التمثيل الثاني و الخمسون : لقمان الحکيم
( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ ، إِذْ قَالَ للاِنْسانِ اكْفُرْ ، فَلَمَّا كَفَرَ ، قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنكَ إِنّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ )، (1)
تفسير الآية
هذه الآية أيضاً ناظرة إلى قصة بني النضير، فلمّا تآمروا على النبي (صلى الله عليه وآله و سلم ) أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بالجلاء، ولكنّ المنافقين وعدوهم بالنصر، فقالوا لهم: ( لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم ، ولا نطيع فيكم أحداً أبداً ، و إن قوتلتم لننصرنكم ) .
ولكن كان ذلك الوعد كاذباً، ولذلك يقول سبحانه: ( والله يشهد انّهم لكاذبون ) وآية كذبهم : ( لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لاَ يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الاََدْبارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُون ) ، (2)
و لقد صدق الخبر الخبر ، فأجلاهم الرسول بقوة و شدة، فما ظهر منهم أي نصر و موَازرة و دعم، فكان وعدهم كوعد الشيطان، إذ قال للاِنسان أكفر فلمّا كفر قال ، إنّي بريء منك إنّي أخاف الله ربّ العالمين ، بمعنى انّه أمره بالكفر ، ولكنّه تبرّأ منه في النهاية.
و هل المخاطب في قوله: "اكفر" مطلق الاِنسان الذي ينخدع بأحابيل الشيطان و وعوده الكاذبة ، ثمّ يتركه و يتبرّأ منه، أو المراد شخص معين؟ وجهان.
فلو قلنا بالثاني، فقد وعد الشيطان قريشاً بالنصر في غزوة بدر، كما يحكي عنه سبحانه، و يقول ( وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ، وَ قالَ لاَ غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ ، وَ إِنّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ ، وَ قَالَ إِنّي بَرِىءٌ مِنْكُمْ ،إِنّي أَرى ما لاَ تَرَوْنَ ، إِنّي أَخافُ اللهَ وَ اللهُ شَدِيدُ العِقابِ ) ، (3)
و هناك قول ثالث، و هو انّ الشيطان وعد عابداً من بني إسرائيل اسمه برصيصا ، حيث انخدع بالشيطان و كفر، و في اللحظات الحاسمة تبرّأ الشيطان منه ، ذكر المفسرون انّ برصيصا عبد الله زماناً من الدهر ، حتى كان يوَتى بالمجانين يداويهم ، و يعوّذهم ، فيبرأون على يده، و انّه أُتِي بامرأة في شرف قد جنّت ، و كان لها إخوة فأتوه بها، فكانت عنده، فلم يزل به الشيطان يزيّن له حتى وقع عليها، فحملت، فلمّا استبان حملها قتلها و دفنها، فلمّا فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها ، فأخبره بالذي فعل الراهب ، و انّه دفنها في مكان كذا، ثمّ أتى بقية إخوتها رجلاً رجلاً فذكر ذلك له، فجعل الرجل يلقى أخاه، فيقول: و الله لقد أتاني آت فذكر لي شيئاً يكبر عليّ ذكره، فذكر بعضهم لبعض ، حتى بلغ ذلك ملكهم، فسار الملك و الناس ، فاستنزلوه فأقرّ لهم بالذي فعل، فأمر به فصلب، فلمّا رفع على خشبته تمثّل له الشيطان، فقال: أنا الذي ألقيتك في هذا، فهل أنت مطيعي فيما أقول لك، أُخلصك مما أنت فيه؟ قال : نعم، قال: اسجد لي سجدة واحدة، فقال: كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة، فقال: اكتفي منك بالاِيماء فأُوحى له بالسجود، فكفر بالله ، و قتل الرجل ، (4)
-------------------------------------------------------------------------------
الهوامش
1 ـ الحشر:16.
2 ـ الحشر:12.
3- الاَنفال: 48.
4- مجمع البيان:5|265.
التمثيل الواحد و الخمسون : لقمان الحکيم
التمثيل الخمسون :لقمان حکيم
التمثيل التاسع و الاَربعون : لقمان الحکيم
التمثيل الثامن والاَربعون : لقمان الحکيم