امامة و اهل البیت جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

امامة و اهل البیت - جلد 1

محمد بیومی مهران

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

1- فأما عصبية العروق:

فإنها فطرة في النفس الإنسانية، ومن أجل هذا لم يقاومها الإسلام، مقاومة تقضي عليها، وإنما كان شأنه معها، كشأنه مع سائر الأمور الفطرية، يقوم فيها ما أعوج، وينهنه منها ما غلا، وشاهد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يتسنم الشرف من بيته وقبيلته وقومه، وذلك حيث يقول:

إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم

[صحيح مسلم 15 / 36، القسطلاني: المواهب اللدنية 1 / 13.]

فالاعتزاز بالعصبية فطرة لم يقاومها الإسلام، وإنما قاوم الظلم الناجم عنها، حتى تستقيم الحياة على ما ينفع الناس.

غير أن العرب- بما فيهم من فضائل فطرية، ظاهرتها فضائل الدين- لم يستطيعوا الاحتفاظ طويلاً بهضم نفوسهم، وقهر شهواتهم، فنزعوا إلى الاستعلاء بالعروق، والاستطالة بالأنساب، فلما مهد الإسلام لهم سبل النعمة، ومكن لهم من السلطان، استغلظت بينهم الفتن، وضرب بعضهم رقاب بعض، حتى خيم عليهم الفناء، وكانت السنة المألوفة في صدر الإسلام، أن تكون كتائب الجيش من القبائل العربية، وأن يكون أمراؤها من ساداتها.

ثم كان الملك العضوض يتربص الدوائر بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، الطاهرين المطهرين، ضرباً بالسيوف، وقعصاً بالرماح، وصلباً على الأعواد، يحدث ذلك كله- ويا للعجب- بين أسماع الأمة وأبصارها.

ولم تكن عصبيات العروق قد ماتت في أنفس المسلمين، من غير العرب، فبدأت تستيقظ عاقدة آملة، وأعتى الشرور، شر يزحف مدفوعاً بالحقد مزوداً بالأمل، وأي أمل آمل من آل البيت، يتخذهم الطامعون في السلطان، مسعر فتنة، كما اتخذ بنو أمية وتباعهم- أول عهد دولتهم بالحياة- قميص عثمان لسان فتنة، لا يجاريه في فصاحته وبيانه لسان.

وقامت دولة بني العباس "132- 156 هـ/ 750- 1258 م"، وقد شارك في إقامتها أبناء فارس، وكان الظن ببني العباس أن يكونوا أقرب إلى الخلافة منهم إلى الملك العضوض، وخاصة فيما يتصل بآل البيت، وخابت الظنون خيبة ملأت من اليأس النفوس، وأو قرت الصدور حقداً آنفاً، إلى حقد قديم، فمضى الملك العضوض في دولة بني العباس على الطريق نفسها، التي استنها الملك العضوض في دولة بني أمية، وراح الخلفاء في هذه الدولة يركبون متون الظنون إلى كل عظيمة، تتصل بالرعية التي أصابها الحرمان في كل مقدس، وفي ذروة ذلك كله، الأمن والطمأنينة، ووحدة الكلمة.

ومهما يكن هذا السلوك مصيباً أو مخطئاً، ومثوباً أو خاطئاً- على ما يختلف في ذلك المؤرخون- فليس هاهنا موضع الحكم عليه، ولا القضاء فيه، وكل ما نريد أن نقول هو: أن الحقد يذكر بالحقد، والشر يغري بالشر والمطامع عدوي.

ولما رأى المسلمون- من غير العرب- أن بني العباس كانوا يصدرون فيما يأخذون، أو يدعون، مع أبناء عمومتهم، عن عصبية قبلية، أو عن أهواء ذاتة راح زعماؤهم يفكرون في الحصول على السلطان، ولو أفضى ذلك إلى تقويض دولة بني العباس.

