ابو الاسود الدؤلی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ابو الاسود الدؤلی - نسخه متنی

هاشم محمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




وسعيد الافغاني يؤيد احمد امين في رايه هذا فيقول : ((ولعل الاستاذ ـ اي احمد امين ـ لم يكن بعيدا من الصواب حين روى هذا الخبر فعلق عليه ما يلي )) ((241)) , ثم يذكر حديث احمد امين السابق .


وهـذا الـراي يـتـبـناه ايضا ابراهيم مصطفى فيقول : ((ولكننا لانستطيع ان نتقبل ذلك ـ اي وضع
الامـام (ع ) لـلـنحو ـ بيسر, ولا ان نستسيغ ان هذا الزمن المبكر قد تمكن فيه العرب من الاشتغال
بـالـعـلوم ووضع القواعد على هذا الوجه الذي نراه في كتب العربية , وقد انكرذلك المستشرقون
وعدوه حديث خرافة )) ((242)) .


ويـقول عبدالكريم الدجيلي : ((وفي وسعنا ان نقول : ان طبيعة العرب في صدر القرن الاول للهجرة
لـم تـكن طبيعة تقسيم وتبويب وتعريف للجزئيات والاقسام والفصول , ولايقع في تفكير هذا الطبع
الساذج ذلك الجدل النحوي ولاتلك المماحكات , وانما هو طبع بسيطينظر للامور عامتها لاخاصتها,
وكلياتها لا جزئياتها, وهذا القول يتناسب وما ورد الينامن التراث الثقافي لذلك العصر كتفسير بعض
الايـات )) ((243)) , واعـتـرض الـدكـتـور الـدجـيلي بهذا الاعتراض على نسبة وضع النحو
للامام (ع ) ((244)) .


اذا فـالـمعاصرون يستبعدون هذه النسبة ـ نسبة وضع النحو للامام (ع ) او لابي الاسودالدؤلي -:
((لـقـرب الـعـرب فـي عـصر ابي الاسود من غضاضة البداوة , اذ لابد من وضع قواعد العلوم من
مدارسة واصطلاح لم تهيا لها عقول العرب بعد)) ((245)) .


2 ـ التاثـر بالثقافات الاجنبية :
وهذا الاعتراض لايقل اهمية عن الاعتراض الاول , بل يرتبط به ارتباطا وثيقا, فيقول المعارضون :
((ان ما جاء في التحديدات والتقسيمات من طبيعة منطقية او فلسفية لم تكن تتناسب والعقلية العربية
فـي ذلـك الـزمـن , وانما وقع بعد نقل الفلسفة والمنطق اليوناني الى العربية , وتغلغل ذلك في علوم
العربية والعلوم الاسلامية )) ((246)) , ويذهب لهذا الراي الكثير من المستشرقين والمتاخرين .


3 ـ تاريخ التدوين :
وهـنـاك اعتراض آخر يوجه الى تاريخ تدوين هذه الروايات , حيث يذكر انـها متاخرة ,فلم تذكر
آراء نحوية للامام (ع ) او لابي الاسود في الكتب النحوية الاولى ككتاب سيبويه او اي كتاب نحوي
آخـر. يـقول ابراهيم مصطفى : ((ويلاحظ اول ما يلاحظ انـنا لم نجد في كتاب سيبويه , ولا فيما
بعده رايا نحويا نسب الى ابي الاسود, ولا الى طبقتين بعده , فنحن امام حقيقة واضحة اخذت من كتب
النحو, وهي ان اقدم من نسب اليه راي نحوي هوعبداللّه بن ابي اسحاق الحضرمي )) ((247)) .


4 ـ اختلاف الروايات :
في لفظها ومتنها, وفي سبب وضع النحو, وفي واضعه , مما يؤدي الى الشك في الروايات نفسها. يقول
احـمـد امين بعد حديثه السابق : ((ويشهد لهذا ـ اي لرايه في تكذيب الروايات ـ الروايات الكثيرة
المتناقضة في سبب الوضع )) ((248)) .


ويـقـول الـدجيلي : ((وهذه الروايات التي تتنازع واضع النحو, والتي تتباين في سبب وضعه , تبدو
للمتتبع الممحص مختلفة مضطربة لايركن اليها, ولا يطمان الى ما تهدف اليه )) ((249)) .


ويقول فؤاد حنا ترزي : ((وتبدو هذه الروايات مضطربة متناقضة )) ((250)) .


واعترض بمثل هذا الاعتراض الدكتور الدجيلي على نسبة وضع النحوللامام (ع ) ((251)) .


5 ـ التنقيط والنحو:
ويـتـوصـل هؤلاء المعترضون المعاصرون بعد الاعتراضات ـ التي ذكرناها ـ الى ان اباالاسود لم
يـضـع الـنـحو, بمعناه المصطلح الجديد, بل الذي وضعه هو تحريك المصحف الشريف بالنقط, كما
اجمع على ذلك الباحثون من القدامى والمعاصرين , وهذا الذي فعله ابو الاسود قد ظنه القدماء نحوا,
لـذلك نسب اليه وضع النحو, ويكاد يجمع ويتفق على هذه النتيجة كل المعارضين . يقول احمد امين :
((وعـلـى هـذا فـمـن قال : ان ابا الاسود وضع النحو فقد كان يقصد شيئا من هذا, وهو انـه وضع
الاسـاس بـضبط المصحف حتى لايكون فتحة موضع كسرة , ولا ضمة موضع فتحة , فجاء بعده من
اراد ان يفهم النحو على المعنى الدقيق , فاخترع تقسيم الكلمة )) ((252)) .


ويقول الدجيلي : ((فنحو ابي الاسود هو في الواقع تثبيت للنطق العربي حين قراءة القراءات وترتيل
الايات , فهو اذا قد وضع الجذر للنحو العربي فبهذا الراي المنطقي نرفض الروايات )) ((253)) .


ويذهب الى هذا الراي ابراهيم مصطفى ايضا.


