حکومة فی الاسلام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حکومة فی الاسلام - نسخه متنی

السیدعلی بن جواد الحسینی الخامنه ای

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



الأنبياء هم الأحق بالحكم

لما كان الحاكم الحق هو الشخص الذي اختاره الله ليحكم الناس، فإن الأنبياء قاطبةً كانوا يتوفرون على اللياقة اللازمة والكفاءة المطلوبة لممارسة الحكم بين عباد اللهولو كانت دعوات الأنبياء إلى دين الحق والتوحيد قد آتت أكلها وحققت نتائجها المرجوّة في المجتمعات التي بُعثوا فيها لكان الأنبياء هم الحكام في تلك المجتمعات، ولذلك فإن الأنبياء الذين حالفهم النجاح والتوفيق في إقامة المجتمعات المبنية على الأُسس والأصول الإسلامية والدينية صاروا هم الحكام في تلك المجتمعات.

وعلى هذا الأساس، فإن (الإمام الصادق (عليه السلام)) قال في خطبته القصيرة التي ألقاها في حشود حجاج بيت الله الحرام في (منى) إبّان العهد (الأموي)

"أيها الناس إن رسول الله كان هو الإمام"

فلقد كانت الفكرة الشائعة في أذهان الناس-في ذلك الحين-عن الإمامة والحكومة نابعةً من مشاهداتهم لحياة خلفاء الجور، فكانوا يخالون أن الحاكم بين الناس ينبغي له أن يكون شخصاً من نمط (هشام بن عبدالملك)، بَيدَ أن الإمام (الصادق (عليه السلام)) قد رفض هذا التصور ومحاه، موضحاً أن الحاكم بنظر الإسلام وبموجب معايير الإسلام

هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

الأنبياء نموذج الحاكم الإسلامي

إن ما شاع في أذهان عامّة الناس في العصر الحالي-من تصوُّر عن الحاكم، هو أنه شخص تتوفر فيه صفات معينة ليس من بينها الأخلاق والقيم المعنوية. لقد آمن الناس بسهولة-بأن حاكم المجتمع له أن يكون عاقلاً، مدبّراً، كفوءاً، لكن القليلين من الناس يدركون ويؤمنون بأن الحاكم ينبغي له أن يكون امرءاً زاهداً عافت نفسه الدنيا، وشخصٌ ورع كيّس مقاوم لأهوائه النفسية.

هذا هو التصور الخاطئ الشائع في عقول أكثرية الناس في عالمنا المعاصر، وهو مسبّب لوجود حكّام ظَلَمة من عباد الأهواء كانوا يمسكون بأيديهم مقاليد أمور الناس طيلة العهود المنصرمة من التاريخ.

ولقد جاء القرآن الكريم فمزّق كلّ أنسجة هذا التصور الخاطئ، وأعطى الناسَ صورةً راقية رائعة للحاكم، من خلال تقديمه نموذج الأنبياء للشعوب. فللحاكم والوالي عدة خصال ومميزات في الرؤية القرآن تختلف اختلافاً جوهرياً عمّا تسالمت عليه الثقافات المادية، وعمّا فهمه ذوو النظرة الضيقة واعتقده الناس الخاضعون للسيطرة الثقافية، والرازحون تحت الهيمنة السياسية طوال التاريخ الماضي.

كنّا قد أسلفنا القول أن الصفات التي يتمتع بها الحاكم الإسلامي يمكن أن تتبلور جيداً من خلال الملامح العامة الوارد ذكرها في القرآن الكريم بشأن الأنبياء. كما أشرنا إلى نماذج من تلك الصفات والخصال والمتمثلة في شخصية الأنبياء، وأوضحنا أن كل واحد من الأنبياء هو نموذج للحاكم الإسلامي، إذ يتوفر فيه العِلم والحكمة، وتتجسد لديه الأخلاق الإنسانية النبيلة، وتتمثل في شخصية التزكية وتهذيب النفس.

كما أن من أبرز صفاتهم كونهم (شعبيون) ومن بين جماهير الشعب

وعامة الناس، وهم يدركون منطق الناس ويشعرون بمعاناتهم ويتحرقون من أجلهم. وسبق أن قلنا إن الأنبياء ما كانوا يريدون أجراً في مقابل خدماتهم، بل أنهم جميعاً رفعوا شعاراً واحداً هو

«وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ»

إنهم لا يريدون ملء جيوبهم من أموال الناس وليسوا مولعين بحب مال الدنيا وزخرفها، ولا متلهفين لرياشها وقناطيرها المقنطرة ورفاهيتها، وهذه صفة أخرى من الضروري أن يتحلى بها الحاكم الإِسلامي بالإضافة إلى جملة من الخصائص الأخرى، ومنها قوة الإرادة وشدة العزيمة

"أولي قوة في عزائمهم"

كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام). ولذلك فإنهم حلّوا أصعب المشاكل وعالجوا أعسر الأمور، واجتازوا أخطر الطرق والمسالك، فلم ييأسوا ولم يُصِبهم النرد ولا اعترتهم الاستكانة ولا الخنوع.