ولم يكن من اليسير أن تدعو أية عصبية غير عربية إلى نفسها، دعوة صريحة، فاتخذوا من آل البيت وسيلة إلى غايات بعيدة المدى، كثيفة الحجاب، والتف من حول هذه الدعوات كثيرون، بعضهم يدفعه إلى ذلك حب آل البيت، ورغبة في الانتصاف لهم، وبعضهم يدفعه حقد دفين، وغيظ كظيم، فهاجت الفتن هياجاً شديداً، واستوعبت كثيراً من أهل السياسة، وأهل العلم، فضلاً عن الأدباء والشعراء.

وفي نفس الوقت كانت الدولة العباسية تخبط خبط عشواء، فحيناً تصادف حقاً، وأحياناً تواقع باطلاً، حتى انتكث فتلها، وأجهز عليها عملها، وقامت

الدويلات تتحداها في أكثر من موضع، ولم يزل الأمر على ذلك، حتى استقرت الخلافة في تركيا في آل عثمان، وكانت هذه آخر مراحلها، وفيها لفظت آخر أنفاسها

[الباقوري: مع القرآن ص 20- 23.]، في الثاني والعشرين من رجب سنة 1342 هـ، الموافق الثالث من شهر مارس سنة 1924 م، عندما أعلن مصطفى كمال أتاتورك "1298- 1351 هـ/ 1880- 1938 م" إلغاء نظام الخلافة نهائياً، والتي استمرت أكثر من أربعة قرون، وخلا العالم الإسلامي- وللمرة الأولى في تاريخه- ممن يحمل لقب الخليفة، أو حتى سلطان المسلمين.

2- وأما العصبية المذهبية:

فلقد انقسم المسلمون إلى مذاهب ثلاثة:

أهل السنة والشيعة والخوارج.

فأما مذهب أهل السنة: فخصيصته تظهر في أمرين، أولهما: ترتيب الخلفاء الراشدين من الفضل حسب ترتيبهم في الولاية، فهم في الذكر والفضل معاً على هذا الترتيب: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

وثاني الأمرين: أن ما وقع من السلف الصالح من قتال، إنما كان الدافع إليه الاجتهاد، وبذل الوسع في طلب الحق.

2- وأما مذهب الشيعة:

فهو مذهب الذين يهوون هوى عترة النبي صلى الله عليه وسلم، ويوالونهم من أتباع أمير المؤمنين سيدنا الإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة- وابنيه- الإمام الحسن والإمام الحسين، عليهم السلام-.

والصورة المجملة لمذهب الشيعة- كما سنرى- أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة، بل هي ركن الدين، وقاعدة الإسلام، وفي رأيهم أنه لا يجوز أن يغفل النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الركن، ولا أن

يفوضه إلى الأمة، والإمام علي، هو الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون خليفة للمسلمين.

3- وأما الخوارج:

فإن أصح الناس نظراً، وأقواهم بياناً، لا يبلغ من صفتهم، ما بلغ الحديث المأثور: حدثاء الأسنان، تحقرون صلاتكم بصلاتهم، وصيامكم بصيامهم، يقرأون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية

[أنظر روايات مختلفة للحديث الشريف "النسائي: تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه ص 95- 105- بيروت 1983 م، سيرة ابن هشام 4 / 370."]

وقد كانوا من التنطع في القول والفعل والتفكير بالمنزلة التي يرثي لها الشامت، فلقد خرجوا على الإمام علي بعد واقعة التحكيم- وكانوا من قبل أصحابه وأنصاره في الجمل وصفين- واتخذوا لأنفسهم شعاراً، تستأسر له عواطف المسلمين، فذلك قولهم لا حكم إلا لله

[أنظر عن الخوارج "ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 4 / 132- 278".]

ويرد سيدنا ومولانا الإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة- على شعارهم هذا بقوله. كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا الله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة، وإنه لا بد للناس من أمير، بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر

[شرح نهج البلاغة 2 / 307.]