واضع النحو الاول
وبعد كل هذه الاعتراضات يحق لنا التساؤل , اذا فمن هو واضع النحو الاول ؟
هنا عدة اجابات للباحثين ـ من القدماء والمعاصرين ـ عن هذا التساؤل :
1 ـ ان الـنحو لم يضعه ابو الاسود, بل وضعه بعض تلاميذه , فبعضهم يذهب الى ان النحوقد وضعه
عـبـدالـرحمن بن هرمز ((254)) تلميذ ابي الاسود, او ابن عاصم ((255)) وهو تلميذه ايضا,
وهناك من يذهب الى ان واضع النحو غيرهما.


2ـ ان الـنـحـو قـد وضـع قـبـل ابـي الاسـود, وينفرد بهذا الراي ابن فارس ـ كما هو رايه في
نشاة العروض ـ فيقول : ((ان هذين العلمين قد كانا قديما واتت عليهما الايام وقلا في ايدي الناس ثم
جدده هذان العلمان )) ((256)) , ويقصد ابا الاسود والخليل .


ولكن هذين الرايين يفقدان عناصر الصحة والسلامة :
فـالـراي الاول لـم يـلتزم به الا بعض قليل من المؤرخين , وبعض هؤلاء الذين التزموا بهذاالراي
اعتبروا الراي الصحيح والرئيس هو وضع ابي الاسود للنحو, ونسبوا رايهم هذا الى كلمة (قيل )
كدليل على ضعفه وقلة شانه .


اما راي ابن فارس , فهو لايعتمد على سند تاريخي اولا, ولايؤيده احد من القدماءوالمعاصرين ـ كما
اعلم ـ ثانيا, وعدم وجود الروايات التي تدعمه .


اذا فـنبقى نحن وهذه الروايات التي تنسب وضع النحو للامام (ع ) او لابي الاسود, لنبحث عن مدى
ثباتها تجاه الاعتراضات الموجهة لها, ومدى توافقها مع الموازين النقدية والعلمية .


مناقشة الاعتراضات
المناقشة العامة :
وقبل ان نناقش كل اعتراض من الاعتراضات بصورة مستقلة , يجدر بنا ان نقول ان بعض المعاصرين
نـاقـش هـذه الاعتراضات بصورة عامة , يقول كمال ابراهيم عن اعتراضات المعارضين : وهذه كلها
اقاويل واجتهادات لاتقوم على سند يعتد به ,والروايات التي هي اقرب الى عهد الوضع هي الاحرى
بالاخذ والثقة بها ((257)) .


ويـستغرب الطنطاوي من مثل هذا التشكيك والتكذيب من المعاصرين في نسبة النحوللامام (ع ) او
لابـي الاسـود فـيـقول : ((فمن الغريب بعدئذ ان يستنكر المستشرقون هذه النسبة المتواطا عليها
قديما وحديثا)) ((258)) .


فـهـذه الاعـتـراضات , هي اقرب الى الفروض التي لم تبلغ مستوى الجزم العلمي في مقابل التواتر
والاجـمـاع الـذي بلغ مستوى الجزم العلمي , فهي اقرب الى السفسطة في مقابل الواقع الراهن ومن
قـبـيل الاجتهادات في مقابل النص , فمع وجود هذه الروايات والنصوص الكثيرة واجماع القدماء ـ
الـمـقـاربـيـن فـي زمـانـهم لزمان ابي الاسود ـ على وضعه للنحو فلا مجال لكل هذه الاجتهادات
والافتراضات والسفسطات , والاعتراضات المشككة لوضع ابي الاسود للنحو حتى لو تلبست بلباس
البحث العلمي .


مع الاعتراض الاول
علم الامام المعصوم :
الاعـتـراض الاول يدفعنا الى الخوض في بحوث عقائدية كلامية تدور حول علم الامام المعصوم ,
وحـول الامـام علي (ع ) حيث يطفح ((نهج البلاغة )) بمثل هذه التقسيمات والمصطلحات والافكار
الـمـنـطـقـيـة والفلسفية وغيرها من المعارف السامية التي لم تفتض اسرارها ولم تكشف رموزها
وكـنـوزهـا الا بـعد مرور مراحل زمنية طويلة , بعد ارتقاءالفكر البشري وثراء معلوماته , وربما
ستمر اجيال طويلة بعد ذلك ولا يتوصل الى عمق اسرارها ومعطياتها الزاخرة .


والـمـلاحـظ فـي هـذا الـمـجـال ان الـشـبـهـات والاعتراضات التي يثيرها البعض حول نسبة
الـنحوللامام (ع ) او نسبة التقسيم الثلاثي وتعريفاته تشابه الشبهات التي اثارها البعض حول ((نهج
البلاغة )) ومدى صحة نسبته للامام (ع ) حيث يزخر ببعض التقسيمات والتعريفات والمصطلحات
والافكار التي لايمكن ان تنشا في تلك الفترة الزمنية البدائية من حيث الوعي والثقافة .


ولـسنا هنا ـ في هذه الدراسة ـ في مجال البحث عن ((نهج البلاغة )) وصحة نسبته للامام (ع )فان
لـهـذا الموضوع مجالا آخر, ولكن نشير هنا بايجاز الى ملاحظة عابرة , ونترك التوسع للدراسات
الاخرى التي كتبت حول هذه القضية .


هـناك بعض الشبهات والشكوك التي اثارها بعض القدماء والمعاصرين حول ((نهج البلاغة )) ومدى
صـحـة نـسـبـته للامام (ع ) كله او بعضه , وانه في الواقع ـ حسب راي هؤلاءـ من تاليف الشريف
الرضي نفسه , ومن هؤلاء الكثير من العرب والمستشرقين , ولعل رايهم في هذا المجال يشابه رايهم
في وضع النحو العربي , وبعض ادلتهم متشابهة .


فمن المشككين القدامى ابن خلكان , ولعله اول من بذر بذور التشكيك حول ((نهج البلاغة )), وتبعه
الـصـفـدي فـي ((الـوافـي بالوفيات )), وابن تيمية في منهاج السنة النبوية ,واليافعي في ((مرآة
الـجـنـان )), والذهبي في ((ميزان الاعتدال )), وابن حجر في ((لسان الميزان )), و غيرهم من
القدامى .


