• عدد المراجعات :
  • 1408
  • 11/26/2007
  • تاريخ :

المراد من الإستطاعة
الحج

إذا عرفت ذلك فنقول : المراد من الإستطاعة المذكورة في الآية الشريفة للحج ولكل فعل من الأفعال هل هو كون الفعل متأتياً من الشخص عرفاً وبالسهولة العرفية وكان السبيل إليه مستطاعاً عرفاً بحيث يتأتى منه بدون المشقة سواء سمي ذلك بالإستطاعة اللغوية أو العرفية ؟ أو المراد منه القدرة على الفعل ووجود السبيل إليه عند العقل ، بأن كان ممكن التحقق في الخارج عنده ومقدوراً عليه ؟ حتى يكون الإستطاعة مستعملة في القدرة العقلية ، ومعنى أعم من معناها اللغوي والعرفي ، أو الإستطاعة هنا اصطلاح شرعي عرفنا الشارع به في الروايات المفسرة لمعنى الإستطاعة و السبيل ؟

الظاهر عدم كون المراد من الإستطاعة القدرة العقلية ، لاشتراط جميع التكاليف بها عقلا ، وكلام الشارع أولا وبالذات لا يحمل على بيان المدركات العقلية التي يستقل العقل بالحكم بها إلا على سبيل الإخبار ، وظاهر كلامه فيما يرجع إلى التكليف هو الإنشاء وبيان مراداته الخاصة ، مضافاً إلى مخالفة ذلك للمعنى اللغوي .

والدليل على عدم ظهور الآية الشريفة في ذلك أن الخاصة والعامة رووا بطرقهم أنه لما نزلت هذه الآية سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن معنى الإستطاعة والسبيل ، ولو كانت معناها القدرة العقلية المشروط عليها التكاليف أو كانت ظاهرة فيها لما سألوا عنها . فما عن بعض الأعاظم من أن الآية لو لا ما فسرت به ظاهرة في الإستطاعة العقلية وإرشاد إلى حكم العقل بعيد من ظاهرها .

وهكذا ليس المراد من الإستطاعة معنى شرعياً بحتاً و اختراعاً جديداً منه . لأن كون الشخص ذا زاد و راحلة وصحيح الجسم ، مخلى السرب هو الإستطاعة والسبيل المستطاع إلى الحج عرفاً ، ودون ذلك ليس منه عرفا كمن لم يكن له الزاد والراحلة ، أو لم يكن مخلى السرب .

نعم لو كان دون ذلك أيضاً من مصاديق السبيل المستطاع ، والشخص الواجد له مستطيعاً ، يتم القول بتصرف الشارع في المعنى واستعماله لفظ الإستطاعة في أحد مصاديقه .

هذا مضافاً إلى أن الأصل عدم نقل اللفظ عن معناه اللغوي إلى غيره ، فالأقوى كما حققه مثل السيد المرتضى (قدس سره) الذي اعترف أعلام الأدب العربي بتحذقه وإمامته وإمامة أخيه في هذا الفن ، هو الإستطاعة اللغوية العرفية التي لا يكون بها في العمل عند العرف للنوع مشقة وحرج زايد على ما يقتضيه طبع التكليف والفعل .

إلا أنه حيث ربما يقع الترديد والشك في تشخيص بعض مصاديقه العرفية سألوا النبي والأئمة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ عن المعيار والميزان الواضح لتشخيص ذلك وليكون مرجعاً لهم في موارد الشك ، وإلا لولا هذه الأسئلة عنهم (عليهم السلام) لاكتفينا بالقدر المسلم والمتيقن من الإستطاعة ، وهو ماجاء في الروايات . أما في سائر الموارد حيث يكون الشك في التكليف نأخذ بالبراءة هذا كله بحسب الأقوال ، وتفسير الآية الكريمة ،

وأما بحسب الروايات الواردة في ذلك تفسيراً للآية الشريفة ، فمنها ما رواه الكليني عن علي  عن أبيه ،  عن ابن أبي عمير، عن محمد بن يحيى الخثعمي، قال « سأل حفص الكناسي  أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن قول الله عزوجل ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ما يعني بذلك ؟ قال : من كان صحيحاً في بدنه ، مخلى سربه ، له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج ، أو قال : ممن كان له مال ، فقال له حفص الكناسي : فإذا كان صحيحاً في بدنه مخلّى في سربه ، له زاد وراحلة ولم يحج فهو ممن يستطيع الحج ؟ قال : نعم ».

