• عدد المراجعات :
  • 887
  • 9/6/2009
  • تاريخ :

الجريمه – حدث نادر

الجريمه

رغم كل شيء إن الجريمة حدث نادر ، إنها تتضمن خطر العقوبة ؛ هؤلاء الذين يعانون من الشعور ( بالحرمان النسبي ) ، يمكنهم أن يلجأوا إلى الطقوسية و الانكفاء ، ولديهم كل الفرص ، لأن يفعلوا ذلك إذا اكتسبوا وضعاً اجتماعياً في حده الأدنى ، يخاطرون في خسارته عبر انخراطهم في ( التجديد ) و أخيراً ، ( إن التجديد ) الذي يمثله الانحراف لديه كل الفرص للإجهاض ، إذا لم يصادف ظروفاً مناسبة ، كما تذكر بذلك الطرفة التي أوردها سوترلند .

يرتكب جانحان شابان اختلاساً فتلاحقهم الشرطة، الأول الذي يملك ساقين طويلتين يفر ، وعندما فكر بأنه كان قاب قوسين من السجن تصبب منه العرق البارد ، فتعقل و أصبح مستقيماً ، أما الثاني فقبض عليه و أودع السجن ، حيث يقيم علاقة مع اللصوص و يدشن مهنة جرمية .

إن كتاب اللص المحترف لسوترلند، و هو سيرة ذاتية رائعة عهد بها إلى قلم عالم اجتماع ، يبرز دور ( التجمعات التفاضلية ) أي دور التنظيمات المنتحلة للجانحين في تأكيد طريق الجريمة . يبدأ لص سوترلند ببعض الاختلاسات التي تحدث بالصدفة ، و بمناسبة هذه الاختلاسات ، يلتقي بسارق أكبر منه يدفعه إلى السرقة بواسطة النشل ، إن مردود النشل قليل ، ولكنه يبقى أكثر ربحاً من الاختلاسات المرتكبة فردياً ، فهو يفترض فريقاً مؤلفاً في حده الأدنى من شخصين اثنين ، الاول يسرق الغرض المطموع به و يناوله فوراً إلى الثاني ، و هكذا يكتشف السارق تدريجياً تقنيات سرقة أكثر فأكثر تعقيداً . في الوقت نفسه، يكتشف أن المكافآت ليس فقط المادية ، و إنما الرمزية التي يمكن أن يطمح إليها ترتبط بمدى تعقد العمليات ، و إن الأعمال الجنحية ذات تراتبية اجتماعية في الوسط الذي بدأ بالولوج إليه .

إن سارق البضائع المعروضة عرضة للاعتقال العام ، و النشل ، مع أنه يحتل مكانة أفضل يعتبر من فعل البائسين و العاجزين ، أما السطو الذي يفترض مهارة و تنظيماً و تخطيطاً دقيقاً فينتسب إلى الدرجة العليا من التسلسل ، و قبل أن يقبل تقدمه إلى المستوى الأعلى ؛ يخضع السارق إلى تمرين قاس ، و ربما يتم إسقاطه في الامتحان ، فوضعه و مكافآته يرتبطان بالدرجة التي يكون أهلاً للارتفاع إليها.

إن قصة سوترلند لا تبين فقط دور ( التجمعات التفاضلية ) في إعادة إنتاج الظاهرة الجرمية  إذ يقول : ( إن الجهود القمعية تميل إلى إزالة اللص المحترف ، ولكنها تترك الجهاز بكامله سليماً ) ؛ و هي تؤكد هكذا فرضية مرتون عندما يصبح السارق جانحاً بالصدفة ، يندفع في طريق الحرفة التي يحاول أن يجتاز درجاتها ، و كل درجة يجتازها تمنحه تقدماً في وضعه و اعتباره و سلطته ، إن ( التجمعات التفاضلية ) التي يتحدث عنها سوترلند لا تأخذ مع ذلك دوماً شكلاً ( احترافياً ) ، إن الدراسة الكلاسيكية التي أجراها (W.F.Whyte) حول كورنرفيل ، و هي حي إيطالي في إحدى المدن الأمريكية ، تحلل تفصيلياً العملية التي تتكون بواسطتها ( عصابة المراهقين ) في نظام تحتي مركب ، إن الأفعال الجنحية التي يرتكبونها ، و هي في غالبيتها ليست خطرة ، تسمح لهم بتأمين بعض الموارد ، ولكنها تمنح العصابة بخاصة أغراضاً مشتركة تفترض قراراً و تنظيماً و نظاماً للسلطة ، تتحول العصابة تدريجاً إلى تجمع تسلسلي.

و يفيد نواب الرئيس الفخورون بخدمته ، من السلطة التي يفوّضها لهم ، و الرئيس المهتم بالمحافظة على سلطته ، لا يسلف مالاً إلا لنوابه و بمبالغ صغيرة ، باذلاً جهده لاستعادتها في أقصر فرصة ممكنة ، و يسعى المرؤوسون للحصول على الحظوة لدى المراتب التي يمكنهم انتظار مساندتها ، يتكون النظام التحتي أو ( الثقافة التحتية ) الجانحة انطلاقاً من شعور بالرفض ، و ما أن يتشكل ، حتى يصبح ممكناً البحث عن وضع فيه .

يقدم فيليب روبير استناداً إلى مراقبته لعصابات المراهقين ، ملاحظات مماثلة ، و غالباً جداً ، تأخذ العصابة في البدء شكل التجمع المتنوع الناجم عن ( الشعور بالرفض ، الكامن غالباً ) ، و بمناسبة حدث معين ينبني التجمع ، ( إذا أطلق حجر بشكل سيء فحطم زجاجاً ، يكفي لكي يغطي عدة فتيان رفيقهم الأرعن ، بشهاداتهم الكاذبة ، فقد شددوا من تعاطفهم في موقف دفاعي يخلق التماسك بينهم ) ، و عندما تتشكل العصابة فإنها تمتلك موارد قيمة تجاه أعضائها :

- فهي قادرة على أن تقدم لهم الأمن و الاعتبار ، إن الشرعية التي تولدها تتدعم بالطبع، كون العصابة كلما كانت قوية التشكيل ، كلما عززت الانفصال عن البيئة المحيطة ، و كلما كانت قابلة لأن تستتبع ردود فعل ( مميزة ) ، لنلاحظ مع ذلك ، كما يشير كلو وارد و أوهلن اللذان يكملان مرتون في هذه النقطة ، أن الثقافة التحتية المنحرفة يمكن أن تأخذ إما شكل الثقافة التحتية للعنف ، و إما شكل الثقافة التحتية للإنكفاء ، مثل تلك التي يدرسها على سبيل المثال هـ. بكر في بحثه حول مدخني المارغوانا.


علم الإجرام

جغرافية الجريمة الحضرية

الظاهرة الاجرامية

 نظريات  الجريمة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)