ومـن الـمـعـتـرضـيـن الـمـعاصرين احمد امين في ((فجر الاسلام )), وشوقي ضيف في كتابه
((الـفـن ومـذاهـبـه في الادب العربي )), ومحمد سيد كيلاني في كتابه ((اثر التشيع في الادب
الـعـربـي )),وجرجي زيدان في كتابه ((آداب اللغة العربية )) ومحمد كرد علي في ((الاسلام
والحضارة العربية )) واحمد حسن الزيات في ((تاريخ الادب العربي )) وغيرهم .


وقد تصدى لمناقشتهم جماعة من الباحثين , وخاصة الباحثين الشيعة امثال الشيخ هادي كاشف الغطاء
فـي كـتـابـه ((مـدارك نـهـج الـبلاغة )), والسيد هبة الدين الشهرستاني في كتابه ((ما هو نهج
الـبـلاغـة )), والـشـيـخ الامـيني في كتابه ((الغدير)), والسيد عبدالزهراء الخطيب في كتابه
((مـصـادر نـهـج البلاغة )) والاستاذ امتياز عليخان العرشي في كتابه ((استناد نهج البلاغة )),
والشيخ عبداللّه نعمة في كتابه ((مصادر نهج البلاغة )) وغيرهم .


ولسنا في مجال الحديث عن الشبهات التي اثيرت حول نهج البلاغة , ومناقشتها, فان هذه الكتب القيمة
قـامـت بـهذه المهمة خير قيام , وناقشت هذه الشبهات بروح علمية موضوعية , وفندتها بقوة , ويلزم
عـلـى القارى مراجعتها من اجل التعرف على واقع الشبهات التي اثيرت حول وضع النحو, والجواب
عـنـهـا, لـيـعرف ان بعض الافراد الذين اعترضوا على وضع الامام (ع ) او ابي الاسود للنحو, هم
انفسهم اعترضوا على نسبة نهج البلاغة للامام (ع ), امثال احمد امين , والاهداف والشبهات متشابهة ,
كـمـا ان الاجـوبة متشابهة , وحين نراجع كتاب ((مصادر نهج البلاغة )) نلاحظ ان الشبهات التي
اثيرت حول نهج البلاغة تشابه كثيرا الشبهات حول وضع النحو, كما انه من الاجوبة التي ذكرت في
هـذا الـكـتـاب وغـيره لهذه الشبهات يظهر الجواب عن الكثير من الشبهات التي اثيرت حول وضع
النحو. ونشير هنا الى بعض الشبهات التي اثيرت حول نسبة نهج البلاغة للامام (ع ) والاجوبة التي
اجيب بها عليها مما له علاقة من بعيد او قريب بالشبهات حول وضع النحو.


مـنها: ان كثيرا من خطب النهج قد اشتمل على علوم لم تعرف الا بعد زمن علي (ع ) على ايدي علماء
الـكـلام , ولـم يعرفها المجتمع الاسلامي في عصر الامام علي (ع ) كدقائق علم التوحيد, وابحاث
الرؤية , والعدل وكلام الخالق , وتنزهه سبحانه عن مشابهته المخلوقات .


وقـد اجـاب عن هذا الاعتراض , الشيخ عبداللّه نعمة باجوبة تسلط الضوء ايضا حول مشكلة وضع
النحو نشير هنا بايجاز الى بعضها:
1 ـ ان جذور علم الكلام الرئيسية قد ظهرت لدى المسلمين منذ نزول القرآن الكريم ,حيث يستدل
على وجود الخالق بايات شريفة , وكذلك يستدل على عدم الشريك ونفي الرؤية والظلم عنه , واثبات
الـعدل له , ونفي الجسمية , وغيرها بكثير من الايات التي عرضت للاصول الاولى لعلم الكلام , وانك
لاتـجـد رايـا لعلماء الفرق الاسلامية واصحاب المذاهب الكلامية , كالجبرية والقدرية والمرجئة ,
والجهمية والشيعة , والخوارج الا وله مستند من الكتاب العزيز.


2 ـ يضاف لخصائص الامام ومواهبه التي تجاوز بها عصره , انه كان متفاعلا مع القرآن ,قد استحال
في روحه , بحيث لانجد له نظيرا بين الصحابة , تشير لذلك افعاله واقواله ,واقوال العلماء في حقه ,
وقـد كـانت الفترة التي عاشها بعد وفاة الرسول (ص ) الى ان بويع بالخلافة , قد واتته الفرصة فيها
لـبـيان كل ما اثر عنه من معاني التوحيد وما الى ذلك من القضايا الاسلامية التي عرفت بعد ذلك بعلم
الكلام , حيث عكف في هذه الفترة وهولايشغله شي ء فيها على مدارسة القرآن واستيحاء معانيه .


3 ـ ان عصر الامام (ع ) كان عصر انبعاث اسلامي , وبداية يقظة اسلامية , فقد بدات في هذه الفترة ,
وقـبـل ذلك فى عهد الرسول (ص ) ايضا تستيقظ روح التساؤل والبحث في نفوس المسلمين , واشار
لـذلـك الـقـرآن الكريم (ويسالونك عن الروح ) وكتب الحديث تشتمل على الشي ء الكثير من قضايا
الـقـضـاء والـقـدر, والـخير والشر وقضية الخالق وقدرته , وغيرها, على ان الامام سكن العراق
وبخاصة الكوفة , وهو يوم ذاك مهبطالافكار الفارسية والسريانية والكلدانية وبخاصة البصرة التي
كـانـت مـوئل الـديـصـانية والافكار الهندية والمذاهب النسطورية التي عاشت فيها بتاثير مدرسة
جنديشابور, كل ذلك حدا بالامام تلبية لحاجة العصر ان ينحو هذا النحو فى بيان اصول التوحيد, وما
الـيهاتقريرا للعقائد الاسلامية , وتركيزا لدعائمها, وبعد هذا كله ايضا, فليس هناك مايمنع ان يكون
الامـام (ع ) هـو الـذي فتق علم التوحيد وما اليه , وعالج قضاياه بتطوير وشرح ,وعرض لاصوله
الرئيسية كما كان ـ تماما ـ هو الواضع لاصول علم النحو وسواه من العلوم الاسلامية ((259)) .


