• عدد المراجعات :
  • 1467
  • 7/5/2009
  • تاريخ :

التمثيل الخامس و الخمسون : لقمان الحکيم

القرآن

( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوط كانَتا تَحْتَ عَبْدَينِ مِنْ عِبادِنا صالِحَينِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيئاً وَقيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلين ) ، (1)

 

تفسير الآية

إنّ إحدى الاَساليب التربوية ، هي عرض نماذج واقعية لمن بلغ القمة في مكارم الاَخلاق و جلائلها أو سقط في حضيض مساوىَ الاَخلاق ، و القرآن في هذه الآية يعرض زوجتين من زوجات الاَنبياء ابتليتا بالنفاق و الخيانة ، و لم ينفعهما قربهما من أنبياء الله .

ثمّ إنّ الحافز لهذا التمثيل ، هو التنديد بزوجتي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) اللّتين اشتركتا في إفشاء سره ، و الغرض هو إيقافهما على أنّهما لا تنجوان من العذاب لمجرد مكانتهما من الرسول ، كما لم ينفع زوجة نوح و لوط ، فواجهتا العذاب الاَليم.

يذكر سبحانه في هذه الصورة قصة إفشاء سرّ النبي بواسطة بعض أزواجه يقول : ( وَ إِذْ أَسَـرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَديثاً فَلَمّـا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الخَبير ) ، (2)

و هذه الآية على اختصارها تشتمل على مطالب:

1. انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) أسرّ إلى بعض أزواجه حديثاً، كما يقول سبحانه : ( و إذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً ) ، و أمّا ما هو السر الذي أسرّه إليها فغير واضح ، و لايمكن الاعتماد بما ورد في التفاسير من تحريم العسل على نفسه و غيره.

2. انّ هذه المرأة التي أسرّ إليها النبي لم تحتفظ بسره و أفشته ، فحدّثت به زوجة أُخرى ، كما يقول سبحانه : ( فلمّا نبّأت به ) ، و المفسرون اتفقوا على أنّ الاَُولى منهما هي حفصة و الثانية هي عائشة . و بذلك أساءت الصحبة ، و أفشت سر الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم ) ، مع أنّ واجبها كان كتم هذا السر .

3. انّه سبحانه أخبر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم ) به، كما يقول سبحانه : ( و أظهره الله عليه) أي أطلعه الله عليه.

4. انّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم ) عرّف حفصة ببعض ما ذكرت ، و أعرض عن ذكر كلّ ما أفشت ، و كان (صلى الله عليه و آله و سلم ) قد علم جميع ذلك ، و لكنّه أخذ بمكارم الاَخلاق ، فلم يذكر لها جميع ما صدر منها ، و التغافل من خلق الكرام ، و قد ورد في المثل :  ( مااستقصى كريم قط ) .

5. لما أخبر رسول الله حفصة بما أظهره الله عليه سألت ، و قالت : من أخبرك بهذا؟ ، فأجاب الرسول : نبّأني العليم الخبير ، كما يقول سبحانه: ( فلمّا نبّأها به ، قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير ).

و بما انّ مستمع السر كمفشيه عاص ، يعود سبحانه يندّد بهما و يأمرهما بالتوبة ، لاَجل ما كسبت قلوبهما من الآثام ، و انّه لو لم تكُفَّا عن إيذاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فاعلما انّ الله يتولّـى حفظه و نصرته ، و أمين الوحي معين له و ناصر يحفظه ، و صالح الموَمنين و خيارهم يوَيدونه ، و بعدهم ملائكة الله من أعوانه . كما يقول سبحانه : ( ان تتوبا فقد صغت قلوبكما ) أي مالت إلى الاِثم ، و إن تظاهرا عليه أي تعاونا على إيذاء النبي ، فانّ الله مولاه و جبرئيل و صالح الموَمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير.

هاتان الآيتان توقفنا على مكانة الزوجتين من القيام بوظائف الزوجية ، حيث إنّ حفظ الاَمانة من واجب الزوجة حيال زوجها ، كما أنّ الآية الثانية تعرب عن مكانتهما عند الله سبحانه ، حيث تجعلهما على مفترق الطرق : إمّا التوبة لاَجل الاِثم ، و إمّا التمادي في غيّهما و إحباط كلّ ما تهدفان إليه ، لاَنّ له أعواناً مثل ربه و الملائكة و صالح الموَمنين.

و بما انّ السورة ، تكفّلت بيان تلك القصة ناسب أن يمثل سبحانه حالهما بزوجتين لرسولين أذاعتا سرهما و خانتاهما . إذ لم تكن خيانتهما خيانة فجور لما ورد: ما بغت امرأة نبي قط ، و إنّما كانت خيانتهما في الدين.

قال ابن عباس : ( كانت امرأة نوح كافرة ، تقول للناس ، إنّه مجنون ، و إذا آمن بنوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح ، كما أنّ امرأة لوط دلّت على أضيافه ) .

وعلى كلّ حال فقد شاركت هذه الزوجات الاَربع في إذاعة أسرار أزواجهنّ ، و بذلك صرن نموذجاً بارزاً للخيانة . و قد كنَّ يتصورنّ انّ صلتهن بالرسل تحول دون عذاب الله ، ولم يقفن على أنّ مجرد الصلة لا تنفع مالم يكن هناك إيمان و عمل صالح ، قال سبحانه: ( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَومَئِذٍ ) ، (3) ، و قال سبحانه مخاطباً بني آدم : ( يا بَنِى آدَمَ إمّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) . (4)

و من هنا تقف على أنّ صحبة الرسول ، لاتنفع مالم يضم إليه إيمان خالص و عمل صالح ، فلا تكون مجالسة الرسول دليلاً على العدالة و لا على النجاة ، و أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) أمام الله سبحانه كالتابعين يحكم عليهم بما يحكم على التابعين ، فكما أنّ الصنف الثاني بين صالح و طالح ، فهكذا الصحابة بين صالح و طالح .

 

---------------------------------------------------------------------------------------

الهوامش

1 ـ التحريم:10.

2 ـ التحريم:3.

3ـ الموَمنون:101.

4ـ الاَعراف:35.

التحريم


التمثيل الرابع و الخمسون : لقمان الحکيم

التمثيل الثالث و الخمسون : لقمان الحکيم

التمثيل الثاني و الخمسون : لقمان الحکيم

التمثيل الواحد و الخمسون : لقمان الحکيم

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)