• عدد المراجعات :
  • 2109
  • 11/25/2007
  • تاريخ :

الإحرام بالصبي غير المميز للعمرة المفردة

الحج

وهل يُستحبّ للولي أن يحرم بالصبي غير المميز للعمرة المفردة، أو أن ذلك مختص بالحج ، غاية الأمر أن يقال باستحبابه لمطلق الحج وإن كان حج التمتع ، فيستحب أن يحرم به للعمرة المتمتع بها إلى الحج ؟

مقتضى الأصل الاقتصار على إحرام الحج ، ولكن يمكن أن يستفاد التعميم بالنسبة إلى العمرة المفردة من بعض الأدلة ، وذلك مثل رواية علي بن مهزيار ، عن محمد بن الفضيل قال : « سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام)عن الصبي متى يحرم به ؟ قال : إذا أثغر » يستفاد من ترك استفصال الإمام (عليه السلام) عن نوع الإحرام استحباب الإحرام بالصبي ، حتى بإحرام العمرة المفردة .

إلا أن يقال : موضوع السؤال هو سن الصبي للإحرام ، وأما نوع الإحرام فليس في نظر السائل حتى يستفاد من ترك استفصال الإمام (عليه السلام) التعميم بالنسبة إلى العمرة المفردة .

وخبر أيوب أخي أديم قال : « سئل أبو عبدالله (عليه السلام) من أين يجرد الصبيان؟ فقال: كان أبي يجردهم من فخ»  .

و يرد على الاستدلال بهذه الرواية أيضاً ما ورد على سابقته ، إلا أنه لا بأس بإحرام الصبي بإحرام العمرة المفردة رجاءً .

المراد بولي الصبي

مسألة 10 ـ هل المراد بالولي الذي يستحب له الإحرام بالصبي غير المميز هو خصوص الولي الشرعي ، من الأب والجد الأبي ، والوصي لأحدهما ، والحاكم وأمينه ، ووكيل أحد من المذكورين ، أو أعم منه ومن كل من يتكفل أمره من اُمه وإخوته وأعمامه ، بل وغيرهم من المؤمنين ؟

ربما يستدل لعموم الاستحباب بإطلاق صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مر، ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم ، ويطاف بهم ويرمى عنهم ، ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه » . قيل : إن إطلاقه يشمل الصبيان ، سواء كان معهم أولياؤهم أم لا .وفيه : أن الظاهر من الولي في قوله (عليه السلام) : « ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه » هو الولي الشرعي الذي أحرم به ، ولا يجوز أن يكون الذي أحرم به غير الولي ، ويكون بدل هديه على وليه . مضافاً إلى أن الصحيحة ليست من هذه الجهة في مقام البيان أصلا .

والذي ينبغي أن يقال ـ مضافاً إلى أن مقتضى الأصل عدم الاستحباب ، وعدم مشروعية الإحرام والإحجاج بالصبي غير المميز من غير الولي الشرعي ، فلا يترتب على فعله ما يترتب على إحرام الولي به ـ : إن تصرفات غير الأولياء في الصبي غير المميز ( كما أشرنا إليه ) إذا لم تكن من التصرفات العادية التي لا يرى العرف لكونها تحت ولاية أحد فائدةً ومصلحةً ، بل كانت من التصرفات التي يرى لزوم كونها تحت ولاية وليه ، لما في ذلك من مصلحة المولى عليه ولو في الجملة يجب أن يكون صادراً بإذن الولي ، وبعيد من حكمة الشارع تجويز هذا العمل والحكم باستحبابه مطلقاً ، إذاً فلا يجوز لغير الولي أن يحرم بالصغير ، ولا أثر لإحرامه .