وشر ما في هؤلاء الخوارج من شر، أنهم كانوا يتأولون القرآن تأولاً يفسدون به نظام الأمة، ويشوهون به وجه الإسلام.

ومن أعجب زيغهم عن الحق، أنهم لا يتعرضون للمشركين بضر، لأن

الكفر في مذهبهم عاصم لدماء الكفار، تأويلاً لقول الله تعالى: * "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه" *

[سورة التوبة: آية 6.]، وفي نفس الوقت يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وقد أسرفوا في هذا إسرافاً جعل المسلم، إذا وقع في أيديهم، يزعم أنه مشرك، لينجو من بطشهم

[أنظر أمثلة الكامل للمبرد 30 / 212، شرح نهج البلاغة 2 / 280- 283.]

ومن أعجب زيغهم عن الحق أيضاً، أنهم كانوا يستحلون قتل أطفال المسلمين، يتأولون في ذلك قول الله تعالى- حكاية عن نوح عليه السلام- * "رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" *

[سورة نوح: آية 26- 27.]، فكانوا يستندون في قتل أبناء المسلمين إلى هذه الآية الكريمة، يتأولونها على أن هؤلاء الأطفال صائرون إلى الكفر والفجور، إذا بلغوا مبلغ الرجال، وبهذا يسوغ قتلهم.

وليس يعرف الناس منطقاً، أدخل في باب الخبل، وأنأى عن مقاصد الشريعة، وأشد حرباً لكتاب الله، من هذا المنطق الخبيث

[الباقوري: مع القرآن ص 43- 44.]

امامة المفضول


يقول ابن حزم: إن الخوارج والشيعة- ما عدا الزيدية- وقوم من المعتزلة، يذهبون إلى أنه لا تجوز إمامة أحد، إذا وجد من هو أفضل منه، قال أبو الحسن الأشعري: يجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه في شروط الإمامة ولا تنعقد الإمامة لأحد، مع وجود من هو أفضل منه فيها- وإن أجاز بعض الأشاعرة عقد الإمامة للمفضول

[البغدادي: أصول الدين- بيروت 1981 ص 293.]

ويرى ابن حزم: أن عدم جواز عقد الإمامة للمفضول ليس صحيحاً، إذ لو كان صحيحاً، لما صحت إمامة أبداً، إذ لا يتيقن الفضل في أحد بعد الصحابة، مع توازي الناس في الفضل وتقاربهم، ثم يضرب ابن حزم مثلاً بقبيلة قريش في زمانه "أي في الفترة 384- 456 هـ/ 994- 1064 م"، فإنها قد كثرت، وطبقت الأرض من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، فلا سبيل أن يعرف الأفضل من قوم هذا مبلغ عددهم، بوجه من الوجوه

[ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل 4 / 110 "دار الباز- مكة المكرمة 1957".]

وأما أهل السنة والزيدية والمرجئة، وقوم من المعتزلة، فقد ذهبوا إلى إمامة المفضول، الذي في الناس أفضل منه، إذا كان المفضول قائماً بالكتاب والسنة، يقول ابن حزم: وهذا هو الصواب، إلا إذا كان الفضل في جميع الوجوه متيقناً، من الفضل البين والعلم- كما كان في أبي بكر

[ابن حزم: الأصول والفروع 2 / 292 "تحقيق محمد عاطف العراقي- القاهرة 1978".]

وعلى أية حال، فهناك من يرى أنه لا يجوز إمامة المفضول بحال، ويفسق المفضول، إذا سبق الأفضل بالدعوة

[أحمد صبحي: المذهب الزيدي ص 49.]

