسنا
بالمسلمين؟
قال: بلى.


قال: اوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى.


قال
فعلام نعط ى
الدنيه فى ديننا؟ قال ابو بكر: يا عمر الزم غرزه
فانى اشهد انه
رسول اللّه.


قال عمر:وانا اشهد انه رسول اللّه.


ثم
اتى رسول
اللّه(ص) فقال: يارسول اللّه الست برسول اللّه؟
قال: بلى.


قال:
اوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى.


قال:فعلام نعط ى
الدنيه فى
ديننا؟ قال: انا عبداللّه ورسوله، لن اخالف امره،
ولن يضيعنى.


قال: فكان عمر يقول: ما زلت اتصدق واصوم واصلى واعتق
من الذى صنعت مخافه كلامى الذى تكلمت به حتى رجوت
ان
يكون خيرا.


ونلاحظ فى هذا النص بالمقارنه مع ما سبق ذكره عن
الصحيحين ما يلى:
1 - ان عمر وفق هذا النص يذهب الى ابى بكر اولا
فيناقشه فى
امر الصلح.


ثم يذهب بعدها الى رسول اللّه(ص) فيساله
نفس ما
سال ابا بكر وهو عكس ما ورد فى الصحيحين.


وعمل الخليفه هذا - وفق هذا النص - ليس فيه كثير
غرابه فهو
ياتى من يثق بحكمته من صحابه الرسول(ص) ليعينه فى
ايضاح
ما التبس عليه من امر هذاالصلح.


فلا يقنعه الرجل،
فيحمل
هواجسه فى هذا الامر الى مرجع المسلمين ووليهم،
الى رسول
اللّه فيجيبه(ص).


ثم النص بعد هذا غامض، فهو يقول: فكان عمر يقول: ما
زلت
اتصدق واصوم واصلى واعتق من الذى صنعت يومئذ مخافه
كلامى الذى تكلمت به.


فلا ندرى هل ان ما صنعه عمر
يومئذ
هو كلامه الذى تكلم به والذى لم يكن فيه - وفق سياق
النص -
كثير باس ام انه شى ء آخر غير الكلام المشاراليه؟
الذى يظهر ان ابن هشام يريد منا ان نفهم من هذا النص
ان ما
صنعه عمر وعمل القربات من اجله لم يكن سوى
مناقشاته لابى
بكرولرسول اللّه(ص).


يظهر هذا من جمعه بين (من) السببيه ومجرورها مع
المفعول
لاجله فى سياق واحد فى قوله: من الذى صنعت مخافه
كلامى
الذى تكلمت به.


فكان عباره: مخافه كلامى تفسير لقوله: من الذى صنعت.


ويظهر ايضا من ذكر هذه العباره فى اعقاب المناقشات
المذكوره.


ولكن البخارى كان اكثر وضوحا من ابن هشام ومن تابعه
فى
بيان هذا الامرحيث قال بعد ايراده المناقشات
المشار اليها:
وقال عمر: فعملت لذلك اعمالا.


2 - وردت فى نفس كلام ابن هشام المذكور عبارات لم يرد
لها
ذكر فى الصحيحين، منها قوله لابى بكر: وانا اشهد
انه رسول
اللّه.


وقوله لرسول اللّه:يارسول اللّه.


ونحن لا نقصد بايراد هذه الملاحظه اغراء القارى ء
باستنتاج
مالم يكن، بل ما نريده هو التاكيد على ان هذه
العبارات بما
تتضمنه من حنو وتوقيروتسليم لا تنسجم مع جو التوتر
الانفعالى الذى كان يعيشه عمر يومذاك،ومشاعر السخط
التى
انفجر بها فى وجه رسول اللّه(ص).


قال الحلبى فى سيرته:
ولقى عمر (رض) من الشروط الاتى ذكرها امرا عظيما،
وجعل
يرد على رسول اللّه(ص) الكلام حتى قال له ابو عبيده
بن
الجراح (رض): الا تسمع يابن الخطاب رسول اللّه يقول
ما
يقول؟!.