ومنها: في النهج من الالفاظ المولدة مالم يعرف الا في العصر العباسي , وعلى السنة الكلاميين , وليس
لـهـا اصـل فـي الـلغة العربية كالازل والازلية والكيف والكيفية وغيرهامن الكلمات الجارية لدى
المتكلمين .


وبـعـد ان نـاقـشـهـا, بـاثـبـات ان اصلها عربي , وورودها في كلام الرسول (ص ) قال : ((وكما
سبق الامام (ع ) الى تعابير جديدة لم يعرفها العرب من قبل مثل قوله : (ارعدوا وابرقوا) ومثل (فما
عـدا مـمـا بـدا) فـليكن امثال التعابير بالازل والازلية وسواها مما سبق اليه ايضا بعد ان وردت به
الـروايـة الـصـحيحة عنه , وكما سبق الامام ايضا ـ بما وهبه اللّه من خصائص ـ الى وضع اصول
الـنحو, ووضع اصول التوحيد ـ كما هو مستفيض عنه لدى المؤرخين آفلتكن تلك المعاني الفكرية
والعلمية والكلمات المعبرة عنها التي لم يعرفها العرب في جاهليتهم مما سبق اليه ايضا) ((260)) .


ثم يذكر شواهد على ان الاسلام قد ادى الى انبعاث نهضة وحركة علمية وفكرية بين المسلمين .


واخـيرا يمكن القول : ان قصة الشبهات التي اثيرت حول نسبة (نهج البلاغة ) للامام (ع ),حيث انهم
نـسبوه للشريف الرضي , هذه الاسطورة قد قضي عليها على ايدي بعض الكتاب المؤمنين المخلصين
الـذين قاموا بدراسات واعية وبحوث احصائية اثبتوا من خلالها ان (نهج البلاغة ) لايمكن ان يكون
من انشاء الشريف الرضي , وذلك لوجود اكثرالخطب والاحاديث في مصادر وكتب متقدمة زمنيا على
زمـان الـشـريـف الـرضي وقداشرنا لبعض هذه الكتب فيما سبق . اذن فاذا ثبتت صحة نسبة (نهج
الـبـلاغة ) للامام (ع ),فمن السهل ثبوت نسبة التقسيم الثلاثي او بدايات النحو للامام (ع ), لما في
(نـهـج الـبـلاغـة )من تعريفات وتقسيمات ومصطلحات وافكار عالية المضامين والمعاني تدل على
ابداع وعلى قوى فكرية هائلة .


ونحن نلاحظ ان القرآن الكريم يشتمل على الكثير من التقسيمات والمضامين السامية ,فلايستغرب
صدور مثل هذه التقسيمات والابداعات في تلك الفترة الزمنية من الامام علي (ع ), وهو تلميذ القرآن
الذي عاش مع القرآن الكريم منذ صغره , وكذلك نلاحظوجود التقسيمات والتعاريف والمصطلحات
فـي الاحـاديث النبوية , فلا غرابة ان يتعلم منهامن نشا وعاش في اجوائها وخاصة الامام (ع ) الذي
يملك من القوى الفكرية والعلمية الزاخرة ما يشهد به الجميع , وليس الشيعة وحدهم يعترفون بذلك
بـل هـنـاك احـاديـث وآراء مـن اهل السنة تثبت هذا العلم الواسع والفكر الزاخر للامام علي (ع ),
موجودة في كتبهم وصحاحهم , كل ذلك يدل على ان الامام (ع ) كان يمتلك علما يتميز به عن الاخرين .


ففي كنز العمال (عن علي , قال : علمني رسول اللّه (ص ) الف باب كل باب يفتح الف باب ) ((261)) .


وفـي كنز العمال ايضا (عن علي قال : واللّه مانزلت آية الا وقد علمت فيما نزلت واين نزلت وعلى
من نزلت , ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا طلقا سؤولا) ((262)) .


وفـيـه ايضا (عن ابن مسعود قال : كنت عند النبي (ص ) فسئل عن علي , قال : قسمت الحكمة عشرة
اجزاء, فاعطي علي تسعة اجزاء والناس جزءا واحدا, وعلي اعلم بالواحدمنهم ) ((263)) وروي
مثله في الاستيعاب ((264)) .


وفـي اسد الغابة (عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه (ص ): انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد العلم
فليات بابه ) ((265)) .


وفـي سـنن الترمذي عن رسول اللّه (ص ) انه قال : (انا دار الحكمة وعل بابها) ((266)) وذكر
مثله في كنز العمال ((267)) .


وفـي كـتـاب ينابيع المودة : (عن اميرالمؤمنين (ع ) انه قال : (ان رسول اللّه (ص ) علمني الف باب ,
وكـل باب منها يفتح الف باب , فذلك الف الف باب , حتى علمت ما كان وما يكون الى يوم القيامة , وعلمت
علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب ) ((268)) .


والـمـلاحظ ان البعض من القدامى المعاصرين الذي شكك في نسبة ((نهج البلاغة ))للامام (ع ) قد
ذهب الى صحة نسبة النحو للامام (ع ) او لابي الاسود, ولم يشكك في ذلك مثل ابن حجر, ففي لسان
الـمـيزان شكك في نسبة نهج البلاغة للامام (ع ), واما في كتابه تهذيب التهذيب 12/13 فقد قال عن
ابي الاسود: (هو اول من تكلم في النحو).