على أن الزيدية

[الزيدية: هم أتباع الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين، وبعد استشهاد زيد انقسم تلاميذه إلى فرق، فجعلهم القاضي عبد الجبار ست فرق: هي الجارودية والسليمانية البترية واليمانية والصباحية والعقبية "المغني في أبواب التوحيد والعدل 20 / 184- 185- القاهرة 1965" وذكر الرازي لهم ثلاث فرق هي: الجارودية والسليمانية والصالحية "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 52- 53"، وأما الأشعري فالرأي عنده أنهم ست فرق هم: الجارودية والبترية والعقبية، ثم النعيمية، ولا يذكر اسم الفرقة الخامسة "والتي يرى أنها تتبرأ من أبي بكر وعمر، ولا تنكر رجعة الأموات"، وأخيراً اليعقوبية "مقالات الإسلاميين 1 / 140- 145"، وأما النوبختي، فيقسمهم إلى الضعفاء والأقوياء "فرق الشيعة ص 57- 58- دار الأضواء- بيروت 1984 م"، على أن المسعودي إنما يذكر لهم ثماني فرق "مروج الذهب 3 / 220"، ويذكر المقريزي خمس فرق هي: الجارودية والجريدية والبترية واليعقوبية والصباحية "خطط المقريزي 2 / 352- 354".

ولا يذكر ابن تيمية "منهاج السنة 1 / 265" والبغدادي "الفرق بين الفرق ص 22- 23" والاسفراييني "التبصير في الدين ص 16- 27" والشهرستاني "الملل والنحل 1 / 154- 162" غير ثلاث فرق هي: الجارودية والسليمانية والبترية، وانفرد ابن النديم يذكر فرقة القاسمية "الفهرست ص 274"، وأما الملطي أقدم مؤرخي الفرق "ت 377 هـ/ 987 م"، فقد اعتبر الزيدية من جملة الروافض بحجة طعنهم في عثمان، وإن كانوا يتولون أبا بكر وعمر، ثم قسمهم إلى أربع فرق "التنبيه والرد ص 38- 39 و 156"، وانظر الزيدية وفرقها "الدكتور أحمد شوقي إبراهيم: الحياة السياسية والفكرية للزيدية في المشرق الإسلامي- رسالة دكتوراه من قسم التاريخ- كلية الآداب- جامعة المنيا- 1411 هـ/ 1991 م".] رغم اعتقادهم بأفضلية الإمام علي بن أبي طالب على

جميع الصحابة- إنما اعتقدوا في صحة خلافة أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، وأن طاعتهما واجبة، وإذا كان علي أفضل بمناقبه في الإسلام ومواقفه في الحروب، فإن مصلحة المسلمين كانت في تولي الشيخين، يقول الشهرستاني:

كان علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أفضل الصحابة، إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها، وقاعدة دينية راعوها، من تسكين ثائرة الفتنة، تطييب قلوب العامة، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً، وسيف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، من دماء المشركين من قريش لم يجف بعد، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر، كما هي، فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل، ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد، فكانت المصلحة أن يكون القائم بهذا الشأن من عرفوه باللين، والتؤدة، و التقدم في السن، والسبق في الإسلام، والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا ترى أنه "أي أبو بكر" لما

أراد في مرضه الذي مات فيه، تقليد الأمر عمر بن الخطاب، زعق الناس وقالوا: لقد وليت علينا فظاً غليظاً، فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب لشدته وصلابته، وغلظه في الدين، وفظاعته على الأعداء، حتى سكنهم أبو بكر لو سألني ربي لقلت: وليت عليهم خيرهم لهم.

وعلى أية حال، فإن إمامة المفضول عند الزيدية، ليست قاعدة عامة تطبق في كل الأحوال، وإلا لسقط مبرر الخروج، وإنما قال به الإمام زيد لتبرير شرعية خلافة أبي بكر، ولإسقاط دعوى الطاعنين فيه، ومن المعروف أن أهل الكوفة والبصرة اشترطوا أن يتبرأ الإمام زيد من أبي بكر وعمر، حتى ينصروه، فأبى زيد، وقال: غفر الله لهما، ما سمعت أحداً من أهل بيتي تبرأ منهما، وإني لا أقول فيهما إلا خيراً، قالوا: فلم تطلب إذن بدم أهل البيت؟ فقال: إنا كنا أحق الناس بهذا الأمر، ولكن القوم استأثروا علينا به، ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً، قد ولوا فعدلوا، وعملوا بالكتاب والسنة.