وحتى قال له رسول اللّه(ص):
انى رضيت وتابى((28))؟!
ان امعان عمر فى رفض الصلح واصراره على تخريبه يكذب
السياق الذى افترضه المورخون لهذه القضيه واللغه
التى صاغوه
بها.


ويجعلنا نعتقد بان ما ذكر فى الصحيحين هو
السياق
الطبيعى المفترض للاحداث.


فان عمر حيث لم تقنعه ايضاحات رسول اللّه ولا ابى
بكر فى هذا
الشان انطوى صدره على غيظ مكبوت وحرد مكتوم، وجد
متنفسه فى اثاره المشاكل امام تنفيذ هذا الصلح
واستغلال
الفرص لابطاله وتخريبه.


كان احد بنود هذا الصلح ينص على ان يرد الى قريش من
اتى
الى المسلمين فارا منها، ولا يرد الى المسلمين من
ذهب الى
قريش فارا منهم.


واقتضت مشيئه اللّه تعالى ان يجد هذا البند تطبيقه
فى نفس
مجلس الصلح.


فبينما رسول اللّه(ص) ومبعوث قريش
سهيل
بن عمرو يتهيان لكتابه بنود الصلح بعد مناقشتها
والاتفاق عليها
اذ دخل ابو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف فى الحديد
فارا
بدينه الى رسول اللّه والمسلمين.


فلما رآه ابوه
قام اليه واخذ
بتلابيبه.


وطلب من رسول اللّه تسليمه اليه بموجب
مااتفقا
عليه فاقره رسول اللّه على هذا، وطلب من ابى جندل
الصبروالاحتساب وامره بالذهاب مع ابيه.


غير ان
الخليفه لم
يرقه هذا التنفيذالامين لبنود الصلح، ووجد فى هذه
الواقعه ما
كان ينشده لتعويق الصلح وافساده.


فانطلق لهذا يحرض
ابا
جندل على قتل والده ويقول له: انما هم المشركون
وانما دم
احدهم دم الكلب.


ويدنى قائم السيف منه.


قال
ابن اسحق: يقول
عمر: رجوت ان ياخذ السيف فيضرب به اباه.


قال:
فضن الرجل
بابيه ونفذت القضيه.


نفذت القضيه رغم الاعمال التى عملها عمر كما يقول
البخارى
فى نصه السالف.


ونفذت القضيه ثم تاب عمر مما بدر
منه وندم.


فهذا اجتهاد اعقبه توبه وندم، فدعونا نر نوعا آخر
من اجتهادات
الخليفه لم يعقبه ما ذكر.


اجتهاد من نوع آخر:
اخرج البيهقى فى سننه عن زيد بن اسلم عن ابيه: ان عمر
بن
الخطاب(رض) ضرب ابنا له يكنى ابا عيسى وان المغيره
بن
شعبه تكنى بابى عيسى.


فقال عمر (رض): اما يكفيك ان
تكنى
بابى عبداللّه؟ فقال: رسول اللّه كنانى.


فقال: ان
رسول اللّه(ص)
قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تاخر وانافى جليتنا((29)).


فلم يزل يكنى بابى عبداللّه حتى هلك((30)).


ماذا يعنى قول عمر: ان رسول اللّه قد غفر له ما تقدم
من ذنبه
وما تاخر؟ انه ببساطه يعنى احد امرين، احسنهما ان
الخليفه لم
يكن قاطعا بان رسول اللّهلم يجانب الصواب فى تكنيه
الرجل
بابى عيسى.