وبـعد هذه الملاحظة الموجزة والعابرة , نقول : انا سنترك هذا الجانب العقائدي في دراستنا,ولو ان
الايـمـان به وحده يغني عن عرض الادلة والنقاش , كما آمن به من تعرف على حقيقة الامام (ع ) وما
يـمـلـكـه مـن قـوى ومـعارف , ونبحث عن هذه الواقعة التاريخية من خلال الواقع التاريخي نفسه
والروايات نفسها, ونحاول دراسة هذه الظاهرة على حسب السيرة والطرق والاساليب التي يؤمن بها
المعترضون في نشاة العلوم والمعارف البشرية .


شيوع اللحن ومحاربته
1 ـ انتشار اللحن :
نـحن نعلم ان النحو لم يوضع جزافا وعبثا ـ كما هو الحال في كل ظاهرة جديدة ـ فلا بد من حاجة
مـلـحة لظهورها, وقد قالوا: ((ان الحاجة ام الاختراع )), ولا بد من دوافع ادت الى ابداع النحو,
والا لـو لـم تـوجـد مـثـل هذه الدوافع لما كان هنا تفكير في ابداعه . اجل , انما وضع النحو لاجل
مـواجهة الظروف والاجواء الجديدة التي ظهرت آنذاك والتي اشاعت اللحن على السنة الناس , ولعل
اهـم الاسـباب لذلك هو الاختلاط بين العرب والشعوب الاجنبية الاخرى التي دخلت الاسلام , او
خـضـعـت لـلـحكم الاسلامي وعاشت في بلاد المسلمين , او ارتبط بها المسلمون ببعض العلاقات
التي فرضتها الظروف الجديدة وبايجاز فان هذا الاختلاط بكل صوره واساليبه قد فرضته الظروف
الجديدة التي خلقها انبثاق الاسلام وبعثته وتحركه , ومن طبيعة هذا الاختلاط في الالسنة ان يخلق
الـلـحـن , ولو راجعنا تاريخ اللحن لرايناه قد ظهر حتى في عصر الرسول (ص ), فيقول ابو الطيب
الـحـلـبـي : ((... لان الـلـحن ظهر في كلام الموالي والمتعربين من عهد النبي (ص ) فقد روينا ان
رجلالحن بحضرته فقال : ارشدوا اخاكم )) ((269)) .


وبـعد عصر الرسول (ص ) وبعد ان اتسعت الفتوحات الاسلامية وازدادالاختلاط اخذ اللحن يشيع
تـدريـجيا على الالسنة نتيجة لاتساع اختلاطالعرب مع غيرهم فقد ((كتب كاتب لابي موسى الى
عـمـر (مـن ابـو مـوسى ...),فكتب اليه عمر: سلام عليك , اما بعد, فاضرب كاتبك سوطا واحدا,
واخرعطاءه سنة )) ((270)) .


ويـنـقل ابن قتيبة : ((ان رجلا دخل على زياد فقال : ان ابينا هلك , وان اخيناغصبنا على ميراثنا من
ابانا, فقال زياد: ما ضيعت من نفسك اكثر مما ضاع من مالك )) ((271)) .


وفـي زمان خلافة الامام (ع ) حيث ازدادت رقعة الاختلاط وتوسعت وكثراللحن نتيجة لذلك , لما
دخـل الامـام (ع ) الـعراق , وخصوصا البصرة , وهي المركز الحضاري الذي كثر فيه الاختلاط,
لاحـظ مـدى شـيوع اللحن على الالسنة , فروى ابن الانباري ان الامام (ع ) قال : ((اني تاملت كلام
الناس فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء ـ يعني الاعاجم ـ)) ((272)) .


وكـان ابو الاسود ـ بين آونة واخرى ـ بسبب انتمائه للشيعة وصحبته للامام (ع ) ينقل اليه اخبارا
خـطـيرة عن هذا اللحن , فتنقل عن ابي الاسودالرواية المشهورة التي يصرح فيها بعروض اللحن
على ابنته ((273)) .


فـالـلحن اذا بلغ حدا من الخطر ان دخل بيته , وكان ابو الاسود يحس باللحن ـ شان العرب الفصحاء
آنـذاك ـ كـمـا يـنـقـل الـسـيـرافـي : ((قـال ابـو الاسود الدؤلي :اني لاجد للحن غمرا كغمر
اللحم )) ((274)) .


وهناك حكايات كثيرة تنقل عن شيوع اللحن على الالسنة آنذاك . ويقول محمد بن سلام الجمحي في
طبقات الشعراء ص 39: (وانما قال ذلك ـ اي اسس ابو الاسود النحو ـ حين اضطرب كلام العرب
فـغـلـبـت الـسـلـيـقية , فكان سراة الناس يلحنون فوضع باب الفاعل والمفعول والمضاف وحروف
الجروالرفع والنصب والجزم ).


وفي مقدمة ابن خلدون ص (ع )54 (واول من كتب فيها ـ صناعه النحو ـ ابوالاسود الدؤلي من بني
كـنـانـة , ويقال باشارة علي2 لانه راى تغير الملكة فاشار عليه بحفظها ففزع الى ضبطها بالقوانين
الحاضرة المستقراة ).


2 ـ خطر اللحن :
ونـتيجة لذلك اخذ الامام (ع ) يشعر بخطر اللحن وقد ظهر في هذا المجال عامل جديد, يعتبر اهم
الـعوامل التي دفعت الامام (ع ) الى التفكير في وضع قواعدللغة ـ اي النحو ـ وهو العامل الديني , اي
الاحساس بخطر هذا اللحن على التشريع الاسلامي والقرآن الكريم والاحاديث الشريفة , فان اللحن
فـي الـقـرآن الـكريم له اخطاره الكبيرة في مجال فهم الاحكام الشرعية والتعاليم الاسلامية , حيث
يـؤدي الـلـحن الى غموض معانيه كما يقول ابن خلدون في مجال تاثير اللحن : ((وخشي اهل العلوم
منهم ان تفسد الملكة راسا ويطول العهد بها فينغلق القرآن والحديث على الفهوم )) ((275)) .


ويقول ابو عبداللّه الزنجاني : ((وحدثت عدة حوادث نبهتهم الى النهوض الى صيانة القرآن الذي هو
اساس الدين وحفاظ الاسلام من ان يطرق اللحن عليه )) ((276)) .