قالوا: فلم تقاتلوا هؤلاء إذن؟ قال: إن هؤلاء القوم "أي الأمويين" ليسوا كأولئك، إن هؤلاء ظلموا الناس، وظلموا أنفسهم وإني أدعو إلى كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإحياء السنن، وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيراً لكم ولي، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل، فرفضوه وانصرفوا عنه، ونفضوا بيعته وتركوه، فلهذا سموا الرافضة من يومئذ، ومن تابعه من الناس على قوله سموا الزيدية.

وهكذا فإن الإمام زيد إنما قال بإمامة المفضول، لتبرير شرعية خلافة أبي بكر، فضلاً عن إسقاط دعوى الطاعنين فيه، ومن ثم فإن أئمة الزيدية- بعد الإمام زيد- إنما يقولون بوجوب إمامة الأفضل

[ابن كثير: البداية والنهاية 9 / 371، وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ 5 / 242- 234، تاريخ الطبري 7 / 180- 181، تاريخ ابن خلدون 3 / 99، 4 / 346، المقريزي: الخطط 2 / 439، ابن العماد الحنبلي: 1 / 158- 159، الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 137، ابن تيمية: منهاج السنة 1 / 171 و 2 / 105، الذهبي: سير الأعلام النبلاء 5 / 390، المقدسي: البدء والتاريخ 6 / 50، الصفدي: الوافي بالوفيات، ابن عساكر: تاريخ دمشق 6 / 21 و 26، ابن العبري: مختصر تاريخ الدول ص 200 البغدادي: الفرق بين الفرق ص 34- 36، الصبيان: إسعاف الراغبين ص 22، الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 162- 163.]

وقالت الزيدية إن الإمام علي بن أبي طالب إنما كان مصيباً في كل حروبه، ضد طلحة والزبير وغيرهما، وأن من قاتل الإمام علي أو حاربه كان على خطأ ووجب على الناس محاربتهم مع علي

[القمي: كتاب المقالات والفرق ص 11 "هذا مع ملاحظة أن فرق الزيدية قد اختلفت في الصحابة- بعد الإمام زيد- فالجارودية يطعنون في أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، ويفسقونهما بل قال بعضهم بكفرهما، والعياذ بالله، "الرازي: اعتقادات فرق المسلمين ص 52- 53، الكتبي:

فوات الوفيات 2 / 37، القاضي عبد الجبار المغني 20- 185" وبعضهم كان يتبرأ من عثمان رضي الله عنه ويكفره "الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 144- 145، القاضي عبد الجبار:

المغني 20 / 184- 185، الأصفهاني: مقاتل الطالبين ص 468" وبعضهم رضي بخلافة أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، ولكنهم تهجموا على عثمان وكفروه، كما كفروا عائشة وطلحة والزبير "النوبختي: فرق الشيعة ص 9، الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 145، الشهرستاني:

الملل والنحل 1 / 164- 165، القاضي عبد الجبار: المغني 20 / 184، الإسفراييني: التعبير في الدين ص 17، الصفدي: الوافي بالوفيات 15 / 360، الجرجاني: التعريفات ص 107، المقريزي: الخطط 2 / 352، المقدسي: البدء والتأريخ 5 / 133".]

ويقول الجارودية من الزيدية: إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي رضي الله عنه، بالوصف، دون التسمية، وهو الإمام بعده، والناس قصروا حيث لم يتعرفوا الوصف، ولم يطلبوا الموصوف، وإنما نصبوا أبا بكر باختيارهم، فكفروا بذلك، وقد خالف أبو الجارود "زياد بن أبي زياد"- زعيم الجارودية

[القمي: كتاب المقالات والفرق- تحقيق محمد جوار مشكور- طهران 1963 ص 11.]- إمامة زيد بن علي في هذه المقالة، فإنه لم يعتقد هذا الاعتقاد

[الجارودية: نسبة إلى مؤسسة زياد بن أبي زياد المنذر العبدي "المتوفى فيما بين عامي.