فليس من سبيل اذا سوى الاحتياط بترك
التكنيه!
والامر الاخر ان رسول اللّه قد اخطا فعلا - والعياذ
باللّه - فى
هذه التكنيه التى تمس امور العقيده، فالواجب اذا
تركها
والتكنيه بغيرها!!
فرسول اللّه(ص) حسب هذا النص اخطا - او يجوز عليه
الخطا لا
فرق - فلاميزه له اذا على عمر سوى انه(ص) قد غفر له ما
تقدم
من ذنبه وما تاخر!
وهذه نتيجه فى غايه الخطوره، فما قاله الخليفه يبدد
الغموض
والالتباس عن معظم مواقفه وآرائه الاجتهاديه منذ
اسلامه
وحتى وفاته، ويبين الاساس الذى بنى عليه مواقفه
التى اتعب
المحدثون والمورخون بل وكل صناع التاريخ الرسميين
انفسهم
فى تبريرها والتماس الاعذار لشذوذها.


فلو دققنا النظر فى موقف الخليفه من صلح الحديبيه
وقارناه
بموقفه من التكنيه بابى عيسى لوجدنا الموقفين
يصدران عن
ماء واحد، ولا فرق بينهما الا فى السياق العاطفى
والانفعالى
المعبر من خلاله عن كل الموقفين.


فالتخطئه الاولى جاءت فى سياق الحده العمريه
المعهوده.


والتخطئه الثانيه جاءت فى سياق الاطراء العمرى
لرسول
اللّه(ص).


التخطئه الاولى تاب بعدها الخليفه وندم على مابدر
منه من
تجرو ومضايقه لرسول اللّه.


والتخطئه الثانيه تعبد بها الخليفه ونوى التقرب
فيها الى اللّه!
ولكنها فى الحالين.


تخطئه.


الخلفيه مره اخرى:
التخطئه لرسول اللّه اذا - او امكانها - هو العامل
المشترك فى
معظم - ان لم يكن فى جميع - الاجتهادات الصادره عن
الخليفه عمر بن الخطاب،والتخطئه التى تقوم على
اساس ما
اسميناه آنفا باحساس الخليفه الطاغى ببشريه
الرسول.


وهذا
التعبير لا يعنى بطبيعه الحال ان لنا رايا
خاصايعارض
التشخيص القرآنى لهذه الحقيقه، حقيقه ان رسول
اللّه(ص)
وكل الانبياء العظام: بشر اوحى اليهم اللّه تعالى
وامرهم بتبليغ
رسالاته، بل مانعنيه من هذا التعبير ان سلوك
الخليفه من
خلال مواقفه المذكوره يتعارض مع الصوره التى اراد
القرآن
الكريم تقديمها عن النبى والضوابط التى حددها
للنظر والتعامل
مع شخصه الكريم.


ولو تتبعنا جذور هذا الاحساس الذى كان يصدر عنه
الخليفه
فى تخطئته رسول اللّه لقادنا هذا التتبع الى
التقاليد والقيم
الاجتماعيه السائده فى المجتمع العربى قبل ظهور
الاسلام.


فهذا المجتمع كان ينمى فى داخل الافراد احاسيس
الاعتزاز
بالذات،ويربى فى نفوسهم مشاعر الاعتداد والفخر.


ورغم قوه
الشعور بالانتماء الى القبيله يومذاك الا ان هذا
الشعور لم يلغ
احساس العربى بفرديته ولم يطمس اعتزازه بذاته.


بل
ان
الاعتزاز بالقبيله كان طريق العربى الى التعبيرعن
هذه الذات.


والشعر العربى يكشف بوضوح عن تضخم الميل
لدى الشاعر
العربى الى الفخر بذاته من خلال الفخر بالقبيله
والتغنى
بامجادهاوماثرها.


وهذا الاحساس المضخم بالذات لدى انسان الجزيره
العربيه
ولد عنده شعورا بالتفوق على الاخرين او الاحساس
بالمساواه
معهم على الاقل.


فلم يكن يشعر بانه ادنى مستوى من
اى فرد
آخر، حتى من زعيم القبيله الذى كان يمثل اعلى سلطه
اجتماعيه وسياسيه فى ذلك المجتمع.