فما أفاده بعض الأعاظم (قدس سره) من عدم اختصاص إحجاج الصبي بالولي الشرعي لعدم استلزامه للتصرف المالي حتى يحتاج إلى الإذن من الولي  منظور فيه . نعم، قد ورد في خصوص الاُم رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : «سمعته يقول : مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) برويثة وهو حاج ، فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها ، فقالت : يا رسول الله أيحج عن مثل هذا ؟ فقال : نعم ولك أجره». ولا بأس بدلالته.

استحباب الإحجاج والإحرام بالصبي:

مسألة 11 ـ استحباب الإحجاج بالصبي غير المميز والإحرام به معناه الإتيان بجميع أفعال الحج ، لامجرد الإحرام به وتركه على حاله .

فما هو المستحب هو جميع تلك الأفعال التي من جملتها الهدي على الولي دون الصبي ; لأن هذا هو القدر المتيقن من استحباب الإحجاج به .

مضافاً إلى أن كونه على مال الصبي خلاف مصلحته الدنيوية التي يجب على الولي رعايتها ، وعلى هذا لو لم يكن الولي قاصداً إعطاء الهدي من ماله لا يصح إحرامه بالصبي ، مثل أن لا يكون قاصداً الطواف به ، أو الرمي عنه ، فمجرد الإحرام به ليس مستحباً .

مضافاً إلى أنه يمكن أن يقال : إذا أحرم به يجب عليه إتمام الحج به ، لقوله تعالى: ( وأتموا الحج والعمرة لله ) .

وعلى كل حال فالهدي على الولي دون الصبي ، فكما أن إحجاج البالغ معناه إعطاء الهدي عنه أيضاً كساير المصارف ، فمعنى إحجاج الصبي أيضاً هو إعطاء المحج الهدي عنه ، هذا هو المتبادر منه .

هذا، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات على ذلك : مثل صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال : « إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبي ويفرض الحج ، فإن لم يحسن أن يلبي لبوا عنه ، ويطاف به ويصلى عنه ، قلت : ليس لهم ما يذبحون ؟ قال : يذبح عن الصغار ويصوم الكبار ، ويتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب والطيب ، وإن قتل صيداً فعلى أبيه » .

وجه الدلالة: أن قول السائل : « ليس لهم ما يذبحون ؟» ظاهر في أنه ليس للذين يحجون به ما يذبحون ، فقال (عليه السلام) : «يذبح عن الصغار ويصوم الكبار» ، فكأن السائل كان يرى أنه لا يجوز الذبح من مال الصغير فسأله عما إذا لم يكن للولي ما يذبح عنه .

فإن قلت : إن الغالب عدم تمكن الطفل من الهدي ، والسؤال منصرف إلى هذه الصورة ، فلا دلالة للحديث على عدم كونه في مال الصبي إذا كان متمكناً .

قلت : الذي يجب إقامة الدليل عليه كون الهدي في مال الصبي ، لأن المتبادر من جواز إحجاجه للولي كون الهدي على الولي ، وما يحتاج إلى الدليل جواز تصرف الولي في مال الصبي بأداء الهدي منه .

مضافاً إلى منع كون الحديث منصرفاً إلى صورة عدم تمكن الصغار من الهدي، بل إطلاق قوله : « ليس لهم ما يذبحون ؟» يشمل صورة تمكن الصغار ، وبترك استفصال الإمام يتم المطلوب ، فلا أثر للانصراف .

ومنها: رواية إسحاق بن عمار ، فإن ظاهر قوله (عليه السلام) : « واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم » أن الكبار الذين أمروا الصغار بالاغتسال والإحرام يجب عليهم الذبح عن الصغار من أموالهم لا من أموال الصغار .

ومنها: ما رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن موسى بن القاسم ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « يصوم عن الصبي وليه إذا لم يجد له هدياً وكان متمتعاً » .

ومنها: ما رواه الصدوق ـ عليه الرحمة ـ بإسناده عن عبد الرحمان بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « الصبي يصوم عنه وليه إذا لم يجد هدياً ».  ومنها غيرها .