وقـد شاع اللحن في قراءة القرآن الكريم آنذاك , فينقل السيرافي ان ابا الاسود((سمع قارئا يقرا:
ان اللّه بـري ء من المشركين ورسوله )) ((277)) بالكسر. وقال ابن الانباري : ((وروي ان سبب
وضـع علي لهذا العلم انه سمع اعرابيا يقرا: لاياكله الا الخاطئين )) ((278)) حيث صرحت هذه
الرواية بان السبب الرئيس في وضع النحو هو السبب الديني , بل ان العامل الديني هو العامل الرئيس
فـي وضـع عـلماء المسلمين لاكثر علومهم ايضا, بل ربما كانت العوامل الاخرى داخلة ضمن العامل
الديني كما صرح بهذا الدافع ابن خلدون وغيره .


اذا فـلاجـل الحفاظ على نصوص القرآن الكريم والاحاديث الشريفة ان تتعرض للتغيير والتبديل ,
ولـسـوء الـفـهـم وعدم القدرة على فهمها, وعدم التمكن من استخراج الاحكام الشرعية والمفاهيم
الاسـلامـية بصورة صحيحة , تحفز الامام (ع ) لوضع النحو, لانه خليفة المسلمين , الذي عليه مهمة
الـحـفاظ على الاسلام والقرآن الكريم لكل الاجيال , ويلاحظ على بعض الباحثين انهم وان اشاروا
الـى الـعـامل الديني في وضع النحو ولكنهم لم يؤكدوا كثيرا على خطورته , ومدى اهتمام القائمين
بـوضـع الـنـحـو بـهـذا العامل حيث كان اقوى الحوافز لهم في معالجة هذه المشكلة , تتضاءل امامه
سائرالعوامل الاخرى .


كـمـا تدل على ذلك الروايات , وربما لا يشعر بعض الباحثين المعاصرين بماكان يشعر به قادتنا من
مشاعر دينية وما كانوا يعيشونه من اجواء اسلامية ,لذلك ربما غفلوا عن واقع الحوافز التي تحرك
قادة الدين في اعمالهم وانشطتهم .


اذن فـنـحـن نـرى ان الـدافـع الـرئيسي للامام (ع ) او ابي الاسود وامثاله من المؤمنين الملتزمين
بـالاسلام , لوضع النحو, هو العامل الديني , واما سائرالعوامل فانها لها تاثيرها في هذا المجال ايضا,
ولـكـن لـيـس لـدرجـة المغالاة والتفوق على الدافع الديني , وبذلك نعترض على بعض الباحثين من
ذكرهم لعوامل اخرى لعملية الوضع , او مغالاتهم في ذلك امثال العامل القومي والسياسي والاجتماعي ,
وما ذكروه من آراء وتصورات لدور هذين العاملين .


وربـما كان الكاتب يعيش مثل هذه التصورات , ويحاول فرضها على الواضعين للنحو, دون ان يعيشها
امـثـال الامـام (ع ) وابـي الاسود, فان الاسلام قد نفخ فيهم الروح الاسلامية , وقضى على التقاليد
والـمبادى الجاهلية ,وكانوا يحاولون بشدة تسيير حياتهم وافكارهم واعمالهم وفق التعاليم والمبادى
الاسـلامـيـة , والـمـلاحـظ ان الاسـلام قد كرم اللغة العربية , وجعلها لغة كتابه وعباداته ونبيه
الـكـريـم (ص ), ولـكن هذه المغالاة بالروح القومية ـ وهي من رواسب الجاهلية , وقد شجع عليها
الـحـكـم الامـوي , كـمـا اعـترف بذلك الباحثون ((279)) ـ لا يقرها الاسلام , ولا يعيشها امثال
الامام (ع ) وابي الاسود, بل يعترفون بها بمقدار اعتراف الاسلام بها, وليس في الاسلام هذه المغالاة
والـتصورات القومية , لانه دين البشر عامة , واحاديث الرسول (ص )وافعاله تدل على هذه الحقيقة ,
وكـذلـك سـيرة المسلمين الملتزمين بالاسلام ,لا امثال حكام بني امية , وغيرهم من الذين لم يدخل
الاسـلام فـي عـمـق روحـهـم , ولـم يـحـاولـوا الالـتـزام بالتعاليم الاسلامية , وتطبيق حياتهم
عـلـيـهـا,والـمـلاحظ ان اكثر الروايات التي وردت في الدافع الذي دفع الامام (ع ) او اباالاسود
لـوضع النحو,يدور حول وقوع اللحن في بعض الايات القرآنية ,وكذلك محاولة ابي الاسود في تنقي
ط الـمـصـحـف , وقد ذكرناها خلال هذه الدراسة , كل ذلك يدل على ما ذكرناه , ونحن لا ننكر سائر
الـدوافع في الحفاظعلى اللغة العربية , ومحبة الانسان لقومه , ولغته , اضافة الى تكريم الاسلام للغة
الـعـربية وكونها لغة القرآن الكريم , ولكن نعترف بذلك بمقدار اعتراف الاسلام به , ولا نرى ذلك
المبرر لهذا الدافع , وتقديمه على الدافع الديني في هذا المجال .