إذن فجديرٌ بهذا المخلوق أن يكون على رأس أجهزة الحكم في المجتمع الإسلامي ليقوم بإدارة البلاد.

الفصــــل الثالـــــث

الحكـــومة الطاغوتيـة والحاكم الطاغوتي

أهمية تشخيص الجوانب السلبية في شخصية الحاكم

بعد أن استعرضنا-في الفصل السابق-ملامح الحاكم الإسلامي وسماته، فمن الضروري أن تقوم باستعراض ملامح الحاكم غير الإسلامي، إذ ليس كافياً أن نتعرف على الخصال الإيجابية في شخصية الحاكم بلينبغي لنا تناول الجوانب السلبية، فما دام المسلمون لا يعرفون هذه الجوانب ويشخصونها، لا يمكنهم التعرف-ببصيرة ووعي-على مَنْ يليق بتولّي أمور الحكومة، ويسلّمون له ويطيعون، ويكون رهن إشارته وطوع إرادته.

لقد أدّى الخداع والاحتيال اللذان امتلأت بهما عهود حكومات الظالمين الطويلة في التاريخ الإسلامي-من خلال تستّرهم باسم الإسلام- إلى عدم تمكّن الناس من تشخيص النقاط السلبية لدى الحاكم.

فمن الضرورة بمكان أن نعرف ملامح شخصية الحاكم الطاغوتي أيضاً لكي نعي أن مَنْ يكون على رأس الحكومة ويمسك زمام الحكم في المجتمع الإسلامي يجب أن يكون نزيهاً من صفات الحاكم الطاغوتي، وتحضرني هنا رواية عن (الإمام الصادق (عليه السلام)) تقول

"إن بني أمية أطلقوا للناس تعليم الإيمان ولم يطلقوا لهم تعليم الكفر حتى إذا حملوهم عليه لم يعرفوا"

أي أنهم سمحوا للناس بتعلم صفات الإيمان وعلائمه فأطلقوا لهم

حرية التحدث عن العدل-مثلاً-إلا أنهم لم يسمحوا لهم بشرح معنى الظلم وعلائمه، إذ-والحالة هذه-لو عرف الناس ما هو الظلم ومن هو الظالم لأدركوا أن الحاكم الذي تسلط عليهم متذرعاً بكونه (خليفة)؛ شخص ظالم، ويكتسب الناس الوعي والبصيرة، وبناءً على ذلك فينبغي البحث في موضوع صفات الحاكم الطاغوتي.

الصفات الرئيسية للحاكم الطاغوتي

سنتناول هنا-بشكل سريع- الصفات الرئيسة للطاغوت، من خلال الصورة التي عرضها القرآن الكريم عنه. فضلاً عن ذلك فإن القرآن تحدث عن أشخاص معيَّنين باعتبارهم (طواغيت) يمكن جعلهم مقياساً لغيرهم من الطواغيت، (كفرعون وهامان ونمرود وقارون).

فإذا أخذنا بعين الاعتبار ملامح شخصية كل واحد من هؤلاء الطواغيت والخصائص التي ذكرها له القرآن والروايات التي تحدث عنه؛ يمكننا التعرف جيداً على ماهية الطاغوت وصفاته.

الصفة الأولى

الاستكبار

وهي أولى الصفات التي وردت في القرآن بالنسبة للحاكم الطاغوتي، وتتمثل هذه الخصوصية في التكبُّر على الناس، والابتعاد عنهم، واعتبار الحاكم لنفسه أن أرقى من الآخرين وأفضل. يقول القرآن عن (فرعون)

«إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ»(الدخان/31).

ويقول تبارك وتعالى

«إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا»(القصص/4).

