• عدد المراجعات :
  • 7601
  • 3/9/2014
  • تاريخ :

سوره المدثر قصة وتحذير من العذاب

اميد

بسم الله الرحمن الرحيم

(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً(11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً (12)وَبَنِينَ شُهُوداً(13) وَمَهَّدْتُّ لَهُ تَمْهِيداً(14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لاِيَتِنَا عَنِيداً(16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً(17)) سوره المدثر.

في هذه الآيات وما يليها تهديد ووعيد، وقد استفاض النقل أنها نازلة في الوليد بن المغيرة، الذي كان شيخا من دهاة العرب، ومن المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله، اجتمعت إليه قريش فقالوا: يا أبا عبد شمس، ما هذا الذي يقول محمد ؟ أشعر هو أم كهانة ؟ فقال: دعوني أسمع كلامه. فدنا من رسول الله صلى الله عليه وآله بجنب الكعبة، فقال: يا محمد أنشدني من شعرك. فقال صلى الله عليه وآله: ما هو شعر ولكنه كلام الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه ورسله. فقال الوليد: اتل علي منه شيئا.

(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَـعِقَةً مِّثْلَ صَـعِقَةِ عَاد وَثَمُودَ) (1) اقشعر الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته، ومَرّ إلى بيته ولم يرجع إلى قريش، فأرسلوا له ابن أخيه أبا جهل، فقال له: يا عم نكست رۆوسنا وفضحتنا وأشمتت بنا عدونا وصبوت إلى دين محمد. قال الوليد: ما صبوت إلى دينه ولكني سمعت كلاما تقشعر منه الجلود. فقال له أبو جهل: أَخطْبٌ هو ؟ قال: لا إن الخطب كلام متصل وهذا كلام منثور ولا يشبه بعضه بعضا. قال: أفشعر هو ؟ قال: لا، أما إني سمعت أشعار العرب بسيطها ومديدها ورملها ورجزها وما هو بشعر. قال: فما هو ؟ قال: دعني أفكر.

فلما كان من الغد قالوا له: يا أبا عبد شمس، ما تقول فيما قلناه ؟ قال: قولوا: هو سحر فإنه آخذ بقلوب الناس. عندها نزلت ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11))(2).

تتعد الاحتمالات في معنى هذه الآية، وإرادة كل تلك المعاني أمر ممكن، فهي معان متقاربة، وجمعها في كلمات قليلة قصيرة يمثل نوع إعجاز، فالآية تشير إلى التوحيد بحسب أحد معانيها المحتملة، وهو أن اتركني مع من خلقته ولم يشاركني في خلقه أحد، ففيها تذكير للوليد أن خالقه هو الله الواحد، وقريش كانوا يۆمنون بالله لكنهم يشركون معه غيره، والاحتمال الآخر للآية هو أن دعني لوحدي ولا تحل بيني وبين هذا الذي هو أحد خلقي لأعذبه بما عصاني.

أو هي تشير إلى خلق الإنسان ضعيفا في أول أمره ثم يرزقه الله المال والقوة والبنون، فيكون معنى الآية أن اتركني مع مخلوقي الذي خلقته وحيدا ضعيفا لا مال له ولا بنون. وقد تكون الآية فيها نوع استهزاء بالوليد إذ عرف عنه قوله: أنا الوحيد ابن الوحيد، ليس لي في العرب نظير ولا لأبي نظير. كان يفتخر بماله وجاهه، لكنه كيف قضى آخر عمره ؟

ثم تۆكد الآيات أن كل ما تميز به الوليد إنما هي نعم من الله سبحانه وتعالى، حيث كان ذا مال ممدود، أي مبسوط كثير، وكان له بنون حاضرون عنده لا يفارقونه ولا يحتاجون إلى السفر للتجارة مثلا، فهو يأنس بمشاهدة بنيه ويتأيد بهم، وقد مهّد الله له أمور دنياه من الراحة والقوة والجاه.

كل هذه النعم وهو لازال يطمع في الزيادة لما ملئ قلبه من حب الدنيا، مع أنه كافر بنعم الله؛ لم يمتثل لأوامر الله، وعاند آياته، والعنيد هو المخالف مع معرفة، والمباهي بما عنده، وقد قيل أنه ما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك.

أما جزاءه وعقابه فتشبهه الآية بغشيانه عقبة جبل وعرة صعبة الصعود، فالإرهاق هو الغشيان بعنف، والصعود عقبة الجبل التي يشق مصعدها.

(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ(18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(20) ثُمَّ نَظَرَ(21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ(22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)فَقَالَ إِنْ هَـذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُۆْثَرُ(24) إِنْ هَـذَآ إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ(25)). سوره المدثر

التقدير عن تفكير هو نظم معان وأوصاف في الذهن بالتقديم والتأخير والوضع والرفع لاستنتاج غرض مطلوب، والتصميم على تطبيقه. إنه فكر و دبر ما ذا يقول في القرآن، و قدر القول في نفسه: إن قلنا شاعر كذبتنا العرب فما أتى به ليس بشعر، و إن قلنا كاهن لم يصدقونا لأن كلامه لا يشبه كلام الكهان، فنقول ساحر يۆثر ما أتى به عن غيره من السحرة.

(قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُۆْفَكُونَ) (3) .

ثم تبين الآيات حالة عدائه واستكباره وعناده، إذ نظر ليقضي في أمره ليطمئن من استحكامه وانسجامه، ثم عبس أي قطّب وجهه وقبض ملامحه، والبسور بدء التكره في الوجه، هذا ما ظهر على شكله، أما نفسه فقد أدبرت وأعرضت، واستكبرت امتناعا وعتوا، كل ذلك نتيجته المباشرة أن قال: إن هذا إلا سحر يروى ويُتعلم من آثار الماضين.

فَقَالَ إِنْ هَـذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُۆْثَرُ) يفيد أن قوله هذا مترتب على إدباره واستكباره، بعد نظره ثم عبوسه وبسوره.

ثم يۆكد كلامه أنه سحر وليس من كلام الله؛ بقوله أنه من كلام البشر، قال الطبرسي: و لو كان القرآن سحرا أو من كلام البشر كما قاله الملعون لأمكن السحرة أن يأتوا بمثله و لقدر هو و غيره مع فصاحتهم على الإتيان بسورة مثله.

سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(26) وَمَآ أَدْراكَ مَا سَقَرُ(27)) (4).

المصادر:

1ـ سورة فصلت 13.

2ـ هذه القصة مذكورة في عدة تفاسير بفوارق يسيرة: في الميزان ج 20 ص 100، 101، وفي البرهان ج 8 ص 157، 158، وغيرهما. ومما ذكر من قول الوليد لقومه لما سمع آيات سورة فصلت: و الله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس و لا من كلام الجن و إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة و إن أعلاه لمثر و إن أسفله لمغدق و إنه ليعلو و ما يعلى. ثم انصرف إلى منزله. في مجمع البيان ج 10 ص 98.

3ـ سورة التوبة 30.

4ـ راجع الميزان ج 20 ص 93 – 95، والأمثل ج 19 ص 121 – 124، ومجمع البيان ج 10 ص 99.

 


شرائط التأويل الصحيح

معاني التاويل

الفرق بين التفسير والتاويل

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)