3 ـ محاربة اللحن :
فـكـان على الامام (ع ) ان يحارب هذا الخطر الجديد باعتباره خليفة المسلمين وامامهم وعلى عاتقه
مـهـمـة الـحفاظ على القرآن الكريم والاحاديث الشريفة من الخطا واللحن , وكان يشاركه في هذا
الـشـعـور ابـو الاسود الذي كان يشعرباللحن ـ كما ذكرنا ذلك في الرواية السابقة ـ وكان يعتبر
الـمستشار في الكثيرمن القضايا اللغوية ـ آنذاك ـ لدى الخلفاء والولاة , وقد تعرف على مدى شيوع
اللحن على الالسنة ومدى خطره الديني واللغوي , وكان الدافع لابي الاسود هو الدافع الديني , لذلك
قـام بـتـنـقـيط المصحف الشريف دون سواه , ولم يتحرك الا حين شعر بالخطا المحدق بالمصحف
الشريف , ولكن هذا العمل آرغم اهميته ـ لا يؤدي هذه الوظيفة بصورة تامة , لذلك اندفع الامام (ع )
وابـوالاسـود الـى التفكير جديا في محاربة هذا الوباء الزاحف ومعالجته , وذلك بوضع النحو الذي
يتكفل بهذه المهمة الخطيرة , فان علم النحو هو الذي يمكنه القضاء على هذا المرض الذي اخذ يشيع
فـي الامـة الاسـلامـيـة , وامـاالـتـنقيط فانه وان كان يشكل جزءا لا ينفصل عن هذه المهمة التي
تـبناهاالامام (ع ) وكلف بها ابا الاسود ـ بعد ما مهد له السبيل ـ ولكنه لا يمكنه معالجة اللحن بصورة
تامة كعلم النحو, كما سنرى ذلك .


وامـا الاعـتـراض بان تلك الفترة ـ عصر الامام (ع ) ـ لم تكن تسمح بظهورمثل هذه المصطلحات
والافـكـار الفلسفية والتقسيمات والتعريفات حيث لم يكن الانسان فيها يملك تلك العقلية المتطورة ,
فيمكن مناقشته بما يلي :
الوضع البدائي للنحو
1 ـ نضوج المستوى الفكري :
نـحـن نـعلم بان ظهور الاسلام قد ادى الى نضوج المستوى الفكري العام عندالناس , وخاصة طبقة
الـمـفـكرين والمثقفين , حيث حمل الاسلام الى البشرمفاهيم وتصورات جديدة في مختلف مجالات
الـحـيـاة , بـل ان الانسان في عصر البعثة كان قد بلغ مستوى من الوعي والادراك ارقى ممن سبقه ,
لـذلـك كانت معجزة النبي (ص ) معجزة فكرية وهي القرآن الكريم , بينما معجزات الانبياء السابقين
كـانـت حسية , وهذا ما يدل على ارتقاء الوعي عندالانسان المعاصر لبعثة الاسلام , بالاضافة الى ما
حـمـلـه الـقـرآن الـكـريـم والـنبي (ص ) الى البشر من مفاهيم ومعلومات جديدة وتصورات في
مختلف مجالات الكون والحياة , فرفع من وعيهم وزودهم بكثير من المعلومات ,بالاضافة الى اختلاط
الـمـسلمين بغيرهم من الشعوب والثقافات . هذه الاسباب وغيرها ادت الى ارتفاع مستواهم الفكري
والـثقافي , وفي تلك المرحلة بالخصوص ظهرت بدايات حركة علمية تعتمد التفكير الواعي في فهم
مختلف المجالات ـ وخاصة الثقافية ـ ولو ان ما صنعوه وفهموه لا يرتفع في مستواه الفكري والثقافي
والعلمي الى ما نراه اليوم في نفس تلك المجالات .


ومـن هـنـا نـرى بـعـض احـاديث المسلمين آنذاك وافكارهم ومفاهيمهم اسمى بكثير من احاديث
الجاهليين , بل احاديثهم انفسهم قبل انتمائهم للاسلام ,وظهر بعض الرجال الذين بلغوا مستوى علميا
رفيعا امثال عبداللّه ابن عباس وغيره ـ كما نلاحظ احاديثهم في كتب التاريخ والادب والفقه وغيرها
ـ كل ذلك للزخم الجديد الذي نفخه الاسلام في اذهان المسلمين وقلوبهم , وهذا ما لا يمكن ان ينكره
الا من اعمى الشيطان بصيرته .


هـل يـمـكـن لـنا ان ننكر تاثير الاسلام وتاثير القرآن الكريم وتاثير الاحاديث النبوية في نفوس
الـمـسلمين ؟ ان المسلمين آنذاك كانوا يعيشون الاجواءالقرآنية والنبوية الجديدة بكل مشاعرهم ,
وكـانـت الـمـفاهيم الاسلامية تدخل الى قلوبهم لتفعل فيها فعل السحر, وكانوا يتعلمون ويقتبسون
مـنـهاطريق حياتهم , وكان النبي (ص ) هو القدوة والاسوة لهم , والقرآن الكريم والاحاديث النبوية
وكـذلـك نهج البلاغة حافلة بالاصطلاحات الجديدة والتقسيمات والتفريعات والتعريفات والافكار
الـفـلسفية والمنطقية . سواء في المجال التشريعي او العقائدي او الاخلاقي , وغيرها من المجالات
التي وضع لهاالاسلام تعاليم واحكاما من اجل اسعاد الفرد والمجتمع في الدنيا والاخرة .


الـم يـتـعـلـم الـمسلمون منها طريقة التفكير والاستدلال والمعرفة وخاصة اولئك الافراد الذين
يتميزون بالفكر والوعي والثقافة ؟ الا نفرق بين الانسان قبل الاسلام وبعده ؟ وهل يمكن لنا ان ننكر تاثير القرآن الكريم والاحاديث النبوية في المسلمين ؟ وهل يمكن لنا ان ننكر وجود المفاهيم الجديدة ؟ ان مـن يـنـكر هذه الحقيقة الملموسة , فهو لا ينكر دور الاسلام فحسب , بل انه ينكر ايضا حقيقة
واضحة وواقعا تشهد له كل الشواهد الحية .


وبـعد كل ذلك فليس عجيبا ان تظهر من بعض المسلمين المتميزين بالفكروالثقافة بعض الابداعات
والتقسيمات الجديدة نتيجة لتاثير المرحلة القرآنية والاسلامية الجديدة وما خلقته في المسلمين من
مـعـطـيـات فـكـريـة وثـقافية .وقد اشرنا لهذه الفكرة حين البحث عن الشبهات التي اثيرت حول
نهج البلاغة .