هذا، ولكن يمكن أن يقال بدلالة رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مر ، ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم ، ويطاف بهم ويرمى عنهم ، ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه» ، على كون الهدي في مال الصغير دون الولي . فهو معارض لما دل على أنه على الولي . ولذا عقد في الوسائل باباً بهذا العنوان في أبواب الذبح (باب أن الولي إذا حج بالصبي لزمه الذبح عنه إن لم يكن له هدي ، ومع العجز الصوم عنه ) ، فكأنه أفتى بمضمونه ، وجمع بين الروايات بحمل ما يدل على أنه على الولي على صورة عدم كون الصبي موسراً .

ولكن يمكن الخدشة في دلالة قوله (عليه السلام) : « ومن لا يجد الهدي منهم » أولا بمناسبة الحكم والموضوع أن المراد من عدم وجدان الصغير الذي لا مال له غالباً عدم وجدانه في مال الولي ، ومن لا يجد الهدي من الصغير هو الذي لا يجده وليه ، كالصبي الذي لا يجد نفقته فإنه هو الذي لا يجد وليه نفقته .

وهذا نظير الصفة بحال متعلق الموصوف ، فالصبي موسر إذا كان وليه موسراً ، وفقير ومعسر إذا كان وليه معسراً وفقيراً ، وإلا كان المناسب أن يقول : ومن كان معسراً لا يتمكن من الهدي كان هديه على الولي ، وإن لم يكن الولي أيضاً موسراً يصوم عنه .

وبالجملة: حمل قوله (عليه السلام) : « ومن لا يجد الهدي منهم » على من لا يجد الهدي منهم وليه ليس ببعيد .

وثانياً : يمكن أن يكون المراد من قوله (عليه السلام) : « ومن لا يجد الهدي منهم » أن من لا يجد من الأولياء الهدي من الصغار ( لا من مال الصغار ) فليصم عنه وليه .

ومما يدل أيضاً على أن الهدي يكون على الكبار ما رواه الكلينى بإسناده عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخويه علي وداود ، عن حماد ، عن عبد الرحمان بن أعين  قال : « حججنا سنة ومعنا صبيان ، فعزت الأضاحي ، فأصبنا شاة بعد شاة ، فذبحنا لأنفسنا وتركنا صبياننا ، فأتى بكير أباعبدالله (عليه السلام) فسأله فقال : إنما كان ينبغي أن تذبحوا عن الصبيان وتصوموا أنتم عن أنفسكم ، فإذ لم تفعلوا فليصم عن كل صبي منكم وليه » .

فإنه يستفاد منه أن الهدي يكون على الولي ، ولو كان في مال الصبي ولم يجده هو كان المناسب أن يصوم عنه وليه ، لا أن يتكفله من ماله .

كفارة صيد الصبي:

مسألة 12 ـ قد دلت صحيحة زرارة المتقدمة بقوله (عليه السلام) : « وإن قتل صيداً فعلى أبيه » على كون كفارة صيد الصغير الذي حج به على وليه .

ولا يقال : إن ظاهره كونه على أبيه دون غيره من الأولياء .

فإنه يقال : الظاهر أنه لا خصوصية للأب ، غير أنه متكفل لأمر الصغير والحج به ، ولا فرق بينه وبين غيره ممن أحرم به وأمره بالإحرام .

وعلى هذا لا اعتناء بقول من قال: إنه في مال الطفل ، لأن الكفارة من قبيل الإتلاف والضمانات ، لأن ذلك من قبيل الاجتهاد في مقابل النص . مضافاً إلى أن كون الكفارة من قسم الإتلاف والضمانات أول الكلام ، بل وجوبها حكم تكليفي ثبت في مورده ، ولا موجب لثبوته في مال الطفل .

نعم، ما اختاره ابن إدريس من عدم الكفارة لا على الطفل ولا على وليه متَّجِه ، لولا النص الصريح الدال على كونها على الولي ، فعلى كل ذلك الصحيح ما ذهب إليه المشهور من كون كفارة الصيد على وليه .