ومنها ما رواه الصدوق (قدس سره) في كتاب التوحيد عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم  عن أبي عبدالله (عليه السلام) « في قوله عزوجل : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)ما يعني بذلك ؟ قال (عليه السلام) : « من كان صحيحاً في بدنه ، مخلى سربه ، له زاد وراحلة ».

ومنها ما رواه الكليني (قدس سره) عن محمد بن أبي عبدالله ، عن موسى بن عمران ، عن الحسين بن يزيد النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « سأله رجل من أهل القدر فقال : يابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني عن قول الله عزوجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) أليس قد جعل الله لهم الاستطاعة ؟ فقال(عليه السلام) : ويحك! إنما يعني بالاستطاعة الزاد والراحلة ، ليس استطاعة البدن ، فقال الرجل : أفليس إذا كان الزاد والراحلة فهو مستطيع للحج ؟ فقال : ويحك ليس كما تظن قد ترى الرجل عنده المال الكثير أكثر من الزاد والراحلة فهو لا يحج حتى يأذن الله تعالى في ذلك».

وهذا الخبر كسابقيه ظاهر، بل صريح في أن الاستطاعة المعتبرة إنما تكون بوجود الزاد والراحلة ، فلا تجب حجة الإسلام بمجرد القدرة على المشي .

وإن نوقش في سنده من جهة وقوع موسى بن عمران النخعي الذي هو من الطبقة السابعة أو الثامنة ، لأن علماء الرجال لم يذكروه لا بمدح ولا قدح ، وكونه من رجال كامل الزيارات لا يكفي في توثيقه ، وإن بنى على ذلك بعض الأعاظم إلا أنه بنفسه أيضاً رجع عن هذا البناء على ما حكي عنه .

ولكن لا خدش في سائر رجال السند ، فإن محمد بن أبي عبدالله على ما حققه اُستاذنا الأعظم (قدس سره) هو محمد بن أبي عبدالله جعفر بن محمد بن عون الأسدي أبو الحسين الكوفي ، شيخ الكليني ، وهو من طبقة الثامنة ، ومن الأعاظم ، وكذا حسين بن يزيد النوفلي ( شيخ موسى بن عمران ) الذي هو من طبقة السادسة ، وشيخه السكوني هو إسماعيل بن أبي زياد السكوني من الخامسة الثقة أيضاً .

وعندي: أن العمل برواية رجل لم يرد ذمه من أحد من الرجاليين ، بعد ما كان الراوي عنه مثل محمد بن أبي عبدالله الذي هو من الأكابر ومن شيوخ الكليني ، وبعد ما اعتمد على روايته الكليني فأخرجها في كتابه يكفي في الاعتماد عليها ، خصوصاً بعد ما كان متنها ومضمونها موافقاً للصحيحتين ( صحيحة الخثعمي وصحيحة هشام ) .

وكيف كان فيستفاد من هذه الأحاديث عدم الاكتفاء بمجرد القدرة ، وأن المعتبر في الاستطاعة الزاد والراحلة التي يعبر عنها بالاستطاعة الشرعية ، سواء كان الشخص محتاجاً إلى الراحلة لعدم قدرته على المشي، أو كونه مشقة عليه ، أو منافياً لشرفه ، أو لا يحتاج إليها ، والظاهر أن هذا هو قول القدماء وجماعة من المتأخرين .

وهذه جملة من الروايات الدالة على اعتبار التمكن من الزاد والراحلة في الاستطاعة المشروط عليها وجوب الحج .