وقد ساهمت طبيعه الحياه البدويه القائمه على
التنقل
والارتحال وعدم الاستقرار فى مكان واحد، وكذا عدم
الخضوع
لنظام سياسى مركزى مستقرله اصوله وتقاليده فى
الحكم،
ساهمت كلها فى تعزيز هذا الاحساس لدى البدوى وخلق
قدر
اكبر من الشعور بالحريه الباطنيه لديه.


كما
تعهدت قسوه البيئه
وظروفها الاستثنائيه باضفاء طابع من الخشونه على
طريقه التعبير عن هذا الاحساس وترجمته الى سلوك.


هذا هو فى تقديرنا الواقع الذى استقى الخليفه من
معينه
الاجتماعى والاخلاقى قدرته العجيبه على مواجهه
نصوص
الكتاب والسنه وغذى جراته فى الاعتراض على اوامر
رسول اللّه
ومواقفه.


الواقع الذى لم يستطع الخليفه، وكثيرون غيره، قطع
جذور
العلاقه معه،فكان حاضرا فى الموقف والسلوك
والكلمه، يعرض
نفسه تاره قاحمامتحديا صريحا بلاخفاء، ويلتوى اخرى
فيوارب
ظله فى ثنايا النفس ومسارب اللاشعور منها.


الواقع الذى جاء الدين الذى آمن به عمر وغيره
لتجاوزه
واسقاط قيمه،فهل نجح الخليفه فى ذلك؟ هل نجح فى
الارتفاع الى مستوى (النبى اولى بالمومنين من
انفسهم)((31))
او الى مستوى (لا يومن احدكم حتى
يكون هواه تبعا لما جئت به)((32))؟
لا اظننا نتعسف النصوص والوقائع التى اوردناها
وسنوردها فى
سياق البحث او نتكلف النتيجه منها اذا قلنا: انها
جميعها تجيبنا
عن هذه الاسئلفه بالنفى.


متعه الحج
اخرج احمد فى مسنده: ان عمر قال: هى سنه
رسول اللّه(ص) -
يعنى المتعه - ولكنى اخشى ان يعرسوا بهن تحت الاراك
ثم
يروحوا بهن حجاجا.


مسند احمد: 1 / 79 ح 344
اجتهاد الخليفه فى متعه الحج نموذج آخر على خضوعه
لقيم
وتقاليدالماضى ودليل على عدم قدرته على الانعتاق
كليا من
اسر هذه القيم والتقاليد فما هى متعه الحج التى
شرعها اللّه فى
كتابه وفعلها رسول اللّه(ص)والمسلمون معه؟ وكيف كان
الامر
فى الجاهليه؟ وما هو اجتهاد عمر بن الخطاب فيها؟
وكيف
تعامل صاغه التاريخ الرسميون مع هذا الاجتهاد؟
تعنى متعه الحج ان من اتى بالعمره ثم حج بعدها فى
نفس
السنه يحل له بعد الانتهاء من العمره ما حرم عليه
حين كان
محرما، الى ان يحرم للحج ويسمى الحج، الذى يوديه
الحاج مع
العمره فى سفره واحده بحج التمتع،وهو واجب على غير
اهل
مكه.


وقد كان من عاداتهم فى الجاهليه ان يفصلوا بين الحج
والعمره
ويفردوالكل واحد منهما سفرا.


قال الجصاص فى احكام القرآن: فلما قدم النبى صبيحه
رابعه
مهلين بالحج امرهم رسول اللّه ان يحلوا فتعاظم ذلك
عندهم.


قالوا: يارسول اللّه اى الحل؟ قال: الحل كله.


فمتعه
الحج تنتظم
هاتين المتعتين.