بقية الكفارات على الولي، أو في مال الصبي ؟

وأما سائر الكفارات مما لا نص على كونها على الولي ولا على الصبي فهل هي على الولي ، أو في مال الصبي ، أو ليس على واحد منهما شيء ؟ لما رواه الشيخ الطوسي (رحمه الله) بإسناده عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « عمد الصبي وخطؤه واحد » .

وما رواه بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن غياث بن كلوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن جعفر، عن أبيه قال (عليهما السلام) : « إن علياً (عليه السلام) كان يقول : عمد الصبيان خطأ ( يحمل على العاقلة ) » .

يعني كما أن الخطأ في موارده يحمل على العاقلة كذلك عمد الصبيان مطلقاً ، سواء كان في باب الديات والجنايات ، أو غيرها كالكفارات حكمه حكم الخطأ في باب الديات يحمل على العاقلة .

فتنزيل عمل الصبيان على الخطأ لا ينحصر على مورد يكون على تقدير صدوره عمداً على الفاعل ، وعلى تقدير صدوره خطأ على العاقلة حتى يقال : إن في باب الكفارات ليس كفارة ما ارتكبه المحرم خطأ على العاقلة ، بل ليس في خطئه كفارة .

وبعبارة اُخرى : الحديث نزل عمد الصبيان منزلة الخطأ الذي حمل على العاقلة ، يعني ما يجب على البالغ إن صدر عن الصبي عمداً يحمل على العاقلة ، وحكمه حكم الخطأ الذي يرتكبه البالغ في باب الديات ويحمل على العاقلة ، وإن لم يكن لخطأ الصبي ولا البالغ في مورد عمد الصبي حكم أصلا . فيكون الفرق بينهما: أن الكفارة التي لم تجعل على الصبي ولا البالغ إذا صدر المحظور منهما خطأ جعلت على البالغ نفسه ، وعلى عاقلة الصبي إذا ارتكباه عمداً .

وهذا الاحتمال وإن كان بالنظر إلى ظاهر الحديث ولكنه مردود بعدم القول في الكفارات بأنها تحملها العاقلة، وعليه تختص الرواية بباب الديات والجنايات .

وأما في مثل قوله في صحيحة محمد بن مسلم : « عمد الصبي وخطؤه واحد » ، فلا يتم الحكم بوحدتهما إلا إذا كان لخطأ الصبي حكم ، حتى يجوز الحكم باتحادهما في الحكم ، فهو أيضاً لا يشمل إلا باب الجنايات والديات .

وقال في الحدائق : ( والمسألة لا تخلو من إشكال لعدم النص في المقام ، فإنّا لم نقف في ذلك إلا على صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على الصيد وأنه تجب كفارته على الأب ، والاحتياط واضح ).

وعن الشيخ (قدس سره) تقوية عدم الكفارة لا على الولي ولا على الصبي، لقوله (عليه السلام) : « عمد الصبي وخطؤه واحد » فإذا لم تتعلق الكفارة بارتكاب محظور على البالغين لا تتعلق بغيرهم إذا ارتكبوه عمداً .

وفيه : أنّ هذا الحديث مربوط بباب الجنايات والديات التي يكون الحكم فيها ثبوت الدية في صورة الخطأ ، وليس المراد به وحدة عمد الصبي وخطؤه مطلقاً ، وإلا يلزم منه عدم بطلان عباداته من الصلاة والصيام بارتكابه عمداً ما لا يفسدها خطأً وسهواً ، مثل الأكل والشرب في الصوم .

وأما رواية إسحاق بن عمار : « عمد الصبيان خطأ يحمل على ( تحمله ) العاقلة» فإنا وإن تكلفنا شمول دلالتها للكفارات أيضاً إلا أنه يؤدي إلى ما لم يفتِ

به أحد ، وهو كون كفارة عمد الصبي على عاقلته ، فالروايتان أجنبيتان عن هذا البحث .