ولكن هنا روايات استدل بها على عدم اعتبار الراحلة فيها ، وهي على أقسام : قسم منها الروايات التي ينتهي سندها إلى أبي بصير ، مثل الرواية الثانية من الباب الحادي عشر من أبواب وجوب الحج من الوسائل ، عن الشيخ (قدس سره) في التهذيبين ، الحسين بن سعيد ،  عن القاسم بن محمد ،  عن علي، عن أبي بصير  قال : « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ؟ ) قال : يخرج ويمشي إن لم يكن عنده ما يركب ، قلت : لا يقدر على المشي ؟ قال : يمشي ويركب ، قلت : لا يقدر على ذلك أعني المشي ؟ قال : يخدم القوم ويخرج معهم » .

وروى في الفقيه نحوه عن علي ، عن أبي بصير فهما رواية واحدة ، وما في تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) ( أبي جعفر (عليه السلام) ) قال : « قلت له : رجل عرض عليه الحج فاستحيى أن يقبله أهو ممن يستطيع الحج ؟ قال : نعم ، مُره فلا يستحيي ، ولو على حمار أبتر ، و إن كان يستطيع أن يمشي بعضاً و يركب بعضاً فليفعل » .

واحتمال كون هذا الحديث وحديث الفقيه والتهذيبين واحداً ليس ببعيد ، لولا أن في النسخة المطبوعة من المصدر ذكر بدل ( أبي عبدالله ) ( أبي جعفر ) (عليهما السلام) . وأما الروايات الواردة في المحاسن والفقيه والتوحيد عن أبي بصير فيأتي الكلام فيها ، وأنها في مسألة اُخرى إنشاء الله تعالى .

وأما الثلاثة الاُولى فمضافاً إلى ضعف سند ما في الفقيه والتهذيبين بعلي بن أبي حمزة البطائني فلم يفت أحد بهما لأنهما دلتا على أن من لا يقدر على المشي يخدم القوم ويخرج معهم .

ورواية العياشي أيضاً مضافاً إلى ضعفها ، موضوعها هو من عرض عليه الحج واستحيى ، ويمكن حملها على من عرض عليه الحج ولم يقبل ففات عنه الحج ، فقال (عليه السلام) : ( مُره . . . ) كما أنه يمكن حملها على أنه يجب عليه القبول وترك الإستحياء ولو كان على حمار أبتر ، إذا كان من حيث القوة البدنية بحيث يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضاً ، وعليه تدخل الرواية في روايات المسألة الاُخرى التي وردت فيها روايات المحاسن والفقيه والتوحيد عن أبي بصير .

وقسم منها ما لا يأبى من استظهار معنى آخر لها غير ما ادعي لها من الظهور في كفاية القدرة على المشي في الإستطاعة ، وذلك مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب ، عن صفوان بن يحيى عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم  قال : « قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ، قال : يكون له ما يحج به ، قلت : فإن عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال : هو ممن يستطيع ( الحج ) ولم يستحي ولو على حمار أجدع أبتر ، قال : فإن كان يستطيع أن يمشي بعضاً أو يركب بعضاً فليفعل » .

وسنده في التهذيبين موسى بن القاسم عن معاوية بن وهب عن صفوان  ، والظاهر أن الصحيح هو نسخة الوسائل ، لأن معاوية بن وهب من ثقات الخامسة ، وصفوان بن يحيى من ثقات الطبقة السادسة ولا يروي من هو في الطبقة المتقدمة (معاوية بن وهب ) عمن هو في الطبقة المتأخرة عنه ( صفوان بن يحيى ) .

وأما رواية موسى بن القاسم الذي هو من كبار السابعة وثقاتهم عن صفوان بن يحيى الذي هو من السادسة فهي على القاعدة .

وأما دلالته فيمكن أن يكون قوله : ( فإن كان يستطيع أن . . . ) بياناً لتكليف من عرض عليه الحج واستحيى وترك القبول ، فإنه يجب عليه أن يحج متسكعا ولو بالمشي بعضاً والركوب بعضاً .