وهذه الصفة تقابل ما أوردناه سلفاً من قول لأمير المؤمنين (عليه السلام)؛ وهو يصف الأنبياء (عليهم السلام)

"ضعفةً في أعين الناس"

إذن، ففي الوقت الذي نرى فيه أن الحاكم الإسلامي يبرز من بين أوساط الناس، وينفرز من بين صفوفهم تلقائياً، ويتعاطى مسائلهم، ويعالج أمورهم طوعاً؛ يسمع ما يقولونه، ويسعى فيما يريدونه، ويبذل الجهود لتحقيق ما يصبون إليه، نرى أن الحاكم الطاغوتي ميّالٌ إلى الابتعاد عن الناس، والتميّز عنهم، واختصاص نفسه بحقوق خاصّة، واستثناء نفسه من شمول القوانين الموضوعة للناس قاطبةً، واعتبار نفسه من نمط أسمى وجنس أرقى.

ومن المؤكد؛ إن هذه الصفة أوضح وأبرز من صفة الكفر بالله، إذ كان هناك الكثير من الحكام الطواغيت في العالم-وما زالوا-يتشدقون بذكر اسم الله-تعالى-بَيدَ أنهم لا يذكرونه إلا ليخدعوا-بذلك-الناس ويحتالون عليهم، وهناك الآن كثير منهم ما فتئوا يتنطّعون بذكر الله، ويتسترون به، ويحاولون تلبيس الحقيقة، وطمسها-من خلال ذلك-على الناس.

بينما الأمر ليس هكذا بالنسبة للأنبياء وأوصيائهم والحكّام الإسلاميين الواقعيينفالحكام الطواغيت يتشدقون باسم الله ما داموا بحاجة إلى ذلك، وعندما لا يجدون بُدّاً من التظاهر بعبادة الله فإنهم لا يترددون في التظاهر بها، بيد أنهم يخلعون عنهم هذا الرداء بمجرد أن يروا أنفسهم غير محتاجين له، وبمجرد أن يشعروا بأن الناس لا تتوقع منهم ذلك، أو حينما يجدون أن قيامهم ببعض الأعمال وارتكابهم بعض الممارسات سيبقى طيّ

الكتمان ولن يطّلع عليه الناس، فحينذاك يقترفون كل ما يمكنهم اقترافه، مهما كانت طبيعة العمل الذي يقومون به.

وحقاً، إن التاريخ ملئ بالدروس العجيبة والعِظات البليغة. فحينما يتأمّل المرء في حياة (بني أمية وبني العباس) يرى هذا الأمر بوضوح. فعلى الرغم من تشدقهم وتظاهرهم بعبادة الله وتطبيق الإسلام، وعلى الرغم من اعتقاد الناس أنهم (حصون الإسلام) إلاّ أنهم كانوا غارقين في الفساد والفحشاء، موغلين في الظلم والإسراف، وهذا ما يتنافى كلياً مع ادعاء عبادة الله والتظاهر بطاعته.

وبالطبع لا بُدّ من القول هنا أن (الأمويين والعباسيين) كانوا بحاجة إلى استغفال الناس وإخفاء هذه الحقائق عنهم. وحينما اعتاد الناس تدريجياً على شيوع الفساد في أجهزة الحكومات (الأموية والعباسية)، وصاروا مهيّئين لرؤية مظاهر هذا الفساد بشكل علني في تلك الحكومات؛ طفق الأمويون والعباسيون يجاهرون بانحرافاتهم، ولم يعد ثمة ادعاء بعبادة الله أو طاعته، وبدأت أعمال الخصومة والعداء للناس وتجاهل مشاعرهم تظهر شيئاً فشيئاً. وهذه صفة مهمة من صفات الحاكم الطاغوتي وهي تجاهُل آراء الشعب وطموحاته وعدم المبالاة بمطالبه.

وإذا اعتبرنا هذه القضية إحدى المعايير المهمة ونقطة بارزة في هذا المضمار، فيمكننا بعدئذ التساؤل إذن كيف يكون الدفاع عن الشعب حقاً؟ وما هي حقيقته؟ وكيف يتم الاعتناء بمطالب الشعب يا ترى؟ فهذا مجرد ادعاء لا غير، ويمكن أن يدعيه الكثيرون، وسأتناول ذلك في ما سيأتي من البحث، واطرح مقارنةً بين صفات الحاكم الإسلامي والحاكم الطاغوتي بالقياس لأوضاعنا الحالية، وإذ ذاك يمكن أن يتجلى بوضوح كيف يمكن الاطمئنان إلى صدق ادعاء المتشدقين بالدفاع عن الشعب.

والقرآن الكريم تحدث عن هذه الصفة لدى الطواغيت بالعديد التعابير، منها؛ العلوّ والاستكبار، والطغيان، وغيرها. وكلها تتناول عدم

اهتمام الحكام الطاغوتيين بالشعب.

/ 30