اما استباحه التمتع بالنساء واما
الارتفاق
بالجمع بين العمره والحج فى اشهر الحج والاقتصار
بهما على
سفره واحده بعد ان كانوا لا يستحلون ذلك
فى الجاهليه
ويفردون لكل واحد سفرا.


وقال فى مورد آخر: وكانوا ينكرون التمتع بها اشد
الانكار.


ويروى عن ابن عباس وعن طاووس ان ذلك عندهم كان من
افجر الفجور((33)).


العاده الجاهليه اذا كانت تقوم على الفصل بين الحج
والعمره
وعدم جوازالجمع بينهما، وكانوا يرون هذا الفصل من
تمام
الحج، لانه فى زعمهم يفرغ الحاج كليا لاداء مناسك
الحج فلا
يخلطها بغيرها.


واما العمره فلهاعندهم وقتها الذى
تودى فيه.


عن ابن عباس قال: كانوا يرون العمره فى اشهر الحج من
افجر
الفجور فى الارض ويجعلون المحرم صفرا ويقولون اذا
برى ء
الدبر وعفا الاثر وانسلخ صفر حلت العمره لمن
اعتمر.


فقد كانوا
يحرمون العمره حتى ينسلخ ذوالحجه((34)).


هكذا كانت عاده الناس قبل مجى ء الاسلام، ثم
استمروا عليها
فتره من الزمن فى الاسلام، فلما كانت حجه الوداع
نزلت الايات
التى شرعت حج التمتع، فبين رسول اللّه(ص) امر اللّه
تعالى فى
الاعتمار فى اشهر الحج.


ولم يكن قبول هذا التشريع والالتزام به بالامر
السهل على
المسلمين الذين الفوا الفصل بين اشهر الحج
والعمره، وورثوا
هذه الالفه عن آبائهم واجدادهم، مما جعل بعضهم
يستغرب
هذا التشريع وينكره.


قال ابن قيم الجوزيه فى زاد المعاد((35)): ان النبى امر
اصحابه ان يجعلوها عمره يطوفوا ثم يقصروا ويحلوا
الا من كان
معه الهدى.


فقالوا: اننطلق الى منى وذكورنا تقطر؟
فبلغ ذلك
رسول اللّه(ص) فقال: لو انى استقبلت من امرى
مااستدبرت ما
اهديت ولولا ان معى الهدى لاحللت.


وقال الجصاص: فلما قدم النبى صبيحه رابعه مهلين
بالحج
امرهم رسول اللّه ان يحلوا فتعاظم ذلك عندهم.


قالوا: يارسول
اللّه اى الحل؟ قال: الحل كله.


وقد كان من قوه هذه العاده ورسوخها فى نفوسهم انهم
تلكاوا
فى الاستجابه لامر رسول اللّه.


اخرج مسلم قال((36)): دخلت عائشه على رسول اللّه
وهو
غضبان فقالت من اغضبك يارسول اللّه ادخله اللّه
النار؟ قال: او
ما شعرت انى امرت الناس بامر فاذا هم يترددون؟
بهذه الطريقه استقبل الناس تشريع المتعه فى الحج،
وهو رد
فعل لايستغرب صدوره من قبل الكثير تجاه تشريع يلغى
نسكا
ساروا عليه ومن قبل آباوهم سنين متماديه، ولهذا
عالج رسول
اللّه هذا التقليد المستحكم فى النفوس بما يوازيه
من التاكيد
فى البيان والايضاح.


اخرج البخارى ومسلم عن سراقه بن مالك قال: متعتنا
هذه
يارسول اللّهلعامنا هذا ام للابد؟ قال: لا بل للابد
لابد
الابد((37)).


عمر ومتعه الحج:
هذه هى متعه الحج التى شرعها اللّه تعالى فى كتابه
بقوله
(فمن تمتع بالعمره الى الحج) وبلغها نبيه
المومنين، فكيف
تعامل عمر مع هذاالتشريع وماهى خلفيته فى هذا
التعامل؟
اخرج النسائى فى سننه عن ابن عباس قال: سمعت عمر
يقول:
واللّه انى لانهاكم عن المتعه وانها لفى كتاب
اللّه لقد فعلها
رسول اللّه - يعنى العمره فى الحج -((38)).