إذاً نبقى نحن وما نقول به في حكم الكفارة ، فإن قلنا بأنه حكم تكليفي صرف ليس على الصبي شيء لرفع قلم التكليف عنه ، ولا على الولي لعدم وجوب منعه من ارتكاب المحظورات بعد ما لم يكن هو مكلفاً بتركه ، وعلى فرض وجوب منعه عنه على الولي فالكفارة لم تشرّع على ترك منعه .

اللهم إلا أن يقال بمناسبة الحكم والموضوع : إن معنى إحرامه بالطفل التزام الولي بحفظه من ارتكاب المحظورات ،ولازم ذلك كون الكفارة على الولي إن ترك ذلك عمداً، فتأمّل .

وإن قلنا : إنه حكم وضعي باشتغال ذمة المحرم بارتكابه المحرمات عمداً وإنه دين عليه ، فالظاهر أنه يكون في مال الطفل ، فالولي يؤديه من ماله .

ولكن يمكن أن يقال : على هذا أيضاً إن إحرام الولي بالطفل يقتضي أن يجتنب به عن المحظورات ، ومقتضى ذلك كون الكفارة عليه دون الصبي إن ترك منعه عنها .

بل يمكن أن يقال : إن القدر المتيقن من مشروعية استحباب الإحرام بغير المميز هو ما إذا ضمن الولي الكفارة منه وجعلها على عهدته إن صدر من الصبي ما يقتضي ذلك .

فعلى هذا لا يبعد القول بكون كفارة ما يرتكبه غير المميز على الولي مطلقاً أو إن ترك منعه عن المحرمات ، ولا بأس بتأييد ذلك بحكم الإمام (عليه السلام) صريحاً في الصيد بأن الكفارة على أبيه بإلغاء الخصوصية ، ودعوى وحدة ملاك كون الكفارة على أبيه في الصيد وغيره فتأمل .

ثم إن هنا رواية رواها في قرب الإسناد الشيخ الجليل المحدث عبدالله بن جعفر الحميري أبو العباس القمي ، من كبار الطبقة الثامنة ، عن عبدالله بن الحسن العلوي ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام) ( قال ) : « وسألته عن الصبيان هل عليهم إحرام ، وهل يتقون ما يتقي الرجال ؟ قال : يحرمون ، وينهون عن الشيء يصنعونه مما لا يصلح للمحرم أن يصنعه ، وليس عليهم فيه شيء » .

ودلالتها على عدم الكفارة على الصبيان إذا ارتكبوا ما يحرم على المحرم ظاهرة لا مجال لإنكارها ، كما أن دلالتها على عدم شيء على الأولياء أيضاً لا بأس بها ، لأنه لو كانت الكفارة عليهم كان المناسب التصريح به لا السكوت عنه ، إذاً فلا شيء على الصبي ولا على الولي بارتكاب الصبي المحظورات إلا في الصيد الذي يخصص بدليل كونه على أبيه هذا الحديث ، ولكن القول بذلك إذا كان وقوع المحظور من الصبي بفعل الولي وإيقاعه به مشكل ، فالأحوط في هذه الصورة أداء الكفارة على الولي .

هذا كله في حكم الصبي غير المميز ، وأما المميز فلا ريب في عدم كون كفارته على الولي ، وكونها على نفسه يدور مدار القول بكون حكم الكفارة وضعياً وديناً على المحرم ، وإلا على القول بالتكليف حيث لا تكليف عليه لا شيء عليه أيضاً ، ولا يترك الاحتياط بأدائه بعد التكليف والبلوغ . والله العالم .

إجزاء حج الصبي لو بلغ وأدرك المشعر

مسألة 13 ـ قد استثنى المشهور من عدم إجزاء حج الصبي عن حجة الإسلام ما لو بلغ وأدرك المشعر فإنه يجزيه عن حجة الإسلام .