ومثله ما رواه الكليني (قدس سره) عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي  عن أبي عبدالله (عليه السلام) « في قول الله عزوجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) قال : ما السبيل ؟ قال : أن يكون له ما يحج به . قلت : من عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك أهو ممن يستطيع إليه سبيلا ؟ قال : نعم ، ما شأنه يستحيي ؟ ولو يحج على حمار أجدع أبتر فإن كان يطيق أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليحج ». وهذا الحديث فيما استظهرناه من سابقه أظهر منه كما لا يخفى .

وأما ما رواه الشيخ في التهذيب قال : الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « قال الله عزوجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) قال : هذه لمن كان عنده مال وصحة ، وإن كان سوفه للتجارة فلا يسعه، فإن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا هو يجد ما يحج به ، وإن كان دعاه قوم أن يُحجوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا الخروج ولو على حمار أجدع أبتر ، وعن قول الله عزوجل : (ومن كفر ) قال : يعني من ترك » .

فقد وقع مورداً للتقطيع في الوسائل : فأورد صدره في الباب 6 الحديث 1 إلى قوله : « إذا هو يجد ما يحجّ به»، وأخرج ثانياً صدره وذيله في الباب 7 من أبواب وجوب الحج الحديث 2 قال : « قال الله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) :قال : هذه لمن كان عنده مال » ـ إلى أن قال: ـ « وعن قول الله عزوجل : ( ومن كفر )يعني : من ترك ».

وأخرج ثالثاً وسطه في الباب 10 من أبواب وجوب الحج على من بذل له زادٌ وراحلة ولو حماراً . . . الحديث 3 ، قال : « فإن كان دعاه قومٌ أن يحجوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لايسعه إلا أن يخرج ولو على حمار أجدع أبتر ». وهذا وإن لا يدل على ما عنون الباب له إلا أنه يدل على ما نحن بصدده ، وهو أن الرواية شاهدة لما استظهرنا من هذه الروايات ، وللجمع بينها وبين الطائفة الاُولى ، وذلك لأن الإمام (عليه السلام)حكم على من سوف الحج بأنّه إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام، وحكم على من دعاه قومٌ أن يُحجوه فاستحيى فلم يفعل أنه: لا يسعه إلا الخروج ولو على حمار أجدع أبتر .

ثم إنه لا يخفى عليك أن صاحب الوسائل أخرج تمام هذه الرواية مع زيادات عن تفسير العياشي ، عن إبراهيم بن علي ، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، عن الحسن بن محبوب  عن معاوية بن عمار ، وفيه أيضاً « فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا أن يخرج ولو على حمار أجدع أبتر ».

هذا، فقد ظهر من ذلك كله أن هذه الروايات قد وردت في حكم من ترك الحج اختياراً وحياءً بعد ما بذل له ما يحج به واستقر عليه الحج .

وإن بذل له ما يحج به في حال صحة البدن وتخلية السرب ولم يقبل ففات منه الحج فإن في هذه الصورة أيضاً يستقر عليه الحج ، ويكون كمن أسقط نفسه عن الاستطاعة المالية ، وحاله ذلك .

وقد ظهر لك بذلك أنه لا فرق في الحكم بوجوب المشي إذا بذل له ما يحج به بين سنة البذل وما بعدها ، فلا وجه لقول بعض الأعاظم : ( فالحكم المذكور في النص حكم بعد الإستقرار لا حكم السنة الاُولى )، لإمكان استقرار الحج في السنة الاُولى كما ذكرناه .

وأما قوله رحمة الله عليه : ( ولا يخفى أن القائل بعدم اعتبار الراحلة في الاستطاعة وبالاكتفاء بالتمكن من المشي لايلتزم بمدلول هاتين الصحيحتين لأنه حرجي قطعاً وهو منفي في الشريعة المقدسة) .

ففيه أولا: منع كون ذلك حرجياً مطلقاً .