فعمر هنا يعارض بصريح العباره، بعد ما صار خليفه
على المسلمين، النص القرآنى المشرع لمتعه الحج،
وفعل
رسول اللّه(ص) لها.


وكعاده الخليفه فى تبرير
اجتهاداته
وتشريعاته مقابل النصوص فانه لا يضن على المسلمين
بالكشف
عن ملاكات الاحكام التى يشرعها وبيان ما فيهامن
مصالح
ودفع للمفاسد.


اخرج احمد فى مسنده((39)): ان عمر (رض) قال: هى سنه
رسول اللّه(ص) - يعنى المتعه - ولكنى اخشى ان يعرسوا
بهن
تحت الاراك ثم يروحوا بهن حجاجا.


فالتعريس بالنساء قبيل الاحرام للحج امر لا يرتضيه
عمر للحاج
وان ارتضاه اللّه ورسوله.


الحاج - فى نظره - ينبغى
ان يكون
اشعث اغبر اذفر((40))تماما كما كان فى الجاهليه
وقبل تشريع
المتعه.


والملفت هنا ان الخليفه يكرر نفس الحجه التى
استخدمها
المعترضون على رسول اللّه حين امرهم بالاحلال قبل
الاحرام
ثانيه للحج.


فى الدر المنثور((41)): اخرج الحاكم وصححه من طريق
مجاهد وعطاء عن جابر: قال: كثرت القاله من الناس،
فخرجنا
حجاجا حتى اذا لم يكن بينناوبين ان نحل الاليال
امرنا
بالاحلال، قلنا: ايروح احدنا الى عرفه وفرجه يقطر
منيا؟ فبلغ
ذلك رسول اللّه فقام خطيبا فقال: اباللّه تعلمونى
ايهاالناس؟ فانا
واللّه اعلمكم باللّه واتقاكم له ولو استقبلت من
امرى مااستدبرت
ما سقت هديا ولحللت كما احلوا.


ولئن امكن فهم موقف المعترضين هولاء وتفسيره
بالطبيعه
البشريه التى تستعصى لاول وهله على فطام ما الفته
واعتادت
عليه، فان تكرار الخليفه لهذا الموقف، واصراره
على الالتزام
والزام الاخرين به، مع علمه بتشريع المتعه فى كتاب
اللّه وبعد
بيان رسول اللّه(ص) وانكاره على المعترضين موقفهم،
هذا
الموقف من الخليفه لا يدل على اقل من وفائه لتقاليد
الماضى وقيمه وعدم قدرته على قطع كل الاواصر
النفسيه
والسلوكيه مع هذه التقاليد والقيم.


وقد اشار رسول
اللّه(ص)
الى ذلك بقوله لاحدهم - ولم يسموه - حين اعترض على
امر
رسول اللّه اياهم بالاحلال، قائلا:
يارسول اللّه نخرج حجاجا ورووسنا تقطر من نسائنا؟
قال له
رسول اللّه: انك لن تومن بها ابدا((42))!
هذا هو راى الخليفه فى متعه الحج، وهذه هى خلفيه
رايه فيها.


انها نفس الخلفيه التى صدر عنها فى اجتهاداته التى
عرضنا
جانبا منها فيما تقدم من البحث.


انها ارتباط الخليفه بالماضى والوفاء لقيمه
وتقاليده،
وخضوعه لاسر الماضى وهو يواجه رسول اللّه(ص)
بواحده من
ابرز خصال هذا الماضى واخلاقياته، خصله الاعتزاز
بالذات
الذى يصل فى كثير من الاحيان حد الغرور والفظاظه.