قال الشيخ في الخلاف : «مسألة 226 : إحرام الصبي عندنا جائز صحيح ، وإحرام العبد صحيح بلا خلاف » إلى أن قال : « وإن كملا قبل الوقوف تغير إحرام كل واحد منهما بالفرض ، وأجزأه عن حجة الإسلام ،وبه قال الشافي ، وقال أبو حنيفة : الصبي يحتاج إلى تجديد إحرام ، لأن إحرامه لايصح عنده ، والعبد يمضي على إحرامه تطوعاً ولا ينقلب فرضاً ، وقال مالك : الصبي والعبد معاً يمضيان في الحج ويكون تطوعاً . دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم ، فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة ، وهي منصوصة لهم ، وقد ذكرناها ونصوصها في الكتاب المقدم ذكره » .

وقال في المبسوط : « فإن بلغ الصبي أو اُعتق العبد أو رجع إليه العقل قبل أن يفوته المشعر الحرام فوقف بها وأتى بباقي المناسك فإنه يجزيه عن حجة الإسلام ».

وقال العلامة في التذكرة : « وإن بلغ الصبي أو اُعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة معتقاً وفعل باقي الأركان أجزأ عن حجة الإسلام ، وكذا لو بلغ أو اُعتق وهو واقف ، عند علمائنا أجمع » .

وقال في التبصرة : « فلو حج الصبي لم يجزه إلا إذا أدرك أحد الموقفين بالغاً » .

وقال في الإرشاد : « ولو حجا ( الصبي والمجنون ) ندباً ثم كملا قبل المشعر أجزأ » .

وقال في التلخيص : « ولو زال عذر الصبي والمجنون والعبد أجزأهم إن أدركوا أحد الموقفين » .

وقال في القواعد : « ولو أدركا المشعر كاملين أجزأهما » .

وقال الشهيد في الدروس : « ولو بلغ قبل أحد الموقفين صح حجه » .

وقال ابن حمزة في الوسيلة : « فإن بلغ قبل الوقوف بالموقفين أو بأحدهما أجزأ حجه عن حجة الإسلام » ، وهو ظاهر الصهرشتي في الإصباح .

وقال المحقق في الشرايع : « لو دخل الصبي المميز أو المجنون في الحج ندباً ثم كمل كل واحد منهما وأدرك المشعر أجزأ عن حجة الإسلام على تردد » .

وقال الهذلي في الجامع : « فإن اُعتق الرقيق وبلغ الصبي بعد إحرامهما وقبل الوقوف بأحد الموقفين أجزأهما ، والأولى أن لا يجزئ عن الصبي » .

وقال في الحدائق : « وإن كان قبل الوقوف بالمشعر فالمشهور أنه يدرك الحج بذلك ، ويجزئه عن حجة الإسلام ، ذكره الشيخ وأكثر الأصحاب ، ونقل فيه العلامة في التذكرة الإجماع » .

هذا بحسب الأقوال ونقل الإجماع ، ولايخفى عليك أن رد تحقق الإجماع في المسألة لا يتم بما ذكره بعض الأعاظم(4) من ترديد البعض في المسألة، كالمحقق في المعتبر والشرايع ، والعلامة في المنتهى ، فإن ترددهم كان بعد عصر مثل الشيخ المدعي للإجماع .

نعم ، لا بأس في المناقشة في حجية هذا الإجماع على فرض التحقق ، لأنه ليس كاشفاً عن رأي المعصوم ، ولا عن وجود النص المعتبر في المسألة غير ما في أيدينا مما سنشير إليه إن شاء الله تعالى .

وأما بحسب الأدلة فأولا: يمكن أن يقال ـ بناءً على القول بصحة عبادات الصبي المميز ـ : إنه يصح منه حجة الإسلام ويجزي عنه إذا كان مستطيعاً، سواء بلغ في الأثناء أو لم يبلغ .