150 و 160 هـ767 و 776 م"، ويكنى أبا النجم، ويقال له النهدي والقفي والكوفي، كان من أتباع الإمام محمد الباقر وولده الإمام جعفر الصادق، رضي الله عنهما، ثم تركهما ولحق بالزيدية، ولقبه الإمام الباقر سر خوبا وهو شيطان كان يسكن البحر، وقال عنه الإمام الصادق: إنه أعمى القلب والبصيرة، ويصفه النسائي بأنه متروك وليس بثقة، والجارودية من أهم فرق الزيدية، وإن كانوا هم أنفسهم مختلفين فيما بينهم، وينسبون إلى أئمة أهل البيت العلم اللدني، فطرة وضرورة قبل التعليم، وأن العلم ينبت في صدورهم كما ينبت الزرع المطر، وأن الحلال حلال آل محمد، والحرام حرامهم، والأحكام أحكامهم، وأن صغيرهم وكبيرهم في الظلم سواء، وأنهم يقولون برجعة الإمام المنتظر "وانظر عن الجارودية. الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 157- 158، البغدادي: الفرق بين الفرق ص 30- 32، الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 141 / 150، النوبختي فرق الشيعة ص 55- 57، ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب 3 / 386، القمي:

المقالات والفرق ص 70- 72.]

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى الاتجاهات المختلفة في تفضيل سيدنا الإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة- على غيره من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

روى ابن عبد البر "368- 463 هـ" في كتابه الإستيعاب في معرفة الأصحاب عن سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وخباب، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم- من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أول من أسلم، وفضله هؤلاء الصحابة على غيره

[الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 157- 158، البغدادي: الفرق بين الفرق ص 30، النوبختي:

فرق الشيعة ص 21، الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 141، المقدسي: البدء والتأريخ 5 / 133، الإسفراييني: التبصير في الدين ص 16، ابن تيمية: منهاج السنة 1 / 265، الجرجاني:

التعريفات ص 64، ابن المرتضى القلائد ص 47.]

وقد سبق الإمام ابن حنبل، ابن عبد البر

[ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، إمام عصره في الحديث والأثر، وما يتعلق بهما روى على كبار شيوخ عصره، وله مصنفات كثيرة أهمها: 1- الاستذكار لمذهب علماء الأمصار، فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار، وقد شرح فيه الموطأ على وجهه، ونسق أبوابه. 2- الإستيعاب: وفيه ترجمة للصحابة.

3- جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله. 4- الدر في اختصار المغازي والسيرة 5- كتاب العقل والعقلاء وما جاء في أوصافهم. 6- كتاب في قبائل العرب وأنسابهم، وغير ذلك من تواليفه.

وكان الحافظ ابن عبد البر، مع تقدمه في علم الأثر، وتبصره بالفقه ومعاني الحديث، له بسطة في علم النسب، كما صنف بهجة المجالس وآنس المجالس في ثلاثة أسفار. هذا وقد توفي ابن عبد البر يوم الجمعة، آخر يوم من شهر ربيع الآخرة، سنة ثلاث وستين وأربعمائة، بمدينة شاطبة بشرق الأندلس، وهي نفس السنة التي توفي فيها الحافظ الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، وكان حافظ الشرق، وابن عبد البر حافظ الغرب، وهما إمامان في علم الحديث، وأما ولادة ابن عبد البر فكانت يوم الجمعة، والإمام، لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة "وفيات الأعيان 7 / 66- 72، شذرات الذهب 3 / 314- 316، عبر الذهبي 3 / 255، ترتيب المدارك 4 / 808".] إلى ذلك.

/ 47