والارتباط بالماضى من خلال الابقاء على بعض
سلوكياته
وشعائره.


الموولون والمعتذرون:
وكما تصدى اتباع مدرسه الخلافه والقائلون بعصمه
الصحابه
لتبرير بدوات الخليفه واجتهاداته فيما اشرنا اليه
آنفا من هذه
الموارد، وحاولوا التهوين من مخالفته الصريحه
للنصوص،
والتماس الاعذار لهذه المخالفات، فانهم لم يالوا
جهدا فى
تسويغ موقف الخليفه من متعه الحج وتبرئه ساحته
من مخالفه
نصوص الكتاب والسنه.


وقد مر بنا كيف اندفع هولاء
لتبرير
موقف الخليفه من صلح الحديبيه والاعتذار عن رايه
فى طلاق
الثلاث.


وهونموذج للدفاع الذى ينطلق عن فكره مسبقه
وعن
القناعه التى تسبق البحث وتوثر فى نتائجه.


قناعه
لم يكونها
واقع التاريخ ومعطيات السيره للاشخاص، وانما
كونها بيئه
هولاء وانتماءاتهم المذهبيه والعاطفيه، ثم
اريدلهذه القناعه ان
توثر فى الواقع والتاريخ وتصوغ معطياتهما على
مقاسها.


فكل ما جاء به هولاء من التبريرات والاعذار
والتاويلات التى
نحتوهاللخليفه عمر فى اجتهاداته مقابل النصوص
انطلقت من
قناعات مسبقه ومسلمات تشربها هولاء المتاولون
وقادتهم الى
ركوب هذاالمسلك الوعر.


فالمهم لدى هولاء وهم
يتعاملون مع
التاريخ ان يبقى مااستقر فى اذهانهم من عصمه
الخلفاء
وافضليتهم على البشريه بعد رسول اللّه بحسب
ترتيبهم زمنيا
فى استلام الخلافه((43))، ان يبقى مصونا فى
حريم العواطف
والولاء.


ثم يبقى ما استعصى على الدخول فى هذا
الحريم
من الحوادث والوقائع خارج التاريخ!
ولو حللنا موقف هولاء لوجدنا ان هناك عنصرين ثابتين
فى هذه
القضيه حرص هولاء الموولون على الجمع بينهما بشكل
او باخر
لتنزيه الخليفه عن معارضه الكتاب والسنه.


احدهما:
تشريع
متعه الحج، وثانيهما: نهى عمر عنها.


وتبعا لهذا انقسم هولاء المتاولون الى فريقين،
انصب جهد
احدهما على التصرف فى الامر الاول بعد ثبوت منع
عمر عن
المتعه لديهم، فادعوا نسخ هذا التشريع او اختصاصه
بالصحابه،
فزعم قسم منهم ان تشريع المتعه منسوخ بقوله تعالى
(واتموا
الحج والعمره للّه) بدعوى ان من تمام الحج التفريق
بينه وبين
العمره.


مما اضطر هولاء الى التمحل فى علاج النصوص
الداله
على بقاء التشريع وعمومه.


قال الجصاص ((44))فى الحديث عن قوله(ص): دخلت
العمره
فى الحج الى الابد:
والذى يقتضيه ظاهره ان الحج نائب عن العمره والعمره
داخله
فيه، فمن فعل الحج فقد كفاه عن العمره، كما تقول:
الواحد
داخل فى العشره، يعنى ان العشره مغنيه عنه وموفيه
عليه!
واما الفريق الثانى فقد حاول توجيه نهى الخليفه
بشكل يتلاءم
مع ثبوت التشريع فى الكتاب والسنه وتوفر الادله
لديهم على
بقائه وعمومه.


ففسرهولاء ما كان من الخليفه فى هذا
الامر بانه
لم يكن على وجه النهى وانماكان على وجه اختيار
المصلحه.