نعم لو حج وبلغ بعد الفراغ عنه نقول بعدم إجزائه عن حجة الإسلام بالدليل ، وهو مثل رواية إسحاق بن عمار المتقدمة قال « سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن ابن عشر سنين يحج ؟ قال : عليه حجة الإسلام إذا احتلم وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت» .

فعلى هذا ، قول المشهور بإجزائه إذا بلغ وأدرك أحد الموقفين مطابق للقاعدة ، لا يحتاج إلى إقامة الدليل .

نعم يورد على هذا البيان بلزوم القول معه بإجزاء حجه وإن بلغ بعد الموقفين ، ولكن يمكن أن يجاب عنه بأن ذلك في العبد بدلالة النص وفي الصبي بالإجماع فإنه لم ينقل عن أحد القول بالإجزاء في هذه الصورة .

فإن قلت : فما تصنع بإطلاق الروايات مثل صحيحة إسحاق بن عمار ، حيث استدل بإطلاقها بعض الأعاظم فقال : « إن صدرها وإن كان وارداً بالنسبة إلى الصبي وهو ابن عشر سنين ، وتصوير البلوغ بالإحتلام في أثناء الحج في حقه بعيد جداً ، ولكن ذيلها وارد في الجارية وإن عليها الحج إذا طمثت ، وتصوير حدوث الطمث من الجارية أثناء الحج أمر ممكن ، وبالجملة مقتضى إطلاق الصحيحة عدم الفرق في عدم الإجزاء بين حدوث الطمث بعد تمام الأعمال وبين حدوثه في أثناء الحج ».

قلت : لا إطلاق لهذه الرواية بعد ما كان مورد صدره المشتمل على سؤال إسحاق وجواب الإمام (عليه السلام) مقصوراً على حكم حج الصبي بعد تمام الأعمال ، لعدم تصوير غير ذلك في حج ابن عشر سنين . فيحمل قوله (عليه السلام) : « وكذلك الجارية » على ما هو موضوع سؤال السائل في الصدر ، وهو حكم حج الصبي بعد إتمام الأعمال ، فلايصح أن نجعل ذيل الذي بيانه متفرع على الصدر على الأعم بعد ما كان المراد من الصدر الأخص ، وهو خصوص الحج الواقع من الصبي فتدبر .

- و ثانياً استدل على ذلك بوجوه : أحدها بالنصوص الواردة في العبد ، مثل رواية معاوية بن عمار  قال : « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : مملوك اُعتق يوم عرفة ؟ قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » . باستظهار عدم خصوصية للعبد من النصوص وأن المناط الشروع حال عدم استكمال شرايط الوجوب واستكمالها قبل المشعر .

وفيه : منع استظهار ذلك ، لأن إلغاء الخصوصية محتاج إلى القطع بعدم دخالتها في الحكم ، مثل رجل شك بين الثلاث والأربع فإنه يلغى خصوصية الرجولية للقطع بعدم دخلها في الحكم ، وأنا لنا ذلك فيما نحن فيه ، مع أنه لو قلنا بإلغاء الخصوصية يلزم أن نقول به فيمن حج متسكعاً ثم استطاع قبل المشعر مع أنهم لا يقولون به .

- وثانيها : ما ورد في أن من لم يحرم من مكة أحرم من حيث أمكنه قبل المشعر، مثل رواية الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ،  عن محمد بن أحمد العلوي ،  عن العمر كي بن علي الخراساني ،  عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام)قال : « سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله ؟ قال (عليه السلام) : يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك (صلى الله عليه وآله) فقدتم إحرامه ، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده إن كان قد قضى مناسكه كلها فقد تم حجه » .

ولكن لا ارتباط لهذه الرواية بما نحن فيه لأنها تدل على من قصد الحج وذهب إلى عرفات لكن نسي الإحرام وذكر وهو بعرفات يتداركه بهذا الدعاء ، وأين ذلك ممن لم يكن بالغاً وأحرم للحج وبلغ في عرفات ؟ وإلا فيجب أن نقول : بأنه إذا بلغ بعد قضاء مناسكه يجزيه عن حجة الإسلام .