وثانياً: بعد ما تعلق التكليف بأمر حرجي لا ينفى بالحرج لأن ما هو المنفي بالحرج ; التكليف الذي ليس حرجياً بذاته دون ما إذا كان التكليف متعلقاً بأمر حرجي مثل ما نحن فيه .

مضافاً إلى أنه ورد في الحج الذي ليس خالياً عن الحرج في الجملة . ففي مثل هذا التكليف إذا دل الدليل في بعض مصاديقه الحرجية بوجوبه لا ينفى بالحرج .

نعم، الحرج الزائد على طبع الموضوع يكون منفياً بلا حرج لا محالة . والله هو العالم .

بقي الكلام في صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الصدوق في الفقيه والشيخ  عليهما الرحمة في التهذيبين، واللفظ للتهذيبين قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل عليه دين أعليه أن يحج ؟ قال : نعم ، إن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، ولقد كان أكثر من حج مع النبي (صلى الله عليه وآله)مشاة، ولقد مرَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكراع الغميم  فشكوا إليه الجهد والعناء ، فقال : شدّوا أزركم واستبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم ». وفي الفقيه قال :« فشكوا إليه الجهد والطاقة والإعياء » ..

والكلام فيها : أن القائل بكفاية القدرة على المشي إما أن يقول بكفايتها مطلقاً ولو كانت بتحمل المشقة والعناء فالرواية تدل عليه ، لأن معنى قوله (عليه السلام) :« واجبة على من أطاق المشي » إن كان من يقدر على المشي بصرف الطاقة وتحمل المشقة والصعوبة فالرواية نص في وجوبها على من لا يقدر على المشي إلا بذلك ، وتدل على وجوبه إذا تمكن من المشي من غير كلفة وإعياء بالأولوية القطعية ، وهذا كما قيل في تفسير قوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )يعني، يقدرون عليه بالتكلف والمشقة كالشيخ والشيخة .

ويمكن أن يؤيد ذلك ـ أي كون الحديث ظاهراً في كفاية التمكن من المشي بالمشقة والعناء ـ استشهاد الإمام (عليه السلام) بُمشاة شكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)الجهد والعناء .

إلا أن الظاهر أنه لم يقل أحد بكفاية هذا المقدار من القدرة في حصول الاستطاعة المشروط وجوب حجة الإسلام بها ، حتى بالنسبة إلى القريب فضلا عن البعيد ، فلابد على هذا من رفع اليد عن هذا الظاهر .

وإما أن يقول : معنى قوله (عليه السلام) : « واجبة على من أطاق المشي » واجبة على من يقدر على المشي حتى يشمل القادر على المشي بدون التكلف والقادر عليه بالتكلف ، فيقيد إطلاقه باليقين بعدم وجوبه إذا كان المشي بالتكلف والعناء .

ففيه : أن ذلك ينافي استشهاد الإمام (عليه السلام) بمشاة شكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)الجهد والعناء ، فاستظهار كفاية القدرة على المشي الذي لا كلفة ولا عناء فيه من الصحيحة في غاية الإشكال ، بل يحكم عليها بالإجمال، أو تُحمل على بعض المحامل ، مثل أن حجة الإسلام واجبة على من يتكلف المشي ويمشي بالمشقة في منزله إذا كان له الراحلة فمثل هذا الضعف البدني لا يمنع عن حجة الإسلام لعدم دخل ذلك في الإستطاعة التي فسرت بالزاد والراحلة ، والقدرة على المشي وعدمه سيان في حصولها إذ هو متمكن من الركوب على الراحلة .

وأما بيان حال المشاة الذين كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلعله لم يكن للإستشهاد على هذا المعنى بل لدفع أن يتوهم أحد أن المشي بالمشقة مانع عن صحة وقوع الحج مطلقاً ولو بالراحلة ، حتى يكون مرجوحاً بالزاد لأنه لاينفك عن الجهد والعناء غالباً كالذين كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) .


الاستطاعة الزمانية

من كان متمكناً من اكتساب المال في الطريق

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)