ولـعـلـنـا ـ مـن هنا ـ نستطيع ان نلمح الهدف البعيد الذي تهدف اليه امثال دائرة المعارف الاسلامية
وبـعـض الـمستشرقين والسائرين على خطاهم من انكارهذه النسبة , حيث كانوا يهدفون الى عدم
تـاثير الاسلام في تكوين الوعي الجديد بين المسلمين , والى عدم تمكن المسلم باستقلاله على ابداع
فـن جـديـد, وان كـل ما يبدعه المسلم فهو مقتبس من ثقافات اخرى , بل ربما الى التشكيك في اصل
الـقـرآن الكريم والاحاديث النبوية حيث تشتمل على مثل هذه التقسيمات والتعريفات , وان عصرها
عـصـر بـداوة لا يـمكن ان تظهرفيه تلك التقسيمات الى غيرها من اهداف جهنمية , لا يستهدفون
منهاالتشكيك بالتشيع فحسب , بل بالاسلام كله .


2 ـ بدائية النحو:
نـحـن نـعلم ان بداية كل علم او فكرة تبدا بهذه الصورة البدائية التي تتجه للكليات والمسائل العامة
كـتقسيم الكلمة مثلا, ثم تتوسع وتتفرع لتتضمن المسائل الجزئية والتفريعات والابواب والفصول ,
كـمـا صرح بهذه الحقيقة الدجيلي فيما نقلناه عنه سابقا ((280)) , وهذه الحقيقة يقر بها احمد امين
في بداية كتابه ((ضحى الاسلام )) فهو يقول حول العصر الاسلامي الاول : ((ورايناالمسائل تبحث
بـنظر ادق )) ((281)) , وهو يعترف بالتفاوت الفكري بين الانسان الجاهلي والاسلامي , ويعترف
بـانـتـقـال الـعـلوم النقلية ـ من علوم دينية ولغوية ـ الى العصر العباسي , اي انها كانت موجودة ولو
بـصـورة بدائية , اي بشكل ((مسائل جزئية مبعثرة )) ((282)) , وهو يعترف بان هناك ((عوامل
شخصية اثرت في العلم لو لم تحدث لاخرت مسير العلم بعض الزمن )) ((283)) ويقصد من ذلك
الحاجة , ونفسرها نحن بالحاجة الدينية . اذافكل هذه الاسباب والدوافع والمسائل يعترف بها احمد
امين , ثم ينكر وجودالنحو ولو بصورته البدائية التي استدعت ظهوره الحاجة الملحة , والتي كانت ـ
تلك الصورة البدائية ـ على شكل كليات ومسائل عامة , وربما غائمة في بعض مسائلها وليست عميقة
الفكرة وليس داخلها ابواب وفصول وتفريعات كما نراها اليوم .


وعندما نقول (الصورة البدائية ) فاننا نعني تلك المجالات التي استدعت وجودها الحاجة , فوضع ابو
الاسـود بـعـض الـمـسائل والابواب النحوية بعد ماراى ان الحاجة تدور حول هذا الباب او ذاك ,
وبـمـقـدار مـا يملكه من ثقافة ووعي وابداع في خلق النواة الاولى لعلم النحو ((فلم يقل احد انها
وضـعـت فـي اول الامر كاملة على الوجه الذي نراه في كتب العربية اليوم , وانما قيل انه وضع بابي
الـمـفـعول والفاعل او باب التعجب او ان واخواتها, الخ , فهو لم يضع النحو كاملا وانما وضع فكرة
ابواب استدعتها الظروف ولا بد ان هذه الابواب التي وضعها وضعت بطريقة عامة مبسطة ليس فيها
مـن الـدقـة والـتـفـريـع ما نراه اليوم في كتب القواعد, فالاعتراض اذا غير قائم لان احدا لم يقل
به )) ((284)) . ولعل ما يؤيد ذلك وضع ابي الاسود لفكرة (التعجب ) فانه واجه حالة حفزته على
الـبـحـث عـن هذه الظاهرة بعد ان وجد وقوع اللحن في مجال التعجب خاصة على لسان ابنته حين
سـالـته : ((ما اشد الحر)) فظنهاتسال , وهي في الواقع تريد التعجب , فهذا المثال ـ والشك حوله ـ
حفز اباالاسود على متابعة هذه الظاهرة , حتى وصل اخيرا الى وضع فكرة بدائية عامة عن التعجب
ـ كما ينقل عنه ـ مهدت الطريق لمن ياتي بعده ليواصل البحث عنها وعن سائر المسائل .


اذا, فـالـنـحـو الـذي وضـعه ابو الاسود كان بدائيا بسيطا, كما هو الحال في بدايات مختلف العلوم
والافكار, والا لتوجه الاعتراض لكل العلوم انهاكيف ولدت في اذهان مخترعيها؟
تقييم ابي الاسود
1 ـ شخصية ابي الاسود الثقافية :
ونـحـن لـو درسنا شخصية ابي الاسود ـ لان شخصية الامام (ع ) فوق البرهان ـ لرايناه باعتراف
الـمـؤرخين والنحاة يملك ثقافة واسعة في مجالي اللغة والفكر, حيث كان مطلعا على لهجات العرب
ولغتها وغريبها وادبها وكان شاعرا غير مكثر, وكان يدرس العربية في البصرة , حيث انصرف اليه
بـعـض طـلا ب الـعربية الذين واصلوا بعده مسيره في تطوير القواعد اللغوية والنحوية والادبية ,
وكـان يـكـلفه بعض الامراء بتعليم ابنائهم , وكان المفزع لهم في معالجة المشاكل اللغوية والنحوية
والـثـقـافـيـة , وقـد تعرضنا الى مجالات ثقافية في ترجمة حياته , لذلك نكتفي الان بهذه الخطوط
الـعـريضة , فالجاحظمثلا يقول : ((ابو الاسود معدود في طبقات من الناس وهو في كلها مقدم ماثور
عنه الفضل في جميعها, كان معدودا في التابعين والفقهاء والشعراءوالمحدثين والاشراف والفرسان
والامراء والدهاة والنحويين والحاضري الجواب والشيعة )) ((285)) .


/ 11