عن عروه عن ابيه قال: انما كره عمر العمره فى اشهر
الحج
اراده الا يتعطل البيت فى غير اشهر الحج.


وعن يوسف بن ماهك: انما نهى عمر عن المتعه لمكان اهل
البلد ليكون موسمان فى عام فيصيبهم من منفعتهما((45)).


نصوص فى تشريع متعه الحج ونهى عمر عنها((46))
1 - حديث عمران بن حصين:
الطريق الاول: عن ابى رجاء قال: قال عمران بن حصين:
نزلت
ايه المتعه فى كتاب اللّه وامرنا بها رسول
اللّه(ص)، ثم لم تنزل
ايه تنسخ ايه متعه الحج، ولم ينه عنها
رسول اللّه(ص) حتى
مات، قال رجل برايه بعد ما شاء((47)).


صوره اخرى لمسلم((48)):
تمتعنا مع رسول اللّه(ص) ولم ينزل فيه القران، قال
رجل برايه
ما شاء.


وفى لفظ اخر له: تمتع نبى اللّه(ص) وتمتعنا
معه.


وفى
لفظ رابع له: اعلم ان رسول اللّه(ص) جمع بين حج
وعمره ثم
لم ينزل فيها كتاب ولم ينهنا عنهما،قال فيها رجل
برايه ما
شاء((49)).


لفظ
البخارى: تمتعنا على عهد رسول اللّه(ص)
ونزل القران، قال رجل برايه ماشاء.


وفى لفظ اخر له :
انزلت ايه المتعه فى كتاب اللّه ففعلناها مع رسول
اللّه(ص) ولم
ينزل قران يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل
برايه ما
شاء((50)).


وفى بعض نسخ صحيح البخارى، قال محمد - اى البخارى -
يقال: انه عمر.


قال القسطلانى فى الارشاد((51)):
لانه كان
ينهى عنها.


وذكره ابن كثير فى تفسيره((52))
نقلا عن
البخارى فقال: هذا الذى قاله البخارى قد جاء مصرحا
به:ان
عمر كان ينهى الناس عن التمتع.


وقال ابن حجر فى فتح البارى((53)): ونقله الاسماعيلى
عن
البخارى كذلك فهوعمده الحميدى فى ذلك، ولهذا جزم
القرطبى والنووى وغيرهما، وكان البخارى اشار بذلك
الى
روايه الحريرى عن مطرف، فقال فى اخره: ارتاى رجل
برايه ما
شاء - يعنى عمر.


كذا فى الاصل، اخرجه مسلم، وقال ابن
التين:
يحتمل ان يريد عمر او عثمان،
واغرب الكرمانى فقال: ان المراد
به عثمان، والاولى ان يفسر بعمر، فانه اول من نهى
عنهاوكان
من بعده تابعا له فى ذلك.


ففى مسلم: ان ابن الزبير
كان ينهى
عنهاوابن عباس يامر بها، فسالوا جابرا فاشار الى ان
اول من نهى
عنهاعمر.


وقال القسطلانى فى الارشاد((54)): قال رجل برايه ما
شاء، هو
عمر بن الخطاب لا عثمان بن عفان، لان عمر اول من
نهى
عنها، فكان من بعده تابعا له فى ذلك.


ففى مسلم.


الى
اخر
كلمه ابن حجر المذكوره.


وقال النووى فى شرح مسلم: هو عمر بن الخطاب، لانه
اول من
نهى عن المتعه، فكان من بعده من عثمان وغيره تابعا
له فى
ذلك((55)).


لفظ الشيخين :
تمتعنا مع رسول اللّه(ص) ونزل فيه القران، فليقل رجل
برايه ما
شاء((56)).


لفظ النسائى :
ان رسول اللّه(ص) قد تمتع وتمتعنا معه، قال فيها
قائل برايه.


اخرجه فى سننه((57))، واحمد فى مسنده((58))
قريبا من
لفظ مسلم مبتورا.


/ 6