ومن الروايات رواية إسحاق بن عمار المتقدمة ، قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة وخرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام ؟ قال (عليه السلام): قل لهم يغتسلون ثم يحرمون، واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم » .

بدعوى إلغاء خصوصية ترك الإحرام في الحكم وشموله لكل من أدرك عرفات ، سواء أدركها بدون الإحرام أو أدركها مع الإحرام وبلغ فيها .

وفيه : أن موضوع الحكم في الرواية الحكم بصحة الحج وكفاية الإحرام من عرفات لمن لم يحرم من مكة جهلا أو نسياناً، ولا ارتباط لها بإجزاء حج من أحرم من مكة ووقع حجه صحيحاً غير أنه بلغ قبل المشعر عن حجة الإسلام .

- ثالثها : الأخبار التي دلت على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج .

بتقريب: أن ما هو المعتبر في الحج إدراك المشعر، فإذا أدركه بالغاً يكفي في وقوع حجه حجة الإسلام ، ولا يضر إتيانه بالأعمال السابقة في حال عدم البلوغ .

وفيه: أن مفادها الحكم بصحة حج من أدرك المشعر والمفروض هنا صحة حج البالغ ومشروعيته وإتيانه بما قبل المشعر ، وما دل على صحة الحج بإدراك المشعر لا يدل على وقوع حج الصبي حجة الإسلام بالوقوف في المشعر بالغاً .

ثم إن هنا مسائل :

- الاُولى : أنه بعد الفراغ من إجزاء حج الصبي عن حجة الإسلام إذا بلغ وأدرك أحد الموقفين فهل يجب تجديد النية لقلب الحج إلى حجة الإسلام أو ينقلب قهراً إليها ؟ مقتضى ما حققناه ـ من أن الأصل وقوع ما يأتي به المميز حجة الإسلام وأن عدم إجزائه عنها إذا لم يدرك أحد الموقفين بالغاً قد ثبت بالإجماع ـ لا قلب هنا حتى يقال باحتياج ذلك إلى النية أو حصوله قهراً .

- الثانية : هل يعتبر في الإجزاء كونه مستطيعاً من حين دخوله في الإحرام أو يكفي استطاعته من المشعر ومن حين البلوغ ؟ الظاهر اعتبار الاستطاعة في الإجزاء من أول الأمر لاختلاف حقيقتهما .

- الثالثة : هل يكفي في الإجزاء إدراك أحد الموقفين من غير فرق بين عرفات والمشعر ؟ الظاهر أنه لا فرق فيذلك في الإجزاء . نعم لو أدرك الوقوف بعرفات ولم يدرك وقت المشعر الاختياري ولا الاضطراري فالمسألة تدخل تحت مسألة من أدرك وقت عرفات ولم يدرك المشعر أصلا .

- الرابعة : هل الحكم بالإجزاء مختص بحج القران والإفراد أو هو أعم منهما والتمتع ؟ مقتضى ما قلنا في أصل المسألة من تحقق الإجماع على عدم الإجزاء إذا لم يدرك أحد الموقفين بالغاً هو الأعم .

وبعبارة اُخرى : البحث هنا يجري في أن الإجماع القائم على عدم الإجزاء إذا لم يدرك أحد الموقفين هل هو مطلق يشمل الحج بأنواعه الثلاثة أو مختص ببعض أنواعه ؟ الظاهر أنه مطلق ، وأما إجزاء حج من أدرك أحد الموقفين بالغاً فهو في الأنواع الثلاثة مطلق وعلى وزان واحد .


إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على مورثهم

إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على مورثهم

إذا قصرت التركة عن أداء الدين و قضاء حجة الإسلام

إذا بلغ الصبي بعد الإحرام وصار مستطيعاً

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)